• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

سيرة الإنسان من الإلحاد إلى الإيمان

سيرة الإنسان من الإلحاد إلى الإيمان
أ. د. أحمد يحيى علي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/9/2015 ميلادي - 23/11/1436 هجري

الزيارات: 6912

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سيرة الإنسان من الإلحاد إلى الإيمان

قراءة في كتاب: "حوار مع صديقي الملحد" لمصطفى محمود

إعداد: أ.د. أحمد يحيى علي محمد[1]

 

يعدُّ الإنسان في حاله مع الله ودينه بمثابة كلمة تُقرِّبنا إلى حقل الأضداد وفقَ مَنظورٍ لُغويٍّ[2]؛ إنه - أي الإنسان / الجنس - يعيش الحياة متوسطًا في ثوبين؛ ثوب الإيمان بالله، وثوب الكفر به، ذلك الغطاء الذي يحول بينه وبين قلبه والرؤية النقية الصافية القادرة على التمييز بين الظلمات والنور، بين الحق الكامن في دين الله / الإسلام، والباطل الذي يتخذ وجوهًا كثيرة في تعلق الأكثرية من البشر به؛ إذًا نحن أمام إنسان (مؤمن)، وإنسان (كافر)، ولمَ لا والله يقول: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [التغابن: 2]؟ لذا فإن كلمة (كفر) تعد بمثابة الإطار الجامع لكل أشكال الخضوع لغير الله؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]؛ ومِن ثَمَّ جاءت لفظة (ظلمات) جمعًا في مُقابلها مفرَد هو النور؛ في نصوص قرآنية كثيرة تعبِّر عن هذه الحالة التي يَحياها الإنسان بين الإثبات / الإيمان بالله، والنفي؛ أي الابتعاد عن حقيقة وجود الله وماهيته بوصفه إلهًا واحدًا لا شريك له، وإقحام آخرين يكونون بمثابة الأنداد؛ ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

 

ولا شكَّ في أن هذه الحالة تأخذنا إلى أن توحيد الله فطرة غرَسها الله وأودَعَها نفوسَ خلائقه من البشر، لكن الانحراف عنها والخروج يكون بفعل البشر أنفسهم؛ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172]، وانسجامًا مع هذه الحال تأتي السنة النبوية لتصف لنا حال هذا الإنسان عند نزوله إلى الدنيا؛ فمِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفِطرة؛ فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويُمجِّسانه، كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تُحسُّون فيها من جدعاء؟!))، ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30].

 

من هذه المسلمات نستطيع الانطلاق على بصيرة في معالجتنا لهذا المصنَّف الذي يناقش ظاهرة بدأت تدب دبيبًا في أركان عالمنا الإسلامي؛ ألا وهي ظاهرة الإلحاد؛ إنه كتاب "حوار مع صديقي المُلحِد"؛ للكاتب د. مصطفى محمود[3].

 

إننا مع هذه المفردة اللغوية (الإلحاد)، ذلك المصدر الآتي من الرباعي المهموز (ألحد) نُصافح عددًا من المعاني تأخذُنا برباط دلالي إلى هذه الحالة التي تعني إنكار وجود الله ونفْي قدرتِه على التحكُّم في مُجرَيات ما يقع للإنسان وللكون بصفة عامة بالكليَّة؛ اللَّحْد واللُّحْد الشَّقُّ الذي يكون في جانب القبر موضِع الميِّت؛ لأَنه قد أُمِيل عن وسَط إِلى جانبه، ألْحَدَ في دين الله؛ أي: حاد عنه وعدَل، ولَحَد من باب قطَع، لغة فيه، وقرئ: ﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ ﴾ [النحل: 103]، والْتَحَد مثله، وألْحَدَ الرجل: ظلم في الحرم، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ [الحج: 25]؛ أي: إلحادًا بظلم، والباء زائدة، واللَّحْدُ بوزن الفلس الشق في جانب القبر، وضمُّ اللام لغة فيه، ولَحَدَ للقبر لحدًا من باب قطع، وألْحَدَ له أيضًا[4].

 

إن مصطفى محمود المولود بمحافظة المنوفية بمصر في العام 1921م، الحاصل على بكالوريوس الطب في العام 1952م، الذي فرَّغ نفسه بعد زمن للكتابة الصحفية والفكرية والأدبية منذ العام 1960م، حتى وفاته في العام 2009م[5] - يقدم لنا في هذا الكتاب في ثوب فني روائي عرضًا جدليًّا بين شاطئين في الفكر والمعتقد؛ شاطئ الإيمان، وشاطئ الكفر / الإلحاد، موظفًا في ذلك ما يمكن أن نسميه التجريد في بلاغتنا العربية؛ لقد جرَّد من ذاته التي مرت يومًا ما بمحنة الشك بالابتعاد عن الله ذاتًا أخرى يُجري على لسانها ما أراد أن يسوقه من أفكار؛ لقد كان لمعاشرته في الوسط الفكري والثقافي والصحفي بالماركسيِّين والعلمانيين والليبراليين أثر كبير في معاناته؛ إن هذا المُلحِد الذي يُدير معه حوارًا جدليًّا في كتابه هو في حقيقة الأمر نفسه التي مرَّت بمرحلَة شكٍّ حتى وصلت إلى يقين الإيمان من جديد، في عملية تتَشابه بدرجة كبيرة مع ما مرَّ به الشيخ أبو حامد الغزالي الذي وظَّف أسلوب الشك الفلسفي في سبيل الوصول إلى غاية، هي الإسلام المبني على البصيرة والاقتناع مرة أخرى، يكشف عن ذلك كتابه "المُنقذ من الضلال".

 

فبين طرفين مُتضادين يَقِف القارئ في هذا الكتاب "حوار مع صديقي المُلحد" ملتفتًا يمينًا ويسارًا متابعًا صوتَ المؤمن وهو يُحاور هذا المُلحد، في نسق جماليٍّ يظهر فيه هذا التطوُّر، وهذا المسير الذي مرَّ به مصطفى محمود بين شخصيتَين: ماضٍ / حالة إلحاد، وحاضر بقي عليه حتى نهاية العمر / الإيمان.

 

نحن بصدد حكاية إطار فيها شخصية قد انشطرت نصفَين تُدير حوارًا مونولوجيًّا مع ذات كانت تَسكنُها وكانت على الضد منها، في نسق يجمع بين ما هو جمالي؛ ألاوهو نسق الفن المعتمِد على الحكاية، وما هو فكري معرفي يرسخ لجانب القيمة والمنفعة والدعوة إلى الله في شقها التعبُّدي، الذي يجمع بين رغبة النفس في الصلاح وتجاوزِها ذلك إلى عتبة الإصلاح بنصح الآخرين بحكمة وموعظة حسنة؛ فتحتَ هذا الإطارِ السردي نتعامل مع مادة الكتاب في ظل مشاهد منوعة، يعدُّ كل مشهد منها بمثابة قصة قصيرة، تتجاور مع أخواتها، ليتضافر الجميع في تشكيل هذا البناء المزيج، يستهلُّها غالبًا بعبارات مفتاحية، على هذا النحو: "قال صاحبي"، "قال صديقي في شماتة"، "قال صاحبي ساخرًا"، " كان صديقُنا الدكتور واثقًا بنفسه كل الثقة هذه المرة"، "قلت لصديقي المُلحِد"، في عملية ربما تقرِّب هذا الخطاب الحجاجي لدى الكاتب مصطفى محمود من المنهج البنائي الذي تقوم عليه موسوعة ألف ليلة وليلة في ثقافتنا العربية؛ إنَّ الحكايات فيها تتأسس على منطلق لغوي؛ "بلغني أيها الملك السعيد"، يمثل العلامة الدالة الرابطة بين هذا المتعدِّد القصصي، الذي يُمسِك به في نهاية المطاف مَصنوع فني واحد، هو الشخصيتان: شهريار وشهرزاد.

 

ويمكننا الآن التوقف عند نماذج من هذا الحوار الإقناعي بين مؤمن وملحد، وكيف يسوق كل طرف حجته:

نموذج أول: إذا كان الله قدَّر عليَّ أفعالي، فلماذا يحاسبني؟

يدير الصوت الحاكي بضمير المتكلم (أنا) الحوار، الذي مفادُه أن الملحد يرى أن مسألة الثواب والعقاب ليست دقيقة في موضعِها؛ لأن الإنسان ليس مخيرًا بالقدر الذي يجعل هذه المسألة عادلة ومنصفة في مكانها، وهذا نموذج من منطوق المُلحِد "لا تقل لي كعادتك: أنا مخيَّر؛ فليس هناك فِرية أكبر من هذه؛ هل خُيِّرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ووطني؟ هل باختياري تشرق الشمس ويَغرُب القمر؟ هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويُفاجئني الموت؟ لماذا يُكرهني الله على فعل ثمَّ يُؤاخذني عليه؟ وإذا قلتَ بأنَّك حرٌّ وأن لك مشيئة إلى جوار مشيئة الله؛ ألا تشرك بهذا الكلام وتقع في تعدد المشيئات؟!"[6].

 

وفق هذه الآلية ينطلق الكاتب في كل فصول كتابه؛ يبدأ من منطقة (النفي / الإلحاد) التي تشخَّصت جماليًّا وفنيًّا بهذا الصوت الناطق المعبِّر عن الطرف الضد، ثم تبدأ منقطة (الإثبات / الإيمان) التي تشخَّصت في هذا الصوت الناطق المفنِّد لحُجج الأول بحجج تقرَعُها وتَدمَغها، في إطار هذا القانون الفيزيائي؛ قانون الفعل ورد الفعل، وتلك ولا شكَّ سِمَة كل خطاب جدلي حجاجي، يُعالج قضية محل خلاف بين مُثبِت لها ونافٍ، ولكلٍّ براهينُه التي يسعى بها إلى تقوية وجهة نظره، ومُحاوَلة جذب الطرف المقابل بها، ومِن ورائه المتلقي بالطبع[7]؛ إذًا نحن بصدد حركة ذهنية يُقابلها في فضاء الاستقبال حركة ذهنية موازية، ومِن منطقة الشك وأدواتها الفكرية إلى منطقة اليقين ودفوعها "قلت له في هدوء: أنت واقع في عدة مغالطات؛ فأفعالك معلومة عند الله في كتابه، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه؛ إنها مقدَّرة في علمه فقط، كما تقدر أنت بعلمك أن ابنك سوف يَزني، ثم يحدث أن يزني بالفعل؛ فهل أكرهتَه؟ أو كان هذا تقديرًا في العلم وقد أصاب علمُك، أما كلامك عن الحرية بأنها فرية، وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك... هو تخليط آخر، وسبب التخليط أنك تتصوَّر الحرية بالطريقة غير التي نتصورها بها نحن المؤمنين؛ أنت تتكلم عن حرية مطلقة فتقول: أكنت أستطيع أن أخلق نفسي أبيض أو أسود؟ هل بإمكاني أن أنقل الشمس من مكانها أو أُوقفها؟ ونحن نقول: حرية التصرف في الكون ملك لله وحده؛ ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68]، ليس لأحد الخِيَرة في مسألة الخلْق، ولن يُحاسبكَ الله على قصرك، ولن يعاتبك على طولك، ولن يعاقبك لأنك لم توقف الشمس في مدارها، ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف، وأنت في هذا المجال حر، أنت حرٌّ في أن تقمَع شهواتك، وتُلجم غضبَكَ، وتُقاوم نفسك، أنتَ تَستطيع أن تجود بمالك ونفسك، أنت تستطيع أن تصدق وأن تكذب، وتَستطيع أن تُمسك لسانك عن السباب والغيبة والنميمة، في هذا المجال نحن أحرار، الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المُطلَقة، حرية الإنسان في مجال التكليف"[8].

 

إن رؤية الكاتب في كتابه تقوم على غاية سامية، إلى جوار غاية تثبيت اليقين في قلب مَن آمَنَ، ومحاولة إزالة الشك وتغيير الحالة في قلب من سواه؛ ألا وهي مقاومة الفكرة بالفكرة، وليس بالقمع أو باستخدام قوة العضلات، التي قد تُحيل الجاني في كثير من الأحيان إلى ضحية له حقوق، ولا ننس أن كثيرًا من الطاعنين في هذا الدين يروِّجون لهذه الفكرة الشيطانية؛ ألا وهي أن دين المسلمين قد انتشر تحت تهديد السلاح، والأمر ليس كذلك بالطبع، وأنصع دليل على ذلك أن الأمة في حالة ضعف أيامِنا هذه، لا تسمح لها حالتها بتخويف الآخرين حتى يستمرُّوا على ما هم عليه من عقيدة؛ فالإسلام منتشر في الغرب وفي غيره من البلدان التي لا يشكل المسلمون فيها أغلبيةً؛ فلماذا إذًا يستمسك المسلم في البلدان غير المسلمة بعقيدته؟!

 

إنَّ الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة تمثِّل أقصر الطرق وأنجعها في الوصول إلى قلوب غير المؤمنين، ولا شك في أن هذه الدعوة تحتاج إلى أدوات تعين الداعيَ على أداء دوره؛ منها: امتلاكه للعلم الذي يُعينه في مواجهة الخصوم؛ فالفكرة لا يَقتلها شيء إلا فكرة مثلها تَمتلك من مقوِّمات القوة في داخلها كي تواجه، ومِن مُقوِّمات البقاء كي تتمكَّن من الانتصار؛ ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17]، هذا ما يحاول د. مصطفى محمود صنيعه في كتابه.

 

نموذج ثانٍ: لماذا خلَق الله الشرَّ؟

"قال صاحبي ساخرًا: كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورؤوف، وهو قد خلق كل هذه الشرور في العالم؛ المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الوليد ولا الشيخ الطاعن؟! إذا كان الله محبة وخيرًا، فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر؟!

 

والمشكلة التي أثارها صاحبي من المشاكل الأساسية في الفلسفة، وقد انقسمَت حولها مدارس الفكر واختلفت حولها الآراء، ونحن نقول: إن الله كله رحمة وكله خير، وإنه لم يأمر بالشر، ولكنه سمح به لحكمة؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 28، 29]، الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير، وهو لا يَرضى إلا بالطيب؛ فلماذا ترك الظالم يَظلِم، والقاتل يَقتُل، والسارق يَسرق؟ لأن الله أرادنا أحرارًا، والحرية اقتضت الخطأ، ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب والاختيار الحر بين المعصية والطاعة، وكان في قدرة الله أن يجعلنا جميعًا أخيارًا؛ وذلك بأن يقهرنا على الطاعة قهرًا، وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار، وفي دستور الله وسنَّته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة، ولهذا تركنا نخطئ ونتألم ونتعلم، وهذه هي الحكمة في سماحه بالشر.."[9].

 

نموذج ثالث: هل مناسك الحج وثنية؟!

"قال صاحبي وهو يفرك يديه ارتياحًا، ويبتسِمُ ابتسامةً خبيثةً تُبدي نواجذه، وقد لمعت عيناه: ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة؟! ذلك البناء الحجري الذي تُسمُّونه الكعبة وتتمسَّحون به وتطوفون حوله، ورجم الشيطان، والهرولة بين الصفا والمروة، وتَقبيل الحجر الأسود، وحكاية السبع طوفات، والسبع رجمات، والسبع هرولات، وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوَذات القديمة، وثوب الإحرام الذي تلبسونه على اللحم، لا تؤاخذني إذا كنتُ أجرحُكَ بهذه الصراحة، ولكن لا حياء في العلم!

 

قلتُ في هدوء: ألا تلاحظ معي أنت أيضًا في قوانين المادة التي درستَها أن الأصغر يطوف حول الأكبر؛ الإلكترون في الذرة يدور حول النواة، والقمر حول الأرض، والأرض حول الشمس، والشمس حول المجرَّة، والمجرة حول مجرة أكبر، إلى أن نصل إلى الأكبر مطلقًا، وهو الله؛ ألا نقول: الله أكبر؛ أي أكبر من كل شيء، وبالتالي حسب قانونك العلمي يجب أن يطوف حوله كل شيء، وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية على الرغم من أنفك، فلا شيء ثابت في هذا الكون إلا الله هو الصمد الصامد الساكن، والكلُّ في حركة حوله، هذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمتَه في الفيزياء، أما نحن فنطوف باختيارنا حول بيت الله، وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله!

 

ألا تعيش في هرولة من ميلادك إلى موتك، ثم بعد موتك يبدأ ابنُك الهرولة من جديد، وهي نفس الرحلة الرمزية من الصَّفا أو الخواء أو الفراغ رمز للعدم، إلى المروة، وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة والوجود، ومن العدم إلى الوجود، ثم من الوجود إلى العدم؛ أليست هذه هي الحركة البندولية لكل المخلوقات؛ ألا ترى مناسك الحج تلخيصًا رمزيًّا عميقًا لكل هذه الأسرار.."[10].

 

من خلال هذه النماذج الكاشفة يبدو بجلاء منهج مصطفى محمود المؤسس على الرحلة الذهنية والفكرية بين شخصيتين، كلاهما يعكس ذاته التي انتقلت من منطقة الكفر / الإلحاد إلى منطقة الإيمان / الإسلام، والكتاب في ضوء هذه المنهجية بمثابة محطات، لكل محطة منها عنوان يعبر عن فكرة تسترعي التوقف المتأمل؛ منها: لم يلد ولم يولد، وما ذنب الذي لم يصلْه القرآن، الجنة والنار، حكاية الإسلام مع المرأة، الروح، الضمير، لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد، شكوك، كهيعص، معنى الدين..

 

وفي ضوء أسلوب الكاتب في العرض المبني على هذه الآلية الحوارية بين صوتين بينهما بون شاسع، تبدو بجلاء جدلية النفي والإثبات، التي يسعى من خلالها كل طرف إلى شد الثاني إلى فضائه الاعتقادي، وفي هذه الأثناء يعتمد الصوت المؤمن في حجاجه ودفعه للملحد على أداتين في الإقناع: الدليل النقلي موظفًا في ذلك بدرجة أساسية النص القرآني، والدليل العقلي المستقى من التحليل العقلي، والمأخوذ من مُنجَزات النظريات العلمية الحديثة.

 

والكتاب في مجمله يمكن النظر إليه بوصفه بنية تمثيلية استعارية، يبدو فيها هذا السائر من الإلحاد إلى الإيمان انعكاسًا لحال الجماعة الإنسانية الكبيرة، التي تنقسم إلى مؤمن، وكافر لا يعترف بالكلية بالله ولا بشرائعه؛ إننا بصدد سيرة خاصة تتعلق بمصطفى محمود، لكن خلف هذا الخاص يتضح جليًّا الحال العام الذي يكشف سيرة الإنسان عمومًا فوق أرض الله.



[1] أستاذ مساعد الأدب والنقد بكلية الألسن، جامعة عين شمس، مصر.

[2] انظر: الأنباري (محمد بن القاسم بن محمد)، الأضداد في اللغة، طبعة 2013م، دار الطلائع، القاهرة.

[3] يراجع: طبعة مجلة الأزهر لهذا الكتاب، العدد المجاني المصاحب للإصدار الدوري للمجلة، جمادى الأولى 1436هـ، فبراير، مارس 2015م.

[4] انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: لحد، مكتبة المعاجم، الموسوعة الشعرية الإلكترونية، إصدار 2003م، المجمع الثقافي العربي، دولة الإمارات العربية المتحدة.

[5] ترك مصطفى محمود زادًا فكريًّا تمثل في مؤلفات عديدة؛ مثل: إسرائيل البداية والنهاية، الطريق إلى جهنم، الغد المشتعل، محمد صلى الله عليه وسلم، نار تحت الرماد، الله والإنسان...وغيرها من المؤلفات، يراجع بطاقة حياة د. مصطفى محمود، في مقدمة كتابه: حوار مع صديقي الملحد؛ من ص3 إلى ص11.

[6] د. مصطفى محمود: حوار مع صديقي الملحد (ص: 35).

[7] انظر: د. هدى وصفي، د. أحمد يحيى: فن المقال الجدلي، من (ص: 15) إلى (ص: 22)، طبعة 2010م، مكتبة الآداب، القاهرة.

[8] د. مصطفى محمود: حوار مع صديقي الملحد (ص: 36، 37).

[9] د. مصطفى محمود: حوار مع صديقي الملحد (ص: 47، 48).

[10] د. مصطفى محمود: حوار مع صديقي الملحد (ص: 113، 114، 115).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ألاعيب الحارات الإلحادية
  • الإلحاد والغزو الفكري
  • الاعتراض طريق الإلحاد

مختارات من الشبكة

  • خطر الإلحاد .. بعض أسباب الإلحاد وطرق العلاج منها(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خطر الإلحاد.. أسباب الخروج من الإسلام واعتناق الإلحاد(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الإلحاد: تعريفه، وأقسامه، وصوره، وكيف نواجه موجة الإلحاد المعاصرة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظلم الإنسان لأخيه الإنسان(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • تفسير: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أنت أيها الإنسان؟ (2) بداية خلق الإنسان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين روسيا بانتهاك حقوق الإنسان في الشيشان(مقالة - المترجمات)
  • الإنسان ذئب الإنسان خصوصًا في هذا الزمان...(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • أصل الإنسان ونظرية الصدفة في فكر علي عزت بيجوفيتش(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب