• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    قصة الذبيح الثاني: زمزم والفداء
    د. محمد محمود النجار
  •  
    الفلسفة الاقتصادية لملكية الإنسان في منظور ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    المعاني الاقتصادية للحج
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    عجائب الأشعار وغرائب الأخبار لمسلم بن محمود ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / ثقافة عامة وأرشيف
علامة باركود

المفاضلة بين السمع والبصر

د. بليل عبدالكريم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/4/2012 ميلادي - 20/5/1433 هجري

الزيارات: 109570

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أ- التفاضُل بين السمع والبصر عند العلماء:

اختَلَف ابن قُتَيبة[1]، وابن الأنباري[2] في السَّمع والبصر، أيهما أفضل، ففضَّل ابن قتيبة السمعَ، ووافَقَه طائفةٌ من العلماء، واحتجَّ بقوله - تعالى -: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يونس: 42، 43]، قال: فلمَّا قرَنَ بذَهابِ السمع ذَهابَ العقل، ولم يقرنْ بذهاب النظَر إلا ذهابَ البصر - كان دليلاً على أنَّ السمع أفضل.

 

وقال الأنباري: بهذا غلط، وكيف يكونُ السمع أفضل، وبالبصر يكونُ الإقبالُ والإدبار؟ والقُرب والنجاة، والبُعد من الهلاك، وبه جمالُ الوجه، وبذهابه شينُه، وأجابَ عمَّا ذكره ابن قُتَيبة بأنَّ الذي نَفاه الله - تعالى - مع السمع بمنزلة الذي نفاهُ عن البصر؛ إذ كأنَّه أراد إبصارَ القلوب، ولم يردْ إبصار العيون، والذي يبصره القلب هو الذي يعقله؛ لأنها نزلت في قومٍ من اليهود كانوا يستَمِعون كلامَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيَقِفون على صحَّته ثم يُكذِّبونه، فأنزَلَ الله فيهم: ﴿ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ﴾؛ أي: المعرضين ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليك بعين نقصٍ، ولا حجَّة في تقديم السمع على البصَر هنا؛ فقد أخبر في قوله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [هود: 24][3].

 

واحتجَّ مُفضِّلو السمع بأنَّ به ينالُ غاية السعادة مِن سمع كلام الله وسمع كلام رسوله، فقالوا: وبه حصَلتِ العلوم النافعة، وبه يدركُ الحاضر والغائب، والمحسوس والمعقول، فلا نسبةَ لمدرك البصر إلى مدرك السمع؛ ولهذا يكون فاقدُه أقلَّ علمًا من فاقد البصر، بل قد يكون فاقد البصر أحدَ العلماء الكبار، بخلاف فاقدِ السمع، فإنَّه لم يُعهَد من هذا الجنس عالِمٌ ألبتَّةَ.

 

لكن قال مُفضِّلو البصر: أفضل النَّعيم النظر إلى الله - تعالى - وهذا يكون بالبصر، كما أنَّ ما يراه البصر لا يقبلُ الغلط، بخِلاف ما يُسمَع؛ فإنَّه يقع فيه الغلط والكذب والوهم، فمدرك البصر أتَمُّ وأكمل، كما أنَّ محلَّه أحسن، وأكمل، وأعظم عجائبَ من محلِّ السمع؛ وذلك لشرَفِه وفضله.

 

قال ابن تيميَّة[4]: البصر يرَى من مُباشرة المرئيِّ، والسمع لا، وإنْ كان يحسُّ الأصوات، فالمقصودُ الأعظم به معرفة الكلام، وما يخبرُ به من العلم.

 

والتحقيق أنَّ إدراك البصر أكملُ، قال الأكثرون: "فليس المخبر كالمعاين"*. لكن السمع يحصل به من العلم أكثر ممَّا يحصل بالبصر، فالبصر أقوى وأكمل، والسمع أعمُّ وأشمل، وهاتان الحاسَّتان هما الأصل في العلم بالمعلومات التي يمتازُ بها الإنسان عن البهائم؛ ولهذا يقرنُ الله بينهما وبين الفؤاد.

 

ب- الجمع بين السمع والبصر في القُرآن الكريم:

ورَدَ السمع والبصر في القُرآن مُنفردين وجمعًا في "36" موضعًا؛ منها: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾ [يونس: 31]، ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، فالحديث عن الحواسِّ كأدواتٍ للمعرفة كان غالبًا على السمع والبصر مجموعَيْن؛ وذاك لعدَّة أسبابٍ، منها:

 

1- أنهما أداتان من أهمِّ أدوات الإدراك التي يترتَّب عليها معرفة الله - تعالى - كأعلى أنواع المعرفة وموضوعاتها[5]، وإدراك دلائل الاعتقاد لا يكون إلا بهما[6].

 

2- أنهما الطريقان الرئيسان بين المعرفة والعقل، فهما الواسطة، ودونهما لا يعرفُ بل لا يدرك الإنسان شيئًا، وقد يستغني عن غيرهما من الحواس؛ لذا قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ [المؤمنون: 78]، فهذه الثلاث هي طرق العلم الرئيسة، وأدواتها الأذن والعين والقلب.

 

3- فقدان الحاستين يُفقِد العلم كلَّه؛ كلامًا ولغة وقراءة، فالقُدرة على الكلام وفهم اللغة يحتاجُ إلى السمع؛ ليَعِي الدلالات الصوتية، بل قد يتعطَّل حتى عن تدبير حياته العضويَّة، فهما مَدار الحياة الحيوانيَّة، وكمال البشريَّة، وتحصيل العلوم الأوليَّة بهما[7].

 

4- ورد السمع حال اقترانه بالبصر مفردًا، خلاف البصر فقد ورد جمعًا إلا في (الإسراء/36)؛ وذلك لأنَّ السمع مصدر، فهو دالٌّ على الجنس الموجود في جميع حواسِّ الناس، وأمَّا الأبصار فجِيءَ به جمعًا لأنَّه اسم، فليس نصًّا في العموم؛ لاحتمال توهُّم بصرٍ مخصوصٍ، فكان الجمع أدلَّ على قصد العموم، وأنفى لاحتمال العهد ونحوه[8]، بخلاف قوله: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]؛ لأنَّ المراد الواحد لكلِّ مخاطب بقوله: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [الإسراء: 36]، ويحتمل أنْ يكون ذلك لأنَّ السمع يستقبل جميع الأصوات باختلاف جهاتها، في حين البصر لا يستقبلُ دون توجُّه العين نحو المبصر المراد[9]، فالبصر لا يدرك إلا الزاويةَ الموجَّه نحوها، على غير السمع؛ فيلتقط في الزوايا كلِّها.

 

5- السمع يدركُ خِلال الضوء والظُّلمة، ومع وُجود الحواجز الفاصلة بين السامع وغيره، إلا أنْ تكون كاتمةً، على عكس البصر لا يبصر إلا بوجود ضوءٍ ينعكس في العين.

 

كما أنَّ النائم أوَّل ما يستيقظُ منه المنبه السمعي ويَلِيه البصري، فكان أوَّل الحواس اشتغالاً بعدَ النوم، وآخِرها قبل النوم، وترادُفهما يُحقِّقُ أعلى مستويات الاستيعاب والتحصيل.

 

ج- أسباب تقديم السمع على البصر في القُرآن الكريم:

ما يُلاحَظ في القُرآن الكريم أنَّ السمع كان دائمًا مقدمًا على البصر في الذِّكر كلَّما اقترنا، وهذا الترتيب كان في كتاب الإعجاز اللغوي والبلاغي؛ وهو القُرآن، فلا يكون إلا عن سِرٍّ، وهو قاعدة أفضليَّة المتقدِّم على اللاحق، خاصَّة أنَّ هذا التقديم شمل كلَّ المواضع التي اجتمَعَ في السمع مع البصر، وهذه الملاحظة هي إحدى أدلَّة القائلين بأفضليَّة السَّمع على البصر من الناحية المعرفيَّة، وهذا يستندُ إلى دَلائل أخرى في القُرآن الكريم والواقع؛ وهي:

 

1- اقترن السمع بالعقل في غير ما آية، دُون اقتِران البصر بالعقل؛ مثل: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، ﴿ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 100].

 

2- اقتَرَن لفظ السميع بالعليم، بينما اقترن البصير بالخبير - ليجتمعا في العليم -: ﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 30]، أمَّا السمع والعلم: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، في حوالي "32" آية، وهذا أكثر من اقتِران السمع مع البصر في القرآن؛ فكان السمع أقرب للعلم معنى وأتَمَّ.

 

3- حاسة السمع دائمة العمل دُون توقُّف، بخِلاف البصر فتتوقَّف بإغماض العين، وإن كان المغمض مستيقظًا.

 

لهذا ذكَر الله عن أصحاب الكهف أنَّه ضرَب على آذانهم، فكان ذلك أشدَّ دلالةً على الاستغراق في النوم لتوقُّف أشدِّ المنبِّهات؛ ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴾ [الكهف: 11][10].

 

أمَّا من زاويةٍ معرفيَّة خالصة فالأفضليَّة كانت لأمورٍ؛ منها:

1- السمع أهمُّ في إقامة الحجَّة على الخلق، فالبصر لا يكونُ إلا حال عرض المعجِزة دُون زمانٍ من سيأتي، أمَّا السمع فطريقُه أعمُّ وأشمل للزمان والمكان.

 

2- قال الرازي: السمع سببٌ لاستِكمال العقل بالمعارف، والبصر لا يُوقفك إلا على المحسوسات[11].

 

3- السمع ينقلُ المعارف الماضية والأخبار الآتية، أمَّا البصر فينقل الحاضر المعاين؛ ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 26، 27][12].

 

غير أنَّ انتشار الكتابة والقِراءة قد يجعَلُ البصر ناقلاً للمعارف السابقة وغيرها أكثر من السمع، فالتاريخ لم يعدْ يُؤخَذ سماعًا بل قراءة، ومع ذلك فأكثر الأخبار والمعلومات تتناقل سماعًا بين الناس.

 

4- السمع جهاتُ استِقبالِه مُتعدِّدة، عكس البصر لا يكون إلا بالمقابلة.

 

5- حاسة السمع تشتغلُ ليلاً ونهارًا، وفي الظلام والنور، في حين أنَّ البصر لا يعمل إلا في النهار والنور، وفي هذه الميزة قال - تعالى -: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص: 71، 72]، في ذَهاب الضوء نُبِّهَ للسمع، وحال وجوده نُبِّهَ للبصر، والسمع ضمنًا هو يشتغل ومتنبَّه معه.

 

6- أوَّل حاسة تستجيبُ من النائم حاسة السمع، وإن كان مغمضَ العينين.

 

7- فاقد السمع يفقدُ النطق؛ لعدم القُدرة على التلقين، وإدراك المخارج والصفات، فيفقد خاصيَّة المخاطبة.

 

د- أسباب تقديم البصر على السمع في القُرآن الكريم:

ورد البصر مُتقدِّمًا على السمع في مواضع، كان الغالب فيها الذم والتعطيل والعقاب؛ ففي حالات المدح والمنَّة - كما سبق - قدم السمع، أمَّا في ما عاكسها فقدم البصر، وهذا لا ينفي أفضليَّة السمع بل يُثبِتها.

 

والمواضع التي قدم فيها البصر على السمع هي:

1- في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، هنا كان المقام مقامَ تحقير لهم؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

 

والبصر أهمُّ للحيوانات من السمع؛ لأنه لا يعدو أن يكون وسيلةً لحفظ الحياة، ولا يُؤدِّي كلٌّ منهما الدور المعرفي الذي ينتجُ عنه الهدى، ثم هذه الآية الكلامُ فيها عن تعطيلِ الحواس؛ لذا كان تقديم البصر.

 

2- مثلها نجدُ في قوله - تعالى -: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [هود: 24]، فقُدِّمت حاسة البصر المعطَّلة على حاسة السمع المعطَّلة.

 

3- وفي موقف تعذيبهم: ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ﴾ [الإسراء: 97]؛ ذاك أنَّ أكرَمَ موضعٍ في الوجه العينان، وأشدَّ الإهانة بإفقاد حاسة البصر حالَ المحاسبة.

 

4- وفي قوله - تعالى - عن ندم الكفار: ﴿ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]؛ فالمعاينة بالبصر أقوى من الخبر المنقول، والمشاهدة آكَدُ حجيَّةً.

 

ويبقى موضعان في (الأعراف/195) و(المائدة/ 71) يدلان نفس الدلالة، وهي التعطيل؛ إمَّا بفقدان الحاسة أصلاً للآلهة، كما في الأعراف، فهي لا تبصر التعبُّد لها، ولا عبادها أصلاً.

 

أو لصُدود بني إسرائيل كما في المائدة، وذلك بأنهم شاهَدُوا المعجزات قبلَ سماع الوحي، ثم صدُّوا كأنْ لم يبصروا شيئًا.

 

أهميَّة السمع والبصر معرفيًّا في القُرآن الكريم:

من تدبُّر مواضع ذكر الحواس في القُرآن الكريم نستخلصُ منه فوائدَ؛ منها:

1- القُرآن الكريم يُعبِّرُ عن الحواس على أنها من نِعَمِ الله - تعالى - التي تستحقُّ الشُّكر، والعمل بها لإدراك الغاية المرجوة لها للآخِرة، وتعطيلها عن فهم الغاية من الخلق والاستجابة للحقِّ يجعلُ صاحبَها في مقام البهيمة؛ حواسها لحياتها البيولوجيَّة وبقائها حيَّةً فقط.

 

2- لم تُوضَعْ حدودٌ فاصلة بين الحواس وغيرها من وسائل المعرفة، فلقد اقترَنَ القلب والفؤاد بها على أنها كلها وسائل للمعرفة وطرقٌ لتحصيل العلم؛ ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ﴾ [الأحقاف: 26]، فلقد كمل القُرآن الإدراك الحسي بإدراكٍ آخَر هو إدراك القلب والفؤاد[13].

 

3- مُنِحت الحواس ثقةً في القُرآن الكريم ينبغي للإنسان أنْ يوليها لها[14]؛ بحيث تكون معطياتها منطلقَ التفكير والتدبُّر، فالدعوة المستفيضة إلى تأمُّل المخلوقات من سماوات، ونجوم، وكواكب، وأرض بجبالها وبحارها، وخيراتها، والأنفس بما وهَبَها الله، إنما هو دليلٌ دامغ على الوثُوق بوسيلة التأمُّل؛ والناقل للمُتَأمل إلى مركز التأمُّل حكمة منه.

 

فالقُرآن لم يُهمِلِ الحواس الإنسانيَّة، ولم يُشكِّك فيها؛ مثلما فعَلتْ بعضُ الفلسفات العقليَّة، وكذلك لم يرفَعِ القُرآن الحواس فوقَ الوسائل الأخرى؛ مثلما فعَلَ التجريبيُّون الحسيُّون.

 

فالاعتدال في القُرآن نحو الحواس لم يدعْ مجالاً لمشكلةٍ حقيقيَّة، ذلك أنَّ معطيات الحسِّ في القُرآن، هي المادَّة الأولى التي تعملُ عليها وسائلُ الإدراك الأخرى، أو بعضها على الأقل، ولا يدرك روعةَ وقيمةَ هذا الحل القُرآني الواضح اليسير لمشكلة الحس إلا مَن أحاطَ علمًا بالصراع الذي أجَّجَه الفلاسفة، من أنصار ومن مُعانِدي أهميَّة الحواس على السواء.

 

فالحس هو أحدُ الطرق الثلاثة لتحصيل المعرفة الإنسانيَّة، بل هو أصلُ المعرفة العقليَّة والخبريَّة؛ فالعقل خاصيَّته الاعتبار والقياس والتعميم؛ لذا لا بُدَّ أنْ يعتمدَ على المبادئ الحسيَّة، وكذا الخبر لا بُدَّ أنْ يكون في أصله إخبارًا عن قضايا حسيَّة، وما لا يمكن معرفته بالحسِّ، فلا وجود له بالخارج، وتقسيم الأمور الخارجيَّة إلى معقولةٍ ومحسوسةٍ غير صحيح.

 

قال ابن تيميَّة: "إنَّ المعقول الصرف الذي لا يتصوَّر وجوده في الحس، هو ما لا يُوجَد إلا في العقل، وما لا يُوجَد إلا في العقل، لم يكن في الخارج عن العقل"[15].

 

فأمور الجنَّة والنار وعَذاب القبر ونعيمه بيَّنت الرسل أنها أمورٌ حسيَّةٌ، يجوزُ إدراكها، حتى الروح وذات الله - تعالى - يمكن رؤيتها بالأبصار، لكن لَمَّا كانت غائبة عنَّا سُمِّيَتْ "غيبًا" مقابل "الشهادة"، ولم تُسمَّ معقولةً مقابل المحسوسة[16].

 

فالقُرآن الكريم قسَّم المعلوم إلى عالَمين: مشهود وغيبي، والمشهود في عالَم الشهادة، كذلك مشهود وغيبي نسبي، هذه هي مصطلحات القُرآن، ولم يَرِدْ أنَّ المعجزات، وعالم الجنة، والجان، والملائكة؛ أنها معقولةٌ غير محسوسةٍ، بل هذا التقسيم مغرضٌ، وأصحابه سحبوا ذلك على النظريات القائلة بأنَّ الأنبياء حاوَلُوا تصويرَ الخيال واقعًا؛ ليرهبوا ويرغبوا الناس، ومعلومٌ بطلانُ هذا.

 

فالعلمُ بمطابقة المقدَّر الموجود في الخارج، والعلم بالحقائق الخارجيَّة لا بُدَّ له من الحسِّ الباطن والظاهر، ورغم القول بالتمايُز والفصل بين الحواس من حيث التعامُل مع المعلومات وتوظيفها، فإنَّه من الناحية المعرفيَّة هنالك تكامل؛ لأنَّ أحدهما لا يستقلُّ عن الآخَر في المعرفة وتلقي المعلومات.

 

فالعقل يحتاجُ إلى المعلومات الأوليَّة التي يتلقَّاها عن الحس، والحس يكتسبها من الواقع، ولا يحمل لا العقل ولا الحواس معلومات قبليَّة، فالحواس هي وسائل العقل للاتِّصال الخارجي، يقول ابن تيميَّة: "فأمَّا أنَّ العقل الذي هو عقل الأمور العامَّة التي أفرادها موجودةٌ في الخارج، يحصل بغيرِ الحس، فهذا لا يتصوَّر، وإذا رجَع الإنسان إلى نفسه في مثل: الواحد والاثنين، والمستقيم والمنحنى، والواجب والممكن والممتنع، ونحو ذلك ممَّا يفرضه هو ويقدره... لوجد ذلك، فأمَّا العلم بمطابقة ذلك المقدر للموجود في الخارج، والعلم بالحقائق الخارجيَّة، فلا بُدَّ فيه من الحس الباطن أو الظاهر، فإذا اجتمَعَ الحس مع العقل كاجتماع البصر والعقل أمكن أنْ يُدرك الحقائق الموجودة المعينة، ويَعقل حكمها العام الذي يندرجُ فيها أمثالها لا أضدادها، ويعلم الجمع والفرق، وهذا هو اعتِبارُ العقل وقياسه"[17].



[1] هو عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، من أئمَّة الأدب، ولد ببغداد 213هـ، وتُوفِّي 276هـ، من كتبه: "تأويل مختلف الحديث"، "الشعر والشعراء".

"الأعلام"؛ الزركلي، ج4، ص137.

[2] هو عبدالرحمن بن محمد بن عبيدالله الأنصاري، أبو البركات كمال الدين الأنباري، من علماء الأدب والتاريخ والرجال، ولد ببغداد 513هـ، وتُوفِّي بها 577هـ، له "نزهة الألباء في طبقات الأدباء"، "أسرار العربية".

"الأعلام"؛ الزركلي، ج 3، ص32.

[3] "بدائع الفوائد"؛ ابن القيم، مج2، ج3، ص 142.

[4] "الرد على المنطقيين"؛ ابن تيميَّة، ص 81.

* المعاينة قد تحصل سماعًا، إذا استثنَيْنا وصفَ المرئيَّات، فالعلم غالبه قد ينقلُ مشافهةً، وفاقد البصر قد يُعوِّضه سمعه في التلقين، لكنَّ فاقد السمع لا يمكنه معرفة اللغة، ولا فهم الكلام، فكان بهذا تحصيله للعلوم عسيرًا، لكن نضيف لغة الإشارة، فهذا يُعوِّض عن التَّلقين بالسَّماع، ويجتمع مع تمكّن الأصم المبصر من القِراءة، لكن أقل من السامع الأعمى.

[5] "نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة"؛ راجح الكردي، ص 552.

[6] "التحرير والتنوير"؛ ابن عاشور، ج13، ص 232.

[7] "تفسير المنار"؛ رشيد رضا، ج11، ص 355.

[8] المرجع نفسه: ج10، ص 156.

[9] "نظرية المعرفة في القرآن الكريم"؛ أحمد الدغشي، ص 226.

[10] "القرآن وعلم النفس"؛ محمد عثمان بخاتي، دار الشروق: بيروت. ط(5)، 1993، ص (126-127).

[11] "التفسير الكبير"؛ الرازي، ج1، ص 186.

[12] "نظرية المعرفة بين القراءة والفلسفة"؛ راجح الكردي، ص554.

[13] "تجديد التفكير الديني في الإسلام"؛ محمد إقبال، ترجمة: محمود عباس، دار الترجمة: القاهرة، ط(2)، د.ت، ص 146.

[14] "تأملات حول وسائل الإدراك في القرآن الكريم"؛ محمد الشرقاوي، ص 12.

[15] "درء تعارض العقل والنقل"؛ ابن تيمية، ج5، ص 134.

[16] "تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية"؛ إبراهيم عقيلي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، ط(1)، 1994، ص 367.

[17] "نقض المنطق"؛ ابن تيمية، ص (202- 203).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحواس في القرآن الكريم
  • المقارنة بين المعرفة والعلم
  • مصادر المعرفة في القرآن الكريم
  • فروق بين الحس واللمس وما يقاربهما
  • فوائد غض البصر
  • المفاضلة بين الأعمال
  • الإعجاز في حاسة السمع

مختارات من الشبكة

  • بين السمع والبصر في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون العقدية: إثبات صفات السمع والبصر لله عز وجل(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • حديث: نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: من سمع سمع الله به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث وفوائد: من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التذكير بالنعم المألوفة (5) {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المفاضلة بين قراءة القرآن والذكر والدعاء(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/12/1446هـ - الساعة: 0:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب