• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / عالم الكتب
علامة باركود

سليمان الصائغ مؤرخا ( تاريخ الموصل أنموذجا )

أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/9/2013 ميلادي - 6/11/1434 هجري

الزيارات: 17691

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سليمان الصائغ مؤرخاً

تاريخ الموصل أنموذجاً


فوجئ القراء في العراق، وفي الأقطار العربية الأخرى، في سنة 1923 بوصول كتاب جديد إلى ديارهم طبع في المطبعة السلفية في القاهرة يحمل عنوان (تاريخ الموصل) ويقع في نحو 360 صفحة من القطع الكبير، وقد كتب عليه أنه من تأليف (القس سليمان الصائغ)[1] وفي مقدمته إهداء بليغ إلى (أعتاب إكليل هام المعالي والسيادة،.. فرع الدوحة الهاشمية، ورافع الأعلام العربية، جلالة مليكنا المفدى فيصل الأول أطال الله بقاءه، وخلد ملء الدهر سناءه..الخ).

 

ظهر الكتاب في العراق في وقت افتقر فيه قراءه إلى مؤلفات جديدة في حقل الدراسات التاريخية، فالكتب التي ألفها مؤلفو أواخر العصر العثماني، كانت تستجيب للحياة الثقافية التي اتسم بها ذلك العصر، وبعضها كتب منهجية أعدت لتلائم متطلبات الدراسة في المدارس العثمانية الرسمية، الأولية، والرشدية، والإعدادية، فكان ثمة حاجات جديدة لكتب في التاريخ تستجيب للمتغيرات الواسعة والخطيرة التي مرَّ بها العراق في أثناء الحرب العالمية الأولى، ولم تكن الظروف القاسية التي عاشها العراق في أثناء الحرب نفسها، وما أعقبها من تداعيات، وصولاً إلى قيام ثورة العشرين، لتساعد على وضع مثل تلك الكتب، وهكذا فقد صدر كتاب الصائغ ليكون الكتاب الرائد، والأول من نوعه ومستواه ومنهجه، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وتأسيس كيان الدولة العراقية الحديثة.

 

والمتأمل للإهداء المطول الذي وضعه الصائغ لا يبعد عن ذهنه صدى تلك المتغيرات، فالإهداء مُوجَّه إلى الملك فيصل الأول، مؤسس ذلك الكيان المسمى عراقاً بعد أن لم يكن قبل ذلك إلا ولايات مرتبطة بالإدارة العثمانية، والإشارة إلى كونه (رافع الأعلام العربية) تنوِّه بدوره في الثورة العربية الكبرى التي رافقت اندلاع الحرب، وأدت إلى انشاء الدول العربية الحديثة، وليس سائر ما ورد في هذا الإهداء من عبارات إلا تعبيراً عن أمل أكثر العراقيين في أن يكون عهد فيصل بداية لصفحة مهمة من تاريخه تقوم على (الرقي) و(العز) و(الفلاح) و(العلم) و(المعرفة).

 

إن أهمية الكتاب إذاً تتجلي في ريادته[2]، وهي ريادة لم تكن ميسرة بكل حال، فحيث لا منهج تاريخي مستقر، ولا مصطلحات ثابتة، ولا مصادر متوفرة، يصبح كل تأليف في هذا المجال محض مغامرة، وتقتضي من مؤلفه أن يشق طريقه العلمي بنفسه، فيضع منهجه، ويختار، أو ينحت، مصطلحاته، وأن يسعى بكل سبيل للحصول على مواده العلمية من مختلف المصادر، ومنها ما هو نادر لم يصل إلى مكتبات العراق، أو مخطوط يحتفظ به أصحابه في خزائنهم الشخصية.

 

وسنحاول الحديث عن هذا الرائد من زاويتين: منهجه، ومصادره، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: منهجه:

رتب الصائغ كتابه تاريخ الموصل حسب السياق الزمني للدول التي تتابعت على حكم هذه المدينة، ولم يكن ثمة منهج آخر في عهد خلا من أي كتاب سابق في الموضوع نفسه، على أنه مع ذلك كان مَرِناً في اتباع هذا الترتيب، لا سيما حينما كانت تتداخل الحِقَب التي شهدت سيطرة هذه الدولة أو تلك، وهكذا فإنه قسَّم كتابه إلى توطئة تاريخية وأربعة أبواب، تناول في التوطئة تاريخ الدول التي كان لها حكم على منطقة الموصل، قبل نشوء الموصل نفسها، مبتدئاً بالدولة الآشورية، فالدولة الآكدية، ثم الدولة الأخمينية، فالسلوقية، وانتهاء بالدولة الساسانية، وهي حقب تُقدَّر بنحو ألف وسبعمائة سنة. وتناول في الباب الأول ويتألف من 12 فصلاً، تناولت تاريخ الموصل منذ نشوئها أول مرة في القرن الرابع للميلاد، ومكوناتها الاجتماعية، ومعنى اسمها، وفتح المسلمين لها، وما شهدته من عهود الدول الراشدية والأموية والعباسية، ومنها ثورات أهلها المتكررة، والاضطرابات العامة، وما تحقق فيها من تقدم علمي وعمراني.وتغطي هذه الفصول ستمائة سنة، بينما يتألف الباب الثاني من 13 فصلاً، تناولت تاريخ الموصل في عهد الدولتين الحمدانية والعقيلية، وهما الدولتان اللتان اتخذتا من الموصل قاعدة لهما، وكان لهما حكم على أعمالها في عهد الخلافة العباسية، وتغطي مدة قرنين تقريباً، أما الباب الثالث فيتألف من 21 فصلاً، ويغطي تاريخ الموصل في عهدي الدولتين السلجوقية والأتابكية، انتهاء بظهور المغول على مسرح السياسة، وهي مدة استغرقت نحو ثلاثة قرون. ويتألف الباب الرابع، وهو الأخير من 24 فصلاً، تغطي تاريخ الموصل في العهود التي تعاقبت عليها بعد سقوط الخلافة العباسية وحتى تتويج الملك فيصل الأول ملكاً على العراق، في مدة تقرب من ثمانية قرون.

 

لم يقسم الصائغ كتابه إذن على أساس زمني محض، فالباب الأخير يعدل في حجمه مجموع البابين الأولين، ومن الواضح أن التفاوت بين أحجام الأبواب وأعداد الفصول بين كل باب وآخر يرجع إلى أهمية الدول الحاكمة في تاريخ الموصل، ولذلك خصص للحقب التي شهدت حكم الدول الحمدانية والعقيلية والسلجوقية والأتابكية بابَين، بينما خصَّص للحقبة الممتدة من الاحتلال المغولي حتى الاحتلال البريطاني باباً واحداً لأنه لم يجد أسباباً موضوعية تجعله يقسِّمه إلى بابين، فالدول الاجنبية تتعاقب على احتلاله الواحدة تلو الأخرى دون أن يكون ثمة تغير يذكر في طبيعة الحياة والحضارة فيه، وهذا التغيير هو ما سماه (الدور الانقلابي)، بينما وجد في تأسيس الدولة العراقية بداية لمرحلة جديدة، أو دور جديد، يتوقف عندها.

 

1- إفادته من علم الآثار:

لم يعتمد الصائغ فيما أورده من معلومات عن العصور القديمة في بلاده على المصادر الإسلامية التقليدية، وإنما رجع إلى معطيات علم الآثار، وتقارير الآثاريين الأوربيين الذين كشفوا في أعمالهم صفحات مجهولة من تاريخ تلك العصور، من ذلك مثلاً أنه انتقد (الروايات غير المُسندة التي أوردها القدماء عن الآثوريين) وأورد خلاصة بما توصل إليه علماء الآثار المحدثين، فقال (أما الحقيقة التاريخية التي وقف عليها العلماء من الآثار القديمة المكتشفة حديثاً فهي..الخ)، ومثل ذلك أنه ساق بعض الروايات التقليدية عن مدينة الحَضَر، ولكنه أعقبها بمعلومات جديدة استقاها من بعثة ألمانية كانت تجري أعمالها التنقيبية في هذه المدينة العظيمة وأورد خارطة لها أخذها عن هذه البعثة[3]. وعلى الضد من ذلك، فإنه لم يُذعِن لآراء العلماء المُحدثين دون نقد، من ذلك أنه انتقد ما تناقله بعض المؤرخين عن قدم الموصل في العصور الاشورية، مقرراً (أن التواريخ القديمة لا تقدم برهاناً وضعياً على تملك العرب في بقعة آثور في الأعصر المتوغلة أي في نشوء الدولة الآثورية)[4].

 

2- نقده للنصوص:

وفي الواقع فإن الصائغ كان مسيطراً على منهج النقد التاريخي ومستوعباً له إلى حد بعيد، وقد حقق ريادة حقيقية في هذا المجال، بعد أن أكثر المؤرخين يميلون إلى إثبات ما يحصل عندهم من نصوص مختلفة فلا يرجحون رأياً ولا يبعدون آخر، وإنما يجمعون المتناقضات جميعاً دون أن يكون لهم رأي في أي منها. وواضح أن الصائغ كان يمتلك شخصية علمية قوية لها قادرة على التعامل مع الروايات المختلفة بالتأييد أو التفنيد، أو أن يأتي من وراء ذلك برأي جديد، مثال ذلك أنه حينما ناقش معنى اسم الموصل استعرض آراء مختلفة لإيشوعدناح البصري ولياقوت الحموي ولأحمد بن حمزة وغيرهم، وانتهى إلى أن الاسم عربي صميم بمعنى الموقع الذي يصل منطقة بأخرى وبلد بآخر، وذكر أن بعض المستشرقين أيد هذا الرأي ومنهم المستشرق ليسترنج في كتابه بين النهرين[5]. ومثل ذلك أنه عرض رأي ياقوت بهذه التسمية على أنها تعبير على احتداب دجلتها، وابن بطوطة في أنها نسبة إلى احتداب قلعتها، ومحمد أمين العمري في أنها لاحتداب أرضها "بل بعضها على نشز وقلاع وبعضها في منخفض من الأرض"، وقد أعلن الصائغ تأييده للرأي الأخير مع أنه متأخر زمنا عن الرأيين السابقين مستنداً إلى الواقع المرئي لأرض الموصل نفسها فقال "وقد يكون هذا التعليل أقرب إلى الصواب، إذ يُرى اليوم حدب المدينة في جهتها الشرقية أي في محلة القلعة وهي على نشز مرتفع من أرضها.."[6]. وتوصله إلى تقدير معقول لسكان الموصل في عهد الخلفاء على أساس رواية تقول بأن عدد القتلى في إحدى المعارك التي دارت في ذلك العهد بلغت في اليوم الأول 11000 قتيل، وأن المذبحة دامت ثلاثة ايام، فما كان من الصائغ إلا أن ضرب العدد في ثلاثة فتحصل لديه 44000 قتيل، وقال (ومع ذلك لم تخل المدينة من السكان) لأنهم شاركوا في معركة تالية، فتوصل إلى عدد سكان الموصل يومئذ بلغ نحو 100000 انسان، هذا مع لم يستبعد أن يكون في عدد القتلى بعض المبالغة[7]، وهذا استدلال جيد كما ترى. وشبيه بذلك ما توصل إليه من أن عدد سكان الموصل كان في القرن الثامن عشر نحو 125000 نسمة، وذلك بناء على رواية تقول بأن عدد الأموات الذين قضَوا بسبب الطاعون سنة 1186هـ/1772م بلغ أكثر من 100000 نسمة، وأن عرف من الجنود المقلدين حراسة أبواب المدينة بأنه لم يبق من سكانها إلا نحو الخمس، فتوصل إلى أن عدد السكان كان يبلغ 125000[8].

 

3- عنايته بالجغرافية التاريخية:

ومن أسس المنهج التاريخي الذي اتبعه الصائغ ربطه بين الحدث وأرضه، وهو ما أدى إلى اهتمامه الشديد بالجغرافية التاريخية للأماكن التي جرت فيها حوادث تاريخه، لا سيما خطط الموصل القديمة وتعيين أماكن الأديرة والقرى المحيطة بها، من ذلك استدلاله من نص ابن الأثير أن قصر الحر بن يوسف والي الموصل الأموي كان يشغل أسواق القتابين والشعارين وسوق الأربعاء، أن سوق الشعارين معروف في عهده، وسوق القتابين غير معروف، بينما رجح أن يكون سوق الأربعاء هو محلة جهار سوق[9]، وهكذا فإنه استدل بالمعلوم من المعالم على ما هو غير معلوم منها، وهو منهج سليم في علم الخطط، واسترجح أن يكون (الربض الأعلى) هو "ما يجاور المحلة المسماة اليوم محلة القلعة"[10]، وأثبت أن الباب الأبيض هو المعروف في الموصل بباب البيض، وإن باب الجيش هو الذي عرف في العهود المتأخرة بباب لكش[11]. وتوصل إلى القصر الذي أنشأه حرب بن عبد الله عامل المنصور على الموصل يقع "قرب قرية قنيطرة قبالة بافخاري قرية ابن الأثير"[12] واستطرد في حديثه عما دمَّره نادرشاه من الأديرة التي في جوار الموصل إلى البحث في تاريخ دير مار إيليا متوصلاً إلى أنه نفسه المسمى دير سعيد الذي شيده مار إيليا الحِيري كما شهد بذلك توما المَرجي وإيشوعدناح البصري مؤرخ الأديرة، وأن سعيد هذا هو نفسه مار إيليا، وأن تشييده جرى قبل الإسلام بنحو مائة عام، ومع ذلك لم يستبعد أن يكون سعيد بن عبد الملك الأموي مستنداً إلى ما قرأه في قصيدة كلدانية لأشوعياب الإربلي من أن مار إيليا أبرأ سعيد أمير الموصل من مرض عضال اعتراه فبنى له الأمير ديراً بجوار الموصل، وأن هذا الأمر غير ممتنع نظراً لطول حياة مار إيليا ومعاصرته لسعيد المذكور.كما استطرد في أثناء حديثه عما خربه محمد باشا ميركور في نواحي الموصل ومنها دير مار هرمزد فتكلم عن تاريخ هذا الدير معتمداً على الطَيْرَهاني وعلى المؤرخين العرب، ووصفه وصفاً جميلاً وأسف على ما أصابه من خراب[13]. ودير مار ميخائيل في شمالي الموصل، وقد أشار إلى تجديده على يد يوحنا الطريد الموصلي على ما رآه في قصيدة مخطوطة لابن الشعّار أحد رهبان هذا الدير[14]، غير ذلك من هذه المقارنات والاستدلالات التي دلت على أن تعمق الصائغ في الجغرافية التاريخية لمدينته وبحثه في تاريخ معالمها القديمة لم يكن في أثناء انشغاله بتأليف كتابه، وإنما هو نتاج لدراسات ورحلات سبقت ذلك الانشغال بمدة، كما أنه تكلم على معالم عديدة في نواح من كردستان، التي يبدو أنه كان محيطاً بها بحكم رحلاته إليها واطلاعه المباشر على معالمها الأثرية والعمرانية. من ذلك حديثه معلثايا القريبة من دهوك، وباعشيقا، وباسورين، وسنجار، وبالطة، وبرقعيد، وهرور، وشوش، وغير ذلك.

 

لم يكتف الصائغ بذكر ما استقصاه من معلومات، وإنما سعى إلى تقريبها إلى تصور القارئ، فحدد المسافات بين المواقع التاريخية بالكيلومترات، وعين أماكنها بدقة.

 

4- عنايته بالتاريخ الثقافي والاجتماعي والعمراني:

على الرغم من اهتمام الصائغ بتاريخ الموصل السياسي والعسكري، وهو أمر طبيعي لمن يكتب في تاريخ مدينة لم يسبقه إلى الكتابة عنها أحد من أهل عصره، فإنه سعى أيضاً إلى تقديم لمحات متنوعة عن تكوينها الاجتماعي والثقافي والعمراني في بعض ما كتب عنه من عصور. من ذلك أنه كتب مبحثاً مهماً عن سكان الموصل قبل الفتح الإسلامي وما بعده، لا سيما من القبائل العربية التي نزحت إليه منذ عصر الدولتين الآشورية والأكدية، ودورها في العهود التالية لا سيما في العهد الفرثي، وتأسيسها مملكة الحضر، وعقد مبحثاً خاصاً في أصل (الجرامقة) وهم من سكان الموصل القدماء قبل الإسلام، وما إلى ذلك من شؤون[15]. كما أنه أعقب ذلك بفصل آخر تحدث فيه عن القبائل العربية التي نزحت إلى الموصل وجوارها قبيل الإسلام وفي اثناء انتشاره في تلك الأنحاء، وما بعده، ومواطن استقرارها، ودورها السياسي، وتناول أيضاً القبائل التركمانية والكردية، وغيرها[16]. وتحدث في فصل آخر عن النهضة العلمية والعمرانية التي شهدتها الموصل في عهد الخلافة العباسية، لا سيما تأسيس ما يتعلق بتأسيس المدارس المسيحية والإسلامية، وظهور عدد جم من العلماء[17]، ثم تناول في فصل تال تاريخ الحركة العلمية والتعليمية في الموصل في العصر العثماني، فتحدث عن مدارس الموصل الملحقة بالمساجد والكنائس، وظهور الطباعة وتأسيس المطابع الأولى فيها، ودور البعثات المسيحية في ذلك، وتعليم البنات وما إلى ذلك[18]. ومع ذلك انتقد بعض الكتاب كتابه على اساس "أنه لم يضع تاريخاً للموصل، بل وضع سجلاً للوقائع الحربية في الموصل، بل قد وضع تاريخاً لموقع الموصل لا للموصل"[19] وهو نقد ينطوي على كثير من الإجحاف فلقد حرص الصائغ على تقديم هذه اللمحات لأنه رآها ضرورية لأكمال صورة ما تكلم عنه من التاريخ السياسي لمدينته، ولم يعد ما قدمه نهائياً، لأنه وعد بتفصيل ذلك في جزء ثان، وهو ما فصَّله فعلاً في جزئين تالين.

 

5- عنايته بأقيام العملات:

وبنفس الرغبة بالإتقان فإنه سعى إلى تحديد أقيام العملات المستعملة في الدول حيثما وردت في النصوص التي اعتمدها، ويلاحظ أنه اعتمد في ذلك الجنيه المصري لا الروبية الهندية التي كانت تستعمل في العراق آنذاك، أو الجنيه الانكليزي مثلاً، من ذلك أنه حدد الدينار في العهود الإسلامية بنصف جنيه مصري[20]، وقدر أن ثلاثة ملايين درهم في عهد المنصور العباسي بما يساوي مائة ألف جنيه[21]، وأن مليوني درهم في القرن الرابع للهجرة كانت تساوي تقريباً 66,666 جنيه،[22]، وخمسة عشر ألف دينار كانت تساوي 7500 جنيه[23]، وغير ذلك. وقد اعتمد الصائغ التاريخ الميلادي في كتابته تاريخ الدول التي تعاقب حكمها على الموصل، لكنه قرنه بالتاريخ الهجري حيثما ورد.

 

6- أسلوبه:

ويمكن القول أن أسلوب الصائغ كان جيداً مُعبَّراً عن أفكاره بوجه عام، ويرجع ذلك إلى دراسته العربية في المعاهد التي درس فيها، وإلى اهتماماته الأدبية، وقد ساعدته ملكاته القصصية والمسرحية على أن يحكم الصياغة التاريخية لما ساقه من أخبار، وأن يحكم، من جهة أخرى، العلاقة المنطقية بين كل فقرة وأخرى، ومبحث وآخر.

 

7- حَيْدته العلمية:

وعلى الرغم من أن الصائغ كان كاهناً، إلا أن ثقافته الدينية لم تترك بصماتها على كتاباته التاريخية، حتى أن قارئه يكاد لا يشعر بهوية من يقرأ له إن كان مسيحياً أو مسلماً، وباستثناء استطراداته في تاريخ بعض الأديرة واشاراته إلى بعض الكتبة المسيحيين، فإنه كتب تاريخاً سياسياً حضارياً لمدينته التي أحبها لا أقل من ذلك ولا أكثر. وقد أفصح هو في مقدمته عن مقصده من تأليفه كتابه فقال أنها لم تزد عن أن تكون رغبته في خدمة أبناء وطنه "من العامة الذين لا يستطيعون مطالعة مجلدات ضخمة للوقوف على بعض أحوال الموصل" وأنه كتب ما كتب "رجاء نفع العامة ونيل رضى الخاصة، وما قصدي في هذا العمل إلا إمحاض الخدمة لوطني"[24].

 

 

ثانيا: مصادره:

ولعل ما يَسَّر للقس الصائغ كل هذه المكابدات، اطلاعه الواسع على المكتبة التاريخية العربية في ذلك العهد، من المصادر القديمة التي وجدت طريقها إلى النشر في مطابع مصر والشام، وعدداً من الكتب التركية التي تناولت بعض جوانب موضوعه، وبعض الوثائق والمخطوطات التي حصل عليها من مختلف المظان.

 

وكان هو قد أثبت قائمة بمصادره بعد فراغه من مقدمته مباشرة، وكان من المؤلفين من يختار هذه الطريقة في إثبات المصادر بعد مقدمته جرياً على تقليد القدماء، الذين كانوا ينوِّهون بأهم ما اعتمدوه من مصادر ضمن مقدماتهم، لا في قوائم خاصة تفصيلية كما جرى عليه المؤلفون المحدثون. وقد أورد في قائمته التي شغلت صفحتين ستة وثلاثون كتاباً، يمكن تحليلها على النحو الآتي:

الوثائق غير المنشورة:

أشار إلى (بعض أوراق خطية قديمة)، ولم يزد في تعريفه إياها، بما يوضح مكان وجودها، وتاريخها، وطبيعتها إن كانت تشكل رسائل مؤلفه، أو مجرد أوراق مفرقة، أو منتزعة من مخطوطات أخرى. وقد رمز إليها في إحالاته بشكل (أو. خطية) على سبيل الاختصار.

 

بلغ عدد النصوص التي عزاها إلى هذه الأوراق خمسة نصوص مهمة، جميعها يتناول حوادث جرت في الموصل في العصر العثماني، هي:

• نص مؤرخ في سنة 1123هـ/1711م يقع في 14 سطراً، يتحدث عن غلاء حصل في الموصل وتوابعها صاحبته حركة نزوح للسلكان في طلب الرزق، عرف بغلاء ابراهيم باشا، ويذكر أن ابراهيم هذا كان مستبداً عاتياً سعى إلى استصدار أمر سلطاني بإعدام أحد سراة الموصل الفضلاء، وهو أحمد أفندي العمري، حسداً منه لهذا الفاضل بسبب تشييده قصراً كبيراً على دجلة واجتماع الناس عنده، ويروي النص أن ولداً لأحمد أفندي هذا استطاع أن يثبت لأولي الأمر في القسطنطينية براءة أبيه، وحينما عاد إلى الموصل وجد أباه قد أعدم، فعاد إلى العاصمة العثمانية شاكياً حيث سعى إلى أعدام ابراهيم باشا فأعدم[25].

 

• نص مؤرخ في سنة 1138هـ/1720م، يقع في 15 سطراً، يتحدث عن فتنة علي أفندي المفتي العمري، ويذكر أنه هو الذي استصدر موافقة الدولة العثمانية في فتح باب جديد في سور الموصل لكي يسهل عليه دخول المدينة منه حينما كان يقضي نهاره خارج هذا السور في بستان له يعرف بالناعور، وأن هذا الباب كان يقع بين باب البَيْض وباب لكش، وأنه "سمي بباب الجديد إلى اليوم".

 

• نص مؤرخ في سنة 1143هـ/1732م، ويقع في 12 سطراً، يتحدث عن جانب من المعركة التي دارت بين الموصليين وبين جيش نادرشاه في صبيحة اليوم الخامس والعشرين من شهر شوال من ذلك العام، ودور والي الموصل آنذاك الحاج حسين باشا الجليلي في استنهاض الهمم من أجل الدفاع عن المدينة، وهي المعركة التي انتهت بانتصار الموصليين انتصراً مؤزراً[26].

 

• نص مؤرخ في سنة 1156هـ/1732م، ويقع في 8 سطور، وهو يتحدث عن معركة بُرج باش طابْيَة التي انتصر فيها الموصليون على هجوم شنه جنود نادرشاه، ويفيد بأن عدد القنابل التي أطلقتها مدفعية نادرشاه بلغت نحو مائة ألف قذيفة[27].

 

• نص مؤرخ في سنة 1232هـ/1808م، ويقع في 10 سطور، هو يتناول حملة الصدر الأعظم كُورجي محمد رشيد باشا على كردستان وفتحه العمادية وسائر اقليم بهدينان، واعلان أكثر مناطقها بالإذعان له، ثم تنكيله الشديد بالإيزيدية[28]. ونحن نرى أن الصائغ اعتمد هنا على أوراق كتبها ارشيلدوس بن الشماس حنا الموصلي، أرخ فيها حوادث ما جرى في أواخر عهد الجليليين، وقد اطلعت على هذه الأوراق في مكتبة المرحوم الدكتور صديق بك الجليلي في الموصل في أوائل سبعينات القرن الماضي[29].

 

• وثيقة سماها (كتاب خطي في الطومار الجليلي) ورمز إليها في الإحالات بلفظ (طومار)، ويثير هذا العنوان لبساً، فالطومار هو الوثيقة المطوية، أو اللفافة من الورق، تتضمن أمراً سلطانياً أو نحوه، وهو بهذا ليس كتاباً، وإنما وثيقة رسمية، وكنت قد سألت المرحوم الدكتور صديق الجليلي سنة 1971 عن هذا الطومار فذكر أنه فرمان من السلطان يقضي بمنح قرية قره قوش إلى الحاج حسين باشا الجليلي مكافأة له على دوره في الدفاع عن الموصل في أثناء حصار نادرشاه لها سنة 1156هـ/1743، ثم سألت الدكتور محمود الجليلي عنه، فأرانيه، فإذا هو فرمان قد خط على لفافة طويلة ملفوفة، وحلي بكمية غير قليلة من الذهب، وزخارف جميلة اخرى، وقد كلف مشكوراً أحد المصورين في الموصل بتصويره لي.

 

بيد أن النصَّين اللذين اقتبسهما الصائغ لا يدلان على أنهما أخذا من هذه الوثيقة، فالنص الأول يقتصر على خبر وفاة الحاج حسين باشا الجليلي سنة 1171هـ/1757م، وأما الثاني فيتحدث عن مقتل والي الموصل عبد الباقي باشا الجليلي وتعيين سليمان باشا الجليلي وذلك سنة 1200هـ/1785م، وكلا الخبرين جَرَيا بعد تاريخ كتابة الوثيقة المذكورة، ولسنا نعلم بعد هذا حقيقة هذا (الكتاب الخطي) وما معنى وجوده في (الطومار الجليلي)، إلا أن يكون كتاباً حفظ في طي تلك اللفافة، أو في طي لفافة أخرى لا نعلم هويتها.

 

المخطوطات:

اعتمد سليمان الصائغ على مجموعة من المخطوطات هي:

1- (منهل الأولياء) الذي وصفه في قائمة مصادره أنه (تاريخ خطي للموصل لمؤلفه محمد أمين أفندي العمري)، ومحمد أمين هذا هو ابن خير الله الخطيب العمري الموصلي (المتوفى سنة 1203هـ/1788م) وكتابه هذا يعد من أهم التواريخ المحلية للموصل في العهد العثماني، وقد أحال عليه في ثنايا كتابه سبع مرات، ولكنه اعتمده بشكل رئيس في عرضه تعاقب الولاة على الموصل منذ سنة 1000 للهجرة، حتى سنة 1199هـ/1784م. ولم يذكر على أية نسخة من هذا الكتاب قد اعتمد، وإن كنا نرجح أن تكون النسخة التي كانت في مكتبة مدرسة الخياط وقد نسخت سنة 1267هـ/1850م، ثم آلت إلى مكتبة الأوقاف في الموصل.

 

2- أوراق تتضمن تاريخ العائلة العمرية لكاتبها حسن أفندي بن محمود أفندي العمري، ولم يعين المكان الذي وجد فيه هذه الأوراق، ولا هوية كاتبها، أو سنة وفاته في الأقل، ولكن يظهر أنه كان معاصراً له. وقد نقل منه خبراً مطولاً في نحو 14 سطراً، تضمن خبر استقدام الدولة العثمانية للأسرة العمرية والأسرة الأعرجية إلى الموصل من مكة والمدينة في سنة 971هـ/1563م، وتعيين المحلات التي نزلت فيها من مدينة الموصل[30].

 

3- مخطوط سماه (حاشية عن تاريخ العمادية) ووصفه بقوله (وهو كتاب خطي في اللغة العربية محفوظ عند أحد أشراف قرية زيروا من قرى العمادية) وذكر أنه اطلع على شيء منه نقله صديق الدملوجي (المتوفى سنة 1958) وتتناول المعلومات التي نقلها الصائغ من هذه المخطوطة تتناول السنة الأخيرة من تاريخ الإمارة، وهي سنة 1258هـ/1842م[31]، وظن السيد محفوظ العباسي[32] (المتوفى سنة 2010) أن هذا الكتاب هو ما عرف بالوثيقة الزيوكية[33]، وهي وثيقة تضمنت أنساب أمراء العمادية الأوائل وتاريخهم، مع أن هذه الوثيقة لا تتناول إلا الحقبة المبكرة من تاريخ الإمارة، كما أن (زيروا) ليست (زيوكان) التي جددت فيها تلك الوثيقة فنسبت إليها، فهي إذن مخطوطة غيرها. ولاشك في أهمية هذه المخطوطة التي اعتمدها الصائغ، مما دفع بنا إلى البحث عنها في قرية (زيروا) وقرى العمادية سنوات عدة فلم نعثر منها على أي اثر.

 

4- مخطوط في التاريخ للمؤرخ الموصلي ياسين بن خير الله الخطيب العمري (المتوفى بعد سنة 1232هـ/1816م)، ولم يسمه، ويظهر أنه لم يطلع عليه كاملاً لأنه لم يذكره في قائمة مصادره، ولكنه أطلع على أوراق منه فيها نبذة عن حصار نادرشاه للموصل سنة 1156هـ/1743م، وما نسب إلى قديسيها من كرامة أدت إلى كف الأذى عن المدينة وانسحاب نادرشاه عنها بعد ذلك الحصار، ثم قيام الوالي الحاج حسين باشا الجليلي بترميم ثماني من كنائسها عرفاناً لما اثر عنها من دور روحي في تلك الأسابيع العصيبة.[34].

 

5- تاريخ دير ربان هرمزد. مخطوطة وصفها بقوله "هو تاريخ خطي يتعلق بحوادث الدير المذكور"[35]، والحوادث التي يشير إليها هي النكبة التي تعرض لها الدير ورهبانه وعدد من القرى المجاورة على يد أمير رواندوز محمد باشا المعروف بميركور سنة 1832م. وثمة مدونات عديدة عن هذه الحوادث فلا يعرف على وجه اليقين أي كتاب منها يعنيه في هذه الإشارة.

 

6- مخطوطة تضمنت ما عنونه "قصيدة ضافية باللغة الكلدانية يصف فيها مظالم ميركور" في نواحي قرى الموصل، من نظم من سماه دميانوس الألقوشي، وهذه القصيدة وصف فيها ناظمها مذبحة ألقوش والدير في غارة الأمير الرواندوزي محمد باشا مير كور، وهي من محتويات خزانة دير السيدة في بلدة ألقوش، فمن الراجح أنه اطلع عليها هناك[36].

 

7- مخطوطة لم يذكر لها عنواناً ووصفها بقوله (رسالة خطية باللغة الكلدانية قديمة العهد) وذكر أنها لراهب نسطوري اسمه (راميشوع) كتبها سنة 1793 يونانية الموافقة لسنة 1452، وموضوعها تاريخ الدير الذي أنشأه الراهبان يوحنا ويشوعسبران في القرن الرابع للميلاد ثم تحول إلى معبد للإيزيدية في القرن السابع للميلاد[37].

 

8- منظومة ايشوعياب بن المقدم، من القرن الخامس عشر[38]، أشار إليها في الاستدلال على أن المعبد الإيزيدي إن هو إلا دير يوحنا ويشوعسبران المذكور. ولم يشر إلى المكان الذي وقف عليها فيه.

 

9- تاريخ مجهول الاسم ذكر أن مؤلفه من أهل القرن الثالث عشر، وأن البطريرك أفرام رحماني نشره، وهذا هو المعروف بتاريخ الرهاوي المجهول وقد نشره رحماني في دير الشرفة بلبنان سنة 1904م.

 

كتب المسكوكات:

تعد الكتالوكات الخاصة بأنواع المسكوكات مصدراً مهماً في التعرف على حكم الدول والملوك، وقد أفاد منها من كتب في جداول حكام العالم الإسلامي من الباحثين الأوربيين، أمثال زامباور ولين بول وغيرهما، ونحن نرى أن سليمان الصائغ كان الرائد الأول من المؤرخين العراقيين في الاعتماد على هذا المصدر الموثق الذي يصعب الشك في معطياته، وقد أفاد منه في حديثه على ملوك الأتابكة في الموصل، حيث أورد جدولاً وضعه الدبلوماسي الآثاري نيقولا سٍيوفي ضم أسماء (بعض الملوك الأتابكيين)، ومع ذلك فإنه لم يعتمد على قراءة سيوفي لهذه المسكوكات على نحو مطلق، إنما صحح بعض تلك القراءة على وفق قراءته هو لتلك المسكوكات[39].

 

المصادر العربية:

كان الصائغ مدركاً لضرورة الاعتماد في كتابة تاريخ حقبة معينة على المصادر الخاصة بها، ومن هنا فقد اعتمد في تاريخه للموصل في العهود الإسلامية على المصادر العربية، بوصفها الأقرب غلى مجريات الحوادث التي شهدتها المدينة في تلك العهود، وكان في مقدمة مصادره كتاب الكامل في التاريخ لإبن الأثير الجزري فقد استقى منه مواده التاريخية التي تغطي تاريخ الموصل منذ الفتح الإسلامي وحتى بدايات القرن السابع للهجرة وأحال إليه نحو 46 مرة، ويليه تاريخ ابن خلدون، فقد اعتمده بصفة متوازية مع تاريخ ابن الأثير، ثم غطى به حوادث الموصل بعد الأخير، فبلغ عدد المرات التي أحال إليه نحو 37 مرة، إضافة إلى إحالات إلى مقدمته بلغت 3 مرات، واعتمد على (وفيات الأعيان) لابن خلكان في ترجمته للأعلام الذين كان لهم تعلق بتاريخ الموصل، فبلغ عدد إحالاته إليه 25 مرة، وكان كتاب (ابي الفداء) معينه في سد بعض الثغرات التاريخية لا سيما في الحقبة التي تلت العصر العباسي فكانت احالاته إليه 21 مرة، واعتمد أيضاً على كتاب (مختصر تاريخ الدول) لابن العبري في اقتباسه روايات لم ترد في ابن الأثير، فبلغ عدد إحالاته 15 مرة، وأفاد من كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي نحو 12 مرة ضبط فيها أسماء المواقع الجغرافية التي تقع حوالي الموصل خاصة، وأورد روايات أدبية من كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني فبلغت إحالاته إلى هذا الكتاب 5 مرات، والثعالبي مرتان، وإحالة واحدة لكل من المسعودي والطبري والواقدي وبعض المصادر الأخرى. واعتمد على كتاب (الروضتين في أخبار الدولتين) لشهاب الدين المقدسي، وأحال إليه 10 مرات في تغطيته لتاريخ الدولتين النورية والصلاحية، فضلاً عن اقتباساته من رحلة ابن جبير ورحلة ابن بطوطة فيما يتعلق بمشاهداتهما للموصل. ورجع الصائغ أيضاً إلى مصادر مسيحية كتبت بالعربية، أبرزها كتاب المجدل لعمر بن متي، معتمداً طبعة جيسموندي في روما سنة 1898م.

 

المصادر السريانية:

أشرنا في كلامنا عن المخطوطات والوثائق أن الصائغ اعتمد على عدد من المخطوطات السريانية، وهنا نشير إلى اعتماده أيضاً على كتب سريانية مطبوعة، منها كتاب (العفة) لإيشوعدناح البصري (أواخر القرن 8م) وهو في تاريخ الأديرة ومؤسسيها، وقد نشره بيجان، ومنها (أخبار الشهداء) الذي نشره بيجان أيضاً، ومن تلك المصادر التاريخ السرياني لابن العبري، وقد اعتمد عليه مرة واحدة، و(المكتبة الشرقية) ليوسف السمعاني، وقد أفاد منها في عدة مواضع، وتاريخ أربيل لمشيحا زخا الذي تشره ألفونس منكنا، و(أخبار الداسنية)[40] الذي نشره في روما شموئيل جميل سنة 1900 مع ترجمة إيطالية[41]، وهو من تأليف اسحق بن بطرس عَبدال البَرْطِلي(كان حياً سنة 1306هـ/1888م) ويتضمن عقائد اليزيدية وأعيادهم مع نبذة من تأريخهم.

 

الكتب الأوربية:

كان الصائغ يجيد من اللغات الأوربية الإنكليزية والفرنسية، وهذا ما مكنه من الإفادة من بعض المصادر المؤلفة بهاتين اللغتين في تاريخه للموصل، فأشار إلى رحلة الراهب الدومنيكي لانزا ناقلا من نصها الفرنسي، وأبحاث لنقولا سيوفي قنصل فرنسا في الموصل في تاريخ الموصل المنشورة في المجلة الآسيوية الصادرة في باريس عهد ذاك، وإلى كتابات الرحالة الآثاري لايارد صاحب التنقيبات الشهيرة في مدينة نينوى قرب الموصل، وإلى كتاب في تاريخ الدولة الكلدانية بعنون (كلدو) لمارتان، ومختصر تاريخ الكنيسة للمعلم لومون بالفرنسية، وكتاب نو عن اليزيدية بالفرنسية أيضاً، ومينان بالفرنسية في الموضوع نفسه وغير ذلك، وكتاب عن الأداب السريانية لدومال الفرنسي، وغير ذلك.

 

الكتب التركية:

كان الصائغ يتقن التركية، إلا أنه مع ذلك كان مقلاً في مراجعة المصادر العثمانية على الرغم من أهميتها في بحثه، لا سيما ما يتعلق منه بتاريخ الموصل في العصر العثماني، وأبرز ما رجع إليه في هذه اللغة تاريخ جودت، فقد نقل منه نصوصاً مهمة عن حوادث سنة 1193هـ/1779م في الموصل، كما أنه رجع إلى القسم التاريخي من سالنامة الموصل، وهو الكتاب السنوي الذي كانت تصدره ولاية الموصل في عهد الدولة العثمانية، وهو من تأليف مؤرخ موصلي غير معروف اسمه (توفيق فكرت)، وموطن أهميته على ما يذكر الصائغ أنه استقى مادته من الوثائق الرسمية، ولذا فإنه اعتمده مصدراً لما أورده عن تاريخ الموصل في العهد العثماني، لا سيما حقبة ولاة الجليليين وما تلاها حتى قيام الحرب العالمية الأولى. كما اعتمد في بعض المواضع على كتاب (قاموس الأعلام) لشمس الدين سامي، وأكثر ما أخذه منه أفاد منه في هوامشه التوضيحية. ولا نفهم سبب غياب هذه المصادر عن كتابه، إلا أن تكون غير متوفرة في الموصل عهد ذاك، وهو أمر لا يمكن القطع به. وقد نقده أحد الكتاب في أنه لم يخصص للعصر العثماني ما يستحقه هذا العصر من تفصيل[42]، ونعتقد أن مبرر هذا النقد هو قلة ما رجع إليه من المصادر التركية (العثمانية).

 

لقد أظهر الصائغ تمكنه من الكتابة التاريخية، منهجاً وأسلوباً ومصادر، ولذا فقد شهد كتابه قبولاً وانتشاراً ملحوظاً في العقود التي تلت صدوره، ليس في الموصل والعراق فحسب، وإنما في الأقطار العربية الأخرى بل في أوساط المستشرقين.



[1] ولد في الموصل سنة 1886 من أسرة كان لها دور في القرن التاسع عشر، وتلقى التعليم الكهنوتي في مدارسها الدينية حتى عين قساً، ثم ارتقى في المناصب الدينية حتى أصبح مطراناً للموصل، عني بالأدب والصحافة فأسس مجلة (النجم) الشهرية سنة 1928 واستمرت بالصدور إلى سنة 1955، ألف (تاريخ الموصل) ووضع عدداً من المسرحيات التي تناولت موضوعات تاريخية وأخلاقية ووطنية، وكانت وفاته سنة 1961م.

[2] كتب الصائغ على كتابه عبارة (الجزء الأول) ووعد فيه بإصدار جزء ثاني له، وقد أصدره بالفعل في بيروت سنة 1940 وهو يتناول التاريخ الأدبي للموصل، ثم أعقبه بجزء ثالث اختص بتاريخها العمراني، وقد خصصنا الجزء الأول بدراستنا هذه بسبب ريادة هذا الجزء في مجال الكتابة التاريخية في العراق، وهو ما لم يعد يتصف به الجزآن الآخران إذ صدرت عهد ذاك كتب عديدة في موضوعهما.

[3] ص 30.

[4] ص 24

[5] ص 56.

[6] ص 57.

[7] ص 91.

[8] ص292.

[9] ص 64- 65.

[10] ص 82.

[11] ص 272.

[12] ص 70.

[13] ص 207.

[14] ص93.

[15] ص28-31.

[16] ص51- 55.

[17] ص90- 93.

[18] ص 321- 325

[19] هو توفيق السمعاني، المدرس في مدرسة الإليانس في بغداد آنذاك، ينظر بعض المقالات التي نقد فيها أصحابها كتاب (تاريخ الموصل) عند صدوره على موقع (موصل نيت وورك) وهي من جمع السيد قصي آل فرج.

[20] ص156.

[21] ص 72.

[22] ص139

[23] ص171.

[24] ص6.

[25] ص 271.

[26] ص 277.

[27] ص285.

[28] ص 302.

[29] كتابنا: التاريخ والمؤرخون العراقيون في العصر العثماني، ط:2، لندن 2009، ص246.

[30] ص267.

[31] ص311.

[32] إمارة بهدينان العباسية، الموصل 1969، ص30.

[33] نشرنا هذه الوثيقة مستقلة في كتاب بعنوان (الشجرة الزيوكية، نسب أمراء بهدينان وتاريخهم)، أربيل 2009.

[34] ص 289.

[35] ص 307.

[36] بطرس نصري الكلداني وأدي صليبا ابراهينا: نبذة تاريخية عن بعض مشاهير طائفة الكلدان الكاثوليك، مجلة المشرق 4 (بيروت 1901) ص874-855، وألبير أبونا: أدب اللغة الآرامية ص540-541.

[37] ص299.

[38] ص 301.

[39] ص 228.

[40] ص 305.

[41] التاريخ والمؤرخون ص305.

[42] شكري الفضلي: نقد لتاريخ الموصل، نشر عند صدور الكتاب . نشر على موقع (موصل نيت وورك).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 م
  • خليل ونه ( سيرته - رحلاته - آثاره )
  • من تاريخ الخدمات النسوية العامة في الموصل
  • رسالة في غلاء الموصل سنة 1297هـ / 1878م

مختارات من الشبكة

  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (6) وفاة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (4) سليمان الملك والقوة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • قصة سليمان بن داود عليه السلام (3) فتنة سليمان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • تفسير: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللمحة في شرح الملحة لمحمد بن الحسن الصائغ تحقيق محمود أمين السيد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خارقة سليمان وخارقة النملة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هيكل سليمان: دراسة مقارنة مع المسجد الأقصى في التاريخ والآثار والدين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • ترجمة الشيخ المقرئ عبدالرحمن بن سليمان بن دامغ(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير: (ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص الأنبياء: قصة سليمان عليه السلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب