التضييق على من تلبس الحجاب الشرعي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فزادكِ الله حرصًا على التمسكِ بشعائر الدين وفروضه، وهدى الله أهلكِ وأولي الأمر في بلدكِ إلى الحق.

لقد وفقكِ الله إلى الفوز في الجولة الأولى في صراعكِ مع الباطل حين قدمتِ الحجاب - وهو واجب وفرض في دينكِ - على المندوب المستحب؛ وهو الدارسة الجامعية والحصول على رخصة عمل أو شهادة تمثل مركزًا اجتماعيًّا في أعين الناس، والله عز وجل لن يحاسبكِ على ترككِ الدراسة، ولكنه لا شك يسألكِ عن نزع الحجاب لا قدر الله، والصراع مع الباطل صراع ممتد لا يتوقف على الحجاب، ولن ينتهيَ عند حد الاختيار بين الحجاب واستمرار الدراسة، فاثبتي على طاعة الله، واعلمي أن ما عند الله لا يناله المرء إلا بطاعته.

كنت أود أن أعرف أيَّ بلد عربية تلك التي تحارب الحجاب، حتى إنها لا تسمح للفتيات المحجبات بالدراسة، والأعجب من ذلك أن والدكِ يخشى أن يمشي معكِ وأنتِ محجبة في الشارع، فهل يخشى من معاملة الناس السيئة لكما بسبب الحجاب، أو يخشى من مضايقات أمنية من الشرطة؟

على العموم سوف نطرح عليكِ بعض الأفكار بشكل عام.

أرى أن هناك مخارجَ أخرى لمشكلتكِ؛ فالأمر لا ينحصر بين اختيارين لا ثالث لهما، لكن لا أستطيع أن أجزم أن أيًّا من هذه الحلول يصلح في حالتكِ، الأمر يتوقف على قدرتكِ على المواجهة وتحمُّل الأذى والمتاعب، وعلى شدة هذا الأذى مقارنة بالمصالح المنتظرة من إكمال التعليم الجامعي.

على كل حال سأطرح عليكِ بعض الأفكار كما يلي:

استكمال الدراسة والانتظام فيها بالحجاب الشرعي، وتحمل الأذى والاضطهاد الذي قد يقع، وأنا لا أتخيل أنه لا فتاة محجبة في بلدكِ تستكمل تعليمها الجامعي، فإن كانت شخصيتكِ قوية وعندكِ عزيمة وإصرار - وهذا ما أتوقعه - فانضمي لهؤلاء الفتيات اللاتي قررن أن ينتزعن حقهن في التعليم رغم الاضطهاد والأذى، بل إنني أتمنى أن تكوني من الرائدات في هذا إن كان عددهن قليلًا.

إذا لم يكن الاقتراح الأول ممكنًا، فيمكن أن تنتسبي لإحدى الجامعات النظرية؛ حيث لا التزام بالحضور، وتذهبين فقط لأداء الامتحانات آخر العام.

فإذا لم تكن الحلول السابقة ممكنة، فيمكن الاكتفاء بالدراسة الحرة، فلا يعني ترككِ للجامعة أن تكوني غير متعلمة، غير مثقفة، فانظري في أيِّ العلوم التي تصلح لكِ ويمكنكِ دراستها بعيدًا عن الجامعة، فتعلمي منها شيئًا يعادل أو يفوق ما يدرسونه في الجامعة، مثل اللغات، أو العلوم الإنسانية أو أي دارسة نظرية متاحة، وخاصة تلك التي يمكن أن تحصلي فيها على شهادات أون لاين.

فإن كان حالكِ ميسورًا، فيمكن أن تنتسبي لجامعة في بلد عربية قريبة منكِ تسمح بالحجاب، ولا تسافرين إليها إلا خلال أيام الامتحانات فقط.

هناك عدد من الجامعات تتيح لكِ الدراسة والاختبارات أون لاين، وتحصلين منها على شهادة جامعية، وبعض هذه الشهادات دولية معترَفٌ بها في معظم الدول العربية أو على الأقل يمكن معادلتها بسهولة.

إذا قررتِ الدراسة من المنزل، فأنصحكِ بدراسة اللغات، سواء كانت اللغة العربية أم لغة أخرى أجنبية، فهذه الدراسة لها مستقبل في معظم البلاد العربية، فما زلنا خلف الركاب نأخذ علومنا من الآخرين ونحتاج من يتقن لغتهم.

ما ذكرته لكِ مجرد أفكار ربما لو شحذتِ ذهنكِ، وفكرتِ وبحثتِ جيدًا لاهتديتِ لأفكارٍ أفضلَ منها.

وما أريد أن أحذركِ منه أن تكون هناك رغبة في الكسل والدعة والسكون تتحرك في عقلكِ من خلف الستار، وتزين لكِ تركَ الدارسة والعلم والبقاء في البيت في راحة بلا دراسة ولا عمل بحجة الاضطهاد، فأنتِ لستِ الوحيدة في العالم التي تتعرض للأذى بسبب حجابها أو حتى بسبب معتقداتها الدينية، فكم من طالبة مُنعت من دخول الامتحانات بسبب النقاب، فرفضت أن تخلعه وعادت لبيتها لتبدأ معركة في القضاء ضد الجامعة ولم تستسلم! وكم من طالبة تعرضت للتنمر بسبب الحجاب أو الالتزام بالصلاة في المدرسة، فما منعها هذا من أداء الصلاة في وقتها ولا أجبرها هذا على نزع الحجاب، بل استمرت وثابرت وتحملت الأذى!

فإذا كانت المواجهة والتحدي ذات تبعات مقبولة لكِ، فلا تترددي في خوض معركة تعلمين أن الله بجانبكِ فيها، وأن الله ناصركِ، فتسلحي لمعركتكِ جيدًا بالعزيمة والإيمان بالله.

فأكثِري من قراءة القرآن والصلاة، والدعاء والتضرع إلى الله؛ فهذا هو مفتاح النصر في المعركة.

يسَّر الله لكِ الخير حيث كان، وكفاكِ شر أعداء الدين.