بغية الطالب الحثيث، في معرفة علم مُصْطَلَحِ الحديث

بُغْيَةُ الطّالِبِ الحَثِيث

في مَعْرِفَةِ عِلْمِ مُصْطَلَحِ الحَديث

للعلامة المحدّث كمال الدين محمد بن محمد بن الحسن الشُّمُنِّي (ت821)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فهذه أرجوزة لطيفة في مصطلح الحديث، للعلامة المحدّث الكمال الشُّمُنِّي، رحمه الله تعالى، اقتصر فيها على ما يتعلق بأقسام أنواع الحديث من جهة الصحة، ومن جهة أقسام السند، وفيه فائدة التنبيه على حكم رواية الحديث الضعيف؛ والصِّيغة التي يُذكر بها، نَظَمَها في أبيات قليلة بأسلوب واضح سهل.

وإن خلت الأبيات من خاتمة واضحة، أو استقصاء لبقية أنواع علوم الحديث.

ترجمة الناظم:

هو أبو شامل الكمال محمد بن محمد بن حسن بن علي بن يحيى[1] التميمي الدّاري الشُّمُنِّي -بضم المعجمة والميم وتشديد النون- من شُمُنَّة قرب قُسَنْطينة في الجزائر، السكندري، ثم القاهري، المالكي، والد التقي أحمد النحوي، وُلد سنة 770 تقريباً، واشتغل بالعلم في بلده، ومهر، وتخرّج في الحديث بالحافظ العراقي وبالبدر الزركشي وغيرهما، قال ابن حجر: تقدم في الحديث وصنف فيه، وقال الشعر الحسن. ووصفه بالشيخ الإمام العالم المحدّث المكثر المفيد. وقال المقريزي: وبرع في الفقه والأصول. وقال: كان من خيار الناس مع قلة ذات اليد والعفة. وقال السخاوي: كان كثير الفوائد، حسن الخط، متقن الضبط، صالحاً. وقال: كان شيخنا –يعني ابن حجر- يقدّمه وينوّه بفضيلته، بل قال: سمعت من فوائده.

نزل له ابن حجر عن التدريس بالجمالية سنة 819، ثم مرض آخر سنة 20، وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين، وصلّي عليه بالجامع الأزهر.

من آثاره: الرتبة في نظم النخبة (طبع)، ونتيجة النظر شرح نخبة الفكر (طبع مؤخراً)، ونظم متناً مستقلاً سماه «بغية الطالب الحثيث في معرفة علم مصطلح الحديث»، وهو هذا[2]، وشرحه، ونظم نخبة الظرائف للفيروزآبادي، وله مجاميع وأجزاء وتقييدات استفاد منها السخاوي والسيوطي وغيرهما، وكتب فهرسة لمروياته، وهي إجازة مطولة للقاضي أبي سعيد السلاوي وولده محمد (طبع).

ونقل السخاوي من محاسن شعره قولَه [من الطويل]:

جزى اللهُ أَصْحابَ الحَديثِ مَثُوبَةً وبَوَّأَهُمْ في الخُلْدِ أَعْلى المَنازِلِ فَلَوْلا اعْتِناهُمْ بالحَديثِ وحِفْظِهِ ونَفْيُهُمُ عنهُ ضُرُوبَ الأَباطِلِ وإنْفاقُهُمْ أَعمارَهُمْ في طِلَابِهِ وبَحْثِهِمُ عنهُ بجِدٍّ مُواصِلِ لَمَا كان يَدْريْ مَنْ غَدَا مُتَفَقِّهاً صَحيحَ حَديثٍ مِنْ سَقيمٍ وباطِلٍ ولَمْ يَسْتَبِنْ ما كان في الذِّكْرِ مُجْمَلاً ولَمْ نَدْرِ فَرْضاً مِنْ عُمومِ النَّوافِلِ لَقَدْ بَذَلُوا فيهِ نُفُوساً نَفِيْسَةً وباعُوا بحَظٍّ آجِلٍ كُلَّ عاجِلِ فحُبُّهُمُ فَرْضٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ وليسَ يُعادِيهِمْ سِوَى كُلِّ جاهِلِ

وقولَه [من البسيط]:

مَنْ يَأْخُذِ العِلْمَ عَنْ شَيْخٍ مُشافَهَةً يَكُنْ مِنَ الزَّيْفِ والتَّصْحِيفِ في حَرَمِ ومَنْ يَكُنْ آخِذاً للعِلْمِ مِنْ صُحُفٍ فَعِلْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ كالعَدَمِ

رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

ترجمه ابن حجر في المجمع المؤسس (1/301-302)، وفي إنباء الغمر (7/339)، وذيل الدرر الكامنة (ص268)، والمقريزي في درر العقود المفيدة (3/79)، والسخاوي في الضوء اللامع (9/74)، وفي الجواهر والدرر (3/1157)، وفي وجيز الكلام (2/453)، وابن العماد في شذرات الذهب (7/151)، وغيرهم.

إثبات نسبة القصيدة:

جاءت النسبة لصاحبها على غلاف مخطوط شرحها له[3]، وقال في مقدمتها: «أما بعد، فإن بعض المترددين إليّ والمنتظمين في علم الحديث عليّ سألني أن أشرح له أُرجوزتي الموسومة: ببُغْيَةِ الطالب الحَثيث في معرفة علم الحديث».

وفي البيت الأول صرَّح الناظم باسمه.

ونص ابن حجر في ذيل الدرر الكامنة، والسخاوي في الضوء اللامع أنه نظم منظومة في علوم الحديث، وقال السخاوي إنها غير نظمه للنخبة، وإنه رآها.

وشرحها عبد الملك بن جمال العصامي المدني، الشهير بملا عصام (ت1037)، كما في خلاصة الأثر (3/88)، وعنه هدية العارفين (2/197)، ومعجم المؤلفين (6/181).

واعتمدتُ في تصحيح المنظومة على نسختين كاملتين -ظاهراً- من شرحها:

الأولى: محفوظة في مكتبة جامعة هارفارد، ضمن مجموع؛ يحوي رسالة في بيان موضوع علم التفسير لمحمد بن خليفة الشوبري، ثم الشرح المذكور، فشرح الرحبية للسيوطي.

وكان المجموع موقوفاً في خزانة الأزهر برقم (14455)، ثم أخذته يد المختلسين، ليستقر أخيراً بمكتبة هارفارد!

ويقع الشرح في ثمان ورقات، بقلم ناسخه منصور بن هَنْدَل العدوي المالكي، بخط معتاد واضح، والأبيات مميزة بالحمرة، وبعض كلماتها مشكولة، ولم يذكر تاريخ النسخ، وأظنه في القرن الحادي عشر، وعلى النسخة بعض إلحاقات وتصحيحات في الهامش، مما يدل على المقابلة، واتخذتُها أصلاً.

والثانية: محفوظة في مكتبة مكة المكرمة، ضمن المجموع رقم 53، وهي الرسالة الرابعة فيه، وتقع في 12 ورقة، والأبيات فيها مميزة بالحمرة أيضاً، ولم يُذكر الناسخ، وأرَّخ النسخ في آخر شعبان سنة ألف ومائة وثلاثة وثمانين، وهي نسخة دون سابقتها من حيث الضبط.

• وكان نسخ المنظومة على متن الطائرة بين الرياض وبيروت ليلة السبت 15 صفر 1431، وأكملتُ مقابلتها والكلام عنها في منزلي بالرياض في مجالس آخرها ليلة الأحد 23 من ذات الشهر، والحمد لله أولاً وآخراً.

• وقرأت القصيدة على عددٍ من المشايخ، وهم: سماحة شيخنا العلامة الفقيه عبد الله بن عبد العزيز العقيل[4] في منزله بالرياض، والعلامة المحدّث محمد بن عبد العلي الأعظمي، والمسند الواعظ عبد الوكيل الهاشمي مجتمعان في مدينة الكويت، والشريفتان الصالحتان عائشة وكنزة ابنتا محمد المهدي الكتاني مجتمعتان في مدينة سَلَا المغربية، بأسانيدهم، ومنها:

بإجازة الأول والثالث من والد الثالث محدّث الحرمين عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي، عن أحمد بن عبد الله البغدادي الأثري، عن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، عن محمد بن محمود بن محمد الجزائري، الشهير بابن العُنّابي الأثري، عن جده، عن عمه أخي أبيه لأمه مصطفى بن رمضان العُنّابي، عن محمد بن شقرون التلمساني، عن علي بن محمد الأجهوري، عن عمر بن أُلْجاي، عن الجلال عبد الرحمن السيوطي، عن التقي أحمد بن محمد الشُّمُنِّي، عن أبيه الناظم.

والحمد لله أولاً وآخراً.

نماذج من النسخة المكية

نماذج من نسخة هارفارد