• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    عجائب الأشعار وغرائب الأخبار لمسلم بن محمود ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

المسيحية والجمال

المسيحية والجمال
أ. صالح بن أحمد الشامي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2013 ميلادي - 24/7/1434 هجري

الزيارات: 29555

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المسيحية والجمال


لقد وُجد الدين منذ وُجد الإنسان، بل إن جبلته فطرت على ذلك حينما قال الله تعالى له "كن" فكان، فكانت استجابته تلك أول تعبير وتحقيق لمعنى "الدين".


ولذا "فالشعور الديني أصيل، يجده الإنسان غير المتمدن كما يجده أعلى الناس تفكيرًا وأعظمهم حدسًا" كما يقول الدكتور ماكس نوردوه[1]. ولم يبق هذا الشعور حبيس ذات الفرد، بل أضحى الظاهرة الاجتماعية البارزة التي اتسمت بها كل جماعة إنسانية، يقول هنري برغسون: "لقد وجدت، وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة[2]".


وإذا كان للدين هذا الالتصاق بالإنسان، - سواء أطفا هذا الدين على السطح، أم صاحب هذا الطفو تغلغل في الأعماق.. أم بقي طي الكتمان تحت حجب ترقّ، تارة وتغلظ أخرى - فلنا أن نتساءل عن طبيعة العلاقة بين الجمال وبين الدين؟.


لقد كان الفن - ميدان الجمال - في الأمم الوثنية في خدمة الدين، فالأوثان تصنع بدافع ديني، والآلهة تنصب تعبيرًا عن الدين، والقرابين والرقصات والأعياد.. كلها مرتبطة بالدين "ولقد ظل الفن هكذا في خدمة الطقوس زمنًا طويلاً في كثير من الحضارات، لدرجة لم يكن يوجد فن إلا وكان دينيًا[3]..".


".. ففن النحت والرسم والموسيقى والرقص وحتى العمارة طبعت كلها بالطابع الديني لدى الشعوب القديمة، وحتى في العصور الوسطى في أوربا كما في الشرق[4]".

 

فلقد رأت الدولة الرومانية في النصرانية خطرًا عليها، فتعقبت الحواريين وسائر أتباع النصرانية في كل مكان، مما أدى إلى فرارهم وترحالهم وتخفيهم، واختلاطهم بالوثنيين، واستمر هذا الوضع إلى عهد الإمبراطور قسطنطين الذي قرر سنة 312م التوقف عن ملاحقتهم والعفو عنهم... وتظاهر هو بالتزام الدين... "ولكن هذا الإمبراطور الذي كان عبدًا للدنيا لم تكن عقائده الدينية تساوي شيئًا رأى لمصلحته الشخصية ولمصلحة الحزبين المتنافسين - النصراني والوثني - أن يوحدهما ويؤلف بينهما، حتى إن النصارى الراسخين أيضًا لم ينكروا عليه هذه الخطة، ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها"[5] "ونشأ من ذلك دين جديد تتجلى فيه النصرانية والوثنية سواء بسواء[6]".


وهكذا تخلت المسيحية عن سماويتها وهبطت إلى الأرض لتتولى الكنيسة شؤونها ومن هنا بدأت علاقتها بالفن.


كان الرهبان في تلك المرحلة وما قبلها يرون في تعاليم المسيح الوسيلة لنقاء الروح وطهارتها ولذا "كانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح ويتأتمون من غسل الأعضاء، وأزهد الناس عندهم وأنقاهم أبعدهم عن الطهارة وأرغبهم في النجاسات والدنس، يقول الراهب "لتهينس": إن الراهب "أنتوني" لم يقترف إثم غسل الرجلين طول عمره وكان الراهب "إبراهام" لم يمسَّ وجهه ولا رجليه الماء خمسين سنة، وقد قال الراهب الاسكندري بعد زمن متلهفًا: وا أسفاه، لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه حرامًا، فإذا بنا الآن ندخل الحمامات[7]".


تلك كانت حالهم قبل تطعيم المسيحية بالوثنية، ولكنهم بعد ذلك عدلوا من طريقتهم لتتناسب مع المزيج الجديد، فبدأت الأوثان والصور تدخل الكنيسة.. ولا شك أن بعضهم لم يكن راضيًا عن ذلك، وقد رأينا في البحث السابق - الجمال والأخلاق - موقف كل من "فاسيلي" و"برونيم"، ولكنهما وأمثالهما لم يستطيعا مقاومة التيار الطاغي.


يقول "سل" العالم الإنكليزي عن نصارى القرن السادس الميلادي: أسرف المسيحيون في عبادة القديسين والصور المسيحية[8].


وفي القرون الوسطى استطاعت الكنيسة احتواء الفن والسيطرة على الفنانين، يقول أبو ريان: "وعندما توطدت سلطة الكنيسة في القرون الوسطى بدأ الفن يتخلى عن المسحة الدنيوية. وعاد ليرتبط بالحياة الآخرة، وحياة الفضيلة، ويصور النزعات السامية في الإنسان، والفضائل الدينية، كالاستشهاد والتضحية والصبر، والأمل في حياة خالدة، وتمجيد الله وإعلاء كلمة المسيح، والترنّم بسيرة العذراء، وصدق إيمان الحواريين، وروعة مآثر الصديقين، وتصوير المواقف المسيحية بأسلوب يتضح بالإيمان الدافق[9]".


وجاء عصر النهضة في أوربا حيث بلغ الفن الكنسي ذروته على أيدي رافائيل[10]، ومايكل انجلو[11]، وليوناردو دافنشي... وظهرت صور صلب المسيح، والعشاء الأخير، ويوحنا المعمدان، والقربان...


ونلاحظ أن مطلع القرن السادس عشر كان حافلاً بالأحداث الفنية، فقد أنجز رافائيل الصورة الجدارية تحت الأفرسك التي زين بها إحدى قاعات الاستقبال الكبرى بالفاتيكان والمسماة ستانزا ديلا سيجناتورا وتمثل هذه الصورة الإِله "أبولو" في وسط آلهة الشعر والموسيقى والفنون فوق البارناسوس - جبل في اليونان -[12].


وأنجز "أنجلو" صورة سقف إحدى القاعات في الفاتيكان حيث قسمه إلى تسعة أقسام، استوعبت ثلاث مجموعات من التاريخ، وقد تناول في المجموعة الأولى خلق العالم وتتكون من اللوحات التالية:

1- الإله الأعظم رب الوجود وسيد الأسياد يفصل النور عن الظلام.

2- الإله وهو يخلق الكواكب.

3- الإله يبارك الأرض بمياهها ونباتها.


أما المجموعة الثانية فقد خصصها:

1- خلق آدم من تراب الأرض.

2- خلق حواء من ضلع آدم.

3- الإغراء والخطيئة.


وخصص المجموعة الثالثة بموضوعات لنوح عليه السلام:

1- نصيحة نوح.

2- الطوفان.

3- نشوة نوح[13].


وفي روما - مقر البابوية - الكثير الكثير... وليست روما وحدها التي تهتم بالفن وتعنى به...


فهذه صورة "العشاء الأخير" التي تعدّ من أهم أعمال "ليوناردو دافنشي" قد أنجزها بمدينة ميلانو، وهي الصورة التي زين بها حائط دير سانتا ماريا ديلا جراتسيا للرهبان الدومينيكانيين. وتعد واحدة من أشهر أعمال التصوير في العالم[14].


وقد بلغ من اهتمام الكنيسة بالفن أن تحول بعضها إلى "مرسم". فها هو "ليوناردو" قد اتخذ غرفة البابا نفسه بسانتا ماريا نوفيلا مرسمًا له لممارسة عمله في إنجاز صورة معركة انجياري[15].


وحرصا ًعلى مصلحة الفن تدخل البابا شخصيًا في محاولة الإصلاح بين انجلو ودافنشي[16].


ولم يكن الاهتمام قاصرًا على فن الرسم، فالموسيقى الكنسية إحدى مقومات الاحتفالات والمناسبات،... "ففي دير سولسمس انصرف ثلاثة أجيال من الرهبان خلال فترة مداها حوالي 55 سنة إلى إعادة إنشاء الموسيقى الجريجورية[17]".


وقد أصبح للفن أنظمة وقوانين يحرم على الفنان مخالفتها ونذكر على سبيل المثال "ما جرت عليه الكاثوليكية من تحريم ارتفاع رأس البشر على رأس المسيح في التصوير. الأمر الذي سبب لجويا[18] مشكلات أثارتها عليه محاكم التفتيش حين خالف هذه القاعدة في لوحته التي صور المسيح فيها بعد نزوله من الصليب ورؤوس الناس حوله في وضع يعلوها[19]".


إن قضية الفن أخذت من رجال الكنيسة كل وقتهم وكل اهتماماتهم، فهذا هو البابا ليو العاشر يحيط مجلسه بأهل العلم والأدب والفن من كبار العلماء والشعراء والموسيقيين والفنانين... وكان أصحاب الحاجات من المواطنين، عليهم أن يطلبوا الإذن بالمثول بين يدي البابا... وكانت تمضي على بعضهم الأسابيع بل الشهور في انتظار الإذن بالمثول دون أن ينال أحد منهم هذا الشرف الكبير[20].


وإذا كان هذا وضع الكنيسة في أعلى مستوياتها. فلا شك أن عدواها سوف تسري إلى الناس فهي القدوة، وهكذا هام الناس بالجمال، وقدسوه وعدّوا حامله قديسًا ولو كان عاهرًا. "وأضحى المرء في ذلك العصر - كما قال رفائيل سيتني - عاجزًا عن التمييز بين القديسين في المعبد والعاهرات في المدينة، فسوى بينهما في التبجيل والتعظيم، بل لقد بلغ من افتتان الناس بالفوضى الجنسية أن احتفلت روما المسيحية عام 1511م احتفالاً مهيبًا حفظه التاريخ. وتحدث عن جنازة إحدى العاهرات، وصمم شعب روما على أن يدفن فقيدته الغالية في كنيسة القديسة جرجريا ونقش على قبرها: هنا جثة العاهرة الرومانية العظيمة التي نالت ما تستحقه من الشهرة الواسعة لأنها كانت مثالاً للجمال قل أن يوجد له نظير[21]".


وهكذا أضحت الكنيسة معرضًا للوحات العظيمة، كما أضحت اللوحات العظيمة هي التي تصور المعاني الكنسية، وأخيرًا... مدفنًا للجمال بغض النظر عن هويته.


التمرد على سلطة الكنيسة:

بدأ التمرد من بعض الفنانين على سلطة الكنيسة مع ابتداء عصر النهضة في أوربا الذي يمتد من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر، فاتجه الفنان إلى التحرر من طابع الحزن، وإلى الحياة الفكرية والفنية عند اليونان والرومان...


ويفسر بعضهم تأثر فناني عصر النهضة الإيطاليين الكبار بالنزعة الدينية، إنما يرجع إلى قربهم من المقر البابوي في روما.

 

على أنه لا ينبغي لنا أن نهمل عاملين اثنين ربما كان لهما أكبر الأثر في استمرار هيمنة الكنيسة على الإنتاج الفني.

أ- سلطانها على الحياة كلها من خلال محاكم التفتيش التي تأتمر بأمر البابا والإكليروس الديني في روما، والتي كانت تشيع الرعب في نفوس العلماء والفنانين والمفكرين على حد سواء.


ب- كونها - الكنيسة - تمثل الطبقة الأرستقراطية التي تستطيع تلبية مطالب الفنان المادية والحصول على رضاه، فقد كان رجال الإكليروس في مقدمة الأثرياء في هذا العهد، وبهذا كانت المصالح متبادلة بين الفريقين[22].


وهناك عامل آخر يمكن تسجيله هو مفهوم الدين لدى الفنان، الذي يختلف عن مفهوم الكنيسة، ولكنه يستطيع تحت هذه اللافتة أن يلتقي معها وإن كانت هي بدورها لم تهتم بما تعنيه تلك اللافتة لديه - كما سوف نرى ذلك بوضوح -.


لم يكن التمرد على الكنيسة مما انفرد به الفنانون بل شاركهم في ذلك العلماء، كما شاركهم أيضًا بعض رجال الكنيسة أنفسهم، وهو ما أطلق عليه فيما بعد اسم "حركة الإصلاح".


ومن أوائل الذين تزعموا هذه الحركة:

1- "جون وكلف" الذي كان مدرسًا للعلوم الدينية في جامعة أكسفورد في القرن الرابع عشر الميلادي وقد انتقد الديانة النصرانية المعاصرة بشدة، ولذلك أبعد وفصل من عمله.


2- "ايرتسمس" ت 1536م وهو الذي كشف مساوئ الكنيسة وألف كتابًا باسم "مدح الحماقة" هاجم فيه النظام الديني[23]..".


ولكن الذي استطاع أن يواجه الكنيسة بالفعل ويجعل من حركة الإصلاح واقعًا، تحس الكنيسة حرارة وقعه هو "مارتن لوثر" 1483 – 1546م وهو من مواليد ألمانيا، درس القانون، ثم اللاهوت، وبتوجيه من الكنيسة درس الفلسفة، وكان شديد الورع يجل الكنيسة، فأحب أن يحج إلى روما لتحل عليه بركات الكنيسة وذلك سنة 1510م، ولكنه فوجئ بالمدينة العابثة، رجال الدين فيها قد دنستهم المفاسد، وأحاطت بهم الريب واستهانوا بأحكام الدين وتجرؤوا على الخطايا... كل ذلك من الذين تخيلهم قديسين.. ويزعمون وهم على حالهم تلك أن بيدهم ملكوت السماوات وسر التوبة وأبواب الغفران[24]...


وعاد لوثر إلى ألمانيا مستنكرًا... فرجال الكنيسة لم يهبطوا روحيًا فحسب، بل انغمسوا في ملاذ الدنيا، وأحاطت بهم الرذائل.. ولعل هذا هو ما دفع "ليكي" إلى القول: "لعله لم يوجد في تاريخ الأخلاق قصة مؤلمة مؤثرة أكثر من مرض الرهبانية[25]".


على أن الذي أشعل نار الثورة، هو أن البابا أراد إعادة بناء كنيسة بطرس في روما فأرسل راهبًا إلى ألمانيا عام 1517م ومعه صكوك الغفران ليبيعها.. وهنا أعلن لوثر بطلان هذه الصكوك.. وكان في جملة ما نادى به.. منع الصور والتماثيل.


هذه الصورة والتماثيل، قد حولت الكنيسة إلى معبد وثني، فالتطور الذي حدث بالنسبة للشعب الروماني هو أنه بعد موت الاسكندر تحول صانعو الآلهة إلى صانعي تماثيل - على حد قول برتليمي[26] - ولكن التماثيل ما لبثت أن عادت إلى مكانتها كآلهة.


إن هذه الصور والتماثيل التي كانت عاملاً من عوامل وثنية الكنيسة، كانت تكاليفها باهظة من الناحية المادية، إضافة إلى تكاليف عيشة الترف التي درج عليها رجال الكنيسة. يقو الراهب جروم: "إن عيش القسوس ونعيمهم كان يزري بترف الأمراء والأغنياء المترفين، وقد انحطت أخلاق البابوات انحطاطًا عظيمًا.. وقد بذروا المال تبذيرًا حتى اضطر البابا أنوسنت الثامن أن يرهن تاج البابوية، ويذكر عن ليو العاشر أنه أنفق ما ترك البابا السابق من ثروة وأموال وأنفق نصيبه ودخله، وأخذ إيراد خليفته المرتقب سلفًا وأنفقه، ويروى أن مجموع دخل مملكة فرنسا لم يكن يكفي البابوات لنفقاتهم وإرضاء شهواتهم[27]".


ومن المعروف أن ليو العاشر هذا، هو الذي عاصر الفنانين الكبار، انجلو، ورفائيل، ودافنشي،.. وقد لقب براعي الفنون والعلوم.


وعلى الرغم من الصلة الوثيقة بين هؤلاء الفنانين وبين الكنيسة، فإنها لم تكن قادرة على السيطرة عليهم وإخضاعهم لها. "فهذا ميكائيل انجلو صور يومًا في لوحته المسماة باسم الجحيم أحد الكرادلة الذين كرههم، فاحتج الناس لدى الباب على هذا العمل. ولم يملك البابا سوى أن يجيب على هذا الاحتجاج بقوله: إنني أستطيع كل شيء في مملكة السماء، وأما في مملكة الجحيم فليس لي - مع الأسف - أي سلطان[28]". ولم تكن هذه الإجابة سوى اعتراف من جانب البابا بعجزه عن السيطرة على تسيير هؤلاء الفنانين فيما يريد...


مفهوم الدين لدى الفنانين:

ونتساءل بعد هذا، هل كان مفهوم الدين الذي استقر في نفوس هؤلاء الفنانين - الذين أسهموا في إنتاج الفن الكنسي - هو المفهوم نفسه الذي تأخذ به الكنيسة[29]؟ لم يكن الأمر فيما يبدو كذلك، فقد كان لكل فنان مفهومه الخاص عن الدين. ونترك الحديث لـ"برتليمي" ينقل لنا طائفة من آرائهم:

قال انجلو: فن التصوير نبيل وتقي بطبيعته.


وقال فان جوخ[30]: حاول أن تفهم الكلمة الأخيرة مما يقوله كبار الفنانين عن أعمالهم الفنية الكبرى تجد الله موجودًا فيها.


وقال رودان: إن الفنان الحق أشد الناس تدينًا، ولطالما خلطت بين الفن الديني والفن فحسب، فعندما يضيع الدين يضيع كل شيء.


وقال راموز[31]: إن كل شعر لا بد أن يكون دينيًا، وإن كل شعر ضرب من الدين.


ويعلق برتليمي على هذه الآراء بقوله: فكلمة الدين حين تصدر في الحقيقة عن قلم كثير من الفنانين تحمل معنى غامضًا يشتد غموضه لدرجة أنه يخلق أسوأ ما يمكن أن يكون من سوء الفهم، فالدين عند رودان مثلاً، معناه الشعور بالمجهول، وكل ما لم يفسر تفسيرًا واضحًا.. وتبعًا لراموز يصبح كل ما هو شعري دينيًا في إجماله، ويصدق هذا على كل شيء... لأن القدسية موجودة في كل مكان..


ثم يقول: ها نحن أولاء بعيدون عن الله، أو عن الآلهة، عن كل مذهب وعقيدة أو طقوس، وبالاختصار: نحن بعيدون عما يفهم عادة من كلمة الدين[32].


لقد كان لكل فنان دينه الخاص، أو لنقل مفهومه الخاص عن الدين، الأمر الذي لم يغيّر من سلوك الفنان شيئًا، وهكذا كانت "روائع انجلو ورفائيل من الناحية الجمالية، وثنية إغريقية وإن كانت مسيحية من الناحية المنطقية فقط[33]" ولعل هذا هو الذي دفع "آموز وايلدر" ليقرر في وضوح: "أنه لا يوجد حقيقة ما يطلق عليه القيم الجمالية المسيحية[34]".


وهذا أيضًا ما يفسر لنا كثيرًا من اللوحات الكنسية التي تعرت فيها الفضيلة وما زالت تنضوي ضمن إطار الفن الكنسي، ومن ذلك لوحتان في متحف "البرادو" في مدريد صور في إحداها آدم، وفي الثانية حواء وقد تعريا إلا غصن نبات صغير يستر جزءًا من سوءتيهما المغلظة. وهناك لوحة أخرى تمثل ولطًا وابنتيه وهما تسقيانه الخمر وقد تعرت إحداهما تمامًا وعلى وسط الثانية غلالة رقيقة لا تستر شيئًا.. ولوحات ولوحات كلها تمثل صراخ الجسد[35].. وهكذا بقي الطابع الروماني - وهو الاهتمام بالجسد - تحت غلالة مسيحية، هذه الغلالة هي "موضوع" اللوحة الذي ينتسب إلى المسيحية.


وبهذا استطاع الفنان أن "يفنن" الدين، ولم يرد أن يخضع الفن للدين، الأمر الذي قاد إلى ظهور "دين الفن" حيث أريد من الفن أن يصبح دينًا.



[1] الإسلام والحضارة والإنسانية. للدكتور عبد المنعم خفاجي ص 82.

[2] الإسلام والحضارة والإنسانية. للدكتور عبد المنعم خفاجي ص 82.

[3] بحث في علم الجمال. برتليمي ص 573.

[4] فصول في علم الجمال. برجاوي ص 179 - 180.

[5] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 186 نقلاً عن درابر.

[6] المصدر السابق ص 185 نقلاً عن درابر.

[7] المصدر السابق ص 187 نقلاً عن تاريخ أخلاق أوربا لليكي.

[8] منهج القرآن في تربية المجتمع ص 32 عبد الفتاح عاشور ط1 نقلاً عن المجتمع الإسلامي د. أحمد شلبي.

[9] فلسفة الجمال ص 213. أبو ريان.

[10] رافائيل 1484 - 1520 مصور إيطالي. من عباقرة النهضة في أوربا. أسهم في زخرفة الفاتيكان.

[11] مايكل أنجلو 1475 - 1564 مصور ونحات إيطالي يعد في طليعة عباقرة النهضة في أوربا.

[12] ليوناردو دافنشي، أحمد أحمد يوسف ص 134 - 135.

[13] المصدر السابق ص 140.

[14] المصدر السابق ص 84.

[15] المصدر السابق ص 111.

[16] انظر المصدر السابق ص 135 - 137.

[17] الإنسان ذلك المجهول ص 67.

[18] جويا 1746 - 1826 مصور إسباني.

[19] مقدمة في علم الجمال ص 65. د. أميرة مطر.

[20] ليوناردو. أحمد أحمد يوسف ص 134.

[21] الإسلام والفن، الإستانبولي ص 30 نقلاً عن كتاب: هذا أو الطوفان ص 22.

[22] انظر فلسفة الجمال. أبو ريان 213 - 214.

[23] الإسلام تشكيل جديد للحضارة. الأميني ص 27 - 28.

[24] الموسوعة العربية الميسرة، مادة: لوثر. بإشراف محمد شفيق غربال.

[25] الإسلام تشكيل جديد للحضارة ص 25.

[26] بحث في علم الجمال ص 579.

[27] ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 191.

[28] فلسفة الفن زكريا إبراهيم ص 140.

[29] إن الكنيسة نفسها غير متفقة على ذلك، فإن رأي مارتن لوثر هو غير رأي كنيسة روما...

[30] فان جوخ 1853 - 1890 مصور هولندي. عاش في آخر حياته في فرنسا ومات فيها.

[31] شارل راموز 1878 - 1947 روائي سويسري. كتب بالفرنسية، تصور رواياته الصراع من أجل البقاء.

[32] بحث في علم الجمال ص 573 - 574.

[33] من بحث بعنوان: التوحيد والفن. للدكتور إسماعيل فاروقي نشر في مجلة المسلم المعاصر العدد 24 سنة 1980م.

[34] من بحث بعنوان: التوحيد والفن. للدكتور إسماعيل فاروقي نشر في مجلة المسلم المعاصر العدد 24 سنة 1980م.

[35] ومن ذلك تمثالان عاريان لداود صنع أحدهما دوناتلو والآخر أنجلو... وانظر أمثلة كثيرة أخرى في تاريخ العالم. السيرجون. أ. هامرتن 5/689 - 705 ترجمة وزارة التعليم بمصر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقدمة في الظاهرة الجمالية في الإسلام
  • عرض كتاب: الظاهرة الجمالية في الإسلام
  • رحلة في " ما هو الجمال؟ "
  • الفن والجمال
  • حقيقة الجمال
  • علم الجمال
  • خصائص الجمال ومقاييسه
  • الجمال والفلسفة
  • الماركسية والجمال
  • الوجودية والجمال
  • الحق والخير والجمال
  • الكنيسة المعاصرة والجمال
  • الإسلام والجمال
  • الألفاظ الجمالية ( التعريف بالجمال وحقيقته ومكانته )
  • الجمال مقصود
  • الجمال في الكون
  • وسائل جمالية
  • الفطرة .. والجمال
  • أثر الجمال في النفس
  • الجمال .. وسيلة اختبار
  • كلمة في المنهج والجمال (1)
  • إن الرهبانية لم تكتب علينا!
  • المسيحية في جزيرة العرب قديما
  • المسيحية كما جاء بها المسيح (1)

مختارات من الشبكة

  • هل ستنقرض المسيحية؟!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسيحية كما جاء بها المسيح (5)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسيحية كما جاء بها المسيح (4)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسيحية كما جاء بها المسيح (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسيحية كما جاء بها المسيح (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشكالية توظيف الأدلة الإسلامية في محاورة المسيحية البولسية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • محنة الأقليات المسيحية في البلاد العربية والشرق الأوسط(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أوكرانيا: قلق في القرم لفرض تعاليم المسيحية على المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التظاهر باعتناق المسيحية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إفريقيا الوسطى: إجلاء 2000 مسلم هربوا من هجمات المليشيات المسيحية(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب