• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. في مناهج معالجة الواقع

د. محمد بريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2014 ميلادي - 29/4/1435 هجري

الزيارات: 8856

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة

في مناهج معالجة الواقع

 

ظلت دراسة الواقع دومًا تحتل الجزء الأكبر من تحليلات خبراء المستقبلية على ساحة أوضاع قوية الزلزال، شديدة التغيير. وحين نقول "الواقع" نعني به "الحاضر" ضامناً إليه جنبيه اللصيقين به: "الماضي القريب" الذي لا سبيل لفهم الواقع بدونه، و"المستقبل القريب" الذي هو جزء من ذلك الواقع الحاضر.

 

بل كثيراً ما رددنا في دراستنا الاستشرافية التي أنجزناها لبعض القطاعات الحكومية أو المؤسسات الدولية أو المركز العلمية تسمية هذا الواقع بمصطلح خاص به سميناه "المستقبل المشهود"، حتى يبقى المستقبل حاضرا في أذهاننا بكل خطوراته وحركيته وتنقلاته، مائلاً بين أعيننا منذ بدايات انبثاقه من آفاق المقبل من الأيام، إلى آخر لحظات ولوجه بوابة غابر الأزمان، شريطة أن يكون له نوع من الفعل مقبلاً أو مدبراً في ساحة الواقع المشهود.

 

وحين نقدم على دراستنا للواقع، وفي أوساط جالياتنا الإسلامية خاصة ونبادر إلى جمع عناصر تركيب استشرفنا للمستقبل القريب، نكون قد دخلنا صلب موضوع دراستنا حول تجديد الذات والوعي بالمحيط، أو توطيد الأسلمة في أوساط معلنة، وكنا حددنا منهج المعالجة التنظيرية والعلمية في كون المستقبل مجال الفعل، والثقافة أداة الفعل، والتغيير مسار الفعل. ومهدنا لذلك بضبط للمصطلحات وبيان للمفاهيم. والبدء في كل ذلك يكون من معالجة الواقع. لا يرتفع كما يقول الفقهاء، ولكنه يدرس ويشخص، ويحسن بنا أن نبعد حين استقرائنا للواقع بكلا طرفيه اللصيقين به السابق منهما واللاحق، عدم الخوض في متاهات "شخصنة" الأحداث بحصر أسباب انبثاقها في وجود أشخاص مع إقصاء متعمد للظواهر والتيارات، وأن نلتزم منهج إمعان النظر في جميع العناصر الفاعلة، سلبية كانت أم إيجابية.

 

ولكم عانينا في هذا الجانب من عدم توفر المعلومات الصحيحة والدقيقة عن الأحداث المزلزلة، وتزييف أو تهميش الإعلام الذاتي، إلى جنب تضخيم وتلفيق مشوه لها من طرف الإعلام الخارجي، مما دفعنا إلى الحيطة والحذر من القبول بصحة الأفكار السائدة في مجتمعاتنا لمجرد شعبيتها وتداولها بين الناس، خاصة منها تلك التي يكون مصدرها الإعلام بشتى أبواقه.

 

ويحتاج كل دارس ومشخص للواقع إلى إخضاع كل معلومة متوفرة لديه مما يروج من الأفكار والمقولات للتمحيص تجنبا وحماية من العديد من الأمراض المنهجية والفكرية التي حملها بعض الدراسات المرتجلة، أو التقارير الصحفية المستعجلة، مثل التبني الظرفي لأفكار الماسكين بزمام القرار، أو الاقتناع بصواب رأي أو سلامة فكر بمجرد تردده على ألسنة العامة. ذلك أن مهمة الدارس لا يمكن أن تنحصر في مرجعيتها استطلاع للرأي - والذي يصوغه الإعلام بشكل كبير - ولكن ما ينبغي أن يعتمد عليه أساسا ويقصد إليه هو معرفة التيارات الغالبة التي بحركيتها وفاعليتها في أذهان الناس، وانعكاسها على أفعالهم، قد تنبئ بمستقبلات تسوء أو تحسن حسب سلامة المعتقد، وصلابة الثقافة، واللتان صيغت على قوامهما الأفكار والآراء المولدة لتلك التيارات.

 

فلقد عجت ساحاتنا الفكرية والثقافية بسيل من الأبحاث والدراسات المرتجلة حول تاريخ ومستقبل كارثة الخليج الأخيرة مثلا، وهي من الأحداث المزلزلة التي عرفها عالمنا الإسلامي، وما يزال يكتوي بنارها، إن لم تكن أشدها دويا ودمارا بعد حادث اغتصاب فلسطين في تاريخنا المعاصر. فكثير منها رغم ما تميز به من تفصيل في المعلومات، حجر واسعا حين رمى بكل أسهمه لتبرير انفجار الكارثة صوب شخص أو أشخاص محددين. فمهد بذلك عن قصد أو غير قصد لترويج أفكار ومقولات تلهب نعرات الجاهلية المقيتة، وسد الباب في وجهه ووجه المقتنعين بأفكاره لكل تحليل علمي وبحث موضوعي. فتحليل من هذا النوع الأخير جدير باعتماد العلم والموضوعية في مضامينه، ولا يمكنه بحال - حرصا على عدم الخيانة لمبادئه - أن يبرئ ساحة أي عنصر فاعل في إضرام النار بالخليج، سواء بزغ على الساحة أم ظل كاتم النفس.

 

ويزيد من عنت الباحث والدارس للواقع تواصل تضخم أمرين خطيرين، ماحقين لكل تفكير ومفسدين لكل تحليل إذا لم يحكم التمعن في الحوادث وأسبابها، ويحسن اختيار المراجع مع الوعي بثقافة محيطها، ويحتاط من سماع قنوات الإعلام قبل تمييز غثها من سمينها:

الأول: تدفق دراسات مطنبة في تبرير قرارات القادة من هذا الطرف أو ذاك المشارك في صنع أو مشاهدة الحدث المدوي سياسيا كان أم عسكريا أم فكريا أو ثقافيا، قل أن يجد فيها المؤرخ أو الباحث تحليلا علميا للمواقف والأحداث في إطارها الاستراتيجي، أو يلمس في موضوعاتها وشكل أسلوبها أثرا لعوامل فاعلة غيبت، وإشارة لتيارات غالبة أبعدت، تفسح الطريق - بفعل مخططات وإعدادات من يرضيهم تأزم عالمنا البئيس، ويسعدهم زوال شوكته - لانبثاق هيمنة على المنطقة، وتسليط بعضها على البعض، ضمن ما دعي بالنظام الدولي الجديد. فرغم توفر ركام ضخم من مثل هذه الدراسات، يحسن بالباحث وهو يدرس واقعا بعينه محددا بمحيطه ولصيقا بأوضاع أهله ومستوياتهم الإيمانية والعلمية ومقدراتهم الاقتصادية وبنيتهم الاجتماعية عدم الالتفات إليها لغياب النفع منها بخصوص ما هو بصدد البحث فيه.

 

الثاني: تهاطل معلومات، الله أعلم بصحتها، من مذكرات تنشر واحدة تلو الأخرى لمؤسسات رجال القرار بالغرب، مع الصمت المخيف من جهة المالكين بالزمام ومساعيهم بعالمنا الإسلامي، خاصة حين يتعلق الأمر بمستقبل جالية مسلمة محلية يحتاج مشورة جماعية وصياغة محلية. فلكم يصدم الباحث في مجال المستقبلية، مثل غيره من رجال البحث الاجتماعي والسياسي، حين يسعى لمعرفة رأي هذا الصنف الأخير من رجال القرار، فيحال على خطب ومقالات صحفية تعلل عدم القدرة على المواجهة بحجة ضرورة التريث وانتظار استكمال العدة، تقلب الهزيمة نصرا، وتجعل الخسارة ظفرا، معللة مواقفها وعجزها بأن لولا ما بذلت وتجشمت، لكانت المصيبة أعظم، والوقع أشد.

 

ونتعهما بالخطيرين لأن أمة تجلس جلسة المتربص المنتظر، لا يمكنها إطلاقا أن تقوم بأي تغيير يذكر. فهي إذا ما تحركت اجتهدت لتبرر وضعا قائما باستحالة رده أو تغييره، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن القدر المحتوم سبقها فأحبط ما كانت تنوي القيام به، وأن الوضع اليوم أخير مما قد يؤول إليه غدا، وهلم جرا من التعابير المانعة من الاستقراء الشامل، والحائلة دون مواصلة الجمع للمعلومات والتحليل، والقاتلة في المهد لكل مشروع مستقبلي بديل.

 

ويحتاج الدارس المشخص والمنقب والمسائل لأحداث الواقع للتغلب على مثل العقبات المشار إليها إلى منهجية ذات ثلاث ركائز نعرضها بإيجاز فيما يلي:

أ- الاستيعاب الواعي للماضي:

فاستيعاب الماضي ووعي حركته التاريخية ضروري لفهم الواقع الحاضر. لأننا من خلال فهم آليات ومحركات الواقع الراحل، والمتابعة الدقيقة لمسارها التاريخي، سنتمكن من إدراك جزء كبير من شكل وصور مختلفة التطورات التي خضعت لها الأمة، وخاصة منها تلك الجاليات المعنية بتفعيل الأسلمة في وجه برامج العلمنة، سواء على الصعيد السياسي، أو العسكري، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الفكري، أو الثقافي، أو التربوي. كما ستسمح لنا متابعتنا المتبصرة لتطورات الماضي القريب اللصيق بالحاضر بكشف الجينات التي ساهمت بشكل أساسي في انبثاق الواقع الحالي للأمة. ودقة المتابعة تحتاج إلى إعمال الوعي في فهم وقائع التاريخ، علما بأن الماضي لا يمكن الولوج إلى أغلبه إلا من خلال النص المدون، والخاضع لتحاليل الدراسات النقدية والتاريخية المختلفة في شتى ميادين العلوم الاجتماعية والسلوكية، وهو ما لا مناص من توفيره وتحقيقه، وتدفق صحة أحداثه. والمتوفر المحقق قليل، تدل ضآلة حجمه على ضعفنا العلمي وتأخرنا الثقافي، وخاصة في الجهات التي لم يكتمل بها بشكل لا رجعي توطين الإسلام.

 

ب- الاستقرار الشامل للواقع المشهود:

إن إصلاح الواقع يمر حتما عبر فهم شكله ومضمونه، وثابته ومتحركه، وحديثه وقديمه، وقويه وضعيفه، والظرفي منه والمتواصل. والعلة في استقراء وقائعه، وتبين تضاريس مختلف خرائطه فكرا وثقافة ومنهجا، عطاء وأخذا، تمليها عند دارس المستقبل الرغبة في إعمال التغيير فيه، لينتقل به إلى وضع أحسن وأمثل. وهو أمر يحتاج إلى أدوات جمع للمعلومات ضخمة، وأدوات تحليل ونقد قوية ودقيقة، وأصناف من المعطيات والكشوفات والتشجيع على دروب شتى من التخصصات، نذكر منها مثلا:

• دراسة التيارات الفكرية والمذهبية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية السائدة.

 

• الاطلاع على الدراسات الميدانية المختلفة في ميادين العلوم الاجتماعية والسلوكية.

 

• الخوض في تحاليل المعلومات عن الواقع القطري والقاري والدولي، وخاصة في المحيط الجغرافي.

 

• الإقدام على المقارنة مع تجارب الدول الحديثة التي واجهت اقتحام ثقافة الغرب لمواقع حساسة في النسيج الفكري والثقافي للمجتمع مثل الصين وكوريا واليابان وغيرهم، ومعرفة عوامل الضعف والقوة لديهم.

 

• دراسة وتتبع نشاط المنظمات القطرية أو القارية أو الدولية.

 

والقيام باستقراء الواقع على أكمل وجه، يتطلب توفر ركام ضخم من المعلومات، وعدد هام من الدراسات والأبحاث، تهم كل قطاع حيوي للمجتمعات الإسلامية والدولية على جميع الأصعدة. لكن عوائق شتى قد تحول دون ذلك على الوجهة المثلى، لكن يواجه الخصاص فيها بإجراء الحوارات واستقراء كبريات المراصد سعيا لسد الثغرات المنهجية الناتجة عن النقص في المعلومات، وكبحا لكل ارتجالية أو تلفيق بحجة الحاجة الماسة للمزيد من المعطيات، أو استحالة الوصول للمفصل والغني من الدراسات القطاعية والميدانية.

 

ج- الاستشراف المحكم للمستقبل:

ويبقى ما يسعى أساسا ليخلص إليه من العنصرين السابقين هو إجلاء أوجه الشبه بين الماضي والحاضر، وربط مسار تطور الأول بالآخر، حتى يكون الدارس على وعي بالجينات، وإدراك لمختلف التيارات والتوجهات، والتمكن على بصيرة من تكهن صور محتملة الشهود للمستقبل، لا يقصد من ورائها ادعاء علم بالغيب، ولكن يصبو من خلال تفصيل مشاهدها إلى شحن الحوافز، واستكمال العدة، وإيقاظ الهمم، واستنفار جميع الطاقات المستجمعة.

 

وحتى يستطيع الخبير الدارس تحقيق هذه المنهجية بركائزها الثلاث على الوجه الأكمل، كان لا بد من استيفاء شروط ثلاثة:

1- توفر ركامٍ كافٍ من المعلومات:

فوجود الإعلام بأشكاله المتعددة، والأطالس بطبعاتها المتنوعة، وتوفر المعلومات بقراءات مختلفة وإن موجهة ومطعمة، جعل الكفة في جميع الميادين لصالح الغرب ومؤسساته. ويكفي للدلالة على ذلك كون الباحث في عالمنا الإسلامي حول وضع من أوضاع وطنه وأماكن تواجد جالياته المهاجرة، لابد وأن يلجأ للإحاطة بالمعلومات التي يرجوها وينوي اعتمادها - بعد جهد التقصي وضنك المتابعة - إلى اقتباسها ونقلها من المراجع والحوليات والدوريات والدراسات ومراكز المعلومات الغربية.

 

فالمعلومات عن الشعوب والحضارات وعاداتها وتقاليدها، وتاريخها وتراثها، أصبحت كلها في متناول الرجل الغربي، وكذا المتمكن من لغته، بتكلفة أقل بكثير مما كانت تكلف سابقا، طبعا بقراءاتها وتحليلاتها الخاصة، لكن بزادها الضخم بالمعلومات والمعطيات التي تعجز عن الزخم بها نفس الحضارات والشعوب الأخرى التي لا تتردد في اللجوء إلى مراجع هذه المعلومات حين الحاجة، بل قد يلمس لديها افتخارها بها، وإن لم تشارك بشيء في إعدادها وإنجازها، دون أن يحفزها ذلك الافتخار إلى إصدار مراجع بديلة ومنافسة في المصداقية والتوثيق والتحقيق.

 

ولقد أضحى اليوم اقتناء مكتبة كاملة حول تاريخ الشعوب والأمم والحضارات، وما ابتكروه من تقنيات، وما صاغوه من أفكار، وما أبدعوه من معارف، هو من حيث التكلفة دون اقتناء غذاء يوم واحد. والغاية القصوى من توفير ذلك بديار الغرب تمكين المواطن الغربي خاصة من معلومات ومعارف حول كيفية تفكير الآخر وتنظيمه وإقدامه، وما هي قيمه وأحلامه وآماله.

 

فتلك المعلومات رغم دقتها وتنوعها وتفاصيلها لم تصغ ليستفيد منها رجل القرار السياسي أو الخبير المستقبلي أو الباحث الاستراتيجي وحده، وإنما صيغت ليحدث لدى الأمة ذلك الوعي الجماعي المولد لنسيج الحماس والإقدام عند كل فرد من أفراد مجتمعاتها. ولطالما اعتبرنا في بلداننا العربية المعلومة موقوفة على الخبير، وصاحب القرار، وحجرنا واسعاً في عدم السماح بتداولها حتى في أوساط النخب المثقفة، بيد أننا نجد التقارير التي تنجزها المؤسسات في مجال الدراسات الميدانية، أو التي يقوم بإعدادها خبراء كل فن من الفنون الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية بالغرب، سواء لصالح وزارة أو هيأة حكومية، أو مؤسسة رسمية أو غير رسمية، تنشر في معظمها ليستفيد منها جمهور واسع من المهتمين والمتتبعين.

 

فنادرا ما تجد عندنا ذلك الحس في توسيع دائرة المعرفة، ليس خشية أن يطلع عليها الآخر، وإن فسر الأمر بذلك أحيانا كذريعة، ولكن لأن عددا من أصحاب القرار أصلحهم الله ألفوا الأحادية في اتخاذه، فظل استغرابهم متواصلا من أصوات ترفع بين الفينة والأخرى مطالبة بإلزامية المشورة، وضرورة إطلاع أفراد المجتمع على ما يصاغ لهم في دهاليز القرار من مستقبل، وما يعالج لهم من مشاكل. فقيام أصحاب القرار هؤلاء بذلك، مازال ينطبع عند الكثير منهم اليوم بالدلالة في رأيهم على عدم كفاءتهم في الكلام باسم الأمة، ويعتبر حطا من قدرهم وقدرتهم في النيابة عنها لتدبير قضاياها وأمور دينها ودنياها.

 

لكن دخول مجالات المعلوماتية والأنترنيت، حبا في مسايرة ركب الحضارة والمنافسة، قد فتح أبوابا من المعرفة والمعلومات كان من المستحيل الحصول عليها من قبل بزوغ آثار هذه الثورة المعرفية.

 

2- تناسق منظومة الأفكار:

إن تناسق منظومة الأفكار يمليه الجانب الاستراتيجي في كل دراسة استشرافية علمية أكثر من غيره. ذلك أن مشاهد المستقبلات الممكنة هي غالبا من النوع المشروط. والإيفاء بالشروط فعل يلزمنا الإقدام، وعمل يفرض علينا الاقتحام، ومن تم كان الفكر المستقبلي لصيقا بالعمل الاستراتيجي. وكل من الفكر والعمل ينهل من منظومة أفكار متناسقة قصد تحقيق هدفين منهجيين:

الأول: منع الفكر من الغرق في متاهات الخيال، وحماية العمل من انزلاقات الارتجال.

 

الثاني: ضمان سلامة سير العمل على خطى ما ترسمه من معالم خصائص الثقافة، ودفع الفكر إلى مزيد من الإحاطة بأشكال لمآل.

 

وطبيعي أن تشكل السياسة الاستراتيجية لكل مجتمع أو مؤسسة في جميع الميادين حسب منظومة القيم ونظم الأفكار التي تسود عند مالكي زمام الأمور بها، أي انطلاقا مما هو منغرس من الثقافة والفكر في نسيجها الاجتماعي وتركيبتها السياسية والقومية، والمنبثقة منهما منظومتها الفكرية المرجعية. وتبقى صلابة تلك المرجعية وخضوع الأفراد لسلطانها مرهونا بما يسود في المجتمع أو المؤسسة من قيم، وما يؤمن به أولئك الأفراد من معتقدات، وما يفرزه النسيج الاجتماعي من ثقافات. وتناسق أفكارها جنب تماسك عناصرها أمر بالغ الأهمية، إذ بدونه لا سبيل لمعرفة الاتجاهات الضخمة الممكنة من فهم واستيعاب مستقبل التصرفات الجماعية للمجموعات البشرية.

 

يقول "مالك بن بني" رحمه الله في مقدمته الأولى لكتابه: "مشكلة الثقافة":

"إن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور ذات علاقة وظيفية بنظام الأفكار المنتشرة في ذلك المجتمع؛ فإذا ما تغير هذا النظام بطريقة أو بأخرى، فإن جميع الخصائص الاجتماعية الأخرى تتعدل في الاتجاه نفسه. إن الأفكار تكون في مجموعها جزءا هاما من أدوات التطور في مجتمع معين، كما أن مختلف مراحل تطوره هي في الحقيقة أشكال متنوعة لحركة تطوره الفكري؛ فإذا ما كانت إحدى هذه المراحل تنطبق على ما يسمى بالنهضة، فإن معنى هذا أن المجتمع في هذه المرحلة يتمتع بنظام رائع من الأفكار، وأن هذا النظام يتيح لكل مشكلة من مشاكله الحيوية حلا مناسبا".

 

والخطر يكمن كذلك في الزخم المتزايد من المعلومات المولد لمزيد من التحليلات والاستنتاجات، والمكبل أحيانا للفعل حين العجز عن ترجيح الاحتمالات، أو المانع حين الضعف من اتباع التكهن المرجح بأنجع القرارات، والناتج أساسا من غياب تناسق الأفكار الذي جعل الأجهزة تنصرف جهة العامل الكمي دون القدرة على صرف النظر واقتصاد الطاقات عن ما ليس بالضروري.

 

فمحتوم على دارسي المستقبل ورجال الاستراتيجية البعد عن التدبدب في معالجة القضايا، وواجب في حقهم تثبيت الخطى والسير على نهج سليم، مع وعي كامل بالمخاطر والهزات، ونظر حديد في ساحة المستجد من الأمور والمحدثات. فالتوقف قاتل، والإقدام بناء على توهم تعوزه الأدلة انتحار، والخطى الثابتة تستدعي التأني في حركة الذات، مع السرعة في اختراق نور بصرها لظلمات القادم من الطريق.

 

ولعل هذا ما يفسر صعود الأمم وانهيارها، فهي تتألق حين تتماشى معلوماتها ومعارفها مع آليات هضمها الذاتي، وتنهار حين تعجز عن مواصلة الهضم، متوهمة استمرار قدرتها على المواكبة والتحليل لمستجدات الأمور، وحركات الخصوم. لأن المرض القاتل للأمم يكمن في صعوبة إدراكها لتوقف الروح الاستراتيجية بها، ويبدأ التوقف حين العجز عن استجماع المعلومات الضرورية حول الأنا والآخر بمختلف أنواعها، أو تراكمها دون تحليل لعطب في آليات التحليل والاستنباط، أي بتسرب الخلل لمنظومة الأفكار.

 

3- إتقان التحليل الديناميكي للأحداث:

أي نظر مستقبلي للواقع لا يمكنه أن يغوص في أعماق ذلك الواقع المتقلب بشكل فعلي إلا إذا انطلق من دراسة ما يموج من الأفكار والآراء في الساحة الثقافية، وتبين ما هو منها سائد وأسباب سيادته، وما هو منها بائد وأسباب إبادته، وما هو منها كامن يترقب حظوظ انبثاقه أو سطوه، آخذا بعين الاعتبار تفاعلاتها الديناميكية وتقلباتها الزلزالية، خاصة حين يصبح تسارع الأحداث والهزات ظاهرة تطبع حركة التاريخ المعاصر، ويصبح التحليل الذي أنجز البارحة غير صالح اليوم لبعده عن لواقع الذي تطور فجاءت بين البارحة واليوم.

 

ولمزيد من التوضيح، سنعمد لضرب المثل: هب أن باحثا انكب منذ سنوات على إعداد بحث حول اقتصاد ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي وتقديم الحلول التي يراها ناجعة له. فما نخاله إلا في تقص للمعلومات مستمر، إذ بين دراسته للوضع، وتقديمه للحل، سيكون الوضع قد تطور تطورا مذهلا جعل حله نوعا من العبث والجهل بالواقع. ولقد أشرنا في دراسات سابقة أن الثقافة كأداة فعل تجسيد للمكتسب من الصراع بين حق وباطل، ومرهونة الواقع والغد بمصير تشابك أيدي راغبة في الإصلاح، وأيادي نتنة تسعى لنشر الفساد، مع العلم أن الجو يعكره ويزكمه وجود أجساد عفنة تساعد على الإفساد. ومادام الأمر حربا وصراعا فينبغي النظر إليه انطلاقا من الجهة الاستراتيجية التي تقدر حجم وعتاد الخصم، وتتزود لكسب المواجهة بالإعداد لتحقيق الحسم. والوصول إلى ذلك يمر عبر مراحل وعي ثلاث:

1- الإدراك لنوع وحدة ودوافع التقلبات والتفاعلات.

2- التبصر بتطورها وانعكاساتها على المستقبل الآتي والبعيد.

3- الإعداد المحكم لمواجهتها بالمستطاع الآن والمستطاع غدا.

 

ولا نظن أنه يخفى على اللبيب أن تناول مختلف عوامل الحركة الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية في عالمنا المنهك القوى - وخاصة في أوساط جاليات تفتقر إلى السراة الواعية، والمرجعية العلمية الراسخة والمجددة - قد أفسده خوض جمهور عريض من غير المتخصصين، وفضول جمهور غير قليل من المنتفعين ومرتزقة الفكر ومقاولي الثقافة في قضاياه التاريخية والمعاصرة، وعمدهم لتحليل أسبابها ودوافعها بشكل جعل الأمر ينتقل من إشكال إلى تعقيد، ومن غموض إلى مزيد.

 

ولكن الاهتداء بما بيناه من نقط، وبسطناه من قواعد، كفيل بحشد الهمم لصياغة منهجية تعالج الواقع وتشخص تضاريسه، لا سبيل للقيام بها إلا بتفحص العوامل الفاعلة في الواقع المعنى بعينه، ولا سبيل إلى الانتفاع بها بإسقاطها على واقع مخالف في الطبيعة، ومغاير في العوامل.

 

دعوة الحق - العدد 349 شوال - ذو القعدة 1420 / يناير - فبراير 2000





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة: المستقبل مجال الفعل
  • نحو تجديد للذات ووعي بالمحيط في أوساط جاليتنا المسلمة
  • توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. الثقافة أداة العقل

مختارات من الشبكة

  • توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. التغير مسار العقل(مقالة - موقع د. محمد بريش)
  • توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بريش)
  • حديث: كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • التحذير من بدعة الإرجاء التي انتشرت في أوساط غالب المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإنسان فقير وسط خيراته جائع وسط تخمته!!(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الهند: مؤتمر التعليم التاسع يدعو لثورة تعليمية في أوساط المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ماليزيا: كبير وزراء بينانغ: رمضان فرصة لتوطيد العلاقات بين الأعراق الماليزية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ستة أسباب تجعلك تكره التيك أواي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الأدب الإسلامي: وسطية المنهج ومنهجية الوسط(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الموقف الوسط(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب