• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | استشارات نفسية   استشارات دعوية   استشارات اجتماعية   استشارات علمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مر على زواجي ثلاثة أشهر وما زلت بكرا
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حيرة بين فتاتين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    زوجتي تفلتت من قوامتي
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    أمي وإخوتي تركوني وحيدة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    وقعت في محرم قبل الزواج: هل عقد الزواج صحيح؟
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    قسوة القلب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    زواج بالإكراه
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    ممارسة السحر من غير قصد
    أ. منى مصطفى
  •  
    الهوس بالأبراج
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    رجل مطلق يحبني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    إحباط من جميع النواحي
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    أكل الحقوق بين الإخوة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / الاستشارات / استشارات علمية / شريعة إسلامية
علامة باركود

لماذا خلقنا الله؟

لماذا خلقنا الله؟
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2022 ميلادي - 27/5/1443 هجري

الزيارات: 19257

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

 

♦ ملخص السؤال:

سائل يسأل عن القيمة المتحصلة من خلق الإنسان، ووضعه في إطار ضاغط (الدنيا)، فيذنب ويندم وهكذا.

 

♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أتعبتني ذنوبي، وتعبت من العودة والانتكاس بعد التوبة؛ فوصلت إلى مرحلة من الشكوك والأسئلة التي أتعبتني؛ وهي: لماذا خلقنا الله، وجعلنا في هذه الحياة التي يجب أن نمنعَ فيها الشهوات وأشياء أخرى يعتادها الإنسان كالأغاني؟ لماذا فرض علينا العبادة، وهو سبحانه أغنى الأغنياء عنا؟ الله سبحانه هو أرحم الراحمين، فما الفائدة من دنيا تكبح فيها شهواتك، وتقطِّع نفسك إذا أخطأت، وتظل في خوف إذا عصيت أو أذنبت، وإذا تبتَ خشيتَ ذنوب الماضي؟ ‏تعبت من الندم على كل حركة أتحركها، أصبحت لا أريد شيئًا حلالًا أو حرامًا، لا أريد أن أخاف على ضياع أي شيء، أريد أن أحيا دون أي غرض، ودون الخوف على أي شيء، ودون الخوف من أي شيء، ولا أريد أن أندم على شيء؛ فشعور الندم شعور مرهقٌ وقد كرِهْتُه.


الجواب:

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.

 

ثانيًا: فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].


فالعبادة حاجة العباد، وسبب فوزهم وفلاحهم في الدارين، وهي حق لخالقهم ورازقهم المنعم عليهم؛ كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لآية الذاريات: "أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم"؛ [تفسير ابن كثير: (7/ 425)].


فواجب العبد وغايته في هذه الحياة هو التحلي الكامل بصفة العبودية، التي هي شرف للعبد، وتاج يفتخر به أمام العالمين، وحق الله تعالى على عباده هو عبادته، والتسليم له، والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته، وألوهيته، وكماله، ولو لم تأتِ الرسل من عنده آمرة بعبادته، لاستحق أن يُعبد ويُعظَّم لذاته، لا لشيء زائد.


ومن الأسئلةِ الشائعةِ سؤالٌ يتكرر كثيرًا: إن الله غني عن العباد، غني عن عبادتنا وأعمالنا، فلماذا نعبده؟


وهذا السؤال ليس سؤالًا حديثًا، ولا وليدَ العصر، بل هو سؤالٌ قديمٌ خاض في الجواب عليه كثير من المتكلمين والفلاسفة، لكن من أهمِّ أسباب انتشاره في هذا العصر هو النزعة المادية والنظرة النفعية للدين، هو رضا الإنسان بالحياة الدنيا واطمئنانه بها وإليها، يُثار هذا السؤال ليقفز المنحرفون في أصول الدِّين، وأنصاف المتعلمين، ودعاة السوء، إلى تقديم الجواب النفعيِّ الماديِّ، فيقولوا للمسلمين بلسان القال مرةً، وبلسان الحال مراتٍ: إن الله غني عن عبادتكم، وإنما العبادة لمنفعتكم ومصلحتكم وفائدتكم، تعبدونه لمصلحتكم الدنيوية، فالصلاة رياضة نفسية وجسدية، والزكاة تكافل اجتماعي، والصيام صحةٌ، والحج مؤتمر سياسي!


وهكذا يقطعون الصلة بين العباد وربهم، فلا تكون نية العابد ولا إرادته متوجهة إلا إلى العبادات والأعمال الصالحة نفسها، لمصلحة نفسه، وفائدة نفسه.


إنَّ التفسير النفعي للدين هو الأنانية البراغماتية التي لا تنظر إلا إلى الذات، ولا تنظر إلا لمصلحة الذات، ولا تطلب إلا منفعة الذات!


الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، وعن عبادتهم، ولكنه تعبَّدهم بذلك، وجعلهم مهيئين للطاعة لله حتى يسعدوا بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء العظيم في الآخرة، وليس هناك أي مصلحة لله تعالى في عبادتهم، ولا ضرر عليه في معصيتهم وكفرهم، بل إن الخلق هم المستفيدون من الطاعة، والمتضررون من المعصية؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [فاطر: 18].


وقال تعالى: ﴿ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [يونس: 108]، وقال تعالى: ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 6]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ [الإسراء: 7]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت:46]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [إبراهيم:8]، وقال تعالى: ﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الزمر: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران:97]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 176- 178]، وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131].


وقال سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (... يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدْخِل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومَنَّ إلا نفسه)).


وقد سُئل الشيخ البراك هذا السؤال: هنالك سؤال يلح عليَّ خصوصًا عند قراءتي للآية: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهو: ما حاجة الله سبحانه وتعالى للعبادة؟ وإذا كانت الملائكة قد عبدت الله عز وجل قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟


أجد نفسي أجيب عن هذا السؤال تحديدًا بأن الملائكة قد جُبِلت على الطاعة فقط، بعكس الإنسان الذي إن شاء آمن وإن شاء كفر، ولكن هذه الإجابة أجدها تعيدني للسؤال الأول: ما حاجته سبحانه من خلقه للمخلوقات لكي يعبدوه؟ فهل هناك إجابة شافية لهذا السؤال؟


فأجاب حفظه الله: "الحمد لله، قد بيَّن سبحانه وتعالى حكمته من خَلقِ السماوات والأرض، وخلقِ ما على الأرض، وخَلقِ الموتِ والحياة، وهي الابتلاء للجنِّ والإنس؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].


فعُلم من هذه الآياتِ أن الله خَلَقَ ما خَلَقَ لابتلاء العباد؛ ليتبين من يكونُ منهم أحسنَ عملًا، ويظهرُ ذلك في الواقع حقيقة موجودة، بل بيَّن سبحانه في كتابه أن ما يجري في الوجود من النعم والمصائب لنفس الحكمة؛ وهي الابتلاء الذي يُذكر أحيانًا بلفظ الفتنة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].


فبهذا الابتلاءِ يتبينُ الصادقُ من الكاذبِ، والمؤمن من الكافر، مما هو معلوم للرب قبل ظهوره في الواقع، وقد أخبر سبحانه وتعالى في موضع من القرآن أنه خلقَ الناسَ ليختلفوا، ويكون منهم المؤمن والكافر، ويترتب على ذلك ما يترتبُ من ابتلاءِ الفريقين بعضهم ببعض؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119]، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].


وبيَّن سبحانه وتعالى أن من حكمته في القتال بين المؤمنين والكافرين ومداولة الأيامِ ما ذكره في قوله: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140، 141]، وأما قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فقد قيل: إن المعنى لآمرهم وأنهاهم فيعبدوني، وأمره ونهيه سبحانه وتعالى هو ما بعث به رسله، وفي هذا ابتلاء للعباد يكشف به حقائقهم حتى يميز الله الخبيث من الطيب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 179].


وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم، ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم - كما توهم السائل - بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم؛ لأنه الغني بذاته عن كل ما سواه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه، وعبادته هي محبته والذل لـه والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر))؛ [رواه مسلم: (2577)].


وقول السائل: (إذا كانت الملائكة قد عبدتِ اللهَ عز وجل قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟): جوابه في قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، فقوله تعالى: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ يتضمن أن لـه حكمة في خلق آدم واستخلافه في الأرض، وإن كان يحصل من بعض ذريته ما يحصل من الإفساد وسفك الدماء؛ قال تعالى: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ إلى قوله عن الملائكة: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 32]، ففوَّضت الملائكة الأمر إلى علمه وحكمته: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾.


فقد تبين مما تقدم أن قول السائل: (نحن - المسلمين - نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد؛ وهو عبادة الله وحده) ليس بصحيح؛ لأن الله بيَّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم".


ثم إن من يعترض على الله قائلًا: لماذا تريد مني يا ألله أن أعبدك؟ أتحتاج إلى عبادتي؟ كالعبد الذي يعترض على سيده وقد أمره بشيء، فقال له: سيدي، لماذا تريد مني أن أفعل ما تأمرني به؟ أتحتاج إلى ذلك؟ وهذا خطأ، ووجه الخطأ في ذلك: أن العبد ليس له أن يسأل هذا السؤال؛ لأنه عبدٌ لسيده، وهل يُعقَل أن يحاكم العبدُ سيده؟! ونحن عبيد لله، فكيف لنا أن نحاكمه؟! هذه واحدة.


والأمر الآخر: هذا السؤال نفسه مبني على مغالطة، أن كل أمر يأمر به السيد عبده يحتاجه السيد من العبد، وهذا ليس صحيحًا؛ فقد يكون الأمر اختبارًا من السيد لعبده، وقد يكون الأمر تشريفًا للعبد بفعل شيء جديرٍ أن يفعله، وقد يكون الأمر لمحبة السيد أن يرى امتثال عبده له وطاعته له، وقد يأمر السيد عبده بشيء إذا فعله رفع منزلته عنده، وأفاض عليه بعطايا عظيمة، ولله المثل الأعلى، فما دمت تقر بالله خالقًا، فلزمك أن تقر به آمرًا ناهيًا، ووجب عليك التسليم بما أمر؛ فالله له الخلق وله الحكم، ولا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى؛ لذا صح الحديث عن رسول الله: ((إذا ذُكِرَ القَدَرُ فأمسكوا))، فالخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم، ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته، فإنه لا يجوز؛ فقد روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنما تفقأ في وجهه حَبُّ الرمان من الغضب، قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم، قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده))؛ [قال الشيخ الأرنؤوط: صحيح]، وفي رواية ابن ماجه قال: ((خرج رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ عَلَى أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يُفْقأ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان من الغضب، فَقَالَ: بهَذَا أُمرتم أو لهَذَا خُلقتم؟ تضربون القُرْآن بعضه ببعض، بهَذَا هلكت الأمم قبلكم، قَالَ: فَقَالَ عَبْداللَّه بْنُ عمرو: مَا غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عَنْ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ مَا غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عَنْهُ)).


وروى الطبراني من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكِر النجوم فأمسكوا، وإذا ذُكِر القدر فأمسكوا))؛ [وقد حسَّن إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي، وصححه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة وصحيح الجامع].


والمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن - كما أسلفنا - قال ابن تيمية رحمه الله: "الخوض في ذلك - أي: في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه".


وقال الإمام الطحاوي: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخِذلان وسُلَّمُ الحرمان ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا أو فكرًا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، فمن سأل: لمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين، فهذا جملة ما يحتاج إليه.


لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر لا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وبردِّ طلب العلم المفقود...".


هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا نخاف من الموت
  • لماذا لا يحس بي أحد؟
  • لماذا خلقت أنثى ؟
  • لماذا خلقت المرأة؟

مختارات من الشبكة

  • لماذا خلقنا الله؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا خلقنا الله؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا خلقنا الله(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • لماذا لا أدري لكن لماذا؟(استشارة - الاستشارات)
  • لمـاذا؟!(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لهذا خلقنا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • ولقد كرمنا بني آدم وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب