أهلي يجبرونني على الخطبة من شخص تارك للصلاة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمشكلتكِ واضحة جدًّا، وأيضًا مؤلمة جدًّا، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: تشكرين كثيرًا على موقفكِ العظيم برفض الزواج ممن لا يصلي، زادكِ الله هدًى وتقًى وثباتًا، فلا خيرَ أبدًا فيمن ترك عمود الدين؛ الصلاة، ولا يُرجَى منه أيُّ خير، لا لزوجته ولا لأبنائه مستقبلًا.

ثانيًا: من حيث الحكم الشرعي، فإنه لا يجوز تزويج مَن ثبت تركه للصلاة؛ لأن الصلاة هي عمود الدين، وهي العبادة الوحيدة التي عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم تاركَها كافرًا في الحديثين الآتيين:

((بين الرجل وبين الكفر والشرك تركُ الصلاة))؛ [خرَّجه مسلم في الصحيح]، وفي مسند أحمد والسنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة بن حصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمن تركها، فقد كَفَرَ))؛ قال الشيخ ابن باز رحمه الله معلقًا على الحديثين: "وهذا وعيدٌ عظيم يدل على كفر تاركِ الصلاة - نسأل الله العافية - ولو لم يجحد وجوبها، أما إن جحد وجوبها، كفر عند الجميع، إن جحد وجوبها، قال: إن الصلاة ما هي بواجبة، صار كافرًا عند الجميع - نسأل الله العافية - لكن لو قال: نعم، هي واجبة، ولكنه يتخلف ولا يصلي، فالصحيح: أنه يكون كافرًا بذلك؛ لهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه، نعم، نسأل الله العافية".

ثالثًا: لعل الوالد حفظه الله لا يعلم بهذا الحكم؛ ولذا قال ما قال، ولعله إن علِمَ به ينتهي عن إجباركِ على هذا الزواج.

رابعًا: لعلكِ تلتمسين رجلًا عاقلًا من أقاربكِ لمناصحة الوالد بالحكمة والموعظة.

خامسًا: وأهم ما تستعينين به هو الدعاء؛ فادعي الله كثيرًا بتوفيق والدكِ لِما فيه الخير والصلاح لكِ، وإعانته على نفسه؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

سادسًا: التساهل مع تزويج تارك الصلاة ربما نشأ من جهلٍ بحكمه، أو من ضعف تعظيم شعائر الله وحُرُماتِهِ، أو من تعظيم العادات والتقاليد وتقديمها على الدين، خاصة عندما يكون الخاطب قريبًا للمخطوبة، وهذا خطأ عظيم ينبغي أن يحذره الأولياء.

سابعًا: البنات أمانة في أعناق والديهم، فيجب عليهم أن يُعظِّموا هذه الأمانة، وأن يختاروا لهن من يرضَون دينه وخُلُقه؛ قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الرعاية في الحديثين الآتيين:

♦ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بَعْلِها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته))؛ [متفق عليه].

♦ ((إذا خطب إليكم من ترضَون دينه وخُلُقه فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))؛ [رواه الترمذي].

والخلاصة: هي ألَّا تقبلي أبدًا بهذا الخاطب، ولكن أحْسِني الظنَّ بوالدكِ، وتناصحوا بالحكمة.

حفظكِ الله، ورزقكِ زوجًا صالحًا.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.