• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الربانية بين الدنيوية والرهبانية (2 - 4)

حسام جابر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/7/2015 ميلادي - 6/10/1436 هجري

الزيارات: 5801

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الربانية بين الدنيوية والرهبانية (2 - 4)

 

معنى الربانية:

قال فخر الدين الرازي: "ذكروا في تفسير (الرباني) أقوالاً:

الأول: قال سيبويه: الرباني المنسوب إلى الرب، بمعنى كونه عالماً به، ومواظباً على طاعته، كما يقال: رجل إلهي إذا كان مقبلاً على معرفة الإله وطاعته، وزيادة الألف والنون فيه للدلالة على كمال هذه الصفة، كما قالوا: شعراني ولحياني ورقباني إذا وصف بكثرة الشعر وطول اللحية وغلظ الرقبة، فإذا نسبوا إلى الشعر قالوا: شعري وإلى الرقبة رقبي وإلى اللحية لحيي.

 

والثاني: قال المبرد: (الربانيون) أرباب العلم، واحدهم رباني، وهو الذي يَرُبُّ العلم ويَرُبُّ الناس أي: يعلمهم ويصلحهم ويقوم بأمرهم، فالألف والنون للمبالغة كما قالوا: ربان وعطشان وشبعان وعريان، ثم ضمت إليه ياء النسبة كما قيل: لحياني ورقباني.

 

قال الواحدي: فعلى قول سيبويه، الرباني: منسوب إلى الرب على معنى التخصيص بمعرفة الرب وبطاعته، وعلى قول المبرد (الرباني) مأخوذ من التربية.

 

الثالث: قال ابن زيد: الرباني. هو الذي يَرُبُّ الناس، فالربانيون هم ولاة الأمة والعلماء، وذكر هذا أيضاً في قوله تعالى: ﴿ لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ ﴾ [المائدة: 63] أي الولاة والعلماء وهما الفريقان اللذان يطاعان، ومعنى الآية على هذا التقدير: لا أدعوكم إلى أن تكونوا عباداً لي، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكاً وعلماء باستعمالكم أمر الله تعالى ومواظبتكم على طاعته، قال القفال رحمه الله: ويحتمل أن يكون الوالي سمي ربانياً، لأنه يطاع كالرب تعالى، فنسب إليه.

 

الرابع: قال أبو عبيدة أحسب أن هذه الكلمة ليست بعربية إنما هي عبرانية، أو سريانية، وسواء كانت عربية أو عبرانية، فهي تدل على الإنسان الذي علم وعمل بما علم، واشتغل بتعليم طرق الخير"[1].

 

وقال الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه الله تعالى -: "كلمة رباني إما منسوبة إلى الرب بمعنى تربية النفس وتهذيبها، وجعلها خاضعة لله تعالى ولمقتضى العلم والتهذيب، فهو قد صفى نفسه من أدران الهوى، وإما منسوبة إلى الرب الخالق المبدع المتصرف، أي أن الشخص قد جعل نفسه خالصاً لله تعالى، كإلهيّ، أي أنه عابد عبادة جعلت لكل شيء في نفسه لله تعالى، والمعنيان وإن افترقا في التصريف والاشتقاق متلاقيان في المؤدى، إذ المؤدى أن الربانيين هم الذين صفوا نفوسهم، حتى كانت لله تعالى خالصة لَا تزيفها الأهواء ولا الشهوات، فالحق ملء قلوبهم، ولا يشغلها غيره"[2].

 

وقال القشيري: الربّانىّ من كان لله وبالله لم تبق منه بقية لغير الله.

 

وقال التستري: قال محمد بن سوار: الربّاني الذي لا يختار على ربه أحداً سواه، وهو اسم مشتق من الربوبية.

 

إذن فالربّانى: من ينسب إلى الربّ لكثرة عبادته وغزارة علمه، أو إلى الربان وهو الذي يربّ الناس فيصلح أمورهم ويقوم عليها.

 

الربانية في القرآن الكريم:

وردت كلمة (الربانيون) في القرآن الكريم ثلاث مرات بلفظ (ربانيون) ومرة واحدة بلفظ (ربيون):

1. ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79].

 

2. ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 146- 148].

 

3. ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

 

4. ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾[ المائدة:62، 63].

 

صفات الربانيين:

من خلال هذه الآيات الأربع نستطيع أن نستخلص ملامح وصفات العباد الربانيين.

1. تعليم الشريعة والدعوة إليها ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾.

2. تعلم الشريعة ﴿ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾.

3. الجهاد في سبيل الله ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾.

4. الثبات ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾.

5. حفظ الشريعة ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾.

6. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿ لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ ﴾.

 

أولاً: تعليم الشريعة والدعوة إليها ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾:

أول صفات العباد الربانيين هي صفة تعليم الشريعة والدعوة إليها. وإذا كانت نصوص الشريعة الواردة في فضل العلم والعلماء جاءت شاملة لتشمل علوم الدين وعلوم الدنيا، إلا إن الصفة الواردة في صفات العباد الربانيين في القرآن جاءت مقيدة بقيد ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾ أي علوم الدين خاصة.

 

قال تعالى ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].

وعدّ النبي صلى الله عليه وسلم العلماء بمثابة (ورثة) للأنبياء والمرسلين حيث ورثوا منهم العلم ومهمة البلاغ. روى الترمذي عن عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ "[3].

 

قال البيضاوي: العبادة كمال ونور لازم ذات العابد لا يتخطاه فشابه نور الكواكب، والعلم كمال يوجب للعالم في نفسه شرفاً وفضلاً ويتعدى منه إلى غيره فيستفيض نوره وكماله ويكمل بواسطته، لكنه كمال ليس للعالم في ذاته بل نوره يتلقاه من المصطفى صلى الله عليه وسلم فلذلك شبه بالقمر[4].

 

وعلق النبي صلى الله عليه وسلم الخير كل الخير على العلم والتفقه في الدين، فقال: " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ".[5]

 

وفي سنن ابن ماجة: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قاضٍ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ"[6].

 

وقال الحسن البصري: "يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء"! ولا غرو في ذلك! فهل عُرف فضل الجهاد ودُعي إليه إلا من العلماء!

 

وكتب عمر بن عبد العزيز إلي أهل المدينة: " إنه من تعبد بغير علمٍ، كان ما يُفسد أكثر مما يصلح".

 

وقال الإمام على بن أبي طالب:

مَا الْفَخْرُ إِلاَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمُ
عَلَى الْهُدَى لِمَنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ
وَالْجَاهِلُونَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْدَاءُ
فَفُزْ بِعِلْمٍ تَعِشْ حَيًّا بِهِ أَبَدًا
النَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَحْيَاءُ

 

ورفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور، ولكن يُرفع بموت العلماء. لذا كان موت العلماء بمثابة كارثة لا تقل خطورة عن الكوارث الكونية كالزلازل والبراكين وغيرهما! روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ".[7]

 

والسؤال الآن: هل كل عالم بالشريعة عالم رباني؟!

الإجابة: لا، فليس كل عالم بالشريعة عالماً ربانياً!

 

وذلك لأن أخص صفات العلماء في القرآن هي (الخشية)! قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

 

قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم. وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل.

 

وعن ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علماً وبالاغترار جهلاً.

 

وقيل لسعد ابن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال أتقاهم لربه عز وجل. وعن مجاهد قال: إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل.

 

وقال سعيد بن جبير: الرباني: الفقيه العالم الذي يعمل بعلمه. وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كبار.

 

وصدق إمام دار الهجرة الإمام مالك حين قال: "إن العلم ليس بكثرة الرواية؛ وإنما العلم نور يجعله الله في القلب".

 

فهل رق الأمر؟!

في صحيح الترغيب والترهيب عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: " لَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثًا مُنْذُ زَمَانٍ إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ عِشْرِينَ رَجُلًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَتَصَفَّحْتَ فِي وُجُوهِهِمْ فَلَمْ تَرَ فِيهِمْ رَجُلًا يُهَابُ فِي اللَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ رَقَّ"[8].

 

قال جعفر بن سليمان: "كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى[9]".

 

وكان ابن المبارك يقول: "كنت إذا نظرت إلى وجه الفضيل بن عياض احتقرت نفسي".

 

وقال الإمام ابن القيم يحكي عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها"[10].

 

وصدق ابن عطاء الله السكندري حينما قال: "لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على اللّه مقاله".

 

ثانياً: تعلم الشريعة ودراستها ﴿ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾:

وهذه الصفة - التعلم والدراسة - ملازمة للصفة الأولى التعليم، ولا تنفك عنها بحال. بل وتسبقها! قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وللعلم ست مراتب أولها: حسن السؤال. الثانية: حسن الإنصات والاستماع. الثالثة: حسن الفهم. الرابعة: الحفظ. الخامسة: التعليم. السادسة: - وهي ثمرته - وهي العمل به ومراعاة حدوده. فمن الناس من يحرمه لعدم حسن سؤاله ؛ إما لأنه لا يسأل بحال ، أو يسأل عن شيء وغيره أهم إليه منه ... وهذه حال كثير من الجهال المتعلمين. ومن الناس من يُحرَمه لسوء إنصاته ، فيكون الكلام والمماراة آثر عنده وأحب إليه من الإنصات؛ وهذه آفة كامنة في أكثر النفوس الطالبة للعلم ، وهي تمنعهم علما كثيرا ولو كان حَسَن الفهم"[11].

 

ولعل من حكمة – والله تعالى أعلم - تقديم صفة التعليم على صفة التعلم في قوله تعالى ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ رغم أن التعلم يسبق التعليم .. الإشارة إلي أن (التعلم) عملية (مستمرة) لا حد لها وإن صار الإنسان معلماً وأستاذاً يعلم الناس! والله تعالى يقول ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]. وقد رأى رجلٌ مع الإمام أحمد –إمام أهل السنة والجماعة- محبرة فقال له: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المَحبَرَةُ تحملها؟! فقال: مع المَحبَرة إلى المقبرة.

 

وقيل لابن المبارك: إلى متى تكتب العلم ؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد.

 

وقيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور كبكور الغراب.

 

قال الشافعي:

أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ
سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ
وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ

 

ورسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم ملامح طريق العلم فقال: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"[12].

 

وأوضح لنا أن طريق العلم طريق آخره الجنة! فقال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ العِلْمِ "[13].

 

ربانية المعلم والمتعلم:

قال الذهبي: "فَإن من طلب العلمَ للآخرة: كسرَه علمُه، وخشع قلبُه، واستكانَت نفسُه، وكان على نَفسِه بالمرصَاد".

 

قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة[14].

 

وقد روي: "أنَّ عبدالله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كان يمسك بزمام ناقةِ الصحابي الجليل زيد بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - فقال: دعْها يا ابنَ عباس، فقال ابن عباس: هكذا أُمِرْنا أن نفعلَ بعلمائنا! فنَزَل زيد بن ثابت من على ناقته، وقال لابن عباس: ناولْني يدَك، فناولَه يدَه فقبَّلها وقال: هكذا أُمِرْنا أن نفعلَ بآل بيتِ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم"!

 

وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة "بقي بن مخلد بن يزيد أبو عبد الرحمن الأندلسي":

" ونقل بعض العلماء من كتاب لحفيد بقي؛ عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول:

رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل.

 

قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غماً شديداً، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتا في فندق، ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين.

 

ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا: - رحمك الله - رجل غريب ناءٍ عن وطنه، يحب السؤال، فلا تستجفني.

فقال: قل.

 

فسألت عن بعض من لقيته، فبعضاً زكى، وبعضاً جرح، فسألته عن هشام بن عمار.

 

فقال لي: أبو الوليد، صاحب صلاة دمشق، ثقة، وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر، أو متقلداً كبراً، ما ضره شيئًا لخيره وفضله، فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك - رحمك الله - غيرك له سؤال.

 

فقلت: وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد: أحمد بن حنبل، فنظر إلي كالمتعجب، فقال لي: ومثلنا، نحن نكشف عن أحمد؟! ذاك إمام المسلمين، وخيرهم وفاضلهم.

 

فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه، فخرج إلي، فقلت: يا أبا عبد الله رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث، ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك.

فقال: ادخل الأصطوان ولا يقع عليك عين.

 

فدخلت، فقال لي: وأين موضعك؟

قلت: المغرب الأقصى.

 

فقال: إفريقية؟

قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية، بلدي الأندلس.

 

قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شيء أحب إلي من أن أحسن عون مثلك، غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك.

 

فقلت: بلى، قد بلغني، وهذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقوله السؤال، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد، لكان لي فيه كفاية.

 

فقال لي: نعم، على شرط أن لا تظهر في الخلق، ولا عند المحدثين.

 

فقلت: لك شرطك، فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة مدنسة، وآتي بابه فأصيح: الأجر - رحمك الله - والسؤال هناك كذلك، فيخرج إلي، ويغلق، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة[15]، ويقرؤه علي، وأقرؤه عليه، واعتللت في خلق معه. ذكر الحكاية بطولها"[16].

 

يتبع ،،،

 

والله من وراء القصد وعليه قصد السبيل.



[1] فخر الدين الرازي - مفاتيح الغيب - دار إحياء التراث العربي، بيروت - ط الثالثة، 1420 هـ- جـ 8 - ص 271.

[2] محمد أبو زهرة - زهرة التفاسير - دار الفكر العربي - جـ 4 - ص: 2201.

[3] رواه الترمذي ( 2682 / باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة).

[4] المناوي - فيض القدير شرح الجامع الصغير - المكتبة التجارية الكبرى، مصر- الأولى، 1356 - جـ 4 - ص 433.

[5] رواه البخاري ( 71/ باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).

[6] رواه ابن ماجة بإسناد صحيح (218 / باب فضل من تعلم القرآن وعلمه).

[7] رواه البخاري ( 100 / باب: كيف يقبض العلم).

[8] صحيح الترغيب والترهيب ( 104 / باب الترغيب في إِكرام العلماء إجلالهم وتوقيرهم، والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم).

[9] وهي التي فقدت ولدها.

[10] ابن القيم الجوزية - الوابل الصيب من الكلم الطيب - دار الحديث ، القاهرة - ط الثالثة، 1999م - ص 148.

[11] ابن القيم الجوزية - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - دار الكتب العلمية ، بيروت - جـ 1 - ص 169.

[12] رواه أبو داود ( 1455 / باب في ثواب قراءة القرآن).

[13] رواه الترمذي ( 2682 / باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة).

[14] الحافظ الذهبي - سير أعلام النبلاء - مؤسسة الرسالة - الثالثة، 1405 هـ = 1985م - جـ 10 - ص 16.

[15] المناولة: أن يعطي الشيخ الطالب أصل سماعه، أو فرعا مقابلا به، ويقول له: هذا سماعي عن فلان فاروه عني، أو: أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه ملكا له، أو يعيره إياه لينسخه ويقابل به. أو يأتيه الطالب بكتاب من سماعه، فيتأمله، ثم يقول: ارو عني هذا.

[16] الحافظ الذهبي - سير أعلام النبلاء - مؤسسة الرسالة - الثالثة، 1405 هـ = 1985م - جـ 13 - ص 292، 293.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الربانية بين الدنيوية والرهبانية (1-4)
  • الربانية بين الدنيوية والرهبانية (3 - 4)
  • الربانية بين الدنيوية والرهبانية (4-4)

مختارات من الشبكة

  • حقوق الطفل بين القوانين الدولية والشريعة الربانية (PDF)(كتاب - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • المال بين الحكمة الربانية والنفس البشرية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصايا الربانية في سورة الإسراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطوات نحو التربية الربانية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الأربعون الربانية من فضائل السور والآيات القرآنية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة أنوار الحقائق الربانية في تفسير اللطائف القرآنية (سورة يوسف)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الإتحافات الربانية بأسانيد الشمائل المحمدية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أنوار الحقائق الربانية في تفسير اللطائف القرآنية (دراسة وتحقيق)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • العطاءات الربانية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأجور الربانية(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب