أسباب فسخ الخطبة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

في الحقيقة، المسألة ليست مسألة حظ يا عزيزتي, بل هي رزق وقدر؛ فكما ورد في الحدث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا، فيؤمر بأربعة: برزقِه، وأجله، وشقي أو سعيد، فوالله إنَّ أحدكم يعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها غير باعٍ أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها))؛ رواه البخاري.

فالقدر قد كتبه الله عليكِ قبل أنْ تُولدي, وليس في الأمر حَظُّ فلانة خير من حظ فلانة, فإنَّما هي أرزاق قد كتبها لنا الملك قبل أن نرى النور؛ لهذا عليك أن تثقي بأنَّ رزقكِ سيأتيكِ لا مَحالة, ولن يقدر إنسان أن يحول دون حصولكِ عليه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كنت خلف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا، فقال: ((يا غلام، احفظِ الله يحفظك، احفظ الله تَجده تُجاهَك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيء, لم ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء, لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجَفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.

لكني عجبت حقًّا لسبب انتهاءِ الخِطْبة كلَّ مرة؛ بسبب عدم تأقلم عائلتكِ مع عائلة الخاطب!

هل لعائلتك عادات وتقاليد مختلفة عن جميع العائلات ممن حولكم، أو أن الأمر لم يكرر سوى مرة أو اثنتين فقط؟

والأعجب أن الخطبة تستمر لأكثر من سنة, ثم يحدث الانفصال!

ومثل هذه الأمور التي يحدث عليها الخلافات تتضح في الأشهر الأولى من الارتباط, وليس بعد عام أو عامين!

لهذا؛ أتوقع أنَّ هناك أسبابًا أُخر, ربَّما لم يفصح عنها الخُطَّاب؛ حياءً أو تَهَرُّبًا.

من أهم أسباب الانفصال، سواء قبل الزواج وفي مدة الخطبة, أم بعد العقد, أو بعد الزواج:

أولاً: سوء الاختيار:

إذ تقبلُ الفتاة مَن لا يُناسبها في المستوى, أو الدين، أو الخُلُق, أو القيم، ثُمَّ يقرر الانفصال عنها، بعد أن يتبيَّن له عدم كفاءَته؛ مُتعَلِّلاً بعدم تأقلُم أهله مع أهلها, ومُتخذًا من ذلك ذريعة؛ للتخلُّص من ذلك الزواج، الذي تبين له صعوبة أو استحالة نجاحه.

لهذا؛ عليكِ تَحرِّي مَن يُناسبك بالفعل في أغلب الجوانب, أو أهمها، كالدين, والخلق, والقيم الحميدة, والمكانة الاجتماعية، على قَدْرِ الاستطاعة, ولا أعني أن تتعنتي وتتمَسَّكي ببعض الصفات مُعلقة قَبول الزواج عليها.

ثانيًا: تدخل الأهل المبالغ فيه:

ولمنع هذا التدخُّل - سواء من قِبَل أهل الفتاة أو الشاب - لا بُدَّ أن تقل مدة الخِطبة، ويتم عقدُ النكاح, ولو تَم تأجيل البناء, فتستطيع الفتاة التعامُل مع خاطبها (زوجها) بشكل مُباشر؛ لكونه زوجًا شرعيًّا لها, وتتجنب تدخُّل أهلها في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالزواج، ومُتطلبات البيت، أو تجهيز حفل الزفاف, أو كيفيَّة تأسيس البيت, كل هذه الأمور بإمكانها أن تُناقشها مع زوجها, دون طلب المساعدة من أهله أو أهلها, ويتمُّ الاتِّفاق عليها بينهما خاصة, وإعلان النتائج للأهل على سبيل الإخبار.

ثالثًا: الاختلاف الشاسع في الطباع وسوء الظن:

وقد يكون هذا السبب مُتوفرًا لدى أهلك بشكل كبير - على حسب ما ذَكرتِ - فإنْ كانت لهم من الطَّبائع والعادات ما يصعُب التكيُّف معها، فعليكِ هنا مُعالجة الأمر بحكمة وصبر، فتوضحين لأهلك أنَّ ما لهم من طباع ليس بالضرورة أن يكون لغيرهم, وأن البشر مختلفون ومتباينون في مثل هذه الأمور، فهذا شديد الغَيْرة، وذلك معتدل, وهذه سريعة الغضب وتلك هادئة, وقد ينشأ هنا من سوء الظَّنِّ وتفسير تصرفات الغير بشكل غير صحيح ما يزيد الطين بِلَّة، ويزيد الأمور تعقيدًا, فأسأل الله لك العون والسداد.

وقد تكون والدتك تُقارن بين زمانها وزمانك، وهذا خطأ عظيمٌ وَجَب عليك التنبُّهُ له، وإخبارها مثلاً بأمر صديقتك التي تزوجت بشكل يَختلف تَمامًا عَمَّا كان الحال في الماضي؛ سواء الاختلاف في المهر أم كيفية تأسيس البيت أم ما على العروس فعله، وما على الشاب... وهكذا.

رابعًا: عدم الوضوح من البداية، وإرجاء الأمور الأساسية إلى ما قبل الزواج:

في بعض البلاد تكون هناك أُسس مُتَّفق عليها؛ من حيث تقاسمُ العروس بعض متطلبات الزواج مع زوجها, ونحو ذلك, وفي بيئات أخرى يتحمل الشاب النفقات كافَّة, وفي أماكن أخرى لا يكون لدى أهلها أعراف، أو تقاليد مُحدَّدة, ويتم التعاوُن على حسب الاتِّفاق، وقد يترك الأهلُ أو يُرجئون الاتفاقَ على مثل هذه الأمور إلى ما قبل الزَّواج، واقتراب موعد الزفاف، فيظن كلُّ واحد أنَّ الطرف الآخر سيفعل كذا, وهنا يَحدث التصادُم عند الاضطرار إلى مناقشة مثل هذه الأمور, وتكون النتيجة أن يقرر الجميعُ الانفصال.

لهذا؛ كان من الأفضل الوضوح من البداية، والاتِّفاق على كلِّ أُمورِ الزواج، وتَحديد نقاط التعاون، وتعيين جميع المهام.

خامسًا: الطمع في مال الفتاة:

قد يطمع الخاطب أو أهله في مُساعدة زائدة من قبل العروس، التي تعمل، ولها دخل خاص بها, وقد تغفل هي ذلك, في حين يستحيي الشاب أن يعرضَ وجهة نظره, أو يفصح عن رغبته, فإن لاحظتْ من ذلك شيئًا، فلتنظر إلى المصالح والمفاسد، ولترجح الكِفَّة التي تراها مناسبة, ولا مانعَ من أن تقدم العروس المساعدة، وتتعاون مع الشاب قليلِ ذات اليد, متى ما صَلَحَ دينُه وخُلُقُه، ورأت فيه زَوجًا مناسبًا.

سادسًا: طول مدة الخطبة:

لا أدري لماذا تستمر الخِطبة أصلاً عامين؟!

ما دام الخاطب مُستَعِدًّا للزواج, فأنصحك بطرح فكرة التعجيل, وإبداء الرَّغبة في التعاوُن معه, وقَبول أقل التكاليف؛ حتى لا يحدث تصادُم مع الأهل, وكثرة الاحتكاك كثيرًا ما تُولِّد مشاعر سلبية, والاختلاف من طبيعة البشر.

نصيحة أخيرة:

لم توضحي مَن هو وَلِيُّ أمرك, وقد تُوفِّي والدك - رحمه الله - قبل سنوات عديدة.

فإن كان أحدَ الأعمام أو الأخوال، فلتحاول والدتك - حفظها الله - أن تبيّن له ضرورة المسارعة بإتمام الزواج بعد الخطبة، وتبين له أنَّها وأنتِ قد رضيتما بالشاب ورضيتما بحاله، ولا داعِيَ لكثرة فرض الشروط عليه, أو كثرة الطلبات وإثقاله بها.

وإن كان أحدَ الإخوة, فلعل الأمر يكون أسهلَ في عَرْض وجهة النظر، وتوضيح الأمر إليه.

واللهَ أسأل أن يبارك فيكِ, ويشكر لكِ ثناءَك العطر، ويتقَبَّل دعواتك الطيبات، وأن يَجعل لكِ منها أوفر النصيب, وأوصيك بالتسلُّح بالصبر والدعاء، فمن يكثر قرعَ الباب، يوشك أن يُفتح له, ونرحب بك في (الألوكة) في كل وقت؛ فلا تتردَّدي في مُراسلتنا.