ركائز موضوعات العقيدة في دعوة طالبات المرحلة الثانوية

ركائز موضوعات العقيدة في دعوة طالبات المرحلة الثانوية

بعد هذه الفكرة الموجزة عن مفهوم العقيدة، وعن أهميتها وحاجة الطالبات لها، وإعطاء نبذة مختصرة لما يقدم لطالبات المرحلة الثانوية من موضوعات عقدية من خلال مقررات مناهج العلوم الدينية، تختم الباحثة هذا المبحث بذكر أهم ركائز موضوعات العقيدة، التي يحسن بالمعلمة الداعية أن تعلمها لطالباتها، وهي الموضوعات التي تهدف إلى تحقيق العبودية لله والإيمان الراسخ بكل ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بهدف إعطاء أمثلة ونماذج عامة لموضوعات العقيدة التي يمكن للمعلمة الاسترشاد بها، في دعوتها لطالباتها، ويشتمل كل عنصر على العديد من الموضوعات التفصيلية، فالعقيدة الإسلامية مجال خصب لما يمكن أن تقدمه المعلمة الداعية وتبرز جوانبه للمدعوات، ومن هذه الركائز ما يلي:

((1)) القرآن الكريم، تلاوة وحفظًا وتفسيرًا:

فهو كتاب عقيدة وشريعة وأخلاق، وعليه ترتكز حياة هذه الأمة، وفيه سبيل سعادتها في الدنيا والآخرة، لاشتماله على إثبات وحدانية الله، وإثبات الرسالة لرسله، والوعد بالجنة والوعيد بالعذاب، وفيه العبادات التي تجلو النفوس وتنمي شجرة الإيمان، وفيه مكارم الأخلاق وفضائلها، وفيه العظة والعبرة بما أوجد الله في هذا الكون وما كان من الأمم الماضية، فتحقق الداعية أهدافها في إتقان الطالبة لقراءة كتاب الله، والتأثر به وخشوع القلب عن قراءته، كما تربطها به ارتباطاً مستمراً روحياً ووجدانياً، فتبرز موضوعاته ومقاصده العظيمة، وتطمئن إلى سلامة فهمها للآيات واقتناع قلبها بمعانيها ليحدث لها تعظيما ومحبة لله ثم تسليمًا مطلقًا لأوامره تعالى[1].

((2)) السنة النبوية الكريمة المطهرة بشقّيها:

الحديث النبوي والسيرة النبوية، فالسنة هي المصدر الثاني لبناء العقيدة الإسلامية، وقد اشتملت على نفس مقاصد القرآن وموضوعاته، والسيرة النبوية هي التطبيق العملي الواقعي للدين، وتعتبر من أخصب المواضيع الإسلامية، وأكثرها إيناسًا للنفس وإمتاعًا للفكر[2]، وتوضيحا لمنهج الحياة العملية السعيدة، ومن خلالها توضح الداعية خصائص الرسالة المحمدية، وتغرس محبة نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم ومحبة سنته والذبّ عنها في نفس الطالبة، حيث تبين لها السيرة النبوية آفاق الإنسان الكامل، وتظهر التوافق الدقيق في الجمع بين الدين والدنيا، والجمع بين الدين والسياسة، والدين والعمل، والعقيدة الراسخة والحرية، كما توضح لها الطريق العملي للأخلاق الفاضلة وتغرس حب الإصلاح في نفسها، وتحبب إليها البذل والتضحية في سبيل دينها[3].

((3)) الإيمان بالغيبيات:

فالإيمان بالغيب صفة المؤمنين المتقين، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾[4]، ومعنى الآية: (يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت والبعث، فهذا غيب كله)[5]، والمسلمة تؤمن بما ثبت عن طريق القرآن والسنة من عالم الغيب، حتى لو لم يستطع عقلها إدراكه أو تخيله وتصوره، لأن (العقل مقيَّد بعالَم الحس، لا عمل له في الحكم على عالم الغيب... فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تحكم على شيء فيه بإثبات أو نفي استقلالا ذاتيا، إلا أن يأتيها خبر يشهد العقل بإمكان وجوده، وبصدق ناقله، وعند ذلك تسلم تسليما تاما دون مناقشة أو اعتراض)[6].

كما أن (الإيمان بوحدانية الله ووجوده، هي القاعدة الأساسية التي بني عليها الإسلام، وارتبط بالإيمان بالله، الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالجنة والنار والثواب والعقاب، وهذه أمور في مجملها غيبية، ولكنها من خصائص الدين ومميزاته، والإيمان بها جزء من مفهوم الإيمان العام كله، فالمسلم لا يعد مسلما صادق الإسلام إلا إذا اعتقد أن هناك عالما له صفة التقديس، وهو عالم غيبي لا يرى ولا يشاهد، ولكن الدين يتحدث عنه، وإنكار هذا العالم الغيبي إنكار لبعض ما قال الله به، وهذا هو الكفر والإلحاد)[7].

ومن موضوعات الإيمان بالغيب:

الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وبوجود عوالم لم نرها، ووجود حياة بعد الموت فيها برزخ وجنة ونار وصراط، وأمور تحدث في المستقبل أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم.

((4)) التوحيد: حقيقته، غايته، أنواعه الثلاثة:

توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وهو لبّ الدين ومحور العقيدة، والغاية من إرسال الرسل، ومهمة المعلمة أن تختار من موضوعات التوحيد ما توقظ به الإيمان وتحيي به المشاعر الإيمانية، وتربط بين عقيدة التوحيد والعمل والسلوك بمقتضى هذه العقيدة، مع العناية بالجانب الوجداني وتوجيه عاطفة الطالبة نحو محبة الله تعالى.

((5)) أعمال القلوب والرقائق التي تثمر صلاح القلب واستقامته، فتوجه المعلمة الداعية طالباتها إلى العناية بالسلوك الداخلي وعدم الاكتفاء بتقويم السلوك الظاهر، لأن صلاحه لا يكون إلا بصلاح الباطن، كالإخلاص وتقوى لله تعالى، والتوكل عليه والإنابة إليه، مع الحث على الأعمال التي تقوي الصلة بالله تعالى كالدعاء والشكر والتوبة وذكره تعالى في كل الأحوال.

((6)) اليوم الآخر، وهو من أركان الإيمان التي تبني عقيدة المسلم، ولا يصح إيمان المرء إلا به، وقد قرر الله تعالى الحياة الأخروية في جميع الأديان السماوية (فعقيدة الإيمان بالله لا تنفك عن الإيمان باليوم الآخر، لأن من مقتضى الإيمان بالله، تصديقه في جميع ما يخبرنا به، وقد أخبرنا باليوم الآخر في وعده ووعيده، وما أعد الله في هذا اليوم من نعيم للمؤمنين المتقين، وما أعتد من عذاب للمجرمين)[8]، وقد أُفرد بالذكر دون بقية أركان الإيمان لاقترانه كثيرا بالإيمان بالله في آيات القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [9]، وموضوعات الإيمان باليوم الآخر تتضمن مقدماته الحديث عن الحياة والموت، وحياة البرزخ، وعلامات الساعة الصغرى و الكبرى، ثم ما يكون فيه من البعث والحشر والعرض والميزان والصراط والشفاعة والجنة والنار، وغيره مما يقوّي يقين الطالبة بأن حياتها على الأرض حياة مؤقتة زائلة، وأنها دار عمل وابتلاء، بينما حياتها الأخروية خلود وجزاء أبدي، وأنها سوف تُسأل في آخرتها عما أُوتيت في دنياها من عُمر وشباب ومال وقوة وعلم،كما قال تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾[10].

((7)) التفكر في عظمة الله وخلقه وقدرته:

فتُوجه الطالبة إلى أهمية معرفة الله تعالى، وإلى النظر في آياته الشرعية والكونية، وإلى التفكر في إبداع الخالق في خلقه، فتتبصر أولا في قدرته تعالى في خلقها نفسها، كما قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾[11] ثم تنتقل إلى التأمل في الظواهر الطبيعية وتتأمل عظمته عز وجل، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [12]، وهذا التفكر أثره قوي في غرس الإيمان في قلبها، فكلما ازدادت الطالبة نظرا وتفكرا، ازدادت إيمانا وتوحيدا لله عز وجل.

((8)) الولاء والانتماء لأهل السنة والجماعة، وهو من الركائز المهمة التي تستند عليه حاجة طالبة المرحلة الثانوية للانتماء، وما تتميز به في هذه المرحلة من الولاء للجماعة والرفقة بشكل قوي مؤثر، الأمر الذي يتطلب من المعلمة غرس عقيدة الولاء والبراء بمفهومها الصحيح المتوازن، ليصبح ولاء الطالبة ونصرتها وحبها لدين الإسلام ولجماعة لمسلمين، وذلك بتوضيح عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء وصوره ومظاهره، وفي البراء وصور المعاداة ومظاهرها، مع إعطاء النماذج التطبيقية للولاء والبراء في الماضي والحاضر، والمنهج السليم في التعامل مع المخالفين، وأثر تطبيق هذه العقيدة، وما قد يطرأ عليها من ضعف أو انحراف في المفهوم والتطبيق.

((9)) كذلك من الركائز المهمة في موضوعات العقيدة، العناية بالجانب الوقائي التحصيني والجانب العلاجي لعقيدة الطالبة من المذاهب الوافدة المنحرفة، لأن (الشباب في هذه السن يتعرضون لكثير من ألوان الثقافات ذات التأثير الإلحادي، الذي قد يعرضهم للشك والصراع، وهم كذلك يتعرضون لمواقف يرون فيها التعارض بين ما يتعلمون وما يرون عليه الناس من ممارسات والمجتمع من تنظيمات، فتنشأ لديهم صراعات تمس العقيدة، وشكوك قد تزعزع دعائم الإيمان، وهذا يدعونا إلى القول بأنه يجب التعرض لمثل هذه الثقافات وهذه التناقضات بين ما يتعلمون وما يشاهدون، حماية للشباب ودرءا للفساد عنهم)[13].

ومما يزيد من أهمية هذه الركيزة أن طالبة الثانوية تتميز بخاصية الاستقلال الفكري إلى حد كبير، فهي لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي تقبل بسهولة كل ما يقال لها، وقد ينشأ عن هذه الاستقلالية تغييرات وأفكار تتعارض مع العقيدة ولا تتفق معها، وربما تطور الأمر في بعض الأحيان إلى الشك في الأمور الدينية، وهذا يؤكد حاجتها إلى مناقشة علمية في قضايا الفكر التي تهاجم أساسيات عقيدتها، ومهمة المعلمة الداعية هنا أن تخرج الطالبة من مرحلة الشك والتذبذب إلى مرحلة الإيمان واليقين، ومن طور الصراع إلى مرحلة الاستقرار، وهذا يكون بتعليمها وتغذيتها بالحقائق المدعمة بالحجج والبراهين، بحيث ترفع الغشاوة عن عينيها، وتذيب ما علق بذهنها من شكوك[14]، (وهذا يقتضي أن تكون المدرِّسة على إلمام كاف بالثقافة الكونية والعصرية، ثم عليها أن تبرز فضل عقيدة الإسلام على غيرها من العقائد الزائفة والأوهام المضلة، وعليها أن توضح آثار العقيدة الإسلامية في الحياة البشرية والتاريخ الإسلامي، وتدل على ثمراتها المباركة في سير عظماء الإسلام وأبطاله... ومن الضروري أن تنبه المدرِّسة - والدنيا تموج بالفتن الجديدة - إلى ضروب الشرك التي تعيش، بل تبيض وتفرخ في الحياة الحديثة، فالشرك ليس قاصرا على عبادة الحجر والشجر والشمس والقمر والنار والبقر، بل هو يتناول تقديس الزعامات وتأليه الزعماء، والدينونة لما سوى الله، والخضوع لما سوى دينه - دين الإسلام - من مذاهب وأفكار)[15].

ختاما:

من المهم توجيه الطالبة إلى أن العقيدة هي الأصل والأساس الذي تُبنى عليه الشريعة، ولا وجود للشريعة إلا في ظل العقيدة، فهي القوة المعنوية التي تستند إليها، والتي تثمر في نفسها تقديسا واحتراما لها، ثم عملا بموجبها دون الحاجة إلى الرقيب الخارجي، وعلى قدر سلامة العقيدة وقوتها، تكون الاستقامة على دين الله والعمل بشريعته،[16] قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [17]، وفي الوقت نفسه فإن العناية بموضوعات الشريعة وحث الطالبة على تعظيم فرائض الله يقوي عقيدتها بصورة مستمرة، ويشيع عندها الإحساس برقابة الله عليها والصلة الدائمة به، وموضوعات الشريعة هي ما تتحدث عنه الباحثة في المبحث الآتي.