• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

مضار السكوت عن النقد

د. بليل عبدالكريم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/5/2012 ميلادي - 21/6/1433 هجري

الزيارات: 14440

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إن غاب النقد البنَّاء، فبديله التملُّق والمديح بسخاء.

 

والنقد: تمحيصٌ بين الثمين والرخيص، فإن أُغلِق بابُه، ما درَى الناس رُتَب العلم، ولا مراتبَ العلماء، ولا فرَّق أحدٌ بين الأكابر والأصاغر، ولا عُرِف العالِم من الرُّوَيبِضة، ولا تُبُيِّن الحق من تكاثُر الباطل، ولا مُيِّز الصواب عن الخطأ.

 

ومن مواطن الأذى والأسى: اعتمال بعض أهل العلم والفكر والدُّعاة جُهد طاقاتهم؛ لصدِّ حِراك النقد، والدَّفع بمَن يقوم بمهمَّة حراسة الشريعة، وتحصين العقيدة؛ للكفِّ عن أهل الأهواء، أو تتبُّع زلاَّت الدُّخلاء، أو هَفوات طائفة من العلماء، أو النُّصح وبيان الخلاف.

 

فنَزْرٌ من العلماء يَنزوي عن النِّذارة بغير وجْهٍ، ورَهْطٌ آخرُ يُقيم نفسه مُنابذًا عن المُبطلين؛ بتخذيل القائم بالنقد؛ لستر مرض التقصير بداءِ التخذيل، مُرهبًا من النقد الداخلي؛ ليَحْطِمَنَّ مساكنكم، فتُدفَع آفةٌ بآفةٍ.

 

والتخذيل ما سرى في أُمة، إلاَّ وبدَت مَعاوِل الهدْم الداخلي بها، وتجلَّت إرهاصات السقوط، فسُنة الله في خلْقه: التدافُع بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، والخير والشر، ومتى انكفَأ أهل الحق، طلَع قرنُ الباطل، وأنَّى خرص الصواب، أُشيع الخطأ.

 

ومن أيام الله: أنَّ رؤوس التخذيل أهل إرجافٍ، دَيدنهم إبطال رُكن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومنهم رؤوس في النفاق، ودونهم قومٌ سمَّاعون لهم، شعارهم في دَرْءِ أهل المعروف عن أهل المنكر: ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ [الأعراف: 164].

 

ولا تَأْلو تلك الطائفة جُهدًا لوَأْد النَّقد، ورَدْم الحوار والجدال، وتعطيل جهاد المُبتدعة، وتعويق جُهد أهل السُّنة في بيان مظاهر الشِّرك، يَحشدون لذلك حُججًا فاسدة، ويَشحنون مقولات ماكرة، خلَطوا فيها طيِّبًا بفاسدٍ، وصالحًا بسيِّئ، دعاوى أنَّ نقد المسلم للمسلم، والعلم للعالم، هو تهديد لوَحْدة الجماعة، وشَماتة للأعداء بفُرقة المسلمين، ونشْر الغسيل في خارج بيت المسلمين، وتَحريك للمياه الراكدة، وإيقاظٌ للفتنة النائمة، وتقطيعٌ لأرحام الأُمة.

 

وأولئك ممن يتعلَّلون بعللٍ عليلةٍ، وإن كان في نفَرٍ منهم صلاحٌ وخيرٌ؛ لكنه الوَهَن وضَعف العزائم حينًا، أو ضَعف بلوغ مدارك الحقِّ والجهل بمناهج الصواب أحيانًا، وذا مِن التولِّي يوم الزَّحف، والساكت عن الحقِّ وقت الحاجة لبيانه كالناطق بالإثم.

 

وجواب أهل حراسة الشريعة لهؤلاء: ﴿ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164].

 

فإن شاع المنكر، وزادَت عليه معاولُ هدْم القيام بالمعروف، ودُفِع بعمليَّة الإنكار للتوقُّف - كانت نُذُر الانحراف، وأمَارات التحريف، فيَتبعها نفادُ الوعيد؛ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: 165 - 166].

 

فجزاء ترْك ما أُمِر به، واتِّباع ما نُهِي عنه، مَسْخٌ للخَلْق بعد مسْخ الخُلُق، وأن يَجعل بأْسَهم بينهم، أو يُسلِّط عليهم مَن يَسومهم سوء العذاب، ويُمزِّقهم كلَّ مُمزَّقٍ، وتلك الأيام يُداولها الله بين الناس، وليس خبرُ مَن سبَق ببعيدٍ.

 

"وإذا كانت الأشباح التي تَحمل نفوسًا محشوَّة بمرض الشُّبهة، وما تُلقيه بين يدي الأمة من أمراض متنوعة، هي أسوأَ داءٍ يَنزل في ساحة المسلمين، ويتجوَّل بينهم، ويُدمِّر طلائعهم - فإنَّ المسلم المُوحِّد ليُصاب بأذًى مضاعف من المُقرَّنين بالتخذيل، إذا خَفَقت في الصفِّ ريحُهم.

 

فما أن يَقبض عالم قبضةً من الهداية؛ ليرمي بها بدعة أو عَماية، إلاَّ وترى في الصف نَزْرًا رغبت بطونهم، مُلتفين بملاآتهم، أشْغَلتهم دنياهم عن آخرتهم، دَأْبهم المُوالَسة[1]، يَرمون بالتخذيل والتحطيم، صبرةً بلا كيلٍ ولا وزنٍ.

 

فيَبسطون ألْسِنتهم بالنقد حينًا، والاستعداء أحيانًا، ويُنزلون أنفسهم في رَوْزَنة، يفيضون منها: الحكمة والتعقُّل والذكاء الخارق في أبعاد الأمور، وهكذا من أمور؛ ما أن تَفور إلاَّ وتَغور، وهم في الحقيقة المخذولون المُنْزَوُون عن الواقع، الفَرَّارون من المواجهة، وارِثُو التأويل الخاطئ لقول الله تعالى: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105].

 

فهذا التخذيل المشوب بالإعراض عن مواجهة الباطل، من باب تحريف الكَلِم عن مواضعه، والمُعرض عن ردِّ الباطل بعد تذكيره، يُخْشى أن يدخلَ في الذين إذا ذُكِّروا بآيات ربِّهم، يَخِرُّون عليها صُمًّا وعُميانًا.

 

إلا أنَّ التخذيل في هذه المسيرة الآثمة، كما أنه انصرافٌ عن مُعاضدة العدل، ونُصرة الحق، وتَعْرِيَة لفرسان الدعوة، وهزٌّ لموقفهم، فهو مظاهرةٌ للمُجرمين من المُبتدعين والمُفسدين.

 

والله - سبحانه - قد نهَى عن ذلك، فقال:﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ [القصص: 86]، وقال عن موسى - عليه السلام -: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 17].

 

والحاصل أنَّ "التخذيل" يُواجه المجاهدين بألْسِنتهم وأقلامهم وسِنانهم، لكنَّه مع حامله كصحوة الموت، يتقلَّص ويَضمَحِل بين غَمضة عينٍ وانتباهتها، والعاقبة للمُتقين.

 

وهذه سُنة الله الجارية بالنصر والتأييد لكلِّ حامل حقٍّ، وبخاصة "حرَّاس الشريعة"، الذين يَنفون عن دين الله كلَّ هوًى وبدعة، فيكون قولُهم الأعلى، ومقامهم أسْنى"[2].

 

فالنقد سُنة أهل العلم والصلاح، وسيرة أئمَّة الإصلاح، قال أبو الحسن الأشعري في مَعرض ردِّه على الجُبَّائي المعتزلي: "ورأيتُ الجُبَّائي ألَّف في تفسير القرآن كتابًا، أوَّلَه على خلافِ ما أنزَل الله - عزَّ وجلَّ - وما روى في كتابه حرفًا عن أحدِ المُفسِّرين، ولولا أنه استغوَى بكتابه كثيرًا من العوام، واستزلَّ به عن الحقِّ كثيرًا من الطَّغام، لَم يكن للتَّشاغُل به وجهٌ"[3].

 

فلو سكَت أئمَّة العلم ومَن تَبِعهم، لصِيحَ بالباطل، وإن جَهِل الناس أمْرَ دينهم، واقَعوا المحظور، وقوم يَعلوهم أهل الباطل والمُرجِفون، لا يُؤمَن عليهم مَكرُ الله، أن تَنزل بهم فتنٌ تأخذ أوَّلهم بآخرهم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].

 

والفتنة هنا: "لا تختص إصابتها لِمَن يُباشر الظلم منكم، بل تعمُّه وغيره.

 

والمراد بالفتنة الذَّنب، وفُسِّر بنحو: إقرار المنكر والمُداهنة في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وافتراق الكلمة، وظهور البِدع، والتكاسُل في الجهاد"[4].

 

فترْكُ الإنكار يُسبِّب الهلاك العام والخاص، وقد بوَّب الإمام مالك في موطَّئه، باب: "ما جاء في عذاب العامَّة بعمل الخاصَّة"[5]، وقال - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -: ((إنَّ الله لا يُعذِّب العامَّة بعمل الخاصَّة؛ حتى تعمل الخاصة بعمل تَقدِر العامَّة أن تُغيِّره ولا تُغيِّره، فذاك حين يَأْذَن الله في هلاك العامَّة والخاصَّة))[6].

 

وعاقبة فُشو الذنوب: عموم البَلوى، وحبْس القَطْر، وهرَجٌ ومَرَجٌ، وأن يَسري في القوم من الداء ما لا يعقل بأدواء.

 

فالذنوب ندوبٌ في القلب، تَبرز؛ لتَفْتك بالجسد والرُّوح، فيدبَّ الوهَن بجسد الأُمة كافَّة، وتَنهار الحضارة، ويَنكفئ العلم، ويتصدَّر للمجالس أهلُ الأهواء، ويُبدَّل دينُ الله على الناس، فمَن رامَ السكوت عن النقد - بل وأخرَص مَن يَنقد - فسَعْيه في ذلك ومآلُه بَعْث البِدع من مَراقدها، وإيقاظ الفِتن من منامها، حُجَّته التقريب بين مذاهب المسلمين، وحقيقة دعواه: تلفيقٌ يتولَّد منه مذهبُ مسْخٍ من كلِّ تِلْكُم المذاهب، فلا يُدْرَى له أبٌ، ولا نَسَبٌ.

 

يقول ابن القيِّم: "إذا رُزِق العقلُ الغريزي عقلاً إيمانيًّا؛ مستفادًا من مِشكاة النبوَّة؛ لا عقلاً معيشيًّا نفاقيًّا، يظنُّ أربابُه أنَّهم على شيءٍ، إلاَّ إنَّهم هم الكاذبون - فإنَّهم يرون العقلَ: أن يُرضوا الناسَ على طبقاتهم، ويُسالِموهم، ويَستجلِبوا مَودَّتهم ومحبَّتهم، وهذا مع أنَّه لا سبيلَ إليه، فهو إيثارٌ للرَّاحة والدَّعَة، ومُؤْنة الأذى في الله، والمحبَّة فيه، والبُغض فيه، وهو إن كان أسلمَ في العاجلة، فهو الهَلك في الآجلة، فإنَّه ما ذاق طعمَ الإيمان مَن لَم يحبَّ في الله ويُبغِض فيه، فالعقلُ كلُّ العقل ما أوصَل إلى رضا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم"[7].

 

والنقد البنَّاء وسيلة لترقية العلوم كافَّة، والعُلو بها في شؤون الحياة، وتَنقيتها مما قد يُقيِّد حَراكها نحو التطوُّر، واختصار الطريق على بروز النتاج التام، والنقد يُساهم في تكميل وتكامُل التطبيقات العملية للنظريات العلميَّة، فطرْقُ الحديد بالحديد يُزيل عنه الصَّدأ والفتات.

 

وهذه الفوائد كلها وغيرها مما هو تَبَعٌ لها، يَختفي باختفاء النقد البنَّاء، ويتصاعد الخطر في علوم الدين، وسُنة الله في خلْقه، أن يُخطئوا فيَستغفروا، وأبَى الله أن تكون العِصمة من ذاك لإنْسي، وليس من شرط أهليَّة العلم انتفاءُ الخطأ، و"ليس من شرط أولياء الله المُتقين، ألاَّ يكونوا مُخطئين في بعض الأشياء خطأً مغفورًا لهم، بل ليس من شرطهم ترْك الصغائر مُطلقًا، بل ليس من شرطهم ترْكُ الكبائر، أو الكفر الذي تَعقبه التوبة"[8].

 

فالخطأ والبشرية متلازمان، والنسيان والإنسان مُقترنان، "وكيف يُعصَم من الخطأ مَن خُلِق ظَلومًا جهولاً، ولكن مَن عُدَّت غَلَطاته، أقربُ إلى الصواب ممن عُدَّت إصاباته"[9].

 

وفي السكوت عن نقد العقائد أمورٌ مُهلكة، وأخطار مُضرَّة:

• إيقاف حَراك الاجتهاد، وتكاثُر التقليد، ومن شأن ذلك أن تَنزل على المسلمين نوازلُ لا يَدري رؤوس التقليد لها أصلاً، وتَطرَأ أزمات اجتماعيَّة لا يَعيها المُقَلِّدَة؛ لأنَّ مشاكل الناس تجاوَزت زمنَ مَن يُقلِّدون.

 

• اختلاط الدنيء بالرَّديء، والْتِباس الخطأ بالصواب، وتدليس الباطل بشيءٍ من الحق، فيَتشابَه الخلْق عليهم، ولا يُفرَّق بين الرفيع والوضيع من أهل العلم، ولا بين الأصيل والدَّخيل، ومَن كان أمرُهم ذلك، خرَّقوا للدِّين بِدَعًا وشُبُهات.

 

• نزول أهل السُّنة والجماعة درجات، بتعطيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالسُّنة أصلٌ، والبدعة حادثٌ طارئ، وما سكَت أهلُ حقٍّ إلاَّ علا صوت باطلٍ، وإن لَم يجد الصغير مَن يأخذ بيده، لَم يَعرِف قَدْره، ولن يعيَ زَلَّته، فإن شبَّ على الخطأ، شابَ على الباطل، ومن مناهج التعليم تربيةُ المتعلِّم على تَدارُك أخطائه بنصائح المعلِّم، وإرشادات المربِّي نقْدٌ للمتعلِّم، وتربيةٌ له على مقامات العلم والأدب، وتوجيه نحو الصواب.

 

• من دعائم فُشو الخطأ وتسويقه: السكوت عنه، فتَمُدُّ المخالفة طولَها، ويَمتدُّ رواقُها، ويَشيع انتشارها؛ في الاعتقاد، والأقوال، والأعمال، فالأهواء أخطاء متساقطة، وبلا رقيبٍ تُمسي في متناول كلِّ لاقِطة، فتَندرس السُّنن، وتُمحى الآثار، فتَؤول بالأُمة إلى أسْرها بأغلالٍ ما أنزَل الله بها من سلطان.

 

• فُشو الشُّبهة والأفكار الهدَّامة، ومداخلتها للمُعتقَد الصحيح، وتلعُّبها بالقلوب كتلعُّب الأفعال بالأسماء، وبالتالي فتحريك العقيدة الحقَّة عن مكانتها بعد ثباتها، لها فيها سلطان.

 

• استعلاء أهل الأهواء على أهل السُّنة، والأصاغر على الأكابر، والرُّويْبِضة على أئمَّة العلم، وظهور المُبطلين على المصلحين، والتقدُّم عليهم في المجامع، وسَبْقهم في درجات المنابر، واحْتِباؤهم على أفواه السكك؛ لمشاغبة المصلحين، والتحريش بأهل العلم، والتعريض بأهل الصلاح، وتحريض السُّفهاء عليهم، وتَكميم أفواه العلماء بعصا السلطان، فإن سكَت العلماء، تَنمَّر الجُهلاء، وأهل الباطل شخصيَّات قَلِقة، يُورثون القلاقل بتصعيد الخلاف، فيُكثرونه من قطرة، ولو صمَتوا، لقَلَّ.

 

عزيمتُهم في تثبيط العزائم، وما صَحِبوا أهلَّ الحقِّ إلاَّ زادُوهم خَبالاً، يرجفون وَحْدة الصف ببثِّ الشِّقاق، وإيقاد الفِتَن، وإثارة النَّعرات، ولا يَتركون أهل السُّنة إلاَّ بجروحٍ دامية، وعيون دامعة، ومن الغَبْن الفاحش ارتفاعُ الكِفَّة الفارغة على منزلة الكِفَّة الراجحة: "كلمة التوحيد الخالص".

 

• من مآسي حبْس النقد بعد تثبيط عزائم الاجتهاد - ولا اجتهاد إلاَّ بتحقيقٍ ونقدٍ وتحرير - إيالة المسلمين إلى أُمَّة مُسْتلة الهِمَم، تقوم من غَفوة غُمَّةٍ لغُمةٍ، مُكْفَهرَّة بظُلماتٍ من فوقها ظلماتٌ، يقود العلم فيها أبا الجهل، يُنظَّر فيه بالمَنامات، ويُفتى بالرُّؤى والحكايات، ويُتَخيَّر بالذوق، علومُها خُرافات، ويقينُها أساطير الأوَّلين، أولياؤها أهلُ سُكْرٍ، ومجانينها غوثُها، تنزل بها فتنٌ وأقْضِيَة يَضِلُّ عن حلِّها الخِرِّيت، ويَحار فيها الدليل، ويصير فيها المُدنَّس مُقَدَّسًا.

 

وهذه نهاية في إغراء الغُزاة لاجتياح الديار، وإطفاء جَذْوة الإسلام، وما بَقِي له من صبابة في قلوب أهله.

 

فالمهزوم مفتون، به لَوْثة يُلوِّث الشِّرعة بها، وهو عون على الهزيمة العامَّة للأُمَّة، وأعظمُ مقاتلها بلاؤُها بالشكِّ فيما معها من علمٍ، وارتيابُها من صلاحيته لعصرها وأقْضِيَتها، فتَغدو وتَروح باحثةً عن الحقِّ والصواب النافع عند أُمم أُخرى، فتَجلب غزوًا معرفيًّا؛ يَسحب مِن خَلفه غزوًا  نفسيًّا وسلوكيًّا واقتصاديًّا، ثم عسكريًّا.

 

فلا يَنفع نفسًا إيمانُها لَم تكن آمنَت من قبلُ، ويُمسي مستوردًا ذاك، يُنادون ولاتَ حين مَناص، من أجْل ذلك عُدَّ مُحرِّفو العقيدة خطرًا أعظمَ من عدوِّ الحرب، ففسادهم يَنزع الهَيْبة من المسلمين في عيون أعدائهم، وإفسادهم يُصيبهم بالوهَن، ويُغري بهم عدوَّهم، فخطرُهم سببٌ، وخطرُ الغُزاة تَبَعٌ له.

 

ومن فقه أولويَّات حركة الإصلاح: تنظيف فناء البيت ثم الساحة، قبل النزول للزُّقاق، فجهاد أُولي القُربى أَوْلَى؛ رِفقًا بهم، وألاَّ يكون المسلم بين مِطرقة عدوٍّ مُتربِّصٍ، وسَندان أَخٍ مُتمَلِّصٍ، ودفْع شرِّ كيْد أهل البيت آكَدُ، ودعوة الأقربين أَوْكَدُ.

 

"فتبيَّن أنَّ نفْعَ هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم من جنْس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل اللهودينه، ومنهاجه وشَرْعه، ودفْع بَغْي هؤلاء وعُدوانهم على ذلك - واجب على الكفاية باتِّفاق المسلمين.

 

ولولا مَن يُقيمه الله لدفْع ضَرر هؤلاء، لفسَد الدِّين، وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا اسْتَوْلَوا لَم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدِّين إلاَّ تبَعًا، وأَمَّا أولئك، فهم يُفسدون القلوب ابتداءً"[10].

 

• كسْر الحاجز النفسي بين السُّنة والبِدعة، والحسنة والسيِّئة، والمعروف والمنكر، فيَستمرِئ الناس الباطل، وتتميَّع الأخلاق، وتموت حميَّة الدِّين، ويَستعصي إصلاح الدَّهْماء على العلماء، ويَجفل العامة مَن يَنصحهم، ويَجفون مَن يَرشدهم.

 

• تحجُّج العامة بالسكوت عن نقد الأخطاء، أن ذا دليل صوابها، وعدم قُدرتهم مَيْزَ الطيِّب من الخبيث، ولا السليم من الخَتِيت، فيَتسارع البعض في تتبُّع الرُّخَص، وتخيُّر الآراء، ويَجعل كلَّ دينه هواه.

 

• مِن خبَرِ أُفول نجْم الدُّوَل، ونُزول القوارع بها: ظهورُ أهل البدع والفجور في لُججٍ من شُبُهاتهم وشهواتهم، رامين لنثْر بذور الشِّقاق، وعواصف الفِراق، وتقطيع الوَحْدة، وتصديع البُنيان.

 

"يَحترفون الكيد للدين؛ بسطوٍ عظيمٍ، ولسان غليظٍ؛ بالمسْخ والتحريف، والغمز والتبديل، وإن ترفَّقوا، فبصوغ عبارات، لو عُصِرت، لتقاطَرت منها الدعوة إلى غير سبيل المؤمنين.

 

وهكذا في حالة زحْفٍ مُؤلِمة، وهجمة شَرِسة، ولا كحال اللعَّانين الصخَّابين، بل هم المُضللون بنزْف المَحابر على سطور الدفاتر، وألْسِنة غلاظٍ على أعواد المنابر"[11].

 

وذا معلوم باستقراء الأحوال على تطاوُل الأزمان، وأولئك لا يَعلو شأنهم إلاَّ حيث فُقِد مَن يردُّهم عن غيِّهم باللسان أو السِّنان.

 

وأهل البِدع دَيْدنهم المُوالاة على مقالاتهم، ودينهم تكفير وتبديعُ مَن خالَفهم، فهم يَبتدعون الضلالة، ثم يُكفِّرون أو يُبَدِّعون مَن خالَفهم، فالجهميَّة والمعتزلة ابتدَعوا مقالة "خلْق القرآن"، ثم قالوا: إنَّ مَن لَم يرَ بمعتقدهم، فهو على مقالة النصارى، وطائفة منهم بدَّعت كلَّ مَن لَم يقُل بمقالتهم، بل امتَحنوا العلماء والعامة، والأُمراء والجُند"، وصار كثيرٌ من أهل البدع مثل الخوارج والروافض، والقدريَّة والجهميَّة والمُمثِّلة، يَعتقدون اعتقادًا هو ضلالٌ، يَرونه هو الحق.


ويَرون كُفرَ مَن خالَفهم في ذلك، فيَصير فيهم شوبٌ قوي من أهل الكتاب في كُفرهم بالحقِّ، وظُلمهم للخلْق.

 

وبإزاء هؤلاء المُكفرين بالباطل، أقوام لا يَعرفون اعتقاد أهل السُّنة والجماعة كما يجب، أو يَعرفون بعضه ويَجهلون بعضًا، وما عرَفوه منه قد لا يُبيِّنونه للناس، بل يَكتمونه، ولا يَنهون عن البِدَع المخالفة للكتاب والسُّنة، ولا يَذمون أهل البدع ويُعاقبونهم، بل لعلَّهم يَذمون الكلام في السُّنة وأصول الدين ذمًّا مطلقًا، لا يُفرِّقون فيه بين ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة والإجماع، وما يقوله أهل البدعة والفُرقة.

 

أو يُقرُّون الجميع على مذاهبهم المختلفة، كما يُقِر العلماء في مواضع الاجتهاد، التي يُسَوَّغ فيها النِّزاع، وهذه الطريقة قد تَغلب على كثيرٍ من المُرجئة، وبعض المُتَفَيْقِهة والمُتصوِّفة والمُتفلسفة، كما تَغلب الأولى على كثيرٍ من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين مُنحرفة خارجة عن الكتاب والسُّنة.

 

وإنَّما الواجب بيانُ ما بعَث الله به رُسله، وأنزَل به كُتبه، وتبليغ ما جاءت به الرُّسل عن الله، والوفاء بميثاق الله الذي أخَذه على العلماء، فيجب أن يعلمَ ما جاءت به الرُّسل، ويؤمنَ به، ويُبلِّغه، ويدعوَ إليه، ويُجاهدَ عليه، ويَزِنَ جميع ما خاضَ الناس فيه من أقوالٍ وأعمال - في الأصول والفروع: الباطنة والظاهرة - بكتاب الله وسُنة رسوله، غير مُتَّبعين لهوًى؛ من عادة، أو مذهبٍ، أو طريقة، أو رئاسةٍ، أو سلفٍ، ولا مُتَّبعين لظنٍّ؛ من حديث ضعيفٍ، أو قياسٍ فاسد - سواءٌ كان قياسَ شمولٍ، أو قياسَ تمثيلٍ - أو تقليدٍ لِمَن لا يجب اتِّباع قوله وعمله؛ فإن الله ذمَّ في كتابه الذين يتَّبعون الظنَّ وما تَهوى الأنفس، ويتركون اتِّباع ما جاءهم من ربِّهم من الهدى"[12].



[1] المُوَالسة: الخِداع، والمُوَالسة من الأَلْس، وهو الخيانة؛ الإتباع والمزاوجة؛ لأبي الحسين أحمد بن فارس؛ تح: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي: القاهرة، 1947، ص (7).

[2] الردود؛ بكر أبو زيد، ص (74 - 75).

[3] تبيين كذب المُفتري فيما نُسِب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري؛ علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي، دار الكتاب العربي: بيروت، ط (3)، 1404، ص (138).

[4] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني؛ شهاب الدين محمود بن عبدالله الحسيني الأُلوسي، دار الكتب العلميَّة: بيروت، د .ت، ج (5)، ص (180).

[5] الموطأ؛ مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي؛ تح: محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث العربي: مصر، د .ت، ج (2)، ص (991).

[6] أخرَجه الطبراني في الكبير / 138)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثِقات، ج (7)، ص (529).

[7] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة؛ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، دار الكتب العلمية: بيروت، د. ت. ج (1)، ص (117).

[8] دقائق التفسير؛ أحمد بن عبدالحليم ابن تيميَّة الحرَّاني: أبو العباس؛ تح: محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن: دمشق، ط (2)، 1404، ج (2)، ص (222).

[9] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبدالله؛ تح: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي: بيروت، ط (3)، 1973، ج (3)، ص (522).

[10] مجموع الفتاوى؛ ابن تيميَّة، ج (28)، ص (232).

[11] الردود؛ بكر أبو زيد، ص (76).

[12] الكيلانية؛ ابن تيميَّة، ص (79).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • محنة النقد الآثم
  • هل تقبلون بالنقد؟
  • مشروعية النقد
  • تعريف النقد
  • ثمرات النقد
  • تساؤلات حول النقد
  • أعني بالسكوت (شعر)
  • السكوت في معرض الحاجة بيان

مختارات من الشبكة

  • مضار التشبه بغير المسلمين (محاضرة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم)
  • مضار الرشوة وعوامل تفشيها وطريقة علاجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مضار الحكم على الحديث بدون تجميع طرقه (مثال)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مضار الخمر والتحذير منه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مظاهر يسر الشريعة .. انحصار المحرمات فيما فيه مضرة على العباد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان ما في الغناء والمعازف من أنواع المضرات والمفاسد(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • فضل الصدق ومضرة الكذب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طول الأمل: حقيقته ومضاره وعلاجه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رفاهية العيش منفعة أم مضرة؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جريمة الغصب: مضارها وأحكامها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب