ملخص الرسالة

جهود المفسرين العراقيين

إِلى نهاية القرن الرابع الهجري

مقدمة البحث

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبذكره تتنزل البركات، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات، المؤيد بأشهر المعجزات، محمد المصطفى على جميع البريات، وآله وصحبه وتابعيهم في جميع الحالات.

وبعد:

فإن أهمية القرآن الكريم وأثره الكبير في نفوس المسلمين يُرَّغِبان طلبة العلم في السعي إلى دراسة الجوانب المتعلقة به كافة، ومن هذه: الدراسات التي اختصت بالتعريف بالمفسرين وتراجمهم ومناهجهم وجهودهم ومدارسهم التفسيرية، فظهر عدد من المؤلفات والبحوث ذات الصلة بتراجم المفسرين وجهودهم، وقد تنوعت موضوعاتها، فبعضها اختص بذكر المفسرين، وبعضها اختص بذكر مدارس التفسير، وبعضها اختص بمناهج المفسرين كلًا أو على حدة.

ولرغبتي في إبراز دور المفسرين العراقيين، وأثرهم في تفسير القرآن الكريم، ارتأيت الكتابة عن جهودهم، ولما كانت بغداد، والبصرة والكوفة هي أبرز حواضر العالم الإسلامي علمًا، ولأنها استقطبت جمهرة كبيرة من العلماء فضلًا عن أبنائها، فإن استيعاب جميع المفسرين في أطروحة واحدة أمر متعذر، لذا وبناء على توصيات فضيلة أعضاء لجنة البحوث في كليتنا الموقرة، تقرر اقتصار الكتابة عن جهود المفسرين العراقيين في القرون الهجرية الأربعة الأولى، فكانت هذه الأطروحة التي أسميتها (جهود المفسرين العراقيين إلى نهاية القرن الرابع الهجري).

وأردت من هذه الأطروحة أن تكون ردًا عمليًا على بعض الطروحات الاستعمارية التي حاولت أن تظهر العراق وكأنه بلد متخلف، وتحذف تاريخه وحضارته بجرة قلم، والرد أيضًا على من زعم أن مدارس العراق التفسيرية قامت على جهود العلماء الوافدين.

واقتضت متطلبات المنهج العلمي أن أتتبع المادة العلمية من مظانها المباشرة، وأعني بها كتب طبقات المفسرين، ولما كانت تراجم أغلب هؤلاء العلماء الأعلام تراجم موجزة، فلم تتبين هوية بعضهم أو المدن والبلدان التي انتسبوا إليها، كما أن الخشية من عدم ذكر بعض المفسرين أملت عليَّ الرجوع إلى كتب التراجم والطبقات.

وقد اشتملت خطة البحث بعد هذه المقدمة التي بين يدي القارئ الكريم.

الْفَصْل الأَوْل في نشأة التفسير، واشتمل على مبحثين:

المَبْحَث الأَوْل: نظرة تاريخية في نشأة علم التفسير وتطوره.

المَبْحَث الثَّانِي: أبرز مفسري الصحابة في العراق.

وتناولت في الْفَصْل الثَّانِي جهود المفسرين في القرن الأول، واشتمل على ثلاثة مباحث:

المَبْحَث الأَوْل: أثر الإسلام الفكري في العراق.

المَبْحَث الثَّانِي: أبرز المفسرين العراقيين في هذا القرن.

المَبْحَث الثَّالِث: خصائص التفسير في هذا القرن.

وتناولت في الْفَصْل الثَّالِث جهود المفسرين في القرن الثاني، واشتمل على ثلاثة مباحث:

المَبْحَث الأَوْل: النشاط الفكري العام وأثره في تفسير القرآن.

المَبْحَث الثَّانِي: أبرز المفسرين العراقيين في هذا القرن.

المَبْحَث الثَّالِث: دراسة أبرز التفاسير.

وتناولت في الْفَصْل الرَّابِع جهود المفسرين في القرن الثالث واشتمل على ثلاثة مباحث:

المَبْحَث الأَوْل: النشاط الفكري العام وأثره في تفسير القرآن.

المَبْحَث الثَّانِي: أبرز المفسرين العراقيين في هذا القرن.

المَبْحَث الثَّالِث: دراسة أبرز التفاسير.

وتناولت في الْفَصْل الخامس جهود المفسرين في القرن الرابع واشتمل على ثلاثة مباحث:

المَبْحَث الأَوْل: النشاط الفكري العام وأثره في تفسير القرآن.

المَبْحَث الثَّانِي: أبرز المفسرين العراقيين في هذا القرن.

المَبْحَث الثَّالِث: دراسة أبرز التفاسير.

وختمت هذه الأطروحة بخاتمة أوجزت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها.

وأبرز الصعوبات التي واجهتني هي عدم ذكر بعض المعلومات المهمة في كتاب التراجم والطبقات، والتي تحدد هوية العلماء والبلدان التي ينتسبون إليها، والمدن التي توفوا فيها، وقلة المعلومات المتوافرة عن بعض العلماء.

وواجهتني صعوبة أخرى تمثلت في تحديد مصطلح العراقيين، فقد كانت البلاد الإسلامية مفتوحة أمام الجميع، والتنقل من بلد إلى آخر سمة تكاد تكون عامة بين العلماء، فالعالم قد يلد في مدينة ويقضي فيها شطرًا من عمره، ثم ينتقل إلى مدينة أخرى ويقضي فيها شطرًا آخر، وينتقل إلى مدينة ثالثة يعيش فيه بقية أيام حياته.

فضلًا عن أن ظروف الاحتلال وما خلفه من آثار نالني منها نصيب كبير، تمثل بالاعتقال العشوائي والتعرض لأنواع التعذيب.

اسأل الله تَعَالَى أن يمنّ على بلدنا بالسلامة والسلام، وأن يحفظ مشايخنا وعلماءنا وطلبة العلم والمؤمنين أجمعين، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب الدعاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة:

بعد هذا العرض لجهود المفسرين العراقيين في القرون الهجرية الأربعة الأولى، يمكن إيجاز أهم النتائج بما يأتي:

1) إن مدرسة التفسير وعلوم القرآن الكريم، ولدت في المدينة المنورة ونشأت في مكة، وترعرت وازدهرت في العراق، ومع أن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - انتشروا في أغلب الحواضر الإسلامية، إلا أن مدرسة العراق استطاعت أن تضارع مدرستي المدنية ومكة وتتفوق عليهما بكثرة العطاء وتنوعه.

2) إن المصادر التي قام عليها تفسير القرآن الكريم هي تفسير القرآن بالقرآن، وبدلالة الأحاديث والآثار المروية عن الصحابة والتابعين والاعتماد على اللغة وقواعدها، وشواهدها المنقولة وأشعار العرب.

3) ظهرت في هذا الحقبة على أيدي المفسرين العراقيين ملامح جديدة في أنماط التفسير، منها: التفسير بالرأي، والتفسير الإشاري، والتفسير الموضوعي مثل أحكام القرآن.

4) العراقيون أول من أوجد فنون جديدة ومبتكرة في علوم القرآن ومهدوا الطريق للآخرين للانتفاع بها والسير على منوالها، مثلما كانوا أول من وضع النقاط على الحروف، وابتكروا تشكيلها.

5) إن التدوين نما وترعرع في العراق وأسهم اختيار بغداد حاضرة الدولة العباسية في نشوء مدرسة جديدة في عالم الثقافة والفكر التي أخذت مكانتها بين المدارس الأخرى، حتى تمكنت من تزعمها جميعًا.

6) إن جهود العراقيين في التفسير وفي علوم القرآن الكريم كانت محصلة لجهود السابقين، واستطاعت أن تستقطب جهود الوافدين إِلى العراق، مما أضفى على جهودهم سمة الشمولية والتنوع.

7) ظهر في العراق جهود المفسرين من المذاهب الأخرى، والتي كان الغالب عليها تمجيد أفكار مذاهبهم والترويج لها.

8) إن أبرز كتب التفسير التي ظهرت في هذه الحقبة اتخذت منحيين: الأول التفسير بالأثر، وخير من يمثله الطبري، وابن أبي حاتم، والثاني التفسير اللغوي، وأبرز من يمثله الفراء، والأخفش، والنحاس.

9) إن جهود المفسرين العراقيين اتصفت بالكثرة والسعة من جهة والتنوع وشمولها لجميع العلوم القرآنية والمدارس التفسيرية.

10) إن المفسرين العراقيين هم أول من عرضوا الآراء وناقشوها ورجحوا بينها بالدليلين النقلي والعقلي.

11) إن جهود العراقيين في علوم القرآن الكريم وتفسيره كان لها الأثر الكبير في تطوير العلوم الأخرى، إذ أسهمت في تطوير الفقه، وعلوم العقيدة، والرد على الملاحدة والمعطلين.

12) اتصفت جهود العراقيين بالاهتمام بالتحليل والميل إلى الواقعية والتركيز على النقد، كثرة تفريعهم الفروع. قلة روايتهم للحديث، واشتراطهم فيما يؤخذ به من الحديث شروطًا لا يسلم معها إلا القليل.

ختامًا هذا جهدي أرجو أن أكون قد وفقت فيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.

فهرس المحتويات