تأثر العلاقة الزوجية بخلافات الأهل

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

لا شكَّ أنَّه كلَّما كَثُر الأطراف بالمشكلة الواحدة كان حلُّها أشدَّ تعقيدًا!

لكنَّني استبشرتُ خيرًا من بين سطورك، حيث يبدو أنَّك - ما شاء الله - تمتَلِكين الحكمة والحلم، وهما صفتان قَلَّ مَن يستطيع التحلِّي بهما، وطلبك للاستِشارة أيضًا أمرٌ مبشِّر؛ فهو يَعنِي حرصك على أنْ تتصرَّفي بالطريقة السليمة.

لكن عزيزتي، مهما كانت الاستشارة فلا تأخذيها بحرفيَّة، فأنت مَن تعيشين الوضع، ووحدَك القادرة على تقدير التصرُّف المناسب، أمَّا دورنا نحن كمستشارين هو أنْ نُساعِدك على رؤية الصورة كاملةً، والانتِباه للجوانب التي قد تَخفَى عليك؛ يعني: نحن نُساعِدك ولا نملك أنْ نعطيك الحلَّ تمامًا كسيناريو تتَّبِعينه.

بدايةً: عليكِ فهْم طبيعة زوجك تمامًا لتُجِيدي التعامُل معه، وإنْ كنت من بين سطورك استَنتجتُ أنَّه شخصٌ عاطفي، يهتمُّ بآراء الناس والمجتمع، علاقته بأسرته قويَّة وتؤثِّر عليه... ولا شكَّ أنَّك من خلال عشرتك معه تَعرِفين دقائق أكثر عن طبيعته، فهمُك لها سيُساعِدك كثيرًا على إستراتيجيَّة التعامُل التي تنفَعُك معه.

فمثلاً: لو كان عاطفيًّا ويتأثَّر بِمَن يحبُّهم، فحاوِلِي كسبَه من هذه النقطة، وعزِّزي دومًا أنَّك وإياه واحد، وأنَّكما لن تستفيدا كثيرًا ممَّن حولكما، قد "ينكّدون" عليكما، وتكونان وحدكما الضحيَّة بعد ذلك، وكلُّ واحد يُغلِق بابَه على نفسه ويستَمتِع بحياته دون أنْ يُبالِي بألمكما أو تشتُّتكما!

أيضًا ركِّزي على علاقته بأبنائه، وأنْ تُعزِّزي لديه ألاَّ يجعل شيئًا يُبعِدهما عنه، واجعَلِيهما رابطًا يجمعكما دومًا.

من الأفضل أنْ تُحاوِلي احتواءَه كلَّ مرَّة، لكنِ احتِواؤه بأنْ تُشعِريه بحبِّك وتعاطُفك معه، دون أنْ تُوافِقِيه على نقْده لأهلِك، مثلاً يُمكِنك أنْ تركِّزي على جوانِب بشخصيَّته مثل أنْ تقولي له حينما أخبَرَك أنهم عزموا والدك فقط كيلا ينتقدهم الناس: يُعجِبني أنَّك تَفصِل مشاعرك عن تصرُّفك، ليس سهلاً حبيبي، فَخُورٌ أنا بكَ! حاوِلِي أنْ تُوصِلي له نِقاطَ تميُّزه عن أهله وعمَّن حوله، مثل: يُعجِبني أنَّك مختلفٌ عن البقيَّة بكذا وكذا... حمدًا لله أنَّك أنت زوجي (لكن انتَبِهي؛ كوني صادقة، لا تمدَحِيه بشيءٍ لا يُعجِبك، بل ابحَثِي عن الصفات التي فعلاً تَشعُرين بتميُّزه بها وتُرِيحك منه).

جيِّدٌ موقفُك الأخير برسالتك التي كتبتِها له، وحسب ردَّة فعله يُمكِنك أنْ تُقيّمي الموقف بعد ذلك، لكن المهم أنْ تُعزِّزي دومًا أنَّكما واحد، وأنَّ علاقتكما مستقلَّة عن أيِّ علاقةٍ أخرى، لن تقبَلِي لأحدٍ أنْ يُهِينَه، وهو لن يَقبَل لأحدٍ أنْ يُبعِده عنك.

ضَعِي ببالك أنَّ المشكلة ليست بزوجك وحدَه، فمن الواضح تأثيرُ مجتمعه عليه، وهذا يعني أنَّ هذه الدوَّامة لن تنتهي تمامًا، وتحتاج منكِ صبرًا وقوَّة أعصاب، وكثيرًا من الدعاء والحكمة.

لم تخبرينا كثيرًا عن والدك، لو كان شخصًا حكيمًا سيتمكَّن من مساعدتك؛ بأنْ يكسب زوجك، ويُمكِنك أنْ تكوني واسطةَ خيرٍ بأنْ تنقلي بينهما الكلام الجيِّد، وتغتَنِمي أيَّ جانبٍ يُعجَب به والدك من زوجك لتوصِليه له والعكس، وأنْ تُوضِّحي الصورة للطرفَيْن إنْ كان يُجدِي ذلك، وإلاَّ فانسحابُك أفضل، وإشعارك لزوجك أنَّك وهو واحد، وأنَّ أهلك وأهله كلاهما بنفس المرتبة؛ أهلكما وأهل أولادكما - يَكفِي، وحاوِلِي قدرَ استِطاعتك أنْ تبني حياتك المستقلَّة عن كلا الطرفين.

ركِّزي على تربية ولديك ليكونا مختلفين عن البيئة التي نشَأ بها زوجك، واحرِصِي على أنْ يساعدك دومًا بأنْ يخرجهما من هذه الدوَّامات المليئة بالمشاعر السلبيَّة والحساسيَّات، ليدفعهما ليكونا أكثر إنجازًا وراحة، وأيضًا ادعمي زوجَك دومًا لينشَغِل بالأهمِّ، ساعِدِيه ليُبرِز الجوانب الأفضل بشخصيَّته.

وإنْ فشلت في كلِّ ذلك، فلا تتوقَّفِي عن الدعاء، واسحبي نفسك من الدوَّامة السلبيَّة، وركِّزي أنت على الأهمِّ، وثِقِي أنَّ ذلك سيَكون معديًا، وسيُؤثِّر على أولادك وزوجك بعد ذلك، لكن فقط يحتاج منكِ صبرًا ووقتًا، وقبل كلِّ ذلك إيمانًا بالله.

وسنُشارِكك الدعوات - بإذن الله - أنْ يقويك الله ويُعِينك على رضاه