• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

رؤية معاصرة للحملة الصليبية الأولى

رؤية معاصرة للحملة الصليبية الأولى
د. أمينة البيطار

المصدر: مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 2، ص181-204
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/10/2006 ميلادي - 23/9/1427 هجري

الزيارات: 42629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رؤية معاصرة للحملة الصليبية الأولى


هل يعيد التاريخ نفسه ؟... لقد اختلف العلماء حول هذه النقطة اختلافاً كبيراً، ولكنهم جميعاً لم ينفوا أنه إذا وجدت نفس الأسباب والظروف التي أدَّت إلى بروز ظاهرة من الظواهر أن تعود هذه الظاهرة ثانية.

إن الإطلاع على التاريخ وعلى ما سطِّر فيه من أحداث سياسية وعسكرية ذو فائدة جمَّة للإنسان. فمن خلال إطلاعه عليها يتمكن من اتخاذ الإحتياطات الواجبة لإبعاد النتائج التي قد تترتب على نفس الأسباب، كما أنه يستطيع أن يصنع بنفسه أسباباً ليحصل على نتائج يحتاج إليها للانتصار على عدو يواجهه، أو للتقدم في مجال من مجالات الحياة. فالتاريخ ذاكرة الجنس الانساني بكامله، كما أنه ذو صلة كبيرة بالسياسة، بل هو مستودع السوابق السياسية. وإضافة إلى ذلك، فإن فائدته كبيرة في توسيع المدارك وتعويد الناس الإنصاف في الحكم. وقد أوضح المستشرق هرنشو ذلك بقوله: ((إن المشاكل التي تواجه الجيل الحاضر، قد مرّت في بطون التاريخ مشاكلُ مشابهة لها. نعم إن التاريخ لا يعيد نفسه، إلاّ أنه ما من حادث يحدث إلاّ وهو يزيد في محيط كل حادث يترتب عليه بمقدار كونه علة في حدوثه... فكل إنسان يجد، عندما يبلغ سن النضج والاكتمال، أن تجاربه التي تعيها ذاكرته، ومبادئ السلوك التي يستمدها حكمه من التجارب المذكورة تعمل على هديه والتحكم به. وما يقال عن الفرد، يقال عن الجنس الإنساني مع ملاحظة هذا الفارق الهام، وهو أن الجنس الإنساني فاقد لما يتصف به الفرد من الشخصية والشعور الذاتي المستمر، وليس للجنس ذاكرة طبيعية، ولكي لا يفقد الثروة الضخمة المتجمعة من تجارب الماضي، وجب أن تنشأ له ذاكرة، وذاكرة الجنس الإنساني هي التاريخ. فبالتاريخ يتوافر للجنس الانساني الشعور الذاتي... إن التاريخ هو مبدأ إعرف نفسك مضافاً إلى الجنس الانساني، وهو ضمير هذا الأخير. وبهذا الشعور الذاتي يمكن للجنس الانساني أن يصبح، إلى حد ما، مسيطراً على مستقبله، وبدونه تستحيل عليه تلك السيطرة، وبواسطته يستطيع التحكم في مصائره وأن يمضي قدماً في طريق الرقي والفَلاح))[1] ويقول هرنشو: ((إن التاريخ يمد السياسي بأكثر من سابقة تمت تجربتها، إنه يعطيه الأصول الواقعية لمشاكل الوقت الحاضر. وإذا كان من الخطر أن نتناول المسائل السياسية من الناحية النظرية كما لو كانت لا سوابق لها على الاطلاق، فإنه لا شيء بعد ذلك أقتل من أن يظن أن تلك السوابق مما يمكن تجاهلها في كل تسوية يراد بقاؤها ودوامها. وكل المشاكل الكبيرة القائمة في وقتنا الحاضر، سياسية كانت أو اجتماعية، لها تاريخ بعيد))[2].

وأضاف موضحاً صلة علم التاريخ بالسياسة، وحاجة السياسي إلى التاريخ قائلاً: ((التاريخ عبارة عن سياسة الماضي، وإن السياسة تاريخ الحاضر. فموضوع التاريخ والسياسة واحد. وكلاهما يقوم على وقائع غير معينة، وكلاهما يحاول أن يصل إلى البواعث المحركة المستترة وراء ما للوقائع من حجب مشكوك فيها))[3].

كما يرى أن التاريخ يكسبنا تصوراً صحيحاً لما سيأتي بناء على ما مضى فيقول: ((يمكن الانتفاع به – يقصد التاريخ – في توسيع المدارك، وتعويد الناس الانصاف في الحكم، ووضع الأشخاص والحوادث في وضعها الصحيح على مسرح الشؤون العامة. وإن التاريخ حري بأن يكسبها تصوراً صحيحاً لما هو عارض موقوت بالقياس إلى ما هو أبَدي باقٍ في حياة الإنسان...))[4].

وهكذا يمكن القول إن عدداً كبيراً من العلماء قد أدركوا الفوائد الكبيرة التي يمكن أن ينعم بها الإنسان من فهمه للتاريخ، فَلِم لا نستفيد نحن منه الآن ونجعله عظة وعبرة، ومستودع خبرة سابقة ؟ فحين نتحدث عن التاريخ السياسي، والعسكري والاصطدامات الداخلية والخارجية، فلا يعني هذا أننا نريد أن نصوّر التمزّق والاقتتال والصراع فقط، بل نريد أن نفهم ما بين السطور، نريد أن نأخذ العِبَر من ذلك.

وإذا كان للتاريخ هذه الفائدة، وإذا كان على الإنسان أن يستفيد من تجاربه وخبراته، وعلى الأمم أن تستفيد من تجاربها وخبراتها، وتجارب الآخرين بمعنى أن تستفيد من التاريخ عامة الذي هو سجل لأحداث الماضي، فلا مانع من أن ندرس جزءاً من ماضي بلاد الشام السياسي نسقطه على حاضره. ولنتجنب من خلال فهمنا لتاريخنا ما يمكن تجنبه، ولندرك سياسات الدول وغاياتها. وستكون هذه الدراسة لأوضاع بلاد الشام في الفترة التي سبقت الحملة الصليبية الأولى، تلك الأوضاع التي كان لها دور كبير في نجاح هذه الحملة في تحقيق أهدافها. ونسقط ذلك على أوضاع بلاد الشام قبل الحرب العالمية الأولى أو أثناءها، وهي الأوضاع التي أهّلت اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين. مع التأكيد بأن العرب الذين استطاعوا أن يطردوا عنهم كابوس هؤلاء المحتلين من الفرنجة الذين عرفوا باسم الصليبيين، لقادرون على أن يطردوا شبح الصهاينة في العصر الحاضر. وما علينا إلّا أن نهيِّئ لأنفسنا أجواء مشابهة لتلك التي أوجدها قادتنا الذين نعتزّ بهم، ونفخر بما قدموه لنا من خدمة في طرد الصليبيين الغزاة الذين حلّوا بأرضنا، ونهبوا ثروتنا، وقتلوا أبناءنا، تماماً كما يفعل الصهاينة اليوم. أولئك الأبطال من أمثال نور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، وغيرهم من أبطال المسلمين الذين قاوموا وبذلوا تضحيات جساماً في سبيل تحقيق أهدافهم المثلى التي وضعوها نصب أعينهم.

الأوضاع العامة في الخلافة العربية الاسلامية:
كانت أراضي الخلافة العربية الاسلامية في نهاية القرن الخامس ومطلع القرن السادس الهجريين، تخضع لقوى متعددة متنافرة، وقع بينها الخلاف، وعملت كل منها على التوسع على حساب الأخرى، وعلى رأس هذه القوى:
1- الخلافة العباسية:
وكان خلفاؤها قد قبعوا في مدينة بغداد، ورضوا من الحكم بالاسم بعد أن خرجت عن سلطتهم غالبية أراضي الخلافة الاسلامية. ولم يبق بأيديهم إلا بغداد وما يحيط بها، والأمر والقول الفصل في هذه البقعة للسلاجقة سلاطين بغداد.

2- السلاجقة:
وقد توسّعت سلطتهم تدريجياً حتى شملت أغلب مناطق الخلافة العباسية الشرقية، ونهضوا في عهد سلاطينهم، طغرل بك، وألب أرسلان، وملك شاه بحماية أراضي الخلافة العربية الاسلامية، وأثبتوا أنهم سيوف الاسلام الذائدون عنه؛ فقد نهضوا للوقوف في وجه البيزنطيين، وتوسّعوا غرباً على حسابهم. وتوّج ألب أرسلان نضاله مع البيزنطيين بمعركة مناذ كرد[5] تلك المعركة التي كانت آثارها كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي. فعلى صعيد المنطقة، فإنها فتحت أبواب آسية الصغرى أمام السلاجقة، ودحرت القوات البيزنطية باتجاه الغرب، وفسحت الفرصة للسلاجقة بتأسيس دولة سلاجقة الروم. وعلى الصعيد الخارجي، فإن هذه المعركة كانت سبباً من أسباب توحيد قلوب أوروبا المسيحية ضد المشرق الاسلامي، إثر استنجاد أباطرة القسطنطينية بالبابوية، لرد خطر السلاجقة، الذين أخذوا في اجتياح ممتلكاتهم.

ولم تستمر قوة السلاجقة بالصعود، فقد أخذت قوتهم بالانحلال إثر وفاة ملك شاه سنة 485هـ/ 1902- 1903م. وانقسم السلاجقة على أنفسهم، ووقعت الحروب بينهم. وقد انجلى هذا النزاع الذي دام ما يزيد عن سنتين عن انتصار بركياروق بن ملك شاه وتسلمه لعرش السلطنة السلجوقية[6].

وإذا كان النزاع حول العرش قد انتهى فإن آثاره لم تنته. فقد ذهبت وحدة السلاجقة وتماسكهم، وأصبحوا شِيَعاً وأحزاباً ومعسكرات متباينة تتصارع فيما بينها. وانقسمت دولتهم إلى خمس ممالك متنافسة هي: سلطنة فارس وعلى رأسها السلطان بركياروق نفسه الذي كانت له السيطرة على بغداد، ومملكة خراسان وما وراء النهر وعلى رأسها سنجر، ومملكة حلب وعلى رأسها رضوان بن تتش، ومملكة دمشق وعلى رأسها دقاق بن تتش. وأخيراً سلطنة سلاجقة الروم وعلى رأسها قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش[7].

وفَقَد السلاجقة بذلك حماسهم المتدفق للتوسع الخارجي ومحاولة بسط نفوذهم على أقاليم جديدة، وصار بأسهم بينهم شديداً، وبدأوا يتناحرون، وأصبح الظفر بالعرش هدفاً في ذاته، وقلّدهم وزراؤهم وقوّادهم فتنافسوا وتناحروا للظفر بالوزارة أو القيادة. وأخذت الدولة السلجوقية تَضعُف منذ ذلك الحين، وأخذ نجمها يفقد بريقه حتى أفل في النهاية[8].

وقد استغلت القوة المحيطة بالسلاجقة في داخل البلاد تحطيم قوة البيت السلجوقي، بانقسامه على نفسه لصالحها. فعمل الخليفة العباسي في بغداد على تحرير نفسه من سيطرتهم. كما استقلت قبيلة بني مزيَد العربية عنهم وأسّست إمارة بني مزيَد في الحلّة[9]. كما أخذت قوة السلاجقة في الشام تنحسر سريعاً على إثر الخلاف بين ولدي تتش: رضوان صاحب حلب، ودقاق صاحب دمشق.

ولعل أكبر مظهر لانحلال سلطان السلاجقة في بلاد الشام والعراق وغيرها، ظهور عدد كبير من البيوت الحاكمة لا يجمعها رابطة سوى الاتصال بالبيت السلجوقي، ومن تلك البيوت ظهرت وحدات سياسية أطلق عليها اسم الأتابكيات، وعلى أصحابها اسم الأتابكة[10].

وبعض هذه الوحدات صغير جداً لا يتعدى أسوار مدينة أو قلعة واحدة. وقد تعاظم دور الأتابكة لأنهم عدة كل سلطان أو مدّع للسلطة، وأساس قوته في صراعه مع الآخرين. ولم يلبث هؤلاء أن عملوا لمصلحتهم الخاصة تحت ستار الحفاظ على مصلحة الأمير السلجوقي الذي يربونه، والدفاع عن حقوقه في حكم بلد أو في سلطنة. وعندما يتحقق لهم ذلك يمارسون الحكم الفعلي باسمه، ثم يحلّون محله رسمياً، ويورثون الحكم لأبنائهم. وقامت بذلك دول الأتابكة. ومن أظهر الأتابكيات أتابكية دمشق ومؤسسها ظهير الدين طغتكين والتي استمرت من سنة 498- 549هـ/ 1104- 1154م. وأتابكية الموصل بزعامة عماد الدين زنكي والتي استمرت من سنة 521- 661هـ/ 1127- 1262م. وقد امتد نفوذ هذه الأتابكية من شمال العراق إلى شمال الشام. وكان في نية عماد الدين زنكي ضم أتابكية دمشق إلى أملاكه، إلّا أنه ما لبث أن قتل فجأة سنة 541هـ/ 1146م بعد سنتين من استيلائه على إمارة الرّها من الصليبيين. وقد تحقق حلمه على يد ابنه نور الدين زنكي الذي حمل الأمانة واستولى على دمشق سنة 549هـ/ 1154- 1155م، ومن ثم أخذ يتطلع إلى مصر لتوحيدها مع بلاد الشام، ولينهض بهذه الجبهة الموحدة لمهاجمة الصليبيين، وتحرير بلاد الشام منهم.

3- الخلافة الفاطمية
أما القوة الثالثة التي كان لها أثر كبير في أحداث المنطقة في تلك الفترة، فهي الخلافة الفاطمية. وكان قيامها بشمال أفريقية سنة 296هـ/ 909م. ثم انتقلت إلى مصر سنة 358هـ/ 972م. وأخذت من ثم تنازع الخلافة العباسية زعامة العالم الاسلامي. وما لبثت قوة الخلافة الفاطمية أن بدأت بالانحسار التدريجي عن بلاد الشام بفضل جهود السلاجقة في هذا المجال، حيث تمكّن قائدهم أتسز التركماني من فتحها في ذي القعدة سنة 468هـ/ حزيران (يونيو) 1076م. وقد تطلع أتسز إلى فتح مصر كلها ووصل إلى أطرافها. ولكنه فشل في تحقيق أهدافه[11]. وتتالت خسائر الفاطميين لأملاكهم في بلاد الشام حتى لم يبق لهم إلاَّ المناطق الساحلية من جبيل حتى الجنوب[12].

أراد الفاطميون استغلال اضطراب أوضاع بلاد الشام إثر النزاع بين ولدي تتش، وانشغال بعض القوى الأخرى بالغزو الصليبي، لاسترجاع نفوذهم في بلاد الشام الجنوبية. فخرج من مصر جيش فاطمي تحت قيادة الوزير الأفضل بن بدر الجمالي نفسه لمحاصرة بيت المقدس وفتحه لصالحهم. فاضطر الأراتقة حكامه في تلك الآونة، إلى الانسحاب منه في شوال سنة 491هـ/ آب (أغسطس) 1098م[13].

ولم تلبث بقية فلسطين أن سقطت بعد ذلك في أيدي الفاطميين. وعلى الرغم من تمكن الفاطميين من استعادة فلسطين لحسابهم، فإنهم كانوا إثر وصول الحملات الصليبية يمرون في دور ضعف تعود عوامله لما يلي:
1- تعدد الأجناس المكونة للجيش الفاطمي من مغاربة وأتراك وسودان، وما كان يقوم بين هذه العناصر من صراع بعضها ضد البعض الآخر.

2- تولي خلفاء الفاطميين في الفترة الثانية من حكمهم لعرش الخلافة وهم صغار السن. فاستبدّ الوزراء بالحكم من دونهم حتى عرف العصر الفاطمي الثاني بعصر الوزراء العظام. وأصبح منصب الوزارة في هذه الفترة محطّ أطماع كبار رجال الدولة وقادة الجيش، فنشبت صراعات دامية أدّت إلى ضعف الدولة[14].

3- تعرض الاقتصاد في مصر إلى هزات عنيفة نتيجة انخفاض النيل مرات عديدة. وصحب ذلك مجاعات وأوبئة أدّت إلى ضعف الأوضاع العامة[15].

4- حدث انشقاق عقائدي بين صفوف الفاطميين إثر وفاة الخليفة المستنصر بالله سنة 487هـ/ 1094م. وقام الوزير الأفضل بن بدر الجمالي بتجاوز خليفته نزار وتولية ابنه الآخر باسم المستعلي بالله. فانشق عدد كبير من الدعاة برز منهم الحسن بن الصباح الذي ترأس دعوة جديدة لنزار، عُرف أصحابها فيما بعد بالحشيشية.

4- أوضاع بلاد الشام
عاشت بلاد الشام قبل وصول الحملة الصليبية الأولى مرحلة مظلمة من حياتها؛ فمنذ دخلت بلاد الشام تحت نفوذ السلاجقة سادَتْها الفوضى. فلم يعمل الحكام الجدد على حكمها حكماً مباشراً، بل قبلوا بوجود أُسر محلية قدّمت لهم الولاء. ومن ذلك أنهم تركوا حكم حلب في بداية الأمر إلى بني مرداس[16]، وحكم طرابلس إلى بني عمار، وشيزر إلى بني منقذ، وكذلك حمص إلى وُلاة محليين، وقد كان وُلاة السلاجقة أو مقطعوهم في بلاد الشام على خلاف فيما بينهم وصل إلى حد الاقتتال أحياناً. ولم يعمل هؤلاء على بذل الجهد في تحسين الأوضاع بل على العكس من ذلك، فإن البلاد عانت في عهدهم محناً لم ترَ ما يماثلها. وسنضرب مِثالاً على ذلك عن وضع مدينة دمشق تحت حكم أتسز التركماني. فقد عانت دمشق أثناء حصاره لها وزمن حكمه محناً لم ترَ ما يماثلها. ومرت بفترة من أحلك فترات حياتها وأصعبها. حتى أن المؤرخين المعاصرين للفترة ذكروا أنه لم يبقَ من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد أن كانوا خمسمائة ألف، أفناهم الفقر والغلاء والجلاء. كما يذكر أنه كان فيها مائتان وأربعون خبازاً فصار فيها خبازان، ورخصت الدُّور، فالدار التي كانت قيمتها ثلاثة آلاف دينار نودي عليها بعشرة دنانير، فلا يشتريها أحد. والدكان الذي كان قيمته ألف دينار يُشترى بدينار. ومما لاشك فيه أن هذه الصورة المحزنة لمدينة دمشق تفسر الموقف السلبي الذي أبدته هذه المدينة عند مجيء الغزاة الصليبيين إلى الشام وبعد احتلالهم لبعض أجزائها بفترة طويلة[17].

وقد توحّدت غالبية أجزاء بلاد الشام بعد ذلك تحت حكم تاج الدولة تتش السلجوقي لسنوات قليلة توفي بعدها تتش. ودخل السلاجقة عامة في مرحلة الضعف والتجزئة، وأثر ذلك على وضع بلاد الشام السياسي. فقد قُسِّمت أملاكه بين ولديه دقاق الذي تسلّم حكم دمشق 488 – 508هـ/ 1095 - 1114م ورضوان صاحب حلب 488 – 507هـ/ 1095 – 1113م[18] وأراد كل منهما أن يستأثر بملك أبيه، وأخذ في ضم الأنصار إليه لقتال أخيه، فتحالف رضوان مع قبيلة كلاب العربية ومع صاحب مدينة سروج سكمان الأرتقي، وتحالف مع إيلغازي الأرتقي وصاحب أنطاكية، الذي ما لبث أن تحول إلى جانب رضوان. وأخذت المنافسة بينهما شكلاً حاداً. وأجرى رضوان استعدادات لمهاجمة دمشق لأخذها من أخيه دقاق، ثم هاجمها أكثر من مرة، ولكنه فشل في دخولها. وكان يستعد للهجوم عليها آخر مرة في الوقت الذي تواصلت فيه الأخبار بظهور عساكر الإفرنج، وقرب وصولهم إلى بلاد الشام[19]. فتفرق المتنازعون وتوجه كل منهم إلى إمارته لحمايتها من الصليبيين[20].

أما فلسطين فقد أقطعها تتش السلجوقي لقائده التركماني أرتق الذي خلفه سنة 484هـ/ 1099م ولداه سكمان وإيلغازي[21]. وبقيت بيد الأراتقة إلى أن خرج الفاطميون إليها واستعادوها في شَوَّال سنة 491هـ آب (أغسطس) 1098م، والصليبيون على أبواب أنطاكية.

لم يقتصر التمزق في بلاد الشام على المجال السياسي، بل تعدَّاه إلى النطاق المذهبي. فبينما كان أهالي دمشق على مذهب السنة، سيطر الشيعة الإثنا عشرية على حلب. كما تعددت الشِّيع وتنافرت المذاهب خارج هاتين المدينتين. فقد ظهرت فِرقة الدروز الذين ألَّهوا الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، ونشط النِّزارية أتباع الحسن بن الصباح، وبسطوا سلطانهم على عدد من الحصون والقلاع.

أسباب الحروب الصليبية:
وفي غمرة الصراع بين هذه القوى المتعددة، واهتمام كل واحدة منها بأوضاعها الخاصة دون النظر إلى مصلحة البلاد العربية الاسلامية، نشبت الحروب المعروفة في التاريخ باسم الحروب الصليبية، وهي الحروب التي شنتها أوروبا الغربية المسيحية على بلاد الشام خاصة ومصر أحياناً. وقد ارتدَت هذه الحروب حلَّةَ الدين، وحمل أفرادها شارة الصليب، وادعوا أن غايتهم انتزاع الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين. وواقع الأمر أن هذه الحروب كانت نتيجة لتفاعل عوامل متعددة دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية. وقد ركز عدد كبير من المؤرخين الغربيين على الأسباب الدينية لهذه الحروب، وجعلوها السبب الرئيسي الذي فاق كل الأسباب أهمية، بل جعلها بعضهم السبب الوحيد.

ويمكن دحض هذه الأهمية التي أُعطيت للأسباب الدينية بسهولة ويُسر؛ لأن الحروب الصليبية لو نشبت لدواعٍ دينية فقط، لَما اقترف الصليبيون مجازرهم الوحشية بين السكان النصارى في المناطق التي عبروها في طريقهم إلى بلاد الشام، ولَما حوَّلوا إحدى حملاتهم، والمعروفة باسم الحملة الصليبية الرابعة، باتجاه دولة مسيحية هي الدولة البيزنطية، وضد عاصمة مسيحية هي مدينة القسطنطينية. ويمكن ذكر أمثلة من هذه المجازر لإثبات ذلك مِمن أرّخ للحروب الصليبية من الفرنجة، ومن شهود العيان أنفسهم. وسأعتمد بشكل خاص على كتاب أعمال الفرنجة وحجَّاج بيت المقدِس لمؤرخ رافق الحملة الصليبية الأولى. وأورد في ثنايا كتابه بعض المعلومات التي تدل على أنهم لم يخرجوا لحماية المسيحية والمسيحيين، بل غالباً ما كان خروجهم لمكاسب اقتصادية، ساعدهم على تحقيقها وضع بلاد الشام المضطرب. فقد أورد قائلاً: ((أما بطرس فكان أول الذاهبين إلى القسطنطينية، فبلغها وبصحبته الفريق الأعظم من الألمان، وهناك انضم إليه اللمبارديون وكثيرون سواهم. فأمر الإمبراطور بتزويدهم بالمِيرة بقدر ما تسمح به طاقة البلد. وقال لهم لا تعبروا البوسفور قبل وصول بقية الجيش المسيحي، لأنكم لستم بالكَثرة التي تمكنكم من محاربة الترك، فسار المسيحيون أسوأ سيرة، إذ خرّبوا قصور المدينة (المقصود القسطنطينية) وأضرموا فيها النيران، وخلعوا الرصاص الذي كانت تُغطّى به الكنائس، وباعوه للاغريق... ولم يتورع الصليبيون، بعد كل ما ارتكبوه، من اقتراف شتى ضروب المساوئ كإضرام النار في البيوت والكنائس وتخريبهم إيَّاها...))[22] كما قاتل بلدوين أحد قادة الحملة الصليبية الأولى رجالَ البيزنطيين من المسيحيين. ومِمّا أورده المؤرِّخ الصليبي في هذا المجال قوله: ((فلما تناهى ذلك الخبر إلى بلدوين – أخي الدوق – كمن لجند الإمبراطور (يقصد البيزنطي) في الطريق، وباغتهم... واستبسل في الهجوم عليهم. وأيَّده الرب بظهوره عليهم. فأسر منهم ستين رجلاً غير من قتلهم، وجاء بالباقين إلى أخيه الدوق...)). وأورد كذلك ما فعله رجال الحملة في إقليم بلاغونيا، وهي قرية من قرى المسيحيين الذين يخالفونهم في المذهب، والذين أطلقوا عليهم اسم الملاحدة فقال[23]: ((دخلنا إقليم بلاغونيا Pelagonie حيث توجد قرية من قرى الملاحدة هاجمناها من جميع نواحيها، وسرعان ما سقطت في أيدينا. ثم أضرمنا بها النار وأحرقناها بسكانها، ودمرناها تدميراً)).

ومثال آخر أورده لنا الدكتور حسن حبشي[24] إذ قال:
"أما بطرس، فقد أقام بعض الزمن في كولونيا، وأجدت عليه إقامته نفعاً. فقد انضمت إليه جموع غفيرة من الألمان سار بهم عبر الدانوب حتى بلغ بلاد المجر فعبرها سالماً حتى بلغ مدينة سملين، إلا أن حادثاً تافهاً جرى أدى إلى معركة بين جموع بطرس والأهالي...".

والأمثلة على ذلك كثيرة وهي أكثر من أن تدخل تحت حصر. وسأكتفي بهذا القدر منها؛ لأن ما ورد يعتبر دليلاً كافياً على أن الذين خرجوا باسم الصليب، لم تكن غايتهم الدينية هي الأولى، بل كانت هذه الدوافع ستاراً لتحقيق مصالح أهم وأكثر إلحاحاً وعلى رأسها المصالح الإقتصادية. فقد كان نشاط العرب المسلمين التجاري قد أزعج الجمهوريات الإيطالية التي كانت تريد احتكار البحر الأبيض المتوسط لصالحها. وقد سبق للجنوية والبيازنة أن تعاونوا معاً في محاربة العرب في صقلية سنة 407هـ/ 1016م. ثم اندفع البيازنة إلى مدينة بونه سنة 425هـ/ 1034م، وقاموا، بتحريضٍ من البابا فيكتور الثالث، بالهجوم على تونس سنة 480هـ/ 1087م، حيث سقطت المهديَّة في أيديهم. كما عمل النورمانديون على استخلاص جزيرة مالطة سنة 483هـ/ 1091م[25]. وحقيقة الأمر أن النواحي الدينية كانت تكيّة، وأن الحروب اتسمت بنزعتها في القضاء على القوى الإسلامية كقوة فعّالة في تحريك أمور بلاد الشام، واهتموا بتملك بعض نواحي الشرق العربي في إطار يعمل فيه الجميع في المنطقة لخدمة الأغراض الأوروبية[26].

وإذا كانت الأسباب الدينية ليست كل شيء في الحروب الصليبية وأن الأسباب الاقتصادية فاقتها أهمية، فما هي الدواعي الأخرى لهذه الحروب ؟
لعبت الأسباب السياسية دوراً كبيراً، ذلك أن البابوية تمسكت بفكرة الفراغ الذي نجم عن هزيمة البيزنطيين في موقعة ملاذكرد سنة 463هـ/ 1071م، بسبب اندفاع السلاجقة في الأراضي البيزنطية، وعجز البيزنطيين عن صدهم، فرأت أن تحل أوروبة الغربية في الدفاع عن هذه المنطقة وحجاجها الأوروبيين، وذلك باحتلال بلاد الشام[27].

كما عمل البابوات على توجيه الفرسان لقتال المسلمين بدلاً من الانصراف إلى الحروب الداخلية. وهذا السبب يمكن أن يقال أيضاً عن الحروب التي نشبت بين المسلمين والمسيحيين في أسبانيا وجزر البحر المتوسط، والذي أراد البابوات نقله إلى العالم الإسلامي في المشرق، مع العمل على الاستيلاء على الأراضي المقدسة. يضاف إلى هذا مطامع بعض الأمراء والنبلاء الذين لم تسمح لهم الظروف بتأسيس إمارات لهم في أوروبا، ورغبة أولئك الذين كانت لهم إمارات بإنشاء أخرى في المشرق. وفوق هذا فإن البابوية أخذت تخشى من النورمان الذين إزداد خطرهم على صقلية وجنوب إيطاليا، فرأت في الحروب الصليبية فرصة لصرفهم عن إيطاليا وتوجيه نشاطهم نحو ميدان آخر بعيد[28].

وأهم من كل ذلك رغبة البابا في توحيد الكنيستين الشرقية والغربية تحت سيطرته. وكانت معركة مناذ كرد الشرارة التي آذنت بهذا التقارب، فمنذ هذه المعركة وأباطرة البيزنطيين لا ينقطعون عن طلب النجدة العاجلة من البابوية ضد السلاجقة المسلمين. من ذلك أن الإمبراطور ميخائيل السابع (463- 472هـ/ 1071- 1079م) ألحّ على البابا جريجوري السابع (465- 478هـ/ 1073- 1085م) في إرسال نجدة سريعة لإنقاذ الإمبراطورية البيزنطية، وأراضيها في آسية الصغرى. ووعد ميخائيل أن يَرُدَّ الجميل للبابوية بالعمل على إزالة الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية[29]. ولكن البابوية شُغلت في هذا الدور بمشاكلها الداخلية، مما جعل الإمبراطورية البيزنطية تقف وحيدة أمام خطر السلاجقة. ونهض الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومينين (474- 512هـ/ 1080- 1118م) بمهمة الإستنجاد بالبابوية ثانية بعد أن لمس أنه لا قدرة له على مواجهة السلاجقة، ولابد، للتخلص من هجماتهم على أراضيه، من دعوة البابا أوربان الثاني (481- 493هـ/ 1088- 1099م) لإنقاذ المسيحية وحماية الأماكن المقدسة[30].
أما العوامل الإجتماعية، فلم تكن لتقلّ أهمية عن العوامل السياسية والاقتصادية فقد كانت الغالبية العظمى من الطبقات الدنيا في المجتمع الأوروبي تحيا حياة ملؤها البؤس والشقاء في ظلِّ النظام الإقطاعي. فانتشرت بينها الأوبئة والمجاعات. وكان ذلك بسبب الظروف القاسية التي عاشها الفلاحون في غرب أوروبا في تلك الفترة. فكثير من الأراضي الزراعية تعرضت للخراب نتيجة لهجمات البرابرة. فقلَّت الأقوات في الوقت الذي إزدادت فيه أعداد السكان، وزاد الأمر سوءاً الحروبُ والمنازعات بين الأمراء الإقطاعيين، إضافة إلى النكبات الطبيعية والاقتصادية التي عانى منها الغرب الأوروبي حينذاك. فعاش الناس في المنطقة عيشة الفَقر والحِرمان والخوف. وقد دفعتهم هذه الأوضاع إلى الإشتراك في الحروب الصليبية، إذ لا داعي للخوف من الموت ومن قتال المسلمين، وهم في حال أقرب إلى الموت. فعوضاً من أن يموت الرجل من الجوع في بلده محمَّلاً بما ارتكبه من ذنوب حياته، فإنه من الأفضل له أن يموت في حرب مقدَّسة، مما يضمن له غفران ذنوبه ودخوله الجنة. وقد دفع ذلك كثيرين للاشتراك في الحروب الصليبية. وإلى جانب هؤلاء فقد رغب بعض الأمراء والفرسان في هذه الحروب لإشباع روح المغامرة التي سيطرت على حياتهم العامة والخاصة[31].

الاستعداد للحملة الصليبية الأولى:
كان البابا أوربان الثاني يختلف عمَّن سبقه من البابوات بمميزاته الشخصية من جرأة وبُعد نظر، ومقدرة على اختيار الرجال والتأثير عليهم. إضافة إلى رغبته الشديدة في توحيد الكنيستين الشرقية والغربية تحت زعامته. فعقد مجمعاً في كليرمون في ذي القعدة سنة 488هـ/ تشرين الثاني (نوفمبر) 1095م، حضره أُمراء من مختلف أرجاء أوروبا على اختلاف رغباتهم، كما حضره عدد من رجال الدين. ونهض البابا لإثارة حماس الحاضرين لقتال المسلمين بأسلوبه المتباكي وبما عزفه على وتر المصالح المادية والدينية[32]. فقد أشار إلى الإمكانات التي توفرها أراضي الكفَّار (يقصد المسلمين) في الشرق للفرسان المسيحيين الفقراء. ولقد خطب آخرون بنفس اللهجة الحماسية. وأيدوا البابا في وجوب توجيه حملة إلى المشرق، حتى لاقت الفكرة آذاناً صاغية، وتحمَّس المجتمعون، فوافقوا على القيام بهذه الحرب، وبدأ الهتاف في المجمع بترديد عبارة ((هكذا أراد الله))[33]. وبادر الحاضرون إلى اتخاذ الصليب شارة لهم، مما دعا إلى تسمية هذه الحروب باسم الحروب الصليبية، والقائمين بها بإسم الصليبيين. وتحددت سنة 489هـ/ 1096- 1097م. موعداً لإنطلاق الصليبيين، وجعلت القسطنطينية مركزاً لإجتماع فئاتهم لترتيب خطة الهجوم على آسية الصغرى والشام[34].
لم يكتف البابا بذلك بل أخذ يتنقل بين المدن الأوروبية داعياً للحرب الصليبية. فنجح نجاحاً كبيراً بانضمام عدد من الأمراء وخاصة من مقاطعات فرنسا كما حصل على دعم مدينة جَنَوَة وكان هؤلاء نواة الحملة الصليبية الأولى.

أحداث الحملة الصليبية الأولى:
تألفت الحملة الصليبية الأولى من قسمين ضمّ القسم الأول العامّة، على حين شمل القسم الثاني الأمراء. كانت حملة العامّة بزعامة بطرس الناسك وإلى جانبه زعيم آخر اسمه والتر. واجتمع للفريقين عدد ضخم من الأتباع بلغ حوالي خمسة عشر ألفاً، اصطحب بعضهم نساءهم وأطفالهم واتخذوا طريق البر عبر هنغاريا ثم الأراضي البيزنطية. وقد قام هؤلاء، الذين ادّعوا أن خروجهم لحماية المسيحيين، بمذبحة رهيبة في هنغاريا قتل فيها حوالي أربعة آلاف من المسيحيين الأبرياء ذاتهم، إلى جانب نهب وسلب كل ما يصل إلى أيديهم. وسرعان ما أحسّ الإمبراطور البيزنطي وشعبه بخيبة أمل كبيرة، فبعد أن طلبوا من البابوية والغرب إمدادهم بجيوش حربية منظمة تساعدهم في صد خطر السلاجقة، إذا هم يفاجئون بوصول حشود من الدهماء يعتدون على أهالي الإمبراطورية الآمنين ويسلبونهم ما يمتلكون. وإزاء ذلك الخطر الجديد أسرع إمبراطور البيزنطيين بنقل تلك الجموع الصليبية إلى آسية الصغرى كي لا يمكنهم من أن يعيثوا في عاصمته فساداً. ولم يكن منتظراً أن يستطيع أولئك العوام الذين يجهلون أساليب الحرب واستخدام السلاح الصمود في وجه السلاجقة، فقضوا عليهم وحولوهم إلى كومة ضخمة من الأشلاء. وكان ذلك قرب نيقية في سنة 489هـ/ تشرين أول (أكتوبر) 1096م[35].

أما الشطر النظامي من الحملة الصليبية الأولى وهو حملة الأمراء، فقد أُعدّ إعداداً جيداً، وتألف من مجموعات متعددة لكل منها طابعها المميز الذي لازمها منذ أول الأمر، وميَّز نشاطها في الشرق. وبعبارة أخرى فإن الروح الإقطاعية بدت واضحة في الشطر النظامي منها. إذ تولى زعامتها عدد من الأمراء لكل منهم اتجاهاته وجُنده وسياسته الخاصة. وكانوا في غالبيتهم من القطاع اللاتيني. ولم يكن من القطاع الألماني سوى القليل.

ألّف المتجهون إلى الشرق ثلاث مجموعات كبيرة، يرأس الأولى غودفروادي بويون وبرفقته أخوه بلدوين وهما من فرسان اللورين. وترأس الثانية بوهيموند وابن أخته تنكرد وهما من النورمان. وترأس المجموعة الثالثة ريموند دي تولوز المعروف بالرابع وهو من فرسان إقليم بروفنسال وبصحبته الأسقف أدهمار ليكون مندوباً يمثل البابوية في زعامة الصليبيين في الشرق، إلى جانب زعماء آخرين. والتقت هذه الجموع الثلاثة في القسطنطينية.

تجمعت القوات الصليبية على البوسفور، وكانت من الضخامة بمكان. وقد قدّرت بين ستين ألفاً ومائة ألف على اختلاف بين المؤرخين. ولم تكن هذه القوات قاصرة على المشاة والفرسان ورماة النبال والسهام والعمال الذين تحتاجهم الحملة في القتال والاستعداد له، بل تعدّتهم إلى طائفة غير قليلة من النساء والأطفال والشيوخ والقسس والأساقفة، بل والنساء اللائي جيء بهن لدوافع لا تمتّ إلى القتال بسبب ما. فكانت أشبه ما تكون بهجرة شعبية وطّنت نفسها على الاستقرار بقوة السلاح كجاليات مستعمرة في فلسطين وما يجاورها من البلاد[36] وهي أشبه بالهجرات اليهودية إلى فلسطين في العصر الحديث.

أقسم جميع زعماء الحملة الصليبية الأولى باستثناء ريموندوتنكرد يمين الولاء والتبعية للأمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومينين، وتعهّدوا له بردّ كافة الممتلكات البيزنطية القديمة التي يستطيعون استردادها من السلاجقة، من نيقية حتى أنطاكية. وفي مقابل ذلك تعهّد الأمبراطور البيزنطي بمساعدة الصليبيين في مهمتهم بكل قواه، وأن يقدم لهم المؤن، وأن يسهم بدوره في الحرب الصليبية بتقديم فرق من جيشه برية وبحرية في حال عدم تمكنه من مرافقتهم شخصياً[37].

عبر رجال الحملة الأناضول الخاضعة لقلج أرسلان سلطان سلاجقة الروم، فاحتلوا نيقية قاعدة ملك قلج أرسلان[38]، ثم هزموا السلاجقة في الموقعة الفاصلة عند أسكي شهر، واستخلصوا بذلك منطقة غربي الأناضول كلها[39]. ثم اجتاز الصليبيون جبال طوروس، وانقسموا إلى قسمين، ترأس أحدهما كل من بلدوين وتنكرد، واتجها باتجاه الشمال الشرقي، في حين اتخذ بقية الصليبيين وعلى رأسهم المندوب البابوي وجودفروا وبوهيموند وريموند طريق الشام.

حين وصل الصليبيون برئاسة بلدوين إلى القرى والضياع الأرمنية، رحب بهم الأرمن، واستولوا بمساعدتهم على مدينة الرّها. وأسس بلدوين بها سنة 491هـ/ 1098م أولى الإمارات الصليبية في الشرق[40]. وكان لدى الأرمن دوافع متعددة دفعتهم لتسليم المدينة على هذا الشكل، على رأسها أنها كانت مهددة من جانب السلاجقة وصاحب الموصل كربوغا، إضافة إلى كبر سن حاكمها الأرمني، وعدم وجود خَلَف يرثه في الإمارة[41].

حين كان بلدوين البولوني يعمل في أراضي الجزيرة زحف القسم الآخر من الجيش الفرنجي على شمال الشام قاصداً أنطاكية، فاستولى في طريقه على مرعش وحصن بفراس وقلعة أرتاح.

كانت مدينة أنطاكية حين حاصرتها الجيوش الصليبية بيد السلاجقة، ويحكمها ياغي سيان منذ سنة 479هـ/ 1087م، والذي نهض بعبء الدفاع عن المدينة بمفرده.

كان ياغي سيان على درجة من الكفاية، تبدّت للعيان فيما بذله من جهد مذكور في الدفاع عن المدينة[42]. فقد شحن القلاع بالجند والمقاتلين، واختزن المؤن الكافية داخل أسوار المدينة، واستمر في دفاعه عنها أمام المحاصِرين من الصليبيين لمدة تسعة أشهر، ظهر في أثنائها من شجاعته وجودة رأيه وحزمه واحتياطه ما لم يصدر عن غيره، حتى هلك أكثر الفرنج موتاً[43]. كما حاول الحصول على مساعدة جيرانه أمراء المسلمين في المنطقة، ومساعدة الخليفة العباسي، وسلاجقة فارس، فلم يحصل على معونة عاجلة، إلاَّ ما كان من القوى المحلية التي هاجمت الصليبيين على نهر العاصي[44].

ونتيجة لهذه المقاومة الشديدة التي لقيها الصليبيون أمام أبواب أنطاكية، حاول قسم منهم الفرار وعلى رأسهم بطرس الناسك، على حين رأى بوهيموند أن يجمع بقية الصليبيين تحت إمرته ليستخدمهم في تحقيق أهدافه في تأسيس إمارة لنفسه. وأخذ في استخدام السياسة لينفرد بمدينة أنطاكية، كما عمل على إبعاد كل مساعدة تصل إليها. وأخذ باتهام البيزنطيين بالتآمر مع السلاجقة ضد الصليبيين ليتخلص من وعوده التي قطعها على نفسه لهم[45]. كما عمل على التحالف مع الفاطميين في مصر، ووعدهم بأن يترك لهم بيت المقدس مقابل ترك يده حرة في أنطاكية. كما عمل على أن يستفيد من تمزق أوضاع بلاد الشام السياسية في تلك الفترة، فراسل دقاق بن تتش مطمئناً له، واستمال أخاه رضوان. وقد نجحت هذه الخطة مع بعض الأمراء وفشلت مع بعضهم الآخر، حيث قرر رضوان صاحب حلب إرسال نجدة لأنطاكية لأنها تعتبر من أملاكه، وضمّ إليه بعض الأمراء المحليين. وقد اجتمعت هذه القوات المتحدة في مدينة حارم، وكانت على اتصال بأمير أنطاكية ياغي سيان، واتفق رضوان وياغي سيان على خطة مناسبة، ولكن خيانة بعض أنصار الصليبيين والأرمن في المنطقة أفشلتها، واستولى بوهيموند على حارم نتيجة لذلك، وحصل على مؤونة كافية شجعته على متابعة الحصار.

عمل بوهيموند جاداً على إنهاء الحصار. فبنى قلعة مطلة على المدينة مكان مقابر المسلمين. مستخدماً حجارة المقابر في ذلك. وبدا حسن طالعه بوصول أسطول انكليزي في الوقت المناسب إلى ميناء السويدية يحمل الزاد والسلاح وآلات الحصار، فتغير ميزان القوى لصالح الفرنجة. ويبدي المؤرخ أبو المحاسن عجبَه من موقف الفاطميين وعدم مشاركتهم القوى الاسلامية التي نهضت للدفاع عن أنطاكية ضد الصليبيين فيقول:
"ولم ينهض الأفضل بإخراج عساكر مصر، وما أدري ما كان السبب في عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال"[46].

راسل الصليبيون المحاصرون لأنطاكية أحدَ المستحفظين للأبراج، وبذلوا له مالاً وإقطاعاً مقابل مساعدتهم في فتح الباب لدخول المدينة، فوافق. وبذلك أُتيح للصليبيين دخول المدينة. فقاموا كعادتهم بالقتل والنهب والسلب واستولوا على كل ما فيها. كما قتلوا أميرها ياغي سيان[47]. وقد قدّر المؤرخون الصليبيون عدد المسلمين الذي ذبحهم الصليبيون في أنطاكية بعشرة آلاف نفس[48].
لقد كان لسقوط أنطاكية وَقْع كبير في نفوس العرب والمسلمين في ذلك الحين، لأهمية المدينة ومكانتها في نفوسهم. كما صادف سقوطها تأثيراً معاكساً في نفوس الفرنجة لمكانتها الدينية عندهم أيضاً.

أخذ تفكير الصليبيين يتوجّه بعد فتح أنطاكية إلى بيت المقدس، فعقدوا مجلساً في محَرّم سنة 492هـ/ 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 1098م في كنيسة القديس بطرس في أنطاكية، حيث أجمع الزعماء على استئناف الزحف نحو بيت المقدس. وعلى الرغم من اشتراك بوهيموند أمير أنطاكية في هذا المجلس، وإقراره بالاشتراك بالزحف إليها، فإنه حين بدأت الساعة الحاسمة تخلَّف وفضَّل البقاء في أنطاكية، وكذلك فعل بلدوين أمير الرها، وذلك لأنهما حصلا على ما يبغيان من خروجهما وهو تأسيس إمارة خاصة بكل منهما[49].

قاد ريموند جموع الصليبيين المتوجهة إلى بيت المقدس في صفر سنة 492هـ/ 13 كانون الثاني (يناير) 1099م. وتوغَّل الصليبيون بعد ذلك في بلاد الشام، وكانوا يسيرون في الغرب متحاشين المدن الداخلية الكبرى كحلب ودمشق. وقد وقع عبء الدفاع عن تلك المناطق على عاتق القوى المحلية، وكثير منها لم يكن يستطيع بمفرده الوقوف أمام جحافل الصليبيين، مما دعاهم إلى المسالمة تحت تهديد استخدام السلاح في وجوههم، ولكن البعض الآخر لم يستكن للتهديد، وبذل كل ما يستطيع من جهد لإيقاف هذا الزحف. ومن ذلك اتصالهم بحكام حمص وطرابلس وشيزر، متعهدين لهم بعدم مهاجمتهم إذا قدموا المساعدات للفرنجة، فحصلوا منهم على ردّ بالموافقة[50]. فهيأ ذلك الجو للصليبيين باحتلال حصن الأكراد في صفر سنة 492هـ/ 29 كانون الثاني (يناير) 1099م. وقد استعصت عليهم بعض المناطق مثل عرقة وصيدا، وعقدت معهم بعض المدن اتفاقات مفردة، كما حدث مع قاضي جبلة الذي تعهَّد لهم بدفع جزية من المال والخيل، مقابل تركه، كما سالمهم أهالي بيروت.

احتل الصليبيون مدينتي اللد والرملة[51] وبيت لحم حيث غادروها إلى بيت المقدس. وقد اتخذ حاكمها الفاطمي كافة الاحتياطات التي وجدها في رأيه كفيلة بحماية المدينة المقدسة، من جملتها تقوية تحصينات المدينة والتأكد من سلامة أسوارها، وتأمين التموين من طعام وماء. واعتمد في الدفاع عنها على حامية كبيرة من الجند المصريين والسودان[52].

ضرب الصليبيون الحصار على بيت المقدس في رجب سنة 492هـ/ حزيران (يونيو) 1099م. وبعد أقل من أسبوع من الحصار، وصلت إليهم إمدادات بشرية وعسكرية وغذائية، كما ارتفعت معنوياتهم باحتلال يافا. على حين كانت الحامية الفاطمية محصورة داخل أسواء بيت المقدس، ومقطوعة عن العالم الخارجي.

استمر حصار بيت المقدس قرابة شهرين، قام الفرنجة أثناءها بصنع برجين، وجعلاهما يطلان على سور المدينة. استخدموها لرمي المجانيق، مما أدّى إلى هزيمة المسلمين في ليلة 23 شعبان سنة 492هـ/ 14 تموز (يوليو) 1099م. وفرَّ المدافعون عن المدينة للاحتماء بالمسجد الأقصى والدفاع عنه. فدخل الصليبيون المدينة واقتحموا المسجد، وأحدثوا بداخله مذبحة وحشية رهيبة، عبَّر عنها مؤرخو الحروب الصليبية من الفرنجة خير تعبير حين قال أحدهم:
"حتى أن جنودنا كانوا يخوضون حتى سيقانهم في دماء المسلمين"[53].

كما ذكر صاحب كتاب أعمال الفرنجة[54]، وهو من شهود العيان كثرة القتلى من المسلمين، وصوّر ذلك تصويراً بارعاً فقال:
"وصدر الأمر أيضاً بطرح كافة موتى الشرقيين خارج البلدة لشدة النتن المتصاعد من جيفهم، ولأن المدينة كادت أن تكون بأجمعها مملوءة بجثثهم. فقام الشرقيون الذين قيضت لهم الحياة، بسحب القتلى خارج بيت المقدس وطرحهم أمام الأبواب، وتعالت أكوامُهم حتى حاذت البيوت ارتفاعاً. وما تأتّى لأحد قطّ أن سمع أو رأى مذبحة كهذه المذبحة التي ألمَّت بالشعب الوطني (يقصد المسلمين من أهالي بيت المقدس)".
ولم يختلف هذا الوصف بقليل أو كثير عن وصف المؤرخ ابن الأثير لها[55].

أحدث سقوط بيت المقدس موجة من الرُّعب في نفوس أهالي المدن والقرى المجاورة، فخلت من المدافعين عنها. وأخذ الصليبيون يستولون على هذه المدن الواحدة تلو الأخرى.

وهكذا أسَّس الصليبيون الإمارة الثالثة في بيت المقدس، وأتْبَعوها بتأسيس الرابعة في طرابلس. وليس معنى ذلك أن العرب المسلمين تركوا للصليبيين حرية العمل في المنطقة دون مقاومة، وأن جميع من واجه الصليبيين استسلموا. بل كانت هناك بطولات فردية، لم تجدِ أمام ضَعف نفوس غالبية من واجه الصليبيين. ومما جعل هذه الجهود تفشل وتذهب أدراج الرياح أنها كانت في كثير من الأحيان تأتي في وقت متأخر، أو أنها لم تكن كافية لردع المعتدي. وإلى جانب ذلك، فقد ترك هذا الوضع السيء أثراً أليماً في نفوس العرب والمسلمين، ولكن التجاوب العاطفي لا يفعل شيئاً في المعارك العسكرية، فالسلاح لا يفلّه إلاَّ السلاح، والهجوم لا يرده إلاَّ هجوم معاكس وقوي. ومن ذلك أن بغداد عاصمة الخلافة العباسية، كان رد الفعل العاطفي فيها قوياً، فكلما استولى الصليبيون على بلد في الشام يثور الرأي العام فيها، ويتجمع الناس في المساجد مطالبين الخليفة والسلطان باتِّباع سياسة ايجابية في جهاد الغزاة. وكذلك كان الأمر في القاهرة ودمشق. فقد أقيمت المآتم، وأخذت الشعوب تضغط على حكامها للخروج لدفع المعتدين. إلاَّ أن الجهود التي بذلت باءت بالفشل في هذا الدور من أدوار الغزو الصليبي لأنها كانت جهوداً فردية لم تنتظم في وحدة، ولم تنسِّق بينها خطة شاملة، مما أدّى إلى ضياعها عبثاً دون نتيجة واضحة. وبذلك استمر الصليبيون في بلاد الشام يَبْغون ويتوسعون في الاتجاه الشمالي الشرقي، وفي الاتجاه الشرقي، وأيضاً في الاتجاه الجنوبي صوب مصر، على حساب القوى الإسلامية الصغيرة المتناثرة هنا وهناك[56].

تحليل لأسباب نجاح الصليبيين في تحقيق أهدافهم:
اتَّضح من ذكر مُجريات الأحداث أن توزّع القوى وتمزق الكلمة، وضعف النفوس، وحب السيطرة والتملك، والأنانية الفردية التي سادت لدى حكام المنطقة والمسؤولين عن الدفاع، ولدى بعض الخونة غيرهم، كانت من أهم العوامل التي أدّت إلى تحقيق الصليبيين لأهدافهم وقد لبست هذه العوامل أرديةً مختلفة تبدّت فيما يلي:
1- خيانة بعض العناصر الذين خشوا هزيمة الأتراك السلاجقة، حكامهم المدافعين عن بعض المدن، ورأوا في الاتصال بالصليبيين ومساعدتهم الطريق الأسلم لتحقيق مصلحة خاصة. ومن الأمثلة على ذلك ما فعله أحد المستحفَظين على أبراج مدينة أنطاكية والمعروف في بعض المصادر باسم فيروز[57] وروزبه في مصادر أخرى[58]. وهو تركي في مصادر وأرمني في أخرى. وعلى الرغم من الخلاف حول اسمه وجنسه فما يهمنا أنه لعب دوراً في تسليم مدينة أنطاكية لبوهيموند بعد أن توثّقت عُرى الصداقة بينهما. وراح بوهيموند يُغريه بالشَّرف العظيم والثروة الوافرة التي يحققها له إذا تعاون معه. فوثِق فيروز بتلك الأقوال والعهود ووعده بتسليمه الأبراج الثلاثة التي يحرسها عن طيب خاطر، يوم يشاء مع الترحيب[59]. وهناك أمثلة متعددة، منها خيانة بعض أهالي مدينة حارم وتواطؤهم مع الصليبيين، وإخبارهم بوصول مساعدة لأنطاكية، مما ساعد الصليبيين على القضاء عليها قبل وصولها، وفسح المجال أمامهم باحتلال حارم، وحرمت بذلك مدينة أنطاكية المحاصرة، من مساعدة جيش رضوان بن تتش صاحب حلب[60]. وكذلك ظهرت خيانة البعض مما أدّى إلى تسليم مدينة الرّها وغيرها كثير.

2- استهتار العناصر المسؤولة عن الدفاع عن المنطقة بالقوى المهاجمة، وعدم تقديرها لقوة أعدائها. فقد سخر الترك من الفرنجة ومن أسلحتهم حتى بعد أن حقق هؤلاء جزءاً من أهدافهم بتأسيس إمارتي الرّها وأنطاكية. بدا ذلك واضحاً حين جاءت بعض العناصر من أنطاكية إلى القائد التركي كربوغا – الذي خرج لقتال الصليبيين إثر احتلال أنطاكية – بسيف رخيص قد علاه الصدأ وقوس مسْودّ، وحربة لم تعد صالحة للاستعمال، كانوا قد أخذوها من جماعة من الحجاج الفقراء، وقالوا له هذه هي الأسلحة التي يحملها الفرنجة في محاربتهم إيّانا، فسخر كربوغا منهم ومنها وقد بدا ذلك واضحاً في رسالته التي كتبها إلى الخليفة العباسي، وإلى السلطان السلجوقي وغيرهما، والتي يوضح فيها أنه سيصل بقواته حتى بلغاريا وإقليم أبوليا[61]. ولو قدّر الأمر حق قدره، لرصد من قوته ونفسه وخططه وسياسته ما يمكّنه من دحرها. ولكن سوء التقدير دفعه إلى الاستهتار وعدم المبالاة، ففشل في أن يحقق شيئاً.

3- عدم توحيد القوى العربية والاسلامية المسؤولة لمواجهة الخطر منذ تحركه. فقد قاتل سلاجقة الروم في آسية الصغرى الصليبيين بمفردهم، فلما انهزم هؤلاء انفتحت أبواب الشام على مصراعيها أمام الصليبيين، وراح كل قسم يدافع بقواته الخاصة عن نفسه. فقوات أنطاكية دافعت عن مدينة أنطاكية منفردة، وقوات بيت المقدس كذلك. مما أفسح المجال للصليبيين أن يقضوا على القوى المحلية واحدة بعد أخرى، ويؤسِّسوا الإمارات الأربع[62].

ويمكن أن نضيف إلى ذلك، أن القوى التي اجتمعت من عدة مدن شامية، إضافة إلى مدينة الموصل بعد احتلال أنطاكية، خرجت بعد فوات الأوان، وبعد أن استطاع العدو تحقيق جزء هام من أهدافه بتأسيس إمارتين في شمال بلاد الشام، إحداهما وهي إمارة أنطاكية، ساحلية، تمكَّن الصليبيون فيها من تلقِّي المعونات من الغرب الأوروبي، والثانية وهي إمارة الرَّها أصبحت سدًّا فاصِلاً بين سلاجقة الروم في آسية الصغرى والخلافة العباسية، وبينها وبين بقية الإمارات في بلاد الشام. ولو خرجت هذه القوى المؤلفة من كربوغا أمير الموصل، وأمير دمشق، وحاكم بيت المقدس[63]، لمعونة المدافعين عن أنطاكية قبل فتحها، وبذلت جهداً في المساعدة أَثناء المتاعب الجمَّة التي واجهها الصليبيون في الحصار لَتغيَّر الوضع نهائيًّا. ولكنهم انتظروا حتى فتحت أنطاكية، ووجد الصليبيون أسواراً تحميهم في داخلها، ووقتاً للتفكير في الخروج لمهاجمة الجيش المهاجم، وتقدير الوقت الذي يمكن به مهاجمة عدوهم، فاستطاعوا ردّ هذا الجيش دون أن يحقق شيئاً.

4- سوء الخطط المستخدمة أو بالأحرى عدم وضع خطط صالحة للعمل. فحين كان بإمكان القوى الموحَّدة التي خرجت لقتال الصليبيين بعد فتحهم لمدينة أنطاكية، قتال الفرق التي كانت تخرج من مدينة أنطاكية جوعاً، أبى كربوغا أن يفعل، وأراد، بل صمّم على قتال الجيش في معركة عسكرية. وحين اجتمع الجيش الصليبي، لعبت عوامل متعددة في هزيمة كربوغا[64]، وكذلك كانت جيوش الفاطميين التي خرجت لقتال الصليبيين بقيادة الأفضل، عدة مرات بعد تأسيس الصليبيين لإمارة بيت المقدس دون خطة واضحة. فكان خروج جيشهم أشبه باستعراض عسكري يعرض فيه الأفضل ما لديه من جنود وسلاح، دون أن يضع الخطط اللاّزمة من جهة ودون أن يدرس المنطقة التي يجب أن يعسكر فيها، أو تلك التي يلاقي فيها أعداءه، ودون أن يستعلم خبر أعدائه عن طريق جواسيسه أو أهالي المنطقة من العرب، أو حتى أن يعمل على كتمان أخبار حملته أو التضليل حولها. وفوق هذا وذاك، فإنه لم يكن يستخدم عامل المباغتة، الذي استخدمه الفرنجة مرات متعددة في وجه الفاطميين فنجحوا. وزاد الطين بلّة أنّه، في غالب الأحيان، لم يكن هناك تنسيق بين أقسام الجيش المختلفة، بل كثيراً ما كان جيش الفاطميين يعسكر في نقط مكشوفة. وإذا لم تكن مكشوفة، فغالباً ما تكون قريبة من مراكز الفرنجة، بانتظار إمدادات أخرى برية أو بحرية. فتصل الأخبار إلى العدو الذي يعمل على مباغتة الجيش الفاطمي الكبير. وفي أثناء ذهول الجنود ومحاولة الاستعداد للمواجهة، يكون الفرنجة قد مزّقوا شمل الجيش الفاطمي، فيوليّ عناصره هاربين من الساحة.

5- عدم اختيار القيادة الصالحة في تلك الفترة العصيبة، إذ لا يكفي أن يكون القائد بطلاً شجاعاً، بل يجب أن يكون لديه المقدرة على جمع قلوب كافة الجند من حوله. فكربوغا الذي نهض لقتال الصليبيين المحتلين لأنطاكية، واستطاع أن يستميل عدة مدن شامية انضم أمراؤها إليه بقواتهم، فإنه لم يستطع جمع قلوب كافة أمراء الجيش حوله لسوء السيرة فيهم. كما أغضب بقية أمراء الجيش الذين كان من واجبه أن يجعلهم جناحه القوي. وقد وصف ابن الأثير وضعه مع الأمراء والجند فقال:
"وأغضب الأمراء وتكبّر عليهم، ظنًّا منه أنهم يقيمون معه على هذه الحال فأغضبهم ذلك".
وجعلهم يتركونه ويعودون من حيث أتَوْا. مما تسبب في خسارته في مهمته[65].

6- اهتمام أُمراء المدن بالمطامع الشخصية وتفضيلها على المصالح العامة، والمساومات التي كانت تقوم بين الأطراف المعنية من أجل ذلك. ففي حين كان الصليبيون يحاصرون أنطاكية، أرسل الفاطميون وفداً إليها قابل قادة الصليبيين يسألهم ترك يدهم حرة في فلسطين لاستعادة بيت المقدس، مقابل ترك الصليبيين أحراراً في بقية المناطق. وعاد الوفد ظانًّا أنه حقق نصراً على حساب أهله وأقاربه. ولم يدرِ بأن مطامع الصليبيين تمتد إلى بيت المقدس وفلسطين بكاملها، وإلى مصر أيضاً. وهذا ما اتّضح بعد فترة قصيرة حين توجّه الصليبيون لاحتلال بيت المقدس. وبعدها أخذ الفاطميون في إرسال الجيوش المتتابعة لاستعادة ما احتلَّه الصليبيون من مناطق ففشلوا[66].

وتبدّت الأطماع الشخصية أيضاً فيما جرى بين كربوغا وشمس الدولة بن ياغي سيان. فقد قدِم شمس الدولة إثر مقتل أبيه واحتلال الصليبيين لمدينة أنطاكية دون قلعتها إلى كربوغا طالباً منه النجدة، فأجابه كربوغا على طلبه بقوله ((إذا شئتَ أن أنجدك نجدة صادقة، وأن أعمل حقاً على إنقاذك من هذا الخطر، فأسلمني هذه القلعة، وإذ ذاك سترى أي خدمه أؤديها لك. وسأجعلها في حراسة رجالي. فقال له شمس الدولة: إذا استطعت القضاء على جميع الفرنجة وأسلمتني رؤوسهم، فسوف أتخلّى لك عن القلعة وأغدو تابعاً لك. وحينذاك أعد هذه القلعة من أملاكك. غير أن كربوغا قال له: كلا ليس الأمر كما تقول، بل إن كل شيء مرهون بوجوب تسليمك إيّاي القلعة، فأسلمه شمس الدولة القلعةَ راضياً أو كارهاً[67].

ويفوق كل هذا أن يتجرأ بعض أمراء الأتراك بتسليم المدن للصليبيين بَيْعاً. فقد اشترى بلدوين مدينة سميساط وهي ثغر من الثغور الإسلامية المشهورة من أميرها التركي بعشرة آلاف دينار[68].

7- استغلال الصليبيين للتفرقة في المنطقة، بدا ذلك ظاهراً باتصالهم بالقوى الصغيرة المستقلة في بعض مدن الشام مثل حمص وطرابلس وشيزر، متعهدين بعدم مهاجمتهم إذا قدّموا المساعدة للفرنجة. فحصلوا منهم على رد بالموافقة، وكان من هؤلاء آل منقذ في شيزر. فقد أرسلوا رُسُلاً من قِبلهم إلى ريموند، ليعلنوا له رغبتهم في موادعته، وأنهم يقبلون أن يشاطرهم بعض ما يملكون، ويعملون جهدهم على راحة الحجاج، ويقسمون له على ذلك بدينهم. كما أنهم يتعهدون له بألاّ يناله وجنوده أذى داخل حدود أرضهم، ويؤكدون أنهم سيمدّونه عن طِيب خاطر، بما تحتاجه الجياد والرجال من الأقوات[69]. كذلك أرسل أمير طرابلس فخر الملوك بن عمار يريد الموادعة والاتفاق والارتباط مع ريموند برباط المودة إذا أحب، وأنفذ إليه عشرة جياد، وأربعة بغال وبعض المال. فطمع به الكونت، وصرّح أنه لا يقبل مسالمته إلاّ إذا اعتنق النصرانية[70]. ثم قبل منه ذلك بعد أن سلّم أكثر من ثلاثمائة حاج مسيحي كانوا في أسره، ودفع خمسة عشر ألف قطعة ذهبية، وخمس عشرة هدية غالية القيمة، وأمدّهم بذخيرة كبيرة من الجياد والحمير، وشتى أنواع المحاصيل التي أغنتهم. وكان من بنود الاتفاق أن يتنصّر ابن عمار ويعود إلى تسلم أرضه منهم إذا استطاعوا الظهور على خليفة مصر في الحرب التي أعدّها لهم، وإذا تمكّنوا من امتلاك بيت المقدس[71]. وكذلك فعل جناحُ الدولة بن ملاعب ملك حمص. وفعل مثله أمير مرقية الذي عقد معاهدة مع الصليبيين وأدخلهم المدينة[72].

والأدهى والأمرّ، إن بعض الأمراء أخذوا في الاستنجاد بالصليبيين ضد القوى الأخرى منذ الفترة الأولى. فقد استنجد الأمير نور الدولة بلك بن بهرام بن ارتق ببلدوين صاحب الرّها على أن يؤجِّر له رجاله لاسترجاع سروج إلى طاعته. فرحَّب بلدوين بهذا الاستنجاد، واستغل الفرصة لصالحه. فاحتل سروج وأتبعها بإمارته في الرّها، في ربيع الأول سنة 494هـ/ كانون الثاني (يناير) 1101م، ووضع فيها حامية صليبية بقيادة المؤرخ فوشيه دي شاتر[73].

وبلغ استغلال الفِرقة السائدة بين القوى الإسلامية، سياسياً ودينياً، أوجه حين اتصل الصليبيون بالفاطميين في مصر اتصالاً ودياً، حالما ضاقت بهم الأمور أمام أبواب مدينة أنطاكية. وأرسل الفاطميون سفارةً للتفاوض معهم. وقيل إن الأمبراطور ألكسيوس كومينين كان قد أشار على الصليبيين منذ أن بلغوا القسطنطينية بضرورة الاتصال الودي بالفاطميين وذلك لزيادة الهوّة بين الحكومات العربية والاسلامية بالعزف على وتر المذاهب الدينية[74].

ما أشبه الماضي بالحاضر:
بعد هذا العرض لأسباب نجاح الحملة الصليبية الأولى، والذي توخيت فيه إظهار الحقيقة، لنستفيد منها دروساً وعِبَراً، لأننا اليوم أشد ما نكون حاجة إلى التأمل في تاريخ الحركة الصليبية ودراستها، لنستفيد من تلك التجربة الكبرى التي مرّت بها الأمة العربية منذ بضعة قرون، ونأخذ منها الدروس والعِظات، لنواجه أفدح خطر تعاني منه الأمة العربية اليوم، وهو خطر الاستعمار الصليبي الجديد المتمثّل في اسرائيل المزروعة في قلب العالم العربي، والتي تتشابه ظروف نجاحها، في تحقيق أهدافها داخل الوطن العربي، بظروف نجاح الصليبيين. والتشابه كبير في أصول الحركتين. فقد بعث الحركة الصليبية رجال من مسيحيي أوروبا الوسطى والغربية، وكذلك فإن حركة الصهيونية بعثها رجال من يهود أوروبا الوسطى والغربية.

ولا يقتصر التشابه بين الحركة الصهيونية والحروب الصليبية ببعض الجزئيات إن صحّ هذا التعبير، بل يمكن القول إن التشابه يظهر في الظروف التي ساعدت كلاً من الطرفين في تحقيق أهدافهما. فإذا كان السبب الأول الذي ساعد على نجاح الحملة الصليبية الأولى في تحقيق أهدافها، يقبع في تمزق العالم العربي في ذلك الوقت، وتوزّع قلوب حكامه، إضافة إلى الأوضاع السيئة التي كانت تحياها بلاد الشام تحت سلطة أُمراء متعددين لا يجمع بين قلوبهم جامع. فالأسباب عينها كانت من العوامل التي ساعدت الصهاينة في تحقيق أهدافهم في فلسطين في العصور الحديثة.


[1] هرنشو، علم التاريخ، ترجمة عبدالحميد العبادي (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1944)، ص111- 112.

[2] المصدر نفسه، ص114.

[3] المصدر نفسه، ص109.

[4] المصدر نفسه، ص102- 103.

[5] عن معركة مناذ كرد انظر:

• ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ((حوادث سنة 463هـ)).

• الراوندي، راحة الصدور وآية السرور، نشر وتصحيح محمد إقبال (ليدن: [د. ن]، 1921)، ص118 وما بعدها.

• أسد رستم، الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالغرب، ج2 (بيروت: دار المكشوف، 1956) ص110- 111.

• سهيل زكار، مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية (دمشق: دار الرسالة، 1972)، ص138 وما بعدها.

• رنسيمان، تاريخ الحروب الصليبية، ص96 وما بعدها.

[6] ابن الأثير، مصدر سابق، ((حوادث السنوات: 485- 486- 487هـ)).

• الراوندي، مصدر سابق، ص142- 143.

[7] - ابن الأثير، مصدر سابق، حوادث سنة 490هـ.

• سعيد عبدالفتاح عاشور، الحركة الصليبية (القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، 1963)، ص113- 114.

[8] عبدالنعيم حسنين، سلاجقة إيران والعراق (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1959)، ص90.

[9] قامت دولة بني مزيد الشيعية على الضفة الغربية لنهر الفرات من هيت إلى الكوفة وواسط، وصارت هذه الإمارة خطراً هدد الأتراك السلاجقة، وحال دون استمرار سيطرتهم في مناطق واسعة من العراق. انظر:

• سعيد عاشور، مصدر سابق، ج1، ص114.

• أمينة البيطار، موقف أمراء العرب بالشام والعراق من الفاطميين حتى أواخر القرن الخامس الهجري. (دمشق: دار دمشق، 1980)، ص357 وما بعدها.

[10] ((الأتابك)) لفظ تركي مكون من ((أتا)) أي الأب المربي، ((وبك)) أي الأمير. ومعنى ذلك أنه مربي الأمير أو الملك.

[11] المصدر نفسه، ص150- 162.

[12] سعيد عاشور، مصدر سابق، ج1، ص116- 117.

[13] ابن القلانسي، ذيل تاريخ دمشق، ص135.

• المقريزي، ألفاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، ج3 (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، [د. ت])، ص12.

• ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص283، يذكر ذلك في شعبان سنة 489هـ.

[14] ابن واصل، مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ج1.

[15] المقريزي، مصدر سابق، ج2، ص332.

[16] أمينة البيطار، مصدر سابق، ص247، 286 وما بعدها.

[17] سهيل زكار، مصدر سابق، ص159.

[18] ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، ج3، القسم الأول (دمشق: وزارة الثقافة، 1978)، ص402 – 403.

[19] ابن القلانسي، مصدر سابق، ص124 - 133.

[20] السيد الباز القريني، مصر في عصر الأيوبيين (القاهرة: مطبعة الكيلاني الصغير، [د. ت])، ص5 – 6.

[21] عن الأراتقة أنظر: ابن شداد، مصدر سابق، ج3، القسم الثاني.

[22] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، ترجمة حسن حبشي (القاهرة: دار الفكر العربي، 1958)، ص19.

[23] المصدر نفسه، ص27.

[24] حسن حبشي، الحرب الصليبية الأولى (القاهرة: دار الفكر العربي، 1958)، ص59.

[25] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص65.

[26] المصدر نفسه، ص5.

[27] المصدر نفسه، ص7.

[28] سعيد عاشور، أوروبا في العصور الوسطى، ج1، ط6 (القاهرة: [د. ن.]، 1975)، ص429.

[29] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص129.

[30] المصدر نفسه، ج1، ص131- 132.

[31] سعيد عاشور، أوروبا في العصور الوسطى، مصدر سابق، ص429.

[32] رفيق التميمي، الحروب الصليبية (دمشق: مطبعة اللواء القدسي، 1945)، ص27- 28.

[33] المصدر نفسه، ص28.

[34] السيد الباز القريني، مصدر سابق، ص9- 10.

[35] انظر: سعيد عاشور، أضواء جديدة على الحروب الصليبية ([د. م، د. ن، د. ت])، ص24- 25.

[36] حسن حبشي، مصدر سابق، ص85.

[37] - أعمال الفرنجة، مصدر سابق، ص30- 31.

• سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص163- 164.

[38] حسن حبشي، مصدر سابق، ص61.

[39] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص165- 166.

[40] أسد رستم، مصدر سابق، ج2، ص129.

[41] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص184.

[42] انظر: ابن القلانسي، مصدر سابق، ص132.

[43] - ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص274.

- أبو الفداء. المختصر في أخبار البشر، ج2، ص210.

[44] انظر: سعيد عاشور. الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص193.

[45] قام بوهيموند بإبعاد القائد البيزنطي الذي كان يرافق الحملة الصليبية أثناء حصار أنطاكية بعد أن إتهمه بالجبن انظر: أسد رستم، مصدر سابق، ج2، ص129- 130.

[46] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج5، (القاهرة: دار الكتب المصرية. 1929)، ص147.

[47] ابن القلانسي، مصدر سابق، ص135.

• ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص275.

[48] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص205.

[49] المصدر نفسه، ج1، ص221.

[50] المصدر نفسه، ج1، ص221.

[51] المصدر نفسه، ج1، ص238- 240.

[52] المصدر نفسه، ج1، ص241.

[53] المصدر نفسه، ج1، ص243- 244، نقلاً عن وليم الصوري.

[54] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص119- 120.

[55] ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص283- 284.

[56] سعيد عاشور، أضواء جديدة على الحركة الصليبية، مصدر سابق، ص26- 28.

[57] ابن العديم، زبدة الحلب في تاريخ حلب، ج2، ص350.

[58] ابن الأثير، مصدر سابق، ج8، ص186.

[59] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص66.

[60] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1، مصدر سابق، ص199- 201.

[61] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص74- 75.

[62] المصدر نفسه، ص74.

[63] المصدر نفسه، ص76.

[64] انظر:

• ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص276- 277.

• أبو الفداء، مصدر سابق، ج2، ص210- 211.

[65] انظر: ابن الأثير، مصدر سابق، ج1، ص276- 277.

[66] سعيد عاشور، الحركة الصليبية، مصدر سابق، ص275- 276- 294- 295- 296- 300.

[67] انظر: أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص72- 73.

[68] حسن حبشي، مصدر سابق، ص106.

[69] أعمال الفرنجة وحجاج بيت المقدس، مصدر سابق، ص107.

[70] المصدر نفسه، ص109.

[71] المصدر نفسه، ص113.

[72] المصدر نفسه، ص110.

[73] حسن حبشي، مصدر سابق، ص108، حاشية 1.

[74] المصدر نفسه، ص124- 125.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بداية الحملات الصليبية
  • الحروب الصليبية
  • السرد الزمني لحملات الفرنجة (الحملات الصليبية)
  • غنائم الغرب من الحروب الصليبية
  • الصليبية مستمرة
  • معابر التواصل اللغوي والحضاري بين الشعوب.. الحروب الصليبية
  • مقدمة في الدوافع العقيدية للحروب الصليبية
  • خطوط وظواهر بارزة في العصر الوسيط في أوروبا
  • أحوال الشرق الإسلامي قبل الغزو الصليبي
  • الدعوة إلى الحروب الصليبية

مختارات من الشبكة

  • رؤية الهلال في كل بلد وتحديد المسافة بين البلدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحملة الصليبية الخامسة(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحملة الصليبية الألمانية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مراكز الرؤية بين التحديات والطموح: دراسة حق الرؤية من قانون الأحوال الشخصية بدولة الكويت(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • نزهة الرؤى في علم الرؤى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح حديث صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (نسخة ثانية)(مخطوط - ملفات خاصة)
  • مخطوطة شرح حديث صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته(مخطوط - ملفات خاصة)
  • معبر الرؤى الشيخ وليد الصالح في محاضرة بعنوان ( الرؤى بين الإفراط والتفريط )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • القضية الفلسطينية بين الرؤية الدينية والرؤية القومية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دور ذرية المعز ابن باديس في مواجهة الحملات الصليبية النورمانية(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- مشكور
سوسو - الامارات 01-04-2010 04:47 PM

مشكور اللي حط هالموضوع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب