أبحث عن مشروع

أختي العزيزة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
من الجميل حقًّا أن تفكِّري في مشروعٍ صغير وتستشيري (الألوكة) فيه، هذه وحدها تحمل دلالاتِ نضجٍ واضحةً، وطموحًا راقيًا أحييك عليه، فبارك الله فيكِ، وشكرًا من القلب على ثقتكِ الغالية.

هدفُكِ نبيل؛ "المساعدة في رقي فكر واهتمامات الشباب المسلم، وبالأخص: الفتيات"، والأهداف النبيلة الراقية تحتاج إلى مشاريعَ راقيةٍ ونبيلة أيضًا، وليست مجرد فكرة سهلة، ثم تكون مملةً في آخر الأمر، أليس كذلك؟!

أريد أن أفهم بدايةً ماذا تقصدين بعنوان استشارتكِ: "أبحث عن مشروع؟" هل تبحثين عن مشروع تطوعي، أو استثماري ربحي؟ لقد اختلط الأمرُ عليَّ!

إن أيَّ مشروعٍ يحتاج دائمًا إلى فكرة طموحة، ودراسةٍ سليمة، وبيئةِ عملٍ مناسبة، ودعمٍ مادي؛ لإنمائه وإنجاحه، هذا أولاً.

ثانيًا: تَصِفين فكرةَ مشروعك بأنها: "ملف عن (ما يجب علينا معرفته في أمور الدين والدنيا)، وبعدها يبدأ التخصص"، لقد نقلتْني هذه العبارةُ من النادي الثقافي إلى الجامعة؛ إنما أظن أن لكِ معنى مغايرًا عما خطر ببالي لأول وهلة، فأرجو أن توضحيه لي.

ثالثًا: أفهم من فكرة النادي الثقافي أنه أشبه بحلقةٍ تتدارس فيها الفتياتُ علمًا أو مفهومًا، أو قيمة أو خُلقًا إسلاميًّا، أليس كذلك؟ حقيقة كنتُ سأشجع مثل هذه الفكرة إذا طرحتْها فتاةٌ في المرحلة المتوسطة، أما خريجة جامعية، فاعذريني لو قلتُ لكِ: إن الفكرة مستهلكة، ومملَّة بعض الشيء.

لماذا مملة؟ لأنها ستشبه قاعات الدراسة، عدا أنها بدون درجات وكشف حضور، ثم إن الموضوع الواحد سيستغرق أسبوعًا أو أكثر في النقاش والطرح، وهذا الأمرُ يبعث على الملل، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار الفروقَ الفردية، واختلاف الشخصيات بين أعضاء ناديكِ الموقر.

لا أريدكِ أن تُحبطي؛ لكن كَوْني خضتُ بعضَ المشاريع الفاشلة، واصطدمتْ أصغرُ أحلامي بأكبر الحقائق المؤلمة، فإنني بقولي هذا أجنِّبكِ اليومَ الكثيرَ من الخسائر المادية والمعنوية.

إن كنتِ تحملين همًّا عظيمًا، ففكِّري بطريقة عظيمة، تجعل فردًا واحدًا على الأقل في مجتمعِكِ يرتقي ويتغيَّر كما تحلمين؛ ((فوالله لأنْ يهديَ الله بك رجلاً واحدًا، خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النَّعم))؛ رواه البخاري.

إنني حين أكتب ردًّا على أي استشارة، آخُذُ بعين الاعتبار عددَ الأعين التي ستقرأ هذا الرد، وهي أعين كثيرة وملونة من مشارق الأرض ومغاربها: سوداء وعسلية، وخضراء وزرقاء، أعين كبيرة وأعين صغيرة، لوزية ومدورة، واسعة وضيقة، وأنا أدرك أن بعض أصحابها يقرؤون كلماتي بعمق - والحمد لله على ذلك كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه - ولهذا أبذل جهدًا مضاعفًا لجعل أفكارِهم محلقةً في السماء على الدوام، فإن قلتُ لكِ الآن: إن مشروعكِ جميل ومناسب، فإنني سأطيح بفكر الكثير ممن سيقرأ بعدكِ، ويتأثر بما أقول، وسيؤلمني الأمرُ كثيرًا.

الحماس الذي أستشعره بين سطوركِ رائعٌ جدًّا، فحافِظي عليه، والمجموعة المحفِّزة التي تشجعكِ لخوض مشروعٍ مثمر ومفيدٍ مهمةٌ جدًّا لإنجاح أي مشروع؛ إنما تبقى الفكرة الأصيلة هي ما ينقصكِ، ابحثي عن مشروعٍ أفضلَ لتحقيق هدفكِ الفضيل.

الأفكار الجميلة كثيرة جدًّا، إنما تحتاجين إلى جلسة عصف ذهني مع أخواتكِ وصديقاتكِ وقريباتكِ؛ لاستخراج الكنوز الفكرية الموجودة في عقولكنَّ، ستحصلين على عدة أفكار مميزة، قُومي بعدها بتصفيتها؛ لاختيار المشروع الأفضل الذي تجتمع فيه أدواتُ النجاح والإبداع، ثم خبريني عنه.

الصديقُ من صدَقك لا من صدَّقك، أليس كذلك؟! وأنا أكتب لكِ بمنتهى الصدق؛ فلا تغضبي مني، ومع هذا، إن كنتِ - برغم كل ما كتبتُه لكِ - لا تزالين تحتفظين بحماسكِ تجاه مشروعكِ هذا، فتوكلي على الله وابدئي بكتابة خطة تفصيلية عنه؛ لأناقشكِ فيها، أما الفكرة نفسها، فأظن أنني قد انتهيتُ من إبداء رأيي حولها.

ختامًا:
صرَّح فريدريك سميث لإحدى المجلات بقوله: "إذا أردتَ أن تعيش، فعليك أن تبتكر باستمرار، لقد وصفني الجميع - حتى أقرب أصدقائي - بأنني مجنون؛ لمجرد التفكير بتأسيس شركة تقدِّم خدمات البريد السريع، ويمكن أن تنجح، لقد ولدتْ فكرة هذا المشروع عندما كنت أحضر في الجامعة بحثًا في موضوع مشابه، وحلمت به، على الرغم من أن الأستاذ أعطاني علامة "متوسط" على البحث، وسخر مني، إلا أنني بدأت بتنفيذ الفكرة وطورتُها كل يوم، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن".

فريدريك هذا، هو مؤسس شركة FEDEX أول شركة بريد سريع في العالم، ومن أقواله الحكيمة: "كثير من الناس يعتقد بأنه يستطيع أن ينجح بالكلام والأحلام فقط؛ لكن الواقع يختلف، هو يحتاج إلى شجاعة وتصميم، ومغامرة وفعل".

أسأل الله - تعالى - أن يوفِّقكِ لما فيه صلاح مجتمعكِ وإصلاح أفراده، وأن يكلل خطواتكِ بالنجاح، دمتِ بخير، ولا تنسيني من صالح دعائكِ.