سيطرة الأفكار عليَّ وخوفي من الموت

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم، السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته.

نودُّ بدايةً أن نرحِّب بانضمامك إلى شبكة (الألوكة)، ونسأل اللهَ تعالى أن يُسخِّرنا لتفريجِ كُربتك، ويُسدِّدنا في تقديمِ ما ينفعك.

كما أودُّ أن أُشيد ببعض ما لمستُه لديك مِن سِمات، تتمثَّل في رغبتك في إيجاد علاقة وُثقَى مع الله تعالى، وفي حُصولك على الاتزان النَّفسي والانفعالي، وعدَم رِضاك عن سلبياتك الفِكريَّة والسلوكيَّة، وكذلك بَحثك عن حلٍّ لمشكلتك بأسلوب سليم، مِن خلال استشارة المختصِّين. وهذه كلها سِماتٌ إيجابيَّة تُحسَب لك، وأرجو منك تعزيزَها واستثمارَها في تطبيقِ خُطوات الحلِّ - بإذن الله تعالى.

أخِي الكريم، للأسَف إنَّك لم تذكُر أيَّ شيء عن المرحلة التي بدأتْ بها مشكلتك هذه، وما هو الظرف، أو الظروف التي تغيَّرتْ في حياتك حينَها، فالتعرُّف على تلك الظروف قدْ يقود إلى التعرُّفِ على أسبابِ ظهور المشكلة، وقد تكون تلك التغيُّرات غائبةً عنك؛ لأنَّها تأتي بشكل تلقائي، مِثل دخولك مجتمعِ الجامعة، أو مَيدان العمل، أو تعرُّفك على صديقٍ جديد، أو فِراقك لشخصٍ حميم، أو غير ذلك.

ولهذا فإني أنصحُك أولاً بمحاولةِ التعرف على أي تغيرات تكون قد طرأتْ على حياتك قبلَ سِتِّ سنوات، أو قبل ذلك بمدَّة، وتزامن معها - أو تلتْها - ظهورُ المشكلة؛ فإنَّ تعرفك على تلك العوامِل سيقودك إلى استكشافِ أثرِها النفسي والفِكري لديك، ومِن ثَمَّ يمكنك التعاملُ معها وعلاجها مع المختصِّين.

كما أنِّي أستشفُّ أنَّ ما تُعانيه من أفكارٍ ومشاعرَ سلبيَّة، يَزيد في حجمها عاملانِ مهمَّان:

• الأول: يكمُن في جَلدِك لذاتِك عن أخطائِك، وبذلك فإنَّك تخرُج عن مفهوم لومِ النفس الذي هو أمرٌ مطلوب، إلى توبيخها وتقريعها وربَّما شتْمها، حتى يصلَ بك الأمرُ إلى كُره النفس، ثم القُنوط مِن رحمةِ الله تعالى - والعياذ به عزَّ وجلَّ - ولهذا يا أخي، فإنَّ أوَّلَ وأهمَّ خُطواتك إلى التوازن النفسي، تكون بالاتِّزان في لومِ الذات، والذي يَعني نقدَ (وليس انتقاص) وتقييمَ ما صَدَر عنك؛ للتعرُّف على الأسبابِ التي دعتْك للخطأ، فتعقِد العزمَ بعدَ ذلك على ترْكها وتصحيح مسارِك، وقد يعودُ الإنسان اللوَّام إلى ارتكابِ الخطأ مرةً أخرى؛ لأنَّ هذه هي طبيعة البشَر، لكن عزمه في كلِّ مرةٍ على نبذِه بالاجتهاد في ضبْطِ النفس، وإكثاره مِن الأعمالِ الصالِحة والإيجابية كردِّ فِعل منه عمَّا ارتكبه مِن أخطاء، بدلَ توبيخِ نفسه وبُغضها - يُعدُّ وجهًا رئيسًا للاتزان النفسيِّ والانفعاليِّ.

• أمَّا العامل الثاني، فيَكمُن في شعورِك بالوحدةِ والفراغ النفسي، وللأسف فإنَّك لم تُشِرْ أيضًا إلى حالتِك الاجتماعيَّة، لكني أظنُّ أنك بحاجةٍ إلى زوجة صالِحة تُعينك على أمرِ دِينك ودُنياك؛ لتحتلَّ هي وأولادك جزءًا مهمًّا من تفكيرك، وعندها ستزول - أو تنخفض - بشكلٍ كبيرٍ مشاعرُ الانفعال والغضَب.

كما أنصحك - يا أخي - بالمواظبةِ على الاستماع إلى القرآنِ الكريم بصوتِ أحدِ القُرَّاء الذين تَميل نفسُك إلى صوته، قبلَ نومك؛ أي: عندما تأوي إلى فراشِك ليلاً، بالإضافةِ إلى مواظبتك على قراءةِ الأذكار اليوميَّة، كذلك فإنَّ استماعك إلى المحاضراتِ والبرامج التي تتناول مواضيعَ تخصُّ العقيدة، سيكون - بإذن الله تعالى - له دَورٌ إيجابي في طرْدِ تلك الأفكار السلبيَّة عن مخيِّلتك.

كما أنْصَحُك بالممارسةِ المنتظِمة للهوايةِ التي تجِد في نفسِك مَيلاً إليها، وحبَّذَا أن تكون رِياضية؛ فإنَّ لهذا دَورًا فعَّالاً في تخفيفِ مشاعرك السلبية، وتَبنّي مشاعر إيجابيَّة أخرى، يأتي في مقدمتها الرِّضا عنِ الذات - الذي أجِدُك في حاجةٍ إليه في هذه المرحلة - بالإضافةِ إلى الثِّقةِ بالنفْس، وفوائدها الجِسميَّة والذِّهنيَّة.

أمَّا فيما يتعلَّق بزِيارتك لاختصاصي نفْسي، فقد يكون ما ورَد في هذا الردِّ مناسبًا - بإذن الله تعالى - لتجاوزك المشكلةَ، إنِ التزمتَ به اعتقادًا وسلوكًا، كما أنَّنا لا نقوم بتزكيةِ مختصِّين معيَّنين، والأمرُ متروكٌ للمسترشِد نفسِه.

وأخيرًا: أختم بالدُّعاءِ إلى الله تعالى أن يُصلِح شأنَك كلَّه، وينفعَ بك

وتوَّاقون لسماعِ طيِّب أخبارِك مجددًا