• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

مفهوم السياسة عند العرب (مقاربات أولى)

د. فيصل الحفيان

المصدر: ندوة قضايا المخطوطات (تراث العرب السياسي) - معهد المخطوطات العربية - القاهرة 2002 - ص 41: 77
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2010 ميلادي - 16/1/1431 هجري

الزيارات: 62231

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
فاتحة:
قبل أن نقتربَ من مقاربات هذا البحثِ، ينبغي علينا أن نلتفتَ إلى أمر هام، هو أن تُراث العرب السياسيِّ - شأنه شأن العلوم والمعارف العربية الأخرى - نتجَ عن الفكر الإسلاميِّ، ونما ونضجَ في أحضان الرؤية الإسلامية للكون والحياة والناس، ولعلَّ التراث السياسيَّ من ألصق هذه المعارف بالإسلام؛ لأن السياسة هي الحياة بعينها، والناس بتفاصيل حياتهم، عظمت، أو دقَّت.

ولكن هل سألَ أحدُنا نفسه عن كلمة (السياسة) من أين جاءت؟ وما هي دلالاتها؟ وأيُّ الدلالات تلك التي تسود بيننا، ونستخدمها صباح مساء؟ وما علاقة هذه الدلالة بالدلالات الأخرى؟ وأسئلة أخرى عديدة.

الحقُّ أن الكلمة تتردَّد كثيرًا، وربما كانت من أكثر الكلمات شيوعًا في أيامنا، وبخاصة على الأصعدة الرسمية، وفي إطار الأجهزة والمؤسسات العامة، أيًّا كان الحقل الذي تعمل فيه، وتُعنى به، إعلامًا، أو اقتصادًا، أو ثقافة، أو صناعة، أو خدمات، ليس ذلك فحسب، بل إنها تتردَّد حتى على ألسنة الناس بمختلف طبقاتهم وشرائحهم ومستوياتهم.

ويبدو أنه يصدق على هذه الكلمة ما نقوله من أن أقرب الأشياء إليك أكثرها بُعدًا عنك، فالروح مثلاً تسكن داخلنا، وتنطوي عليها جوانحُنا، وتحرِّكنا؛ لكننا – على الرغم من ذلك – لا نعرف عنها شيئًا، ولا نستطيع أن نقبضَ على شيءٍ منها، مهما صَغُر، ما ذلك إلا مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85].

الكلمةُ إذًا قريبة - بعيدة، واضحة – غائمة، بسيطة – مركبة، ويرجع ذلك إلى أمور ثلاثة:
أولها: شيوعها وتردُّدها على ألسنة الجميع، من الخاصة والعامة، النخبة والناس العاديين.
وثانيها: دخولها في نسيج الحياة اليومية، فكلُّ شيءٍ (مُسيَّس)، وأيُّ نشاط يقوم به فرد، أو جماعة، أو جهة، أو دولة، محتاج إلى (سياسة)، حتى أصبحت (السياسة) مُضافًا، أو منعوتًا لكلِّ عمل، صَغُر أو كَبُر.

وإذا ما تجاوزنا الأعمال الصغيرة، وجدنا في الثقافة مثلاً: السياسة الثقافية، وفي الإعلام: السياسة الإعلامية، وفي الطب: السياسة الطبية، وفي الاقتصاد: السياسة الاقتصادية، وفي التربية: السياسة التربوية، وفي العلم: السياسة العلمية، وفي التكنولوجيا: السياسة التكنولوجية، وفي التراث: السياسة التراثية، وقِسْ على ذلك.

وثالثها: امتزاجها - مفهومًا، أو مصطلحًا، أو علمًا - في تراثنا، في العلوم الأخرى، حتى إنَّ كثيرًا من مباحثها وموضوعاتها تتناثر في ثنايا علوم أخرى، وتتفرَّق في عديد من مصادر تلك العلوم وأمهاتها؛ مما يؤدي إلى التباسها بها التباسًا شديدًا، فيظنها الكثيرون جزءًا، أو أجزاءً من تلك العلوم، وأكثر من ذلك، فإن ثَمَّةَ مباحثَ سياسيةً توجد في علوم، أو موضوعات، ليست مظنة وجودها لدى الكثيرين.

هذه الأمور الثلاثة تجعل دلالة الكلمة - سواء على المستوى المعجمي، أو على المستوى الاصطلاحي - دلالة غائمة، متفلِّتة، وهذا البحثُ يرمي إلى أن يقتربَ من الكلمة أولاً في دلالتها اللغوية، محاولاً الربط بين هذه الدلالة والدلالات الأخرى التي ذكرتها المعجمات العربية، وثانيًا في التأسيس لها بوصفها مصطلحًا من مصطلحات تراثنا، ورأسًا على علم من علومه، وثالثًا في تصنيف هذا المصطلح أو العلم ضِمْنَ منظومة العلم العربي، وأيضًا في تفريعه، بهذه المقاربات الثلاثة ننحِّي ما يحيط بالكلمة من التباسات، وما يكتنفها من غموض، في مستوياتها المختلفة.

المقاربة الأولى (لغوية):
أحسبُ أنَّ من المناسب – ونحن نحاول الاقتراب من دلالة الكلمة لُغويًّا – أن نصدِّرَ كلامنا بنص أخذناه – بتصرُّف – من "المحكم والمحيط الأعظم في اللغة" لابن سِيده (ت 458هـ):
ومما ضُوعِفَ من فائه ولامه: السُّوس: العُثُّ، وهو الدُّود الذي يأكل الحبَّ، واحدته سُوسة، حكاه سيبويه، وكل آكل شيءٍ فهو سوسه، دُودًا كان أو غيره.

وساس الطعام يَسَاس ويَسُوس، عن كُراعٍ سَوسًا، وسِيسَ، وأساسَ، وسَوَّسَ، واسْتاسَ، وتَسَوَّس، وطعامٌ ساسٌ، وأرضٌ ساسةٌ، ومَسُوسةٌ، وسَاستْ الشاةُ: تَساسُ سَوسًا، وأساست، وهي مُسِيسٌ: كَثُرَ قملُها، والسَّوَس: داء في عجز الدابة، وقيل: هو داء يأخذ الدابة في قوائمها، وساسَ الأمر سياسة: قام به، ورجل ساسٌ: من قَومٍ ساسةٍ وسُوَّاس، وسَوَّسَه القوم: جعلوه يَسُوسُهم.

والسُّوسُ: الطبع والخُلق، يقال: الفصاحة من سُوسِه، قال اللحياني: الكرم من سوسه.
والسُّوسُ: شجر يُنبتُ ورقًا في غير أفنان، وهو ببلاد العرب كثير.
والسَّواسُ: شجر، واحده سَواسَة[1].

هذا النصُّ يكشفُ لنا عن اشتقاقات الكلمة، وتعدُّدِ دلالتها، هذه الاشتقاقات والدلالات التي يقتربُ بعضُها من بعض أحيانًا، ويبتعدُ بعضها عن بعض أحيانًا أخرى، وهي في حال الاقتراب تصل إلى حد التماهي فيصعب الفصل بينها، وفي حال الابتعاد تنأى إلى درجة الانقطاع الذي يجعل كلَّ معنى مستقلاًّ استقلالاً تامًّا.

على أن النصَّ السابق ليس وافيًا في ما نريد قوله، ولهذا فإننا وضعناه في صدر الكلام تُكأة ليس إلاَّ، ونموذجًا يوضِّح لنا بصورة عامة كيف عرضت المعجمات العربية للكلمة، ونبدأ إذًا بما نريده من الاقتراب من الكلمة لُغويًّا، وعينُنا على نصِّ ابن سيده السالف، وعلى نصوص أخرى في معجمات سابقة ولاحقة.

السياسة مصدر على فِعالة، كما أشار ابن سِيده، قال: وساس الأمر سِياسة[2]، وقبله الصاحب بن عبَّاد: والسياسة فعل السائس، والوالي يسوس رعيته، وسُوِّس فلانٌ أمر بني فلان؛ أي: كُلِّف سياستهم[3]، وبعدهما الفيروز آبادي: وسست الرعية سياسة: أمرتها ونهيتها[4].

وهي – أي: الكلمة - مأخوذة من الفعل "ساس"، أو هو مأخوذ منها، على خلاف بين النحْويين، ومضارع الفعل "يسوس"؛ أي: إنَّ المادة واويَّة، كما نصَّ على ذلك السرقسطي، مُوردًا الكلمة تحت "فَعَلَ" بالواو سالمًا، و"فَعَلَ" معتلاًّ[5].

ويتَّضحُ من سياق نصِّه أنَّ "فَعَلَ" السالم - يريد غير المعلِّ بقلب واوه ألفًا - هو ذلك الذي يدلُّ على الداءات والأمراض، يقول: سَوسَ: ضَعُفَتْ رجلاه من داء بوركيه، أما "فعل" معتلاًّ - يريد الذي قُلبت واوه ألفًا - فهو الذي يدلُّ على المعنى الذي نقصده، يقول: وساس السلطان والراعي سياسة: أحسنَا النظر لرعيتهما، ويقول أيضًا: وساس الراكب الدابة: أحسن رياضتَها وأدبها، وساس رأيه سياسة.

وثَمَّة إشارة في قولَي السرقسطي السابقين إلى أنَّ الفعل "ساس" لازِم ومتعدٍّ، وإنما أعلَّ "سَوَس"، فقلبت واوه ألفًا، ولم يعلَّ "سَوِس"؛ لأن هذا الأخير أجوف مكسور العين، دال على الداءات والأمراض، على ما هو معروف لدى الصرفيِّين.

المادة إذًا واويَّة؛ أي: إنَّ أصل الكلمة: سِواسة، قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها.

ويبدو لي أن مادة "سَيسَ" بالياء مهملة، فلقد تتبَّعتُ المعجمات اللغوية، ولاحظت أنَّ بعضها يُهملها، وبعضها يذكرها، وهذه الأخيرة تَضعُ تحتها ألفاظًا تصلح كلها لأن تُدرج تحت "سَوسَ"، وأن تكونَ الياء فيها منقلبة عن الواو؛ لعللٍٍ صرفيَّة، أو تكون هذه الألفاظ أسماء أعلام لأشخاصٍ أو مدن، يَصعبُ الجزم بأصالة الياء فيها، أو ربما تكون معربة؛ مما يؤدي إلى النتيجة نفسها، على أن هذه الألفاظ اليائية عينَها ترصدُها معجمات أخرى تحت "سَوسَ".

على أيةِ حال فإنَّ ابنَ فارس (ت 395 هـ) في "مجمل اللغة" لم يذكر "سيس"، وحتى يكون الكلام أكثر تحديدًا ودقَّة، فإن أربعًا من النُّسخ الخطِّيَّة التي اعتمدها محقق "المجمل" لم تذكر "سيس"، في حين ذكرتها نسخة واحدة، هي النسخة المحفوظة في تشستربتي، ورصدتْ ألفاظ المادة كلها تحتها، حتى تلك التي لا شكَّ في واويتها[6].

والأمرُ أبْين لدى السرقسطي (ت نحو 400 هـ) الذي أقام معجمه على الأفعال، فذكر "سَوَسَ" بالواو[7]، وأهمل "سيس"، وهو بَيِّنٌ - أيضًا - لا لبسَ فيه لدى ابن سيده (ت 458 هـ)، والزمخشري (ت 528 هـ)، أما ابن منظور (ت 711هـ)، والزَّبيدي (ت 1205 هـ)، فقد نصَّا على "سيس"[8]، والأمر مشتبه لدى الفيروز آبادي (ت 817 هـ)[9].

ونختم بالمعجم الوسيط الذي أصدره مَجْمَعُ اللغة العربية بالقاهرة، فنجده يورد "سيس" مستقِلَّة، ويذكر: سيس الحبَّ، وغيره سيسًا: وقَعَ فيه السُّوس. والسيساء: سلسلة الظهر، أو منتظم فقاره، وحمله على سيساء الحق على حدِّه، جمعه سياسي، والسيساءه: المنقادة من الأرض المستدقة[10]، ويلاحظ أن كل ذلك يمكن أن يكونَ راجعًا إلى "سَوسَ".

بعد ذلك كلِّه يُصبحُ من البدهي أن نقولَ: إن كلمة (السياسة) مادة عربية خالصة، راسخة في اللغة، تولَّدتْ منها ألفاظ عديدة، أدت معاني مختلفة، وهو ما سنعرض له بعد قليل بتفصيل.

وعلى الرغم من ذلك؛ فإن ثَمَّة من غُمَّ عليه الأمر، واختلطت الرؤية، فشكَّ في عربية هذه الكلمة وأصالتها، وزعم – كما ذكر عبدالقادر البغدادي (ت 1093هـ) – أنها مُعرَّب "سه يسا"، وهي لفظة مركبة من كلمتين: أولاهما أعجمية، والأخرى تركية، فـ"سه" بالفارسية: ثلاثة، و"يسا" بالمغلية: الترتيب، فكأنها التراتيب الثلاثة[11]، وسببه – أي: سبب الزعم، على ما ذكر ابن تغري بردي – أنَّ جنكيز خان ملك المغل (المغول) قَسَّمَ ممالكه بين أولاده، وأوصاهم بوصايا ألاَّ يَخرجوا عنها، فجعلوها قانونًا، فسموها بذلك، ثم غيَّروها، فقالوا: سياسة[12].

وعقَّبَ البغدادي بالقول: وهذا شيء لا أصل له؛ فإنها لفظة عربية متصرِّفة، تكلمت بها العرب قبل أن يُخلق جنكيز خان، فإنه كان في تاريخ الستمائة وصاحبة هذا البيت قبله بأربعمائة سنة، نعم لو قال: أفريذون بدل جنكيز خان، لكان له وجه، فإنه قَسَّمَ مملكته بين أولاده الثلاث: سلم، ونور، وإيرج، ورتب لهم قوانين ثلاثة[13].

وقد جاء كلام البغدادي هذا في سياق كلامه على قول حُرَقة بنت النعمان بن المنذر اللخمي، ملك الحيرة.
فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ والأَمْرُ أَمْرُنَا        إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ  سُوقَةٌ  نُتَنَصَّفُ
وحُرَقة هذه امرأة شريفةٌ شاعرة، لها خبر مع سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه[14].

أما أفريذون الذي أشار إليه البغدادي، فهو – كما ذكر الطبري – من نسل ملك قديم يُسمَّى (جم) كان قبل الضحَّاك بن علوان[15].

وإذا كانت السياسة كلمةً عربية خالصة، فإن لها دلالات متعددة ومتباينة تولَّد بعضُها من بعض، وتطور بعضها من بعض، تبدو العلاقة واضحةً أحيانًا وتغمض أحيانًا أخرى، بعضها ما زال حيًّا على ألسنتنا، وفي عقولنا، وبعضها مات، بل شبع موتًا، فلم يَعدْ يعرفه إلا قلَّة من المتخصِّصين الذي يبحثون في تاريخ اللغة، وبعضها بين هذا وذاك، مازال حيًّا في بيئة أو مجتمع ما، ومات أو اختفى في بيئة أو مجتمع آخر، وفي ذلك تفصيل، نعود فيه إلى المعجمات؛ لنتتبع هذه الدلالات، ونوردها دون ترتيب؛ إذ إنَّ ذلك في غاية الصعوبة، ونحن لا نملك معجمًا تاريخيًّا للغتنا حتى اليوم، وإن كنا سنُلقي بعض الأضواء التي تكشف جانبًا من التطور الدلالي للكلمة.

الدلالة الأولى: الأصل فسُوسُ الشيء أصله[16]، وهو من الدلالات التي انقرضت أو كادت، ولعلَّها ما زالت مستخدمة لدى بعض البدو في مناطق مختلفة، منها سورية ولبنان.

الدلالة الثانية: الطبع والسجيَّة والخُلق، يقال: الكرم أو الفصاحة من سوسه؛ أي: من طبعه، انظر نصَّ ابن سيده، وحال هذه الدلالة حال سابقتها.

الدلالة الثالثة: الرياسة والقيادة، وهي الدلالة القريبة للكلمة اليوم ينصرفُ إليها الذهن فورَ سماعها، يقول الزبيدي: والسوس أيضًا: الرياسة، ساسوهم سوسًا، وإذا رأَّسوه قيل: سَوَّسوه وأساسوه، ورجل ساسٌ من قوم ساسة وسُوَّاس[17].

الدلالة الرابعة: الترويض والتأديب والتذليل، وهي دلالة قديمة، يقول الزَّبيدي: والسياسة، بالكسر: فعل السائس، وهو من يقوم على الدواب ويروضها، وسوس له أمرًا: روضه وذللَّه[18]، ونصَّ الزمخشريُّ على أنَّ الدلالة التالية (الخامسة) مأخوذة منها على سبيل المجاز، والمتعلق مختلف بينهما، فدلالة الترويض وما يتصلُ بها مخصوصة بالدواب والحيوانات، أو بأي أمر آخر غير عاقل، ودلالة التدبير والرعاية والإصلاح تتصل ببني آدم، يقال: سياسة الناس، ويقال: سياسة الدواب، على الوجهين اللذين أشرنا إليهما.

ولا تزال دلالة الترويض وما يتصل بها حيَّة بيننا، ولكن على ألْسنة المتعاملين مع الخيول، فسائسُ الحصان هو المعنِيُّ به، مروضه ومؤدبه، كما أنها لا تزال حيَّة مع تطور في متعلقها، فإذا كان السائس معنيًّا بالحصان قديمًا وحديثًا عند فئة، فهو اليوم في مصر معني بالسيارات، إذ يطلق المصريون على من يقوم بغسل السيارات وتنظيفها، والاهتمام بها والمساعدة في القيام بأمر إيقافها والخروج بها: سائس.

الدلالة الخامسة: التدبير والرعاية والإصلاح، وهي دلالة حيَّة أيضًا، ومتصلة – كما أشرنا – بالدلالة الثالثة (دلالة الرياسة والقيادة)، فالذي يقوم على أمور الناس ويرعى مصالحهم هو رئيسهم أو قائدهم، أو بلفظ آخر: السائس أو السياسي، كما أنها متصلة – على نحو ما – كما أشرنا بالدلالة السابقة (الرابعة)، كأن أصلهما معًا هو الرعاية، فإذا كانت الرعاية للحيوانات والدواب، فهي الترويض، وإذا كانت للناس، فهي التدبير، الأولى فيها عنف وإيذاء، والثانية فيها حسن تأتٍّ وملاطفة، تضعُ في حُسْبانها مراعاة كرامة الإنسان وآدميته.

الدلالة السادسة: العُثُّ والدُّود والقمل، يقول ابن سيده: السوس: العُثُّ، وهو الدُّود الذي يأكل الحبَّ، واحدته سُوسَة، وكل آكل شيءٍ فهو سوسه، دودًا كان أو غيره، وساس الطعام وتسوس وساست الشاة كثر قملُها؛ (انظر: نص ابن سيده)، وهذه الدلالة حية أيضًا، ومنها: السُّوس في الأسنان.

الدلالة السابعة: داء يُصيب الخيل والدواب في أعناقها أو قوائمها أو أعجازها، وأحسبُ هذا – أيضًا - حيًّا، ولكن في بيئات معينة، على ألسنة ناس تلك البيئات؛ (انظر نص ابن سيده).

الدلالة الثامنة: نبات، ومنه السُّوس، والسَّواس: شجر منشر في الجزيرة العربية، وله أوصاف ذكرتها المعجمات وكتب النبات؛ (انظر على المثال نص ابن سيده).

تلك هي الدلالات الرئيسة للمادة، ولا شكَّ أن هناك دلالات واستعمالات أخرى تتولَّد منها، على أنَّ بعض هذه الدلالات الرئيسة نفسها تتداخل أحيانًا، حتى لتشعر أن إحداها من لوازم الأخرى، ولعلَّ دلالَتيِ الرياسة والقيادة والتدبير والإصلاح داخلتان في هذا الباب، فالرئيس من لوازمه أن يسعى في خير الناس، والذي يقوم على تدبير أمور الناس وإصلاحهم يُسَوِّسونه؛ أي: يولُّونه عليهم، ويسلمونه مقاليد مصالحهم.

بعض علماء اللغة المغامرين – إذا جاز التعبير – خاضوا تجربة البحث في جذور الدلالات، محاولين إرجاع كل مجموعة منها إلى جذر واحد، وأظن أن كلمة (بعض) التي صدَّرتُ بها هذه الفقرة لا تنطبق إلاَّ على ابن فارس، الذي ترك مجموعة من الكتب، أهمها "معجم مقاييس اللغة"، وقد أرجع فيه دلالات مادة "سياسة" المختلفة إلى أصلين رئيسين:
أولهما: فساد في الشيء.
وثانيهما: جِبِلَّة وطبيعة[19].

وجعل تحت الأصل الأول الدلالتين السادسة والسابعة، على وفق التصنيف السابق، وجعل تحت الأصل الثاني الدلالة الثانية بالطبع، كما جعل تحته نحو قولهم: سستُه، أسوسه، كأنه يريد الدلالتين: الرابعة (الترويض) والخامسة (التدبير)، ولكنه احترز بأن دخول هذه المعاني تحت الجبلة والطبيعة احتمالي، قال: فهو يحتمل أن يكون من هذا، كأنه يدلُّ على الطبع الكريم، ويحمله عليه[20]، وبقيت معاني الرياسة والقيادة، والأصل، خارج الأصلين؛ لأنه لم يذكرها ابتداء.

وأحسب – وهذا اجتهاد مني محتمل للخطأ – أنَّ ابن فارس الذي لم يُسبق - في ما نعلم – في محاولته التصنيفية الرائدة، لم يُصِبْ في إدخاله معاني التدبير والإصلاح وما يتصل بهما تحت أصل الجِبِلَّة والطبيعة، ولعلَّ هذا ما دفعه إلى نعت ذلك بالاحتمال، وأحسب أنَّ تخلِّي التوفيق عنه يرجع إلى الأصلين الرئيسين اللذين ردَّ إليهما دلالات المادة، ولو أنه ردَّ هذه الدلالات إلى أكثر من أصلين، أو إلى أصلين أكثر شمولاً، لما وقع في هذا.

وقد قلَّبتُ النظر في الدلالات التي ذكرتها المعجمات للمادة، ورأيت أنه يمكن أن ننظمها في أصلين غير اللذين ذكرهما ابن فارس، وهما:
الأول: القيام بالشيء، وهو من المعاني التي ذكرتها بعض المعجمات، ومنه قال ابن سيده: وساس الأمر سياسة: قام به؛ (انظر نصه)، وهذا الأصل ينظم تحته معظم معاني المادة الفرعية، فالقيام بالشيء يعني: تولِّي أموره؛ أي: ترؤسه وقيادته، ويستلزمُ ذلك من وجه تدبيره، ويعني ترويضه وتأديبه وتذليله، وفي ذلك كلِّه إصلاح، كما يعني من وجه آخر: ما يقوم به العُثُّ والدُّود والقمَّل وكل آكل لشيءٍ، والداءات التي تصيب الحيوانات، فهي – أيضًا - تقوم بالشيء، ولكن على جهة الفساد، ولا شكَّ أن هذا الأصل أكثر تجريدًا، وتنتظم تحته تلك المعاني الفرعية، ويحتويها.

الثاني: الأصل والطبع والخلق والسجيَّة، والقرب بين هذه المعاني واضح لا يحتاج إلى بيان.

إن إدخال دلالات الرياسة والقيادة والتدبير والإصلاح تحت أصل القيام بالأمر، أقرب كثيرًا من إدخالها تحت أصْل الطبع والخلق والسجية، وإن تساويَا فإن الأول أكثر شمولاً، مما يجعله أولى بأن يكون أصلاً.

ويؤيد هذا ما رُوي عن العرب من قولهم: كيف تكون الرعيَّة مَسُوسَة إذا كان راعيها سوسة؟![21] فقد جمع بين "مسوسة"، وهي هنا بمعنى صالحة، وبين "سوسة"، وهي الدُّودة التي تقوم بالفساد، هذا الجمع والمقابلة بين الصلاح والفساد يُوحي بأنهما وجهان لشيء واحد، أو فرعان لأصل واحد، وهو ما جعلته القيام بالشيء.

وننظر مرةً أخرى في معاني المادة على وفق التصنيف آنفًا، وبخاصة في مجموعتي التدبير والإصلاح، والترويض والتذليل، فنجد أنهما متقاربتان؛ لكن الخطَّ الدقيق الفاصل بينهما - كما أسلفنا - هو خطُّ المتعلق، فالتدبير للناس، والترويض للحيوانات، والتعامل مع الحيوانات في العادة فيه عُنف وإيذاء، فإذا تجاوز من يقوم بالتدبير والإصلاح حدَّه مع الناس، أصبح ما يقوم به ترويضًا وتذليلاً لا يتفق وكرامةَ الإنسان، واقتربَ في فعله من فعل السُّوس والدُّود والأمراض التي تؤذي ولا تصلح، وتضر ولا تنفع.

والحقيقةُ أن هذه الشعرة الرقيقة كثيرًا ما انقطعت مع الساسة، حتى أصبحت كلمة السائس أو السياسي في أغلب الأحيان رديفًا لمعان وأفعال غير مقبولة، ولعلَّ ذلك يُفسِّر ما قاله الشيخ محمد عبده – رحمه الله -: لعن الله مادة ساس يسوس ومشتقاتها.

واستكمالاً لصورة دلالات مادة السياسة عدتُ إلى القرآن الكريم،[22] فلم أجد أي كلمة مشتقة من المادة فيه، فهل يعود ذلك إلى أن – سبحانه وتعالى – قد نأى بكتابه عنها، على الرغم مما فيها من معنى التدبير والإصلاح؛ نظرًا لهشاشة هذا المعنى فيها، ورقة حاله، وسرعة تحوله إلى إيذاء وإفساد، بالإضافة إلى المعاني الفاسدة التي نلمحها في العُثُّ والدُّود والداءات ونحوها؟

كما نظرتُ في الحديث الشريف[23]، فرأيت الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد استعمل الألفاظ التالية: "يسوس وتسوس وأسوس، وسايستنا، وسياسة، والسوس"، وهي جميعًا بمعنى التدبير للناس، والترويض للدواب، باستثناء السُّوس بمعنى الدُّود، ولم تَرد في الحديث المعاني الأخرى التي رصدتها المعجمات.

وأودُّ أن ألفت في ختام هذه المقاربة إلى نقطة غاية في الأهمية، هي أن اللغة كالناس أصحابه تحيا كما يحيون، وتموت كما يموتون، فثَمَّة ألفاظ تختفي، وثمة دلالات تختفي، وقد يكون ذلك لأسباب تعود إلى اللغة نفسها بوصفها جزءًا من الناس وحياتهم وبيئتهم واجتماعهم، وقد يكون لأسباب تعود إلى الناس أنفسهم، وأضرب على ذلك مثلاً بمادة السياسة موضوعنا، مرادفها: الإيالة هي بمعنى السياسة كما نصَّت المعجمات لم يَعُدْ يستخدمها أحد، زهد فيها الناس فأهملوها؛ أي: إن هذه اللفظة غابت من نفسها.

أما لفظة السياسة، فهي بيننا نستخدمها صباحَ مساء بدلالاتها المختلفة، وإن تباينت نسبة استخدام هذه الدلالات، ودلالتها التدبير والإصلاح على الرغم من وعينا بها، ومعرفتنا لها، ليست حيَّة في واقعنا، كأنَّ الإنسان هو الذي غيَّبها، ورجع إلى الدلالة القديمة الترويض، لاويًا عنق التطور اللغوي، ومصرًّا على العودة إلى الوراء؛ لينسجمَ مع منظومة التخلف العام الذي يعيشه، وليحقق نوازع شريرة تسعى إلى السطو على احترام إنسانيته وحريته.

ويبدو لي أن هذا الأمر ليس حديثًا، فهذا شيخ المعرَّة أبو العلاء في القرن الرابع الهجري، يقول:
يَسُوسُونَ الْبِلادَ بِغَيْرِ عَقْلٍ        فَيَنْفُذُ أَمْرُهُمْ ويُقَالُ سَاسَهْ
فَأُفَّ مِنَ الْحَيَاةِ وَأُفَّ مِنِّي        وَمِنْ زَمَنٍ رِئَاسَتُه خَسَاسَهْ
المقاربة الثانية (تاريخية تأسيسية للمصطلح):[24]
كشفتْ المقاربة الأولى (اللغوية) عن أنَّ استخدام كلمة (سياسة) قديم، وأكثر من ذلك فإنَّ استخدامها بدلالتها الحديثة أو العصرية قديم أيضًا، وبعيدًا عن اللغة، تهدف هذه المقاربة إلى التأسيس للمصطلح، وتتبُّع جذوره وبداياته، حتى استقرَّ علمًا أو رأسًا لعلم في تراثنا.

وبدايةً أقول: إن كلمة (السياسة) التي استخدمت لُغويًّا بمعنى رعاية الناس وتدبير أمورهم وإصلاح حالهم - كما أسلفنا - لم تظهر رأسًا على علم، ولم تدخل في عناوين المؤلفات الخاصة بهذا النوع من المعرفة قبل مطلع القرن الثالث للهجرة، ويبدو لي أنَّ هذا القرن هو الذي رسَّخ استخدام السياسة بمفهومها الاصطلاحي، إذ شهد ظهور مؤلفات عديدة، كانت الكلمة جزءًا من عناوينها؛ مما يعكس استقرارها، وأرصد في ما يلي بعض هذه العناوين:
Ÿ تدبير الملك والسياسة؛ لسهل بن هارون (ت 215هـ)، وهو من الكتب المفقودة، وقد ذكره النديم في فهرسته.
Ÿ تقويم السياسة الملوكية والأخلاقية الاختيارية؛ للأصمعي (ت 216 هـ).
Ÿ سياسة الملوك، للوزير أبي دُلَف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي (ت 225هـ).
Ÿ سياسة المالك في تدبير الممالك؛ لشهاب الدين بن أبي الربيع (ت 227هـ).
Ÿ أدب الشريعة وأدب السياسة؛ لعلي بن شهريار الأهوازي (ت نحو 250 هـ)، وهو مفقود.
Ÿ خبر الملك العادل في تدبير المملكة والسياسة؛ لأحمد بن أبي طاهر طيفور (ت 280 هـ)، وهو مفقود.
Ÿ كتاب السياسة؛ لأحمد بن الطيب السرخْسي (ت 286 هـ).
Ÿ رسالة في السياسة الملوكية؛ لعبدالله الخزاعي (ت 300 هـ)، وهو مفقود.

وقد ترسَّخ استخدام الكلمة في القرن الرابع والخامس وما تلاهما، وظهرت مؤلفات عديدة، دخلت الكلمة في نسيج عنواناتها، وليس هذا موطنَ تفصيل الكلام فيها واستعراضها، فنحن بصدد مقاربة لا أكثر.

ولكن كيف كان حال المؤلفات السياسية وعنواناتها قبل ظهور الكلمة؟

أحسبُ أنَّ المفردة التي سبقت ومهَّدت لظهور مصطلح "السياسة" هي "نصيحة"، ولعلَّ ذلك يرجع إلى أن الفكر السياسيَّ العربي قد بدأ أولاً بهدف تقديم النصح للملوك، وإرشادهم إلى الوسائل التي يستعينون بها على تسيير أمور البلاد وتدبير أحوال الناس؛ ولهذا ظهر:
Ÿ رسالة في نصيحة ولي العهد؛ لعبدالحميد الكاتب (ت 132 هـ).
Ÿ نصيحة الكتاب وما يلزم أن يكونوا عليه من الأخلاق والآداب؛ له أيضًا.
على أنه قد ظهرت كُتب كثيرة تحمل عنوانات لموضوعات خرجت من رَحِم علم الفقه، ثم دخلت في مراحل لاحقة تحت عنوان علم السياسة، ومن ذلك مثلاً: كتاب "الخراج" المعروف لأبي يوسف (ت 182 هـ) الذي ألَّفه لهارون الرشيد، وكتاب "الخراج" – أيضًا - ليحيى بن آدم القرشي (ت 203 هـ).

كما ظهرت عنوانات أخرى خرجت من رَحِم علم الأدب؛ لتصبحَ في ما بعد جزءًا من علم السياسة – أيضًا - فمن المعلوم أنَّ ابن المقفع (ت 145 هـ) قد ألَّف كتابين، هما "الأدب الصغير" و"الأدب الكبير"، كما ترجم "كليلة ودِمْنَة"، عن الفارسية، وهي جميعًا في الأدب السياسي، إذا صح التعبير.

وأظن أن عنوانات المؤلفات السياسية محتاجة إلى دراسة مُفصَّلة؛ لبيان علاقاتها ببعضها، وبموضوعاتها، وربطها بتطور مفهوم علم السياسة.

المقاربة الثالثة (نحو التصنيف والتقسيم):
أُولِعَ العلماء العرب منذ القديم بعملية عقلية عالية، هي تقسيم النتاج المعرفي وتصنيفه، رامين إلى غير غرض مهم، منها:
Ÿ تمييز هذا النتاج، وفصل أنواعه عن بعضها، حتى يمكن الانتفاع بها.
Ÿ تقويمه، ووضعه في مراتب أو مستويات، تجعل بعضها فوق بعض على وفق أسباب مختلفة، منها شرف الموضوع، أو علو الغاية، أو شدَّة الحاجة إليه، أو عِظَم فائدته، أو أهميته، أو كونه وسيلة لا بدَّ منها لغيره من العلوم، أو جزءًا من علم أو علوم أخرى، وقد يجتمع سببان أو أكثر.
Ÿ بيان العلاقات التي تربط بين أنواع هذا النتاج.

ومن الدراسات الفريدة التي تتبعت مسألة تصنيف المعرفة عند العرب: الدراسة المستفيضة التي أعدتها د. ناهد محمد سالم، من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية،[25] وقد رجعتُ إليها مقتفيًا أَثَر علم السياسة عند من ألَّفوا في تصنيف المعرفة، فلاحظت أن من أقدم من عرض لعلم السياسة، ووضعه على خريطة المعرفة العربية الإسلامية: الكِندي (ت 252 هـ)، وله في هذا الباب - باب التصنيف المعرفي - كتابان مستقلاَّن، لكنهما مفقودان، هما: ما هيَّة العلم وأصنافه، وأقسام العلم الإنسي، لكنَّ ضياع الكتابين، لم يَحلْ دون وصول ملامح رؤيته للتصنيف المعرفي إلينا، فقد وصلت إلينا هذه الرؤية من خلال تطبيقها على كتب أرسطو في رسالته "كمية كتب أرسطو طاليس، وما يحتاج إليه في تحصيل علم الفلسفة"[26].

وبعيدًا عن تفاصيل هذه الرؤية، فإنَّ علم السياسة جاء لديه ضمن العلوم الإنسانية أو البشرية في مقابل العلم الإلهي، وجاء ترتيبه آخرًا ضِمْنَ ما أسماه الحكمة العملية التي تشتمل على فرعين: الأخلاق والسياسة المدنية، وإنما جاءت الحكمة العملية متأخرة هكذا؛ لأنَّ مبدأه كان قائمًا على تقديم العلم الذي يكون وسيلةً لما بعدهن، وبعبارة أخرى: تأخير العلم الذي يبنى على غيره.

وأعقب الكندي الفارابي (ت 339 هـ) في كتابه "إحصاء العلوم"، وجاءت الحِكمة العملية ضمن القطاعات المعرفية الرئيسة الأولى في تصنيفه، وهي: علم اللِّسان، علم المنطق، علم التعاليم، العلم الطبيعي والعلم الإلهي، ثم الحِكمة العملية، ولكن الحكمة العملية عنده تشمل ثلاثة علوم، هي: العلم المدني، وتحته الأخلاق، والسياسة، ثم علم الفقه، وأخيرًا علم الكلام.

أما ابن سينا (ت 428هـ) في رسالته في أقسام العلوم العقليَّة، فإنَّ الحكمة العملية عنده تأتي بالطبع في مقابل الحِكمة النظرية والمنطق، وتضمُّ الأخلاق، وتدبير المنزل، والسياسة.

ثم يأتي نصير الدين الطوسي (ت 672 هـ) في رسالته "أقسام الحكمة"، فيقسم الحكمة إلى نظرية وعملية، ويجعل من علم السياسة ثالثًا - بعد الأخلاق وتدبير المنزل - في مستهلِّ تقسيمه العام.

والحكمة العملية عند ابن الأكفاني (ت 749 هـ) تشمل أيضًا السياسة والأخلاق وتدبير المنزل، ويُلاحظ تقديمه السياسة على الأخلاق وتدبير المنزل بعكس الطُّوسي.

ونأتي إلى طاش كبرى زاده (ت968 هـ) في "مفتاح السعادة ومصباح السيادة" لنجد ما سبق أن وجدناه (الحكمة العملية)، ولكن تحت عنوان كبير هو "الدوحة الخامسة"، وتحت هذه الحِكمة نجد على التوالي: علم الأخلاق، فعلم تدبير المنزل، فعلم السياسة.

في القرن الحادي عشر يظهر الشُّرواني (ت 1036 هـ) صاحب "الفوائد الخاقانية"، وفيه يظهر علم السياسة ضِمنَ العلوم العقلية، التي أتت آخِرًا بعد العلوم الشرعية فالعربية، وعلى التوازي مع علم السياسة يَعدُّ الشرواني علم آداب الملوك رأسًا مستقلاًّ، على الرغم من أنه يُعدُّ من فروعه، وعلى التوازي مع علم السياسة - أيضًا - يَعدُّ علم الأخلاق وعلم تدبير المنزل، على أنها جميعًا من فروع العلوم العقلية التي تبلغ عدتها عنده واحدًا وثلاثين علمًا.

وفي القرن التالي (الثاني عشر) نرى التهانوي في كتابه "كشاف اصطلاحات الفنون"، يضع علمَ السياسة تحت اسم (السياسة المدنية) ضِمنَ علم الحكمة التي تنضوي تحت (العلوم الحقيقية)، وتشمل الحِكمة النظرية، والحكمة الطبيعية، والحكمة العملية التي تشمل بدورها تهذيب الأخلاق، وتدبير المنزل، وأخيرًا السياسة المدنية.

وعلى الرغم من هذه الشواهد على وجود علم السياسة على الخريطة المعرفية التراثيَّة، فإنَّ هذا العلم غاب عند بعض من ألَّفوا في تصنيف المعرفة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الزاوية التي يَنظرُ من خلالها المؤلِّف أو التي يرغب في رصدِها، فالخوارزمي (ت387 هـ) لم يُشِرْ في "إحصاء العلوم" إلى علوم الحكمة العملية ومنها السياسة؛ لأنه لم يقصد أساسًا إلى تقسيم العلوم، وإنما كان غرضه عرض المصطلحات الخاصة بكل علم،[27] وربما يعود السبب أحيانًا إلى عدم تحدد ملامح هذا العلم في الذهن، ودخوله تحت عباءة بعض العلوم الأخرى، كالتاريخ والأخبار والأدب، والشاهد على ذلك ابن النديم (ت 438 هـ) في فهرسته، فقد غاب عن تصنيفه السياسة رأسًا كعلم، ورصد بعض الكتب التي تنتمي على نحو ما إلى السياسة أو الأدب السياسي، مثل كليلة ودِمْنَة، وسيرة أردشير، وسيرة أنُوشروان، ضِمنَ المقالة الثالثة المخصصة للأخبار والآداب والأنساب والسِّيَر.

وجاء تصنيف السيوطي (ت 911 هـ) منسجمًا مع معارفه الخاصة، ومع غايته من تحديد العلوم التي يحتاجها الطلاَّب، فأفلت علم السياسة من العلوم الأربعة عشر (الشرعية والعربية والطبّ) التي أوردها في كتابه "إتمام الدراية لقراء النقاية".

كانت تلك إشارات سريعة إلى تصنيف عِلم السياسة ضِمنَ منظومة المعرفة عند العرب، فماذا عن تقسيم السياسة وتفريعها؟

لعلَّ أول من فرع علم السياسة في تراثنا هو طاش كبرى زاده (ت 968 هـ) في مفتاح السعادة، فقد جعل تحته:
Ÿ علم آداب الملوك.
Ÿ علم آداب الوزارة.
Ÿ علم الاحتساب.
Ÿ علم قود العساكر والجيوش.

ولا شكَّ أنه يعني بآداب الملوك وآداب الوزارة: الأحكام السلطانية وقوانين الوزارة، فهذان المصطلحان الآخران أدقُّ في التعبير عن المضمون المقصود لهما، في حين أن المصطلحين الأولين يبعدان قليلاً عن جوهر علم السياسة، ويقتربان من أدبيات هذا العلم.

وأحسب أن هذا التفريع يمكن أن يُضاف إليه قوانين القضاء، أو آداب القضاء، إذا ما اقتفينا أثر لغة طاش كبرى زاده.

وثمة تفريعات على أسس أخرى تستحقُّ التوقف عندها، ذكرها التهانوي (ت1156هـ) في "كشاف اصطلاحات الفنون"، فقد قَسَّم السياسة باعتبار القائم عليها إلى ثلاثة أنواع:
Ÿ سياسة مطلقة، وهي التي يقوم بها الأنبياء، وتكون على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، وسميت مطلقة؛ لأنها في جميع الخلق، وفي جميع الأحوال، أو لأنها كاملة؛ أي: من غير إفراط ولا تفريط.
Ÿ سياسة مدنية، وهي خاصة بالسلاطين والملوك، وتكون على الخاصة والعامة في ظاهرهم لا غير، وتنجي في الدنيا فقط؛ لأنها تصلح معاملة الناس فيما بينهم.
Ÿ سياسة نفسية، وتكون من العلماء (ورثة الأنبياء) على الخاصة لا غير، في بواطنهم لا غير.

كما يمكن تقسيم السياسة أيضًا إلى نوعين:
Ÿ سياسة عادلة، تُخْرجُ الحقَّ من الظالم الفاجر، وهي السياسة الشرعية.
Ÿ سياسة ظالمة، وهي حرام.

والحقيقة أن هذين التقسيمين ليسا تقسيمين بالمعنى الدقيق لكلمة، فما اندرج ليس فروعًا، ولكنه مجرد نعوت لوحظ فيها القائمون على رعاية أمور الناس، وما تهدف إليه أعمالهم السياسية. 

خاتمة:
أودُّ أن أختم هذه المقاربات العجلة بالتأكيد على أنَّ السياسة في تراثنا ارتبطت بالدين ارتباطًا وثيقًا، حتى إن هذا الارتباط دخل في حدِّ السياسة نفسها، قالوا: السياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة،[28] وابن سينا بوصفه فيلسوفًا إسلاميًّا صدر عن النزعة نفسها، فالحكمة العملية التي تندرج تحتها السياسة هدفها الوصول إلى خير الإنسان في دنياه وآخرته،[29] على أنَّ بعضهم لا يربط بين السياسة والدين، فالمجتمع عنده يمكن أن يقومَ بدون شرع؛ إذ العقل كفيل بالوصول إلى الخالق، ولذلك فالسياسة: علم تعلم فيه أنواع الرياسة والسياسات والاجتماعات المدنية وأحوالها، ويُمثِّل هذا الفريق الآخر الفارابي، على أنَّ هذا الأخير نفسه يصدر عن فلسفة التوفيق بين الدين والفلسفة التي انعكست على تصنيفه العلوم، فقد جمع بين العلم المدني (الأخلاق والسياسة) وعلمي الفقه والكلام، تحت الحكمة العملية التي تهدف إلى ترشيد السلوك الإنساني في الدنيا والآخرة وخلق مجتمع فاضل[30].

المصادر والمراجع:
Ÿ الأفعال، للسرقسطي، تحقيق محمد محمد شرف، ومراجعة محمد مهدي علام، القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1979.
Ÿ تاريخ الطبري، لابن جرير الطبري، القاهرة: المطبعة الحسنية المصرية، د.ت.
Ÿ التكملة والذيل والصلة، للزبيدي، تحقيق ضاحي عبدالباقي، وأحمد السعيد سليمان، القاهرة: مجمع اللغة العربية، 1991م.
Ÿ خزانة الأدب، لعبدالقادر بن عمر البغدادي، تحقيق عبدالسلام هارون. القاهرة: مكتبة الخانجي، 1989.
Ÿ رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق د. محمد عبدالهادي أبو ريدة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1950.
Ÿ في مصادر التراث السياسي الإسلامي، نصْر محمد عارف، الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
Ÿ القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مجموعة من المحققين، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1987م.
Ÿ الكُلِّيَّات، للكفوي، تحقيق عدنان درويش، ومحمد المصري، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1985م.
Ÿ مجمل اللغة، لابن فارس، تحقيق هادي حسن حمودي، معهد المخطوطات العربية.
Ÿ المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لابن سيده، تحقيق مجموعة من المحققين، القاهرة: معهد المخطوطات العربية.
Ÿ المحيط في اللغة، للصاحب بن عبَّاد، تحقيق محمد حسن آل ياسين، بيروت عالم الكتب، 1994م.
Ÿ المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، أ. ي. ونستك، ليدن: مكتبة بريل، 1936م.
Ÿ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي، القاهرة. دار الحديث، 1988م.
Ÿ معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1994م.
Ÿ المعجم الوسيط، القاهرة: مجمع اللغة العربية: 1985.
Ÿ النجوم الزاهرة، لابن تغرى بردي، القاهرة: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، د.ت.
Ÿ نظم تصنيف المعرفة عند المسلمين، ناهد محمد صالح، مراجعة شعبان عبدالعزيز خليفة، الإسكندرية: دار الثقافة العلمية، د.ت.
 
 
ــــــــــــــــــــــ
[1]   المحكم والمحيط الأعظم في اللغة 8/354.
[2]   المصدر السابق.
[3]   المحيط في اللغة 8/416.
[4]   القاموس المحيط 710.
[5]   الأفعال 3/498.
[6]   مجمل اللغة 3/104.
[7]   الأفعال 3/498.
[8]   لسان العرب وتاج العروس (سيس).
[9]   القاموس المحيط (سوس).
[10]   المعجم الوسيط (سيس).
[11]   خزانة الأدب 7/64 وما بعدها.
[12]   النجوم الزاهرة 6/268 (حوادث سنة 624 هـ).
[13]   خزانة الأدب 7/64، 65.
[14]   المصدر السابق.
[15]   تاريخ الطبري 1/99.
[16]   تاج العروس (سوس).
[17]   التكملة 3/367.
[18]   المصدر السابق 3/368.
[19]   مقاييس اللغة، ص 499.
[20]   المصدر السابق.
[21]   انظر القول في : أساس البلاغة والقاموس من المحيط واللسان.
[22]   المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
[23]   المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي.
[24]   اعتمدت هذه المقاربة على الببليوغرافيا التي أعدها د. نصر محمد عارف في كتابه: في مصادر التراث السياسي الإسلامي.
[25]   صدرت عن دار الثقافة بالإسكندرية، د.ت.
[26]   ضمن رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق د. ومحمد عبدالهادي أبو ريدة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1950.
[27]   ناهد محمد سالم: مصدر سابق، ص 111.
[28]   الكليات، ص 510.
[29]   رسالة في أقسام العلوم العقلية، ص 80.
[30]   أنظر: نظم تصنيف المعرفة 104، 105.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الآراء السياسية في القرآن
  • الإصلاح الذي نأمُله للأمة.. سياسي أو حضاري؟
  • كيف نصطاد الأرانب السحرية؟!
  • النظام السياسي الإسلامي ودوره في التنمية
  • مشاركة المرأة في السياسة
  • الدعاة وخطر احتراف السياسة
  • مدخل إلى السياسة الشرعية
  • تراث العرب السياسي في المشرق: قمم وتحولات
  • ظاهرة الدول الحربائية.. ما هو العلاج؟

مختارات من الشبكة

  • غنى النفس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المفهوم السياسي للأيديولوجيا(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • ما معنى الفكر ؟(مقالة - موقع د. محمد بريش)
  • مقاربة الصورة القصصية في أدب الأطفال عند الباحث المغربي محمد أنقار(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفهوم الحرية في الإسلام ومفهومها في الفكر الغربي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العالم الإسلامي: مفهوم واحد أم مفاهيم متعددة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • مختصر بحث: بناء المفاهيم ودراستها في ضوء المنهج العلمي "مفهوم الأمن الفكري أنموذجا"(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • بناء المفاهيم ودراستها في ضوء المنهج العلمي (مفهوم الأمن الفكري أنموذجا) (WORD)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • مفهوم المفهوم والفرق بينه وبين المصطلح(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مفاهيم ضائعة (1) مفهوم الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب