• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

السلطان يعقوب المريني يعفو عن غدر ابن الأحمر ويؤثر مصلحة المسلمين

أ. حسام الحفناوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/7/2015 ميلادي - 21/9/1436 هجري

الزيارات: 10513

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السُّلْطان يَعْقُوب المَرِيْنِي يَعْفُو عن غَدْر ابن الأَحْمَر

ويُؤثِرُ مَصْلَحَةَ المسلمين

يَدٌ على مَنْ سواهم (6)


تَقَلَّص مُلْكُ المسلمين في الأَنْدَلُس في النصف الثاني من القرن السابع الهِجْري تَقَلُّصًا شديدًا، واقْتَصَر الوجود الإسلامي بشِبْه الجزيرة الأَنَدَلُسِيَّة على مَمْلَكة غَرْناطة الصغيرة بجنوب شرق الأندلس، والتي أَسَّسَها محمد بن يوسف المعروف بابن الأَحْمَر، وتَداوَلَها أولادُه من بعده.

 

وكانت هذه المَمْلَكة الصغيرة مُسْتَهْدَفَةً دائمًا من قِبَل مَمْلَكة قَشْتالة وليون النَّصْرانِيَّة، والتي كان مُلُوكُها يَسْعَون لإسْقاط مَمْلَكة غَرْناطة، وحِيازَة آخر مَعاقِل المسلمين بالأَنْدَلُس؛ رَغْبَةً في إنْهاء الوجود الإسلامي بها بالكُلِّيَّة.[1]

 

وكان لمُلُوك المَرِيْنِيِّين بالمَغْرِب الأَقْصَى دَوْرٌ كبير في مُعاوَنة مَمْلَكة غَرْناطة الأَنْدَلُسِيَّة على مُواجَهة ذلك الخَطَر النَّصْرانِي القَشْتالِي الدَّاهِم، وكان للسُّلْطان يَعْقُوب ابن عَبْد الحَقِّ المَرِيْنِي رحمه الله[2] أَعْظَم مُلُوك بَنِي مَرِيْن الدَّوْر الأَبْرَز في تَلْبِية نِداء إخوانه المسلمين بالأَنْدَلُس، والسَّعْي الحَثِيْث إلى نُصْرَتهم؛ فأَسْرَع إلى إغاثَتهم بالأَمْداد قبل إتْمام سَيْطَرته على المَغْرِب الأَقْصَى[3]، ثم وَجَّه جُهْدًا كبيرًا جدًّا لإنْجادهم عَقب السَّيْطرة الكاملة عليه، وعَبَر البَحْر إلى الأندلس، فقادَ الجُيوشَ المَرِيْنِيَّة بنفسه مرَّات عديدة؛ لقِتال مُلُوك قَشْتالة، وغَزْو مُدُنهم، وانْتِزاع قِلاعِهم، وغَنْم مُمْتَلَكاتهم التي نَهَبُوها من دِيار الإسلام، واسْتِنْقاذ أَسْرى المسلمين، وكان يُوَلِّي أبناءَه، وأَحْفادَه على الجُيوش الغازِيَة لأَراضِي قَشْتالة.[4]

 

وقد حَرَص السُّلْطان يَعْقُوب رحمه الله تعالى على مُصالَحَة خَصْمه يغمراسن بن زَيَّان مَلِك بَنِي عَبْد الواد، وكَرَّر ذلك عليه غَيْر مَرَّة، مع تَمَكُّنه من إنْزال الهَزِيْمة به؛ ليَتَفَرَّغ لشَأْن مُدافَعة عَدُوِّ المسلمين في الأَنْدَلُس، وفَرِح حين اسْتَجاب خَصْمُه لذلك؛ لشِدَّة حِرْصه على نُصْرة المُسْتَضْعَفِيْن من المسلمين.[5]

 

قال ابن خُلْدُون في تاريخه[6] بعد الحديث عن نِكاية أبي زَيَّان وَلَد يَعْقُوب المَرِيْنِي في مَمْلَكة قَشْتالة سنة 673هـ: واتَّصَل الخَبَرُ بأَمِيْر المسلمين، فاعْتَزَم على الغَزْو بنفسه، وخشى على ثُغُور بلاده من عادية يغمراسن في الفِتْنة، فبَعَث حافِدَه تاشفين بن عبد الواحد في وَفْد من بَنِى مَرِيْن؛ لعَقْد السِّلْم مع يغمراسن، والرُّجوع للاتِّفاق والمُوادَعة، ووَضْع أَوْزار الحرب بين المسلمين؛ للقيام بوظيفة الجِهاد، فأكرم مَوْصِلَه، ومَوْصِلَ قومه، وبادَر إلى الإجابة، والأُلْفة، وأَوْفَد مَشْيَخَة بَنِي عبد الواد على السُّلْطان؛ لعَقْد السِّلْم، وبَعَث معهم الرُّسُل، وأَسْنَى الهَدِيَّة، وجَمَع اللهُ كلمةَ الإسلام، وعَظُمَ مَوْقِع هذا السِّلْم من أمير المسلمين؛ لِما كان في نفسه من الصَّاغِية إلى الجِهاد، وإيثاره مَبْرُورات الأعمال، وبَثَّ الصَّدَقات يَشْكُر اللهَ على ما مَنَحَه من التَّفَرُّغ لذلك، ثم اسْتَنْفَر الكافَّة، واحْتَشَد القَبائل والجُمُوع، ودَعا المسلمين إلى الجِهاد، وخاطَب في ذلك كافَّة أهل المَغْرِب، انتهى.

 

وعلى الرُّغْم من كل الجُهُود التي بَذَلَها يَعْقُوب بن عَبْد الحَقِّ رحمه الله تعالى في خِدْمة مُسْلِمِي الأَنْدَلُس؛ فإنه لم يَسْعَ لانْتِزاع مَمْلَكة غَرْناطة من سُلْطانها محمد بن محمد بن يوسف، ولو أراد ذلك، لما تَعَذَّر عليه، ولفَرِح به الرَّعِيَّة من مُسْلِمِي غَرْناطة؛ لما يَعْلمون من عَدْله، وحُسْن سِيْرِته، ونِكايَته في أعداء الإسلام، وحِرْصه على مَصْلحة المسلمين.

 

ولم يَقْتَصِر السُّلْطان يَعْقُوب بن عَبْد الحَقِّ رحمه الله تعالى على تَرْك الأَمْر في يَدِ بَنِي الأَحْمَر، بل أَعْرَض عن المَغانِم الكثيرة التي حازَها في إحدى حَمَلاته الطويلة على مَمْلكة قَشْتالة، راغِبًا في حِيازة الثَّواب الخالِص للجِهاد، مُتَنازِلًا عن كل ما حازَه من مَغانِم لمَمْلَكة غَرْناطة، والتي لم يَبْذُل مُلُوكها في قِتال قَشْتالَة المُتَرَبِّصة بهم الدَّوائِر عُشْرَ مِعْشار ما بَذَلَه السُّلْطان يَعْقُوب الذي تَرَك بلادَه، وعَبَر البَحْر لنُصْرَتهم، وقال لابن الأَحْمَر: يكون حَظُّ بَنِي مَرِيْن من هذه الغَزاة: الأَجْرُ، والثَّواب، مثلما فَعَلَ يوسفُ بن تاشفين رحمه الله مع أهل الأَنْدَلُس يوم الزَّلَّاقة.[7]


وكان من المُفْتَرَض أن تَغْرِسَ تلك المَواقِف الرُّجُوْلِيَّة المُتَتالية ليَعْقُوب بن عَبْد الحَقِّ عِرْفانًا بالجَمِيْل تُجاهَه في قَلْب ابن الأَحْمَر، ووَفاءً بما له من أَيادٍ بَيْضاء على مَمْلَكة غَرْناطة، ولكن ما أَنْعَم اللهُ به على يَعْقُوب بن عَبْد الحَقِّ من انْتِصارات باهِرة قد أَشْعَل الحَسَد في قَلْب ابن الأَحْمَر، وأَجَّجَ الخَوْفَ في نفسه من ضِياع مُلْكه؛ لما رآه من مَيْل بعض وُلاتِه إلى السُّلْطان المَرِيْنِي المُسْتَحِقِّ لكل تَقْدِيْر وإكْرام، فخان ابنُ الأَحْمَر السُّلْطانَ يَعْقُوب أكثر من مرة، وقابلَ خَدَماته العَظِيْمة بالتَّحالُف مع أَعْداء المِلَّة والدِّيْن من نَصارَى قَشْتالَة، والذين كانوا يَتَحَيَّنُون الفُرْصة للانْقِضاض على مَمْلَكته الصغيرة التي لم يكن يَمْلِك وَحْده دَفْعَهم عنها.

 

وقد قابَلَ السُّلْطانُ يَعْقُوب رحمه الله تعالى تلك الخِيانات المُتَكَرِّرة بعَفْوٍ جَمِيْل، وصَفْح واسِع؛ إيْثارًا لمَصْلَحة المسلمين، ورَغْبَةً في تَفْوِيْت الفُرْصة على أَعْدائهم الحاقِدِيْن.

 

فقد غَدَر ابنُ الأَحْمَر بالسُّلْطان يَعْقُوب، وحازَ مالَقة من يَدِ والِيْه[8]، وقَبَض على قادة حامِيَة بَنِي مَرِيْن بها، وحازَ ما معهم من مال، وسلاح، وتَواطَأ مع ألفونسو العاشر مَلِك قَشْتالة على مَنْع السُّلْطان يَعْقُوب من العُبُور إلى الأَنْدَلُس لنَجْدة رِجاله، ورَضِيَ بالدُّخُول في طاعة ألفونسو؛ ليَدْفَع به السُّلْطان يَعْقُوب، وراسَلَ يغمراسن بن زَيَّان؛ ليَحُثَّه على الدُّخُول في حِلْفِهم الخَبِيْث، والسَّعْيِ في إفْساد الثُّغُور المَرِيْنِيَّة من جِهْته؛ إشْغالًا ليَعْقُوب بن عَبْد الحَقِّ عن نَجْدة جُنُوده بالأَنْدَلُس.

 

وقد نَتَج عن هذه الخِيانة الشَّنِيْعة لله ورسوله والمؤمنين: أن اغْتَنَم ألفونسو ذلك الحِلْف، ونَكَث بعَهْده مع السُّلْطان يَعْقُوب، والذي كان قد عَقَده وإيَّاه عَقِب هزيمة السُّلْطان لجُيُوشِه، وتَدْمِيْره لبِلاده، فحاصَر ألفونسو الجَزِيْرة الخَضْراء بالأَنْدَلُس[9]، حتى أَشْفَى أَهْلُها على الهَلَكة، بل قَتَل بعضُ أَهْلِها صِغارَ أولادِهم؛ خَشْيَةً عليهم من مَعَرَّة الكُفْر حين يَقَعُوا في أَسْر النَّصارَى، وأَخَذ ألفونسو يَجُوسُ خِلال بلاد المسلمين بالأَنْدَلُس، وحاصَرَ مَقَرَّ الحُكْم في غَرْناطة.

 

فماذا كان مَوْقِف السُّلْطان يَعْقُوب المَرِيْنِي رحمه الله تعالى حين رَأى ما وَصَلَت إليه الأُمور بعد كل هذا في الأَنْدَلُس؟

 

قال أبو العباس الناصري[10]: أَشْفَقَ السُّلْطان يَعْقُوب رحمه الله على المسلمين الذين بها، وعلى ابن الأَحْمَر مما نالَه من خَسْف الطَّاغِيَة - يعني ألفونسو - فراسَلَه في المُوادَعة، واتِّفاق الكَلِمة، على أن يَنْزِل له عن مالَقة التي خادَعَ عنها ابن محلي كما تَقَدَّم، فامْتَنَع ابنُ الأَحْمَر، وأَساء الرَّدَّ في ذلك، فرَجَع السُّلْطان يَعْقُوب إلى إزالَة العَوائِق عن شَأْنه في الجِهاد، وكان من أَعْظَمها فِتْنَة يغمراسن،انتهى.

 

وواصَلَ ابنُ الأَحْمَر الكَيْد للسُّلْطان يَعْقُوب رحمه الله تعالى؛ فقد خَرَج سانشو وَلَدُ ألفونسو على أَبِيْه، فاسْتَنْصَر ألفونسو بالسُّلْطان يَعْقُوب لاسْتِرْجاع مُلْكه، وقَدَّم له فُرُوض الوَلاء والطَّاعة، فاغْتَنَم يَعْقُوب الفُرْصة، وأَعانَه على ذلك، فعَبَر البَحْرَ إلى الأَنْدَلُس، وغَزا مُدُن قَشْتالة، وعاث في نَواحِيْها، وخَرَّب عُمْرانَها، وغَنِمَ ما لا يُحْصَى، فخافَه ابنُ الأَحْمَر على مُلْكِه بغَرْناطة، فتَحالَف مع سانشو، وأَضْرَم أَرْضَ الأَنْدَلُس بالفِتْنة، فلم يُغْنِ عنه سانشو شيئًا، وظَهَر له سُوءُ مَغَبَّة الغَدْر، فلم يَجِد بُدًّا من السَّعْي لمُصالَحَة السُّلْطان.

 

قال ابن خُلْدُون[11]: ولم يَرَ لها إلا وَلِيَ عَهْد السُّلْطان ابْنَه يوسُف، فخاطَبَه بمَكانه من المَغْرِب، مُسْتَصْرِخًا لرَقْع هذا الخَرْق، وجَمْع كَلِمَةَ المسلمين على عَدُوِّهم، فأَجابَه، واغْتَنَم المَثُوْبَة في مَسْعاه، وأَجازَ لشهر صَفَر، فوافَى أَمِيْرَ المسلمين بمُعَسْكره على مالَقة، ورَغِب منه السَّلْم لابْنِ الأَحْمَر عن شَأْن مالَقة، والتَّجافِي له عنها، فأَسْعَف رَغْبَة ابْنِه؛ لما يؤمَّلُ في ذلك من رِضا الله في جِهاد عَدُوِّه، وإعْلاء كَلِمَته، وانْعَقَد السِّلْمُ، وانْبَسَطَ أَمَلُ ابن الأَحْمَر، وتَجَدَّدت عَزائِمُ المسلمين، انتهى.

 

ولكن ابْنَ الأَحْمَر عاد للسَّعْي بالغَدْر مرة أخرى؛ فقد كان العُبُور الرَّابع والأَخِيْر للسُّلْطان يَعْقُوب لغَزْوِ مَمْلَكة قَشْتالة ذا وَطْأَة شديدة جدًّا على مَلِكها سانشو، والذي صَفا له أَمْرُ المَمْلَكة عَقب وفاة أبيه، ولم يَجِد بُدًّا من السَّعْي في مُصالَحَة السُّلْطان يَعْقُوب الذي قَلَبَ بِلادَهم رَأْسًا على عَقِب، وجَعَل أَعالِيَها أَسافِلَها، وصَيَّرها خَرابًا لا يُنْتَفَعُ بها، وعَزَم سانشو على تلك المُصالَحَة، وكَرَّر طَلَبها، ورَضِيَ أن يَشْتَرِطَ السُّلْطانُ يَعْقُوب ما يريد من الشُّرُوط لنُصْرَة الإسلام، وإعْزاز أَهْلِه. [12]


فما كان من ابن الأَحْمَر إلا أن سَعَى في مُحالَفة سانشو على السُّلْطان يَعْقُوب، وأَوْفَد رُسُلَه لذلك الغَرَض، ولكن سانشو أَصَرَّ على مُصالَحَة السُّلْطان، وأَهانَ رُسُلَ ابن الأَحْمَر.

 

ولما مَرِضَ السُّلْطانُ يَعْقُوب رحمه الله تعالى، بَعَث وَلَدَه الأميرَ أبا زَيَّان؛ ليَقِف على الحَدِّ بين أَرْضِه وأَرْضِ ابن الأَحْمَر، وعَقَد له على تلك الناحية، وأَنْزَلَه بحِصْن قُرْب مالَقة، وأَوْصاه ألَّا يُحْدِث في بلاد ابن الأَحْمَر حَدَثًا.

 

السُّلْطان يوسف بن يعقوب على خُطَى أبيه:

لما تَوَفَّى اللهُ تعالى السُّلْطانَ يَعْقُوب، وآل الأَمْرُ إلى وَلِده يوسف[13]، لم يُقابِل سَيِّئةَ ابن الأَحْمَر بمِثْلِها، بل كان أولُ شيء فَعَلَه بعد تَوَلِّي مُلْك بَنِي مَرِيْن: أن أَرْسَلَ إلى ابن الأَحْمَر، ولَقِيَه بالمَبَرَّة والتَّكْرِيْم، وتَنازَلَ له عن جَمِيْع ثُغُور الأَنْدَلُس التي كانت في أَيْدِي المَرِيْنِيِّين، فيما عَدا الجَزِيْرة الخَضْراء، وجَزِيْرة طَرِيْف - وكانت بهما حامِيات عَسْكَرِيَّة مَرِيْنِيَّة - وفارَقَ السُّلْطانُ يوسف ابنَ الأَحْمَر على حالَة كَرِيْمة من الوُدِّ، والصَّفاء، والعَلَائق الحَسَنة.[14]


ولما نَقَضَ سانشو الصُّلْحَ الذي كان قد عَقَده مع السُّلْطان يَعْقُوب، وغَزا أَراضِي المسلمين في الأَنْدَلُس، أَمَر السُّلْطانُ يوسف بن يَعْقُوب جُيُوْشَه في الأَنْدَلُس بغَزْوِ أَراضِي قَشْتالة، فأَوْغَلُوا فيها، وأَثْخَنُوا في أَهْلِها، ثم عَبَر يوسفُ إلى الأَنْدَلُس بنفسه على رَأْس جَيْشِه، فعاقَبَهم على نَكْثِهم العَهْد أَشَدَّ العُقُوبة، وبَثَّ السَّرايا في أَراضِيهم، وأَنْكَى فيهم أَشَدَّ النِّكاية، وما عاد إلا بعد دُخُول الشِّتاء، وانْقِطاع المُؤن.[15]


ورُغْم كل ذلك؛ فإن ابن الأَحْمَر قد غَدَر بالسُّلْطان يوسف، وحالَف سانشو على الاسْتِيلاء على جَزِيْرة طَرِيْف الأَنَدَلُسِيَّة من أَيْدِي الحامِيَة المَرِيْنِيَّة الموجودة بها، ومَنْع السُّلْطان يوسف من العُبُور لنَجْدَتها؛ وكان ذلك بتَحْرِيْض من سانشو لابن الأَحْمَر، حيث خَوَّفَه من اسْتِيْلاء السُّلْطان يوسف على أَرْض الأَنْدَلُس، فأَصْغَى ابنُ الأَحْمَر لوَساوِسِه، واتَّفَقا على الاسْتِيْلاء على جَزِيْرة طَرِيْف، على أن تكون لابن الأَحْمَر بعد وقوعها في أيدي سانشو وجَيْشه، ونَزَل له عن سِتَّة حُصُون من حُصُون المسلمين في مُقابِل طَرِيْف، وقام ابنُ الأَحْمَر بإمْداد جُيُوش القَشْتالِيين بما يَحْتاجون من العَتاد، والمُؤن، فاضْطرَّت الحامِيةُ المَرِيْنِيَّة إلى مُراسَلَة سانشو في الصُّلْح، والنُزُول له عن البَلَد، بعد أن حاصَرَهم أَرْبَعَةَ أَشْهُر، وانْقَطَع عنهم مَدَدُ المسلمين من المَغْرِب؛ لشِدَّة الحِصار البَرِّي، والبَحْرِي.

 

ثم غَدَر سانشو بابن الأَحْمَر، وحاز الجَزِيْرة لنَفْسِه، فنَدِمَ ابنُ الأَحْمَر، وسَعَى لمُصالَحَة السُّلْطان يوسف، والاعْتِذار إليه عن فِعْلِه المُخْزِي، فأَكْرَم السُّلْطانُ يوسف رُسُلَه، وأَحْكَم معهم عُقُود المؤاخاة، فعَبَر ابنُ الأَحْمَر بنَفْسِه للمَغْرِب؛ لتَأْكِيْد المَوَدَّة، والمُبالَغَة في الاعْتِذار، وتَوْثِيْق العَهْد على نُصْرَة المسلمين، فأَعْرَضَ السُّلْطانُ يوسف عن لَوْمِه، ولم يُوَبِّخْه، ولم يُعَنِّفْه، بل حَمَلَتْه مُرُوءَتَه على التَغافُل عن سَماع اعْتِذار ابن الأَحْمَر، ولم يَدَعْه يُرِيْق ماءَ وَجْهِه في طَلَب المُسامَحَة، ونَزَل له عن جَمِيْع الثُّغُور الأَنْدَلُسِيَّة المُقابِلة للعَدُو؛ لما اسْتَيْقَن سُكُون أَحْوالها، فعاد ابنُ الأَحْمَر إلى الأَنْدَلُس في غاية السُّرُور، وعَبَرت معه البَحْرَ عَساكِرُ السُّلْطان يوسف؛ لمُحاصَرة القَشْتالِيين الذين اسْتَوْلَوا على جَزِيْرة طَرِيْف، فنازَلُوها مُدَّة، ولم يَقْدروا على فَتْحِها.[16]



[1] انظر عن ظروف تأسيس مملكة بني الأحمر: أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام لابن الخطيب (ص270-282)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 191،190)، والاستقصا لأبي العباس الناصري (3/ 38،37)، ودولة الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان (4/ 389-495).

[2] انظر ترجمته في: الأنيس المطرب بروض القرطاس (ص297-301)، وتاريخ الإسلام للذهبي (51/ 251،250)، والحلل الموشية المنسوب لابن الخطيب (ص129-133)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 177)، وما بعدها، والاستقصا (3/ 65)، وأعلام الزركلي (8/ 200،199).

[3] انظر: البيان المغرب لابن عذاري قسم الموحدين (ص430-432)، والأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع (ص309،308،303)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 191)، ونفح الطيب للمقري (1/ 449،448)، ودولة الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان (4/ 551،550).

[4] عبر يعقوب بن عبد الحق رحمه الله تعالى أربع مرات لنجدة مسلمي الأندلس، وغزو بلاد أعدائهم.

[5] كان يغمراسن قد رفض عرضًا قبل ذلك من يعقوب المريني بالصلح والسلم، دعاه إليه في سنة 669ه-، عندما أرسل ملك بني الأحمر يستنصر به على صولة نصارى الأندلس على المسلمين هناك، وكان يعقوب المريني على وشك خوض معركة مع خصمه يغمراسن، فاستشار يعقوب أشياخ بني مرين، وأشياخ العرب، فأشاروا عليه بالصلح مع ابن زيان، والعبور للأندلس للجهاد، فبعث أشياخ زناتة، والعرب إلى يغمراسن يرغبونه في الصلح، ويتلطفون له، فأقسم يغمراسن ألا يصالحه، حتى يأخذ بثأره من هزيمة جيوشه أمام الجيوش المرينية قبل ذلك، ومقتل ولده في المعركة، أو يموت دون ذلك، فآثر يغمراسن الثأر لقبيلته وقومه على وحدة المسلمين، ومناصرة المستضعفين من الموحدين من أهل الأندلس. وكان رد يعقوب المريني على ذلك بالإغارة على مملكة بني زيان، وإنزال الهزيمة بجيوشه، ومحاصرة عاصمته تلمسان، وتخريب أركان مملكته. انظر: الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع (ص309-311 ،314)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 192،185،184)، والاستقصا للناصري (3/ 31-33،39).

[6] تاريخ ابن خلدون (7/ 192).

[7] انظر: الأنيس المطرب لابن أبي زرع (ص328)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 197)، والاستقصا للناصري (3/ 48).

[8] كان محمد بن عبد الله بن أشقيلولة والي مالقة قد نزل عنها للسلطان يعقوب رحمه الله تعالى قبل ذلك، وبنو أشقيلولة هؤلاء كانوا شركاء محمد بن يوسف بن الأحمر في تأسيس مملكة غرناطة، وهم أصهار بني الأحمر. انظر: تاريخ ابن خلدون (7/ 198،197)، والاستقصا للناصري (3/ 48). ومدينة مالقة على شاطىء مضيق جبل طارق الذي كان يعرف ببحر الزقاق، وتقع بين الجزيرة الخضراء والمرية. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (5/ 43)، والروض المعطار للحميري (ص518،517).

[9] كانت الجزيرة الخضراء مدينة منيعة حصينة، متصلة ببر الأندلس، ولا يحيط بها البحر كما يحيط بالجزر، وتقع على ربوة مشرفة على البحر، وسورها متصل به، وكانت قريبة المنافع من كل وجه؛ لأنها وسطى مدن الساحل، وأقرب مدن الأندلس مجازًا إلى العدوة المغربية، وكان مرساها مأمونًا، وكان أيسر المراسي للجواز إلى المغرب، وأقربها من بر العدوة، ويحاذيه مرسى مدينة سبتة، كانت الجزيرة الخضراء أول مدينة افتتحها طارق بن زياد من الأندلس. انظر: معجم البلدان (2/ 136)، والروض المعطار (ص224،223).

[10] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (3/ 53).

[11] تاريخ ابن خلدون (7/ 206).

[12] كانت الشروط التي شرطها السلطان يعقوب تتمثل في: مسالمة المسلمين كافة من قومه، وغير قومه، والوقوف عند مرضاته في ولاية جيرانه من الملوك أو عداوتهم، ورفع الضريبة عن تجار المسلمين بدار الحرب من بلاده، وترك التضريب بين ملوك المسلمين، والدخول بينهم في فتنة. انظر عن هذا الصلح: الأنيس المطرب (ص358-363)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 209)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/ 222).

[13] انظر ترجمته في: الأنيس المطرب لابن أبي زرع (ص374-376)، والدرر الكامنة للحافظ ابن حجر (6/ 256،255)، ونفح الطيب (5/ 265)، وأعلام الزركلي (8/ 259،258)، وتاريخ المغرب الإسلامي والأندلس في العصر المريني للحريري (ص82،81)، و للباحثة العراقية نضال الأعرجي كتاب بعنوان [الدولة المرينية على عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني].

[14] انظر: الأنيس المطرب لابن أبي زرع (ص376)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 211)، والدولة المرينية على عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني (ص47،46 ،60).

[15] انظر: الأنيس المطرب لابن أبي زرع (ص380،379)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 215)، ودولة الإسلام في الأندلس (5/ 109)، وتاريخ المغرب الإسلامي والأندلس في العصر المريني (ص87)، والدولة المرينية على عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني (ص61،60).

[16] انظر: الأنيس المطرب بروض القرطاس (ص380-384)، وتاريخ ابن خلدون (7/ 216-219)، ودولة الإسلام في الأندلس (5/ 110،109)، والدولة المرينية على عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني (ص48-52).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دور بني مرين الزناتيين في حمل رسالة الإسلام (1)
  • دور بني مرين الزناتيين في حمل رسالة الإسلام (2)
  • دور بني مرين الزناتيين في حمل رسالة الإسلام (3)
  • دور بني مرين الزناتيين في حمل رسالة الإسلام (4)
  • دور بني مرين الزناتيين في حمل رسالة الإسلام (5)
  • طرق التسلية في العهد المريني والوطاسي

مختارات من الشبكة

  • عثمان بن أبي العلاء الرجل الذي غزا الأسبان 732 غزوة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفكر العسكري عند السلطان ألب أرسلان السلجوقي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السلطان مراد الأول.. مشروع الدولة العلية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قاعدة: السلطان ولي من لا ولي له: دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • دعاء لقاء العدو وذي السلطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مدرسة جامع السلطان امتداد لمدرسة الإمام أبي حنيفة (دورها وتعيين موقعها)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السلطان مراد الثاني(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السلطان مراد الأول(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السلطان شهاب الدين الغوري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • إيطاليا: معرض عن السلطان محمد الفاتح في روما(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب