• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الطعن في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الفلسفة الوجودية الهدغرية ونقدها من ناحية الشرع

فايزة عبدالله الحربي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/7/2014 ميلادي - 4/9/1435 هجري

الزيارات: 34559

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفلسفة الوجوديَّة الهدغرية ونقدها من ناحية الشرع


مدخل عام:

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، أما بعــد:

فتشكِّل الفلسفة المادية البنية الفكرية التحتية أو النموذج المعرفي الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة: الماركسية والبراجماتية والوجوديَّة، كما أنها تشكِّل الإطارَ المرجعي للمفكرين الفلاسفة ورواد هذه الفلسفات، ممَّا أدى إلى هيمنة فكرة كينونة المادة في نشأة هذه الفلسفات، فأتت محاولة العقل البشري بالبحث عن الحقائق لمعرفة الوجود، منها حقيقة الوجود البشري التي ركزت على مفهوم الإنسان كفردٍ يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته.

 

من هنا جاءت اتجاهات فكرية متعددة غير واضحة المعالم تبحَثُ عن هذه الحقيقة، وهي قضية الوجوديَّة باعتبارها فلسفةً من أفكار لفلاسفة تبنَّوا هذه الأفكار، كالفيلسوف الشهير "مارتن هدغر".

 

الذي سيكون عليه هنا مدار الحديث من خلال محورين:

المحور الأول: الفيلسوف مارتن هدغر.

• ولادته، موطنه، دراسته.

• تأثُّره الفكري، تحوُّلاته، مؤلفاته.

 

المحور الثاني: الفلسفة الوجوديَّة الهدغرية.

• المنطلق الأساس فيها، مفاهيمها، أبرز مصطلحاتها.

• مقوِّماتها، أثرها.

• نقد هذه الفلسفة.

 

مارتن هيدغر: فيلسوف ألماني (26 سبتمبر 1889م - 26 مايو 1976م)، ولد جنوب ألمانيا، حصل على شهادة الثانوية، ثم تابع تعليمه اللاهوتي في معهد فرابورخ الأسقفي حتى سنة 1909م، ثم دخل جامعة فرايبورج، وكان من أساتذته الفيلسوف الألماني "هوسرل" مؤسس الفلسفة الظاهرانية أو مذهب الظاهريات الذي كان المنبع الرئيسي للوجوديَّة، وفي العام (1914م) حصل (هيدجر) على شهادة الدكتوراه، في رسالة قدمها بعنوان: (نظرية الحكم في النزعات السيكولوجية)، وطُبعت على نفقة مطابع الجامعة، وفي العام (1916م) قدم رسالة دكتوراه ثانية، وهي الرسالة التي أهلته للقيام بعمليات التدريس عن (نظرية المقولات والمعنى عند دونس إسكوت).

 

• 1923م عُيِّن أستاذًا للفلسفة في جامعة ماربرج، وفي عام 1929م عين خلفًا (لهوسرل) أستاذه في نفس الجامعة بتوصية من أستاذه (هوسرل) بعد أن أُحِيل إلى التقاعد، 1933م انتخب مديرًا لنفس الجامعة، وفي عام 1945م مُنِع من التدريس بعد أن استعمر الحلفاء ألمانيا، 1951م عاد للتدريس.

 

ولقد تأثر مارتن هيدجر بـ:

1- الفلسفة اليونانية خاصة عند أرسطو: ففي فترة شبابه أهداه رئيس الأساقفة نسخة من رسائل فرانز برنتانو (1838 - 1917) الذي كتب أطروحتين للدكتوراه، وتأثر بهما مارتن هيدغر، وخصوصًا الأولى، التي كانت بعنوان: المعاني المتعددة للإنطولوجيا عند أرسطو، والثانية بعنوان: علم النفس عند أرسطو[1].

 

2- وجوديَّة كير كجارد الدنماركي[2]: أخذ منه فكرة مأساة وجود الإنسان في عالم محدود، وما يتولَّد عن ذلك من شعور بالقلق والعزلة.

 

3- ظواهرتية[3] هوسرل الألماني[4]: الذي وجد فيه ضالَّته، وذلك من خلال نقل هذا المنهج من مجال الظواهر إلى مجال الوجود؛ ولذا نجد أن هيدجر لا يبحث الوجود بإطلاقية وشمولية، كأن يبحث في صفاته وأحواله وخصائصه بقدر ما ينطلق من تحديد معنى الوجود الإنساني بوصفه الطريق الأوحد لمعرفة حقيقة الوجود المطلَق العام[5].

 

• وجَّه اهتمامه الفلسفي في مؤلَّفاته إلى مشكلات الوجود والتقنية والحرية والحقيقة وغيرها من المسائل، ومن أبرزِ مؤلفاته كتاب "الوجود والزمان" في عام 1923م، ثم توالت بعد ذلك مؤلفاته ومقالاته وبحوثه، منها: ما الميتافيزيقا؟ 1929م - مدخل إلى الميتافيزيقا في العام 1935م، وهي عدة محاضرات ألقاها في الجامعة - نظرية أفلاطون في الحقيقة 1942م - رسالة في ماهية الحقيقة 1941م - رسالة في النزعة الإنسانية 1947م - دروب لا تفضي إلى أي مكان 1950م - المتاهة، ظهَر هذا الكتاب باللغة الألمانية في العام 1950م، وترجم إلى الفرنسية في العام 1965.

 

• مقالات بعنوان: (ما الذي نعنيه بالتفكير؟) عبارة عن محاضرات بجامعة (فرايبورج) في فصلين دراسيين متواليين في العامين 1951 - 1952 م، وطبعت بمطابع فرنسا - له بحث صغير بعنوان (ما الفلسفة؟)، من محاضرات ألقاها في العام 1955م - مبدأ العلة 1957م - التقنية - الحقيقة والوجود 1958م[6].

 

وعند تتبع مساره الفكري في الوجود نجد أنه مر بمرحلتين:

المرحلة الأولى: اعتمد فيها بالبحث عن كينونة الدازاين من حيث ظاهريته الإنطولوجية الوجوديَّة، فحاول فيها فهم الوجود من خلال وجود الموجود، فيبحث في الوجود بما هو موجود بوصفِه طريقًا للبحث في الوجود، فوجود الموجود يتميز عن بقية الموجودات بقدرته على التساؤل عن الوجود؛ فالوجود والموجود بينهما علاقة خاصة، هي الموجود الإنساني لِما يتمتع به دون سائر الموجودات "حقيقي - إنطولوجي - شرط إنطولوجي وجودي لإمكانية كل إنطولوجيا"، فاستخدم لتحديد وجود هذا الموجود المنهج الفينومينولوجي.

 

المرحلة الثانية: رأى فيها أن فهم الكينونة يكون بحسب الطريقة التي تتفتَّح فيها الكينونة بالذات، أي الكشف عن الوجود بطريق مباشر، فكلما امتلكنا الوجود، أصبحنا أكثر خفَّة، كالنور الذي نستطيع من خلاله أن نكشف ما لا يمكن أن يختفي، وهي الحقيقة، هذه الحقيقة هي جوهر الوجود، وهذا الوجود في دلالاته الإنطولوجية هو ما تحاول التقنية أن تكشفه[7].

 

• بما أن الحركة الوجوديَّة اتخذت نقطة بدئِها من الإنسان، أو من الوجود البشري وهي لا تقصد بالوجود البشري ذلك الإنسان المجرد، أو كما يسميه هيدجر بالوجود الإنساني في العالم، بل تقصد به ذلك الإنسان الفرد الذي يتفاعل مع الوجود والحياة من خلال تجرِبة، والذي لا يستطيع غيره أن يحُلَّ محله"[8].

 

• صاغ مارتن هيدغر فلسفة خاصة به - الفلسفة الهيدغرية الوجوديَّة - للإجابة على السؤال الذي كان يشغل ذهنَه في بدايات حياته وقراءته، وهو:

إذا كان للموجود معانٍ عديدة، فأيُّها المعنى الأساسي؟ وما هو معنى الموجود، أهناك فارق بينه وبين الوجود؟


• ولو ألقينا نظرة على الفلسفات الوجوديَّة جميعها لوجدنا أنها تبدأ دائمًا من نقطة ذاتية خاصة تعبِّر عن تجرِبة حية أو خبرة وجوديَّة، تجلَّت تلك التجربة الوجوديَّة عند "هيدجر" على شكل وجدان قلِق قوامُه الشعور بأن الوجود سائرٌ حتمًا نحو الموت، فكان سؤاله القلق هو سؤال الوجود للكشف عن معنى الوجود الإنساني.

 

لا بد وأن يكون لأي فلسفة مادية مفاهيمُ ترتكز عليها، من أشهر هذه المفاهيم التي وجدت لدى مارتن هيدجر[9]:

• مفهوم الوجود، يرى هيدجر بأن الوجود هو وجود الموجودات التي تستمدُّ كلها من وجودها الخاص بها، وهذا الوجود ليس موجودًا من الموجودات، بل هو ما يُعطي كلَّ موجود وجودَه كمبدأ قائم في أعماق الموجودات؛ فهو وجود إنطولوجي يجعل الموجودات موجودة، وبما أن الوجود هو وجود الموجودات من خلال وجودها الخاص، رأى هيدغر أن البحثَ يمضي من الموجود إلى الوجود، وهذا الوجود هو الوجود الإنساني، باعتباره نقطةَ الارتكاز الأهم في الوجود، فماهية هذا الموجود؟

 

• مفهوم الموجود الإنساني، الكائنات كلها موجودة، لكنها تختلف في وجودها؛ فوجودها وجود كينوني ينقصه الوعي، وبالتالي وجودها وجود ناقص، لكن وجود الإنسان يختلف؛ فهو يعي كينونته، ويتجاوز هذه الكينونة نحو وجوده، فما هي البناءات الأساسية لهذا الموجود الإنساني؟

1- الوقائعية التي تعبِّر عن الماضي: إذا وجد الموجود الإنساني كواقعة، هذا يعني أنه يُلقى في العالم دون أن يكون له اختيار في ذلك، وما يلتقي به في هذا العالم هو قدره الذي لا حِيلةَ له على دَفْعه، ولا اختيار له فيه، وبالتالي فإن الموجودَ هناك نفسه من حيث هو ملقى يسكن في رمية الوجود بوصفه قدره المقدور، وبوصفه وجودًا في العالم فهو يحتاج لـ: العالم الذي هو انفتاح الوجود - الموجود الإنساني نفسه - الوجود لهذا الموجود.

 

2- السقوط الذي يعبر عن الحاضر: هذا السقوط يتصف بالحرية، وهذه الحرية هي تحديدٌ تقوم به الآنية لتعين ذاتها؛ فالشخص هو الذي يقرر طريقة وجوده بنفسه، فهو المسؤول عن ذاته، وهذه الخاصية يكون فيها الموجود غالبًا مستغرقًا في عالم الاهتمام، ويعني نسيان حقيقة الوجود، والإشراق في الوجود مع الآخرين[10].

 

3- الوجوديَّة التي تعبر عن المستقبل: ينفتح فيها الموجود الإنساني على استشراف مستقبله؛ فهي تتعلَّق بماهية الإنسان في الوجود وحقيقته، التي تجعله منفتحًا على إمكاناته، متميزًا على غيره من الموجودات، وانفتاح الموجود على الوجود يتم من خلال الوجدانية والفهم:

الوجدانية: ولقد قصد بها مارتن هيدغر الخوف والقلق، الخوف مما يشعر به من خطر شيء محدد يوجد بوجوده ويزول بزواله، والقلق وهو الخشية من الوجود ذاته؛ أي الشعور الذي يعمل باستمرار على تذكير الإنسان بحقيقته، وعلى رأسها الموت.

 

الفهم: بأن يفهم الوجود كأحد مكونات الانفتاح على الوجود، فهمًا يحدد وجود الإنسان لا ماهيته وأحواله، والوضع الوحيد الذي يفهم به الوجود هو الإنسان؛ لأنه يستطيع أن يوجِّه انتباهه إلى موجودات أخرى، ويتصل بها، وبالنسبة له وحده تكون هذه الموجودات منكشفة، وفهم الموجود لنفسه عن عالمه يعني أن الفهم يجب أن يكون على شكل مشروع للموجود الإنساني، ومن خلال الفهم يكون الموجود منفتحًا على إمكاناته التي تلبِّي وجودَ الموجودات الفاهمة[11].

 

من تأمل ما سبق من مفاهيم ارتكزت عليها فلسفته الوجوديَّة يخرج إلى أن من أهم مصطلحات هذه الفلسفة الهيدغرية الوجوديَّة:

مصطلح الدازاين: يرى هيدغر أن الدازاين هو الوجود كما يتجلى وسيتجلى، حالة يمتلكها عامة الناس، ويتجلى هذا الدازاين في نظرية الوجود حيث يستطيع الإنسان فهمَ وجودِه من خلال فهم هذا الدازاين، بـ:

• وجود الإنسان، بحيث يوجد أمام مجموعة من الإمكانيات قد ينجح وقد يفشل، فإذا نجح يسميه مارتن هيدغر بحالة التسامي، وإذا فشل يسميه بحالة اللاتسامي؛ لأن الدازاين فُرض عليه الاختيار من طرَف آخر.

 

• اختيار الإنسان، من بعد الاختيار من بين الممكنات قد ينجح الدازاين وقد يفشل، فإنه بذلك الدازاين يحاول أن يفهم وجوده.

 

ويتركب الدازاين من مجموعة من الوجوديات تختلف من حالة إلى أخرى:

مرحلة التآلف: يكون الدازاين فيها ارتباطًا عائليًّا مع الوجود.

 

مرحلة وسيلة التآلف: حيث يتألف مع الوجود عن طريق التِّجارة التي جوهرها الوسيلة؛ أي التعامل مع الآخر الذي قد يكون حاجزًا أمام تحقيق الممكنات، فيقع الدازاين بالملَل والكآبة، وهو (الهم) الذي يتجسَّد من خلال شكل من أشكال التقنية المرتبطة بالمنفعة عند الاستعمال[12].

 

مصطلح التقنية: هي نمطٌ من أنماط الكشف، ووسيلة لصياغة العالَم التقني للإنسان؛ فهي أسلوب إثبات وتأكيد لوجوده، فوجود التقنية في حياة الإنسان حتميٌّ وقدريٌّ.

 

تقوم بالفلسفة الهيدغرية الوجوديَّة على:

• تأمين الكشف عن وسيلة وآلة لتنفيذ المهمات، من أجل إعادة الإنتاج الذاتي.

 

• كشف إمكانيات المجتمع والطبيعة من خلال النشاطات المختلفة.

فهي ترى أن التقنيةَ الحديثة أصبحت عنصرًا مثيرًا للقلق، لغموضها، وبالتالي عدم فهم ماهيتها، فالكشف الذي يحكم التقنية الحديثة هو تحدٍّ، واستدعاء يوجِّه إنذارًا للطبيعة، وفي نفس الوقت يرمي إلى شيء آخر[13].

 

مصطلح الزمان: وهو المصطلح الأساس للربط بين بناءات الموجود التي سبق ذكرها، وهو في الفلسفة الهيدغرية الوجود الذي يمكن أن يوجدَ في كليَّة الموجود الإنساني، فالزمان يتحقَّق بأصالتِه الداخلية.

 

وتزمن الزمان هو ما كان والحاضر والمستقبل، حيث تتحقَّقُ الوَحدة الأصيلة للزمانية، فالزمانية هي الموجود الإنساني؛ فالموجود الإنساني ليس هو الزمان، إنما هو الزمانية، وهو الذي يقوم بعملية التزمن من حيث ما كان وما هو حاضر وما هو مستقبل، المتصفة بالماهوية التجاذبية، التي تحولهم إلى وحدة واحدة، ومن ثم لا يكون هنالك ماضٍ انتهى، ولا مستقبل غائب، ولا حاضر مستغرق فيه بوصفه الزمان الكائن على الأصالة وما عداه لا وجود له، فهو واحد، فما كان ماضيًا لا ينفصل عما هو مستقبل، فوجود الإنسان مرهونٌ بتحقُّقه المستقبلي، فهو موجود زماني من حيث هو نفسه وجود زماني، لا كشيء منفصل عنه، فالكينونة عنده هي الكائن من جهة، والكينونة من جهة، والزمان هو حركة مستمرة نحو المستقبل، الذي هو الموت الموجود بالكينونة بشكل مستمر، فالوجود في نظره هو مشروع الموت، والموت حقيقة تخصُّ الفردَ وحده، ولأنها كذلك فهي دليلُ شخصانيَّته وفردانيته التي تمنح وجوده تميُّزه الشخصي، فالحي يحمل الموت بين جوانحه، فبمجرَّد ولادة الإنسان يكون ناضجًا للموت[14].

 

• وتقوم فلسفة مارتن على استخلاص المقومات الإنطولوجية للوجود الإنساني بكونه منفتحًا على الوجود، ونقطة الارتكاز الأساس للإنطولوجيا.

 

• فهو بهذه الفلسفة الهيدغرية الوجوديَّة، طرح أسئلة للفلسفة الغربية عن علم الوجود، المرتكزة على معنى الكينونة، بعد أن سادت الأسئلة الغيبية الميتافيزيقية والماورائية.

 

• وتأثرت بهذه الفلسفة المدارس الفلسفية التي جاءت من بعده في القرن العشرين؛ كالتفكيكية، وما بعد الحدَاثة، والتأويليات.

 

• فلسفة هيدجر في مجمَلِها متعدِّدة الأوجه، موحَّدة الهدف؛ فهي تواصل بين الكائن وكينونته، وتواصل بين الكائن والآخر، وتواصل بين زمانية الكائن وتاريخيته، إلا أن فلسفة هيدجر تعرَّضت للكثير من الهجوم والنقد، ليس فقط باتهامه بالتعاطف مع النازية، بل انتقادات فلسفية بحتة، منها[15]:

الاعتراض الأول: في المفاصلة ما بين الوجود والموجود، عبر مفهوم الفرق الإنطولوجي، يدرك هيدجر جيدًا أن أحدَهما بات غائبًا عن الآخر، فلا الوجود يستطيع أن يدنو من الموجود دون أن يحترق، ولا الموجود مؤهَّل أن يرتقي إلى مجال الوجود؛ لذا وجد نفسه مضطرًّا أن يجد جسرًا ما بينهما، لكي يتسنى له أن يمنح الوجود أُفقه المفترض، وأن يوهب الموجود طاقة موجوديته، وما كان هذا الجسر إلا وجود الموجود الإنساني، وهذا يمكن دحضه من زاويتين، الأولى: ما هي المفارقة ما بين الإنسان والنمر والأسد والشجر من الزاوية الإنطولوجية، أليس الإنسان في النهاية زيدًا وعبيدًا وفاطمة وخديجة تمامًا مثل النمر والأسد والشجر لو سميت بأسماء خاصة، الثانية: ثم لو استطاع الإنسان عن طريق المنفتح الهيدجري، أن يتمتع بخصائص الموجود كموجود، وبعض خصائص الوجود كوجود، فما أعلمنا ألا يتمتع بها بعض الآخرين من الموجودات، بل جميع الموجودات، عندئذ يسقط الفارق الإنطولوجي ما بينهما.

 

الاعتراض الثاني: بصدد المنفتح الهيدجري يرتكب هيدجر مغالطة؛ فهو يعتقد أن وجود الوجود نفسه يرتهن بنا، وكأنه يفكر فينا وبنا، وكأننا نفكر فيه وبه، وإذا كان الأمر كذلك، فعلينا أن نستنبط الاستنتاج المنطقي الموازي، وهو أن الوجود في النهاية ليس إلا وجود الموجود الإنساني، وهذا ما يرفضه هيدجر رفضًا مطلقًا؛ لأنه يؤكد أن الفارق الإنطولوجي هو ما بين الحضور وما هو حاضر، وما بين الوجود وما هو موجود.

 

الاعتراض الثالث: يؤكد هيدجر أن الوجودَ هو الذي يجعل الموجود موجودًا، ويقع هنا في مغالطتين:

الأولى: إن - موجودًا - هنا هو صفة للوجود، وليس صفة للموجود؛ أي بمعنى أن الموجود موجود كوجود وليس كموجود، وبالتالي، لا الميتافيزيقيا تلبث كما هي هيدجرية، ولا الفارق الإنطولوجي يصمد كما هو هيدجري؛ لأن الموجود هو وجودٌ حقيقي وفعلي طبقًا لمنطوق تصوره.

 

الثانية: إذا كان الوجود هو الذي يجعل الموجود - موجودًا - فلا مندوحة أن نعيَ كيف يتم ذلك، هيدجريًّا الوجود لا يخلق الموجود، كما لا يستطيع أن يكشف عنه؛ لأن هيدجر نفسه من الموجودات، فلم يبقَ أمامنا إلا القول بالصيغة السلبية حصريًّا، لولا الوجود ما كانت الموجودات، هذه هي الصيغة الوحيدة القابلة للنقاش، وهي صيغة مرفوضة، لأن الموجودات إما أن تدل على ذواتها، أو على ذاتيتها، في الحالة الأولى، نصبح إزاء مستويين غير متوافقين فيما يخص منطوق الوجوديَّة، وفي الحالة الثانية، نصبح في جدل مع هيدجر نفسه.

 

• وعلى الرغم من الاختلافات الشرعية بين الدِّين الإسلامي وفلسفة الوجود فإن ما جاءت به الفلسفة الوجوديَّة الهيدغرية من التركيز على الإنسان بعد أن كان مهمشًا، هو حالة من الرقي الإنساني الذي نادت به الشريعة الإسلامية، ومع هذا لا نتَّفِق مع ما جاء به هيدغر من فلسفة تقول بكينونة الوجود الإنساني، وجعله المرتكز الأساس في الوجود، فخطاب الإنسان هو خطاب استخلاص يأتي بدور مؤتمن على أداء الخطاب الشرعي؛ إذ إن هناك مركزية للشرع، هذا الشرع مقابل حرية يستلزم عنها تكليف شرعي، وهذا لا يتناقض مع حرية الإنسان؛ لأن الإنسان مقيَّد بحدود المصلحة الشرعية، التي تدخل ضمنها المصلحة العامة، وهي دعوى لعبادة الإنسان لنفسه وهواه والتأمُّل بوجوده ووجود موجوده، وقد قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، وفي حديث يرويه حذيفةُ أن عمر - رضي الله عنه - قال لجلسائه: "أيُّكم سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يذكر التي تمُوج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكَتَ القومُ، فقلتُ: أنا، قال: أنت لله أبوك.

 

قال حذيفة: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعرَض الفتنُ على القلوب كالحصيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها، نُكِت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها، نُكِت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيضَ مثلِ الصفا فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السمواتُ والأرض، والآخر أسود مُربادًّا كالكوز مجخِّيًا لا يعرف معروفًا، ولا يُنكِر منكَرًا، إلا ما أُشرِب من هواه))"[16].

 

تم بحمد الله!

 

أهم المراجع والمصادر:

أولاً: الكتب.

1- إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة، عمر مهيبل، الدار العربية للعلوم - منشورات الاختلاف - عمان - 2005م.

2- إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هيدجر، إبراهيم أحمد - الدار العربية للعلوم - بيروت، ط1 - 2006م.

3- أطلس الفلسفة، بيتز كونزمان وآخرون، تر: جورج كتورة، المكتبة الشرقية، بيروت - 2003م.

4- التقنية - الحقيقة - الوجود، مارتن هيدغر، تر: محمد سبيلا - عبدالهادي مفتاح، القاهرة، المركز الثقافي العربي - 1996م.

5- دراسات في الفلسفة الحديثة المعاصرة، يحيى هويدي، دار الثقافة للنشر والتوزيع - القاهرة، 1990م.

6- طرق هيدجر، هانز غادامير، تر: حسن ناظم، دار الكتاب الجديد - بيروت - ط1، 2007م.

7- المعاني المتعددة للوجود عند أرسطو، تر: رودلف جورج، كاليفورنيا - 1975م.

8- مارتن هيدجر الوجود والموجود، جمال سليمان،، دار الثقافة للطباعة والنشر - بيروت - ط1 - 1991م.

9- المعجم الفلسفي، مصطفي حسيبة، دار أسامة للنشر، ط2 - 2012م.

10- مبدأ العلة، مارتن هيدجر، تر: نظير جاهل، المؤسسة الجامعية للنشر - بيروت - ط1 - 1991م.

11- نداء الحقيقة، مارتن هيدجر، تر: عبدالغفار مكاوي، دار الثقافة للطباعة والنشر - القاهرة - 1977م.

 

ثانيًا: المقالات.

12- قراءة في كتاب مارتن هيدغر "نقد العقل الميتافيزيقي"، محمد بقوح، الحوار المتمدن - ع3709، 26/4/2012م.

13- ذهنية مارتن هيدجر المتوقدة أبدًا، محمد الأحمد، الحوار المتمدن - ع1642، 14/8/2006م.

14- المنهج الفنومنولوجي عند مارتن هيدجر، علاء مناف، الحوار المتمدن - ع2087، 2/11/2007م.

15- الوجوديَّة في الفكر الفلسفي المعاصر، عامر عبدزيد، الحوار المتمدن - ع1956، 24/6/2007م.



[1] انظر: المعاني المتعددة للوجود (الإنطولوجيا) عند أرسطو، ص54.

[2] سورين كيركغور (باللغة الدنماركية: Søren Kierkegaard، ويُكتَب بالعربية أيضًا كيركيغارد؛ (5 مايو 1813 - 11 نوفمبر 1855)، فيلسوف ولاهوتي دنماركي كبير، كان لفلسفته تأثير حاسم على الفلسفات اللاحقة، لا سيما فيما سيعرف بالوجودية المؤمنة.

[3] وهي وصف خاص لمجال محايد هو مجال الواقع المعيش وما ينطوي عليه من ماهيات.

[4] إدموند هوسرل (8 إبريل 1859 - 26 إبريل 1938): فيلسوف ألماني ومؤسس الظاهريات، أثر إدموند هوسرل على فلاسفة، من بينهم: ماکس شیلر، جون بول سارتر، ألفرد شوتز وإيمانويل لیفيناس، وهو أستاذ مارتين هايدغر.

[5] مارتن هيدجر: الوجود والموجود، ص45، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة ص95.

[6] إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة ص63، المنهج الفنومنولوجي عند مارتن هيدجر، علاء مناف، الحوار المتمدن-ع2087، 2/11/2007م، قراءة في كتاب مارتن هيدغر "نقد العقل الميتافيزيقي"، محمد بقوح، الحوار المتمدن-ع3709، 26/4/2012م.

[7] مارتن هيدجر الوجود والموجود ص79، أطلس الفلسفة ص253، طرق هيدجر 87.

[8] دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة ص234، إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية المعاصرة ص198.

[9] دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة ص65، ذهنية مارتن هيدجر المتوقدة أبدًا، محمد الأحمد، الحوار المتمدن-ع1642، 14/8/2006م.

[10] مارتن هيدجر الوجود والموجود ص93، إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هيدجر ص54، المعجم الفلسفي ص67.

[11] مارتن هيدجر الوجود والموجود ص89 -96.

[12] دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة ص59، إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هيدجر ص78، المعجم الفلسفي ص78.

[13] مارتن هيدجر: الوجود والموجود ص42، التقنية - الحقيقة - الوجود، مارتن هيدغر ص65.

[14] إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هيدجر ص67، المعجم الفلسفي ص53.

[15] نقلاً عن مقال: هيدجر وإشكالية مفهوم الوجود - هيبت بافي حلبجة.

[16] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، (1/ 299) رقم الحديث: 211.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حيل الفلسفة أوقعت "الجابري" في شرك التحريف!
  • خبراء في الفكر والفلسفة ولكن!
  • قراءة في كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
  • الأخلاق في الفلسفة العملية (البرجماتية) ونقدها
  • بين فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة
  • صفات الله بين الإسلام والفلسفة الغربية المعاصرة
  • الفلسفة الوجودية: عرض المذهب ونقد الفكر
  • أسباب القصور في الفلسفة اليونانية
  • الفلسفة ومناهجها

مختارات من الشبكة

  • حينما تصبح الفلسفة مصدر إزعاج(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ملاحظات من تجربتي الشخصية مع الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الفلسفة الوجودية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الغزالي ونقد الفلسفة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الشاطبي ونقد الفلسفة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفلسفة الرواقية ومعالمها .. تحليل ونقد(مقالة - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • صقيع الفلاسفة: كيف تؤذي الفلسفة غير الرشيدة طمأنينة النفوس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • صفحات من ذكريات رائد الفلسفة الإسلامية الدكتور محمد السيد الجليند(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الدال والمدلول Signifier & Signified: نانو الفلسفة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفتي مسلمي أوكرانيا يحاضر في الجامعة الأوكرانية لعلوم الفلسفة والاستشراق عن الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب