• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / من ثمرات المواقع
علامة باركود

المرجعيات الدينية وتبني المشروع المجتمعي (1-3)

د. سعد بن عبدالله البريك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/2/2009 ميلادي - 26/2/1430 هجري

الزيارات: 7628

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
المرجعيات الدينية وتبني المشروع المجتمعي
إسقاط العلماء أم إسقاط الشريعة (1- 3)
العلماء هم ورثةُ الأنبِياء، حماة الملَّة، وحرس العقيدة، شرَّفهم الله وأكرمهم بعِلْمه وحكمتِه لحفظ دينِه، وصيانة وحْيه، وتبيان الحقِّ والهدى للنَّاس كافَّة، لاسيَّما إذا تزخرفت للنَّاس الشهوات، وروَّج المفسدون عجائب الشبهات.

ما وقَّرهم من حاكمٍ أو ذي سلْطان في الأرْض إلاَّ رفعه الله، وثبَّت مُلْكَه وأدام عزَّه، ولا رام ذلَّهم من أحدٍ مهْما علا شأنُه إلا أذلَّه الله، وفضح سريرتَه، ونزع من قلوب النَّاس هيبتَه، وأهان سلطته، وأضْعف قوَّته، وسلَّط عليْه من يذلُّه ويُهينه، وجعله عبرة لمن يعتبر.

وهم أرحم النَّاس بالنَّاس، وأنفع النَّاس للنَّاس، فالخير فيهم غالب، ولو بدا من بعضِهم خلاف ذلك، فالحكم للغالب الكثير دون القليل النَّادر، والماء إذا بلغ القلَّتين لم يحمل الخبَث، والمعصوم من عصَمَه الله من الفتنة، ولقدِ استفاض بالعِلْم والواقع أنَّ مَن أجلَّ العلماء بات عند الله جليلاً، وأنه ما ذاد عن عِرْضِهم، وأظهر خيْرَهم وفضلهم، ومكَّن لهم في الأرض بكُلِّ ما أوتي من وسائل التَّمكين من أحد - إلا حَمى الله عرضَه، وأظهر فضله، ومكَّن له في الأرْض، وساد بين أهله كبيرًا، والمرْء مع من أحبَّ، وإنَّ التعبُّد بهذا والإخْلاص فيه لَمن أجلِّ العبادات، التي يوفَّق لها من رزقه الله الحكمة والفقه في الدين.

هذه الكلِمات نضعها بين يدَي القارئ الكريم، مذكِّرين بشأْن العلماء وآثارهم، ومحذِّرين الخائضين بالسوء في أعراضِهم بالعقاب الوخيم، والدَّاعين لتهميشهم وإسقاطهم بالنكسة، فلا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله، مذكِّرين بقول الله - جلَّ وعلا - في الحديث القدسي: ((مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب))، وقوله تعالى في محكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38].

وقد علَتْ في الآونة الأخيرة نبرةُ الهجوم على العلماء، تارةً برمْيِهم بالتطرُّف والتشدُّد، وتارة بوصْفِهم حجَر عثْرةٍ أمام التَّنمية، وتارةً بالجُمُود، وتارة (بتفْريخ الإرهاب) إلى حدِّ رمْيِهم بالجهل والتنطُّع وسوء فهم الإسلام، والجهْل بقواعده، ومن ثم الدعوة لإسقاطهم وتحيِيدهم عن مراكز التَّأثير في المجتمع على كل الصعُد، وهو ما يعدُّ سابقةً خطيرةً؛ إذْ إنَّنا علمنا من الصَّادق المصدوق - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ العلم لا يُنْتَزع انتزاعًا وإنَّما ينتزع بقبْضِ العلماء، حتَّى إذا لم يبْقَ عالم اتَّخذ النَّاس رؤوسًا جهَّالاً فأفْتَوا فضلُّوا وأضلُّوا.

هذا ما فهِمْناه وعقلناه، أمَّا أن ينتزع العِلْم من العلماء وهم أحياء يُرزقون، ويُقْذَفون بالجهل ويجرَّحون، ويدَّعي ذو الجهل العِلْمَ، وينفيه عن ذي العلم، فهذه السَّابقة الخطيرة، والبدعة المستطيرة التي يقف المرء عندها واجمًا، لا حراك له من شدَّة العجب!

ثُمَّ إنَّ هؤلاء الذين يتَّهمون العلماء بالجهل والتنطُّع في الدين، والتَّشديد على الخلْق، ويدْعون لتهميش دورهم في المجتمع - منقسمون على أنفسهم في الأسباب:
ففِرقة منهم تقول: إنَّ السَّبب هو جهل هؤلاء العلماء بسَعة الشريعة، وسماحتها في تقبُّل الخلاف، وإلزام النَّاس برأي فقيه واحد أو مذهب واحد، ثمَّ إنَّ هذه الفرقة تدعو بعد ذلك لفتح الباب مشرعًا أمام أي رأْيٍ فقْهي في مسائل الخلاف، وألاَّ يُلْزم النَّاس إلا بثوابت الإسلام وما وقع عليْه الإجماع، أمَّا ما اختُلف فيه في الإسلام، فيَأْخُذ كلٌّ بما بدا له، بغضِّ النَّظر عن أيِّ تناقُض اجتماعي قد يحدُث، أو فتنة قد تنقلب إلى طائفيَّة مَقيتة، وهؤلاء يُتَرْجمون رأيَهم هذا بنتائجه في الدَّعوة إلى تَحجيم دور كبار العلماء، وفتْح حقِّ الاجتهاد لكل كاتبٍ أو متكلِّم؛ ليكون مجتهدًا مطلقًا!
وفرقةٌ أخرى تقول: إنَّ السَّبب هو كوْن هؤلاء العلماء مجرَّد متسلِّطين بأفهامِهم على الإسلام، والإسلام بريء ممَّا يفهمون، ففتاواهم واجتِهاداتُهم وتأويلاتهم مجرَّد (فكر ديني) يعْكِس فِكْرَهم وفهْمَهم الخاص للدِّين، وله دوافع سياسيَّة وشخصيَّة ونفعيَّة (براغماتية)، لا علاقة لها بحقيقة الإسلام والدين.

وأصحاب هذا القول (أيديولوجيُّون) أكثر منهم دعاة انفتاح أو عصرنة، فدعوتُهم مغلَّفة ببعد ليبرالي علماني (سياسي في جوْهره) يهدف إلى فصْل الإسلام عن الحكم، وإحداث انقلاب شامل على النظُم والتَّشريعات، وإن كان ذلك لا يبْدو ظاهرًا لأوَّل وهْلة في كلامهم، فهم يصنِّفون العلماء في خانة (الفكر الديني)، على خلفيَّة أنَّ النَّصَّ الديني نفسَه مرَّ بظروف تاريخيَّة تدلُّ على إمكانيَّة التَّشكيك فيه من حيث ثبوتُه، وهم هنا يشكِّكون في السنَّة مطلقًا باعتِبارها دوِّنت بعد وفاة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِمئات السنين، ودوِّنت في ظروف سياسيَّة مشحونة بالنِّزاعات والخلافات، علاوة على ما يشوب المدوِّنين لها (ويقصدون هنا أئمَّة الحديث وحفَّاظه) من العوارض المنطقيَّة المحتملة، التي تجعل الباحث يشكُّ في مصداقية ما دوَّنوه، فهم بشرٌ يَجري عليْهم النسيان وتشْويش الحفظ، والخرف والمصلحة وضعْف الذاكرة، والكذب وما إلى ذلك، بعبارة مختصرة يقولون: لا يُمكن أن نجزم بأنَّ كتُب السنَّة هي فعلاً كتُب السنَّة، فهي مجرَّد كلام وأفْكار في نِسْبتها للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم – شك!

بقي القُرآن، وحتَّى نكون مُنصفين فهم لا يشككون فيه كنصّ، فهو عندهم قطعيُّ الثبوت، محفوظٌ بِحفظ الله له، فنصُّه لا غبار في أنَّه من عند الله، لكن التَّفاسير القرآنيَّة كلَّها – عندهم - يَجري عليها حكم تدوين السنَّة، فكلها - في رأيهم - تعرَّضت لتعسُّف، وتمَّت خلال مناخاتٍ سياسيَّة محدَّدة، وطرأ عليْها تغييرات في النّسخ والحفْظ، ما جعلها مجرَّد كلام لا يمكن الجزْم بأنَّه فعلاً هو ما أراده الله من كتابه المنزل، وهي في النِّهاية مجرَّد آراء وأفْكار لا يُمكن ربْطُها بالقرآن على سبيل الجزم!

والخُلاصة: يريدون القول بأنَّنا إذا استثنيْنا النَّصَّ القرآني الحرفيَّ المجرَّد، فكلُّ ما عداه من تفسيراتٍ وشروح للقُرآن مجرَّد فكر ديني؛ أي: تخرُّصات لا علاقة لها بالقرآن! أمَّا السنَّة، فنصُّها ذاته (بِحروفه المجرَّدة) هي فكر ديني؛ أي: مجرَّد أفكار تنسب إلى الدين زورًا؛ لأنَّنا لا يُمكننا الجزْم بأنَّ النصوص الحديثيَّة هي قول الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم – فعلاً، وقد دوِّنت بعد قرون من موتِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى هذا؛ فشروح السنَّة لا قيمة لها؛ لأنَّها مجرَّد فكر ديني أيضًا؛ لأنَّها نابعة أصلاً من أحاديث هي أقْرب إلى الفِكْر الديني منها إلى كلام النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فالشَّكُّ هنا في النَّصِّ وشرحه، ويترتَّب على هذا أنَّ كلَّ المدارس الفقهيَّة وما تفرَّع عنْها مجرَّد فكر ديني، سواء على مستوى العقيدة أم الشَّريعة!

وفي الحالتَين عند الفرقتين لا يبْقى للعلماء دوْرٌ البتَّة، فعند الفرقة الأولى قد سُلِبوا حقَّ الاجتهاد والنَّظر، ولم يبقَ لهم من دوْر إلا أن يُخْبِروا النَّاس بما وقع الإجْماع عليه، أمَّا ما عدا ذلك، فلا شأْنَ لهم بالناس، وفي هذه الحالة لن يكونوا سوى نقَلة إجْماع للمسائل الدينية، وما سوى الدينيَّة فلا يقبل منهم، ولو كان إجماعًا!

أمَّا في الحالة الثانية عند الفِرقة الثانية، فوضْعُهم أشبه ما يكون برْهْبان فرنسا قبيل الثورة؛ أي: إنَّهم مجرَّد فكر ظلامي رجْعي، يوظف الدين لمصالحه الشخصيَّة، أو الحزبيَّة، أو السياسيَّة (للحاكم)، وحكمه الإقصاء.

إنَّها دعوات تهدف بالأساس إلى إسْقاط العلماء، وتَحييد دوْرِهم في أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تنموي، إنَّها دعوات صريحة للانقِلاب على القيم الدينيَّة التي تمثِّل أساس التشريع وجوْهَر النُّظُم على المستويات كلّها، في القضاء والسياسة، والاقتِصاد والاجتِماع، والتعليم والإعلام، وغير ذلك من الجوانب التي يتطرَّق إليها التشريع؛ لتبقى أبوابُها مشرعة لقوانين القوم التي لا يشوبها ما يسمُّونه (الفكر الديني)، بل لا تمتُّ إلى الدين نفسِه بِصِلة، وللقارئ أن يصنِّفَها كما يشاء.

هنا نسأل: لماذا - يا تُرى - التَّحريض على إسقاط دور العلماء؟ بل إسْقاط ثوابت الدين نفسه؟ وإلى متى سيظلُّ العلماء في موقف الدِّفاع أمام أقلِّيَّة بائسة نكرة في المجتمع؟ وأين برامج العُلماء في التصدِّي لهذا الإسْقاط وتبنِّي مشروع الإصلاح الاجتماعي الشامل؟

وللحديث بقية...


المرجعية الدينية والمشروع المجتمعي
إسقاط العلماء أم إسقاط الشريعة (2/3)
هناك أحداث تاريخيَّة، ومنعطفات خطيرة مَرَّت بها المملكة، وكان فيها للعلماء دورٌ بارزٌ في توجيه المجتمع إلى الأصلح، والسير بالبلاد نحو التنمية والتطوُّر في ظلِّ الشريعة السَّمحة، فكانتْ تلك الأحداث والمنعطفات شاهد عيان على أنَّ المجتمع لا غنى له عنْ دور العلماء في التوجيه، والإصلاح، والتنمية، والأمن، والاستقرار.

فأمَّا على صعيد الأحداث، فقد كانت هناك (نزعات انفلاتية) داخليَّة، شهدتْها المملكةُ، منها ما بقي أفكارًا في عُقُولٍ تصدَّى لها أهل العلم والدعوة بالفتيا والتوجيه والإصلاح والنصح، حتى تبيَّن الحق، واتَّضَحَ وأفجر وأصبح، فرجع أصحاب (النزعات الانفلاتية) نشطاء فاعلين في المجتمع، يشاطرون العلماء دورهم في الإصلاح والتوجيه والتنمية والتطوير والبناء، بعد أن كانوا من الهدم قاب قوسين أو أدنى.

ونحن هنا لا نبخس أهل الفكر حقهم، ولا نُقلِّل مِن أدوارهم، ولكنَّهم ليسوا سواء؛ فمنهم الوطني المُخْلِص المُنْصِف، وهذا لا شك أنَّ له في الأزمات دورًا في علاجها بحكمته وتوجيهه وغيرته على دينه ووطنه، ومنهم مَن يجعل منَ الأزمة منطلقًا لأجندته، وأين الثرى منَ الثُّريَّا، فحوادث من هذا النوع لا يزيدها النقد من غير العلماء والدعاة والمخلصين إلا اتقادًا، إذا كان لهؤلاء المنتقدين للأحداث مآرب أخرى، وخلفيات تجعل منَ الحدث فرصة لتمرير (الأيديولوجيا؛ كالعلمانية أو الليبرالية مثلاً)، وقد رأينا وسَمِعْنا وقَرَأْنا مقالاتهم تنتقد حتى لبس الثوب والشماغ، وتخلط الحابل بالنابل في سياق انتقاد التكفير مثلاً، وما كان لنقدٍ كهذا أن يرقى لمستوى التوجيه، ومعالَجة الأزمة؛ بل يزيد من استفحالها وتعميقها، إنه دور العلماء الثقات الذين يصلحون بنصح، ويوجهون بإخلاص، وهمُّهم ومقصدهم: حفظ الدين والنفس، وصلاح الإسلام والمسلمين، وشعارهم: "معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده؛ إنا إذًا لظالمون، ولا تزر وازرة وزر أخرى، إنْ أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ، وإليه أنيب".

وأما على صعيد المنعطفات، فهناك منعطفات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، برهنتْ أن حاجة المجتمع كله ماسَّة إلى العلماء، فهم للناس الأسوة، لهم يطمئنون، وبهم يقتدون ويساسون.

وهناك أمثلة كثيرة على ما نقول، فالمجتمع ألزم في مناسبات كثيرة جهاتٍ عديدةً بأن تكون مشاريعها، وقراراتها، وتشريعاتها - نابعةً منَ الشريعة الإسلامية، ومصدقة من أهل العلم المعروفين، حتى يكون لها قبول بين الناس، من ذلك على سبيل المثال: سياسات البنوك ومعاملاتها المالية، فقد وجدت كثير من البنوك نفسها - على اختلاف مشاربها - مضطرة إلى تكوين لجانٍ شرعية من علماء معتبرين؛ لتأكيد شرعية معاملاتها أمام المجتمع، وطمأنة عملائها، والسبب كان - وما يزال - هو تراجُع العملاء، وتخوفهم من أيِّ بنك لا يصدق معاملاته بفتاوى وقرارات شرعية منَ العلماء تطمئن لها النفس، فإذا رأى الناس فتاوى وإجازات مصَدَّقَة، اطمأنوا للمعاملة، وباشروه بالانخراط، ولا يوجد بنك واحد في المملكة ينكر هذا الأمر، على الرغم من عدم الدقة والانضباط في تنفيذ بعض المنتجات المصرفية الإسلامية.

ومع انفجار الأزمة المالية الحالية؛ بسبب المعاملات الرِّبَوية، أصبح الناس أكثر تخوفًا من أيِّ وقتٍ مضى، من أيَّة معاملات بعيدة عن الشريعة، ولا سيما مع توجُّه الدول الغربية إلى تطبيق قواعد الاقتصاد الإسلامي، وتنامي ظاهرة البنوك الإسلامية حول العالم.

هذا المشهد الذي نعيشه على مستوى المعاملات المالية، يرمز إلى أهمية العلماء، وحاجة الناس إلى أدوارهم في الحياة، فهم عصب كل تنمية أو تطوير يمكن أن يكون، ويخطئ - بل يريد حجب الشمس - من ينفي هذه الحقيقة.


المرجعيات الدينية وتبني المشروع المجتمعي
المرجعيات الدينية والحراك الفكري (3/3)
ما من فتنة ظلماء حَلَّتْ بالإسلام وأهله، إلاَّ وتَصَدَّى لها العلماء، فأبانوا عوارها ومداخلها، وقبحها وضررها، ونصحوا الناس اجتنابها، وبَيَّنُوا حكم الله فيها؛ إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل، وعملاً بقول الله - جل وعلا -: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 187].

ومِن عُهُود الخلافة الإسلامية الأولى إلى يومنا هذا، ظهرتْ فِتن عديدة، أراد أهلها بالإسلام والمسلمين شرًّا عظيمًا، ومن تلك الفتن وأخطرها فتن الفِرَق الضالة، التي ابتدعتْ في دين الله ما ليس منه، في العقيدة، والفقه، وأصول الشريعة عامة، من أمثلة ذلك: ما شاع عند بعض العامة في بعض البلاد من سبِّ الصحابة، أو الغلوِّ في آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نفي الصفات، أو التكفير بالكبيرة، وقد تصدَّى لتلك الفتن أئمة الهدى؛ أمثال: البخاري، والإمام مالك، وأحمد ابن حنبل، وابن تيميَّة، وابن القيم، وغيرهم، فكشفوا باطلها في مناظراتهم، ومؤلفاتهم، وفتاواهم.

ولم يخلُ عصر مِن عصور الإسلام إلاَّ وظهرتْ فرق مِن تلكم الفرق أو قريبًا منها، إما بتفريع عنها، أو اختلاف معها في شيء منَ الأصول أو الفروع، فتعدد الفرق الضالة جاء مِن تعدد الاختلاف بينها، ولم يخلُ عصر منَ العُصُور من فرق ضالة، تحيي أصول تلك الفرق، وإن لم تدع اسمها وعنوانها والانتساب إليها.
ففي عصرنا هذا مثلاً ظهرتْ فرقة العقلانيين، كاتجاه يقضي بسلطة العقل على النص مطلقًا، وتفرعت منها مدارس وطرائق، وهذه الفرقة - العقلانيون - هم معتزلة العصر، بتأصيلهم الاعتزالي القاضي بسلطة العقل على النقل، كما ظهرتْ فرق عديدة في مجتمعاتنا، تلتقي في الأُصُول والعقائد مع الفِرق الضالة القديمة، وأصبح لها سطوة على المجتمع، وصوت يسمع، ومقال يقرأ، ونوادٍ ينشط فيها رؤساؤها وزعماؤها.

وما يهمنا من هذه التَّقْدمة هو التساؤُل عن دور العلماء اليوم في عصرنا هذا، عن دورهم في التصدِّي لهذه الفرق، والتعريف بشرِّها، وبذل الجهد في توضيح خطرها وخطر فِكْرها على الإسلام والمسلمين.

فإنَّ بيان حال الفِرق المستجدة على ساحتنا الفكرية اليوم مِن أوجب الواجبات المحتمات، وإن مما يقتضيه هذا الواجب دراسة حال هذه الاتجاهات الفكرية المعاصِرة من قِبَل العلماء الكبار، وَفْقَ حالها ومواقفها، وعقائدها وطرائقها وأفكارها؛ ليسهل على العلماء بيان شَرِّها للناس، بالحجة والدليل، تمامًا كما فعل علماء المِلَّة في التصدِّي لفِرَق الزيغ والضلال الأولى.

وهنا أودُّ أن أشيرَ إلى أن الخِلاف مع كثيرٍ مِن تلك الاتجاهات ليس مجرد خلافٍ فكريٍّ في تفسير ظاهرة، أو تحليل حدث، وإنما هو في صميم العقيدة، وأنها أشبه ما تكون بفرق الضلال القديمة؛ بل أضل منها.

لقد وصل ببعض مَن يصفون أنفسهم بالليبراليين والعلمانيين - في بعض المنتديات الإلكترونية من غير أن يصفهم بذلك أحد، ويعتزُّون بهذا التصنيف - وصل بهم الحال إلى الدعوة لإلغاء تحكيم الشريعة، وتعطيل أحكام الله في الأرض؛ بل وصل ببعضهم الحال إلى سبِّ الإسلام ورموزه، وأكثر من ذلك وأعظم وأطم سبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل سب الله - تعالى الله، وتَقَدَّسَ عن إفكهم وضلالهم علوًّا كبيرًا - وما كان سبهم هذا في سياق جهالة عابرة؛ بل في سياق الدعوة لرفع هيمنة شريعة الله عنِ الحياة.

ولا يعنينا أن يكونَ إظهار هذه الاتجاهات لضلالاتها في العقيدة والتوحيد، ومخالفاتها لأصول الإسلام - جاء ضمن نية حسنة، هي إرادة إصلاح أحوال المجتمع، فإن كل صاحب بدعة وباطل لا بد أن يكون له مخرج لبدعته وضلاله، فالجهميةُ نفوا الصفات؛ خوفًا من تجسيد الذات الإلهية، والمعتزلة خالفوهم خوفًا منْ تعطيل الصفات عن الله وأولوها؛ هربًا مِن شبهة التجسيد كما توهَّموا، وكذلك الخوارج إنما خرجوا على عليّ - رضي الله عنه - وكفروا بالكبيرة؛ ظنًّا منهم أنهم يصلحون ما أفسد الناس؛ ولذلك لم يكفرْ أهل العلم هؤلاء، لما يشوب ضلالاتهم من جهل وتأويل، وإنما حكموا عليهم بالابتداع والضلال والانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة، والقصد من هذا أنَّ الدافع الحسن لا يعني صحَّة الاعتقاد والموقف والعمل، فلا يشفع لمنهج الليبرالية والعلمانية ادعاؤها الحِرْص على الإصلاح والتنمية، ورقي الإنسان، فما يدلنا على صلاحها أو فسادها هو صحة مُعتقدها وموافقتها لشرع الله، فهو المعيار والحكم والميزان؛ {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 137، 138].

نريد منَ العلماء الأجلاَّء الفُضَلاء - مع الشكر والدعاء لما قدمه بعضهم - مزيدًا من كشف العوار، وهتك الأستار، لما انطوتْ عليه تلك الشعارات والصيحات، نريدها قومة صدع بالحق في وجْهِ العلمانية الداعية لفَصْل الإسلام عن دول المسلمين، وتهميش شريعة الله في الأرض، وكذلك الليبرالية القائمة على الحرية الشخصية المُطْلقة المتنكرة لضوابط الإسلام، ونريد منهم توعية مجتمعنا خاصَّة، وأمة الإسلام عامَّة - بِخُطورة هذه الاتجاهات، فإنها نسخ أخرى من نسخ أهل الاعتزال والضلال، قد مزجتْ بعقائدهم وفلسفاتهم نزوات أهل الأهواء، وعباد الشهوات؛ ولذلك نجدُ في مقالاتهم وكُتُبهم ومنتدياتهم الإلكترونية اليوم - دعوةً لتنشيط الاعتزال، وبعث كتبه ومقالاته وأفكاره وعقائده، وما ذلك إلا لموافقتهم له في سلطة العقل على النقل، وفي ذات الوقت هجومًا كاسحًا على كُتُب السُّنَّة والتفسير والفقه والاعتقاد، ورموز السنة وأئمتها؛ أمثال: الإمام أحمد، والأئمة الأربعة، والإمام ابن تيميَّة الحراني، وابن القيم الجوزية، ومَن تبعهم، حتى الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب.

إنَّ أهل السُّنَّة هم السواد الأعظم اليوم، وما الليبراليون والعلمانيون وأهل المناهج الغربية فيهم اليوم إلا كنَبْتة شوك في أقصى طرف جنة نخيل، أيُعْقَل أن يقفَ أهلُ العلم - والحال كما ذكرت - في موقف الدِّفاع عنِ اتهامات توجَّهُ لهم من نكرات أفراد لا يُمَثِّلون منَ الأمة شيئًا؟!

أيُعْقَل أن تكونَ الأمة برموزها وعلمائها ودعاتها في موقف دفاع، وحقها ودينها وموقعها وقوتها تفرض أن تكون في موقع المعلم المربي الناصح المشفق على هؤلاء الضائعين التائهين بين متاهات التغريب والعلمنة، وغيرها من المناهج الدخيلة؟!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل العلم والعلماء
  • من يحمي "حقوق العلماء"؟
  • حقوق العلماء
  • الهجمة الإعلامية على العلماء
  • أفكار عملية للعناية بالعلماء
  • احتفاء الإسلام بالعلم والعلماء
  • أبعاد الرصد الإعلامي لفتاوى العلماء والدعاة
  • ألسنة تهاجم العلماء .. إصلاح أم إسقاط!
  • الهجوم على علماء السنة 2/3
  • الهجوم على علماء السنة 3/3
  • الكتب المرجعية وعلم المراجع

مختارات من الشبكة

  • قانون الأسرة وإشكالية المرجعية الدينية في الجزائر(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • المرجعية الدينية (1-2-3/3)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الوحدة الأمنية لمعالجة الصراعات الدينية: خطة جديدة لمضايقة الأقليات الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • روسيا: مناقشة المناسبات الدينية والحريات الدينية في البرلمان الروسي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الأقليات المسلمة في أوروبا ودلالاتها(مقالة - المترجمات)
  • مرجعية القرآن في مشروع البعث الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحديات الثقافة الإسلامية ومهدداتها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بريطانيا: مشروع الاستعانة بالشرطة الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • إسبانيا: مشروع قانون لحظر المظاهر الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حول أفكارك إلى نهضة(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب