إيذاء الاتهام في العرض

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

1- اتهمك شخص في عِرضك.

2- تناقل الناس الخبر وصدَّقوه حتى أقرب الناس لك.

3- أُصبت بإحباط من الناس وكرهتهم، وفقدتَ ثقتك فيهم.

4- تدعو على كل من اتهموك ومن صدقوا الخبر.

5- تتمنى الانتقام وقتل مَن تولى كِبر نشر الإشاعة.

6- ثم تتمنى إفادتك بما ينبغي فعله.

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: ليس غريبًا أن يُتهم إنسان في عِرضه مِن قِبل مَن لا خَلاقَ لهم؛ فقد اتُّهم من هو أفضل منك ومن كل الناس؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من قِبل رأس المنافقين، ثم انتشرت الإشاعة، وخاض فيها عدد قليل من الصحابة؛ ثلاثة فقط، حتى نزلت آيات التبرئة لعائشة رضي الله عنها، وقال سبحانه في هذه الحادثة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11]، فأنت لا تحسبه شرًّا لك، بل هو خير لك؛ فيه تكفير لخطاياك، ورفع لدرجاتك عند الله سبحانه.

ثانيًا: أخشى أن تكون وقعت في زَلَّةٍ ما أُخذت عليك ثم كبرت، وزِيد فيها ما زِيد مما تَلُوكه الألسنة؛ ولذا أقول: إن كنت ألممْتَ بخطأ ما، فلا تُزكِّ نفسك، وتُظهر نفسك بمظهر البريء تمامًا، وتُبْ إلى الله بصدقٍ، وإذا صدقت وصبرت، فسيعرف الناس - ولو بعد حينٍ - صدقَك وكذبَ مَن كذَبَ عليك بالزيادات الشائنة، وسيرتفع قدرك عند الناس.

ثالثًا: استمر في صدقك مع الله، وابتعد نهائيًّا عن مواطن الريب؛ حتى لا تكبر التهمة، ولا تُصدَّق أكثر.

رابعًا: استمر في الدعاء لنفسك بتفريج كربتك، مع استحضار عظمة الله سبحانه، وقدرته على نصرك على مَن ظلمك؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

خامسًا: أما كرهك لمن خاضوا في عِرْضِك، فبشريٌّ لا تُلام عليه؛ فأنت إنسان مسلم، ولك حقوق، ومن الطبيعي أن تجِدَ في نفسك عليهم، ولكن من حيث الأفضل، فإني أوصيك أن تعفوَ عنهم، وإن استطعت أن تدعوَ لهم، فهذا فضل عظيم، وخير لك ولهم، ومما يساعدك على ذلك أن تتذكر قصة عفو أبي بكر رضي الله عنه عن الصحابي الجليل البدري ابن خالة عائشة رضي الله عنها الذي خاض في عرضها، فأنزل الله آيات تأمر أبا بكر رضي الله عنه بالعفو عن مِسطح، وإعادة النفقة التي ينفقها على مسطح، بل ويعده الله بعفوه عنه، إذا عفا عن مسطح، فبكى رضي الله عنه، وعفا عنه، وأعاد له النفقة التي كان ينفقها عليه؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].

سادسًا: ممايسليك أيضًا أن تعلم أن ما أصابك قدر كتبه الله عليك لِحِكَمٍ يعلمها الله سبحانه؛ قد يكون منها تكفير خطاياك، ورفع درجاتك في الجنة، وتقوية صبرك ويقينك؛ قال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال علقمة رحمه الله: "هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله، فيصبر ويحتسب".

سابعًا: إذا علمت بكل ما سبق، فطهِّر قلبك من الحقد عليهم، واحتسب الأجر على ما يُصيبك، وأبعد وساوس الشيطان بالانتقام؛ فهي جد خطيرة.

ثامنًا: إن كنت صادقًا، فأبشر بالفَرَجِ؛ فالمظلوم منصور بإذن الله سبحانه، ولكن لا تستعجل الفرج؛ فقد يتأخر ابتلاءً وامتحانًا، وقد يُعجَّل.

حفظك الله، ورزقك الحلم والعفو وسلامة الصدر، وأبعدك عن الريب، وكشف الله كربتك.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.