أخي والجنس

بسم الله المُلْهِم للصواب

وهو المُستعان

أيّتها العزيزة، الجنس إحساسٌ غريزي في بنية الإنسان، واحتياجٌ فطري مركوزٌ في أصْل طبيعته، يهِيجُ في الجسد بإثارات تقع على الحواس، فتتحرَّك الشهوة وتَتَّقِد، فلا يَسكن هذا الإحساس حتى يُشبَع تمكينًا على فراش الزوجية أو الزنا، وربما هدَأ بالصبر عن إشباعه، أو بزوال المهيِّج الذي هيَّجه.

وما أبينَ الفرق بين الزواج والزنا حُكمًا ونتيجةً! وإنما جَمَعتُهما في هذا التعريف؛ لفَهْم الفرق بين ما هو شاذٌّ وطبيعي في "شكل العلاقة الجنسية"، لا في الحكم الفقهي؛ لأننا بهذه النظرة الشاملة إلى الجنس لن نعدَّ العملية الجنسية - بتحرُّك الشهوة - جُرمًا أو اضطرابًا نفسيًّا، إلاَّ إذا خرجَت عن شكلها الطبيعي بين الرجل والمرأة، وتَمَّ إشباعها على غير الفطرة في وحلٍ من الشذوذ والانحراف، نتيجة عُقدٍ واضطرابات نفسية عارضة.

وبحسب "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الرابعة" (DSM IV-TR)، الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، فإن سلوكيات أخيكِ المراهق - أصلَحه الله - هي سلوكيات شاذَّة، تُصنَّف ضمن اضطرابات التفضيل الجنسي Disorders of Sexual Preference، أو الانحرافات الجنسية Paraphilias؛ لتوافر ثلاثة ضروب من الانحرافات الجنسية لَدَيه:

1- التطلُّع الجنسي "البصبصة أو اللصوصية" (Peeping Tom) Voyeurism.

2- الاحتكاكية Frotteurism.

3- الاستمناء Masturbation.

والشخص المضطرب جنسيًّا مريضٌ نفسيًّا، ومُجرم قانونيًّا، فهو وإن كان بحاجة إلى المعالجة النفسية، إلاَّ أنه موعود بالمعاقبة قانونًا وشرعًا، يجري عليه ما يجري على المرضى، وما يجري على المجرمين في الوقت عينِه، وهذا الأمر لا يُطَبَّق في الدول الإسلامية وحسب، بل في كثير من الدول الغربية، كبريطانيا وبعض الولايات الأمريكية، حتى ليصل العقاب في بعضها إلى الحبس ثمانية أشهر؛ لأن المعاقبة هنا أحسنُ من الإغضاء على مثل هذه الأحوال الشنيعة!

أولاً: التطلُّع الجنسي:

هو انحراف جنسي يرتكز على الاستمتاع بمشاهدة العلاقات الجنسيَّة (الجماع)، أو اختلاس النظر إلى الناس وهم عَرايا، يَلجأ إليه الشخص المنحرف جنسيًّا عند وجود حاجز بيئي أو نفسي، يمنع من حدوث الالتصاق الجسدي بينه وبين الآخر "العاري" الذي يَختلس النظر إليه.

ثانيًا: الاحتكاكية:

هي انحراف جنسي يعتمد على لَمْس المناطق الحسِّيَّة في الجسد، كالثديين والفَخِذين، والرِّدفين والأعضاء التناسلية، يلجأ إليه المنحرف جنسيًّا عند صعوبة تقليص المسافة بينه وبين الآخر، فيحتك معه بجسده، أو بمداعبته، أو بَلْمسه بيده؛ استحضارًا للنشوة الجنسيَّة، ويَكثر حدوث هذا النوع من الانحراف الجنسي في الأماكن العامة ووسائل النقل.

ثالثًا: الاستمناء:

إثارة العضو التناسلي حتى الإنزال، وهو في حالة أخيكِ نتيجة لممارسة التطلُّع الجنسي والاحتكاكيَّة.

وكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ رَأَيْتَ الَّذِيَ لا كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

أمَّا لِمَ هذا التغير الذي طرَأ على سلوك أخيكِ بعد أن تفتَّق وردُه على تربة الدين والالتزام؟ فلأنَّ الأصل في الناس أن يولَدوا على الفطرة البيضاء النقية، التي تميل إلى حبِّ الله والخوف منه تعالى، ثم نتيجة للمؤثرات البيئيَّة، ونزغات الشيطان، وغَلبة الأهواء، وتراكُم العُقَد والاضطرابات النفسية - يَنحرف هذا السلوك لدى البعض، ويَشُذُّ ويُسْتَقْبَح مع طول الإدمان والتعوُّد، نسأل الله خيرَ المُنقلَب.

وببضع جلسات تحليليَّة يمكن كَشْف الأسباب الكامنة التي دفَعَت بأخيكِ إلى سلوك هذا المنحى الشاذِّ في تصريف طاقاته الجنسيَّة، واجْترائه على هَتْك الحُجب والأستار بينه وبين أخوَاته، مع الأخْذ بعين الاعتبار أنَّ الذكور بصفة عامة يَبلغون ذِروة نشاطهم الجنسي في عُمر أخيكِ؛ أي: بين السابعة عشرة والثامنة عشرة من العمر، فخَليقٌ بوالديكِ أن يُسرعا في علاجه وتقويمه.

العلاج:

يعتمد علاج الاضطراب الجنسي النفسي على شكلين من العلاج: العلاج النفسي، والعلاج الدوائي.

أولاً: العلاج النفسي:

1- العلاج السلوكي المعرفي Cognitive-behavioral therapy .

2- العلاج السلوكي بالتنفير Aversive behavior therapy.

3- التدريب على المهارات الاجتماعية Social skills training.

4- العلاج النفسي الجماعي Group therapy.

ثانيًا: العلاج الدوائي:

1- مضادات الاكتئاب Medications Antidepressants.

2- مستحضرات مانعات إفراز هرمون القونادوتروبين طويلة المفعول Long-acting gonadotropin-releasing hormones، وتستخدم لخَفْض مستوى الهرمونات الذكريَّة.

3- مضادات هرمون الذكورة "الأندروجين" Antiandrogens، وتعمل على عَرْقلة عمل هرمون الذكورة.

4- الفينوثيازين Phenothiazine، وتعمل على رَفْع مستوى هرمون البرولاكتين في الدم.

5- مُثبِّتات المزاج Mood stabilizers.

وليس بالضرورة تطبيق كلِّ هذه العلاجات على الشخص المنحرف جنسيًّا، بل يكتفى عادةً بنوع واحدٍ أو اثنين من المعالجة، خاصة المتعلق منها بالعلاج السلوكي؛ حيث أثبَت العلاج السلوكي فعاليته في علاج المنحرفين جنسيًّا.

أمَّا عن فكرة التعوُّد والإدمان على الأدوية النفسيَّة المغروسة في ذِهن والدكِ الكريم، فلقد حان وقتُ اقتلاعها من جذورها؛ إذ لا أساس لها من الصحة، وإنما الصحيح في شأن الأدوية بعمومها: أنه متى ما أُسِيءَ استعمالها، ضرَّت مَن يتعاطاها، ومتى استُعْمِلت تحت إشراف طبي، فلا ضرَر منها البتة، بل قد تكون سببًا للشفاء بعد مشيئة الله تعالى ورحمته؛ فقد قال المصطفى وإمام الهدى - صلوات الله وسلامه عليه -: ((ما أنزَل الله داءً، إلاَّ قد أنزَل له شفاءً، علِمَه مَن عَلِمه، وجَهِله مَن جَهِله))؛ رواه أحمد.

ولا تزالون بخير أيتها العزيزة ما كنتِ في أهلكِ، تُرشدينهم إلى الخير وتَدُلينهم على الصواب، فأمْتَع الله والديكِ ببرِّكِ وبركتكِ، وذَخَر لكِ عظيم الأجر وجزيلَ الثواب، وعافى أخاكِ مما ابتلاه به.

والله تعالى أعلم بالصواب، إليه مُنتهى العلم وهو العليم الخبير.