• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | استشارات نفسية   استشارات دعوية   استشارات اجتماعية   استشارات علمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مر على زواجي ثلاثة أشهر وما زلت بكرا
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حيرة بين فتاتين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    زوجتي تفلتت من قوامتي
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    أمي وإخوتي تركوني وحيدة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    وقعت في محرم قبل الزواج: هل عقد الزواج صحيح؟
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    قسوة القلب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    زواج بالإكراه
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    ممارسة السحر من غير قصد
    أ. منى مصطفى
  •  
    الهوس بالأبراج
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    رجل مطلق يحبني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    إحباط من جميع النواحي
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    أكل الحقوق بين الإخوة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / الاستشارات / استشارات اجتماعية / استشارات أسرية / المشكلات بين الأبناء والآباء
علامة باركود

بر الوالد إذا كان بخيلا

أ. عائشة الحكمي

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/7/2009 ميلادي - 2/8/1430 هجري

الزيارات: 65011

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

أنا - حقيقةً - في جوِّ أُسرة تسودها المشاكل والأحزان، التي لا تنتهي على طول الطريق، وأعتقد أن كثيرًا من أهدافي لم يتحقق؛ بسبب هذا الألم والحزن، فالأب تاجر بخيل، سيِّئُ الأخلاق، وبذيء اللِّسان، هكذا الواقع، لن أبالغ؛ لا يصرف على أبنائه، ويكرهونه، ويتمنَّون مَوته، وأحد إخواني لا يُكلِّم أبي منذ سنوات، وأَخَواتِي يَعِشْنَ مشاكلَ عائليَّة مع أزواجِهِنَّ، وأُمِّي تُعاني ضُغُوطًا نفسيَّة من جَرَّاء هذه المشاكل، ولا يُفارق الهمُّ رأسَها، حتَّى ذَبَلَ جَسَدُها.

وأنا أحاول أنْ أُصلِحَ وأسدِّد وأقارب في خِضَمِّ هذه المشاكل والأزمات النفسيَّة، وما زلت - ولن أزال، بإذن الله - على هذا الطَّريق، فقد خُلِقْنَا في "كَبَدٍ"؛ لكن أشعر بالحزن عندما أُقارِن نفسي بتلك العائلات التي يَسُودها الحبُّ بين الأَبَوَيْن والأولاد، والالتحام، والحميميَّة، والوفاء، يا سلام! ليتني كنت منهم؛ لكنَّ ربَّك يقضي ما يشاء ويختار.

أرجو عند المشكلات ألاَّ نتكلم من أبراج عاجيَّة.

الجواب:

أخي الكريم، أسعد اللهُ أوقاتك بكل خير.
صحيحٌ من حقِّكم علينا ألاَّ نتكلم من أبراجٍ عاجيَّة، وفي المقابل من حقِّنا عليكم ألاَّ تتوقَّعوا منَّا حُلُولاً سحريَّة، أليس كذلك؟!

صدقًا، لا أتذكر الرَّقم الذي أستطيعُ أن أضعَك بجانبه ضِمْنَ هؤلاء المستشيرين، الذين كتبوا لنا أنَّ مُشكلاتِهم تكمُن في أهاليهم، لقد أصبحتْ العناوينُ مُتشابهة، والآلام شبه واحدة، والله، لو كان أمرُ السَّعادة بيدي، لجعلتها وَقْفًا دائمًا أبدَ الآبدين؛ ولكن هَيْهَات هيهات!

أشياء كثيرة ليست من اختيارنا في شيء:
أسماؤنا، وآباؤنا، وأمَّهاتنا، وأوطاننا، ولُغاتنا، والأرض التي نولد فيها، والأرض التي فيها نموت.
تلك أقدار، بعضها نشكره، وبعضها الآخر لا نملك إلاَّ أن نصبر عليه.

يا أخي، يقول الشاعر:

فِي  كُلِّ  بَيْتٍ  مِحْنَةٌ  وَبَلِيَّةٌ        وَلَعَلَّ بَيْتَكَ إِنْ شَكَرْتَ أَقَلُّهَا


أعرف بيوتًا مُترابطة ومُتراحمة، لكنَّ رائحةَ الموت تنبعث من بين جُدْرَانِها، ففي كل عام يُفقَد واحدٌ من أفرادها؛ نتيجةً لمرضٍ وِراثِيٍّ ألَمَّ بهم، لم يَجدِ الطِّبُّ له علاجًا حتَّى الآن.

وبيوتًا مُترابطة ومُتراحمة، لكنَّها من شِدَّة الفقر تعيشُ تحت خطِّ الفقر.

وبيوتًا مُترابطة ومُتراحمة، لكنَّها تعيشُ في قَلَقٍ مُستمر من فقد الابن الوحيد، الذي جاء بعد سنين من الصَّبر والانتظار.

وبيوتًا مُترابطة ومُتراحمة، لكنَّها تعيشُ في خوف دائم من القصف المباغت من نيران العَدُوِّ المجاور، وبئس الجوار.

ما دُمنا قد آمنَّا بالله وبقضائه وقَدَرِه، فجميعنا مُبْتَلَوْن؛ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].

فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا جَزَاءً لِمُحْسِنٍ        إِذًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا  مَعَاشٌ  لِظَالِمِ
لَقَدْ  جَاعَ  فِيهَا  الْأَنْبِيَاءُ  كَرَامَةً        وَقَدْ شَبِعَتْ فِيهَا بُطُونُ  الْبَهَائِمِ


وعلى المُؤمن المُبتلى أن يَمتلك سيفًا واحدًا، يَشْهَرُه دائمًا وأبدًا في مُواجهة الألم؛ ليتقوَّى بعد ذلك بالصَّبر عليه، ذلك السيف: آية من كتاب الله - تعالى - ردِّدْها دائمًا وأبدًا كُلَّما جاء ما يحزنك: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11]، وليس بعد قول الله من سُلوانٍ أو عَزَاءٍ أو تَسْلِيَة من أحد؛ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18].

سأُعلِّق على المُشكلات التي ذكرتَها الواحدة تِلْوَ الأخرى:
"الأب تاجر بخيل، سيِّئُ الأخلاق، وبذيء اللِّسان، هكذا الواقع، لن أبالغ؛ لا يصرف على أبنائه، ويكرهونه ويتمنَّون مَوته".

يقول يحيى بن خالد البرمكي: "البُخْلُ من سُوءِ الظَّن، وخُمُولِ الهِمَّة، وضعف الرَّوِيَّة، وسوء الاختيار، ونُكران الخيرات"، والبُخلاء - كما يقولُ المنفلوطي -: "جِمالٌ عطشانة، والمياهُ مُحمَّلة على ظهورها"، والله - عزَّ وجلَّ - يقول فيهم: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180].

أرى أنَّ والِدَك يستحقُّ أنْ تنظرَ إليه بعَيْنَيِ الشَّفَقَة لا بعَيْنَيِ المَقْتِ والغَيْظ؛ لأنَّه يُخشى عليه أن يكونَ ممن {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 3]، أنت شابٌّ مُتعلم، وروحُ الالتزام والتديُّن تتراءى من بين حُروفك وكَلِماتِك، ألم تقرأ في كتاب الله قوله -تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]؟ فاجعلِ اهتمامَك مُنْصَبًّا على أَمْرِ حِمَاية والدك من أن يكونَ وَقُودًا للنَّار، فذلك من البر.

أقترحُ عليكَ هنا طريقَتَيْن للنُّصح والتوجيه والوعظ الدِّيني:
إمَّا بطريقة مُباشرةٍ: عن طريق شخص تربطه بوالدك عَلاقة حميمة، كأنْ يكونَ هذا الشخص جدَّك مثلاً، أو عمَّك، أو أحَدَ أزواج أخواتك، أو صديقًا مُقرَّبًا للعائلة، فيتقبل منه النَّصيحة دون أيِّ تحسُّس، واطلب منه أنْ يتدخَّل بالنُّصح والوَعْظ بسوء عاقبة البُخل، وأنَّ من أوجب واجباتِه كأب أن يُنفقَ على أبنائه، وأن خَسَارَةَ الأموال يُمكن تعويضها، أمَّا خسارة الأبناء فلا تعوض.

المهم في هذه الطريقة خروجكم كُلِّيًّا من الموضوع، بحيث لا يصلُ لأبيكم أيُّ شعور بأنَّكم السبب في تدخُّل أطراف أخرى في الموضوع؛ بُغيةَ الإصلاح، وذلك سلامةً لكم من الأذى، وحرصًا على الغاية الأُولى من توجيه هذه النَّصيحة، وهي الخشية عليه من الوَعيد الذي توعد به ربُّ العِزَّة والجلال لمن بَخِلَ بما أعطاه الله من نِعَمٍ وعطايا.

أو بطريقة غير مُباشرة: من خلال إحدى خُطَبِ الجمعة في مَسْجد الحيِّ الذي تُصلُّون فيه، وذلك بالاتِّفاق سابقًا مع إمام المسجد وإخباره بالمشكلة.

والأفضلُ أنْ تجمعَ بين الطريقَتَيْن، مع الإلحاحِ على اللهِ بالدُّعاء لوالدك بالهداية، وأن يُحنِّنَ قَلْبه عليكم، وبإذن الله لن يأتِيَ الدُّعاء والإصلاحُ بين الناس إلاَّ بكُلِّ خير.

من المُؤلم بحقٍّ أن نَجِدَ بعضَ الآباء قد نُزِعَت الرَّحمةُ انتزاعًا من قلوبهم؛ كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - عندما جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: تُقَبِّلون الصِّبيان؟! فما نقبِّلهم، فقال النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم -: ((أَوَأَمْلِكُ لك أنْ نَزَعَ الله من قلبك الرَّحمة))؛ مُتفق عليه، لكن ما العملُ إن كان بِرُّهم - رَغْمَ كلِّ مساوئهم - هو من وصايا الله تعالى لنا؟!

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يُوصيكم بآبائكم))؛ صحَّحه الألباني، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15]؛ ولهذا لا تجعلوا بُخلَ والدِكم وسوءَ خُلُقه يقفان بينكم وبين وصيَّة الله لكم بالبِرِّ والإحسان؛ روى البخاري عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "ما من مُسلمٍ له وَالِدَان مُسلمان يصبحُ إليهما مُحتسبًا، إلاَّ فَتَحَ الله له بابَيْنِ – يعني: من الجنَّة - وإن كان واحدٌ فواحد، وإن غضب أحدهما لم يرضَ الله عنه حتَّى يرضيا عنه"، قيل: وإن ظلماه؟ قال: "وإن ظلماه".

"أحد إخواني لا يُكلِّم أبي منذ سنوات"
لقد استعمل أخوك سلاحًا عشوائيًّا لحلِّ المُشكلة، ومثل هذه الأسلحة – أعني: المقاطعة الكلاميَّة - إنَّما تزيد العلاقات اضطرابًا، والأمور تعقيدًا، وتُعطي والدَكم المبَرِّرات والحجج أمام النَّاس لقطع واجب النَّفقة عنكم، أجل، لقد أخطأ كثيرًا، فهذا الرجلُ يبقى أولاً وآخرًا هو والدكم، الذي أوجب الله عليكم بِرَّه والإحسان إليه مهما ظلمكم، ذكِّره بموقف أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السلام - من أبيه، فبرغم تهديد والده له وطلبه منه بنفسه أن يهجره؛ {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46] إلاَّ أنه - عليه السلام - {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47].

وبصفةٍ عامَّة، فإنَّ الطريقة المُثْلَى في التعامُل مع النَّاس المؤذين هي في خفض مستوى التعامُل معهم إلى أدنى درجة؛ ولكن ليس إلى درجة المقاطعة وقطع العَلاقة تمامًا، فهذا من الهجر المنهي عنه؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان، يصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))؛ رواه البخاري، فكيف حين يكون هذا المسلم أمَّك وأباك؟

انصحْ أخاك في الوقت المناسب، وبالطريقة التي تتناسب مع شخصيَّته، فعاملُ الوقت والأسلوب المناسب المتَّبع حسب الشخصيَّات - أوقعُ أثرًا في القلوب والعقول لتقبُّل النصيحة، فأرجو أن تولي هذه النُّقطة اهتمامَك، وتأخذها بعين الاعتبار.

"أخواتي يعشن مشاكلَ عائليَّة مع أزواجهن"
حقيقةً، ليس من السَّهل وضع الحلول لمشكلاتٍ كهذه لا نعرف تفاصيلَها، ولا أسبابها، ولا حتَّى مَن الظالم فيها ولا مَن المظلوم؛ لكن كتعليقٍ يسير على ذلك أقول: يفترض بأخواتك ألاَّ ينقلنَ مشاكلهُنَّ خارج بُيُوتهن، ثم إن فيكم من الهم ما يكفيكم، وليس بيد والدتكم الكريمة - حفظها الله - مع صحَّتها العليلة أيُّ قدرة الآن على حل مشكلاتهن، فلْيتوقَّفن عن التذمُّر والشكوى، ثم هل يحببن الرُّجوع إلى بيت الوالد إن كنتم أنتم كشباب غير قادرين على التحمل؟!

أرى أن تنصحَ أخواتِك بالحفاظ على بُيُوتِهن هادئة مطمئنة، وأن يبعدن مشكلاتِهنَّ عنكم، ويضعنَها في ميزان عقلاني مع المشكلة القائمة بينكم وبين والدكم؛ لِيَرَيْنَ أيَّ كفة سترجح.

لا أظن أنَّهن سيكنَّ أكثر سعادة لو رجعن إلى بيت الأهل بأجوائه المشحونة، وفي ظلِّ سيادة أبٍ كأبيك، أليس كذلك؟

"أمي تُعاني ضُغُوطًا نفسيَّة جرَّاء هذه المشاكل، ولا يفارقُ الهمُّ رأسَها؛ حتى ذَبَلَ جسدُها"
روى أحمد والنَّسائيُّ عن معاوية بن جاهم السلمي: أنَّ جاهمًا - رضي الله عنه - أتى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: يا رسول الله، أردتُ الغزوَ وجئت أستشيرُك، فقال: ((هل لك من أم؟))، قال: نعم، قال: ((الزمها؛ فإنَّ الجنَّة عند رجليها))، وأنا أقول لك كما قال الحبيب المصطفى: ((الزمها؛ فإنَّ الجنَّة عند رجليها)).

زعم المحاسبي في "كتاب الرعاية": أنه لا خلافَ بين العلماء: أنَّ للأم ثلاثةَ أرباع البر، وللأب الرُّبع؛ على مقتضى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفي ذلك يقول أبو العلاء المعري:

الْعَيْشُ مَاضٍ  فَأَكْرِمْ  وَالِدَيْكَ  بِهِ        وَالْأُمُّ   أَوْلَى   بِإِكْرَامٍ   وَإِحْسَانِ
وَحَسْبُهَا الْحَمْلُ وَالْإِرْضَاعُ تُدْمِنُهُ        أَمْرَانِ بِالْفَضْلِ  نَالاَ  كُلَّ  إِنْسَانِ


وليس من مكافأةٍ لوالدتك أثْمن من أن تحظى بعد كل هذا العَنَاء والتعب بابن عاقلٍ، ناضج، وبارٍّ مثلك "يصلح ويسدد ويُقارب"، فبُورك فيك، وأحْسَنَ الله إليك كما أحسنتَ مع أهلك وذويك.

اهتمَّ بصحَّة والدتك، ولا تدعها إلاَّ وقد قضيت كلَّ حاجاتها، ولا يكُن جلوسك معها فقط للشَّكوى وبثِّ الأخبار السيِّئة؛ بل لتكُنْ ساعاتك معها وقتًا للتسلية والمداعبة؛ إذ ليس أجمل من الأم إلا ضحكة الأم.

والدتك بحاجة لأَنْ تُحرِّر نفسَها من الضُّغوط النفسيَّة بالحديث إلى شخص تُحبه وتثقُ فيه، كأنْ يكونَ هذا الشَّخص جارة طيِّبة، أو شقيقة حنون، أو ابنة ناضجة، لا تتركوها حبيسة المنزل والجُدْران؛ بل اصطحبوها مرارًا معكم؛ لتشاهد زرقة البحر أو خضرة الشجر، وإن لم يكُنْ في البيت من حديقة، فأحضروا (الأصص) واملؤوها بالرياحين والزُّروع ونباتات الظِّل، فهذه الأشياءُ الصَّغيرة وإن كانت لا تحلُّ المشكلات، إلاَّ أنَّها تهدئ النُّفُوس المضطربة، وتُقوِّي الأجسادَ المتعبة على مواجهتها، ثُمَّ ما الجنة يا أخي؟ أليست رَوْحًا وريحانًا وأشجارًا وأنهارًا؟!

حياةُ المدينة والتَّمَدْيُن قضيا على كثيرٍ من قُوانا النفسيَّة لتحمل أعباء الحياة، وإن لم تصدِّق ما أقول، فاذْكُر كيف كان أجدادُنا من قبل، كانوا يعيشون حياةَ كفاح مُرهقة، ومتاعب لا أول لها ولا آخر، ومع هذا ما شَكَوْا ولا برموا، وكان من الخير لهم أنَّهم ذهبوا، ومن بَقِيَ منهم حيًّا، فقد ذهبت نفسه حسرات على تلك الأيام.

أختم كلامي بالحديث عنك أنت تعليقًا على قولك: "أعتقدُ أن كثيرًا من أهدافي لم يتحقق؛ بسبب هذا الألم والحزن".

حقيقةً لقد أحْزَنَتْني هذه العبارة وأنت تكتبها بمرارة، وبرغم هذا أقول لك: ما زالَ الوقتُ مُبكِّرًا لتظنَّ أنك لم تحقق أهدافك، فأنت - يا أخي - لا تزال صغيرًا في السن، عمرك هو عمر البذْر والزَّرع، لا الحرث ولا الحصاد، والطَّريق أمامك طويل، والعمر - إن شاء الله تعالى - معك، وعين الله ترعاك وتحرسك، فكن مع الله، يكُنِ الله معك.

أنت بحاجة فقط إلى تحقيق نوع من الاستقلاليَّة بشقَّيْها: المادي والعاطفي الاجتماعي، وذلك لن يتحققَ إلا بالوظيفة والزَّواج، وأنت - بحمد الله - قد أصبحتَ قابَ قَوْسَيْن أو أدنى من الوُصول إلى ذلك، فكُلُّها سنتان أو ثلاث وتتخرج - إن كنت تدرس في الجامعة - فابدأ من الآن برسم الخطط، ووضع الأهداف التي تُمكِّنك من الوصول إلى حُلمك الوظيفي في وقت قصير، لا تنتظر حتى تتخرجَ ثُم تبحث عن وظيفة؛ بل ابدأ من الآن، وفَتِّش عن القنوات التي تصبُّ في نبع تخصُّصك وقدراتك، ولو تَسَنَّى لك أن تعمل تطوعًا، أو بمقابل ماديٍّ خلال الصَّيف، فستودع في حسابك العملي بعضَ الخبرات السَّابقة، ولا تَقُل: إنَّك ابن تاجر، وإنَّ عملك على هذا النَّحو لا يصح، أرجو ألاَّ تكون من أصحاب هذا التفكير، فغايةُ العملِ تحقيقُ الذَّات قبل كسب المال، وليس ثَمَّة تعارضٌ بين تحقيق الغايتَيْن: تحقيق الذات، وكسب المال، هذا حقٌّ مشروع، ولعمرَ بن الخطاب مقولة جميلة يقول فيها: "إنِّي لأرى الرجل فيُعجبُني، فأقول: ألَهُ حرفة؟ فإن قالوا: لا، سَقَطَ من عيني".

ولا تستصعِبِ الزَّواج أو تستثقله ما دُمتَ قادرًا، أسأل الله أنْ يرزقَكَ الزَّوجة الصالحة، والذُّرِّية الصالحة، والعمل الصَّالح، ولا تحزنْ ولا تُقارن نفسك بأحد؛ {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]، و((ارضَ بما قَسَمَ الله لك، تكُنْ أغنى النَّاس))؛ رواه التِّرمذي وأحمد، وتوكَّل على الله حقَّ توكُّله؛ ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزقُ الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا))؛ رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد.

وتذكَّر نعم الله عليك، وما أكثرَها! فلا تمنح الشيطان الفرصة لينسيك إيَّاها بالتفكير في حياتك هذه وسط أهلك؛ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].

وفَّقك الله لما يُحبُّه ويرضاه، وفرَّج هَمَّك، وأسعد قلبك، وأصلح أهل بيتك، دُمتَ بألفِ خير، ولا تَنسَنَا من صالح دعائك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • والدي يرفض تزويجي لأجل راتبي
  • الضجر من معاملة الأبوين
  • إهداء الورود إلى الأم
  • هل قراراتي بخصوص مسكن الزوجية صحيحة؟
  • أبي يرفض معاونتنا له في العمل
  • والدي يرفض شراء (كاميرا) لي
  • ضعف الدراسة بسبب مشكلات الوالدين
  • زوجي بخيل، فما العمل؟
  • أبي يظلمنا ويفضل أهله علينا
  • زوجي بخيل ولا يهتم بنا
  • والدي بخيل معنا ماديا وعاطفيا
  • أمي تتحكم فينا وتهددنا بالقطيعة
  • والدي يأخذ راتبي الشهري
  • أمي عصبية
  • أخذ الأب مكافأة ابنته الجامعية
  • أشعر بالندم لدعائي على والدي!
  • دعاء الابن للأب المتوفى
  • لا أحب أبي
  • المقاطعة بين الزوجين
  • والداي يسلبان حريتي
  • أولويات البر
  • بر الوالدين مع قسوتهما
  • هل خطيبي بخيل أو حريص؟

مختارات من الشبكة

  • بيان ضعف حديث رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل بر الوالدين (وبرا بوالديه)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوق الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بر الوالدين من الأخلاق الإسلامية(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • أخذ من والده دينا بنية رده ثم توفي الوالد، كيف يتصرف ببقية المال؟(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • تحذير المسلمين من خطورة عقوق الوالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بر الوالدين في مشكاة النبوة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • درس وعظي: رمضان وبر الوالدين (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الليلة العاشرة: (بر الوالدين)(مقالة - ملفات خاصة)
  • رسالة في: بر الوالدين (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب