تصعيد المقاومة، وخطف الجنود خير من التسول على أبواب المنظمات الجانحة لليهود

في رحاب آية

(تصعيد المقاومة، وخطف الجنود خير من التسول على أبواب المنظمات الجانحة لليهود)

﴿ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف: 42]

بصدور هذا العدد يكون إضراب الأسرى عن الطعام قد جاوز الأسبوعين مطالبين بأدنى الحقوق الآدمية، تلك التي حرمهم منها الصهاينة مؤخراً في محاولة يائسة منهم لتركيع المقاومة فيما يتعلق بصفقة شاليط، فقد حرمهم حقهم في العلاج، والتعليم، ووسائل الإعلام، والزيارات الأهلية، مع اعتماد سياسة العقاب الجماعي بالاقتحامات المتكررة لأقسام السجون، والتفتيش المفاجئ، ومصادرة المقتنيات، وفرض الغرامات، وتقليص الفورات، وهي الخروج من قبور الأحياء لرؤية الشمس، أو التعرض للهواء الطلق في مساحة محدودة مطوقة بالأسلاك الشائكة التي لا ينفذ منها طائر صغير، وقد اعتلتها أبراج المراقبة التي تُصَوِّبُ إليهم الأسلحة في مشهد رهيب يأتيهم فيه الموت من كل مكان، إلا أن الله خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين.

وقد انطلقت الفعاليات الشعبية في قطاع غزة تضامناً مع إخواننا وأبنائنا المضربين لشدِّ أزرهم، ونقل محنتهم إلى العالم؛ بدءاً بالخيمة القائمة للاعتصام أمام مقر الصليب الأحمر في غزة، مروراً بالمسيرات، وتغطية ذلك في الأخبار والنشرات، ولعل زيارات المواساة التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس لذوي الأسرى جميعاً دون استثناء قد كان لها عظيم الأثر في نفوسهم، وصبرهم على الفراق، وما يلاقيه أبناؤهم من العنت، وهو يندرج في الجهاد في سبيل الله؛ لأن من خلف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا، وإن له لأثراً طيباً على الأسرى أنفسِهم، عندما يبلغهم أنهم في المهج والعيون، وأننا في سبيل تحريرهم لن نضعف، ولن نستكين ولن نهون.

ولعل جلسة المجلس التشريعي في يوم الأحد الماضي التي قد خُصِّصَتْ لإبراز جرائم الاحتلال في حق الأسرى، والبحث في سبل التخفيف عنهم، أو في تحريرهم بالكامل، قد كانت من أبرز الفعاليات؛ لأسباب: منها حضور بعض أعضاء قافلة أميال من الابتسامات (6)، خاصة البرلمانيون المغاربة، بالإضافة إلى عددٍ من ذوي الأسرى المحكومين بالمؤبدات، وقد مضى عليهم أكثر من عقدين وهم في الأغلال، وبعضهم قد لبث في العزل بضع سنين، وحسبنا الله، ونعم الوكيل.

وقد ذهب تقرير لجنة الأسرى في التشريعي في توصياته إلى التقاطع مع كثير من المطالب الإعلامية، تلك التي تتوجه بمناشدتها إلى جامعة الدول العربية، وإلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وإلى منظمات حقوق الإنسان في الداخل والخارج، وإلى المنظمات الدولية، وإلى الأمم المتحدة على وجه الخصوص، وما شاكل ذلك ممن يتابعون القضايا وهم متكؤون على الأرائك، ومن خلال المكاتب الفاخرة، والمقرات المكيفة، والأمعاء المتجشئة من أثر التخمة، وأكثرها مُسَيَّسٌ أو مُدَجَّنٌ، أو صُنِعَ خصيصاً لتبرير سلوك أكابر مجرميها، أو لاستهلاك الوقت والجهد ريثما تموت القضايا من طول الانتظار، وتراكم الغبار، أو يموت الكبار، وينسى الصغار.

هذا؛ وقد طلب بعض أعضاء المجلس التشريعي أن يشطب من التقرير كل البنود المتعلقة بتلك المنظمات، فقد مضى علينا ستة عقود ونحن نستصرخهم ولا مجيب، فقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً، ولكنْ لا حياة لمن تنادي، وكأننا ننفخ في قِرْبةٍ مثقوبة، أو ننفخ في رماد، بل لا يكون مبالغاً مَنْ طلب من النواب بشطب جميع تلك التوصيات؛ باستثناء تصعيد المقاومة، وخطف الجنود، فربما كان ذلك هو السبيل الوحيد لاستنقاذ أسرانا في حقبة العنجهية الصهيونية، والنفاق الدولي، والموات العربي، والذهول الإسلامي، فإن مَثَلَ معظم تلك المنظمات بالنسبة لنا ولأسرانا مثل الأصنام؛ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، فإنك لا تُسْمِعُ الموتى، ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدعاء إذا ما ينذرون، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.

أما آية يوسف عليه السلام فتخبرنا أن بعد تأويله رؤيا صاحبيه في السجن، وقد تضمنت أن أحدهما ينجو، بينما يقتل الآخر، بعدها قد انتحى جانباً بمن ظنَّ أن ناجٍ منها، خاصة أنه سيعود إلى عمله في خدمة الملك، وسيكون من الطوافين عليه، وفي ساعة مناسبة يكون فيها منبسط الأسارير معتدل المزاج؛ فإن يوسف يطلب إلى ذلك الساقي للملك أن يحدثه عن سجينٍ منسيٍّ مظلوم، فقد بَدَتْ آيات براءته، واعترفت امرأة العزيز أنها قد راودته عن نفسها فاستعصم، ولكنها أقسمت أمام نسوتها أنه إن لم يفعل ما تأمره ليسجننَّ، وليكوننْ من الصاغرين، فلعل تلك الشفاعة أن تُعَجِّلْ بالإفراج عنه، وبإخراجه من غياهب الزنازين.

فلما خرج صاحبه في السجن، وانخرط في عمله ثانية، لم يَعُدْ يذكر يوسف عليه السلام، ومضت سنون قبل أن يرى الملك رؤياه حول سبع بقراتٍ سمان يأكلهن سبعٌ عجاف، وسبع سنبلات خضرٍ وأخر يابسات، وإذْ بذلك الصاحب يتذكر أن رجلاً بالسجن قد سبق له أن عَبَرَ رؤياه ورؤيا صاحبه الذي أُعْدِمَ وصُلِبَ حتى أكلت الطير من رأسه.

ليس عيباً على سجين مظلوم أن يتحسس طريقه إلى الحرية بكل سبيل مباح يجتهد أنه يمكن أن يوصله إلى الفكاك من الأصفاد، لكنْ حين يكون ذلك المعتقل نبياً، ومن ذرية النبيين؛ فإن الأخذ بالعزائم، والصبر لحكم ربه، خير له من سؤال البشر، فإنهم لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فضلاً عن أن ينفعوا غيرهم، وكان الواجب أن يتوجه إلى من بيده مقاليد السموات والأرض؛ فإنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كُنْ فيكون، ومَنْ يَتَّقِ الله يجعل له مخرجاً، ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هًمٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.

وقد قَدَّر الله أن يسلط الشيطان على ذلك الصاحب؛ لينسيه ذكر يوسف عند ربه؛ كي يلبث في السجن بضع سنين.

إن ذلك المكث - وإن بدا طويلاً مؤلماً - فقد كان خيراً وبركة على سيدنا يوسف عليه السلام، فقد استجاب الله به لدعائه أن يصرف عنه كيد النسوة؛ لئلا يَصْبُوَ إليهن، ويكون من الجاهلين، كما أنه قد ازداد به خبرة، واشتدَّ به قوة؛ ليتأهل بذلك أن يكون على خزائن الأرض في زمنٍ عصيب، ولولا الحفظ والعلم بتدبير الأمور، وتقنين التموين، لهلك الناس في عجاف السنين، وها هو الجفاف يضرب الصومال، وبعض البلاد الإفريقية، فيموت المئات من الجوع والمرض، وإلى الله المشتكى.

إنني أقرأ في لُبْثِ أسرانا في السجن عقوداً من السنين أن الشيطان قد زَيَّنَ النسيان لمنظمات النسوان، فأهملوهم مداهنة للصهاينة والأمريكان؛ ولو كانوا رجالاً يحترمون مروءتهم لما طال عليهم العهد، فقستْ قلوبهم، وأمستْ عذابات الأسرى كأنباء الكورة والمباريات في الميدان، ويعود السرُّ في ذلك إلى أننا قد رجونا تلك المنظمات أن ترحم نَحِيبَنا وبكاءنا، وأن تَرْثى لأنين أسرانا، ولآلام أمهاتهم وزوجاتهم وذراريهم وذويهم، وما أنت بمسمعٍ مَنْ في القبور.

إن إعداد القوة، وتصعيد المقاومة، والقعود للجنود كل مرصد، ووضع الوَثَاق في أيديهم أو الأعناق، كل أولئك هو قصد السبيل لتحرير أسرانا ومسرانا وأرضنا المقدسة، وشعبنا المكلوم من جلاديه وبني جلدته الذين بَغَوْا عليه، ولم يرقبوا فينا إلَّا ولا ذمة منذ أوسلو وإلى أفلام أيلول، فقد تصدوا للمقاومة، وأحلوا قومهم دار البوار، ولكن ذلك إلى حين؛ فإن قفص حسني مبارك بانتظارهم جميعاً، إلا من رحم ربك، ولن يتمتعوا في دارهم إلا قليلاً؛ ذلك وَعْدٌ غير مكذوب.

وعلى الله تفريج الكروب