• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    عجائب الأشعار وغرائب الأخبار لمسلم بن محمود ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج

ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج
د. جابر القصاص

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/5/2024 ميلادي - 12/11/1445 هجري

الزيارات: 8002

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج

 

الحمد لله المحمود على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، جبله ربه على جميل الفعال، وكريم الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل، أما بعد:

أحبتي في الله، سوف نتحدث عن أحد أعلام الأمة، وجبل من جبال العلم، وقطب من أقطاب الحديث والرواية؛ الإمام مسلم صاحب الصحيح، وهو ثالث أصح كتاب على أديم الأرض بعد كتاب الله عز وجل، وصحيح البخاري.

 

هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري الحافظ، ولد في نيسابور، واختُلف في سنة ميلاده على أقوال:

• قيل سنة (201 هـ): وهو مقتضى كلام الذهبي في العبر، حيث ذكر وفاته سنة (261 هـ)، وقال: "وله ستون سنة"[1]، وهذا يقتضي أن ميلاده كان سنة (201 هـ).

 

• وقيل: سنة (202 هـ)، وهو قول بعض المستشرقين، مثل (بروكلمان) في تاريخ الأدب.

 

• وقيل: سنة (204 هـ)، وهو الذي نص عليه الذهبي صراحة في تذكرته، فقال: "ولد سنة أربع ومائتين، وأول سماعه سنة ثماني عشرة ومائتين"[2]، وكذا قال ابن كثير: "وكان مولده في السنة التي توفي فيها الشافعي، وهي سنة أربع ومائتين"[3]. وتبعهما جماعة من أهل العلم، وهذا هو الأشهر.

 

• وقيل: سنة (206 هـ)، فيما نقله ابن الصلاح عن الحاكم، وابن الأخرم، فقال: "توفي مسلم بن الحجاج رحمه الله عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة، وهذا يتضمن أن مولده كان في سنة ست ومائتين، والله أعلم"[4].

 

قلت: ولا خلاف بينهم على أن مولده كان في نيسابور، وأن وفاته كانت في رجب سنة (261 هـ).

 

أسرته:

لم تصلنا معلومات وافية عن أسرته، سوى أن أباه الحجاج كان من شيوخ العلم؛ قاله محمد بن عبدالوهاب الفراء[5]، وقد أرسله لطلب العلم في مرحلة مبكرة من حياته، ويبدو أن عائلته كانت على قدر كبير من الثراء، وكانت لهم أملاك وضياع؛ لأن الإمام مسلم جدَّ في الرحلة في طلب العلم في مختلف الأمصار، بجانب عمله تاجرًا للحرير؛ أي: (بزَّازًا) بلغة ذلك العصر؛ مما يرجح كونه ورث ثروةً عن أبيه، أعانته على طلب العلم والرحلة من أجله، والله أعلم.

 

شيوخه وتلاميذه:

قال ابن خَلِّكان: "أحد الأئمة الحُفَّاظ وأعلام المُحدِّثين، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبدالله بن مسلمة القعنبي وغيرهم، وقدم بغداد غير مرة، فروى عنه أهلها، وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين"[6].

 

وقال الذهبي: "وحج في سنة عشرين وهو أمرد، فسمع بمكة من: القعنبي - فهو أكبر شيخ له - وسمع بالكوفة من: أحمد بن يونس، وجماعة، وأسرع إلى وطنه، ثم ارتحل بعد أعوام قبل الثلاثين، وأكثر عن علي بن الجعد، لكنه ما روى عنه في (الصحيح) شيئًا، وسمع: بالعراق، والحرمين، ومصر.."[7].

 

وقال ابن الصلاح: "أحد رجال الحديث من أهل خراسان، رحل فيه رحلة واسعة، وصنف فيه تصانيف نافعة، فسمع بخراسان يحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وغيرهما، وبالري محمد بن مهران الجمال، وأبا غسان محمد بن عمرو زنيجا، وغيرهما، وبالعراق أحمد بن حنبل، وعبدالله بن مسلمة القعنبي، وغيرهما، وبالحجاز سعيد بن منصور، وأبا مصعب الزُّهْري، وغيرهما، وبمصر عمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى، وغيرهما، في خلق كثير، والله أعلم.

 

روى عنه من الأكابر: أبو حاتم الرازي، وموسى بن هارون، وأحمد بن سلمة، وأبو بكر بن خزيمة، ومحمد بن عبدالوهاب الفراء، ومكي بن عبدان، وأبو حامد بن الشرقي، والحسين بن محمد بن زياد القباني، وإبراهيم بن أبي طالب، وأبو عمرو المستملي، وصالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو العباس السراج، ونصر بن أحمد الحافظ الملقب نصرك، وسعيد بن عمرو البردعي الحافظ، في آخرين.."[8].

 

قلت: وقد فصَّل أبو الحجاج المزي ذكر شيوخ مسلم في تهذيبه، كما فصَّل كذلك ذكر تلاميذه ومن رووا عنه، فمن أراد تفصيل ذلك فليرجع ثم[9]. والله الموفق.

 

صفاته:

أورد الذهبي في صفته، عن أبي عبدالرحمن السلمي يقول: "رأيت شيخًا حسن الوجه والثياب، عليه رداء حسن، وعمامة قد أرخاها بين كتفيه. فقيل: هذا مسلم. فتقدم أصحاب السلطان، فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج إمام المسلمين، فقدموه في الجامع، فكَبَّر، وصَلَّى بالناس"[10].

 

وأورد الحافظ ابن حجر من صفته عن الحاكم يقول: "كان تامَّ القامة، أبيض الرأس واللحية، يرخي طرف عمامته بين كتفيه"[11].

 

وقد عُرِف الإمام رحمه الله بحسن الخلق، والجود والسخاء، حتى قيل عنه: "محسن نيسابور"[12]، وكان يحفظ لسانه فلا يغتاب أحدًا أبدًا، وظل دؤوبًا في طلب الحديث حتى مات رحمه الله وأكرم مثواه.

 

ثناء العلماء عليه:

لو تتبعنا كلام العلماء وثناءهم على الإمام مسلم بن الحجاج لطال بنا المقام؛ لأنهم أفاضوا في الثناء عليه لسعة علمه، وعلوِّ منزلته، وقوة حجته.

 

نقل الخطيب عن الحسين بن منصور يقول: "سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي (ابن راهويه)، وذكر مسلم بن الحجاج، فقال: "مردا كاين بود"، قال المنكدري تفسيره: أي رجل كان هذا؟!"[13].

 

ونقل أيضًا عن أبي عمرو بن حمدان الحيري، قال: "سمعت أبا العباس بن سعيد بن عقدة، وسألته عن محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، أيهما أعلم؟ فقال: كان محمد بن إسماعيل عالمًا، ومسلم عالم. وكررت عليه مرارًا وهو يجيبني بمثل هذا الجواب، ثم قال لي: يا أبا عمرو، قد يقع لمحمد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام، وذاك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته، ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهَّم أنهما اثنان، فأما مسلم فقلما يقع له الغلط؛ لأنه كتب المقاطيع والمراسيل"[14].

 

وقال إسحاق بن منصور لمسلم: "لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين"[15].

 

وقال ابن أبي حاتم: "كان ثقة من الحفاظ، كتبت عنه بالري. قال أبي: صدوق"[16].

 

وقال ابن الصلاح: "رفعه الله تبارك وتعالى بكتابه الصحيح هذا إلى مناط النجوم، وصار إمامًا حجة، يبدأ ذكره ويعاد في علم الحديث، وغيره من العلوم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"[17].

 

وقال النووي: "أحد أعلام أئمة هذا الشأن، وكبار المبرزين فيه، وأهل الحفظ والإتقان والرحَّالين في طلبه إلى أئمة الأقطار والبلدان، والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان، والمرجوع إلى كتابه، والمعتمد عليه في كل الأزمان"[18].

 

وقال أيضًا: "وأجمعوا على جلالته، وإمامته، وعلوِّ مرتبته، وحذقه في هذه الصنعة، وتقدمه فيها، وتضلُّعه منها، ومن أكبر الدلائل على جلالته، وإمامته، وورعه، وحذقه، وقعوده في علوم الحديث، واضطلاعه منها، وتفننه فيها، كتابه الصحيح الذي لم يوجد في كتاب قبله ولا بعده من حُسْن الترتيب، وتلخيص طرق الحديث بغير زيادة ولا نقصان..."[19] إلى آخر ما قال رحمه الله.

 

وقال محمد بن بشار يقول: "حُفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زُرْعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبدالله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببُخارى"[20].

 

وقال الذهبي: "هو الإمام الكبير، الحافظ، المجود، الحُجَّة، الصادق"[21].

 

وقال ابن الأخرم: "إنما أخرجت مدينتنا هذه من رجال الحديث ثلاثة: محمد بن يحيى، وإبراهيم بن أبي طالب، ومسلم"، وقال ابن عقدة: "قلما يقع الغلط لمسلم في الرجال؛ لأنه كتب الحديث على وجهه". وقال أبو بكر الجارودي: "حدثنا مسلم بن الحجاج، وكان من أوعية العلم". وقال مسلمة بن قاسم: "ثقة جليل القدر من الأئمة"[22].

 

وكلام أهل العلم في هذا الشأن كثير جدًّا.. رحم الله الإمام مسلم وأكرم مثواه.

 

مؤلفاته:

لا شك أن أهم ما صنفه الإمام مسلم هو كتابه: (المسند الصحيح المختصر، بنقل العدل عن العدل، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، المعروف اختصارًا باسم (صحيح مسلم)، لكن لم يكن هذا مؤلَّفه الوحيد؛ إذ صنف مؤلفات أخرى شديدة الأهمية، منها ما هو موجود بين أيدينا اليوم، ومنها ما قد فُقِد. قال ابن الصلاح: "وصنف غير هذا الكتاب كتبًا، منها: كتاب المسند الكبير على الرجال، وكتاب الجامع الكبير على الأبواب، وكتاب العلل، وكتاب ذكر أوهام المحدثين، وكتاب التمييز، وكتاب من ليس له إلا راوٍ واحد، وكتاب طبقات التابعين، وكتاب المخضرمين، وغير ذلك.."[23].

 

وقال النووي: "وصَنَّف مسلم - رحمه الله - في علم الحديث كُتبًا كثيرة، منها هذا الكتاب الصحيح الذي مَنَّ الله الكريم - وله الحمد والنعمة والفضل والمنة - به على المسلمين، أبقى لمسلم به ذكرًا جميلًا، وثناءً حسنًا إلى يوم الدين، مع ما أعَدَّ له من الأجر الجزيل في دار القرار، وعَمَّ نفعه المسلمين قاطبة"[24].

 

قلت: ومما صنَّفه الإمام مسلم سوى صحيحه:

• كتاب التمييز، وقيل: هو عين كتاب (أوهام المحدثين)؛ لأن الإمام مسلم سمَّى فيه مرارًا ما وقع (عند أهل العلم بالأغاليط فيها)، و(أحاديث مما وهم قوم في روايتها)، وتبويبه للكتاب بعبارات مثل: (ذكر الأخبار التي نقلت على الغلط في متونها)، وغير ذلك. وقيل: بل هما مصنفان متغايران، وكلام ابن الصلاح الذي قدمناه قريبًا يشير إلى ذلك، لكن ما وصلنا هو كتاب التمييز، والله تعالى أعلم.

 

• كتب الطبقات: وتناول فيه معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم الذين رأوه ورووا عنه، والذين شاهدوه فقط ولم يرووا عنه، وكذلك التابعين.

 

• كتاب المنفردات والوحدان: وقيل هو عينه كتاب (من ليس له إلا راوٍ واحد)، وقيل: بل هما كتابان متغايران، والله أعلم.

 

• كتاب الكنى والأسماء، طبع مؤخرًا.

 

• وثمة كتاب لا يزال مخطوطًا تحت عنوان: (رجال عروة بن الزبير).

 

وقد ذكرت بعض المصادر كتبًا أخرى مفقودة، منها: (المسند الكبير على الرجال)، و(سؤالاته أحمد بن حنبل)، و(الانتفاع بأهب السباع)، وكتاب (أفراد الشاميين)، وكتاب (أولاد الصحابة)، وكتاب (التاريخ)، وكتاب (المخضرمين)، وكتاب (مشايخ مالك والثوري وشعبة)، وجزء فيه (ما استنكر أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب)، وكتاب (معرفة رواة الأخبار).

 

لكن بلا شك يظل كتابه الصحيح هو قمة الهرم ليس بين مؤلفاته فحسب، بل بين جميع مؤلفات أهل العلم سوى صحيح البخاري، فهو ثالث أصح كتاب على أديم الأرض عند جماهير أهل العلم عبر القرون، ومنهم من جعله ثانيًا مقدمًا إياه على صحيح البخاري، قال ابن كثير: "وذهبت المغاربة، وأبو علي النيسابوري من المشارقة، إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فإن أرادوا تقديمه عليه في كونه ليس فيه شيء من التعليقات إلا القليل، وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد، ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري.."[25].

 

وقال الحافظ: "حصل لمسلم في كتابه حظٌّ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يُفضِّله على صحيح محمد بن إسماعيل (البخاري)؛ وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع، ولا رواية بمعنى، وقد نسج على منواله خلق عن النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه، وحفظت منهم أكثر من عشرين إمامًا ممن صنف المستخرج على مسلم، فسبحان المعطي الوهاب"[26].

 

قلت: وقد استغرق الإمام مسلم خمس عشرة سنة في تأليف صحيحه، على ما حكاه أحمد بن سلمة تلميذه وكاتبه[27]، وقد انتقى عدة أحاديث بلغت نيفًا وثلاثة آلاف حديث من بين ثلاثمائة ألف حديث مسموع جمعها[28]، وهذا يدل على عنايته البالغة بهذا المصنف النفيس، والتدقيق الشديد في أخباره وترتيبها. فجزاه الله عنا خير الجزاء.

 

علاقته بالإمام البخاري:

افتتح الإمام مسلم مصنفه بمقدمة نفيسة، دافع فيها عن شرطه: الاكتفاء بمجرد المعاصرة بين الراوي وشيخه، مع إمكانية اللقاء، ورد على مناظر له في ذلك ممن يشترط ثبوت اللُّقيا، وقد حسبت طائفة من أهل العلم أنه عنى الإمام البخاري بذاك الرد؛ وذلك لأن البخاري اشترط ثبوت اللُّقيا بين الراوي وشيخه، ولم يقبل الاكتفاء بمجرد المعاصرة مع إمكانية اللُّقيا، كما فعل مسلم.

 

والحق: أن المقصود بالرد لم يكن الإمام البخاري؛ وذلك لأن الإمام مسلم احتدَّ واشتدَّ في ردِّه، بما ينافي إجلاله الشديد لإمامه وشيخه البخاري، وهذا غير مظنون بهما معًا، ومن يطالع كلام الخطيب عن علاقة الإمامين سيتبين له صدق ما قلنا.

 

قال الخطيب رحمه الله: "إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه، وحذا حذوه، ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم، وأدام الاختلاف إليه"، وروى بإسناده عن أبي حامد القصار، يقول: سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقَبَّل بين عينيه، وقال: دعني حتى أُقبِّل رِجْليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المُحدِّثين، وطبيب الحديث في علله.

 

وذكر الخطيب أيضًا أن مسلمًا كان يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه؛ وذلك أن البخاري لما استوطن نيسابور، أكثر مسلم الاختلاف إليه، فلما وقع بين الذهلي والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ ونادى عليه، ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر، وخرج من نيسابور في تلك المحنة، قطعه أكثر الناس غير مسلم، فإنه لم يتخلَّف عن زيارته، فبلغ الذهلي أن مسلمًا على مذهبه قديمًا وحديثًا، وأنه عوتب على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه، فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى، قال في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا. فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رءوس الناس وخرج من مجلسه، وجمع كل ما كان كتب منه وبعث به على ظهر حمَّال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك الوحشة، وتخلَّف عنه وعن زيارته[29].

 

قلت: وهذا يدل بوضوح على شدة إجلال مسلم للبخاري، وشدة توقيره إياه، وإن اختلفا في شرط من الشروط. والظاهر أن رد الإمام مسلم كان على مناظر له اشتد واشتط في التمسك بشرط البخاري، والله تعالى أعلم.

 

وفاته:

لا خلاف بين أهل العلم في أن وفاته كانت في شهر رجب سنة (261 هـ). قيل: كان ذلك عشية يوم الأحد، لخمس بقين من رجب.

 

وقد نقل الخطيب في سبب وفاته عن أحمد بن سلمة، يقول: عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة، فذكر له حديث لم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحد منكم هذا البيت، فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر، فقال: قدموها إليَّ، فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة يمضغها، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث، قال محمد بن عبدالله النيسابوري: زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات[30].

 

أي إن الإمام ظل يطلب الحديث ويتحرَّاه حتى مات من جراء ذلك، فرحم الله الإمام، وجزاه عنا وعن السنة خير الجزاء، وحسبه أن ذكره سيظل باقيًا في الأرض حتى يأتي أمر الله، فقد اقتضت إرادة الله تعالى وفضله أن من أحيا ذكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيا ذكره حتى تقوم الساعة، وهذا ما وقع للبخاري ومسلم وغيرهما ممن خدموا السنة النبوية، وأفنوا حياتهم فيها، نسأل الله أن ينفعنا بهم، وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء نبيه صلى الله عليه وسلم، هو أهل ذلك والقادر عليه، والله الموفق والمستعان.



[1] العبر في خبر من غبر: (1 / 375).

[2] تذكرة الحفاظ: (2 / 125).

[3] البداية والنهاية: (11 / 41).

[4] صيانة صحيح مسلم: ص (62).

[5] تهذيب التهذيب: (10/ 127).

[6] وفيات الأعيان: (5 / 194).

[7] سير أعلام النبلاء: (12 / 558).

[8] صيانة صحيح مسلم: ص (55- 59).

[9] تهذيب الكمال: (27 / 500) وما بعدها.

[10] سير أعلام النبلاء: (12 / 566).

[11] تهذيب التهذيب: (10 / 127).

[12] العبر في خبر من غبر: (1/ 375).

[13] تاريخ بغداد: (15 / 121)، وأراد ابن راهويه مدحه بهذا القول.

[14] تاريخ بغداد: (15 / 121).

[15] صيانة صحيح مسلم: ص (62)، البداية والنهاية: (11 / 40)، تهذيب الكمال: (27/ 105).

[16] تذكرة الحفاظ: (2 / 126).

[17] صيانة صحيح مسلم: ص (64).

[18] تهذيب الأسماء واللغات: (2 / 91).

[19] تهذيب الأسماء واللغات: (2 / 90).

[20] سير أعلام النبلاء: (12 / 564)، وتهذيب التهذيب: (10/ 128).

[21] سير أعلام النبلاء: (12 / 557).

[22] النقول الأربعة الأخيرة في تهذيب التهذيب: (10/ 128).

[23] صيانة صحيح مسلم: ص (59).

[24] تهذيب الأسماء واللغات: (2 / 91).

[25] البداية والنهاية: (11 / 39- 40).

[26] تهذيب التهذيب: (10 / 127).

[27] تذكرة الحفاظ: (2/ 126).

[28] تاريخ بغداد: (15/ 121).

[29] تاريخ بغداد: (15 / 121) "بتصرف يسير".

[30] تاريخ بغداد: (15 / 121).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ترجمة الإمام الشاطبي
  • ترجمة الإمام الطبري
  • ترجمة الإمام الزهري
  • ترجمة الإمام عبدالله بن المبارك
  • ترجمة الإمام الحافظ أبو بكر الآجري
  • الحج على من استطاع
  • كشف الأستار عن الذين حرم الله أجسادهم على النار
  • الحج: أسرار وثمرات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة أحاديث صحيحة مما رواه مسلم بن الحجاج ( تساعيات مسلم بن الحجاج )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة الإمام الصالحي الشامي من كتابنا: الإمام الصالحي الشامي حياته وتراثه العلمي(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ضوابط ترجمة معاني القرآن الكريم للغة أخرى (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإمام مسلم بن الحجاج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • روسيا: اعتقال حجاج الترانزيت بمطار موسكو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ترجمة الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597هـ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوسائل التكنولوجية الحديثة والترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الترجمة في الوطن العربي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أساسيات الترجمة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب