• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

المؤشر النبوي للتنمية

د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/12/2014 ميلادي - 5/3/1436 هجري

الزيارات: 5739

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المؤشر النبوي للتنمية


في الوقت الذي تعالَتْ فيه الأصوات للرَّفْع من قاطرة التنمية في البلدان "المتخلِّفة"، سعَت المنظَّمات الدوليَّة - وعلى رأسها الأمم المتحدة - إلى إصدار جُملة من المؤشرات في أُفق الدفع بهذه البلدان إلى بَرِّ الأمان - على حدِّ زعْمها - لكن هذه المعايير - جُملة وتفصيلاً - يَعتريها ثغرات وعيوب جَمَّة، وتفتقِد إلى المصداقية، كما تفتقِد إلى أُسس متينة في بُعدها الرُّوحي، مُوغلة في المادية الفانية والمتزحزحة.

 

ونظرًا لِمَا تعيشه بعض بلدان العالم الإسلامي، من خَلل كبيرٍ في اقتصادها وأمْنها الاجتماعي والثقافي، والصِّحي والتعليمي، أحببتُ أن أتقدَّم بهذه الورقة؛ لعلَّها تفيد في إعادة الأمور إلى نصابها، وتفيق الغافلين من غَفْوتهم، ونَزواتهم الشهوانيَّة الطاغية.

 

المؤشرات الدولية الوضعية للتنمية:

وقبل الدخول في تفاصيل عرْض هذا "المؤشر النبوي"، يكون من الأوْلَى الوقوف عند المحطات التاريخيَّة لهذه المؤشرات:

أ- مقياس مستوى المعيشة: اقترَحه "درفنوفسكي" سنة 1966، في دراسة قام بها لصالح معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية، ويرى أن المستوى المعيشي تَحكمه عِدَّة مُعْطيات، كما أنَّ الرفاه والتقدُّمَ لا يَستند إلى معطًى واحد.

 

ب- مقياس المؤشر المركب للتنمية: مؤشر أصدرتْه منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة سنة 1975، وهو مؤشِّر يقوم على تصحيح الوضعيات تبعًا لسُلَّم المؤشرات المتعددة.

 

ج- مقياس المستوى المادي للحياة: اعتمدَه مجلس التنمية الخارجي الأمريكي سنة 1977، وهو معدل لثلاثة مؤشرات غير كميَّة:

• نسبة غير الأميين.

• معدَّل الوفَيَات.

• معدَّل أمل الحياة.

 

د- مؤشر التنمية البشرية: مؤشر اعتمده برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD سنة 1990، ويَمزج بين ثلاثة مستويات: مستوى الصحة، ومستوى التعليم، ومستوى الدخْل الفردي، ويهدِف إلى:

• تصنيف الدول وترتيبها عالَميًّا حسب عنايتها بالإنسان.

• تحديد مكامن الضَّعف الحقيقية؛ قصْدَ التنبيه إلى خطورتها، ووضْع "الفقر البشري" ضمن الأولويَّات.

• ويضمُّ المؤشر العام: بين 0.8و1- مرتفع/ بين 0.5و0.799 - متوسط/ أقل من 0.5 - منخفض.

 

على ضوء هذه المؤشرات الاقتصادية، يتبيَّن أنها تُغيِّب الجانب الرُّوحي، وتركِّز فقط على الماديَّات؛ مما يجعل أغلب هذه المؤشرات تبوء مشاريعُها بالفشل، أضفْ إلى ذلك إلى أنها تغلِّب الجانب "البراغماتي" على الجانب الإنساني؛ ليصبح العالم المتلف - ماديًّا - كبْش فداءٍ لأغلب إستراتيجيَّاتهم الفاشلة!

 

المؤشرات النبوية للتنمية:

عود على بَدء، لقد سطَّر حبيبُنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وحْيًا من ربِّه - أرْوَعَ المؤشرات والمعايير؛ لتحقيق تنمية متكاملة، من خلال حديث نبوي شريف جامع ومانع: ((مَن أصبحَ آمِنًا في سِرْبه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يوْمه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها))، إذ يشمل ما يلي:

1- نعمة الأمن: الأمن لغة: مصدر أمِنَ - الأمان والأمانة - بمعنى: أمِنتُ فأنا أَمِنٌ، وأمَّنتُ غيري من الأمن والأمان ضدَّ الخوف[1].

 

واصطلاحًا: هو اطمئنان النفس وزوال الخوف، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4].

 

ومنه الإيمان والأمانة، وضده الخوف، ووقَع من أسمائه الحسنى المؤمن في قوله - تعالى -: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ [الحشر: 23]، ومعناه أنه هو المعطي الأمان لعباده المؤمنين، حين يؤمِّنهم من العذاب في الدنيا والآخرة.

 

وينقسم الأمن إلى قسمين:

• أمن في الدنيا: وهو يتحقَّق على الصعيد الفردي والاجتماعي بمختلف الأشكال الحياتيَّة؛ سياسي، عسكري، اقتصادي، تعليمي، اجتماعي.

 

• وأمن في الآخرة: وهو الاطمئنان بعدم عذاب الله في جهنَّمَ، وهو خاصٌّ بالمؤمنين الذين عملوا الصالحات؛ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

 

إن مفهوم الأمن أوسع مما نتصوَّر؛ إذ يشمل الأمن العَقَدي مِن كُلِّ تشْويه وتحريف، والأمن الفكري من خلال الحِفظ على الْهُويَّة الإسلامية التي تحاول التيارات التغريبية - الحَدَاثية هَدْمَها، والأمن الاجتماعي من خلال ما حثَّ عليه حبيبنا - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعَى له سائر الأعضاء بالسهر والْحُمَّى))[2]، والأمن الصحي، والأمن في الغذاء والتعليم والتربية.

 

وخلاصة القول: للإسلام نظرته الشمولية للأمن؛ لاستيعابه كلَّ شيء مادي ومعنوي، كما أنه حق للجميع؛ أفرادًا وجماعات، مسلمين وغير مسلمين، ومفهوم الأمن في القرآن الكريم شمولي باحتوائه على مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة: "حِفظ الدين والنفس، والعقل والمال والعِرْض".

 

بل حذَّرت الشريعة الإسلامية من خطورة الحِرْمان من الأمن المعنوي الذي يَظهر في صورة انعدام الأمن والخَوْف.

 

ولله دَرُّ عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - إذ قال لأحد عُمَّاله الذي كتَب إليه: "إن مدينتنا قد تهدَّمتْ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نُرمِّمها به فعَل"، فكتَب إليه عمر - رضي الله عنه -: "إذا قرأتَ كتابي هذا، فحصِّنها بالعدْل، ونقِّ طُرقها من الظلم؛ فإنه عمارتها"[3].

 

2- الأمن الغذائي: عرَّف البنك الدولي الأمن الغذائي كما يلي: " قُدرة كل الناس في كل الأوقات على الحصول على الطعام الكافي، والذي يَضمن لهم حياة صحية نشطة".

 

لكن ما يُعاب على هذا التعريف أنه لَم يذكرْ مصدر الحصول على هذا الطعام؛ إذ ما يلاحظ أن تأتي مصادر خارجية - في الغالب - دون التفكير في الموارد الذاتية؛ مما يجعلها عُرضة للإملاءات والضغوطات الخارجية.

 

وفي هذا المضمار يتمُّ التمييز بين:

• الأمن الغذائي المطلق: "قُدرة الدولة على إنتاج الغذاء داخل أرضها، بما يعادل أو يفوق حاجتها المحلية، أو الطلب الداخلي فيها".

 

• أما الأمن الغذائي النِّسبي، فقد عرَّفوه بأنه: "قُدرة الدولة على توفير السلَع والمواد الغذائية - كُليًّا أو جزئيًّا - لشعبها ومواطنيها".

 

وبناءً على هذه التعريفات ركَّز الإسلام على استقلالية الأمة وقُدرتها الخاصة على إنتاج طعامها من خيراتها؛ وذلك حفاظًا عليها من الوقوع فريسة الابتزاز في طعامها؛ لأنها إن وقعتْ في الفَخِّ، أصبحتْ ألعوبة بيد مَن يَملِك مقومات الإنتاج وعناصره.

 

وقد أكَّد الإسلامُ على الإنتاج وتوفير الحاجات، من خلال استغلال الثروات والخيرات الموجودة برًّا وبحرًا، من خلال بذْل الجهد وتعبئة الطاقات والموارد البشرية والمالية، وتبرز أهميَّة هذا الدور في عالم مادي اختلَّتْ فيه الموازين، وبلغتْ درجة من الاحتكار أدَّتْ إلى موت البشر من الجوع على مرأًى ومسمع من أقطاب الحضارة المتمدِّنة في القرن العشرين والحادي والعشرين جهارًا نهارًا.

 

ومن مظاهر اختلال الموازين بين دول العالم في الانتفاع بثروات الأرض وخيراتها، هو ما تشير له الأرقام؛ إذ إنَّ الأرقام تشير إلى أن 20 % من سكان العالم يتصرَّفون في 80 % من ثرواته، في حين يتقاسَم 80 % من سكان العالم 20 % فقط من ثرواته، وإنَّ مثل هذا الاختلال يعود إلى أسباب عدة؛ منها: قصور وتراجع السياسات المتبعة فيما يسمَّى بالدول النامية أو العالم الثالث، ونقْص قُدرته على تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، إضافة إلى الهيمنة السياسية الدولية على مقدرات وخيرات الشعوب، والتي تسعى جاهدةً؛ لإبقاء هذه الدول في حالة من التَّبعية الاقتصادية لها، تمكِّنها من الحِفاظ على تفوُّقها وارتباط الآخر بها.

 

إن أهمَّ مرتكز من مرتكزات الأمن الغذائي، هو تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولو جزئيًّا على الأقل في المواد الأساسية والضرورية؛ لكي يستطيع الشعب أن يحافظَ على استقلال إرادته وكرامته، وأرضنا العربية والإسلامية تمتلئ بالخيرات والثروات، التي تُمَكِّننا من الاستقلال وتحقيق أمننا الغذائي الخاص بنا، بعيدًا عن الهيمنة والتبعيَّة الأجنبية[4].

 

وطبقًا للمقولة الرائجة: (مَن لا يملك قُوته، لا يملك قراره)، فدول النفوذ السياسي - وهي المانح الرئيس للغذاء في العالم - هي في الغالب تمنح الغذاء من أجْل إرغام المحتاجين للطعام على قَبول الأجندة الظالمة، وهذا هو الذي تفعله اليوم الدول الكبرى ذات السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، وهذا ما ذهَب إليه كلٌّ من (جوناثان بوار وأني - ماري هولانستين) في كتابهما: "عالم الجوع" (WORLD OF HUNGER): "إن الولايات المتحدة الأمريكية بما لها من إنتاج غزير للغذاء في السوق العالمي، تستطيع أن تتحكَّم في مصاير المجموعات الهائلة من الجِياع في العالم".

 

ومما يؤسَف له أن السودان التي تُعَدُّ سلَّة غذاء للعالم العربي والإسلامي، والتي كان من الأولى بدول العالم الإسلامي دعمها دعمًا متينًا؛ لتغطِّي النقْص الحالَّ في الغذاء، أصبحتْ مَرتعًا للنهْب الغربي والنصراني المحلي، وللخُطط الماكرة الصِّهْيَونيَّة، وبَقِي المسلمون يشاهدون تطبيق اتفاقية "سايكس - بيكو" الجديدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

العلاقة بين الأمن وتوفير الغذاء:

أكَّد الخالق العزيز على أهميَّة الطعام واعتبرها من النِّعَم العظيمة، من خلال امتنانه على قريش بهذه النعمة، كما ربطَها ربطًا دقيقًا بالأمن من الخوف؛ حيث قال - تعالى -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 - 4].

 

كما تجلَّى الخيط الرفيع الرابط بين مستوى الأمن وتوفير الغذاء في قوله -تعالى- على لسان سيدنا إبراهيم - عليه السلام - عندما ترَك زوجَه وابنَه عند البيت العتيق، فنادى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126].

 

وبناءً على ذلك تظهر القيمة الأساسية والْجَدَلية للبُعد الأمني مع مسألة الغذاء، كما لا يقتصر الأمن على توفير الغذاء، بل يحرص على توفير مستلزمات الحياة، وإلاَّ كيف نفسِّر الوضع الاجتماعي في العراق، التي تترنَّح بعض فئاتها تحت عَتبة الفقر، بل الأدْهى والأمَرُّ - البلد الذي يُضْرب به المثل في مَحْو الأمية في عهد صدام - أصبحتِ الأمية تَنْخُر جسدَها؟!

 

فالغذاء هو أحد حاجات الإنسان الضرورية، التي تتمثَّل في المأكل والملبس والمسكن، إلا أن الغذاءَ يعتبر أهمَّها؛ فالإنسان لا يستطيع الاستِغناء عنه، أو الصبر على الجوع، لقد عاش الإنسان الأول عاريًا دون مَلبس ودون مأوًى، ولا تزال أقوامٌ تعيش اليوم في مجاهل إفريقيا تسير عارية أو شِبه عارية، لكنها على الرغم من ذلك لا تستطيع الحياة بلا طعام.

 

3- الأمن الصحي: جاءت الشريعة الإسلامية - كما ذكرنا آنفًا - لحِفظ الكُليَّات الخمس: الدين والنفس والمال، والعِرْض والعقل، ومن حِفظ النفس العناية بصحة الأبدان؛ لأن البدن أمانة من الله عندنا، وهو مَطِيَّتنا في رحلة هذه الحياة، وما أُعطي عبدٌ أفضل من نعمة العافية. ويُعَدُّ الحفاظ على الصحة واجبًا دينيًّا؛ كما في حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: ((إن لربِّك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لبَدَنك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه)).

 

كما استوعَب علماء الإسلام وفقهاؤه المعنى الصحيح لقيمة الصحة في الإسلام؛ حتى قرَّر الإمام العز بن عبدالسلام في كتابه "قواعد الأحكام": أنَّ صحة الأبدان مقدَّمة على صحة الأديان.

 

فمثلاً: شرَع الله رُخصة التيمم في الطهارة، بديلاً عن الوضوء والغُسل؛ ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. وقال - تعالى - في التخفيف عن الصائم وترخيصه الفِطْرَ له إذا كان مريضًا أو على سفر: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185].

 

وهذا العنصر المتعلِّق بالأمن الصحي، كُتبتْ فيه كتابات كثيرة، من خلال الحِرْص على توفير شروط الصحة من وسائل التطبيب، والعناية بصحة الإنسان؛ لأداء الشعائر التعبُّديَّة على أحسن وجْه، لكن استوقفَني موقفٌ عجيب للخليفة الفاروق - رضي الله عنه - تطبيقًا لِمَا يسمَّى في الطب المعاصر بالحجر الصحي - لَمَّا أرادَ - رضي الله عنه - أن يذهب إلى الشام وقد سَمِع بظهور الطاعون فيها، همَّ بالرجوع، فقال له أبو عبيدة - رضي الله عنه -: أتفرُّ من قدر الله؟ فقال: نعم، نفرُّ من قَدر الله إلى قدر الله، وعندما أخبرَه بعضُ الصحابة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سَمِعتم بالطاعون بأرض، فلا تدخلوا عليه، وإذا وقَع وأنتم بأرض، فلا تخرجوا منها فرارًا منه))؛ رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه.

 

وفَرِح عمر - رضي الله عنه - فرحًا شديدًا؛ حيث وافَق رأْيُه الحقَّ، ولَم يَحِدْ عنه طَرْفة عينٍ، كيف لا وقد جعَل الله الحقَّ على لسان عمر وقلبه!

 

وختامًا: فالعالم الإسلامي ما زال يعيش خَللاً كبيرًا على مستوى تحقيق التوازن بين هذه العناصر المشكِلَة لهذا المؤشر النبوي، وهذا ليس ضرْبًا من الخيال، فبالرجوع إلى الأرقام الإحصائيَّة نستشفُّ ذلك بجلاء، فمثلاً: أنفقتْ دول العالم الإسلامي 72 مليار دولار على التسلُّح عام 1997م، يُستخدَم معظمها في الصراعات البَيْنيَّة لهذه الدول، في حين تبلغ نسبة التعليم في العالم الإسلامي 63%، ومعدَّل الإنفاق عليه لا يتجاوز 4% من الناتج القومي الإجمالي.

 

فنسأل الله دوامَ العافية في الدين والدنيا والآخرة، كما نسأله دوام الشكر على العافية، كما نسأله - سبحانه - أن يُديمَ علينا الأمن والأمان؛ إنه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه.



[1] الفيروز آبادي؛ القاموس المحيط، ص 199.

[2] البخاري الأدب، (5665)، مسلم البِر والصِّلة والآداب، (2586)، أحمد (4/270).

[3] الإمام عبدالرحمن بن الجوزي؛ الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، ط1، 1298هـ، ص 46.

[4] مرتكزات الأمن الغذائي إسلاميًّا؛ هايل عبدالمولَى طشطوش، جريدة الرأي، العدد 14422، تاريخ 6/4/2010.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التنمية المستدامة .. تحديات الحال وضرورات التطلع الهادف
  • التنمية الاقتصادية بمنظور إسلامي
  • الفساد والتنمية الاقتصادية (1)
  • الفساد والتنمية الاقتصادية (2)
  • بين النمو والتنمية الاقتصادية
  • مفهوم التنمية الاقتصادية

مختارات من الشبكة

  • مؤشرات تخطيطية لتنمية المسؤولية الاجتماعية لمنظمات المجتمع المدني نحو الأطفال المعاقين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خمسة مؤشرات للإنكار القلبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار السلبي بين الزوجين ومؤشراته(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الاحتقان العاطفي ومؤشراته(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • دلالة الأهداف السلوكية الصغرى (المؤشرات) في (المعلمون أولا) على أهمية السلوكيات الكبرى وموضوعاتها ومباحثها(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مراكز البحوث.. والمؤشر(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مؤشرات تقييم الأداء بجامعة أم القرى في ضوء منهجية بطاقة الأداء المتوازن(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • التعليم الفعال: الماهية والمؤشرات الدالة والإستراتيجيات البيداغوجية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إدارة المورد البشرية - المؤشرات والمعادلات الرياضية الشائعة [1] (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المبشرات بالنصر تدمغ مؤشرات الهزيمة(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب