الهوس بالأبراج

نرحب بكِ أختنا الكريمة، ونشكر لكِ ثقتكِ في موقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يسرُّكِ، ويفيدكِ،وأن تجديَ بغيتكِ، ونسأله تعالى أنيوفِّق أخاك، وأن يدُلَّه إلى طريق الخير.

ظاهرة الأبراج، وقراءة الطالع، والتنجيم ليست بجديدة؛ فهي منتشرة منذ آلاف السنين، وفي معظم دول العالم، ويتجدد الاهتمام بها كل عام، وهي تنافي الإيمان بالله، والتوكل عليه، وتنافي التوحيد، وسلامة المعتقد لمن يصدقها، وتُصيب الناس باليأس والقنوط بصفات لا تنفكُّ عنهم، فيكون من يؤمن بها ضحية لمعتقدات فاسدة، وتتدخل في كل مناحي الحياة؛ والله سبحانه يقول: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً))؛ [مسلم:2230]، وآثار هذه الأبراج خطيرة على أصحابها، وقد يتعلق بها الإنسان، ويعتمد عليها؛ حتى إنها تؤثر في حياته، وقد تجُرُّ إلى عالم الهوس، والإدمان، وقد تقود إلى الإصابة بالأمراض، والاضطرابات النفسية، والوسوسة، وتجلب وهم التحكم، والسيطرة لمن يقرؤها بانتظام، وتوحي إليهم بقرارات يجب أن يتخذوها، وما سيحدث لهم في المستقبل القريب، وهذا ما حصل لأخيكِ؛ فقد تعلق تعلقًا كبيرًا بها، وقد كان التزامه قويًّا في العبادة كما ذكرتِ، وتغيَّر بعد ذلك.

ومن أسباب اهتمامه بهذا الأمر هو الفراغ الكبير الذي يعيشه، والمشاكل المادية التي يمر بها، وعدم التوافق مع الوالدين، فطبيعي أن يتجه إلى عالم الإدمان على هذه الأبراج، ومع الزمن تقمصها، وصدقها، وألقت بظلالها عليه، وأصبحت هذه اللعبة وسواسًا دائمًا في حياته، وأصبح لا يذهب إلى المدرسة، بسبب ذلك.

قد يكون في البداية نوعًا من الفضول، وحب الاستكشاف والتسلية، ويتحول للأسف إلى إدمان؛ حيث يعتقد الكثير أن أوصاف الشخصية تنطبق عليهم تحديدًا أكثرَ من الآخرين، على رغم أن الوصف ينطبق على أي شخص، ويصاب بها من يعاني من بعض الأمراض النفسية؛ لأنهم قد يعانون من الخوف من المستقبل.

وللتخلص مما أصاب أخاكِ، ينبغي اتخاذ بعض الإجراءات المهمة:

أولًا: إبعاده عن المصادر التي تؤدي به إلى التعلق بهذه الأبراج أيًّا كانت، وقد يكون ذلك بإشغال وقت فراغه بأمور نافعة، وسيكون الأمر صعبًا، وليست بالمهمة البسيطة في البداية، ولكن ستتغير الأمور بإذن الله على مر الزمن بالصبر.

ثانيًا: من المهم مساعدته في تلبية أمنياته، وتحقيق رغباته التي يحب، فلديه على سبيل المثال أمنية أن يصبح لاعب كرةِ قدمٍ مشهورًا، فمن هذه الرغبة وغيرها يمكن الدخول إليه، وتلبية ما يريد؛ علَّه يهتم بها، ويبتعد عن هذه الأبراج.

ثالثًا: السعي في حل مشاكله، ومحاولة التخفيف من المشاكل المادية التي مر بها، وإصلاح علاقاته مع والديه، وإبراز أهمية الوالدين في البر، والصلة بهما.

رابعًا: قد يفيد التوضيح له بفتوى أن التعلق بالأبراج وتصديقها، والتأثر بها غير شرعي، فيمكن إطلاعه على بعض المقاطع التي تصب في هذا الهدف، لا سيما أن لديه بذرة صلاح، والتزام سابق، وحرص على العبادة، يمكن استثمارها.

خامسًا: استغلال أي حادثة تحصل له مخالفة لِما توقعها، وتوضيح أن الأبراج ليس لها تأثير من هذه الناحية؛ لإبطال مفهوم تأثير الأبراج عليه، وتحييدها، ويمكن طلب الاستدلال على صدق معتقده بدليل عقليٍّ واضح، وليس توقعًا فقط، ولن يستطيع إيجاد أي استدلال، وسيقوده بإذن الله ذلك للاقتناع بما يُقال له من عدم مصداقية هذه الأبراج.

سادسًا: توجيهه إلى ما يبعد عنه الوساوس، ويثبته على الخير؛ ومنها:

1- اللجوء إلى الله تعالى، وطلب الحماية منه، وذلك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

2- الإكثار من ذكر الله تعالى في كل الأحوال، وقراءة القرآن، ومنها قراءة المعوَّذتين، والأوراد اليومية؛ فذكرُ الله حصن يتحصن به المؤمن من الشيطان.

3- زرع الثقة في نفسه بأنه قادر على الْمُضِيِّ قُدُمًا، وأنه يستطيع التغلب على مشاكل الحياة، ولا يلتفت إلى الوساوس التي تحُدُّ من قدرته، وتقزم شخصيته، وتكبله وتحيد تطلعاته.

سابعًا: إقناعه بعرض نفسه على طبيب نفسي مختص، وقد لا يقتنع في البداية، ويتهم من حوله أنهم هم المرضى، والموضوع يحتاج إلى إقناع وصبر.

وعليكِ بكثرة الدعاء لأخيكِ، فالله على كل شيء قدير، وقد أمر سبحانه بالدعاء، ووعد بالإجابة؛ فقال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال أيضًا: ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، فأكثري من الدعاء لنفسكِ، ولأخيكِ والدعاء - بإذن الله - سيُغير حاله إلى الأحسن.

ختامًا: نسأل الله تبارك وتعالى أن يبدِّل حياة أخيكِ إلى حياة تغمرها السعادة، وراحة البال، وأن يهدينا وإياه إلى الحق، وأن يشرحصدره لكل خير، إنه سميع مجيب، والله الهادي إلى سواء السبيل.