• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / الثقافة الإعلامية
علامة باركود

وقفة شكر مع الحبيبة

وقفة شكر مع الحبيبة
بكر البعداني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/4/2013 ميلادي - 11/6/1434 هجري

الزيارات: 11260

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحب المشروع

وقفة شكر مع الحبيبة


الحمد لله على إنعامه وإفضاله، والشكرُ له على توفيقه وإحسانه، والصلاة على النبي محمد وصحبه وآله، أما بعد:

فأقول مستعينًا بالله وبه ثِقتي، وعليه رجائي ومنه عوني:

إن المتأمِّل - في هذا الزمان - للاعتراف بالفضل والإحسان لأهلِه، والصَّدْح بالشكر والامتنان لصحبِه، يرى - وللأسف - أنه قد ضاع عرفُه، وعَظُم ضعْفُه، بل وفسَد أمره، وهبَط نَجمه، وأظلمتْ سماؤه، وأَفَل رسْمُه، وقلَّتْ عناية أهله بحفظه، وعمِل المخذولون على الحطِّ من حظِّه، مع أنك ترى - والحمد لله - عز وجل وحده - في المقابل - قلة قليلة، وثُلَّة - وإن كانت ليست بالكثيرة - بها عاملون، وعليها مُداوِمون، ولها حافظون.

 

ومن هنا آثرتُ أن أقِف وقفةَ شكرٍ وتبجيل، وامتنان وردٍّ للجميل مع الحبيبة، والتي لها عليَّ من الحق ما ليس بالقليل، وتَستحِقُّ عليه الضم والتقبيل، وقبل أن تُطلَق الألسنة باللوم عليَّ ذلك والعِتاب، وتتطاول - عند المتحمسين - إلى الشتام والسِّباب.

 

أقول لهم: أَربِعوا على أنفسكم، وأنصِفوا منها لغيركم - فما هكذا تُورَد الإبل - وأتِمُّوا معي قراءة الرسالة بهوادة، حتى تأتي العين على النهاية، وعندها سينكشِف الغطاء وينجلي الرين، ويُسفِر الصبحُ على كلِّ ذي عينين.


ونقبل منكم - بعدها - كلَّ استدراكٍ ونقْد، أو كل توجيه وردّ، ونَحفِل عندها بنصحكم، ونقبَل ما دلَّ عليه الحق من تعليقكم وقولكم، بل نرى حقًّا علينا لكم تبجيلكم وشُكركم، ومعرفة مكانكم وقدْركم، وزِد على ذلك - والزيادة هنا ليست برِبا، بل هي محمودة مشكورة - الاحتفاء والعمل بنصحكم، والاعتراف بأننا نحبُّكم.

 

بداية اللقاء:

ولقد كان سبب هذا اللقاء - بيني وبين تلك الحبيبة - أول مرة، أني كنتُ وقد اشتطَّ بي الوَلَه، وخيَّم عليَّ الهُيام - أُقلِّب الطَّرفَ في بعض الليالي متأمِّلاً، وعلى الرياض الأنيقة من العلم والأدب مُعرِّجًا، ألتمِس بين سهولها والهِضاب، وأوديتها والشِّعاب، ما يَروي غليلي، ويَشفي عليلي، أو يؤنس وَحشتي، ويُجلي كربتي، والحال فيها كما قيل:

والطّلُّ يَنثُر في الرياضِ دموعَه
والزهرُ يضحكُ من خِلال بكائِهِ
وتخالُ أنفاسَ النسيم عليلةً
عجبًا وتَشفِي الصبَّ من بُرحائِهِ

 

أراقب نجومَها العالية، وأشاهِد أفلاكَها السابحة، وكأني بها قد اعتراها سُهاد، وجفاها رُقاد، فلكأنها زهرُ رَوضة لا يَصوح نباتها، أو كأنها ثابتة مجتمِعة فلا يتغيَّر ثباتها، ولا يُرجى شَتاتها، فسبحان مُنشئها على غير صفة سابقة، ومُوجِدها بهذه الصفة الساحرة، وبُعدًا لها من ليلة ما كان أطولَها، وقد تطاولتْ فلكأنها الشهر، وامتدت حتى قاربت الدهر، ومع هذا! فالشكر يسعى مني إليها، إذ كان يومها موعدًا للوِصال، وسُلَّمًا إلى بلوغ الآمال، وكيف لا؟ وقد جمعت الشتيتين، وقرَّبت الوليفين.


وقديمًا قيل:

وقَدْيَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيْنِ بَعدَما
يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أنْ لا تَلاقِيَا

 

فلا زلتُ مذ تلك الساعة، أكنُّ لها كل وجد وغرام، وأعرف لها فضلها والمقام.


وبينما الأمر كذلك، إذ انْتُضيَ نصلُ الصباح ورَفرفت راياته، وبرز جيش المصباح وشقشقت أنواره، وصدَح الديك وعلتْ صيحاته، وسطع الضوء وفي طياته نسماتُه، فيا لله ما أجملها من لحظات، وما ألطفها من بُرهات!


وقد كنت في ذاك - كما ذكرت - أصبو إلى ما يأنس معه القلب، ويسكن له اللبُّ، ويُحرِّك غرامه، ويفتح أنوارَه، أجِد من نفسي إليه قوة ونشاطًا، ويُهيِّجني إليه نشر رند وخُزامى، وأنا عاجز عن تخيُّل وصْفها، ومع هذا يستهويني إليها سرُّها وحدسها، ويُشوِّقني إليها منظرها الذي أجهله، ويروقني مخبرها الذي لا أعلمه، وأحدِّث النفس عن أصيلها وسحرها، وأعلِّلها بدنوها وقرب لقائها.


ويعلم الله - عز وجل - أنه لم يكن عندي قبل ذاك باعث غرام، وليس لي همٌّ في الحب والهُيام، بل إنني كنت أعجب ممن يَهيم وجدًا، واستغرب متى شكا عاشقٌ هجرًا وصدًّا، أستقبِح منهم تلك الأقوال والفِعال، وأتعجَّب من بلوغهم تلك الوصف وذلك الحال، وأُشفِق عليهم - أعني من صحَّت منهم قصتُه - سوء المنقلَب وعاقبة المآل، ومع أنه يُحرِّكني جميل سِهامهم والكلام، ولطيف ما يذكُره الأدباء من النثر أو الشعر في هذا المقام، إلا أنني - مع ذلك كله - أُسفِّه رأي قيس وصاحب المياسة المقدام، وأستهجِن قول - الخارج عن الأدب الشرعي - كُثير في عَزَّتِه، وعنتر في عبلته، وأعد ما نقل من أخبارهم مَيْنًا وزورًا، وغيًّا وكذبًا، وأستبعِد من كل ذي عقل وصاحب لبٍّ أن يَجلِبَ لنفسه فتنة، أو يُدنيها من محنة.

 

لحظة اللقاء، وشيء من وصف الحبيبة:

وبينما أنا كذلك أروح طرْفي بين الرياض، سارحًا في تلك الرُّبا والغياض، أضرب أخماسًا لأسداس، حتى كدتُ أفقِد عند ذلك الأملَ والإحساس، أعقد بين أناملي، وأشبِّك بين أصابعي، أقف لحظة وأستلقي أخرى، إذ عنَّ لي سربٌ تُظلِّله الجوانح، كالظباء السوانح، يَختلن في مشيهن كأنهن سوارِح، تبدو عليهن رَوعة الجمال، وتكسوهن أهبة الجلال، فأتْبعتُهن نظرة في حالة وهلة، وذهول وغفلة، وقد أُنسيت ما تجلِبُ العين على الفؤاد من الحسرة، وما تُلحقه بالقلب من القسوة والظلمة.

 

وبدت إليَّ من بينهن حسناء، كالحديقة الغنَّاء، تُسفِر عن وجه بديع يَحار فيه الجمال، مُضرجًا بحركات التِّيه والدَّلال، ترنو بألحاظ ريم، وتَبْسِم عن دُرٍّ نظيم، كأنَّ مُحياها بدر داجية، أو شمس سماء مُصحية، ولا يقال: صاحية، فثنيتُ في أثرها اليعبوب من جوادي، وإنما تَبِعت في ذلك فؤادي، وقد شغلني ما رأيته عما تعلَّمتُه، وقادني ما شاهدت بعيدًا عما تأدَّبت، ونسيتُ ما كنت أستَصعِبه من فِعل العشَّاق، وأصبحت عنه في إغلاق، وجريت في طَلْق الصّبا طلقَ الصبا، وذهبت في نيل البغية مذهبًا مذهبًا، وأنشدت يا عاذلي وقد هاجت بلابلي، ولسان حالي يقول: ألا ليَقل من شاء ما شاء، وليتمتِم من شاء بما شاء؛ فإنه لا طاقة لي بما شاهدتُ، ولا صبرَ لدي عما رأيتُ - وإنما يُلام الفتى فيما استطاع من الأمر - فانتحيت وفدَها، حتى وقفتُ عندها، وقد عَقَد الهوى لساني، وعَقَل الغرامُ جنابي.


كيف لا؟! وإني لعلى يقين أنها بلغتْ من الحُسْن مداه، ومن الجمال منتهاه، بل أضفتْ عليه الحُلي والحُلَل، ووشتْه بكل ما تَغبِطها عليه أقمار الكلل، وكلَّلته بالغَنَج والدَّلال، وزيَّنته بكمال الاعتدال.


وإلى مَن رام شيئًا من وصفها، أقول - وإنه لمما يُستقبَح في غير هذا المقال والمقام -: وما عساي أقول في وصْفها ليتصوَّر القارئ معي بَهاهَا وحُسنَها، إنها الحسناء من بعيد، والمليحة من قريب، قدُّها أهيف نضير، ووجها بهيٌّ مُنير، طرفها الفاتن الفاتر، ولحظها الساجي الساحر، وقوامها الذابل الناضِر، ووردُ خدِّها جَنيّ، ودُرُّ ثَغْرها نَقِيّ، وخمرُ ريقها شهيّ، جبينها الصبح المُضي، وريقها المعسول شهي، ودُرُر ثغرها كأنه ماء الحياة، وطوق النجاة، وتجمع إلى ذلك كله أنها تُدفئ كل ضجيع، وتَروي كلَّ رضيع.


رفع الريبة عن الحبيبة:

وحتى لا يتوجَّس القارئ من هذا القول خِيفة، ويسبِقنا الشيطانُ إليه بأفكاره المريبة، ووساوسه السخيفة، فحسناؤنا صاحبة الشرف في قومها، والأصيلة في نَسَبها، والعزيزة في حسبها، بل إنها من القاصِرات الطَّرْفِ، ومن لها منظر وطف، ومُنسَدل وحف، تَفتِن من يرفَعُ الطَّرْفَ إليها؛ بِاسْوِدادِ مُقْلتَيْها، كيف لو أبْصر منها نحرَها أو ساعديها؟

إن نظرة واحدة لها تكفي - وأنا الضمين - أن يَنعَم بها طرْفُك، ويلتذّ لها قلبك، ويطرَب منها لبُّك، وتعينك عندها على عبادة ربِّك.


ويَصدُق عليها قول ذلك الأعرابي:

نظرتُ إليها نظرةً ما يَسُرُّنِي
وإِنْ كنتُ محتاجًا بها ألفُ دِرْهَمِ

 

كلامها أشهى من الرطب، وهو البرء لمن ناجاها، والبلسم لمن هواها.

وكأنَّ تحتَ لِسَانِها
هاروتَ ينفثُ فيه سِحرَا
وكأنّ رجْعَ حديثِها
قِطَعُ الرِّياض كُسِينَ زَهْرَا

 

لقد جمعتْ إلى حُسْن الوجهِ والقد والاعتدال، حُسْنَ الفِعَال، وكأنها تذكِّرنا بقول الأعرابي الأول:

إنّ حُسْنَ الوجهِ يحتا
جُ إلى حُسْنِ فِعَالْ
حاجةالصَّادِي من الما
ءِ إلى العَذْبِ الزُّلاَلْ

 

ووالله - مع كل هذا - ما جرى بيني وبينها شيءٌ من ريبة، غير أني أول مرة رأيتُها، استوقفني بياضُ كفِّها، فوضعت كفّي على كفِّها، وأنا مع هذا مُتذكِّر لقول الرسول الكريم - عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم -: ((يا أنجشة، رفقًا! رويدًا بالقوارير))؛ يعني: أنهن ضِعاف يُسرِع إليهن الكسر، ولا يَقبلْنَ الجبر.


وانبرت عند ذلك منِّي تلك الكلمات - لتلك الحسناء الأدماء، والغادة الحوراء، والتي لئن أقسمتُ أن لم ترَ عيني مِثلَها، أو أنها هي لم ترَ مِثل حُسْنها، ما حنثتُ، ولا النجعة أبعدت - فقلت: بصوت عالٍ، وبصريح المقال: ألا حيا الله هذا الوجه السافر، الجميل الناضر، لقد طال بُعدُك على قتيل غَرام، وأسير هُيام، وحليف سِقام، وصاحب دموع سِجام، ملكتُم - والله - من بعد هذا اللقاء فؤادي، ولعمر الله لتؤرقنَّ رُقادي، لقد تركتُ معكم ولأجلكم الوَقار، وسلبتُ العقل والقرار، فلئن لم تروِ غليلي، وتَشفي عليلي؛ وتجيبيني مَن أنت؟ لأُسامرنَّ النجوم، ولتُساورنِّي الهموم.


فكأني بلسان حالها بعد هذا تقول لزائرها، وتشدو لمحبِّها: وأنت حيَّا الله دارَك، ولا أبعد مزارك، وأكرَمَ الله إيرادك، ورفَع قدْرَك، وأعلى منارك.


إنني أُدْعِيَّةُ الرجال، وَأُحْجيَّةُ ربات الحِجال، فسل عني البلادَ وحصونها، والجبال وحزونها، والأودية وبطونها، والبحارَ وعيونها، سلْها من ملِكة العلوم وأساوِره، والفقه وأسراره، وجابتْ مضايقها، وفكَّت مغالِقها، من التي حازت مُختزنَها، وأدَّت ثمنَها، من التي نصرتِ الشريعة ونهجت سمْتَها، وتلمَّست مواطنها وولجت حرَّها، وكشفت أستار أهل الباطل، وبيَّنت عَوارَهم وهتكتْ أستارهم، وأسدلت الستار عن ملامح الخبيئات، وعبَّرت بكلماتٍ قليلات عما لا يمكن التعبير عنه إلا بآلاف الكلمات، وصوَّرت فأجادت، ومثَّلت فأبدعت، وأكسبت المعاني النُّبل والشرف، من غير مخيلة ولا سَرَف، وفعلت في النفوس فعل السحر؟

سل عمن نفرت عن الدنيا نفورَ الكريم عن وجوه اللئام، ونَبَتْ عن المخزيات نُبُوَّ السمع الشريف عن قبيح الكلام، وعمِدتْ لإصلاح أمر المعاد، بإعداد الزاد.


فبالله عليكم! هل مثلي وقد - سمعتُم ما سمعتم - يُلام إذا اشتطَّ به العِشقُ إليها، ويؤنَّب لولَهِه وشوقه عليها؟ وهل مثلي على هذا يُلام؟ أو يُعنَّف ويُضام؟

 

وحتى لا أُطيل عليكم القولَ، فإلى بيان الوقفة والمضمون، وعندها سيتبيَّن مَن الخاسر والمغبون!

 

التعريف بالحبيبة:

أيها القوم، ما إخالكم إلا قد عرفتُموها، كيف لا؟ وقد سارتْ في الآفاق أخبارُها، وظهرت على صفحات الأيام آثارُها، بيانها يَنفُث سحرَه في العُقَد، وتعويذاتها تدفع شرَّ الحاسد إذا حسد، أشعارها ناصِعة، وخُطبها رائعة، ونوادِرها شائعة، ورسائلها للأسماع قارعة.

 

جمعتْ من العلم وافرَ المحصول، في الفروع والأصول، وتسنَّمتْ فيه الذّروة، بجدارة وقوَّة، وأطلَقتْ للأدبِ العنان، وتبنَّتْ نشْر مقالات فضلاء الزمان، حتى اعتلت من الأدب برجَه العاجي، ونالت منه الحظَّ العالي، فأتت بالعقود الفرائد، والغُرَر القلائد، والمُلَح الشوارد، والمقطعات والقصائد، ففضْلُها لا يُكاد يُجارى، وآدابها يبْعُد أن تُبارى.


ألقى إليها الفصحاء بالمقاليد، وأقرَّ لها القريب والبعيد، والمُطاوِع والمُعانِد، والصاحب والحاسد، فكيف بالأديب، والشاعر الأريب؟


لقد اشتملتْ على وجوه الصواب، وجملة من أنواع الحِكم التي تُحيي اللُّباب، ويَدهَش لتدفُّقها السيل العُباب، ويطيش لها القلب، ويشحذ إليها الذِّهن واللُّب، وتبعث على المكارم، وتنهى عن الدنايا والمحارِم.


إنها تحمل همَّ الأمة - فإن جاز لنا التعبير - قلنا: هي وحدها أمة، لقد أضحتْ علاَمة على السنة، وأصبح كلَّ مَن عاداها، مُفلِس من الدين والعقل، وعدو للسمعيات والنقل.


هل عرفتَها أخي القارئ؟ وهل عرفتِها أختي القارئة؟

 

وإلى مَن لم يَعرفها بعد - وأنا أستبعِد ذلك - إن شئتَ المزيد من صِفتها، فسلوني أُجِبكم، واسمعوني أُخبِركم!


لها فصاحة في مقالها، وسحرٌ في ألفاظها، وجمال في عباراتها، فلكأن القمر وهبَها جمالَه، والغصنَ منَحها لِينَه واعتداله.


في جَنباتها وبين طيَّاتها قد جمعت الأمثالَ السائرة، والأبياتَ النادرة، والفصولَ الشريفة، والأخبارَ الظريفة، من حِكَم الحكماء، وكلام البُلغاء العقلاء؛ من أئمة السلف، وصالحي الخلف، الذين امتثَلوا في أفعالهم وأقوالهم آدابَ التنزيل، ومعاني سُنن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ففي تقييد أخبارهم، وحفْظ مذاهبهم، ما يبعَث على امتثال طُرُقهم واحتذائها، واتباع آثارهم واقتفائها.


كما جمعتْ إلى ذلك نوادرَ العرب وأمثالها، وأجوبتَها ومقاطعها، ومباديها وفصولها، وما حووه من حِكَم العجم، وسائر الأمم، وكذا الحِكم البالغة، والحكايات الممتِعة، في فنون كثيرة، وأنواع جمَّة، من معاني الدين والدنيا؛ لتكون لمن حفِظها ووعاها، وأتقَنها وأحصاها، زينًا له في مَجالِسه، وأنسًا لمُجالِسه، وشحذًا لذهنه وهاجِسه، فلا يَمرُّ به معنى - في الأغلب - مما يُذاكَر به، إلا أوردَ فيه بيتًا نادرًا، أو مثلاً سائرًا، أو حكاية مُستطرَفة، أو حكمة مُستحسَنة، يحسن موقع ذلك في الأسماع، ويُخفِّف على النفس والطِّباع، ويكون لقارئه أُنسًا في الخلاء، ورصيدًا عند النُّدماء، وعدةً يوم اللقاء، وصاحبًا في الاغتراب، وحليًّا بين الأصحاب.

 

لقد جمعتْ شمْل العلم حتى أتت على شارِده، وأوثقتْ نادره، وحوت فُنُونه، وقيَّدت صُنُوفه، من اشتهى منها شيئًا ومدَّ إليها يديه، فلا إخاله ألبتَّة يعود إلا وقد مَلأتْ يديه، بل وفاضت على جوانحه وخافقيه، وقد جمعتْ له إلى ذلك حُسْنَ الضيافة، وكَرَمَ الوِفادة.


جمعتْ أنواع العلوم وأحسنها، وحوت من الفنون أجودها، فلكأنها جمعت أشهى الرُّطب وصَفَّفَها، و(الشاهد يرى ما لا يرى الغائب) و(ليس الخبر كالمعاينة)، وقديما قيل:

وماراءٍ كمَن سَمِعَا

 

وهي إلى ذلك تُشجِّع الجبان، وتُسخِّي كفَّ البخيل، وتُصفِّي الأذهان، وتُفتِّق الفِطنَ، وتُبيِّن دقائقَ المكايد والحِيل، وتبعث على كريم الأخلاق والشيم، تُمتِع الجليس، وتؤنِس الأليف، وتبعَث السرور في النفوس، وتُسكِن الفرحَ في القلوب.


إنها كالنحلة تستميل القلوبَ بحلاوة عسلها، وكالأم للطفل تَضُمه لحضنها وتُطعِمه لبنَها.

 

كشْف اللّثام عن الحبيبة:

وهنا وقد أتيتُ على نهاية المقام، وأوشكت الوقفة على الخِتام، وقد حال بين ما أريد قولَه الفهاهةُ والعِي[1]، وعقْد اللسان - والله المستعان - قلت: حان وقت الإفصاح، فاخرُجي من الخيام، وأميطي عنك اللثام؛ حتى نتبيَّن الحبيبةَ واسمها، ونعرف معالمها ورسْمها - مع أنني أعلم يقينًا أنكم قد عرفتموها - فإذا هي المحبوبة (شبكة الألوكة) وهنا يَتبيَّن للمسارعين في التخطئة والمَلام، أنه لا كأس ولا مُدام، ولا آس ولا خزام، ولكأني بلسان حالهم يقول: ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾ [الأعراف: 188]، وأنا أستغفِر الله من التجوُّز في المقال، ووصفها بهذه الحال.


نصيحة:

والله يا إخوتي، لكأنِّي أنظُر إلى شؤبوبها قد هَمَع، وعارِضها قد لَمَع، والحق فيها قد أورى نارًا تَسطَع، فأقلع عن براجم[2] بلا معاصم[3]، ورؤوس بلا غلاصم[4]، فمهلاً مهلاً يا طلاب الحق، ورويدًا رويدًا أيها الباحثون عن العِلم والهُدى، والأدب والتقى، ويا من ليس له همٌّ إلاَّ مُهْرَةُ فِكْرٍ يَسْتَقيدُها، أو شَاردة من الكلم يَصيدُها، اجعل العزمَ أمامك، والحزم إمامك، فهذا والله واردٌ لكم قد صفا من الكَدَر، وسَهْلٌ قد ذُلِّل لكم فأنى له الوَعر؟ فالبَدارَ البَدار! رِدُوها غير خيابا ولا مغبونين، فإنها نور ساطع نستضيء به.

 

وهي أولى ما يجب أن يُعنى به - في هذا الباب - الطالب، ويرغَب فيه الراغب، ويَصرِف إليها العاقل همَّه، ويبذُل فيها عزمه.


وإني مع قلة الحيلة، وضعْف العِلم، لم أزل أُجيل النظر في مجاميع مختلفة، وكتب متنوِّعة، متذكِّرًا منها ما علِق بالذاكرة مع رُكودها، ومحاولاً استحضار ما رسَخ في الجَنان على بعده وقلَّته، حتى أوفِّيها حقَّها، فكان هذا حصيلة فكري القاصر، وذهني الفاتر، مما وقع عليه اختياري مما قرأت، نبذت المُخالِف فيها للحقِّ ظِهريًّا، ولم آتِ - بإذن الله - شيئًا فريًّا؛ كل ذلك من أجل أن أدفع لأهل الفضل بعضَ فضْلِهم، ونوضِّح بعضًا من حقِّهم؛ لأنهم قلادة هذا الفن بلا مُنافِس، وفرسان هذا الميدان بلا مُنازِع، ودُرة بيضاء في كل ميدان، وغرة غرَّاء على كل جبين.


وهذا أقصى ما استطعنا تحريره، وأنهى نهاية ما أردنا تسطيره، مُعتذرين عن التقصير، مع اعترافنا أنه لا يُدرِك مِعشارَ فضْلها، ولا بعضًا من حقِّها.


وإلى الله أبتهِل في حُسْن العون والتأييد، لما يحب والتسديد، والله المسؤول أن ينفع به وأن يوفِّقنا إلى أصحّ القول وتهذيبه، إنه أكرم من أعطى المراد، وسُئل فجاد.



[1] العي هاهنا الجهل، يقال: عَيِيَ به يعيا عيًّا، وعيَّ - بالإدغام والتشديد - مثل: عَيِيَ، ويقال: عي الرجل بأمره يعيا عيًّا: إذا لم يهتدِ له، قال الشاعر:

عيُّوا بأمرِهمُ كما
عيَّتْ ببيضتِهاالحمامهْ

انظر: غريب الحديث؛ للخطابي، والنهاية في غريب الحديث والأثر؛ لأبي السعادات الجزري، ولسان العرب مادة: عيا، وغيرها.

والفَهاهة بمعناها، انظر: تاج اللغة وصحاح العربية؛ للجوهري.

[2] البراجم: رؤوس السلاميات من ظهر الكف إذا قبَض الشخص كفَّه الواحدة، انظر: الاشتقاق؛ لأبي بكر بن دريد، والقاموس، وغيرهما.

[3] المعصم: موضع السوار من اليد.

[4] الغَلْصَمة: رأس الحُلقوم بشواربه وحرقدته، وقيل: الغلصمة: اللحم الذي بين الرأس والعنق، وقيل: مُتَّصِل الحلقوم بالحلق إذا ازدرد الآكل لقمتَه، فزلَّت عن الحلقوم، وقيل: هي العُجرة التي على ملتقى اللَّهاة والمريء؛ انظر: المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نصراني أصبح أخاً مسلماً بعد زيارة الألوكة
  • الألوكة .... أبيات مرسومة
  • موقع الألوكة (بطاقة مهداة)
  • أخبار صحفيّة عن موقع الألوكة
  • الألوكة.. الرمز (قصيدة بمناسبة إطلاق شبكة الألوكة)
  • كلمة سمو الأمير لموقعه بالألوكة
  • معنى مفردة "الألوكة"
  • تجارب ناضجة (شبكة الألوكة)
  • الألوكة (قطعة شعرية)
  • إلى الحبيبة..

مختارات من الشبكة

  • فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة شكر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • المسلم وشكر الله على نعمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة للحسن بن وهب (255هـ) في الشكر ووصية صاحبه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (7)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (6)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (5)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب