• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

تقدير القرآن الكريم للعقل

تقدير القرآن الكريم للعقل
د. سمير مثنى علي الأبارة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/3/2016 ميلادي - 25/5/1437 هجري

الزيارات: 23158

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تقدير القرآن الكريم للعقل


الذي يقرأ آيات القرآن الكريم يجد فيها تقدير العقل وتعظيمه، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾[1] أي: لذي عقل، وسمي العقل حجراً لأنه يحجر على صاحبه[2]، فلا يقع في القبائح، ولا في خوارم المروءة.

 

وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾[3] أي: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه[4].

 

وقال تبارك وتعالى: ﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[5] أي: ذوو العقول وهي الألباب، جمع لب، وهو العقل[6].

 

إذاً للعقل قيمة عظيمة جسيمة مقرره في القرآن وقد أعطى القرآن للعقل منزلته اللائقة به بخلاف أهل البدع والانحراف كالفلاسفة؛ لكن أين موقعه؟ وبمعرفة ذلك نهدم الصنم الذي نصبه المبتدعة أمام نصوص الوعد إن العقل صار صنماً يعبد، ووثناً يجب تكسيره؛ لأنهم وضعوه في مكانٍ ليس له.

 

فالمبتدعة الذين لهم أوثان من أعظم أوثانهم وثن العقل فجعلوا العقل قاضياً على كلام الأنبياء، وميزانا على صحة الشـرع أو عدم صحته، فالعقل عندهم رقم واحد، وكلام الرسول رقم اثنان فإذا خالف كلام النبي صلى الله عليه وسلم عقولهم ردوه.

 

إنهم يحرفون كلام الوحي لصالحهم، قال قائلهم: إن إبراهيم عليه السلام ما اهتدى إلى ربه إلا بالعقل وكذب! فقصة إبراهيم عليه السلام تنادي بغير ذلك وهي معروفة في سورة الأنعام: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾[7].

 

أين - في هذه الآيات- ما يدل على أنه اهتدى بالعقل؟! يكذب هذه الدعوة قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾[8] أكد سبحانه وتعالى ما آتاه لإبراهيم، بـ " اللام " و" قد "، والرشد هو العلم والإدراك والنفاذ إلى الحقائق كما رأينا تعرفه على الله تعالى في وسط الجهالة التي كانت غمامة على العقول منعتها من الإدراك السليم، وكيف تعرَّف في نجم فرآه قد أفل، ثم في القمر فرآه أيضا أفل، ثم رأى الشمس بازغة، فقال هذا حتى انتهى إلى الوحدانية، هذا كله رشد وإدراك سليم انتهى إلى الإدراك الكامل لمعنى الألوهية المنزهة عن المشابهة للحوادث في أفولها وظهورها، وفي فنائها وبقائها، وقوله: ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الأنبياء: 51] أي من قبل موسى عليه السلام، وهو أسبق منه، وكان تقديمه لما ذكرنا من أنه جاء بشـريعة مفصلة وإن نسخ بعضها وبقي الآخر، وقوله تعالى: ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51] أي عالمين كيف ربيناه، وكيف صنع على أعيننا، وربينا فيه روح الحق وتتبعه والوصول إليه[9].

 

فالهداية نعمة من الله، ومنحةٌ إلهية ليس للعقل فيها دور أبداً، ولذلك يخطئ الناس عندما يقولون: إن الله عرفوه بالعقل. لا والله! لا يعرف ربنا بالعقل استقلالاً أبداً، لأن العقل قاصـر على ما دخل تحت الحواس؛ ولذلك ما خرج عن الحواس لا يتخيله العقل ولا يستطيع وصفه ولا توصيفه، والعقل لا يستطيع وصف الجنة ولا وصف النار، ولا وصف الملائكة ولا الشياطين.

 

جاء في مسند الإمام أحمد روى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْؤُسُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشـر))[10]


وقال ابن عباس: (ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء) فيها نخلٌ ورمان، هل هي كنخلنا ورماننا؟ لا. فيها خمر لذة للشاربين هل هي كخمرتنا؟ لا. فيها لبنٌ لا يتغير طعمه، هل هو كلبننا؟ لا. فيها ماء غير آسنٍ، هل هو كمائنا؟ لا.

 

نعم فيها الاسم، لكن الجنس، الوصف، الطعم مختلف تماماً، ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشـر فكيف يعقله المرء إذاً؟! نوافذ العقل على الدنيا هي الحواس والله تبارك وتعالى لا يقع تحت حاسة بشـر، فكيف يمكن أن يهتدي العبد إلى ربه بعقله؟! أبداً.

 

الهداية منحة من الله ثم يأتي دور العقل ثانياً ليثبت هذه المنحة. إذاً دور العقل أن يكون رقم اثنين، ولا يكون قبل النقل أبداً، وإنما ضل أهل البدع بسبب أصلهم الفاسد، وهو تقديم العقل على النقل[11].

 

العقول لا تصل إلى معرفة الله استقلالاً:

إن الإيمان بالله منحةٌ إلهية، ليس للعقل فيها فضل ولا منّة وهذا الأمر واضح وجلي في مشاهدة الناس، إذ أن أغلب المسلمين إسلامهم حكمي، كل منهم لم يسلم بالنظر في الدلائل، إنما أسلم لأن أبويه مسلمان، وهذا يختلف عن الإسلام الفعلي.

 

والإسلام الفعلي: هو الإسلام الناتج بالنظر فيما يسميه العلماء بـ (السمعيات)، أي: الدلائل من نصوص الوحي قرآناً وسنة التي تتلقى عن طريق السمع؛ فالدلائل إما عقلية وإما سمعية، إما أن تعمل عقلك وإما أن تسمع.

 

فعندما تقرأ كلمة (السمعيات) في الكتب تعرف أنها الأمور التي لا يتعرف عليها إلا بطريق السمع، وهي كل أحكام الغيب مثل صفات الباري، فما علمناها إلا عن طريق السمع، أي: سمعناها.

 

هناك ناس بلغت عقولهم مبلغا من الذكاء حتى عدو من أذكياء بني البشـر، ومع ذلك هم من أجهل الجاهلين بالله واليوم الأخر وما يعود عليهم بالنفع، فعالم الذرة أو عالم الإلكترونيات الهندي الهندوسي إذا رأى بقرة - وهو ذاهب إلى المعمل في سيارته على خط سير مستقيم - أوقف السيارة وسجد لها، ثم واصل طريقه أي عقل هذا؟ مع أننا في ميزان العقول نجعل عقل هذا الهندوسي كبيراً، بل عقل الفلاح الذي يعمل في الأرض لا يساوي شيئاً بجانبه، ومع ذلك هذا الفلاح مسلم، وذلك كافر، فلو كانت المسألة مسألة نظر ورجاحة عقل، لآمن جماعة العلماء الذين صعدوا الفضاء إذا كانوا صعدوا؛ فهناك عالم فضاء كندي ألف كتاباً خطيراً جداً يقول فيه: نحن لم نصعد الفضاء، ويقول: إن الصعود إلى القمر أكذوبة أمريكية؛ فبيننا وبين القمر منطقة درجة حرارتها أربعة آلاف درجة مئوية، لا يستطيع إنسان أن يقترب منها، هذا ملخص هذا الكتاب الذي أحدث ضجة وعمل فضيحة كبرى، وقد نشـر ملخصه في مجلة لبنانية، وعالم الفضاء هذا انشق عنهم وأصدر هذا الكتاب، فقال: إن التمثيلية التي عملها الأمريكان - وهم أصحاب الإخراج العالمي، هوليود بلد السينما العالمية والخداع - هؤلاء عملوا مسـرحية انطلاق المركبة الفضائية حتى شاهدها الجمهور الأمريكي، وكان لدى الجمهور الأمريكي رغبة في مشاهدة مكوك الفضاء، فاجتمع الأمريكان كلهم ليشاهدوا هذا، وصعد علماء الفضاء أمام الجمهور إلى المكوك، يقول هذا العالم الكندي: ولا يعلم الأمريكان أننا خرجنا من الناحية الأخرى، ولا يعلم الجماهير أن هذه المركبة كذلك سقطت في المحيط، وصعودنا إلى الفضاء كان أكذوبة كبرى، وهذا الكلام لم يقله متخلفون، هذا الكلام لعالم كندي قضى عمره في محطة الفضاء الأمريكية، ولأمر ما (إذا اختلف اللصان ظهر المسروق) اختلفوا مع بعض فكشف بعضهم بعضاً، مثل ضابط الموساد الإسـرائيلي الذي أخرج فضائح الموساد خلال عشـرين سنة ماضية، فقد اختلف معهم، وأخذوا يبحثون عنه لكي يقتلوه، فنشـر ثلاثة كتب قاضية فضح فيها الشـرق والغرب.

 

يذكر عن عالم فضاء سوفييتي صعد إلى الفضاء فقال: صعدت أبحث عن الله فلم أجده.

 

فهل هذه عقول؟! لا يمكن أن تكون عقولاً مفكرة! مع أنها في نظر البشـر أجل العقول، وصلت إلى تحطيم الذرة وما أشبه ذلك، فلما لم يهتدوا إلى معرفة الله تبارك وتعالى كان هذا من أدل الدلائل التي لا يعارض فيها أحد أن معرفة الله عز وجل لا يستقل العقل بإدراكها؛ لأن العقل لو فكر بما يتعلق بالله تبارك وتعالى كفر، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي قال لنا ذلك، في َحَدّيَثَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ، قال حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟)) قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا قُومُوا صَدَقَ خَلِيلِي[12].

 

فإذا هاجم هذا الوسواس المسلم، فماذا يقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((فمن وجد ذلك فليقل: لا إله إلا الله)) أي: يرجع إلى كلمة التوحيد؛ لأن الإنسان لو فكر وأعمل عقله في كنه الله تبارك وتعالى، فيمكن أن يقيم الدلائل العقلية على أنه غير موجود.

 

فرانسوا ميتران الرئيس الفرنسي في إحدى مقابلاته سألوه: هل عندك شك في وجود الله؟ قال: الشكوك في ذلك قوية! وهذا حاكم بلد يعتبر ثاني أو ثالث بلد في العالم، ومن أقوى دول العالم بجانب أمريكا وبريطانيا، وهي إحدى الدول المحتكرة لتصنيع السلاح والتكنولوجيا، وهو أول رئيس فرنسي استمر في الحكم أربعة عشـر عاماً، وهذا يدل على أنه عبقري، ومع ذلك يُسأل عن الله تبارك وتعالى، هل عندك فيه شكوك؟ فيقول: الشكوك قوية جداً أنه غير موجود.

 

ولو وضع عقله أمام عقل فلان أو فلان، لما كانت عقولهم تزن شيئاً أمام عقله.

 

إذاً: الهداية منحة إلهية ليس لك فيها فضل، ثم يأتي العقل بعد ذلك لتثبيت هذه الهداية ومنحها، إذا آمنت نفعك عقلك، وإذا لم تؤمن لا ينفعك عقلك.

 

وقد حمل القرآن على المقلدين الذين يعطون عقولهم ولا يستعملونها، فقال في موضع ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[13] إنَّ شـر ما دبَّ على الأرض - مِنْ خَلْق الله- عند الله الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون، البكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون، هؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه[14].

 

وكثيراً ما وردت آيات تنتهي بهذه الجوامع﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [15] ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [16] ﴿ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾[17] ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[18] ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [19] ولم يقف القرآن عند هذه الحدود، بل أمر بإحسان استعمال السمع والبصـر والعقل حتى يهدي الإنسان عن طريقها إلى الحق والحقيقة، ويكون الحق واضحا عنده والحقيقة ثابتة لديه:

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾[20] أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك. ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36] فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى[21].

 

وفي هذه الآية الجامعة الكريمة أصول رئيسية متبعة في أصول النظر العلمي، فلقد أمر بالمشاهدة الصحيحة والتفكير الصحيح، وأن على الإنسان أن يتمسك بما يصل إليه من حق أو حقيقة عن هذين الطريقين، المشاهدة والتفكير.

 

وقال جل وعلا: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾[22] يقول تعالى ذكره لمُنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة من العقاب والنكال الذي أعدّه لأهل عداوته، والنعيم والكرامة التي أعدّها لأهل ولايته: أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قُدرة الله على هذه الأمور، إلى الإبل كيف خلقها وسخرها لهم وذَلَّلها وجعلها تحمل حملها باركة، ثم تنهض به، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار وقوله: ﴿ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية: 18] يقول جلّ ثناؤه: أفلا ينظرون أيضا إلى السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه معِدّ لأوليائه ما وصف، ولأعدائه ما ذكر، فيعلموا أن قُدرته القدرة التي لا يُعجزه فعل شيء أراد فعله.

 

وقوله: ﴿ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ﴾ [الغاشية: 19] كيف أقيمت منتصبة لا تسقط، فتنبسط في الأرض، ولكنها جعلها بقدرته منتصبة جامدة، لا تبرح مكانها، ولا تزول عن موضعها، وقوله: ﴿ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 20] كيف بُسطت، يقال: جبل مُسَطَّح: إذا كان في أعلاه استواء. أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة[23].

 

وقال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾[24] أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] يعني خراب منازل الأمم الخالية ﴿ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53]بالبلايا والأمراض. وقال ابن زيد:﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] آيات السماء﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] حوادث الأرض. وقال مجاهد: ﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] فتح القرى، فيسـر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشـرق والمغرب عموما، وفي ناحية المغرب خصوصا من الفتوح التي لم يتيسـر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسـرة وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أموراً خارجة عن المعهود خارقة للعادات﴿ فِي الْآفَاقِ ﴾ [فصلت: 53] فتح مكة[25].

 

ولا شك أن هذا النمط من الآيات الجامعات والأقوال البينات مما يرشد الناس إلى التفكير من الكون وخبايا الأرض وأسـرار الحياة والتطلع على خفايا الوجود، وبهذا ينطلق العقل البشـري باحثاً منقباً متطلعاً مما يؤدي إلى الوصول دقائق الحقائق في الوقوف على نظام هذا الكون وموجوداته على تعددها وتبيانها وتعقدها.



[1] سورة الفجر:5.

[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( ج8 - ص 390).

[3] سورة العنكبوت:43.

[4] تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( ج6 - ص 279)..

[5] سورة ص:29.

[6] تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( ج7 - ص 64)..

[7] سورة الأنعام:76-78.

[8] سورة الأنبياء:51.

[9] زهرة التفاسير ( ج 9 - ص 4881)..

[10] مسند الأمام احمد باب مسند أبي هريرة ( ج 16 - ص 39 - رقم 9957) إسناده صحيح على شـرط .مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم. ثابت: هو ابن أسلم البناني، وأبو رافع: هو نفيع الصائغ..

وأخرجه الحسين المروزي في زياداته على "زهد ابن المبارك" (1456)،ومسلم (2836)، وأبو الشيخ في "العظمة" .(605)، والبيهقي في "البعث" (294) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. واقتصـر مسلم على شطره الأول. وانظر (8827)..

[11] كتاب البدعة وأثرها في محنة المسلمين لأبو إسحاق الحويني الأثري حجازي محمد شـريف، ( ج4 - ص1)..

[12] صحيح مسلم باب بيان الوسوسة في الإيمان ( ج1 - ص 121 - رقم 135)..

[13] سورة الأنفال:.22

[14] التفسير الميسـر ( .ج1 - ص 179 )..

[15] سورة العنكبوت:63.

[16] سورة البقرة:111.

[17] سورة القصص:71.

[18] سورة الزمر:9.

[19] سورة الذاريات:21.

[20] سورة الإسراء:36.

[21] تفسير السعدي ( ج1 - ص 457 )..

[22] سورة الغاشية:17-20.

[23] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ( ج 24 - ص 389)..

[24] سورة فصلت:53.

[25] تفسير القرطبي ( ج15 - ص 374)..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نظرة الإسلام للعقل والروح في الحياة
  • النظرة البشرية للعقل
  • البناء العلمي والفكري للأبناء (التربية القرآنية للعقل)
  • كيف نزل القرآن؟

مختارات من الشبكة

  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (2) أسس حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (1) مدخل إلى حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحكم وسياسة الأمة في القرآن الكريم (7) الحاكم والمحكوم في القرآن الكريم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التربية في القرآن الكريم: توجيهات تربوية لبعض آيات القرآن الكريم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: نبوة المصطفى عليه السلام في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستشراق والقرآن الكريم (انتشار القرآن الكريم)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • الاستشراق والقرآن الكريم (القرآن الكريم والتنصير)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • ارتباط العلم الإلهي في القرآن إما بالخلق والقدرة والتقدير وإما بالحكمة والتدبير(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- تقدير القرآن الكريم للعقل
علي القروي - الجزائر 16-09-2017 10:46 PM

هناك علماء أسلموا لما كان منطلقهم دراسة ظواهر كونية فسألوا عنها فوجدوا القرآن سباقا لذكرها فأسلموا فلو لم يثار العقل لما اهتدى هؤلاء إلى الإسلام ولا يمنع هذا من قول إن الهداية من الله ولكن الله يسر لهم الدين عن طريق إعمال العقل كسبب موصل للهداية ولعل هذا أكبر ذكر للقرآن في الكثير من المواضع ....فعمر رضي الله عنه لما أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم جعل الله له بيت أخته منهلا وطريقا ليقرأ كتاب الله بسورة طه ثم يعمل عقله ويتساءل : أمن هذا فرت قريش؟ فإني أتوافق معك في قصة ابراهيم دون تعميمها كقاعدة كلية على كل البشر.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب