كيفية قراءة: {كـهـيـعـص}

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله وحْده، والصَّلاة والسَّلام على مَن لا نبيَّ بعده.
{كهيعص} [مريم: 1]: هِي من الحروف الهجائيَّة المقطَّعة في فواتح السُّور، وفواتِح السُّور أربعةَ عشرَ حرفًا، يجمعها حروف: "صِلْهُ سُحَيْرًا مَنْ قَطَعَك"، أو "نصٌّ حكيمٌ قاطعٌ لَهُ سِرٌّ" أو "طَرَقَ سَمعَكَ النَّصِيحَةُ".

وهي على ثلاثة أقسام:
1 - قسم لا يُمَدُّ: وهو الألف، هجاؤه على ثلاثة أحرُف (أ ل ف) ليس وسطها حرف مد ولا لين. 

2 - قسم يمدُّ حركتين: وحروفه خمسة، جُمِعت في (حي طهر) (حَا، يَا، طَا، هَا، رَا)، هجاؤه على حرفين، آخرُها حرف مد، فهو يمدُّ كالطَّبيعي؛ لعدَم وجود ساكن بعد المد. 

3 - قسم يمدُّ ستَّ حركات مدًّا لازمًا: وحروفه سبعةٌ جُمِعت في (سنقصُّ عِلْمَك)، أو (كَمْ عَسَل نَقَص)؛ عدا الـ (عَيْن) في فاتِحتي سورة مريم والشُّورى: {كهيعص} و{عسق}، فالعين تُمَدُّ ستَّ أو أربعَ حركات، والطُّول أفضل، وذلك لِجميع القراء من طريق الشاطبيَّة، والسَّبب في مدِّه ستَّ حركات: أنَّه جاء بعد حرْف المدِّ سكون أصلي ثابت وقفًا ووصلاً، والـ(عَيْن) فيها الطُّول والتوسُّط؛ لأنَّ وسطها حرف لين، وليس حرفَ مدٍّ، فتأثَّرت بذلك، والمعوَّل عليه في ذلك الرِّواية.

وفي هذا يقول الجمزوري - رحمه الله - في "التُّحفة":

فعندما نقرأ: {كهيعص} نمدُّ (كاف) ستَّ حركات، ونمدُّ (ها) حركتين، ونمدُّ (يا) حركتَين أيضًا، ونمدُّ (عَين) ستَّ أو أربعَ حركات، ونمدُّ (صاد) ستَّ حركات.

كما أنَّ للقرَّاء القصْرَ أيضًا في الـ (عَيْن) من طريق "طيِّبة النشر"، فإن قرأتَ من طريق "طيِّبة النَّشر" يزاد وجه القصْر في (عَين)، ويكون لأبي جعفر السَّكتُ على كلِّ حرف، ويتنبَّه إلى أنَّ البعض يقرأ العين هكذا (عِين) بكسْر الحرف الأوَّل، وهذا خطأ؛ بل هو مفتوح: (عَيْن).

ويقول الإمام الشاطبي:

ولا فرْق في ذلك بين رواية ورْشٍ وغيرِه من القرَّاء السبعة من طريق الشَّاطبيَّة.

أمَّا من طرُق طيِّبة النَّشْر، فلِجميع القرَّاء: (الطول، والتوسُّط، والقصْر) في (عين) مريم والشُّورى، فيكون القصْر مرويًّا لهم من طريق الطيِّبة. 

وفيه يقول ابن الجزري في "طيبة النشر":

أي: يجوز للقرَّاء العشَرة الأوجُه الثَّلاثة: الطُّول ست حركات، أو التوسُّط أربع حركات، أو القصر.

والقصْر في العين معناه: عدَم المدِّ مطلقًا، فلا يُمَدُّ حركتين كـ "قال، يقول"؛ لأنَّ ذات حرْف المدِّ لا تقوم إلاَّ بالحركتَين، أمَّا ذات حرف اللين، فقائمةٌ بدون مدٍّ؛ كما بين ذلك صاحب كتاب "فريدة الدهر". وهذا حال الوصل، أما حال الوقف على أي (لين) فيأخذ حكم العارض للسكون.

ولابدَّ من مراعاة الرِّواية المقروء بها؛ حتَّى لا يحدث التَّركيب والخلْط.

فمثلاً: إذا قرأتَ لورْشٍ (طريق الأصبهاني) من "طيِّبة النشر" بالتَّكبير على قصْر المنفصِل، يتعيَّن القصْر في (عين)، وفي نحوه يقول المتولي في متْن "فتح الكريم":

إلى آخِر ما قال من التَّحريرات.

والدُّخول في الرِّوايات والطُّرق يطول شرحه، فيرجع إليْه بالمدارسة وفي كتُب الشُّروح.

ويُلاحظ أيضًا الإمالة والتَّقليل في (ها) و(يا)، فأمال الهاء وحْدها: أبو عمرو، وأمال الياءَ وحْدها: ابنُ عامر وحمزة وخلف العاشر، وأمال الهاء والياء: شعبةُ والكسائي، وقلَّلهما ورش.

أمَّا من طريق "طيبة النشر"، فأمال الهاء: أبو عمرو وشعبة والكسائي، ورُوي عن قالون وورش الفتْح والتَّقليل.

وأمَّا الياء: فلأبي عمرٍو الفتْح والإمالة، وأمال ابنُ عامر بِخُلف عن هشام؛ فلِهشام الفتح والإمالة، وأمال شعبةُ وحمزة والكسائي وخلف، ولنافعٍ الفتْح والتَّقليل.

وعلى هذا تكون قراءة ورْش لـ{كهيعص} كالآتي:
مدُّ (كاف) ستَّ حركات، ومدُّ (ها) حركتيْن مع التَّقليل - وله الفتح من "الطيبة" - ومدُّ (يا) حركتَين مع التَّقليل - وله الفتْح من "الطيبة" أيضًا - ومدُّ (عَين) ستَّ أو أربعَ حركات - أو القصر من "الطيبة" - وإخفاء نون (عَين) مع الغنَّة عند الصَّاد، ومدُّ (صاد) ستَّ حركات.

وعلى السَّائل أن يستمِع لهذه الآية من أحدِ القرَّاء لرواية ورْش؛ حتَّى يعرف كيفيَّة المدِّ وزمنه لكل حرف، وكيفيَّة أداء (التَّقليل) في حرفي (ها) و (يا).

فأخْذ القراءة بالسَّماع والتلقِّي هو الأولى، ويجب مراجعة باب المدود لتعمَّ الفائدة.

والله نسأل التوفيق والسَّداد.