• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

(القصص القرآني وعطاء الشباب) لمحمد أديب الصالح

أحمد بن محمود الداهن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2007 ميلادي - 17/5/1428 هجري

الزيارات: 18167

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر


القصص القرآني وعطاء الشَّباب
(القلب.. والعقل.. والسَّاعد)
لفضيلة العلامة الأصولي المربي الشيخ د. محمد أديب الصالح 

صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة (معالم قرآنية في البناء) لفضيلة الدكتور محمَّد أديب الصَّالح، في 430 صفحة من القطع المتوسط، وهو من منشورات مكتبة العبيكان بالرياض، ط1 1428هـ - 2007م.

لم تكن القصَّة في القرآن الكريم - ومن بعدها القصَّة في السُّنة النَّبوية - بمنأى عما أشرقت به معالمه في العهدين المكِّي والمدني، من مؤشِّرات ألمحت إلى وجهة الإسلام في بناء الفرد والمجتمع، بل كانت واحداً من السُّبل المضيئة التي سلكها هذا الكتاب الكريم في إيصال الدِّين القيِّم إلى النُّفوس، لتنعكس آثار الاستمساك به على الحياة بوجوهها جميعاً وميادينها كافَّة؛ فأسهمت إسهاماً ملحوظاً، وأخذت دورها البارز في التَّمهيد لبناء الإنسان على الوجه المرضيِّ، وإقامة القواعد التي يقوم عليها بناء الجماعة والمجتمع؛ بناءً مصروفةً عنه عوامل الأذى والضَّعف، وترفده عناصر الحياة التي تمكِّن له، وتجعله قابلاً للنَّماء قادراً على العطاء.

والحجم الذي أخذه القصص القرآني في الكتاب العزيز، دليلُ عظمة الهدف الذي كان من أجله هذا القصص، حيث الدُّروسُ والعظات والحكم الغاليات، وحيث المقارنةُ والمقايسة، والعبر التي لا يستغني عنها روَّاد الحقيقة، ناهيك عن تثبيت فؤاد النَّبي صلى الله عليه وسلم، في مواجهة ما كان يلاقي من الشَّدائد والصِّعاب.

لقد كان المسلمون الأوائل يتلقَّون الدَّعوة وتبعاتها، والقصص القرآني يحمل إليهم - عبر القرون التي سلفت و الأمم التي خلت - ذلك الكمَّ الهائل من التَّجارب والعبَر، وكان ذلك رافداً من أهمِّ روافد الهداية على طريق هؤلاء الذين أسلموا وجوههم لله وحدَه، مع ما كانوا يلاقونه من الشِّدة والابتلاء.

وما دام في النَّاس قرآن يُتلى -وهو محفوظٌ بحفظ الله الذي أنزله- فالعبرةُ من القصص قائمة لأولي الألباب العاملين الصَّابرين المجاهدين، تغني طريقَهم ببواعث الخير، وتثبِّت أقدامهم، وتؤنس وحشتهم، وتحرِّك في أعماقهم مزيداً من الاعتبار والقدرة على المقايسة المجدية، والمقارنة التي تؤدِّي غرضَها على صعيد الموقف والسلوك.

والقصَّة في القرآن - وهي لونٌ من ألوان البيان على طريق الهداية والدَّعوة إلى الله؛ هدماً للباطل ورفعاً لقواعد الحقِّ الذي نزل به الكتاب وإقامةً واعيةً لصروحه - هي تعبيرٌ عن وقائعَ حدثت على وجه اليقين زماناً ومكاناً وأشخاصاً، جرت على أيديهم، أو حلَّت بهم تلك الوقائع.

ولهذا جاء هذا الكتاب، ليس بسبيل الاستقصاء لكلِّ ما ورد من القصص في كتاب الله عز وجل؛ ولكنه بسبيل التَّنبيه على النَّموذج الذي يُسعف في محاولة الانتفاع بغيره، وذلك يتَّفق مع ما أراد الكاتبُ من كل قضيةٍ مطروحةٍ ضمن الموضوع العام.

أما القضيةُ الأساسية التي تناولها الكاتبُ من خلال القصص القرآني في هذا الكتاب فهي قضية البناء؛ بناء الفرد والمجتمع بمعناه الإسلامي الحضاري؛ بناءً يتَّسم بالشُّمول؛ بناءً يتناول -مع العقيدة والعبادة والأخلاق- شؤونَ الحياة بأكملها، بحيث يتجاوز بناء الفرد إلى بناء المجتمع بناءً تُتَرجَم معه تلك القيم إلى وجودٍ عمليٍّ تنطِقُ به حركة الفرد والأسرة والجماعة، ويشرق بهديِه تنظيم العلاقات التي تحكم هؤلاء على أساسٍ من العقيدة التي عُنوانها الكلمة الطيبة: "لا إله إلا الله محمَّد رسول الله".

وقد وظَّف الكاتب لخدمة هذه القضية عدداً من القصص القرآني، وقف على مواطن العبرة فيها، وحاول استخلاصَ العظات منها، واستنباطَ الحكم والأحكام التي تضمَّنتها، والكشفَ عن معانيها ومنارات الهداية في كلٍّ منها، بأمانة علمية منهجية.

وقد تناول القصص الآتية:
أصحاب الجنَّة، التي ورد ذكرها في سورة (القلم).
موسى وشعيب عليهما السلام، التي جاء ذكرُها في سورة (القصص).
شعيب عليه السلام، من حياته ودعوته، التي ورد ذكرُها في سورة (هود).
يوسف عليه السلام، والعبرة في قوله: {إنِّي حفيظٌ عليمٌ}، والقصة بتمامها في سورة (يوسف).
إسماعيل عليه السلام، وقصَّة الذبح التي ورد ذكرُها في سورة (الصَّافَّات).
إسماعيل عليه السلام، ورفع قواعد البيت مع أبيه التي ورد ذكرُها في سورة (البقرة).
إبراهيم عليه السلام، ودعوته قومَه التي ورد ذكرُها في سورة (الأنبياء).
إبراهيم عليه السلام، في تفكُّره وتدبُّره، الآيات في سورة (الأنعام).
إبراهيم عليه السلام، وترابط المراحل في حياته، الآيات من سورتي (الأنبياء) و (البقرة).
أصحاب الفيل، وإهلاك أبرَهة وجيشه التي ورد ذكرها في سورة (الفيل).
من وقائع أُحُد، إشاعة مقتل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ما ورد في سورة (آل عمران).
المثل القرآني، بيت العنكبوت، الآيات في سورة (العنكبوت).
المثل القرآني، الكلمة الطيِّبة، الآيات في سورة (إبراهيم).
تحويل القِبلَة، التي وردت في سورة (البقرة).
الفتية أصحاب الكهف والرَّقيم، التي ورد ذكرُها في سورة (الكهف).
الرِّجال عُمَّار بيوت الله، الذين ورد ذكرُهم في سورة (النور).
المعيار الصادق للرِّبح والخُسران، آيات من سورتي (البقرة) و(المنافقون).
المؤمنون.. والمنافقون، السلوك الصائب المطلوب، آيات من سورة (المنافقون).
واحدة من تحدِّيات المنافقين في التاريخ، آيات من سورة (المنافقون).
موقف عبد الله بن عبد الله ابن أبي من أبيه، آيات من سورة (المنافقون).
حقيقة الارتباط بين المعتقد والسُّلوك، الآيات في سورة (التَّوبة).
عمارة مساجد الله، الآيات في سورة (التَّوبة).
فضل الجهاد في سبيل الله، الآيات في سورة (التَّوبة).
أولو الألباب، الآيات في سورة (الرَّعد).

ولعلِّي أورد هنا طرفاً من بعض تلك القصص للتَّمثيل على توظيف الكاتب لها في قضية الشباب والبناء، والتَّدليل على أسلوب الكاتب في استخلاص العِظات والعبر:

يقول في عبرة العمل في قصَّة موسى وشعيب عليهما السَّلام:
لم يجد شعيب غضاضةً في أن يعرض على موسى الزَّواج بإحدى ابنتيه، بعد أن رأى فيه القوَّة والأمانة، وسمع منه قصَّة خروجه من بلده إلى مَدين بعد أن ائتمر به القوم ليقتلوه. والمهر المطلوب - كما هو صريح الآية الكريمة -: أن يرعى موسى غنم شعيب ثمان سنين وإن أتم عشراً فمن عنده.

وإذا كان العمل مكرمةً وعنوان رجولةٍ، فماذا على موسى أن يقبل هذا الزَّواج ويوافق على هذا المهر؟ إنها منه عليه السلام - وهو رسول من رسل الله - صورةٌ إيجابيةٌ لحياة من يختارهم الله لحمل رسالته، وإن كان ابتلاء موسى بالقوم الغارقين في غضب الله ولعناته المتتابعة على غاية الشِّدة في الابتلاء.
ونقرأ في جواب موسى قول الله عز وجل: {ذلك بيني وبينك أيَّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليَّ والله على ما نقول وكيل}.
ولقد رافق العمل الأمين عنصرٌ خلقيٌّ كريمٌ؛ فعلى الرُّغم من أنه لم يلتزم -في جوابه- بعشر سنواتٍ؛ لكنَّه قضى هذا الوقت كلَّه في رعي غنم شعيب عليه السَّلام.

وبعد: فإن هذا المعلم القرآني الذي يأخذ حيِّزه في جانب من جوانب قصَّة موسى مع شعيب يؤصِّل لتكريم العمل والعاملين، ويرسم لأمتنا واحداً من خطوط مسارها في بناء المجتمع وتنميته وازدهاره.

أن يكونَ حديث العمل مرتبطاً برسولٍ من رسل الله، أن يكون الذي يأجر نفسه عشر حجج كاملة يرعى فها الغنم، واحداً من هؤلاء المصطفَين الأخيار = مؤشرٌ عميق الدلالة على طريق العمل والبناء، وإذا كانت هذه الأمَّة مدعوَّة لأن تفيد من تاريخ موسى مع بني إسرائيل الذين ابتلاه الله بهم ورأى من شرورهم وآثارهم ما يَشيب له الوليد، فإن هذا التَّعامل بينه وبين شعيب عليهما السَّلام ليُعطي دروساً في الواقعية الإيجابية وإعلاء شأن العمل والعاملين تستوقف النَّاقد البصير.

ويقول في الشَّباب والبناء في قصَّة إسماعيل عليه السَّلام:
والواقع أن مما يزيِّن طريق الشَّباب على مرِّ العصور: أن يكونوا في صدق العزيمة والاستعلاء على الصوارف من معوِّقاتٍ ومغرياتٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، على نسبٍ متَّصلٍ بوقفة إسماعيل الصَّابرة الشُّجاعة المشرقة بخالص الإيمان؛ تلك الوقفة التي تزيِّنها الاستعانة الصَّادقة بمن بيده – سبحانه - نواصي العباد، وإليه -جلَّ شأنُه- مرجعهم ومآبهم..

فلقد كان إبراهيم عليه السَّلام النمَّوذجَ الرَّائع القدوةَ في هذه الواقعة -التي كان الاختبار فيها للجميع، والتي تركت بصماتها في حياة بني الإنسان بعامَّة وفي حياة المسلمين بخاصَّة- للأب الذي يمتثَّل أمر ربِّه بلا توانٍ ولا تردُّد في ذبح وليده الوحيد الذي رزقه الله وقد بلغ من العمر ما يجاوز الثَّمانين عاماً.. ثم للأمِّ التي لم يثبُت عنها أي اعتراض، نعم للأمِّ وما أدراك ما الأمُّ..

ولقد كان إسماعيل عليه السَّلام النَّموذجَ الرَّائع القدوةَ للشَّاب الذي يدلف إليه ريعان الصِّبا، فيُمتحن - وهو على عتبة الشَّباب - فلا يبخل بنفسه امتثالاً لإرادة أبيه عملاً بأمر الله، وكان له من إيمانه بربِّه والصِّدق في طاعته، وطاعة أبيه: ما جعله يَستعلي على حبِّ الحياة، وهو أمرٌ غريزيٌّ فُطر المخلوق عليه، ويكون - فيما يصدر عنه، وهو في قمَّة الابتلاء - أقوى من كلِّ نوازع الهوى ورغبات الإنسان، خصوصاً ما يكون منها أيام الشَّباب حيث يكون سُلطانها أقوى وفاعليتها أشدَّ.

ويقول في قصَّة إشاعة مقتل النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام في أُحُد:
وعلى هذا فكيف يحقُّ لهؤلاء البررة الذين خاضوا معركة أُحُد ذوداً عن تلكم العقيدة ورغبةً في الشَّهادة في سبيل الله: أن يُلقوا السُّيوف عن عواتقهم استجابةً لشائعة مقتل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فهو عليه الصَّلاة والسَّلام خاتم المرسلين مبلِّغ رسالة هذا الدِّين، والرِّسالة باقيةٌ إلى يوم يبعثون.

كيف يحقُّ لهم أن يقعدوا عن متابعة القتال فينقلبوا على أعقابهم.. وسيوفُ الكفر مشرعةٌ تريد القضاء على الإسلام وأهله مستهدفةً البدء بقتل المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام! وكلُّ أذى يصيب دعوة الإسلام فإنما هو أذى للإنسانية جمعاء {وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرُّسل أفإن مات أو قُتل انقلبتُم على أعقابكم ومن ينقلب على عَقبَيه فلن يضرَّ الله شيئاً وسيجزي الله الشَّاكرين}.

أما بعد، فصحيحٌ أن الآيات تنزَّلت في شأن الجهاد يوم أُحُد، ولكن دلالة المعلم القرآني تتسع وتتسع، وتنذر وتحذِّر من أن القعود المتولِّد عن التماس المعاذير المتعجِّلة، عن أيِّ خطوةٍ من خطوات إحكام البناء الأمثل في ظلِّ شريعة الإسلام بأصولها وفروعها ومقاصدها العظيمة؛ مرفوض بحكم العقيدة والدِّين {أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم} ذلك بالنهاية سنَّة من سنن الله {إنَّك ميِّت وإنَّهم ميِّتون}..

ألا إن هذا المعلم القرآني بما يدعو إلى التَّحرك المنهجي المنضبط في ضوء الإيمان بما عند الله، وفي ظل قيم الإسلام ومبادئه التي تستعلي على محدودية الزَّمان والمكان والأشخاص: يحمل قضية كبرى مصحوبة ببرهانها المتمثِّل في أنَّ على كلِّ مكلَّف في دنيا المسلمين - ذكراً كان أم أنثى - تبعة الإسهام في بناء القوَّة الذَّاتية للأمَّة من حيث الطَّاقاتُ البشرية والاقتصادية والفكرية؛ لأن الرِّسالة هي الرِّسالة، ولأن الأمانة هي الأمانة، وحين تتفتَّح البصائر يتبدَّى للناظر المتدبِّر كأن هذا المعلم القرآني تتنزَّل كلماته غضَّةً طريةً اليوم لتشدَّ على يد الأمة في مُعترَكها ضد التخلُّف وسلطان المعتدين.

ويقول في نبأ الفتية المؤمنينَ أصحاب الكهف:
رأيتني وهذه الكلمات يجري بها قلمي الضَّعيف، بعد أن تأمَّلت فواتحَ سورة الكهف وخواتمها والآيات التي كانت واسطة العِقد بين الفواتح والقصَّة!

فالذي يبدو من خلال التَّصور الإيماني الدَّقيق لعملية البناء الجذري الذي تحكمه ضوابط الكلمة الطَّيبة ((لا إله إلا الله محمَّد رسول الله)) في المجتمع.. البناء الذي لا بدَّ أن يسبقه التَّعفية على عقابيل الضَّلال إزالةً للعوائق، حيث تكون جولة الباطل هي المستحكمة -: أن عناية القرآن بإبراز المقوِّمات الأولى لوجود أولئك الفتية المؤمنين المنعَم عليهم بزيادة الهدى، الذين قالوا: لا - بملْءِ أفواههم - في وجه الوثنية. وقالوا: لا -بكل شجاعة واعتزاز - في وجه الطُّغيان والفساد، وفوضى الفكر والعمل في المجتمع.. أن هذه العناية – بأسلوبها المعجِز - جزء من الصُّورة في إبراز ما اتَّصف به أولئك النَّفر من الشَّباب الذين يواجهون الحياة وهم في مُقتبل العمر!! حين واجهوا الواقع بثبات لا يعوزه الرضا وطمأنينة التَّسليم لأمر الله!

فهم فتيةٌ شرح الله صدورهم للإيمان بربِّهم، ذلك الإيمان المكين. وعلم -جلَّ شأنه- صدق هذا الإيمان وإخلاصهم فيه، فزادهم هدىً، وربط على قلوبهم، في مواجهة الباطل وأهله؛ فكانوا - بحقٍّ - النَّموذج الأمثل للشَّباب المؤمن الواعي، الذي لا يصرفه عن الموقف الإيماني صارفُ رَغَبٍ دنيويٍّ ولا رَهَب. وكل ما يطمح إليه: الظَّفر بمرضاة الله تعالى، وحسن العاقبة يوم الدِّين.

أما الجزء الآخر من الصُّورة: فيكمن - والله أعلم - في موقع صفاتهم من القصَّة بتمامها. وفي موقع القصَّة نفسها من سورة الكهف بكامل آيها.
وذلك يعطي المعلم القرآني تكامل ضيائه في هذا الموضوع على سلَّم الهداية التي هي المطلب الأسنى في آي الفرقان.

ذلك بأن فواتح السُّورة وخواتمها، والآيات التي كانت واسطة العِقد بين ما قصَّ الله من نبأ أهل الكهف والرَّقيم بالحقِّ، وبين ما تلاه في السُّورة نفسها، قد حملت المبادئ التي لا ينهض بأخذ الأنفس بها إلا أولو العزم والبصيرة الموفقون؛ ومن عيون هؤلاء البررة شبابٌ تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، فيندفعون بمنهجيةٍ واعيةٍ إلى تحقيق مقتضى الإيمان والوفاء بعهد الله، في أنفسهم وفي الآخرين ما أمكنهم ذلك.

ومقتضى الإيمان والوفاء بعهد الله الذي يعاهد المؤمن ربَّه عليه: منهجٌ ربانيٌّ يبعث يقظةَ العقول والقلوب في جوانب المجتمع كافة، فضلاً عما يُنشئ في نفس الفرد والجماعة من رغبةٍ ذاتيةٍ في البناء المرضي لله، المحكمة لبناته على نور من الله، وينمِّي- من خلال صلة العبد بخالقه الحكيم - روح التَّفاني في نصرة الحق، وإحلال اتِّقاء الله محل الرَّغبات الهابطة والهوى.

ويقول في أولي الألباب والبناء من سورة الرعد:
وليس من نافلة القول هنا: أن نزيد الأمر وضوحاً بالتذكير مرَّة أخرى بآية سورة الرَّعد مفتاح المسألة المطروحة في المعلم القرآني وهو قوله تعالى: {أفمن يعلم أنَّما أُنزل إليك من ربِّك الحقُّ كمن هو أعمى}.. الآية. حيث نرى من عطائها نفي التَّسوية بين الاثنين من طريق هذا الاستفهام التَّقريري الإنكاري؛ أي فهذا كهذا؟ لا استواء!!
إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي كان يضيء للإنسانية طريقها بهذا الدين بلاغاً وبياناً، لم يكن همَّه أن يجمع أكداساً من البشر، لا تعي رسالة الإنسان في الحياة، ولكنَّ همَّه أن يزيل الغشاوةَ عن الأعين، وتلك الحجبَ الجاهليةَ الكثيفة عن العقول والقلوب، ويقدم للدنيا كلِّها إنسان العقيدة الخالصة، الذي يقوى على بناء الحضارة المثلى لبني الإنسان؛ ولذلك –والله أعلم- خُتمت الآية بقوله تعالى: {إنَّما يتذكَّر أولو الألباب}.

أي إنما يتَّعظ ويعتبر ويعقل سوءَ ما عليه النَّاس من أمر الجاهلية، وما يجب أن يكونوا عليه حيث تشرق شمس الإيمان، وتتحرَّك العقول، وتنطلق الكفايات على طريق الحقِّ.. إنما يفعل هذا أولو العقول السَّليمة الصَّحيحة على هدي ما جاء به من أُنزل عليه الحقُّ من ربِّه محمَّد بن عبد الله عليه الصَّلاة والسَّلام. وذلكم هو التذكُّر الحقيقي الذي يجمع أطرافَ الفكر السَّليم والعمل السَّليم.
لقد كانت الآية مؤشِّراً واضحاً على طريقة التَّغيير الذي أراده صاحب الرِّسالة الخاتمة صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو يمزِّق بالهداية المستنيرة ظلام القرون في حياة الفرد والأسرة والمجتمع في أصقاع الأرض.

فالقادرون - بتوفيق الله - على أن يكونوا من جند تلك المهمَّة الكبرى: هم أولائك الذين يضعون أقدامهم على الطَّريق الصَّاعدة، بقلوبٍ متفتِّحةٍ إلى الخير، وعقولٍ تتجاوز التَّبعية البلهاء والتَّقليد الأعمى - ولو كان المتَّبَعون لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون - ولديهم من الشَّجاعة الذَّاتية ما يجعلهم - وهم ينصرون الحقَّ ويحرسونه ابتغاء مرضاة الله - يدورون مع هذا الحقِّ حيث دار، مهما كلَّفهم ذلك من ثمن، والله معهم ولن يترهم أعمالهم.

فالكتاب - كما يتبيَّن - دعوةٌ للشَّباب للسَّير على خُطى المرسلين والصالحين المصلحين في العمل والبناء، لينهضوا هم أنفسهم، ويسهموا في نهضة الأمَّة.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القصص القرآني
  • القصص في القرآن الكريم
  • الخطيب وقصص القرآن الكريم
  • أهل القرآن
  • 14 قرنا على أحسن القصص.. ومازال التحدي قائما
  • مسألة التعامل المنطقي والعقلي مع قصص القرآن
  • قصص القرآن ومصالح الإنسان
  • القصص القرآني: وقفات وعبر (2)
  • مقاصد القصص القرآني

مختارات من الشبكة

  • قصص فيها عبرة وعظة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة يوسف: دروس وعبر (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعريف القصة لغة واصطلاحا(مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
  • فوائد القصص في المجال الإعلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القصص التعليمية للأطفال(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- كتاب قيّم
بدر بن محمد عيد الحسين - سوريا 03-06-2007 12:52 PM
مع الشكر الجزيل للتّعريف بهذا الكتاب وما يحتويه من إشراقات مباركة نحن بأمسِّ الحاجة إليها... جزاكم الله خيرا
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب