• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

عرض كتاب: نحو تربية إسلامية راشدة (2)

عرض كتاب: نحو تربية إسلامية راشدة (2)
محمود ثروت أبو الفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2015 ميلادي - 8/4/1436 هجري

الزيارات: 6250

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عرض كتاب: نحو تربية إسلامية راشدة (2 - 2)

للأستاذ: محمد بن شاكر الشريف

 

مرحلة الطفولة في سِن التمييز:

هي المرحلةُ التي تمتدُّ مِن سنِّ السادسة أو السابعة تقريبًا، إلى قُبَيل البلوغ أو الخامِسة عشرة مِن عمره، وتشمل المرحلتين الابتدائيَّة والمتوسطة؛ أي: ما يُقارب تسع سنوات، قال ابن القيم: "ينشأ معه التمييزُ والعقل على التدريج شيئًا فشيئًا إلى سنِّ التمييز، وليس له سنٌّ معيَّن، بل مِن الناس ما يميِّز لخمس، كما قال محمود بن الربيع: (عقلتُ من النبي -صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مجَّها في وجهي من دلوٍ في بئرهم وأنا ابنُ خمس سنين)؛ ولذلك جُعلت الخمس السنين حدًّا لحِدَّة سماع الصبي، وبعضُهم يميِّز لأقل منها، ويذكر أمورًا جرَتْ له وهو دون خمس سنين، فإذا صار له سبعُ سنين دخَل في سنِّ التمييز وأمر بالصلاة، فإذا صار ابنَ عشر ازداد قوةً وعقلاً واحتمالاً للعبادات، فيُضرب على ترْك الصلاة كما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا ضَرْبُ تأديب وتمرين، وعند بلوغ العشر يتجدَّد له حالٌ أخرى يقوى فيها تمييزُه ومعرفته؛ ولذلك ذهَب كثيرٌ مِن الفقهاء إلى وجوب الإيمان عليه في هذا الحال، وأنَّه يُعاقَب على ترْكه، وهذا اختيار أبي الخطَّاب وغيره، وهو قول قوي جدًّا، وإن رُفِع عنه قلم التكليف بالفروع؛ فإنَّه قد أُعطي آلة معرفة الصانع والإقرار بتوحيدِه وصِدْق رسله، وتمكَّن مِن نظر مثله واستدلاله، كما هو متَمَكِّن مِن فَهم العلوم والصنائع ومصالح دُنياه، فلا عُذرَ له في الكفر بالله ورسوله، مع أنَّ أدلة الإيمان بالله ورسوله أظهرُ مِن كلِّ علم وصناعة يتعلمها.

 

وعدم ترتيب الأحكام عليهم في الدنيا قبلَ البلوغ لا يدلُّ على عدم ترتيبها عليهم في الآخِرة، وهذا القول هو المحكي عن أبي حنيفة وأصحابه، وهو في غايةِ القوَّة، ثم بعدَ العشر إلى سنِّ البلوغ يُسمَّى مراهقًا ومناهِزًا للاحتلام"[1].

 

المبحث الأول: الخصائص والمميزات:

1- التمييز: المراد به أنَّ للصبي إدراكًا وتمييزًا في تلك المرحلة العمرية، فيميز بين ما ينفعه وما يضرُّه من الأمور؛ بحيث يتمكَّن مِن الأكل وحْدَه باستِقامة، كما يعرف كيف يتطهَّر وحْدَه كذلك، وكيف يسْتُر عَوْرته عن الناس؛ أي: إذا كُلِّم بشيء مِن مقاصد العقلاء فَهِمه، وأحسن الجوابَ عنه[2].

 

وهذا الصبي المميِّز له أحكامٌ كثيرةٌ في الفِقه مترتبة على إدراكه، فنجد الفقهاءَ يعقدون أبوابًا عن حُكم إسلام الصبي المميِّز، وعن حُكم رِدَّته، وعن حُكم إمامته، وحُكم شهادته بدُخولِ شهر رمضان، وحُكم انعِقاد يمينه، وغيرها.

 

2- تعدُّد مصادر التربية والتَّوْجيه:

ببلوغ الصبي يبدأ خروجُه من المنزل يزداد، ويبدأ دور المؤثِّرات الخارجية في الظُّهور والتأثير، فيظهر دَور المعلِّم في المدرسة وأثره في التربية، وأثَر الاحتِكاك بالشارع والجيران، وهنا تظْهَر المشكلة، وهو إذا ما كانتْ هذه المصادر مختلفةً، وتعمل في اتِّجاهات متضادَّة لما يعلمه الأبوانِ للطفل في المنزل، فعلَى المربِّي أن يتحسَّب لذلك، ويقوم بعملية تحصين أوليَّة، بحيث يُلاحظ السلوك الجديد الذي يطرأ على الصبيِّ، ويتتبعه ويعرِف مِن أين اكتسبه، فإن كان سُلُوكًا حسنًا أشادَ به، وإنْ كان سيئًا فليعمل على تعديلِ المسار، والتقليل مِن أثَر المصادر الخارجيَّة، ومِن الواجب على الأبِ أن يحرِص على اختيار المدرسة التي ينتمي إليها ابنُه بادئَ الأمر.

 

3- تفتُّح المدارك ونموها: بالوُصُول إلى هذه المرحلة تتفتَّح مداركُ الصبي، فهو يُدرِك الزمن، كما يستطيع أن يُميِّز بين اليدِ اليمنى واليد اليُسْرى، قال معاذ بن عبدالله بن خبيب الجهني لامرأته: "متى يصلي الصبيُّ؟ فقلت: كان رجلٌ منَّا يذكُر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه سُئِل عن ذلك، فقال: إذا عَرَف يمينه مِن شماله فمُروه بالصلاة"[3].

 

ولا يَنبغي إهمال قُدْرة الصبي على التفكير، والنظر إليه على أنَّه قاصرٌ عن بلوغ ذلك المستوى، ففي هذه المرحلة تثور عندَ الصبي أسئلةٌ لم تكن تُثار من قبل، وقد لا يملك الجوابَ في بعض الأحيان، والموقِف الذي يَنبغي للمربي أن يسلكَه في هذه الحالة أن يتوصَّل للجواب بطريقة ذكية، بأن يقول: هذا سؤالٌ جيِّد، لنطرحَه على باقي إخوتك، فقد يفتح كلامُ أحد الأبناء أو التلاميذ طريقًا للجواب الصحيح، وهو مخرَج حسَنٌ للمربي؛ ليعطي لنفسه فرصةً للبحث عن جواب لسؤال الصبي، ويُمكنه أن ينتهزَها فرصةً إذا تعذَّر الجواب عنده لتعليمِ الصبي أنَّ فوق كل ذِي عِلم عليمًا، وأنَّ الناس يختلفون في علومهم، وأنَّ قولة: "لا أدري" تعويدٌ لعدم الجواب إنْ كان الإنسان لا يملك جوابًا صحيحًا لعدم إضلال الناس، أمَّا إذا كان السؤال محرِجًا أو يتعلَّق بأمورِ الرِّجال مع النِّساء، فمِن الأفضل أن يُجيبه المربِّي بنفسه بدلاً مِن التسويف، فقد يبحَث عن الجوابِ عندَ غيرك، ومِن الأشياء النافعة في ذلك أن يقتصر المربي على جُمَل قصيرة معناها مفهوم، لكن مضمونها مُجْمَل من غير الدخول في التفاصيل، وكذلك استخدام الكنايات، فقد كنى القرآن عن الجِماع بالمباشَرَة، كما في قوله -تعالى-: ﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، وكنى عن الجِماع بالرفث في قوله -تعالى-: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

 

4- تكوين العلاقات الاجتماعية: يبدأ الصبيُّ في تكوين علاقات اجتماعيَّة أوسَع مِن علاقاته السابقة القاصِرة على إخوته أو أقاربه، ومِثل هذا الاتجاه لا يَنبغي منعه؛ بل يَنبغي دعمُه وتأييده، حتى يتعوَّدَ الصبيُّ التعاملَ مع الناس، لكن على المربِّي أن يتنبه لنوعية تربية أصدقاء الصبي؛ وذلك لأثرِها على الصبيِّ في هذه المرحلة، وأن يُشيرَ عليه في موادَّة أصحابه الصالحين، ولهذا قالوا: "الصاحِبُ ساحِب"، وأبلغ منه قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((المرْءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدكم مَن يُخالِل))[4]، والخُلَّة: هي الصداقة والمحبَّة.

 

المبحث الثاني: العوائق والمشكلات:

ما يُلاقيه المربي من العوائق والمشكلات في هذه المرحلة هو نظيرُ ما لاقاه في المرحلة التي سبقتْها، وإذا كان المربِّي قد بذَل جهدًا طيِّبًا للتغلُّب عليها، فإنَّها تضمحلُّ - بعَون الله - مع تقدُّم عمر الصبي، لكن في هذه المرحلة قد تظْهَر مشكلاتٌ أخرى لم تكن تظهرُ مِن قبل؛ وذلك نظرًا للاحتكاك بالمجتمع الخارجي، وأخْطَرها على الإطلاق الصُّحبة السيِّئة، والتي قد يترتَّب عليها أمورٌ كثيرة: مثل شُرْب الدُّخان، أو الحصول على المجلاَّت الخليعة، أو أشرِطة الفيديو أو الحاسوب الفاسِدة، أو الأفلام الجِنسيَّة وما شابَه.

 

فيَنبغي للمربِّي أن يرشدَ ابنه أو مَن يُربيه إلى أنَّ الإنسان لا يُصاحب إلا مَن تكون صحبتُه دالةً على الخير، ويذكر له قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصحبْ إلا مؤمنًا))[5]، ثم يتعرَّف عن قُرْب على أصدقاء ابنه؛ ليكونَ على بصيرة مِن الأمر، وينبغي أن تكونَ للوالد زياراتٌ إلى المدرسة التي يتلقَّى ابنه فيها العِلم، ويسأل عنه مُعلِّميه، ويحرِص على أن يراه الابن في المدرسة، حتى يعلمَ بمتابعة أبيه له، لكن على المربي أن يحذر من التجسس عليه، بحُجَّة الرغبة في معرفةِ سلوكه، فالتجسُّس خُلُق ذميم، ونهت عنه الشريعة، فبدلاً من فتْح حقيبته في غيبته، قل له في غيبة إخوانه وأخواته أرني ما في حقيبتك إذا كان هناك ما يدعو للريبة، وإذا وجَد المربي معه قصصًا غير مناسبة أو مجلاَّت غير مقبولة، فله أن يبادر بوعْظِه ويبيِّن له ما في هذه الأشياء مِن المفاسد، وما يمكن أن يجلبَ عليه من ضَرَر في دِينه ودُنياه، ولا يَنبغي أن يبادر إلى سبِّه أو شتْمه أو ضرْبه، خاصَّة إذا كانت هذه أوَّلَ مرة يفعل فيها ذلك، وعلى المربِّي أن يأتي له بالبديل المناسِب خُلُقيًّا؛ لأنَّ المنع وحده لا يكفي.

 

المبحث الثالث: الأساليب والوسائل:

1- التربية بالأحداث: حيث يستغل الحدَث لترسيخ القِيم المطلوبة؛ حيث يكون بينها توافُقٌ وبين الحدَث الواقع، فيحدُث مِن جرَّاء ذلك فهمٌ عميق وتأثير كبير، لو نظَرْنا إلى سُنَّة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لَوجدْنا كثيرًا منها يستعمل هذا الأسلوب، في كثيرٍ من المواقف، فعندما أراد الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- أن يُحقِّر شأن الدنيا عندَ المسلمين ويُهوِّن أمرها لم يقل لهم - مثلاً -: إن الدنيا هيِّنة، وإنَّها لا تساوي شيئًا، لكنَّه عمَد إلى استغلال حدَث؛ ليرسخ هذا المعنى في نفوس أصحابه، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله تعالى عنهما: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته [أي: جانبه]، فمرَّ بجَدي أسكَّ [أي: ذاهب الأذن، سواء من أصل الخِلقة أو مقطوعها] ميِّت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: ((أيُّكم يحبُّ أنَّ هذا له بدرهم؟))، فقالوا: ما نحبُّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟! قال: ((أتحبُّون أنه لكم؟))، قالوا: واللهِ لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنَّه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟! فقال: ((فواللهِ للدُّنيا أهونُ على الله مِن هذا عليكم))[6].

 

2- تكوين المكتبات: يبدأُ الصبيُّ في هذه المرحلة تعلُّمَ القراءة والكتابة، ومِن المفيد في هذه المرحلة أن يبدأ المربِّي في تكوينِ مكتبة مناسِبة في محتوياتها وأسلوبها لقُدرات الصبيِّ حسب استعدادات المربِّي المالية، ولا بدَّ فيها مِن الانتِقاء والاختيار، ولا بدَّ مِن ترْك الحرية للطفل فيما يقرأ مع المتابعة والإرْشاد، وتهيئة الجوِّ المناسِب للمكتبة من حيثُ الهدوء ومكان للجلوس للقراءة، بحيث لا تكون مجرَّد "ديكور"، أو زِينة أمامَ الضيوف فقط.

 

3- تعويد الصبي البحث: مِن الأساليب المهمَّة في التربية أن يعودَ الصبيُّ على البحْث في هذه المكتبة؛ بحيث إذا سأل الصبيُّ المربِّي عن سؤالٍ ما، فيجب على المربِّي أن يرشده للبحث في المكتبة مع تيسيرِ البحْثِ عليه قدْرَ الإمكان، فالمعلومة التي سيحصلها الصبيُّ ستجعله يحسُّ بلذَّةِ البحْث والنجاح في الوصولِ لِمُبْتغاه، ومِن الأمور السيِّئة التي ينتبه لها بعضُ المربِّين هي حلُّ أسئلة المسابقات التي يشترك فيها الصبيُّ بغية الفوز، وربما حلَّ الواجبات المنزلية للصبي في بعضِ الأحيان، وبِصَنيعهم هذا يكونون قد خسِروا جزءًا مهمًّا من تربية الصبي، وأضاعوا على واضعي المسابقةِ هدفَهم منها.

 

4- تنظيم جلسة أسبوعية للمدارسة: مِن وسائل التربية التي يُهمِلها كثيرٌ من المربِّين تنظيمُ جلسة أسبوعية على الأقل، يجتمع فيها الصبيان - البنون والبنات - مع الوالدين للتربية والتعليم، وإشاعة صِلَة التراحُم والترابُط بين الإخوة والأخوات، مع تنظيمِ بعض المسابقات الثقافية أو العِلميَّة بينهم.

 

5- إثارة المنافسة: مِن الأساليب المهمَّة في حمل الصبيان على الجد والاجتهاد في التعلُّم أو التأدُّب أو التربية، إثارة رُوح المنافسة بينهم، وقد ورَد عن السَّلَف ما يدلُّ على ذلك؛ فعن سعيد بن جبير أنَّ امرأة أتت ابنَ عبَّاس بكتاب بعدَما ذهب بصرُه، فدفعه إلى ابنه فتبرَّأ منه [يعني: أن القراءة صعبُتْ عليه، فانقطع]، فدفَعَه إليَّ فقرأتُه، فقال لابنه: ألاَ هذرمتَه [الهذرمة: سرعة القراءة] كما هذْرَمه الغلامُ المصري"[7].

 

المبحث الرابع: الثواب والعقاب:

الثواب: الثواب على الأمور المحمودة مِن الأقوال والأفعال والتصرُّفات مما يَنبغي أن يعتني به المربِّي؛ قال الغزالي: "ومهما ظهَر من الصبيِّ خُلُق جميل وفِعل محمود، فينبغي أن يُكرَم عليه، ويُجازَى عليه بما يفْرَح به، ويمدَح بين أظهُر الناس"[8].

 

العقاب: مِن أكثر الأمور التي يُعاقِب عليها المربي في تلك المرحلة تَدنِّي درجات الطالب الدراسية، فلا بدَّ قبل العقاب معرفةُ سبب العقوبة، فقد يكون تدنِّي درجات الصبي نتيجةَ إهمال وكسل وتضييع وقت، فلا بدَّ مِن مراعاة ذلك الأمر وإصلاحه وحثِّ الطالب على الاجتهاد بالحُسْنَى، وربما كان هذا هو مستوى الطالِب العِلمي وقُدراته، فالعقاب هنا لن يُحسن حالَه، فلكل إنسان ملكاتٌ وطاقات، والصواب: أن نحاول استغلالَ طاقات الصبي الاستغلالَ الأمثل، وتشجيعه على النجاح فيها، بدلاً مِن تكليفه بما يُعدُّ في نظر الصبي - على حالته تلك - بالمستحيل.

 

ولا بدَّ في هذا الصدد أن نُوضِّح أنَّ مخاطبة العقل لا بدَّ أن تكون قبل مخاطبة الجِلْد والبشرة، وإذا لجأ المربي للعقاب البدني فلا بدَّ مِن التدرج في العقوبة؛ يقول الغزالي - رحمه الله تعالى -: "فإنْ خالف ذلك في بعضِ الأحوال مرَّةً واحدةً فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يُظهِر له أنه يتصوَّر أن يتجاسَر أحدٌ على مِثله، ولا سيَّما إذا سترَه الصبيُّ واجتهد في إخفائه، فإنَّ إظهار ذلك عليه ربَّما يُفيده جسارةً حتى لا يبالي بالمكاشَفة، فعندَ ذلك إنْ عاد ثانيًا فيَنبغي أن يُعاتَب سرًّا، ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إيَّاك أن تعودَ بعد ذلك لمثل هذا، وأن يطلع عليك في مِثل هذا فتفتضح بين الناس، ولا تُكثر القولَ عليه بالعتاب في كلِّ حين، فإنَّه يهوِّن عليه سماعَ الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقْع الكلام مِن قلْبه، وليكن الأبُ حافظًا هيبةَ الكلام معه، فلا يوبِّخه إلا أحيانًا، والأم تُخوِّفه بالأب وتَزْجُره عن القبائح"[9].

 

ولا بدَّ أن يعلم المربي أنَّ غرَضَ العقاب الإيلامُ مع عدم الإضرار، وأنه لتعديلِ السلوك لا الانتقام، وأنَّ العقاب درجات متفاوتة، قال ابن خلدون: "وقد قال محمَّد بن أبي زيد في كتابه الذي ألَّفه في حكم المعلِّمين والمتعلِّمين: لا يَنبغي لمؤدِّب الصبيان أن يَزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئًا، ومِن كلام عمر - رضي الله تعالى عنه -: "مَن لم يؤدِّبْه الشرع لا أدَّبَه الله"؛ حرصًا على صوْن النفوس عن مذلَّة التأديب، وعلمًا بأنَّ المقدار الذي عيَّنه الشرْع لذلك أمْلَك له، فإنَّه أعلمُ بمصلحته"[10].

 

ولا بدَّ في التفرِقة في العقاب بيْن ما فَعَله الصبيُّ جاهلاً بحُكمه، وما فَعَله متعمدًا، وإذا استعاذ الصبيُّ بمعوذ أو عاصِم أثناء العقاب، كأمِّه أو أحد الأقارب؛ فليعذه، فذلك يُعزِّز عنده فيما بعد مكانةَ الأم والأقارب.

 

المبحث الخامس: التَّوجيهات والنصائح:

1- اتخاذ مُرب للأولاد: قد لا تسمح أحوالُ المربِّين بالتفرُّغ التام لتربية أبنائهم؛ فيَنبغي لمن كانتْ له القدرة المادية أن يتَّخذ مربيًا صالحًا لأولاده، ولا يتركهم هملاً، قال ابن خلدون: "ومِن أحسن مذاهبِ التعليم ما تقدَّم به الرشيد لمعلِّم ولده، قال خلف الأحمر: بعثَ إلى الرشيد في تأديب ولدِه محمد الأمين، فقال: يا أحمر، إنَّ أمير المؤمنين قد دفَع إليك مهجةَ نفسه، وثمرةَ قلْبه، فصيَّر يدَك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجِبة، وكن له بحيث وضعَك أميرُ المؤمنين، أقْرِئْه القرآن، وعرِّفْه الأخبار، ورَوِّه الأشعار، وعلِّمه السُّنن، وبصِّرْه بمواقع الكلام وبدْئه، وامنعْه مِن الضحك إلا في أوقاته، وخُذْه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفْع مجالس القوَّاد إذا حضروا مجلسَه، ولا تَمُرَّن بك ساعة إلا وأنت مغتنِم فائدة تُفيده إياها، من غير أن تحزنَه فتُميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحتِه فيستحلِي الفراغ ويألفه، وقوِّمْه ما استطعتَ بالقرب والملاينة، فإنْ أباهُما فعليك بالشدَّة والغلظة"[11].

 

وقال عُتبةُ بن أبي سفيان لعبدِالصمد مؤدِّب أولاده: "ليكن أوَّل ما تبدأ به مِن إصلاح بَنِيِّي إصلاح نفسك، فإنَّ أعينهم معقودةٌ بعينك، فالحسَن عندَهم ما استحسنتَ، والقبيح عندهم ما استقبحتَ، وعلِّمهم كتابَ الله، ولا تُكرههم عليه فيملُّوه، ولا تتركهم منه فيَهْجُروه، ثم رَوِّهم مِن الشِّعر أعفَّه، ومِن الحديث أشرفَه، ولا تخرجهم من عِلم إلى غيره حتى يُحْكِموه، فإنَّ ازدحام الكلام في السَّمْع مضلَّة للفَهم، وتهَدَّدْهم بي، وأدِّبْهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفةِ الداء، وجنبْهم محادثةَ النساء، وروِّهم سِيَر الحُكماء، واستزدني بزيادتك إيَّاهم أَزِدْك، وإياك أن تتكل على عُذْر مني لك، فقد اتكلتُ على كفايةٍ منك، وزِد في تأديبهم أزدْك في برِّي - إنْ شاء الله تعالى"[12].

 

2- التقيُّد بالأدب النبوي: مِن الآداب النبويَّة الخاصَّة بهذه المرحلة ما جاءَ في حديثه -صلى الله عليه وسلم-: ((علِّموا أولادَكم الصلاة...)) الحديث، فيُعلِّمهم الصلاة عندَ السن المشار إليها (أمرًا)، أو قبلها (ندبًا) إنْ كان يعقل ذلك، فيُعلِّمهم كيفية الوضوء، ويَذكُر لهم مبطلاته، كما يُعلِّمهم الصلواتِ وأعداد الركعات في كلِّ صلاة، وكيفيتها ووقتها، ويدلُّهم على مبطلاتها... وما إليه، كما أمَر -صلى الله عليه وسلم- بالتفريقِ بينهم في المضاجِع في تلك السن، ومِن الأمور التي ينبغي التنبيهُ عليها في هذه السن ألاَّ تظهر البنت أمام إخوانها بملابس ضيِّقة كلبس البنطال مثلاً أو تعريةِ الذيل والكتفين، أو إظهار الفخذين أو الساقين، وما شابَه ذلك.

 

3- التدريب على إصلاح النفس: لا يَنبغي للمربِّي أن ينتظر بالصبيِّ حتى يبلغ، ثم يبدأ في تزكيةِ نفْسه وتنقيتها مِن عيوبها، بل يبدأ معه في ذلك مع بدايةِ سنِّ التمييز، ويبيِّن له أنَّ الله مطَّلع عليه لا يَخفى عليه من أمره شيء، وأنَّ الملائكة الكرام يكتبون له كلَّ شيء عمله من أمر الخير أو الشر، فيدعوه إلى فِعْل الخير، وترْك الشر ومُراقبة نفسه، ويبيِّن له كيف أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصَّى ابنَ عمِّه عبدالله بن عباس بمراقبةِ الله وحِفْظه في أمره ونهيه؛ فعن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما - قال: كنتُ خلفَ النبي - صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم - يومًا فقال: ((يا غلام، إنِّي أُعلِّمك كلمات: احفظِ الله يحفظْك، احفظ الله تجدْه تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِنْ بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتَبَه الله لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتَبَه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجَفَّت الصحف))[13].

 

4- الحفظ من القرآن: يَنبغي لنا - كمربين - أن نجتهدَ في حِفظ كتاب الله، وتحفيظه أولادَنا، وتُشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ للصبيان قدرةً كبيرة على الحِفظ في تلك السن[14]، وهذا يعني أن يستفيدَ المربُّون مِن تلك المقدرة في تحفيظِ الصبيان القرآن الكريم، وفي إلحاقهم بحلقاتِ تحفيظ القرآن المنتشرة في أغلبِ بلاد المسلمين، وليس على الصبي أكثرُ مِن أن يُردِّد القدر الذي يُراد حفظه عدَّةَ مرات، حتى يكونَ له حافظًا - بإذن الله تعالى[15]، وهذا يُؤيِّده القول المشتهر: التعلُّم في الصغر كالنقش في الحجر، ونجد أنَّ الإمام البخاري بوَّب في صحيحه: باب: تعليم الصبيان القرآن.

 

5- قَبول المبادرات من الصبي وتنميتها عن طريق الثناء والتشجيع: يُراد بالمبادرة الاستباقُ إلى اتخاذ تصرُّفٍ إزاءَ موقف حادِث مِن تلقاء نفس الصبي؛ أي: دون أن يطلب أحدٌ منه ذلك، كالمبادرة في العطف على محتاج أو مساعدة مسكين، وغيرها، ولا بدَّ مِن تشجيع الصبي على صنيعه هذا؛ لأنَّها تعمل على سُرعة إنضاج الصبي، وإحساسه بأنَّ له دورًا حيويًّا بين أفراد أسرته؛ فعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: كُنتُ في بيت ميمونة بنتِ الحارث، فوضعتُ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طَهورًا، فقال: مَن وضَع هذا؟ قالت ميمونة: عبد الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهمَّ فقِّهْه في الدِّين وعلِّمه التأويل))[16].

 

6- تجنُّب الإحباط والتثبيط: مِن الأساليب التي يَنبغي الحذرُ منها كثرةُ التوبيخ والتقريع، والتعيير ببعض الإخفاقاتِ السابقةِ التي تَعرَّض لها الصبي؛ فإنَّ ذلك سوف يُفقد الصبي - على المدى البعيد أو القريب - الثقةَ في نفسه، ويجعله متردِّدًا لا يكاد يُقدِم على شيء، فلا بدَّ للمربي أن يعمد إلى بثِّ رُوح النشاط في نفس الصبي، وأن يقوم بإبراز بعضِ الجوانب التي يتفوَّق فيها الصبي على أقرانه، أو بعض الجوانب التي يظهر فيها قدرته على العطاء، وأن يستغلَّ ميلَه لها لإرساء الجانب الإيجابي في نفْس الصبي؛ خاصةً في هذه المرحلة.

 

7- مراعاة تبايُن الأفهام (الفروق الفردية): استقبال الخِطاب وفَهْم المعنى يختلف مِن شخص لآخرَ حسبَ قدراته العقلية؛ لذلك يجب مراعاةُ ذلك الجانب ومخاطبة عقليَّة الصبي بما يستطيع فَهْمَه، وقد نبَّه على هذا الأمر كثيرٌ من العلماء مِن لَدُن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إلى يومِنا هذا، فها هو ذا الشاطبي - رحمه الله تعالى - يصف مَن: "يَتَبَجَّح بذِكر المسائل العلمية لمن ليس مِن أهلها، أو ذِكْر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقله إلا صغارَها "بأنه" على ضد التربية المشروعة، فمثل هذا يُوقِع في مصايب، ومِن أجلها قال عليٌّ - رضي الله تعالى عنه -: "حدِّثوا الناس بما يَفهمون، أتحبُّون أن يُكذَّب الله ورسولُه؟"، وقد يصير ذلك فتنةً على بعض السامعين"... إلى أن يقول - رحمه الله تعالى -: "فلا يصحُّ للعالِم في التربية العِلمية إلا المحافظة على هذه المعاني، وإلاَّ لم يكن مربيًا، واحتاج هو إلى عالِم يُربِّيه"[17].

 

ومِن الأساليب التي يتمُّ توصيل المعنى بها لعقل الصبي التمثيلُ أو التشبيه؛ فقد ذكَر ابن جرير في تفسيره عن رجلٍ أنَّه قال: "أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله (والضمير هنا يرجع إلى رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم) عن الصلاة الوُسطى، فأخَذ إصبعي الصغيرة، فقال: ((هذه الفجر، وقبَض التي تليها، وقال: هذه الظهر، ثم قبَض الإبهام، فقال: هذه المغرِب، ثم قبَض التي تليها، ثم قال: هذه العشاء، ثم قال: أي أصابعك بَقِيت؟ فقلت: الوُسْطى، فقال: أي صلاة بقيت؟ قلت: العصر، قال: هي العَصْر))[18].

 

8- الاعتِراف بالشخصية وعدم هضمه حقَّه بحُجَّة أنه صبي: تقدير الصبي والاعتراف بشخصيته أدَبٌ في التربية مارَسه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كما تدلُّ على ذلك تلك الواقِعة، فعن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: "أُتِي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقدح فشرِب، وعن يمينه غلام هو أحْدَث القوم، والأشياخ عن يَساره، قال: ((يا غلام، أتأذن لي أن أُعطي الأشياخ؟))، فقال: ما كنتُ لأوثر بنصيبي منك أحدًا يا رسولَ الله، فأعطاه إيَّاه"[19].

 

8- كفه عن الباطل: يَنبغي أن يعتني المربُّون بكفِّ الصبي عن الأمور الباطلة، ولا يحملهم عدمُ تكليفه على التهاون فيها، حتى لا يعتادها، فيضيع عمره فيها من غيرِ فائدة يجنيها، ولا يقدر على التخلص منها بعدَ التكليف، فيكون ذلك سببًا في هلاكه، قال ابنُ القيم: "وكذلك يجب أن يتجنَّب الصبيّ - إذا عقل - مجالس اللهو والباطل، والغناء وسماع الفُحْش، والبِدع ومنطق السوء، فإنَّه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقتُه في الكِبر، وعزَّ على وليه استنقاذُه منه، فتغيير العوائدِ مِن أصعب الأمور، يحتاج صاحبُه إلى استجداد طبيعة ثانية، والخروج عن حُكْم الطبيعة عسرٌ جدًّا"[20].

 

9- التعامل مع البيئة وعدم الانعزال: لا بدَّ للمربي أن يعوِّد الصبي على التعامل مع البيئة التي يحيا فيها بطريقةٍ صحيحة، حتى لا ينشأَ قعيدَ البيت لا يبرحه إلا في صُحبة والده أو أخيه الأكبر، فيعود الصبي على الخروج في أوقات الأمان للبقالة القريبة من الدار، وشراء بعض حاجيات المنزل؛ حتى يتمرَّنَ على ذلك، ويُنبه على آداب السير في الطريق؛ حتى لا يتعرَّض للحوادث، بأن ينظُر أمامه ولا ينظر خلْفَه إلا لحاجة، ولا ينشغل بالحديثِ مع الصبيان فيتلكأ في إحضار طلبات أمِّه، وهكذا.

 

ونَجِد مِن الهدْي النبوي في هذا الصَّدد حديثَ ثابتٍ عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: "أَتَى عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألْعَب مع الغلمان، قال: فسلَّم علينا فبعثني إلى حاجة، فأبطأتُ على أمي، فلما جئت، قالت: ما حبَسَك؟ قلت: بعثني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة، قالت: ما حاجتُه؟ قلت: إنها سِر، قالت: لا تُحدِّثنَّ بسرِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدًا، قال أنس: واللهِ لو حدثتُ به أحدًا لحدثتُك يا ثابت"[21].

 

10- مجالسة الكبار وحضور مجالس العلماء للتخلق بأخلاقهم: مِن الخطأ ما يفعله بعض المربِّين من تجنيبِ الأطفال مجالس الكبار؛ بحُجَّة أنهم أطفال غير مميزين، وقد كان السلَف - رضي الله تعالى عنهم - يَحرِصون على إحضارِ أولادهم لمجالس الكِبار والعلماء، في نفس الوقت الذي يلتزم فيه هؤلاء بأدبِ الجلوس مع الكبار، فينصت الولدُ ويستمع ولا يتكلَّم، ولو كان يعرف المطلوب، إلا إذا قصَد وطلب منه الكلام، وانظرْ إلى سَمُرة بن جُندُب - رضي الله تعالى عنه - وهو يقول: "لقدْ كنتُ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلامًا فكنتُ أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أنَّ ها هنا رجالاً هم أسنُّ مني..." الحديث[22].

 

11- تأهيل الصبي: الصبيُّ في غالِب بلاد المسلمين لا يكاد يعمل شيئًا غير الذَّهاب إلى المدرسة - إذا استثنينا أولادَ بعض الفقراء الذين يَكْدَحون من أجْل لقمة العيش - وهو بذلك لا يحسن القيام بأيِّ عمل ولو كان يسيرًا، وربما وجَد الصبي نفسه وهو يبلغ الثالثة والعشرين مِن عمره بعد نهاية دراسته ولا يُجيد أداء أيِّ عمل بيديه، فيُصبح عالةً على أبويه في هذه السن، فلا بدَّ للوالد أن يوجِّهه لتعلم حِرْفة، مثل أن يُعلمه حرفته التي يعملها ويستعين به في دُكَّانه أو محل عملِه في أوقات الإجازات، وقد كان السلفُ يُعلِّمون أولادهم السباحة، كما يعلمونهم الرماية لحاجتهم إليها في الجهادِ في سبيل الله، وكذلك ركوب الخيل "كتب عمرُ - رضي الله تعالى عنه - إلى أبي عبيدة أنْ عَلِّموا صبيانكم العوم، ومقاتلتَكم الرمي، قال: فكانوا يختلفون بين الأغراض"[23].

 

12- مُداومة المتابَعة: لا بدَّ للمربي مِن مداومة متابعة التربية مع ولدِه، ولا يكل ولا يمل في سبيلِ تربيه الصبي، وليكن ولدُه مشروعَه الذي يأمل في إخراجه للمجتمع؛ ليفيدَ أمَّته، وهناك نقطة لا بدَّ مِن التنبيه عليها، وهو ضرر المدارس الداخلية التي ينقطع فيها الصبيُّ للدراسة خمسة أيَّام أو سِتَّة أيام في الأسبوع، مما يُضعِف صلتَه بأهله، وانقطاع متابعة الوالدين أو ضعْفها مع ما يترتَّب على ذلك مِن مشكلات، والأَوْلى عدمُ دخول الأبناء هذه المدارس إلا للضرورة القُصْوى، مع ضرورة مُتابعة الولد متابعة شديدة مِن ناحية الجانب التربوي للمربِّي.

 

13- متابَعة المؤثِّرات الخارجية: في هذه المرحلة يكثُر احتكاك الطفل بالآخَرين في المدرسة والشارع، ويتعرَّض الصبي لأفكار قد تُعدُّ دخيلةً على مجتمعاتنا الإسلاميَّة، فيجب أن يكونَ المربِّي على تيقُّظ لما يظهر على الصبي مِن تغييرات غير مرغوب فيها، ويتفطَّن لذلك أشدَّ التَّفَطُّن، ويتابعها بحِكمة حتى يعرِف مصدرها ومِن أين جاءته، وعليه أن يعالج ذلك بالطريقة المناسِبة مِن قبل أن تتحكَّم هذه المؤثرات في عقلية الصبي أو سلوكه، فيصعُب بعد ذلك إزالتها منه.

 

14- إشراك الصبي في تحمل المسؤولية: في هذه السنِّ ينبغي إشراكُ الصَّبي في تحمل بعض المسؤولية، ولا ينظر إليه على أنه ما زال صغيرًا، وخاصَّة في السنوات المتأخِّرة من هذه المرحلة، وإذا لم يشاركْ في تحمل المسؤولية وهو قد أوْشَك أن يبلغ مبلغَ الرِّجال، فمتى يقوم بذلك؟!

 

فينبغي للمربي أن يعهدَ إليه ببعض الأمور بشأن إنفاقه، كمصروفٍ أسبوعي بدلاً من مصروف يومي، ومتابعته كيف يستغلُّه الاستغلالَ الأمثل، وكذلك ما يشابهه مِن أمور يفوِّضه فيها بالنسبة للمنزل أو المدرسة، ويَنبغي في الأمور التي يفوِّض إليه فعلَها أن يعوِّده على اتخاذ القرار؛ بحيث لا يَرجِع إليه في كلِّ شيء، كما لا يَنبغي للمربي أن يُحدِّد للصبي كل الخُطوات التي ينبغي عليه اتِّباعها في تنفيذِ ما عهد به إليه، بل يُرْشِده إلى ما يغلب على ظنِّه أن الصبي لن يتمكَّن منه، وأما بقية الأمور فيُعطيه فيها توجيهاتٍ عريضة، حتى يتعوَّد الصبي على القُدرة على اتِّخاذ القرارات والموازنة بيْن الأمور.

 

15- مبادرة المربي في التربية والتعليم: لا يَنتظر المربي وقوعَ الخطأ ثم يبدأ في علاجه، بل يبادر بالتربية والتعليم للصبي، ويجب على الأبِ أن يحدِّث الولد عن علامات البلوغ قبلَ سِن البلوغ بقليل؛ أي: الثالثة عشر أو الرابعة عشر مِن عُمره، وكذلك الأم تحدِّث ابنتها في تلك السن، وتعلمها كيفية التطهُّر مِن الجنابة، والتغيرات الجسَدية التي تتعرَّض لها الفتاة، وهكذا، بدلاً من أن يلجأَ الفتى أو الفتاة لوسائلَ خارجية للتعرُّف على ما يحدُث في جسده من نموٍّ.

 

16- الإنفاق وعدم التقتير: قد يلجأ الصبيُّ في حالة التقتير الشديد مِن والديه للسَّرِقة من المنزل أو الأصدقاء، أو الطلب والسؤال مِن زملائه؛ لتلبية احتياجاته مما يُضعِف شخصيته، فلا بدَّ للمربي أن يحاذر البخل على ولده، وكذلك عدم الإسراف حتى يحافظَ الطفل على كرامته منذُ صِغره، ولا ينظر لما في أيدي أقرانه، يقول ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى -: "ويَنبغي لوليه أن يُجنبه الأخْذَ مِن غيره غاية التجنُّب، فإنه متَى اعتاد الأخْذَ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطي"[24].

 

17- سَعَة صدْر المربي مع التفرُّغ للتربية: في منتصف هذه المرحلة وما بعدَها تنمو عندَ الصبي الرَّغْبة في المشاركة بإبداء الآراء والاقتراحات، كما توجَد عندَه الدوافع لمزيد مِن التساؤلات والاستفسارات، فلا بدَّ للوالد ألاَّ ينشغل عن الابن وأن يحدِّد له وقتًا ليلبي فيه احتياجاتِه، ويجيب عن أسئلته، ويُشارِكه أموره وما يُفكِّر فيه.

 

18- استخدام المصطلحات الشرعية: في المرحلة السابقة قد يكون مِن المقبول أن يُقال للطفل: هذا أمرٌ طيِّب ومناسب، لما هو عندَ الوالدين مِن الأمور المرغوب فيها، كما يقبل قول: هذا عيْب أو ما شابَه ذلك، لما هو مرغوبٌ عنه، أمَّا في هذه المرحلة فيَنبغي استعمال المصطلحات الشرعيَّة، فإنَّها تؤهِّله لمرحلة الرُّجولة، فيُقال: هذا حلالٌ وهذا حرام، وهذا مستحبٌّ، وهذا مكروه، وهكذا، مع ذِكْر آية أو حديث يُدلِّل على ذلك.

 

19- التدبُّر والتأمُّل والتعليل: من المهمِّ تعويد الطِّفل على التدبُّر والتأمُّل في تلك المرحلة، وربْط الأسباب بالنتائج، فالصبي يتعامَل مع الكون مِن حوله: مع الشمس وطلوعها المستمر مِن مشرقها وغروبها آخِرَ النهار، لكنَّه قدْ لا يفطن لأنْ يتدبر هذا الحدَث العظيم، فمن الذي يسيرها؟ وكيف تسير؟ وأيَّة قوة تلزم لتسييرها وضبْطها هذا الضبطَ العجيب؛ بحيث لا تتخلَّف عن سيرها أبدًا؟ ونجد سيِّدنا إبراهيم قد سلَك هذا الطريق منذ حداثتِه للوصول للإيمان؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 76 - 78].

 

20- الاستقلالية وعدم التقليد: مِن الأمور التي قد يقَع فيها الصبي رغمَ التربية وجهد المربي التقليدُ، ويقع التقليد فيما هو مرغوب، كقصَّات الشَّعْر أو في الملابس وغيرها، فيَنبغي على المربي أن يبادر بحضِّ الصبيِّ على عدم ارْتكاب هذا الفعل، وعدم العودة له ثانية، وإعلامه أنَّ هذا ليس مِن آداب دِيننا الإسلامي، وأنَّ الله أبدلَنا ما هو خيرٌ منه، ووعظه بالحديثِ النبوي ((مَن تشبَّه بقوم فهو منهم))[25]، وغيرها مِن الآداب النبوية.

 

مرحلة بلوغ الحلم:

هي مرحلةُ سن التكليف، وتُعرَف بالعلامات، أو ببلوغ سنِّ الخامسة عشر، قال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "فإذا بلَغ خمسَ عشرة سَنَةً عرَض له حالٌ آخر، يحصُل معه الاحتلام ونبات الشَّعر الخشن حول القُبل، وغلظ الصوت، وانفراد أرنبة أنفه، والذي اعتبرَه الشارع من ذلك أمران: الاحتلام، والإنبات، فإذا تُيِقِّن بلوغه جرَى عليه قلم التكليف، وثبَت له جميع أحكام الرجل، ثم يأخُذ في بلوغ الأَشُدِّ"[26].

 

وهي مرحلةُ بلوغ العقل للكمال؛ الذي يجب به التكليف؛ فإنَّ العقل هو مناطه، والبالِغ هو شخص اكتملتْ قواه العقلية والجسمانيَّة، وتقوم عليه بذلك الحُجَّة، كما اكتملتِ انفعالاته بحيث يستطيع توجيهَها الوجهةَ الصحيحة، وضبطها على ما حدَّه الشارع.

 

وهناك تعريفٌ خاطئ للبالِغ في هذه المرحلة وهو "المراهق"، فالمراهِق في عُرْف علماء التربية شخص يمرُّ بمرحلة عمرية وسط، ما بيْن توديع فترة صباه، وبدايات بلوغه العَقلي والجسماني؛ وذلك يستدعي - في عُرْفهم - وجود انفعالات واضطرابات سيكولوجيَّة نفسيَّة، وعدم اتزان نفسي، وعدم تناسُق عضوي، وهو وإنْ صدَق على بعضِ المجتمعات الغربية التي تُعاني انهيارًا واضحًا على المستوى الاجتماعي، فلا يصدق على الطفل المسلِم الذي تعهَّده والدُه بالتربية الإسلامية الرشيدة منذُ حداثة عهده؛ بحيث يكون الطفلُ في تلك المرحلة المهمَّة بالِغًا ذُرَا الفضل، بل في غاية الفضل، وهو النموذج الصحيح الذي يَنبغي أن نؤكِّد عليه في المجتمع المسلم؛ قال -تعالى-: عن أهل الكهف: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]، وقال عن سيِّدنا إسماعيل - عليه السلام - بعدما بلَغ السعي، وهو سعيُ العقل الذي تقوم به الحُجَّة: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

 

المبحث الأول: الخصائص والمميزات:

1- البلوغ: هو اكتمالُ آلة التفكير عندَ الصبي وهو العقل، وبه مناطُ التكليف، وبلوغ الحُلُم هو العلامة الدالة على اكتمال العقل الذي يجب به التكليف، وفي هذه المرحلة تتحرَّك مشاعر الفتى أو الفتاة نحو الجِنس الآخر، وليس في هذا مشكلة؛ إذ علامة الرجولة والأنوثة أن يوجد هذا الأمر، ولكن المشكلة تَظْهر عند عدم ضَبْط هذا الموضوع بالضابط الشرعي الذي يجعَل الأمورَ كلَّها في مسارها الصحيح، والواجب على المربِّين أن يَحرِصوا على التمسُّك بهذا الضابط، والحِرْص على التقيُّد به، والتي مِن أهم وسائله: عدم الاختِلاط بيْن الجنسَيْن، والتزام البنات باللِّباس الشرعي عندَ الحاجة إلى الخروج، والزواج المبكِّر عندَ القدرة، واللجوء إلى ما يَكسِر الشهوة عندَ عدم القُدرة على تحمُّل أعباء الزواج، واستخدام عبادة الصِّيام في تحقيق ذلك، مع الابتِعاد عن مشاهدةِ أو قراءة ما يُثير الغرائز، وصرْف الطاقة فيما ينفَع.

 

2- التكليف: بوصولِ الإنسان لمرحلة البلوغ، تبدأ مرحلةُ التكليف؛ حيث تنمو قواه العقلية والجسمانية والانفعالية، فالنموُّ الجسدي ضرورةٌ للقدرة على القيام بالتكاليف، والنموُّ العقلي ضرورةٌ للقدرة على عقْل الحجَّة وتبيُّن دلائل الرَّشاد ومسالك الضلال، كما كان النموُّ في الانفِعال ضرورةً ليدفع الإنسان للتمسُّك بالحقِّ ونبْذ الباطل، إلى جانبِ أنَّ التربية الإسلامية الرشيدة مِن مقتبل العُمر تُقوِّي جانب الفطرة التي فطر الله الخَلْق عليها، وبذلك يصبح الفتى لبنةً صالحة في بناء مجتمعه الإسلامي.

 

3- الجُرأة والإقدام وتحدِّي الصعاب: نظرًا للتطورات الجسَدية التي تَلْحَق بجسم الفَتَى في هذه المرحلة، وما يَظْهَر له مِن قُدرته على التفكير، يتولَّد لديه شعورٌ بالقوَّة والقُدرة؛ قال الله - تعالى-: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]، فينتقل مِن ضعْف الطفولة إلى قوة الفتيان والشبيبة، وشعوره بالقوَّة والقُدرة يدفعانِه إلى الإقدام واقتحام الصِّعاب، وقد وجَدْنا نماذجَ كثيرةً من الصحابة في التاريخ الإسلامي تتحدَّى الصعاب وتشارك في الجهاد في سبيل الله، وهم بعدُ فتيان، حتى إنهم ليحتالون في المشاركة في بعضِ الأحيان، فعن سَمُرة بن جُندب - رضي الله عنه - قال: "أيَّمت أمِّي وقدِمت المدينة فخَطَبها الناس، فقالت: لا أتزوَّج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيمَ، فتزوَّجها رجل من الأنصار قال: فكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض غلمان الأنصار في كلِّ عام فيلحق مَن أدرك منهم، قال: فعرضت عامًا فألحق غلامًا وردَّني، فقلت: يا رسولَ الله، لقد ألحقته ورددتَني ولو صارعتُه لصرعته، قال: ((فصارعه))، فصارعتُه فصرعتُه، فألحَقَني"[27].

 

المبحث الثاني: العوائق والمشكلات:

مما سبَق من بيان مراحِل تربية الفتى تربيةً إسلامية رشيدة، فإنَّ العوائق والمشكلات السابِقة يمكن أن تكونَ قد اختفتْ أو اضمحلَّت، ولكن يمكن أن تظهرَ بعض المشكلات بسبب بلوغ الفتى أو الفتاة الحُلُم، وهي لا تنشأ إلا مع عدمِ التربية الجيِّدة، أو لا تنشأ إلا بسببِ فساد البيئة التي يحيا فيها الفتى أو الفتاة؛ بحيث قد يلجأ الفتى أو الفتاة في هذه الحالة لقضاء الوطَر بغير الطريق المشروع، ومِن أساليب حلِّ الشريعة لبوادر هذه المشكلة ما يلي:

1- قرار النِّساء في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لحاجةٍ مشروعة.

 

2- انضباط المجتمع على أمْر الله -تعالى- في لباس النِّساء عندَ خروجهنَّ للحاجة المشروعة من التستُّر وعدم إظهار الزِّينة.

 

3- غض البصر فلا ينظر إلى ما حرَّم الله -تعالى- النظر إليه.

 

4- حِفْظ الفَرْج مِن أن ينكشِف أو أن يُرَى أو أن يلمس.

 

5- عدم الاختلاط بين الفِتيان والفتيات، سواء في الطُّرُقات أو البيوت أو المصالح.

 

6- منْع الخلوة؛ أي: لا يختلي فتى بفتاة؛ لأنَّ الشيطان ثالثهما، فيوسوس لهما بما لا يحلُّ ويدفعهم إلى ذلك دفْعًا، ويؤزُّهم إليه أزًّا.

 

7- التبْكير بالزواج وعدم تأخيره، ما دامتْ هنالك قُدرة على القيام بمُتطلباته، مع مراعاة العوامل التي تكون سببًا في دوام العِشْرة وعدم انقطاعها.

 

8- الصيام لمَن لا يستطيع الزواج.

 

9- البُعد عن المثيرات؛ كالقصص والأفلام، والأغاني والموسيقا.

 

10- تجنُّب الوحدة والعُزلة؛ لأنَّها مما يسهل استيلاء الشيطان على الإنسان.

 

11- العناية بالرياضات المباحة لتصريفِ الطاقة.

 

12- التكليف بالمهام وشغله بالمسؤوليات.

 

13- الرفقة الصالِحة التي تتعاون على البرِّ والتقوى، ولا تتعاون على الإثم والعدوان.

 

14- العناية بالعبادات التي تجْعَل الإنسان يحسُّ بقربه مِن الله؛ كقيام الليل، وقراءة القرآن.

 

15- تقوية جانب الحياءِ مِن الله تعالى.

 

16- تقوية جانب المراقبة؛ فالله مُطَّلع على العبد لا يَخْفى عليه مِن أمره شيء.

 

17- الإلحاح على الله -تعالى- في الدعاء، ومسألته حِفظَ الذرية من البنين والبنات.

 

المبحث الثالث: الأساليب والوسائل:

تربية الفتى في هذه المرحلة عملٌ مشترَك بينه وبين مَن يربيه: بالتعليم، وبالموعظة، وبالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، وبضرْب الأمثال، التي استخدمها القرآن كثيرًا في إقامة الحُجَّة على المخالفين، الذين لا يُؤمنون باليوم الآخِر ولا يصدِّقون بالبعث بعد الموت، وقد قال الله -تعالى- في هذه الأمثلة: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43]، كما يمكن الاستفادةُ مِن رغبة الفتى في الاستكشاف والاستطلاع، في تربيته وتنمية معارفه، سواء باستخدام التجرِبة، أو القراءة والمطالعة، أو الرحلات، وخاصَّة الرحلة لطلب العلم.. وغيرها.

 

المبحث الرابع: الثواب والعقاب:

العقاب: ببلوغ الصبي مرحلةَ التكليف، صارتْ مخالفاته مكتوبةً عليه، وينضبط بأحكامِ الشرع، وبعض هذه المعاصي تستوجب في الدنيا إقامةَ الحدِّ، وبعض المخالفات لا حَدَّ فيها، وإنما ينبغي للمربي أن يمنعَه عنها إذا عَلِم بها ولو بالعقوبة، لكن العقوبة هنا ليس المراد منها الضَّرْب، فقد تكون بالزجْر، وقد تكون بإظهار الغَضَب، والتخويف بعدم الرِّضا، وقد تكون بالهجر أو المقاطعة لمدَّة يوم أو يومين، حتى لا يكون ترْكه مدعاةً للتمادي؛ فعن عبدالله بن عمرَ قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تمنعوا نِساءَكم المساجد إذا استأذنكم إليها))، قال: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهنَّ، قال: فأقبل عليه عبدُالله فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أُخبرك عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وتَقولُ: واللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ؟!"[28]، ونجد كثيرًا مِن الآباء يَلْجَؤون لأساليبِ عقاب خاطئة ضررُها في التربية أشد، ومنها على سبيل المثال:

أ - الحِرمان: بحيث يحرمه من النفقة أو يمنعه مِن دخول البيت، فيكون هذا أحدَ الحلول السهلة السريعة لدخول الفتى رحلةَ الانحراف، والانسياق فيها، مع زملاء السوء، وبعدها لا يستطيع الأب استرجاعَه ثانية، واحتواءه داخل البيت، وأنَّى له؟!

 

ب - الدعاء عليه: فقد جاء عنِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاث دعوات مستجابات...))، وذكَر منها دعوةَ الوالد على ولده؛ بل يجب الدُّعاء له بالخير والفَلاح، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تدْعوا على أنفسكم، ولا تدْعوا على أولادِكم، ولا تدعوا على أموالِكم؛ لا توافقوا مِن الله ساعةً يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم))[29].

 

جـ- المؤاخذة له أو تعنيفه أمامَ إخوانه وأخواته الصغار.

 

د- الاحتقار وعدم التقدير.

 

هـ- التهوين مِن قدْر المخالفة أو المعصية: حتى لا يستسهل ذلك ويعتاده، وانظرْ إلى ذلك الرجل الذي جامَع امرأتَه في رمضان، وقدْ جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستفتيًا، تقول عائشةُ - رضي الله تعالى عنها -: أتَى رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد في رمضان، فقال: يا رسولَ الله، احترقت احترقت، فسأله رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما شأنه؟ فقال: أصبت أهلي، قال: ((تصدَّق))، فقال: والله يا نبي الله، ما لي شيءٌ، وما أقْدِر عليه، قال: ((اجلس))، فجَلَس فبينا هو على ذلك أقْبل رجلٌ يسوق حمارًا عليه طعام، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أين المحترِق آنفًا))، فقام الرجل فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدَّق بهذا))، فقال: يا رسولَ الله، أغيرنا فوالله إنا لجياعٌ ما لنا شيء؟ قال: ((فكلوه))"[30].

 

فالشاهد مِن هذا الحديث: أنَّه مع أنَّ الرجل جاء معترفًا بخطئه، لم يهوِّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه معصيتَه، بل قال عندما أراد أن يسأل عنه: ((أين المحترق آنفًا؟))، ممَّا يبيِّن عدم تهوينه لشأن تلك المعصية، وأنَّ مِن شأنها أن تقود إلى النار التي تحرِق الإنسان، وهو ما يَنبغي مراعاته مِن المربي كذلك مِن عدم تهوينه حجمَ المعصية أمام الصبي، دون تعيير للصبي إذا جاء مقرًّا به.

 

و- البَحْث عن الأخطاء والمواجَهة بها، وعدم تصديق أو قَبول الاعتذار: لا يَنبغي للمربي التجسُّس وراءَ أخطاء الصبي كمَن يبحث عنها قاصدًا، وإذا حدَث وواجهه بذنب واعتذَر له بعُذْر يصلح أن يكون عُذرًا في الظاهر، فلا يَنبغي للمربي أن يواجهه بقوله: إنَّك كاذب، أو نحو ذلك، بل لا بدَّ أن يكون رقيقًا في تربيته إياه، فربما دفَعَه هذا للإحساس بالخَجَل والإقلاع عن الذنب، وخاصةً إذا كان حسنَ التربية كما أسلفنا، وهذا ما نُلاحظه في قصَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع خوَّات بن جُبير، فعن زيد بن أسلمَ يحدث أن خوَّات بن جُبَير، قال: "نزلنا مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ الظهران قال: فخرجت مِن خِبائي، فإذا أنا بنسوة يتحدثنَ فأعجبنني فرجعتُ فاستخرجتُ عيبتي، فاستخرجت منها حلة فلبستُها وجئت فجلستُ معهنَّ وخرَج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن قُبَّته، فقال: ((أبا عبدالله ما يجلسك معهنَّ؟)) فلما رأيت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- هبته واختلطت، قلت: يا رسولَ الله، جملٌ لي شرد فأنا أبتغي له قيدًا، فمضى واتبعتُه فألقى إلي رِداءه ودخَل الأراك كأني أنظر إلى بياض متْنه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضَّأ فأقبل والماء يَسيلُ مِن لحيته على صدره - أو قال: يقطر مِن لحيته على صدره - فقال: ((أبا عبدِالله، ما فعل شراد جملك؟)) ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال: ((السلام عليك أبا عبدِالله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟)) فلما رأيتُ ذلك تعجلتُ إلى المدينة واجتنبتُ المسجد والمجالسة إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فلما طال ذلك تحينتُ ساعة خلوة المسجد فأتيتُ المسجد فقمتُ أُصلِّي، وخرَج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن بعض حُجَره فجأةً فصلى ركعتين خفيفتين، وطولت رجاءَ أن يذهب ويدعني، فقال: ((طوِّل أبا عبدالله ما شئتَ أن تطوِّل فلستُ قائمًا حتى تنصرفَ))، فقلت في نفسي: والله لأعتذرنَّ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأبرئن صدره، فقلت: والذي بعثَك بالحقِّ ما شرد ذلك الجمل منذُ أسلم، فقال: ((رحمِك الله - ثلاثًا)) ثم لم يعد لشيءٍ مما كان"[31].

 

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ظهَر له من شواهد الحال أنَّ الاعتذار غير صحيح، لكنَّه في الوقت نفسه لم يبادرْ بتكذيبه، إنما جعَل كلما لاقاه يُذكِّره بفعلته تلك عن طريق تَكْرار السؤال، حتى اضطرَّه ذلك إلى الاعتراف بما فعَل، ولما حدَث منه الاعتراف دعا له، ولم يعد للسؤال مرةً أخري؛ لأنَّ التعيير بعد الاعتراف ليس مِن سُنَّة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

المبحث الخامس: التوجيهات والنصائح:

1- العناية بقَلْب الفتى: لا بدَّ مِن تزكية قلْب الفتى، فالقلب كما أخبَرَنا الرسولُ - صلى الله عليه وسلم- مُضغة ((إذا صَلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسَدَ الجسدُ كلُّه))[32]؛ وذلك بِتَعْويده على قيامِ الليل، فقد تربَّى على قيام اللَّيْل جيل الصحابة الأوائل الذين على سواعدهم قامتْ دولة الإسلام، وكم يكون شيئًا جميلاً أن يُوقِظ الأب أبناءَه كلاًّ حسب طاقته؛ ليصلِّي معه ركعَتين في اللَّيل، ويتناوب مع ابنه الإمامةَ إذا كانَا حافظين، وكذلك إعادة أمور الآخِرة والعقيدة على سمْع الفتى كلَّما أمكن، وتزكية قلْب الفتى بِقَصِّ قَصص أنبياء الله عليه، وما لاقوه مِن الشدائد في تبليغِ دعوةِ الله، وهلم جرًّا.

 

2- التمَسُّك بالكتاب والسنة: هنالك أفكارٌ ونظريات قادمِة من مجتمعات غير إسلامية، تُنشَر بعضُها في الكتب أو وسائل الأعلام، وبعضها ربَّما يدسُّه في بعض المناهج الدِّراسية في بعض بلادِ المسلمين، فلا بدَّ مِن مُجابهة المربِّي ذلك الغزو الفكري بالعودة إلى نهْج سلفنا الصالح، وبيان مخالفةِ تلك الأفكار للكتاب والسُّنة، ويستعين على ذلك بالكتيِّبات الصغيرة المؤلَّفة في ذلك، التي تبيِّن فسادَ تلك النظريات بطريقة ميسَّرة.

 

3 - الحوار والإقناع: مُحاولة فرْض اجتهادات المربي وآرائه وتصوُّراته مِن غير إقناع لن تكونَ مجديةً في تلك المرحلة، فعلى المربِّي أن يَعرِض وجهة نظره في الأمور العملية على أولاده ويستشيرهم فيها، ويُشاركهم ما يَفْتح الله عليهم به مِن أفكار قد تكون الأصلحَ مِن رأي المربي.

 

4- الوعْظ مع بيان العِلَّة أو الحِكمة: فالموعظة مع التعليل وبيان السبب هي الأنفع لفِكر الصبي في تلك المرحلة؛ رَوى الإمام أحمد في مسنده عن أَبي أُمامةَ، قال: إنَّ فتًى شابًّا أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، ائذنْ لي بالزنا، فأقبل القومُ عليه فزَجَرُوه قالوا: مَهْ مهْ! فقال: ((ادنُهْ فدَنا منه قريبًا))، قال: فجلس، قال: ((أتحبُّه لأمِّك؟)) قال: لا واللهِ، جعَلني الله فداءَك، قال: ((ولا الناسُ يُحبُّونه لأمهاتِهم))، قال: ((أفتُحبُّه لابنتك؟))، قال: لا واللهِ يا رسولَ الله، جعلني الله فِداءَك، قال: ((ولا الناسُ يُحبُّونه لبناتهم))، قال: ((أفتُحبُّه لأختك؟))، قال: لا واللهِ جعَلني الله فداءك، قال: ((ولا الناسُ يُحبُّونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبُّه لعمَّتِك؟))، قال: لا والله جعَلني الله فداءَك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لعماتهم))، قال: ((أفتُحبه لخالتك؟)) قال: لا واللهِ جعَلني الله فداءَك، قال: ((ولا الناسُ يُحبُّونه لخالاتِهم))، قال: فوضَع يده عليه، وقال: ((اللهمَّ اغفرْ ذنبَه، وطهِّرْ قلبَه، وحصِّن فرْجَه))، فلم يكن بعدَ ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"[33].

 

5- الوعظ والمصادَقة: لا بدَّ أن تكون العلاقة بين الفتى والمربي - الأبوين والمعلِّم - علاقة جيِّدة، فيها التقديرُ والاحترام، وعدم التنقُّص والازدراء، وفيها الحِرْص على الفتى والرحمة له، فإنَّه يلجأ في هذه الحالة إلى المربِّي يستشيره ويعرِض عليه أمرَه، ويتقبَّل منه ما يُدلي به من نصائح إرشادات؛ لذلك كان على الأبوين والمعلِّم أن يحرِصوا في هذه المرحلةِ على الاقتراب مِن الفتى، وإيجاد قنوات الاتِّصال الصالحة، والتعرُّف عن قُرْب عمَّا يُمكن أن يكونَ في داخله.

 

6- دورة في الطَّهارة: ببلوغ مرحلةِ الحُلُم يحتاج الفتى والفتاة إلى حديثٍ خاصٍّ عن أحكام الطهارة التي تتعلَّق بكلٍّ منهما، ومن المناسِب تنظيم دورة في أحدِ المساجد عن أحكام الطهارة للبالِغين، يُعطيها للفتيان أحدُ الشيوخ، بينما تُعطيها للفتيات إحدى الداعيات.

 

7- أدخلوه في مجتمع الرِّجال: مَن ظهرت عليه علاماتُ البلوغ فهو رجل، ويَنبغي أن يقبل في مجتمع الرِّجال على هذا الأساس، وأن يُعامل مِن خلال هذه النَّظْرة، ولا تَنبغي معاملتهم على أنهم ما زالوا أطفالاً، وكذلك الفتيات، وهذا سوف يُعزِّز دورهم كرِجال أو نساء، وسرعة إدماجهم في مجتمع الكبار.

 

8- الإشراك الفِعلي في تحمُّل المسؤولية: يستشير المربي ابنَه في كثيرٍ مِن الأمور ويناقشه، ويعمل بقوله إنْ بدَا فيه الصواب، فإنَّ استشارة المربي للفتى تجعله يشعُر بأن له قيمة، وأنه أهل لأن يُعتمدَ عليه، مما يُقوِّي إحساسه بالمسؤولية ورغبتَه في القيام بها وتحمُّل تبعاتها، فيجهد فِكره ورأيه للوصولِ إلى الأكثرِ صوابًا من الأمور، ولا بدَّ للمربي من أن يستفيدَ منه في مصالحه، حتى يعتادَ عليها ويصير سندًا لوالده أو المربي، كما يجب الحذرُ بخصوص استخدام (السيَّارة) في قضاء مصالِح الأُسرة، فلا يسمح له بقيادتها إلا إذا أتْقَن قيادتها تمامًا، وأثبت للمربي سلامةَ تصرفاته واستقامتها وعدم خروجِها عن المألوف.

 

9- مراعاة الرغبة والإقبال في التوجيه إلى العِلم والمعارف والمهَن: نظرًا للحالة التعليميَّة في كثيرٍ من بلاد المسلمين، فإن التخصُّص لا يبدأ إلا في هذه المرحلة تقريبًا، وكثير مِن المربين يحاولون توجيهَ أبنائهم إلى الدراسات التي يرون أنها أعْلَى شأنًا من غيرها، أو المهن ذات المردود الأعلى، من غير نظرٍ إلى رغبة الابن أو استعداده وقدرته، فيَقْسِرونه على ذلك قسرًا، مما يؤدِّي في كثيرٍ من الأحيان إلى الإخفاق في تحقيقِ ما يرجونه من النتائج، وإخفاق الابن، بل وكُرْهه لأهله بعد ذلك، وتحميلهم سببَ إخفاقه في حياته، ينبغي- هنا - أن نقول: إنَّ كلَّ علم نافِع أو مهنة مفيدة أيًّا كانت الدرجة التي تحتلُّها تحتاج إليها الأمَّة، وإذا تميَّز فيها الولدُ فقدْ يجني مِن ورائها أعظمَ ممَّا يجني مِن تخصُّص لا يرغب فيه ولا يجد له قَبولاً، ولابن القيِّم كلام نفيس في هذا؛ يقول - رحمه الله -: "وممَّا ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعدٌّ له مِن الأعمال ومُهيَّأ له منها، فيعلم أنه مخلوقٌ له فلا يحمله على غيرِه ما كان مأذونًا فيه شرعًا، فإنَّه إن حمَله على غير ما هو مستعِدٌّ له لم يفلحْ فيه، وفاتَه ما هو مهيَّأ له، فإذا رآه حسنَ الفَهْم، صحيحَ الإدراك، جيِّدَ الحفظ واعيًا، فهذه مِن علامات قَبوله وتهيئِه للعلم؛ لينقشه في لوح قلْبه ما دام خاليًا، فإنه يتمكن فيه ويستقر، ويزكو معه، وإن رآه بخلافِ ذلك مِن كل وجه وهو مستعدٌّ للفروسية وأسبابها مِن الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذَ له في العلم ولم يُخلَقْ له، مَكَّنه من أسباب الفروسية والتمرُّن عليها، فإنَّه أنفعُ له وللمسلمين، وإن رآه بخلافِ ذلك وأنه لم يُخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحةً إلى صنعة من الصنائع، مستعدًّا لها قابلاً لها، وهي صناعةٌ مباحَة نافعة للناس، فليُمكِّنه منها، هذا كله بعدَ تعليمه له ما يحتاج إليه في دِينه، فإنَّ ذلك ميسَّر على كلِّ أحد؛ لتقومَ حُجَّة الله على العبد، فإنَّ له على عباده الحُجَّةَ البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة، والله أعلم"[34].

 

تقييم الكتاب:

الكتاب طيِّب في مبحثه، ونوعه، قد جمَع فيه الأستاذ: محمد بن شاكر الشريف ما يحتاجه المربي لتربيةِ نَشْئه المسلِم تربيةً إسلاميةً رشيدة، حسب مقتضيات كلِّ مرحلة عمرية، مستعينًا في ذلك بما زخرتْ به مصنفات السُّنة النبوية الشريفة مِن هدْي نبوي في تربية الأبناء، وقد بانتْ آثار العمل في مجال التحقيق والبحْث الشرعي في مصنَّفه هذا واضحةً جليةً، مِن حيث الاستشهاد بالصحيح، وسَعَة الاطلاع والمعاينة لما حوتْه كتب التراث مِن شوارد وشواهد، خاصة بعلوم التربية، وتوضيح ما خفِي من غريب المفردات والألفاظ، ولم يغفلِ الكاتب إيرادَ آراء علماء التربية المُحْدَثين في استشهاداته، مع تنقيحِ ما ورد علينا مِن مفاهيم غربية في مجالِ التربية، وتصفيتها وضبطها بضابطِ الشارع.

 

وإنْ كان الكاتب التزم طابعًا وسطًا بيْن الإيجاز والإطناب، فإنَّه قد أسهب في بعضِ المباحث بكثرةِ إيراد أقوال العلماء، والاستزادة مِن الاستشهادات، ونحن إذ نعرِض لهذا الكتاب فهدفُنا من العَرْض هو إلقاء الضوء على أحدِ المصنَّفات الطيبة في مجالها لأحدِ علمائنا وأساتذتنا الذين يَعْملون في صَمْت، فوظيفة الناقد أو العارِض كما يرى "جيسون بيلد"، وهو واحدٌ مِن أهم النقاد بأوروبا، ليستْ إبراز عيوب أو نقائص الكتاب، أو ما ينقده في المقام الأول، بل يرَى أنَّ وظيفة الناقد لا بدَّ أن تكون أكثرَ سموًّا؛ إذ إنَّه يملك - كما يقول - أن يكون جسرًا تعبُر عليه دُرَرٌ وجواهر نادرة للعامَّة والناس، ربما لو مرَّ عليها (كناقد) بنظارة النقص والزيادة؛ ربما يكون هو أحدَ أسباب التعتيم والتضليل.



[1] "تحفة المودود بأحكام المولود" لابن القيم الجوزية، (ص: 291 - 297)، وحديث محمود بن الربيع في الصحيحين.

[2] "عمدة القاري" (2/68).

[3] أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، رقم (419).

[4] المستدرك على الصحيحين (4/189)، وقال: صحيح إنْ شاء الله، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الأرناؤوط: إسناده جيِّد.

[5] أخرَجه أحمد في مسنده، رقم (10909).

[6] أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم (5257).

[7] "التمهيد" (16/90)، وفي "شرح معاني الآثار" (1/99): "فتترتر فيه".

[8] "إحياء علوم الدين" (3/73).

[9] "إحياء علوم الدين" (3/73).

[10] "مقدمة ابن خلدون"، (ص: 508).

[11] "مقدمة ابن خلدون" (ص: 508).

[12] "جمهرة خطب العرب" (2/224 - 225).

[13] أخرجه الترمذي: كتاب صفة القيامة، رقم (2440)، وقال: حديث حسن صحيح.

[14] انظر: "مشروع برنامج تربوي إسلامي لإصلاح النفس"، د/ عبدالحي الفرماوي.

[15] انظر: "علم نفس النمو"، د/ هشام محمد مخيمر، ص: 132.

[16] أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/531)، وميمونة - رضي الله تعالى عنها - خالة ابن عبَّاس، والطهور الوضوء، وكان عبدالله - رضي الله تعالى عنه - إذ ذاك صبيًّا لم يبلغ الحُلُم.

[17] "الموافقات" (1/87).

[18] "تفسير الطبري" (2/560).

[19] أخرجه البخاري/ كتاب المساقاة، رقم (2193)، ومسلم/ كتاب الأشربة، رقم (3786).

[20] "تحفة المودود في أحكام المولود"، (ص: 241).

[21] أخرجه مسلم/ كتاب فضائل الصحابة، رقم (4533).

[22] أخرجه مسلم كتاب الجنائز، رقم (1603).

[23] صحيح ابن حبان (13/ 400)، والأغراض: جمْع غرَض، والغرَض هو الهدَف الذي يُنصَب فيرمى فيه.

[24] "تحفة المودود في أحكام المولود"، (ص: 241).

[25] أخرجه أبو داود/ كتاب اللباس، رقم (3512)، وأحمد، رقم (4868).

[26] "تحفة المودود في أحكام المولود"، (ص: 291 – 297).

[27] أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/69)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولَم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

أيَّمت: صارتْ لا زوجَ لها.

[28] أخرجه مسلم/ كتاب الصلاة، رقم (667).

[29] أخرجه مسلم/ كتاب الزهد والرقائق، رقم (5328).

[30] أخرجه البخاري/ كتاب الحدود، رقم (6322)، ومسلم/ كتاب الصيام، رقم (1874).

[31] المعجم الكبير للطبراني.

[32] أخرَجه البخاري/ كتاب الإيمان، رقم (50).

[33] أخرجه أحمد/ رقم (21185)، قال الأرنؤوط: إسناده صحيح.

[34] "تحفة المودود بأحكام المولود"، (ص: 243).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عرض كتاب: " نحو تربية إسلامية راشدة " (1)
  • عرض كتاب: العولمة .. مقاومة واستثمار
  • عرض كتاب: عبدالله بن المعتز العباسي للدكتور محمد الكفراوي
  • عرض كتاب: الغرب يتراجع عن التعليم المختلط
  • معجم مشاهير النساء لمحمد ذهني التركي
  • أحكام الوطء لمحمد بن يحيى بن سراقة العامري

مختارات من الشبكة

  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة المصطفوي (كتاب فريد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب: صناعة الكتاب المدرسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة الأصول في النحو(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب (النحو الغريب في مغني اللبيب)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب: السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب: نحو ثقافة للريادة في القرن الواحد والعشرين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • روسيا: تغريم محل لبيع الكتب لعرضه كتاب حصن المسلم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • عرض كتاب : الكتب الممنوعة(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب