• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

العقلية العربية.. أزمة تحرر

وليد بن عبدالعظيم آل سنو

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/6/2012 ميلادي - 19/7/1433 هجري

الزيارات: 16908

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العقلية العربية

أزمة تحرر

- مفاهيم ورؤى –

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

عفوًا: فـ

وَمَا بَقِيَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلَّا
مُحَادَثَةُ الرِّجَالِ ذَوِي اْلعُقُولِ
وَقَدْ كَانُوا إِذَا ذُكِرُوا قَلِيلًا
فَقَدْ صَارُوا أَقَلَّ مِنَ الْقَلِيلِ

 

والعقل هو: العِلم بالمُدرَكات الضَّروريَّة، وهو حُجَّة الله على خلْقه[1]، وهو مِن أجلِّ القُوى، بل هو قُوَّة القُوى الإنسانيَّة وعِمادُها[2]، وهو ما يُقابل الغريزة التي لا خيار لها، وما يكون به التَّفكير والاستِدلال، وتركيب التصوُّرات والتَّصديقات، وأما العقليَّة، فهي مجموعة الصِّفات المميِّزة للعقْل، يُقال: عقليَّة فلان تختلف كليًّا عن عقليَّة أخيه، وكذلك هو: القُوى التي تُسيِّر القُدرات على التحرُّر والتَّأليف والانسجام[3]، والعقْل يتشكَّل على نحو كلِّيٍّ بالبيئة - الوالديَّة، والثَّقافة، والمجتمع - [4]، وقد جعَله الله تعالى للدِّين أصلاً وللدُّنيا عِمادًا، فأوجَب الدِّين بكَماله، وجعَل الدُّنيا مُدبَّرةً بأحكامه، وألَّف به بين خلْقِه مع اختِلاف هِمَمِهم ومآرِبِهم، وتبايُن أغراضِهم ومَقاصِدهم، وجعَل ما تَعبَّدهم به قِسمَين: قِسمًا وجَب بالعقْل فوكَّده الشَّرع، وقِسمًا جاز في العقْل فأوجبَه الشَّرع، فكان العقل لهما عِمَادًا، ولو لم يَكنِ العقْل لم يَكنِ الدِّين باقيًا، ولو لم يكن الدِّين لأصبَح العقْل حائرًا، واجتماعهما كما قال تعالى: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ [النور: 36][5]؛ لذا كانت كثير مِن الغَيبيَّات التي هي بعيدة المنال عن مَدارِك العقْل مِن أُصول الإيمان؛ ولذلك قال الإمام الرَّاغب الأصْفهانيُّ في كِتابه القيِّم "الذَّريعة إلى مَكارم الشَّريعة": مِن المُحال أنْ يُدرِك مَن لم يُحصِّل المَعقولات حقائقَ الشَّرعيَّات، وبذلك صارَ تَقْديمُ العَقلِ على النَّقلِ قَدْحًا في العقل.

 

والعقل إذا أشرق في الإنسان يَحصُل عنه العِلم والمَعرِفة، والدِّراية والحِكمَة، والذَّكاء والذِّهن، والفَهم والفِطنَة، وجَودة الخاطِر وجَودة التَّوهُّم، والتَّخيُّل والبَديهة، والكَيس وإصابة الظنِّ، والفراسَة والزَّكانة، والإلهام، ودقَّة النَّظر، والرَّأي والتدبير، وصحَّة الفِكْر، وسُرعة الذِّكر، وجَودة الحفْظ، والبلاغة والفَصاحة[6].

 

هذا هو العقل، فمَن العاقل؟


قيل: العاقل هو: الرَّفيع النفْس، العالي الهمَّة، يَغلِب أَكفاءَه في القُوَّة، ونُظَراءه في المنَعة، وإذا غَلَب العقْل الهَوى، صرَف المساوئ جَميعَها إلى المحاسِن.

 

وسُئل أعرابيٌّ عن العقْل: متى يُعرَف؟

قال: إذا نَهاك عقلُك عمَّا لا يَنْبغي، فأنتَ عاقِل.

 

وفي كتاب للهِند‏:‏ يَنْبغي للعاقل أن يَدَع الْتماسَ ما لا سَبِيل إليه؛ لئلا يُعدَّ جاهِلاً؛ كرَجُل أراد أن يُجري السُّفنَ في البرِّ، والعَجلَ في البَحْر، وذلك ما لا سَبيلَ إليه‏.

 

وصدَق مَن قال:

وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلَا
عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا

 

وقال آخَر:

إِذَا تَمَّ عَقْلُ الْمَرْءِ تَمَّتْ أُمُورُهُ
وَتَمَّتْ أَمَانِيهِ وَتَمَّ بِنَاؤُهُ

 

قال ابن القرية: الرِّجال ثلاثة: عاقِل، وأحمَق، وفاجِر؛ فالعاقل: إنْ كُلِّم أجاب، وإنْ سَمِع وعَى، وإن نَطَق نَطق بصَواب، والأحمَق: إنْ تَكلَّم عَجِل، وإنْ حُدِّث ذَهَل، وإنْ حُملَ على القبيح فعَلَ، والفاجِر: إنِ ائْتمَنْته خانَك، وإنْ حادَثْته شانَك.

 

ورغْمَ كثْرة الآيات التي ورَد بها التَّنويه بذَوِي الألباب والذين يَعقلون، إلا أنَّ الله - جلَّتْ قُدرته - لم يَذكُر العقْل مُطلقًا هكذا مجرَّدًا، بل لم يَكن اسم العاقل اسمًا مِن أسمائه سبحانه، والسرُّ - والله أعلم - في إغْفال ذكْرِ العقْل بلفْظِه - كما يُقرِّر ذلك كارم غنيم بقوله -: كأداة لمُستوى مُعيَّن مِن الإدراك، وإضافة ذلك الإدراك إلى القلْب - هو ألا يُفهَم أنَّ المراد مِن عقْلِ الأشياء مجرَّد الوقوف بها عند الجانِب التَّجريبيِّ والعمَليِّ الجافِّ، دون التجاوُز إلى مجالَي الانفعال والوجْدان، اللذَين هما مِن الحرَكات القلبيَّة؛ إذًا الوقوف بالأشياء عند مَرحلَة المعرفة المُجرَّدة ليس مُراد الدِّين فقط؛ وإنما يُراد مع الإدراك لها التعاطُف معها، وغَمرها بدفْءِ الإحساس، وحَرارة الوجْدان[7].

 

مرحلة النقْد قبل مرحلة الولادة:

العقْل المُغيَّب يجنح دومًا إلى قبول التأويل المُنحرِف، ويَميل إلى فنِّ التَّبرير والإقناع، وادِّعاء الموضوعيَّة والواقعيَّة، وفقًا لما قاله كانط: كُنْ جريئًا في إعمال عقْلِك، وهذا ما يُعرف بالفجوة الأخلاقيَّة؛ إذ إنَّ إعمال عقْل - مثل - هذا يُشعِره بالاستمتاع والاندِفاع وقْتَ حُدوث النَّكسَة الإيمانيَّة - إن صحَّ التَّعبير - أو عند وقوع القلَم، وحين يقع القلَم مِن أمَّة "اقرأ"، فاعلم أنَّ إحساسًا غامِضًا يَسري في أعماقي؛ لأن وقوع القلَم في أمَّتي غير مُمكِن، وما كونه غير مُمكن لم يتوهَّم عاقِل كونه، لكنَّ القلَم قد وقَع بالفِعل - والفِعْل والفاعِل كِلاهُما هُنا مَجرور! - ولذلك، ورغمًا عني انحرَف قلَمي، وتاه عقْلي وشرَد، وجَنحَتْ مَشاعري قليلاً عما قد يُفهَم وما يَنبغي أن يُفهم مِن حديثي؛ وكان ذلك منِّي بلا إرادة؛ لأسباب عدَّة، أهمها: تداخُل الأحاسيس، وتحجُّر الدُّموع في عَيني و... وخُطورة الموضوع.

 

إنَّنا كثيرًا ما نَنجذِب إلى النقْد السَّلبيِّ؛ لذا فلا بدَّ أنْ أَعترِف ابتداءً أنني غير مُستعدٍّ نفسيًّا ثُمَّ شرعيًّا - بأنْ أؤمِن بالإيحاء الوثَنيِّ الذي يُلقيه سحَرة العِلم ورُوَيبضتُه، فيَهزُّون العُقول به هزًّا، ويُخوِّفون القُلوب تَخويفًا بأنَّ عقليَّةَ غير المسلم أرقى بثلاث درجات (ولا أدري لماذا ثلاث درجات؟!)، فهذا باطل مِن كلِّ وجْه، ومِن المُمكن أن نَعتبِر هذا تعصُّبًا حقيقيًّا وليس وهمًا.

 

خُطوَة حانِيَة:

على صَوتِ حَفيفِ أقدامٍ خافِت في رمال الصحراء، تيقَّظ التاريخ مِن غَفوَته، فانبعثَ مِن مَرقَدِه مُتكاسِلاً يَتمطَّى ويَمسَح عن عَينيه رَمَصَ الكَرى، وإذا به مع نفسه وحيدًا إلا مِن طفْل في مَهدِه يَضغو مِن شدَّة العطَش، وإلى جانبه امرأة رصينة مَستورة، لهفانة، لا تَستقِرُّ نَظرَتُها على شيء، حتَّى على طِفلها المُتضاغِي في مَهدِه، كأنَّها تَخافُ أنْ تَنظُر إليه، بَيْدَ أنَّها كانت تَنوء تحت وطأة الآلام تَعصر قلبها، وتَحرِق كَبدها كلَّما حرَّك الطِّفل قدمَيه يَفحَص بهما رمال الصَّحراء، كأنَّه يَطلُب شيئًا أودَعه له فيها حَفيظٌ أمين[8]، تلك كانت البِداية الفعلية للعقليَّة العربيَّة، بل دعوني أجنَح قليلاً راجيًا ألا أُغضِب الرِّجال، فأقول: إنَّ أُمَّة تَقف في أول صفِّها امرأة تَقول لزوجها: آلله أمرَك بهذا؟ (وتأمَّلْ هذا جيدًا) فيُجيب - وكلُّ ذرَّة في كيانه تتحرَّك في محيط الألم، وكل خلْجة مِن خلجات نفسِه مُفعَمة بالأنين - قائلاً: ن.. ع.. م - حينئذٍ تترقَّى امرأته في درجات الإحسان لتقول: لن يُضيِّعنا الله... فأمَّة هذه بدايتها جَديرةٌ أنْ تُوصَف بأنَّها أُمَّة عاقِلة.

 

ولكنْ! ولكن رحلة العقْل رحلة مُضنِيَة، والأمواج لا تُنجِب إلا الأمواج؛ لذا فقد انتهت مَرحلة الطُّفولة العقليَّة يوم أنْ صَعِد محمَّد بن عبدالله - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - جبل الصَّفا وأطلَق صَيحته التي تَصدَّع لها أركان العالم كلِّه، يومَها بدأ البحث عن تلك الخُطوة الحانِيَة، وهذه الأمانة التي ترَكَها ذلك الطِّفل الذي تحرَّك في رِمال الصَّحْراء كأنه يَطلُب شيئًا أودعه له فيها حَفيظ أمين، وتلك التي تُسمى في عُرف القوم: إعادة التَّشكيل والبناء؛ فكأنَّ العقليَّة العربيَّة بين ألطاف الآباء، ولطمات الأبناء.

 

مدخل: للعقليَّة العربيَّة - عندي - محاور أو افتراضات ثلاثة:

الأوَّل: الحرْب العقليَّة - غزو الآخَر - كما قال رسول الله حين أَجْلَى الأحزاب عنه: ((الآن نَغزوهُم، ولا يَغزونَنا، نحن نَسير إليهم))[9].

 

الثاني: الطابع الحَضاريُّ: قال تعالى: ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، وفي الحديث: ((أنْ تَرى الحُفاة العُراة العالَة رعاء الشاءِ يَتطاولون فى البُنيان))، وفي رواية البخاري: ((إذا كان الحُفاة العُراة رُؤوسَ الناس))، وفي رواية البزار: ((ورأيتَ الحُفاة العُراة مُلوك الأرض))، لاحِظْ: أَعْلَوْنَ - تَطاوَل - رُؤُوس - مُلُوك.

 

الثالث: مُواجَهة الذات (الاستقامة) : ((قُل: آمنتُ بالله، ثمَّ استقِم))[10].

 

وللأسف الشديد فإنَّ هذه الافتراضات جميعًا، وتلك المحاور - قد أُحبطت وباءت المحاولات بالفشَل؛ فالحرْب العقليَّة صارتْ دفاعيَّةً، والطابع الحضاريُّ تمَّ تميِيعُه، وأمَّا مُواجَهة الذات، فحريٌّ بي - أنا - أنْ أخجَل من الحديث عنها، أو يتحدَّث عنها أعظم عُلماء الإسلام؛ فالنَّتيجة مُخيِّبة للآمال، ورغْم وجود هذا القصْف لإبادة العقول، إلا أنَّ وجود العُنصر الثالث - مُواجَهة الذات (الاستقامة) - ما زال هو الحامِلَ للغزْوِ المُتطلِّع للحَضارة؛ ولذلك فإنَّ صُنع الوعْي هو المحرِّك للفِعْل الإنساني في الحرْب أو في السِّلم على السَّواء.

 

وبِناًء على ما سبَق؛ فقد قطَعتِ العقليَّةُ العربيَّة مشوارًا مِن (القَداسة) يستحيل الرجوع إلى الوراء فيه، شاءتْ أمْ أبَتْ، المسألة فقط تتعلَّق بمُواصَلة التقدُّم (الشرْعيِّ)، والرُّقيِّ (السُّلوكيِّ)، وهو ما يُطلَق عليه في عُرف القوم: (حَضارة)، ولا بُدَّ أنْ نَعترِف - جميعًا - أننا نَحمِل الآن صُوَرًا قديمةً جدًّا في الذِّهْن مِن (القَداسة) للعقليَّة العربيَّة؛ ولكنَّها باهِتة؛ بسبب الضَّباب المُتداخِل بالصَّخَب، وهُما معًا يَتغلْغَلان مِن نافِذة ضيِّقة عبر عُيوبٍ (جاهليَّة) في ظلِّ الواقِع الإسلاميِّ.

 

بداية قاسية:

هناك خلَلٌ تصنيفيٌّ عالَمي للعقليَّة العربيَّة، يُقابِله بُعدٌ زُخرُفي تَبريريٌّ عربيٌّ، وهو ما أُسمِّيه في وضْعِنا الراهن بـ "الإدراك الاسترجاعي"، رغْم أنَّ تلك العقليَّة لا تحتاج إلى ديباجات لتُضفي عليها هالاتٍ مِن الجَمال؛ فالعقليَّة العربيَّة عقليَّة بلا ظِلال، والثقافة الشرقيَّة أوجدَتْ عَقلاً تَركيبيًّا، بينما ثقافة الغرب أوجدَتْ عقلاً تحليليًّا! والثَّقافة العربيَّة تأسَّستْ على نُظُم مَعرفيَّة ثلاثة: نِظام مَعرِفيٌّ لُغَوي عربيُّ الأصْل، ونِظام مَعرِفي غنُوصيٌّ فارِسي هُرمسي الأصل، ونظام مَعرِفي عَقلاني يُونانيُّ الأصل، والعربيُّ عُنصر مُنحطٌّ؛ إذ يحاول الجرْي قبْلَ أن يَستطيع السَّير، ولسانه أَمهَر مِن عقْلِه، والعقليَّة العربيَّة لا تَصلُح لاستيعاب العُلوم والمعارف، هيَّا اعتَرِف مَعي بذلك؛ فإنْ لم تَعترِف فستَضطرُّني - آسِفًا - أن أُلقي بك خارج نِطاق الحضارة![11] والحَقيقة أنَّ كلَّ هذه التُّهَم باطِلة مِن كلِّ وجه.

 

وتُهَم شَنيعة بين اللَّعْن والطَّعْن:

تُواجِه العقليَّة العربيَّة تُهمًا فضفاضةً، لا زِمام لها ولا خِطام، طعنًا زائفًا مُشبَعًا بحبِّ الهوى، وعشْقِ التنعُّل الغربي، وكأنَّ العقليَّة العربيَّة حبيسةٌ في بيت طاعة، وتلك التُّهم وإنْ كانت أحجارًا (بارِدةً) إلا أنَّ لها مِن التأثير ما لها؛ إذ تُزلزِل ضاحِلي الثَّقافة والفكْر، ثمَّ تَهوِي في بئر الاتِّساع للعقليَّة العربيَّة، ورغم عدم وجود مَرتبة سياديَّة للعقْل، إلا أنَّ العقليَّة العربيَّة في عصر العبيد تترنَّح بين ثقافة موروثة راكِدة، وغربيَّة وافِدة مُدمِّرة؛ مما تسبَّب في سوء هضْمٍ عقليٍّ، وعصْف ذهنيٍّ للأمَّة جمعاء، وخلاصة هذه الأحقاد: اتِّهام صريح بالعجز عن الإبداع؛ لقُصور جِنسيٍّ، بل وربما نسبوا ذلك إلى طبيعة الدِّين الإسلامي ذاته، وأصحاب تلك الدَّعاوى لا يَملِكون قِطميرًا مِن بصائر الحق، ولا عُقولاً تُجيد ترتيب الرُّؤية العِلميَّة المنهجيَّة الأصوليَّة، "فرُؤيَة الذات للجنْس الأوروبي - والتي تَنبُع مِن تَفكير عُنصريٍّ - مُرتَبِطةٌ تَمام الارْتباط برؤية الآخَر، ورؤية الجنس الأوروبي للعرَب تتَّسم بكثير مِن سمات التَّجريد، حتَّى تَتصاعَد مُعدَّلات التَّجريد لِتَصل إلى نُقطة التَّغييب الكامِل والتلاشي، وهذا تَصوُّر يَنبُع مِن الثُّنائيَّة الحُلوليَّة، فلا بُدَّ أن يتَّسم بهذا التعميم والتجريد والانتقاء، وإلا وجَد نفْسَه أمام وجود مُتعيَّن مَحسوس له قَداسته وله قيمته الإنسانية والحضارية المُحدَّدة، وله كيانه الخاص، الأمر الذي يَجعل مِن العَسير تَقبُّل الدِّيباجات التي تُسوِّغ استِغلاله أو إبادته، وبالتالي لم تُترجِم لحظة الإدراك نفسَها إلى حِكمة إنسانيَّة أو سُلوكٍ عَقلانيٍّ"[12].

 

الناقِمون على العقليَّة العربيَّة:

شُذَّاذ الآفاق يملؤون الحياة صخَبًا وضَجيجًا، والناقِمون على العقْل العربيِّ يَعلمون أنَّ سوطَ الحقّ (يؤذيه)، وأنَّ جلاد التاريخ (لن يَرحمه)؛ لذا جَنَحوا للصُّراخ وللعَويل، وشُذَّاذ الآفاق الناقمون على العرب ثلاثة أصناف:

الأول: الشعوبيَّة: وهي فِرقة ذهبتْ إلى تَصغير شأن العرب، وأنَّهم كالذِّئاب العاديَة، والوُحوش النَّافِرة؛ يَأْكل بعضُها بعضًا، ويُغير بعضها على بَعْض.

 

الثاني: المُستشرِقون: والمُستَشرِق هو الوالِغ في تاريخ الأمَّة الإسلاميَّة، فلا هو قضَى نَهمتَه مِن معارفها، ولا هو استطاع أنْ يَقضي عليها، وظنَّ أنه قد أمضى حِقدَه، فعاش مَهمومًا ومات بحسرته؛ لأنه "بعيدٌ كلَّ البُعد عن أنْ يَعرف الحقَّ مُعتِمًا دامِسًا، فكيف يَعرِفه أبلَج مُستنيرًا؟"[13].

 

الثالث: الأذناب المُدجَّنون: والذَّنَب: التابع الذَّليل، والمدجَّن: مِن الدَّواجِن، ويَكفيهم هذا الهُزء اللُّغوي، وهم كُثُر في الأمَّة، وأولئك هم الذين أَطلق عليهم "النَّديم" لفظة: (الأُجَراء)؛ فإنَّهم أَلِفوا القَبيح واستحسنوه، وإنَّ "إلْفَ القَبيح مَتلفَة للإحساس والعقل جميعًا"[14]، فهُم أعداء اللهِ وأنبيائِه، استَخدَمهم الغربيُّون بأُجرَة لا تَزيد على ثَمن نعْلٍ، وبرغيف يُحصِّله الزبَّال، وحزقة يَملكُها الشحَّاذ[15]، وهذا الصِّنْف بمنأى عن شرَفِ الأمَّة، ومجْد الدِّين، وعِزَّة المسلمين، وهكذا لُعنت العقليَّة العربيَّة ورُجمتْ، وظنَّ جيشُ الربِّ - الإمبراطورية الرومانية النصرانية - أنه قد طَواها النِّسيان، وأنَّه قد احتوى تلك العقليَّة إلى الأبد، فإذا هي شاخِصة حيَّةٌ ماثِلة أمام ناظِرَيهم - وهذا هو البعث الإسلامي المَخُوف الذي بدأ يَتململ.

 

دكتاتورية العقل:

لا شكَّ أنَّ جميع الروافد الفِكريَّة التي دخلَتْ - وما زالت تَدخُل - مِن خلال طوفان الاستِدمار الثَّقافي الغربي - عصَفتْ بِنا دون إعطاء أيِّ فرصة كي تُعرض على مرجعيتنا الشرعية الأمِّ، كأيِّ أمَّة حضارية تَحترِم ذاتها؛ وذلك لأنَّ العقليَّة المُعاصِرة (عَفوًا) مُنفصِلة وجدانيًّا عن الثوابِت والمُرتَكزات التُّراثيَّة للأمَّة؛ "فالقاعدة الثقافية المشتركَة للتَّشكيل العقليِّ في الإسلام هي مُحكمات وقطعيَّات العقيدة والشريعة والأخلاق، وهذا يَمنح الثوابتَ في الإسلام الاستقرارَ، الذي يُعتبَر مِن أهمِّ الخَصائص التي لا تتوفَّر لغيره، فهي ليستْ مِن وضْع العقل حتى تكون عُرضةً للاهتزاز والإلغاء والتعديل والتنكُّر لها؛ لأنها تُمكن لتسلُّط الآخَر؛ وإنما هي مُستمدَّة مِن خالق الحياة والإنسان، ولعلَّ مِن أهمِّ ما يُميِّز العقل المسلم: امتلاك المعايير والثوابت المعصومة، التي تحقَّقتْ مِن خلال معرفة الوحي، والتي تُشكِّل له مركز الرؤية والمرجعيَّة، وتَمنحُه إمكانيَّة القُدرة على التَّصويب والتَّقويم والمُراجَعة المُستمرَّة، وتُحصِّنه مِن كل محاولات الإلغاء والاحتِواء الثَّقافي، تلك المعايير النبوية القادِرة على حمايتِه وانتشاله؛ لأنها ليستْ مِن وضْعه، ولم تَأتِ ابتداءً ثَمرةً لبيئته الثقافيَّة؛ فالعقل في الإسلام دليل الوحْي، ووسيلة فهمِه ونقْلِه، ومَحلُّ تكليفه، وأنَّ الوحي - مِن بعض الوجوه - يُمكِن أن يُعتبَر أحد مدارك العقل ومعارِفه، فالعقل في الإسلام سنَد الحَقيقة الدينيَّة، ومحلُّ الوحي، وإذا أُسقِطَ العقل سقَط الوحْيُ والتَّكليف، وأنَّ الوحي هو الإطار المرجعيُّ الذي يَمنح العقل القِيَم المعصومة، ولا تَعارُض -كما يقول ابن تيمية وغيره - في الإسلام بين صَحيح المنقول وصريح المعقول؛ ذلك أنَّ مصدر العقْل والوحْي هو الله، ولعلَّ مِن أخطر القضايا في تشكيل المسلم المعاصر أيضًا: الخلْط بين معارف الوحي المعصومة، ومدارك العقْل المَظنُونة، فالأزمَة الأمُّ التي يُعاني منها العقْل المُسلم المعاصِر هي أزمة فكْر، أو أزمَة إشكاليَّة ثقافيَّة؛ وذلك بسبب انسلاخِه عن مرجعيته"[16]، لقد انبهرتْ هذه العقليَّة بعلوم الآخَر - وهذا حسَن - وتبعًا لهذا انبهرتْ بسُلوكيَّاته - وهذا قَبيح - وتَناستْ أنَّ السلوك المادِّيَّ الشخْصيَّ مُنفصِلٌ لديهم عن التقدُّم الحضاريِّ، هذا الانفصال السلوكي عن التقدُّم الحضاري ليس لُغزًا مُحيِّرًا في هذه الحَضارة؛ إنَّما هو طبيعة الثُّنائيَّة الإثنيَّة في التَّديُّن.

 

يقول العلامة/ أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه "الإسلام في وجه التيارات الوافِدة والمؤثِّرات الأجنبية": إنَّ مِن حقِّنا أن نُراجِع مفاهيم الغرب على القِيَم الأساسيَّة التي نُؤمِن بها، والتي قامت عليها حضارتُنا منذ خمسةَ عشرَ قرنًا مُتَّصلةً ليس فيها انفِصال، ما أشدَّ حاجتَنا إلى اليَقَظة مِن خطَر الاحتواء والإذابة، هذا الخطر الذي نجا منه الجيل الماضي، ويَجب أن يَنجُو منه جيلُنا؛ فهو أشدُّ بصيرةً ويقَظةً وحِرصًا، إنَّ هُناك محاولة للانقِضاض علينا لإذابَتِنا في البُوتقة الكُبرى، بُوتقة الشُّعوبيَّة العالميَّة؛ لنَفقِد ذاتيَّتَنا ومزاجنا الخاص، ونُصبِح تابِعين أولياء لثقافاتٍ لا تَصدُر عن مصادرنا.

 

إنَّ أمَّتنا لها منهجُ فكْر، وفلسفة حياة؛ فعليها أن تَعرِف ذاتها، وأنْ تؤكِّد شخصيَّتها، والإسلامُ بالنسبة لنا ليس دينًا فحسْب؛ ولكنه أيضًا منهجُ فكْر، ونظام مُجتمَع، فلْنُواجِه الفكْر الغربيَّ ومذاهِبَه مُواجهةً صريحةً في كلِّ قضاياه، لقد استطاع الفكْر الإسلاميُّ في القرْن الرَّابع والخامِس أنْ يُحطِّم قيد الاحتِواء الإغريقيِّ، وأن يَخلُص منه، وأن يَنتَصِر عليه؛ حيث عجزتْ ثقافات كثيرة عن أن تَحتفِظ بوجودها في وجه هذا الإعصار الخطير (إعصار الهلينيَّة)، وعلى المثقَّفين العرب أنْ يُفكِّروا بِلُغتهم، وأن يَتحرَّكوا مِن داخِلهم، وأنْ يَتجاوَزوا سارتر وفرويد وماركس جميعًا؛ انتهى.

 

ومما لا شكَّ فيه أنَّ الفكْر الاستِشراقيَّ في العالم العربي أنتَج عقلاً تابِعًا يَفتقِد الاستِقلال والرُّؤيةَ المتميِّزة، فالعالَم العربيُّ اليوم كوكبٌ تابِع فِكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا للولايات المتَّحدة، كما أنَّ الارْتماء في أحْضان القُوى الكُبرى ترتَّب عليه إحداث عقْل عاجِز سياسيًّا عن أن يَتصوَّر حلَّ مشاكلِه بنفْسِه.

 

لقد ترتَّب على عقليَّة التبعيَّة أنْ أصَّلتْ لدى الإنسان العربي اتِّكاليةً مُخزيَةً، فكانت النتيجة الحتميَّة التي وصَل إليها العقل العربي هي تحوُّلَه إلى عقْل استِهلاكيٍّ غير آبِهٍ بماذا يَستهلِك، وما لا يَستهلِك، وما يَحتاج وما لا يَحتاج، فالواقع يقول: إنَّ العقل العربيَّ إنما يُتعامل معه مِن قِبَل نُخبَته، وبما أنه ذو بُعدٍ عالمي أصبَح سلَّة مُهمَلات يُرمى فيها كل نفايات العالم دون جهد للغربَلة والتَّنقيَة، كما أنَّ العقل العربي أصبح مجال تَسفيه وسُخرِيَة للآخَرين يَتندَّرون به وبتصرُّفاته[17]، ورغم الانتصار الظاهِر لتلك التبعيَّة، إلا أنَّ هناك بقيَّةَ اعتدال واضح في العقليَّة العربيَّة، وأنَّها لم تَجنح إلى الشَّطَط والزَّيغ كاليونان والرومان والفُرس؛ وذلك يرجع - فيما أرى - إلى أنَّ العقليَّة العربيَّة وقفتْ عند إدراك حالة عِلم التعقُّل، ولم تُحاوِل أنْ تَتخطَّى تلك المرحلةَ إلى مرحلة عِلم التَّصوُّر، حتَّى وهي في جاهليَّتها؛ لأنَّه يَستحيل إدراك تلك المرحلة، وهذه هي التي أدَّتْ بالفَلاسِفة إلى الإلْحاد والزَّندقة والكُفر؛ ولذلك لما أخبرَنا الله أنه خلَقَنا مِن الأرض، سبَق في علم الله - سبحانه - أنَّ الإنسان في هذا العِلم المادِّي سيَصِل بعقله إلى مرحلة إدراك حقيقة المادَّة؛ ولذلك أطلَق الله له العنان؛ ليَكتشف الإنسان صدْقَ إخبار الله له فيما لا يَقدِر عليه، ولا يَستطيع الوصول إليه، لا بالتعقُّل ولا بالتصوُّر، فعناصرُ الإنسان مثلاً ستَّةَ عشرَ عُنصرًا، وعناصر الأرض ستَّةَ عشرَ عُنصرًا، فحين يَكتشِف الإنسان هذا، يُدرك حقيقة أنَّ للكَون إلهًا مُدبِّرًا، وحقيقة صدْق إخبار الله له؛ فيَطمئنَّ إلى جميع النتائج العلميَّة التي يُخبِر بها الله - جلَّتْ حِكمتُه.

 

أما حين يتكلَّم عن الرُّوح (حالة عِلم التَّصوُّر)، فإنَّ ذلك عِلمٌ اختصَّ الله به؛ ولذلك لمَّا حاوَل أهل التصوُّر إدراكَ تلك الحالة، عجزوا تمامًا كما عجزوا عن إدراك حالة التصوُّر لذاتِ الله وصِفاته وأسمائه، فقالوا: العقل الأول، وآمَنوا بنظريَّة الفيض، وتكلَّموا عن المُرجح والمُمكِن والمُستحيل؛ فضلُّوا ضَلالاً بعيدًا؛ ولذلك لما حاوَل بعض الزنادقة - كابن سينا مثلاً وغيره - التوفيقَ بين عقيدة المؤمنين وضَلالات النصارى، ضلَّ وتَزندَق وتاه وسَط ضَجيجٍ مِن الأفكار الصاخِبة، وحزمة مِن الآراء المتهافتة، والعقليَّةُ العربيَّة كانت بمنأى عن هذا الشَّطَط والزَّيغ، فوقَفُوا عند حالة إدراك التعقُّل، وترَكوا حالة إدراك التصوُّر؛ لأنَّهم عَلِموا يقينًا أنَّهم لن يَصلِوا إلى شيء، إلى أنْ جاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فربَط حالة التصوُّر بالإيمان الغَيبيِّ، فاستقرَّت تلك الحالة نهائيًّا، بل وجعَلتْ حالة التصوُّر (الإيمان بالغَيب) مِن أركان الإيمان.

 

مثال لمرحلة التصوُّر نوضِّح به كيف وقَف العقْل في صدْرِ عصر الإسلام موقِفًا إيمانيًّا لا مجال فيه للعقْل، ألا وهو: فواتِح آي القُرآن التي يقول عنها الأستاذ "مالك بن نبي" - رحمه الله -: لا يُمكِن أن تَتراءَى لنَواظِرنا اليومَ هياكِلُ مُتحجِّرة أو مُتحلِّلة؛ فإنَّ النبي - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - نفسَه كان يُرتِّلها هكذا، كلُّ حرْف متميِّز مُنفصِل في تَجويده الصَّوتي، ولنا أن نُضيف مُلاحَظة عن تَخصيص وضْع هذه الرُّموز في فاتِحة بعض السُّور دون بعضِها الآخَر؛ إذ في ذلك ما يدلُّ على وجود تَنظيم ضِمنيٍّ مقصود، هذه الملاحَظة تَنفي افتراضَ المصادفة، أو مجرَّد شُرود ذاتٍ سلبيَّة غير واعية، واختصارًا: ليس لنا أن نَحمِل الظاهِرة على طارئٍ نفْسيٍّ أو عُضويٍّ مفاجئ لدى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا أنْ نُؤوِّلها باعتبارها نقْصًا أدبيًّا في نصٍّ يُعدُّ بحقٍّ كامِلاً، وأكثر المُفسِّرين تَعقُّلاً واعتِدالاً هم أولئك الذين يقولون في حالٍ كهذِه بكلِّ تواضُع : الله أعلم[18].

 

ولذا لم يَضعِ العربي العقْلَ - وهو في حالة جاهليَّة شركيَّة - ما وضَعه غيرُه مِن دعوات كُفريَّة، مفادها: أنَّ كلَّ ما ليس خاضعًا للحسِّ والزَّمان والمكان، يُصبِح مَوضِع تساؤل وريب، ولعل الميزة الأهم في نشأة ومَسيرة العقليَّة العربيَّة هي فِقهُها وفَهمُها لحُدود المسافة بين عِصمة الفكْر وحُرِّيته؛ قال الله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عليْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، وهذه هي "عِصمة الفكْر".

 

وقال الله: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، وتلك هي "حرِّيَته"، وجُملة ذلك وخُلاصَته ومُحصَّلته هو الحِماية مِن الضَّياع الفكْريِّ، وبِناءً على ذلك؛ فإنَّ مَن تخطَّى تلك المسافة واتَّبع هواه، زاغَ وتَزنْدقَ، فالآية الأولى تَحمِي الإنسان مِن الضَّلال، والثانية تحثُّه على التأمُّل، "وهذا التأمُّل الذي يدعو إليه القرآن تأمُّلٌ خاصٌّ؛ فهو - وإن حثَّ على المُشاهَدة - يَتعمَّد عدَم مُخاطَبة العقل المنطقيِّ؛ لأنَّ المعقوليَّة مُكتسَبة، كما أنَّ العقْلانيَّة أيضًا صِناعة مُكتسَبة، فالنَّتيجة أنه مِن خِلال هذا الدِّين نتَج انقلابٌ شامل في الذهنيَّة العربيَّة، أخرَجها مِن الصُّوَر الجماعيَّة الفَضفاضة اللامُحدَّدة، إلى التعقُّل الفرديِّ وإلى الوضوح والوعي، فبفضْل الدِّين الجديد - كما يقول د/ "محمَّد عزيز الحبابي" -: حصَل انقِلاب جذريٌّ في ذهنيَّة ووجدان العرب[19]،إذ نمَتْ العقليَّة العربيَّة بسبب تلك المُكتسبَات الجديدة، وبفضْل اتِّساع الأفق المجتمعي (فيا لِرَوعة هذا الدِّين!)، ولعلَّني أَستسمِح القارئ دقيقةً في أن يَتأمَّل شيئًا مِن مُميِّزات هذه الأمَّة - التي اختفَتْ - ألا وهو الترتيب العقليُّ أثناء سرْد الدَّليل، فلْنتأمَّلْ سويًّا قول النبي - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - للأعرابيِّ: ((فلعلَّ ابنك هذا نزَعه عِرْق))، أرجو أن تُتابع بنفسِك بقيَّة الحوار، وقُم - أنت - بذلك الترتيب العَقليِّ، ثمَّ طبِّقْه في حياتك؛ لِتَعرف أين كانت الأمة، وإلى أيِّ شيء وصلَتْ؟

 

العناصر المؤثرة على بنية العقل:

عند النَّظر في طبَقات العقل الإسلامي، نجدها في قصورٍ مستمر عبر الأجيال، فكل طبقة أشدُّ قصورًا مِن التي قبْلَها؛ وذلك بالضَّرورة لأمور، إلى أن تتوقّف موجَة القصور الضروري عند حدٍّ، فتَتساوي بعد ذلك الأجيالُ الباقية في فُرص الحصول على الكمال المستطاع لمثْلِهم، ويكون التفاوت بينهم متعلِّقًا بالكسْب والاجتِهاد فيه، لا بأمور خارجة عن ذلك[20]، ولكي نَحكُم على مدى قوة بِنْيَة أيِّ عقليَّة؛ لا بُدَّ مِن دراسة العناصر المؤثِّرة على بِنيَتِها، ولعلَّ العقليَّة العربيَّة تمتاز دون غيرها بعدة عناصر، مِن أهمها:

"أولاً - الدِّين: وله أثره كأحد المُعطيات الحضاريَّة التي تؤثِّر على وحدة التَّفكير واتِّجاهه، وإلى نوع المُصطَلحات ودلالتها.

 

ثانيًا - اللغة: كأحد ركائز الثقافة والحضارة، وكأداة اتِّصال رئيسة بين الناس، يتَّضح دورها في التأثير على البنْيَة العقليَّة مِن خلال علامات اللغة، وحُروفها، ومُفرداتها، وبيانها وآدابها، وما يُمكِن أن يَنتُج عنها مِن قصص وشعْرٍ وفُنون.

 

ثالثًا - القيم الاجتماعيَّة: وهي القيم التي تُكتَسب في سنِّ العاشِرة، وتظلُّ تمارس دورها في حياة الأفراد بشكل لا شُعوري.

 

رابعًا - العادات والتقاليد والأعراف: وهي أمور تحظى بشيء مِن الاحترام والتقديس مِن قِبَل أفراد المجتمع.

 

مُبرِّرات التركيز على العقليَّة العربيَّة:

أولاً: أنَّ رسالة الإسلام جاءتْ على أرْض العرب، وبُعث النبي العربي الأمِّي بين العرب، لا لِتكون الرسالة لهم فقط؛ بل لتكون للناس عامَّة: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ﴾ [سبأ: 28].

 

ثانيًا: أنَّ اللغة العربيَّة - والتي هي لسان العرب - هي لغة القرآن، وبها تَنزَّل ودُوِّن، وبها دُوِّنت ورُوِيَت السنَّة النبوية المطهرة، وهذا الأمر بحدِّ ذاته ليس باليسير؛ فدَور العرب في هذه الحالة يَقتضي تعليم القرآن وتَدريسَه وشرْحه للناس، وبيان معانيه ومقاصِده ودَلالاته، وهذا يَنطبِق على السنَّة النبويَّة أيضًا.

 

أبرَز سِمات ضَياع الإنسان العربي على الصَّعيد الفكْريِّ:

أولاً: لهثُه خلْف تيَّاراتٍ فكْريَّة وافِدة باسم التَّجديد، والتَّحديث، والتطوير، والتمدُّن، ولو تمعنَّا في هذه الحركات الفكريَّة، لوجدْنا أنها تُدار مِن قِبَل الأعداء، ولكنَّها تَلبَس زيًّا محليًّا؛ حتَّى تكون مقبولةً وغير مُنفِّرة.

 

ثانيًا: إنَّ الأقليات غير المسلمة القابعة في العالم العربي لا يُمكن أن يُغفَل أثرُها؛ يقول الرئيس اللبناني السابق بشير الجميّل مُخاطِبًا أوربا: إننا نمثِّل حضارتكم وثَقافتكم في مَنطقة الشَّرق الأوسط؛ لذا عليكم دعْمنا ومُساعدَتنا؛ لنَثبُتَ هناك.

 

ثالثًا: ابتعاد الإنسان العربي عن عقيدته الإسلامية كمنهج حياة يُفقِده أهليَّةَ الرِّيادة التي اكتسبَها بالحقِّ التاريخيِّ، وبذلك يكون قد ابتعد عن رَوافِد التأهيل القياديِّ.

 

قنوات تشكيل العقل:

1- المناخ الاجتماعي العام، أو البيئة العامَّة، وهو ما يُطلَق عليه: البيئة الثقافية.

2- المدارس: مِن خِلالها تُوضَع البذور الأساسية لطريقة التفكير مِن حيث السطحيَّة أو العمق، وفيها يتمُّ اكتساب المعرفة والمعلومات، وتكوين الاتِّجاهات نحو كثير مِن قضايا الحياة.

 

3- وسائل الإعلام: وهي مِن أهمِّ وأخطر القنوات التي تُشكِّل العقل؛ لأنها ذات أثر فعال ومؤثِّر في صياغة الاتِّجاهات وطُرُق التفْكير.

 

4- المساجد: لها دور بارِز ومُهمٌّ في صياغة العقول وبنائها؛ عن طريق خطب الجمعة، والندوات والمناقشات والدُّروس المُمكن عقْدها فيها، كما أنَّ حضور المسجد بحدِّ ذاته يُحدِث الإخاء، ويُجسِّد أواصِرَ الرابطة العقائديَّة لدى الناس؛ مما يُسهِم في الصِّياغة العقليَّة.

 

5- الندوات العامَّة والمؤتَمرات لها دورها في تَكوين وتَشكيل العقل، وكُلَّما كان المُجتمَع يَعِجُّ بمثْل هذه الأشياء، كان ذلك مَدعاةً للإثارة والتَّنشيط الذِّهني، وكلَّما افتقَد مثل هذه الأنشطة، حلَّ الرُّكود وساد الجُمود والتبلُّد، وأصبح الناس بمثابة الآلة يَسيرون وَفق نشاط رُوتينيٍّ، لا يَبعث الإبداع والإنتاج والتجديد، بل يولد السأَم والتراجُع والتقهْقُر الفِكري.

 

6- تحفيظ القرآن أو أجزاء منه: فإنَّ عظمة التجانُس بين القرآن والعقل يَخلق نمطًا إدراكيًّا مُذهلاً، له خصائصه التي يَنفرد بها.

 

إعادة التشكيل - أُسُس وملامِح:

لكي تتمَّ إعادة تَشكيل العقل العربي، وإعادة صياغتِه وتَنقِيَته وتَصفِيَته مِن الشَّوائب العالِقة به؛ لا بدَّ مِن إجراء عمليَّة جِراحيَّة، نفسيَّة، واجتماعيَّة، وثقافيَّة، هذه العملية لا بدَّ لها مِن أن تَقوم على أُسُس، وتَنطَلِق مِن مبادئَ مُحدَّدةٍ، ومِن ثمَّ تَصل إلى نتائجَ وأهدافٍ واضِحة.

 

1- العودة للذات، والتعرُّف عليها، وتَشخيصها بأمانة وموضوعيَّة.

 

2- تجسيد الثِّقة بالذات، وانتِفاء الشُّعور بالنقْص.

 

3- الثِّقة بالنفْس ستَجعل الإنسان العربيَّ يُقدِّم نفْسَه بأنه عربيٌّ مسلم يُباهي بدِينه، ويُمارس عباداته في كل وقْت ومكان، دون حاجة للتخفِّي والتستُّر.

 

4- القيام بعملية إحلال مَعرفي في مجال العقيدة والعبادة، والسياسة والاقتصاد، والاجتماع والثقافة العامَّة.

 

5- الشُّعور بتميُّز هذه الأمَّة، وتَفرُّد هذا المجتمع.

 

6- طَلاقة الإنفاق على العِلم والفكْر والبَحث؛ بحيث لا يكون الإنفاق في إطار عمَلٍ سياسي يَقتصِر الاحتِضان الإنفاقيُّ والاجتماعي فيه على المُفكِّر والباحِث المُنتمي لحزْبٍ ما أو هيئة سياسيَّةٍ ما، ولا في إطار مجموعة مذهبيَّة أو عِرقيَّة، ولا بُدَّ أن يكون الإنفاق المُشرف على المُعلِّم والباحث مُقدَّمًا على الإنفاق على الأبْنِيَة والاحتِفالات وغير ذلك.

 

من نتائج إعادة تشكيل العقليَّة العربيَّة:

1- التخلُّص مِن الرُّوح الانهزاميَّة ونبْذ التبعيَّة؛ فالإنسان العربي لن يكون بعد اليوم أسيرًا لمشاعر الدُّونيَّة والانكسار، بل إنَّ الأنَفة ومَشاعِر العزَّة والمنَعة، ستكون هي البديل، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة المنافقون: 8].

 

2- اكتِساب الإرادة الذاتيَّة وتَنميتها.

 

3- الاستِقلال في الرأي والموقِف، وهي صِفَة ستلغي كلَّ أشكال التبعيَّة في الفِكر والثَّقافة والسياسة.

 

4- كسْر حواجِز الخَوف التي هَيمنتْ على عقْل الإنسان العربي، وجعلَتْه مُتردِّدًا في قوله كلمة الحق.

 

5- وجود الشجاعة الأدبيَّة التي تُمكِّن العقلَ العربي مِن مُقارَعة الحُجَّة بالحجَّة، ومِن الاعتراف بالخطأ إذا وقع منه، والعمل للحقِّ وتَنفيذه ولو كان على نفْسِه.

 

6- التَّمييز بين الحُقوق والواجبات، فلا يَخلِط بين الذي له وبين الذي عليه.

 

7- التحوُّل مِن حياة التَّرَف والدَّعَة والسُّكون، إلى الجدِّ والنَّشاط والحيويَّة.

 

8- اكتساب خاصيَّة العمل الجماعيِّ.

 

9- الدِّقَّة في التعامُل مع الغير، وألا يكون دُميةً يوجِّهونه كما يَشاؤون، يتعامل معهم وَفْق مفاهيمَ ومبادئَ وأُسُسٍ ثابتة.

 

10- أن يكون للوقت قيمته ومعناه؛ فلا يُضيِّعه هدرًا ودونَما فائدة، وأن يوزِّع وقْتَه حسَب الأولويات"[21].

 

أهي النهاية؟

يقول كوندرسيه في كتابه "صورة تاريخيَّة عن العقل الإنساني": لقد تابعْنا العقل الإنساني وهو يِنمو نموًّا بطيئًا بفعْل التقدُّم الطبيعيِّ للحَضارة، وراقبْنا الخُرافة وهي تتحكَّم في العقل فتُفسِده، وكذلك الطُّغيان وهو يُضعِف العقلَ فيُمِيتُه بفعل البؤس والخَوف، وقد رأينا العقل وهو يَنزع عنه القيود فيتحرَّر مِن جزء مِن كُلٍّ، ثمَّ يُمضي وقتَه في استِعادة قوَّته مُهيِّئًا نفسه للحظة التحرُّر، وعلينا دراسة المرحلة التي يتحرَّر فيها العقل تمامًا مِن قيوده، وإذا عَلقتْ به آثار هذه القيود، فعليه أن يُحرِّر نفسه منها رويدًا رويدًا، وإذا قُدِّر له أن يَتقدَّم بلا عوائق، فستَظلُّ عقَبة وحيدة في طريقه، وهي العقبة التي تَكمُن في كل لحظة تَقدُّم؛ بحُكم أنها الإفراز الحتْميُّ مِن العقل، أو بالأحرى مِن العَلاقة بين وسائل استِكشافِنا للحَقيقة ومُقاوَمة جُهدنا؛ انتهى.

 

إنني أمعن النظر في كيفية تحول العقليَّة العربيَّة من الإيجابية الملزمة، إلى السلبيَّة المُفرِطة وإلى هذه الثُّقوب والنتوءات الواضِحة في النَّسيج العقليِّ، فأجد أنَّ عقليَّة النُّخبة الفاعِلة عقليَّةٌ سلبيَّة تُمعِن في اللامبالاة عن قصْد؛ لأنَّ هدفها النهائيَّ مِن تلك السياسة هو توجيه العقول؛ مما يَعني أنَّ السلبيَّة الفرديَّة هي المسؤولة عن الوصول إلى حالة القصور الذاتي المُطلَق، أو إلى ما يُعرف بالوعي المعلّب؛ هربًا مِن واقع زائف، وخوفًا مِن عبْقريَّة الغرْب الراعبة، وهو ما قاله "هربرت شيللر": لقد تَمثَّلتِ - العبقريَّة الراعبة - للنُّخبة السياسيَّة الأمريكيَّة منذ البداية، وكما لاحَظ "جورفيدال"قُدرتها على إقناع الشَّعبِ بالتَّصويت ضدَّ أكثر مَصالِحه أهمِّية، فالسلبيَّة تُعزِّز وتؤكِّد الإبقاء على الوضْع القائم، وتتغذَّى السلبيَّة على ذاتها، مُدمَّرةً القُدرةَ على الفعل الاجتماعيِّ الذي يُمكن أن يُغيِّر الظُّروفَ التي تُحدُّ مِن الإنجاز الإنساني.

 

إنَّ تضليل عقول البشر هو - على حدِّ قول "باولو فرير" - أداة للقهْر؛ فهو يُمثِّل إحدى الأدوات التي تَسعى النُّخبة مِن خلالها إلى "تطويع الجماهير لأهدافها الخاصَّة"[22]، إنَّني أؤمِن أنَّ العقل العربي لا يَحتاج لمَن يُرشده ويَرعاه؛ لأنه يَحتاج فقط أن يؤمن بقيمته الذاتيَّة بعْد إيمانه بالله، ولن يَقوم العقل العربي بتنفيذ قدَرِه إلا بعد أن يتخلَّى عن (وهْم التحكُّم)؛ فكثيرًا ما يُواجِه المرء قدَرَه عندما يُحاوِل الفِرار منه - وهذا ما تَفعلُه العقليَّة العربيَّة الآن!

 

وقديمًا قالوا: العقل كالمياه؛ عندما تتعكَّر تَصعُب الرُّؤية، وحين تَصفو، فالإجابة تُصبح كاملةً واضحةً، وهذا صَحيح؛ فالعقل لا يَكفي وحده لهِدايَة الإنسان، ولا يَستطيع أنْ يُقرِّر الأهداف العليا للحياة؛ لأنَّه مَحدود الإدراك، وعاجِز عن اكْتِناه الغدِ، ويَبقى العقل الفِطريُّ لا يَنحرِف أبدًا عن قضيَّة التَّوحيد إذا فَهِمَ الواقع والأمْر السَّماوي.

 

ولدي حلْم (العقليَّة العربيَّة: أزمة تحرُّر):

أولاً: الحلم: التحرُّر:

التحرُّر الذي قصَدوه هو: التلاعُب بكيان الأمَّة؛ أي: التحرُّر مِن الدِّين، على غِرار هدْم المعبد وبِناء صرْحٍ تجاريٍّ.

 

ثانيًا: الأزمة: أزمة حقيقيَّة، وهي أزمة العجْز في التعامُل مع القِيَم، وليستْ أزمة الفقْر في القِيَم.

 

أزمة مُفتعَلة، وهي: لا للتعصُّب الدِّيني - الذي هو عِندنا التمسُّك بهذا الدِّين قَلبًا وقالبًا - لأنَّه هو المانع مِن التقدُّم (وكلاهما - الأزمة والتحرُّر - كُفرٌ)، وقد أدَّى هذا التحرُّر إلى فُحشٍ عقْليٍّ بَيِّن، وأصبح مِن العُمق بحيث لا يُدركه أعظَمُ مُفكِّري العالم ومُصلِحيه، وبسبب هذا الفُحش أصبح الإنسان العربيُّ في حالة قَلق حَضاريٍّ، والقلق كما يُقرِّر د/ "ماثيو تشابل": استِغلال مُنحرِف للعقل الإنساني، أما العقْل الربَّاني، فهو: بؤرة الصِّراع، ومِحوَر النَّهضة، وهو تأكيد لقيمة الإنسان وفعاليَّته وإيجابيَّته[23]، ومِن الجائز أنْ نُطلِق على ذلك صحَّة عقليَّةً، وهي العمليَّة المُقابِلة للانحِراف العقلي.

 

إنَّني ما زلْتُ أبحث عن ذاتية العقليَّة العربيَّة بكل ما تَحملُه كلمة (ذاتيَّة) مِن معنى؛ لأنَّ أزمَة العقليَّة العربيَّة - رغْم كثرة الحلول - أزمَةُ عدَم مُتابَعة الدَّليل وخدمتها له، وللأسف فقد تركْنا الدَّليل، حتَّى كِدنا نَفقده تمامًا.

 

ورغْم مَشاعِر الأسى، فإنَّ العقليَّة العربيَّة في قَيدٍ بدأ رويدًا رويدًا في الانكسار، ولكنَّ المُؤسِف أنَّ هذا الجيل لن يعيش ليَرى الأزمة وقد زالت، ولن يَحيا التحرُّر الذي يُريده في ظلِّ الإسلام.

 

إني أَشعُر بالتِّيه والضَّياع والألم؛ لأنه شُعور مُنبثِق حقيقةً مِن قَسوةِ مُحصلةِ مرحلةِ القصْعة وقُوَّة تأثيرها على عقلي باعتبار ذاتي؛ لأنَّني نتاج العقليَّة العربيَّة، ولكن؛ يبقى أملٌ وحيد يَجعلني أرتَفِع فوق هذا التَّشرذُم، هو أني ما زلتُ أُردِّد: "لا إله إلا الله، محمَّد رسول الله" مع الإيمان والإذعان، ولعلَّ مِن المُناسَبة التي نربِطها بواقِع الأمَّة المُعاصِر قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((ولتَسلُكنَّ طريق مَن كان قبلكم حذْوَ القُذَّة بالقُذَّة، وحَذْو النَّعل بالنَّعلِ، لا تُخطِئون طريقهم)).

 

الشيء الذي يُثير الانتباه، ويُدمي القلب ها هنا - أنَّ الاتِّباع ليس فقط بنفْس الخُطى، لا، ولكنَّ القضيَّة أعمق مِن ذلك؛ إنها قضيَّة (الانتِعال العقليِّ) - إنْ صحَّ التعبير - التي عبَّر عنها قائدنا وقدوتنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - والتي قال عنها ربُّنا مِن قبْل: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عليه آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [المائدة: 104]، فالتَّقليد مِن الأمور التي نسَفها الإسلام، ويَجيء لفظ (القُذَّة) و(النَّعل)، وهما شيء سُفليٌّ؛ إمعانًا في التَّقليد، فكأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحذِّرنا مَن أن نَكون مَن سفَلة القَوم، وأن نَضعَ عُقولنا مكان أحذِيَتنا، ولْتَعجبْ مرَّةً أخرى أنَّ النَّبي - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - الذي أُوتي جوامع الكَلِم لم يَقلْ: حذْو العقْل بالعقْل، دليل على أنَّ اتبعاهم سيكون دون وعْي، ودونما لحظة تفكير واحدة، وتلك هي المِحنة والأزمة، أما التَّحرير، فأنْ نضعَ الشَّريعة التي أتى بها النَّبي - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - في عقولنا وقلوبنا ثم (نسير بها في الأرض)، والفارق شاسِع كما ترى.

 

"إنَّ فعالية عقْل الأمَّة تكون واضِحةً مِن خلال التأثير على الأنظمة، واللوائح، والقواعِد، والأصول المعمول بها في المنظَّمات والهيئات الدوليَّة، وفي العلاقات العالمية، ومِن خلال بناء الأخلاق والمبادئ وسيادتها، وتأثيرها على سلوك أفراد الأمة وتعامُلِهم مع بعضهم بعضًا، مِن خلال الإبداع والابتكار تَقنينًا، ومِن خلال نشاط ثقافي وأدبي واضِح وملموس، ومِن خلال وضْع لمسات مميزة على النظام والمشروع العالمي.

 

إنَّ الحُكم على العقل العربي لن يكون مِن خلال الحُكم على فرْد بعينه، أو أبناء بلد بعينه، ولكن مِن خلال الأداء العام لمجموع الأمَّة، في كل قُطر، وفي كل مكان.

 

وأخيرًا: فإنَّ سلامة الاعتقاد والتصوُّرِ شرْطٌ أساس لضمان العطاء والفاعلية، وبناء مجتمع على أُسُس جديدة مِن العدل، والإخاء، والأمان؛ لأنَّ العقل البشريَّ لا يُنتج حين يكون صاحبه في تيهٍ وضَياع اعتقاديٍّ[24]، ولن يَقدِر عقْل - مهما أوتيَ مِن فِطنة - أنْ يَعمل ويُبدع ويُعطي، وهو يتخبَّط في التِّيه، ويُكبَّل بالأغلال[25]، ولْتعلَمْ أمَّتي أنَّ: "أشرف ثمرةٍ للعقْل معرفة الله تعالى، وحُسن طاعته، والكفُّ عن معصيته"[26].

 

يقول صاحب "بدائع السلك": المسألة الخامسة: مِن الفِطَن في العقل، معرفةُ كماله الشرعيِّ، وهو متوقِّف على تصوُّره في نفسه، فعلى أنه علوم ضروريَّة بجواز الجائزات، واستِحالة المُستحيلات، ووجوب الواجبات، فهي علوم شرعيَّة يَظهر على وَفْقها آثار فعليَّة وقوليَّة، وعلى أنه بصيرة في القلب تدرك بها العلوم الشرعيَّة، ويَظهر على وَفْقها آثار فعليَّة وقوليَّة[27].

 

وقد وصَف رجل رجلاً نصرانيًّا بالعقل، فقيل له: مهْ؛ إنما العاقل مَن وحَّد الله تعالى وعَمِل بطاعته؛ لأن الإيمان زبْدة العقل، فأيُّ حَيف إذا وُجدَت الهداية ولم توجد العقول؟ وقد جاء في الأثر أن رسول الله قال لعُمر: ((يا عُمر، ألم تكنْ لكم عقول؟))، قال عمر: كانتْ لنا عقول، ولم تكن لنا هِداية!

 

إنَّ العقليَّة العربيَّة في مرحلة القصْعَة تسعى جاهدةً لتغيير مصيرها والحدِّ مِن قَدَرِها، ولكن هذا الذي تَفعلُه هو ذاته الذي يَدفعها ليَجعل مصيرها حتميًّا، إنَّنا نؤمِن أنَّ المعرفة التي تُحصِّلها تلك العقليَّةُ حينئذٍ لن تَنفعها لكي تشفى وتَبرأ مِن سقَمها، ولن تملأ ذلك الفراغ الرُّوحيَّ في جسَد الأمَّة، نَخلُص مِن كلِّ ذلك إلى نتيجة حتمية حقيقيَّة (شرعيَّة وعقلية)، وهي العلَّة في تأخُّر العقليَّة العربيَّة - دون أيِّ مبالغة (معذرةً، وبلا سخرية أيضًا) - وهي أنَّ ترْك الصَّلاة (التي هي النبْع الثريُّ في تشكيل عقلية المسلم؛ بحيث تجعله يَقِظًا ومُنتبِهًا بصفة مستمرَّة - تنبَّه -) سببٌ في ذلك، وعندما تَعلم أنَّ أكثر مِن ثُلثَي الأمة لا يُصلِّي، تعلم كُنْه الحقيقة، وبعيدًا تمامًا عن حُكم تارك الصلاة، التي نأخذ فيها بقول من يقول بكُفره، (فهل وضَح التَّشابُه في الكُفر والعقليَّة؟ - مع ملاحظة في غاية الخطورة، وهي أنَّ استنارة أيِّ أمَّة عمليَّة تتم في غاية البُطْء، إلا.. إلا أمَّتي.. إلا أمتي -).

 

وأما الحلْم، فأنْ أرى أمَّتي وقد غلب العقلُ الهوى، أنْ أرى أمَّتي عبيدًا لله وحده، أن يتواضع كل تلٍّ وجبل، ويَسهُل صعود الأماكن الوعرة، وأنْ يُمهَّد الطريق لبغلة العراق، أن نُحطِّم جبال الخمول لنرى حياةً يَقِظة، وأن نَنتزِع مِن جبال اليأس حجرَ أمل، أنْ أسمع صوت الحرِّية مِن أعالي الجبال، أن أسمع صوت العزَّة بداخِلي يَنبثِق مِن صوت الأذان، أن نؤمن بالله حقًّا وصدْقًا؛ إنه الحلم الذي يَسبح في رَحِم التاريخ، فهل بعد هذا البيان لا تزال العقليَّة العربيَّة عقليَّةً غامِضةً؟ وهل وضَح الأمر أم نُريد مزيد بيان؟ ولا مزيد! انتهى.



[1] "أدب الدنيا والدين"، علي بن محمد الماوردي، (ص: 9)، و"مجموع الفتاوى" (3: 338، 339)، و"الصواعق المرسلة" (2: 458).

[2] "محمَّد - صلَّى اللّه عليه وسلَّم - المثل الكامِل"، للشيخ/ أحمد جاد المولى، (ص: 79)، مكتبة دار المحبة، ط/ 1 - 1991م.

[3] "نحو إتقان الكتابة باللغة العربيَّة"، د/ مكّي الحسَني (1: 41)، و"الشخصانيَّة الإسلامية"، د/ محمد عزيز الحبابي، (ص: 55، 56).

[4] "الإنسانيون الجُدد (العلم عند الحافة)"، جون بروكمان، ترجمة/ مصطفى فهمي، مكتبة الأسرة/ 2009م، (ص: 45).

[5] "أدب الدنيا والدِّين": (ص: 7)، و"الذريعة إلى مكارم الشريعة"، لأبي القاسم بن محمد بن المفضل، دار السلام، ط1/ 1428هـ، (ص: 157 - 158).

[6] "الذريعة"، مصدر سابق، (ص: 159)، و(ص: 142 - 143) بتصرُّف.

[7] كارم غنيم: "أبعاد التكوين العقلي للفرد في الإسلام"، (ص: 18).

[8] "محمَّد رسول الله - صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم - منهج ورسالة"، بحث وتحقيق: د/ محمد الصادق عرجون، ط2/ 1415ه، دار القلم، (ص: 23).

[9] صحيح؛ "البخاري" ترقيم عبدالباقي (4110)، و"مسند الإمام أحمد"؛ من حديث سليمان بن صرد، قال الشيخ/ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخَين.

[10] صحيح؛ قال الشيخ/ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال الألباني: صحيح، انظر حديث رقم: (4395) في "صحيح الجامع".

[11] راجع ترَّهات طه حسين: "مستقبل الثقافة في مصر"، وعابد الجابري: "التراث والحداثة".

[12] "الصهيونية والعنف"، د/ عبدالوهاب المسيري، دار الشروق، ط2/ 1423هـ، (ص: 89 - 93) بتصرُّفِ تقديم وتأخير. قلتُ [وليد]: ولْنَضرِب لذلك مثالاً، وهو إطلاق لفظة الحرْب العالمية - مع أنها حرْب أوربيَّة خالِصة - فأين بقيَّة العالم، والمسلمون جزء هائل مِن هذا العالَم؟!

[13] "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، العلامة/ محمود محمَّد شاكر، دار الهلال، ط 3/ 1991م، (ص: 111 - 112).

[14] نفسه، (ص: 163).

[15] نقلاً مِن: "مجلة المنهل"، العدد (549) المجلد: 60، ونأخُذ هنا طه حسين - هذا الكلام يحتاج إلى توثيق وذكر مصدر من الكاتب - كنموذج للمدجّنين؛ فإنه كان يرى أنَّ الأمَّة تتجدَّد بمعزل عن الدِّين، وكان يقول: إنَّ الإسلام لم يُغيِّر هذه العقليَّة (يقصد المصريَّة)؛ لأنه اختلط بالفلسفة اليونانيَّة، فأصبح بهذا الاختلاط عُنصرًا مُوافِقًا للعناصر المكوِّنة لهذه العقليَّة، لا مضادًّا لها؛ ولأنَّ الإسلام شأنُه شأن المسيحيَّة، والمسيحيَّة لم تغير العقليَّة الأوربية حينما عبَرت إليها، فما بال الإسلام يُغاير المسيحيَّة في هذه الخلَّة، مع أنَّ القرآن جاء مُصدِّقًا للإنجيل؟!

[16] مقدمة عبيد حسنه لكتاب: "العقل العربي وإعادة التشكيل"، كتاب الأمَّة، عدد: 35، (ص: 9 - 23) بتصرُّف تقديم وتأخير.

[17] "الفكْر العربي والفكر الاستشراقي بين محمَّد أركون وإدوارد سعيد"، نُعمان عبدالرازق السامرائي، (ص: 47)، و"العقل العربي" (ص: 102)، (ص: 116) بتصرُّف.

[18] "الظاهرة القرآنية"، (ص: 402)، و(ص: 405 - 406)، الهيئة العامة لقصور الثقافة - آفاق عربية/ عدد: 44.

[19] "الشخصانية الإسلامية"، د/ محمَّد عزيز الحبابي، دار المعارف، ط/ 2، (ص: 72)، و(ص: 23).

[20] "الاستدلال الفقهي (دراسة تحليليَّة للعقل الإسلامي، وميلاد عناصر علم أصول الفقه)"، د/ رشيد سلهاط، دار النفائس، ط1/ 1429هـ، (ص: 75).

[21] "العقل العربي وإعادة التشكيل" (ص: 45 - 144) بتصرُّف شديد (حذْف وإضافة) ويُنظَر د/ عبدالحميد أحمد أبو سليمان: "أزمة العقل المسلم".

[22] "المُتلاعِبون بالعقول"، هربرت شيللر، ترجمة/ عبدالسلام رضوان، عالم المعرفة، عدد: (243)، (ص: 37)، و(ص: 5)، و(ص: 7).

[23] "شفاء القلق"، تعريب عبدالمنعم الزيادي، مكتبة الخانجي، (ص: 10)، و"تشكيل العقْل الحَديث"، كرين برينتون، (ص: 11).

[24] "العقل العربي"، مصدر سابق، (ص: 81 - 92)، بتصرُّف تقديم وتأخير.

[25] عماد الدين خليل: "حول إعادة تشكيل العقل المسلم"، طبع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، (ص: 36).

[26] "الذريعة"، مصدر سابق، (ص: 153).

[27] "بدائع السلك في طبائع الملك"؛ لأبي عبدالله بن الأزرق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (ص: 281).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • واقع المسلمين.. بين الوهن والتبعية
  • الاستعمار الثقافي، والغزو الفكري، والتبعية الحضارية
  • العقل والإرادة
  • عقلية الإقصاء والإلغاء
  • الأسباب الشرعية والطبيعية للتركيز العقلي

مختارات من الشبكة

  • تنمية ذكاء الأطفال وقدراتهم العقلية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العقلية العلمية(مقالة - موقع د. محمد بريش)
  • مسلمون يفتتحون مركزا للصحة العقلية بمدينة ديترويت(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مسلمو فلوريدا ينظمون مبادرة لتعزيز الصحة العقلية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ورشة عمل حول تحديات الصحة العقلية لدى مسلمات سيدني(مقالة - المسلمون في العالم)
  • بين الأدلة السمعية والأدلة العقلية (word)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الإعاقة العقلية: مفهومها - أسبابها - بعض متلازماتها (مباحث في التربية الخاصة) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (5) (حادثة الإفك وصدق النبوة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العقلية الإسفنجية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (4) (مكانته ومنزلته في رسالته)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب