الزواج من فتاة على الإنترنت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فنرحب بكأخانا الكريم، ونشكر لك ثقتك في موقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يسرُّك، ويفيدك،وأن تجد بُغيتك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يدلَّك على الطريق الصحيح، إنه على كل شيء قدير.

حدد الإسلام العلاقاتِ بين الأفراد بسياج متين، يلائم الجميع، ويحميهم، ويضبط تصرفاتهم، ومن ذلك تحريم العلاقة بين الرجل والمرأة، إلا ضمن إطار الزواج؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31]، فعلاقتك وتواصلك مع فتاة لا تحل لك من الأمور المحرمة شرعًا، ولا يجوز التواصل، حتى وإن كان بغرض الزواج، وأنت لا ترضى لأختك، وأمك، أو قريبتك أن يتواصل معها أي إنسان؛ يقول سبحانه: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32]، فعليك التوبة مما اقترفت من ذنب، وعدم العودة إليه مرةً أخرى، وقطع علاقتك بهذه الفتاة، حتى يتم الزواج - كما أسلفت - وقد أوردت في رسالتك أيضًا علمك بأن تواصلك معها أمر خاطئ؛ فقطعت التواصل بها، وهي ملتزمة، ولا تتكلم مع الشباب، لكن الشيطان أعاد التواصل بينكما مرة أخرى.

حتى وإن كانت العلاقة بينكما سليمة، ولم يتخللها أي تجاوزات؛ فإن التوسع في العلاقات قبل الزواج أمر يبعث على الألم والحسرة؛ لأنه بدون رباط شرعي، ومخالف لأوامر الله، والحياة الحقيقية هي التي تبدأ بالزواج، وتقوم على المودة والرحمة.

والشيطان دائمًا يستدرج الإنسان بخطوات بدايتها العِفَّة، ونهايتها فَقْدُ العفاف؛ يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [النور: 21]، كما أن هذه المعصية تُورِث ظلمةً في القلب؛ يقول تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، فلتحذر من ذلك، حتى وإن كانت تحثك على الصلاة وقيام الليل؛ فهذه من حبائل الشيطان، يزيِّن بها العلاقة بينكما، وفي النهاية يقع ما لم يكن في الحسبان.

وبما أنكما توجهتما إلى عقد الزواج، وتمت الموافقة من قبل أهليكم؛ فلا بأس من إتمام هذا الزواج إذا استوفيتَ الشروط، ونسأل الله أن يبارك لكما.

وهناك بعض النقاط المهمة في هذا الشأن:

أولًا: عليك بصلاة الاستخارة؛ بأن تصلي ركعتين، من غير الفريضة، ثم تحمد الله، وتصليعلىنبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم تدعوبالدعاء المأثور في ذلك، وتسأل الله إن كان الخير في هذه الفتاة أن يقربها إليك، وإن كان شرًّا أن يبعدها عنك.

ثانيًا: لا بد من التخطيط لهذا الزواج، ماليًّا، واجتماعيًّا، ونفسيًّا، وهل لديك استطاعة على التكاليف، وإعداد البيت، وتأثيثه أم لا؟ فمن المهم ألَّا تبنيَ قرارك على أحاسيس، ومشاعر داخلية،لا بد من دراسة كل الجوانب المتعلقة في هذا الشأن؛ لأنه حياة استقرار،وديمومة، وبعد التخطيط، ودراسة الموضوع يمكنك اتخاذ قرارك بالزواج.

ثالثا: يجب أن تضع في بالك أن الشيطان لن يتركك في حالك؛ فسيواصل في خطواته حتى بعد أن تتزوج، فقد يبدأ معك في الوساوس والشكوك في أنها قد تُكرِّر هذا السلوك مع غيرك، ويجعلك تُسيء الظن بها، فاحذر من ذلك وليكن هذا في الحسبان، قبل الزواج وبعده.

رابعًا: عليك بالسؤال عن الفتاة، فالتواصل الذي كان بينكما غير كافٍ؛ لأن كلًّا منكما أبدى محاسنه، وغطى عيوبه، وأعطى أجمل ما لديه، وعندما يتم الزواج، وتبدأ مسؤوليات الحياة، ينصدم الطرفين بالأخلاقيات الحقيقية غير المصطنعة، فمن المهم البحث والسؤال عن شريكة حياتك جيدًا.

خامسا: لا بد من الرؤية الشرعية، فإذا وجدت الارتياح، والاطمئنان،وانشراح الصدر؛ فيمكنك الْمُضِيُّقُدُمًا، وإكمال المشوار.

سادسًا: عليك بالدعاء، واعلم أن الدعاء مستجاب؛ قال تعالى: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، ويقول سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، فأكْثِرْ من الدعاء لنفسك، بأن يوفقك الله لما فيه الخير لك ولها في هذا الزواج.

سابعًا: لا تنسَ أن عليك نذرًا؛ أن تحفظ نصف القرآن، فاهتم بهذا النذر من الآن، ولا تتكاسل، ولا تؤجل؛ فالشيطان لا يريدك أن تبَرَّ بقسمك، وتُوفِيَ بوعدك، فهذا دَين عليك يجب الوفاء به لرب العالمين.

ختامًا:

نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوجةالصالحة، والذرية التي تقر بها عينك، وعين والديك،ونسأل الله أن يقدر لكما الخير، ثم يرضيكما به، إنه جواد كريم.