معاناة صديقي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اطلعتُ على مجموعة من الاستشارات، التي قدمتموها للإخوة والأخوات فوجدتها - ولله الحمد - نافعة وفي الصميم، فشكر الله جهودكم، وتقبل منكم أعمالكم.

ما أود أن أستشيركم فيه موضوع صديق لي - بل أخ لي - يُؤرقني ما وصل به الحال، فبعد أن كان ذلك الشاب الوسيم الأنيق الاجتماعي، الذي يفيض صحة وبهجة وحيويَّة ونضارة، أصبح شبحًا في صورة إنسان، هزيل الجسم، شاحب الوجه، رثَّ الملابس، منعزلاً، يُعاني مجموعة من الأمراض.

تَخرَّج في الجامعة قبل أكثر من (12) عامًا، وعمل في وظيفة جيدة، وكان يتقاضى منها راتبًا خياليًّا بالنسبة لشاب متخرج حديثًا من الجامعة - ويرجع السبب في ذلك إلى زيادة نسبة التسويق لمنتج الشركة خلال فترة عمله - فقد كان ذكيًّا ومعتدًّا بنفسه لدرجة الغرور.

ومنذ (8) سنوات بدأ العد العكسي لكُلِّ ما ذكرته لكم، فقد تزوج صديقي من فتاة بيئتها ظاهرها الصَّلاح، واكتشف أنَّها ليست الفتاة الذي يُريد، فقد كان يريد فتاة مُلتزمة بمعنى الكلمة - رغم أنه كان متوسط الالتزام - وبدأت المشاكل بينهما، وبعد شهرين انفصلا، بعد أن كانت تُعانده، فضربها، فتدخل والدها الذي كان سليط اللسان بذيئه - رغم التزامه الظاهر عليه.

بعدها أصبح عصبيَّ المزاج حادَّ الطباع، حدثت عدة مشادات بينه وبين مديريه في العمل - وقد أصبح مديرًا للتسويق في الشركة التي يعمل بها - الأمر الذي أدَّى به إلى الاستقالة، رغم تَمسُّك مديريه به، ثم انتقل إلى عدة أعمال في شركات مرموقة، لم يُكمل أكثر من سنة في الشركة الواحدة.

ثم منذ (3) سنوات هالني ما رأيت منه وسمعت؛ إنَّه يهذي، وقد أحسست حينها بأن طرفًا من أطرافي قُطع أو شُل، إنه يُهلوس، يا رب، لُطفَك وسَتْرَك وعَفْوَك ورضاك، عرضناه بشكل وُدي على طبيب في مستشفى متخصص، لكن الطبيب لم يستطع أخذ ثقته، فقد ناقشه قليلاً، ثم سأله هل يأتيك إلهامٌ؟ فنفر صديقي منه ومن سؤاله.

ثم تكشفت لنا عدة حقائق: صديقي يتعاطى (حشيشة الكيف) منذ أكثر من (10) سنوات حسب اعترافِه، وقد كانت بسبب رفقته لثُلَّة فاسدة في أواخر أيام الجامعة استمرت معه لمدة (9) سنوات، وتركته عندما وقع له ما وقع.

يروي والداه وإخوانه أنه كان رَؤوفًا بهم، عطوفًا بهم، بارًّا بوالديه، إلى قبل (5) سنوات فقط؛ حيث أصبح أكثر حِدَّة على والديه، وأكثر سهرًا خارج المنزل، وأصبح لا يستيقظ باكرًا على دوامه، الأمر الذي أدَّى إلى أن يستغنوا عنه في أكثر من عمل.

أمَّا حاله الآن في منزله، فمنتهى القسوة في مُعاملة والدته، ثم يرجع بعد عدة ساعات يُقبِّل رجليها، شديد التأثر بالأصوات والضَّوضاء الخفيفة، حتى وإن كان في غرفته ومُغلِقًا الباب عليه، يسمع ما يَحدث في الخارج ويثور، دائمًا ما يطلب النقود من والديه وإن لم يعطياه، ثار في وجههما وهدد وتوعد، حالات الهلوسة مستمرة معه، لكنها تزيد وتنقص، أخذته لشيخين وقرأا عليه مرتين، ولم تظهر عليه أعراض عين أو سحر، حاولنا أنا ووالداه وإخوته إقناعه بمراجعة طبيب نفسي، لكنَّه يمتنع عن الاعتراف بأنه يُعاني أيَّ مشكلة "نفسية، عصبية، تعاطي، عين، سحر... إلخ"، نناقشه بالساعات، ولا نخرج منه بشيء، أحيانًا تُحس أنه طبيعي جدًّا وعاقل بل وحكيم، وأحيانًا تجزم بأن به خللاً ما في عقله.

أستسمِحُكم عذرًا عن الإطالة، ولكن المعاناة أكبر بكثير مما ذكرت، أسأل الله أن يُعينكم، ويُنير بصيرتكم لحل هذه المشكلة.

وجزاكم الله ألف خيرًا.