التالف من المصحف وأحكامه

ملخص الرسالة

التالف من المصحف وأحكامه

المقدمة

الحمد لله رب العالمين؛ خلق الخلق فأحاطهم بقدرته وعلمه، وقضى فيهم بحكمه وحكمته، أحمده على جزيل عطائه، وأشكره على عظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرًا، لا خير إلا دلنا عليه، ولا شر إلا حذرنا منه، تركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أنقى هذه الأمة قلوباً، وأزكاهم أعمالاً، أخلصوا لربهم، واتبعوا نبيهم، ونصروا دينهم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..

وبعد:

فإن مما أنعم الله به علينا أن أنزل علينا هذا الكتاب العزيز الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وجعله ﴿ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 89] هو الفصل ليس بالهزل، من تمسك به نجا، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم[1].

فهو كلام الله تعالى، أعظم كلام وأصدقه، وأحسنه وأبينه، فكان الواجب تلاوته وتعظيمه وتدبره والعمل به والتحاكم إليه.

ومما يدخل في تعظيمه واحترامه احترام ما كتب عليه من المصاحف، وحفظها وصيانتها.

ونظراً لما قد يطرأ على هذه المصاحف من التمزق أو التلف أو غيرها، سيما مع تطاول الأزمان، وتغير الأحوال، كان من الواجب دراسة أحكام هذه المصاحف التالفة أو الممزقة، من حيث إبقاؤها أو إتلافها، ومن حيث وسائل الإتلاف وكيفيته وما يتعلق به.

وقد تحدث العلماء المتقدمون - رحمهم الله تعالى - عن ذلك بإيجاز يناسب عصرهم، فكان من الواجب إعادة دراسة الموضوع بتوسع يناسب هذا العصر؛ خصوصًا مع كثرة المصاحف الممزقة والتالفة، وتلف المصاحف الموقوفة في المساجد وغيرها، وفي هذا استمرار لتلك المسيرة العطرة التي بدأها أسلافنا من أهل العلم - رحمهم الله -.

ولقد حرصت على اختيار هذا الموضوع وبحثه لأمور، ألخصها في النقاط التالية:

١- أهمية الموضوع، لتعلقه بكلام الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن شرف العلم بشرف المعلوم، والبحث فيه من أشرف ما تقضى فيه الأعمار.

٢- حاجة الناس إلى هذا الموضوع، وخصوصا مع كثرة الابتلاء بتلف المصاحف وتمزقها، سواء في الكتاتيب والحلق التي يتعلم فيها الصبيان، أو في المساجد، مع كثرة الاستعمال وتطاول الزمان، مما يجعل الحاجة ماسة إلى معرفة الأحكام المتعلقة بتمزقها وتلفها، وما يمكن عمله حيالها.

٣- تلف المصاحف الموقوفة، والحاجة هنا ماسة لمعرفة ما يمكن عمله بهذه المصاحف، وهل يجوز إتلافها وهي موقوفة؟

٤- أن هذا الموضوع لم يفرد ببحث يفصل أحكامه ويجمع شتاته ومسائله المتفرقة في بطون الكتب، ويوضح ما أجمل، ويفصل ما اختصر.

٥- تطور وسائل الإتلاف للورق في هذا الزمن، مما يقتضي دراستها والنظر فيها وبيان الأحكام المتعلقة بها.

فهرس الموضوعات