• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

مقومات الحضارة الإسلامية (1)

مقومات الحضارة الإسلامية (1)
اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/3/2012 ميلادي - 1/5/1433 هجري

الزيارات: 22423

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

1- طلب العلم فريضة:

تقول العالمة الألمانية الدكتورة زيجريد هونكه عن حضارة الإسلام التي قامت على لا إله إلا الله:

«لقد أوصى محمد كل مؤمن، رجلًا كان أو امرأة بطلب العلم. وجعل ذلك واجبًا دينيًا. فهو الذي يقول للمؤمنين: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ويرشد أتباعه دائمًا إلى هذا، فيخبرهم بأن ثواب التعلم كثواب الصيام، وأن ثواب تعليمه كثواب الصلاة.

 

وكان محمد يرى في تعميق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها، وسيلة للتعرف على قدرة الخالق، وكان يرى أن المعرفة تنير الإيمان، مرددًا عليهم: اطلبوا العلم ولو في الصين.


والرسول يطلب إلى علوم كل الشعوب، فالعلم يخدم الدين. والمعرفة من الله وترجع إليه. لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها، أيًا كان مصدرها ولو نطق بالعلم كافر».

 

وعلى النقيض تمامًا يتساءل بولس الرسول مقرًا: (ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة)؟[1].

 

مفهومان مختلفان بل عالمان منفصلان تمامًا، حددا بهذا طريقين متناقضين للعلم والفكر في الشرق والغرب.

 

وبهذا اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية المعاصرة في أوروبا، حيث لا قيمة لمعرفة الدنيا كلها.

 

ويعرف القديس أوغسطينوس محور المعرفة قائلًا: (أما الرب والروح فإني أبغي معرفتهما. فالبحث عن الحقيقة هو البحث عن الله، وهذا لا يستدعي معونة من الخارج). والمصدر الوحيد لتلك المعرفة هو الكتاب المقدس، وقصة الخليقة تعطي كل ما يحتاجه المرء من معلومات عن السماء والأرض والجنس البشري.  وأما أن يكون هناك سكان على الوجه الآخر من الأرض، فقد نفاه أوغسطينوس بشدة: (الكتاب المقدس لم يذكر مثل هذا الجنس من سلالة آدم).


وأما ما يدعيه بعضهم من أن الأرض كروية فهو كفر وضلال، فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكرًا: (هل هذا من المعقول؟ أيعقل أن يجن الناس إلى هذا الحد، فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم)؟! لقد كانت الأرض بالنسبة إلى بعض الناس تلًا تدور الشمس حوله ما بين الشروق والغروب وبالنسبة إلى الآخرين مسطحًا تحيط به المحيطات.

 

ملعون من يقتنع أو يقبل الآن تفسيرًا علميًا لحوادث الطبيعة. خارج عن طاعة الرب من يشرح أسبابًا طبيعية لبزوغ كوكب أو فيضان نهر، بل لمن يعلل علميًا شفاء قدم مكسورة أو إجهاض امرأة. فتلك كلها عقوبات من الله، أو من الشيطان، أو هي معجزات أكبر من أن ندرك كنهها!

 

ما وصلت إليه الكنيسة وكهنتها في المجال الديني، لم يكن عامل إنقاذ للحضارة بل كان عائقًا لها. لقد كانت أمامهم الفرصة، تمامًا كالعرب، بل إن فرصتهم كانت أكبر في أن يأخذوا التراث العظيم ويتطوروا به في درجات السلم المرقي.

 

لكن الفكر الإغريقي ظل بالنسبة إليهم غريبًا على الدوام. فحوالي عام 300 ميلادية علل أسقف قيصرية أويزيبيوس ذلك المسلك لعلماء الطبيعة من الإسكندرية قائلًا: (إن موقفنا هذا ليس جهلًا بالأشياء التي تعطونها أنتم كل هذه القيمة، وإنما لاحتقارنا لهذه الأعمال التي لا فائدة منها. لهذا فإننا نشغل أنفسنا بالتفكير فيما هو أجدى وأنفع).

 

ويظل هذا التفكير العقيم سائدًا لا يتغير، فيتحدث بمثل هذا في القرن الثالث عشر، القديس توما الإكويني فيقول: (إن المعرفة القليلة لأمور سامية أجل قدرًا من معرفة كبيرة موضوعها أمور حقيرة).

 

ولقد بدت للسادة المهيمنين على الأمور ضرورة تحريم الكتب التي تهتم بالأمور الحقيرة الدنيوية على المتعلمين ورجال الدين.

 

• ففي عام 1206 نبه مجمع رؤساء الكنائس المنعقد في باريس رجال الدين بشدة إلى عدم قراءة كتب العلوم الطبيعية، واعتبر ذلك خطيئة لا تغتفر.

 

وقضى هذا التفكير الضيق على كل موهبة، وعاق كل بحث علمي، وأجبر كل المفكرين الذين لا تتفق أعمالهم ومعتقدات الكنيسة هذه على إنكار ما قالوه من النظريات العلمية، وإلا كان مصيرها الحرق العلني بالنار لكفرهم وخروجهم على المعتقدات الإلهية.

 

ومن هنا فقط يتضح لنا تمامًا لماذا احتاجت الحضارة في الغرب ألفًا من السنين قبل أن تبدأ في الازدهار تدريجيًا، مع أنها كانت لديها فرصة مناسبة لتبدأ قبل الحضارة العربية بقرنين أو ثلاثة.

 

• وما إن انقضى قرن واحد من الزمان على الفتوحات الإسلامية حتى ازدهرت حضارة العرب وآتت أكلها مكتملة ناضجة... إن الإسلام لا يعرف وسيطًا بين العبد والرب، ولم يكن لديه على الأقل في تلك الظروف الحاسمة طبقة من الكهنة ولا تنظيمات وسلطات عليا مشرفة. وحيثما كانت المسيحية تطغى نتيجة لتسامح المسلمين، كان ذلك دائمًا يؤدي إلى كساد العلوم وإهمالها. ولعل إفناء الطبقة العلمية العليا على يد الأسبان والمغول، هو خير برهان على ما نقول.

 

كانت الاحتكاكات بين الآراء المختلفة قد منحت الحركة الفكرية حيوية دائمة، وحمت الإسلام من الجمود وأجبرته على أن يسلح نفسه علميًا، وأن يتطور بالقوى العقلية وينهض بها من سيادتها. وساعده على ذلك المطالب العديدة المنبثقة من شعائر الدين أو من الحياة اليومية للشعوب.

 

واجبات عديدة ومسئوليات جسيمة: فمعالجة المرضى ضرورية، وحماية الملايين من سكان المدن الكبيرة من الأوبئة، وإمدادهم بالدواء الناجع يتطلب أبحاثًا عملية دقيقة. وأدخلتهم حاجات تلك الملايين في عالم الحيوان والنبات ليدرسوه وينهضوا به. فنظم ري الأرض ومسحها، ورصدت الكواكب وحركاتها، ونظمت الرحلات، وأخذ كل شيء مكانه وزمنه اللازم له.

 

ففي كل حقل من حقول الحياة صار الشعار للجميع: تعلم وزد معارفك قدر إمكانك وأينما استطعت. وبأقدام ثابتة ونفوس مطمئنة، تعرف حقها وتؤدي واجبها، أقبل العرب على ما وجدوا من معارف، فاغترفوا منها قدر جهدهم، وما رأوا فيه نفعًا لهم...

 

لقد ذاقوا حلاوة العلم فازداد شوقهم إلى البحث عنه، لم يعودوا يرضون بغير العلم والبحث بديلًا. وبدأ نوع فريد فالتاريخ من طرق الكشف عن كنوز المعرفة، خصصت له البعثات الضخمة والأموال الطائلة، بل واستخدمت لأجله الوسائل الدبلوماسية، وخدمته سياسة الدولة الخارجية.

 

ولو أردنا دليلًا آخر على مدى الهوة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة 95% على الأقل من سكان الغرب في القرون: التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر. كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة.

 

وبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة، وبينما أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة، وفي الأديرة يندر بين الكهنة من يستطيع مسك القلم، لدرجة أنه عام 1291 لم يكن في دير جالينوس من الكهنة والرهبان من يستطيع حل الخط - بينما كان هذا كله يحدث في الغرب - كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات، يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر يميل إلى السواد فوق ألواحهم الخشبية، ويقرؤون مقاطع من القرآن حتى يجيدوها، ويجودون ذلك معًا بلحن جميل عن ظهر قلب، ثم يتقدمون خطوة تلو الأخرى في المبادئ لقواعد اللغة.

 

وكان الدافع إلى كل هذا هو رغبتهم الصادقة في أن يكونوا مسلمين حقًا كما يجب أن يكون المسلم. فلم يجبرهم أحد على ذلك، بل اندفعوا إليه عن رغبة وإيمان، لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن.

 

فالكتاب المقدس لا يجد الناس إليه سبيلًا، إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين،  فهم وحدهم يستطيعون قراءته وفهم لغته.

 

ومنذ عام 800 ميلادية لم يعد الشعب يفهم المواعظ الملقاة باللاتينية، حتى أن مجلس رؤساء الكنائس المنعقد في مدينة تور أوصى بوعظ الناس باللغة التي يتكلمون بها. ولم تكن هناك حاجة تدعو الشعب في تلك العصور إلى تعلم اللاتينية، بل لم تكن هناك أية رغبة في تعليم الشعب أو تثقيفه.

 

وعلى خلاف ذلك، كان الحال في العالم الإسلامي، فقد اهتمت الدولة بتعليم الرعية. ولم تلبث أن جعلت من التربية واجبًا ترعاه، فالأطفال من مختلف الطبقات يتعلمون التعليم الأولي مقابل مبالغ ضئيلة يقدر على دفعها الناس دون مشقة.

 

ومنذ بدأت الدولة تعين المعلمين للمدارس، أمكن للفقراء أن يعلموا أولادهم مجانًا.

 

بل إن بعض البلدان مثل أسبانية، قد جعلت التعليم للجميع مجانًا. وقد افتتح الحكم الثاني حوالي عام 965م في قرطبة سبعًا وعشرين مدرسة لأبناء الفقراء، بالإضافة إلى المدارس الثماني التي كانت فيها فعلًا.

 

• وفي القاهرة، أنشأ المنصور قلاوون مدرسة لليتامى ملحقة بالمستشفى المنصوري، ومنح كل طفل فيها، يوميًا، رطلًا من الخبز، وثوبًا للشتاء، وآخر للصيف.

 

وأنشأت الدولة المدارس العليا في كافة المدن الكبيرة. وكان الطلبة يتناولون طعامهم مجانًا، بل ويتقاضون مرتبًا صغيرًا، ويسكنون في الأدوار العليا في المدرسة دون مقابل. أما في المهاجع فثمة المطبخ والمخازن والحمامات. وفي الطبقة الأرضية تلتف الفصول وقاعات المكتبة على شكل دائري خلف ممرات مظلة تزينها الأعمدة، وفي الوسط فناء فسيح تتوسطه نافورة ماء.

 

هنا يتعلم شباب العرب الطَّموح القرآن وقواعد اللغة والديانة والخطابة والأدب والتاريخ والجغرافية والمنطق والفلك والرياضة.

 

ويساهم الطلاب في المناقشات والمناظرات، ويعيد معهم دروسهم مساعدون من طلبة الصفوف المتقدمة أو من الخريجين. وتبدو هذه المدارس كخلايا النحل الدائبة النشاط، تخرج للجميع شهدًا حلوًا فيه شفاء للناس، ولتقدم قادة للعلم والسياسة.

 

أما الطريق الذي يسلكه الراغب في تعلم فرع معين من العلوم، والذي يرغب الطالب أن يقوم هو بتدريسه يومًا من الأيام، فكان يبدأ في المساجد. فلم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب، بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف، كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق مجد التدين الأعمى. ألم يقل محمد أقوالًا، كان يكفي لأن يقولها في رومة حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة.

 

وحول أعمدة الجامع كان يجلس الأستاذ ويلتف حوله طلبته، حلقة أبوابها مفتوحة لمن يشاء، رجلًا كان أو امرأة، ولكل الحق في سؤال الأستاذ أو مقاطعته معارضًا. وكان هذا النظام أكبر دافع للأساتذة يدفعهم دائمًا للإعداد المتقن لدروسهم والتعمق فيها...

 

وحول أعمدة المساجد أتيحت للطلاب دائمًا فرصة الاستماع إلى الأساتذة الزائرين من كل أنحاء العالم العربي المترامي الأطراف. سواء أكان هؤلاء العلماء في طريقهم إلى الحج أو مسافرين خصيصًا لهذا الغرض، يجوبون أنحاء العالم الإسلامي من سواحل بحر قزوين إلى سواحل الأطلسي، ومنهم المؤرخون والجغرافيون، ومنهم علماء الحيوان والنبات والباحثون في تراث الأدب القديم...

 

لقد قدم العرب، بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستر الثاني عددًا من الغربيين من جانبي جبال البرانس، ظل يتزايد حتى صار تيارًا فكريًا دائمًا، فقدم العرب بها للغرب نموذجا حيًا لإعداد المتعلمين لمهن الحياة العامة وللبحث العلمي.

 

لقد قدمت تلك الجامعات - بدرجاتها العلمية، وتقسيمها إلى كليات، واهتمامها بطرق التدريس - للغرب أروع الأمثال، ولم تقدم هذا المظهر فقط، بل وفرت له كذلك اللباب: مادة الدراسة[2].

 

وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، كما يقال دائمًا، فإن ما سطره الدكتور لويس يونج في مقدمة كتاب: العرب وأوروبا، لكفيل بإعطاء فكرة معقولة عن محتوى هذا الكتاب.

 

يقول لويس يونج: «قصة التفاعل بين حضارتي العرب وأوربا معقدة وشائكة وطويلة: وهي إذ تبدو قصة فتوحات وإعادة فتوحات، فإنها تأخذ أحيانًا أشكال مبادلات ثقافية متناوبة، أخذًا وعطاءً.

 

ونحن حينما نسلم اليوم أن آسيا وأفريقيا تتمثلان أوروبا قدوة لهما، يجب ألا ننسى الوجه الآخر للصورة في العصور الوسطى، عندما عكفت أوروبا على علوم العرب من طب وفلسفة وطبيعة، واستمر ذلك لفترة طويلة. حتى إذا كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطيقية، وفي القرن التاسع عشر سلبتهم أراضيهم، ثم بترولهم في القرن العشرين.

 

وعلى الرغم من سجل أوروبا الطافح بالتزمت الفكري واللا تسامح الديني، على النقيض من المسلمين، فإنها ظلت ترفض الاعتراف بما للعرب من يد طولى على حضارتها، وتتجاهل دورهم الحضاري، وتقلل من شأنه.

 

لقد هول المؤرخون الأوربيون في وصفهم الفتوحات الإسلامية في أوروبا خلال العصور الوسطى ومدى تهديدها للدين المسيحي، بينما تغافلوا عن ظاهرة انتكاس الحضارة في البلدان التي أُجليَ العرب عنها. وما أسبانيا والبرتغال وصقلية إلا أمثلة لذلك.

 

ففي أسبانيا يسود التعصب الديني وتعذيب الحيوانات (كمصارعة الثيران) كمشهد مألوف. وفي البرتغال أعلى نسبة للأمية في أوروبا، وفي صقلية عصابة المافيا السيئة السمعة.

 

ما الذي تركته حضارة العرب والمسلمين في أوروبا؟

لقد تركت بصماتها على جميع المستويات، ابتداء من الفولكلور، كراقصي الموريش الإنكليز الذين هم في الحقيقة قناع لراقصي البربر، وانتهاء بالعلوم حيث يستخدم ملاحو الفضاء اصطلاحات عربية مثل: السمت، وسمت الرأس، وهناك في خرائط القمر أكثر من موقع أطلق عليها أسماء لبعض العلماء لعرب: كالزركلي والبتاني وأبي الفداء.

 

إن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية، منها نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون.

 

وسوف أحاول في الصفحات التالية أن أقدم الخطوط العريضة للتاريخ العربي والمجتمع الإسلامي، وما أرساه العرب من أسس أولًا. كما سأشير، ثانيًا، إلى أهم الطرق والأساليب التي أثرت بواسطتها حضارة العرب في الحضارة الأوروبية، وكيف أثرت أوروبا بدورها في الحضارة العربية[3].

 

• • • •


و يحدثنا موريس لومبار في كتابه «الإسلام في فجر عظمته» عن تأثير الفتوحات الإسلامية على تحضر الغرب وانطلاقه نحو الحضارة، فيقول:

«لم يترافق الفتح بالتخريب مطلقًا، فلم تحرق المدن ولم تنهب.. وبالنسبة للقسم الغربي، فكان تجددًا حقيقيًا...».

 

إننا نعتقد بالواقع أن الغرب استأنف التماس بالحضارات الشرقية، وعبرها بالحركات العالمية الكبرى للتجارة والثقافة، بفضل الفتح الإسلامي وفي حين أن الغزوات البربرية الكبرى في القرنين الرابع والخامس أدت إلى التقهقر الاقتصادي للغرب، فقد جلب قيام الإمبراطورية الإسلامية الجديدة لهذا الغرب نفسه تطورًا مدهشًا.

 

وإذا كانت الغزوات الجرمانية قد عجلت بانحطاط الغرب، فإن الفتوحات الإسلامية كانت حافزًا على انطلاق حضارته[4].

 

وهكذا يعترف أهل العلم والفضل من مختلف شعوب أوروبا، كالألمان والإنجليز والفرنسيين، بفضل حضارة الإسلام وأثرها في بناء الحضارة الأوروبية الحديثة. وهو فضل لا ينكره إلا جاهل أو متعصب.

 

المصدر:

من كتاب "الحضارة الإسلامية وجهتها الله، والحضارة الغربية مركزها الإنسان!"، للواء أحمد عبدالوهاب رحمه الله.



[1] يقول بولس في رسائله:«اختار الله جهال لعالم ليخزي الحكماء.. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود....إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا. لأن حكمة هذا العالم هي الجهالة عند الله، لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم وأيضًا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة - الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (1: 27 - 28، 2: 18 - 20».

[2] شمس العرب تسطع على الغرب:(ص369- 374، 393 - 398) [كان من اللازم أن يكون عنوان هذا الكتاب: شمس الله تسطع على الغرب، حيث أنه في أصله الألماني:

]ALLAHS SONNE ÜBER DEM ABENDLAND .

[3] العرب وأوروبا: ص9- 10.

[4] الإسلام في فجر عظمته: ص12.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نبي المسلمين، ودين الإسلام، والحضارة الإسلامية
  • مقومات الحضارة الإسلامية (2)
  • مقومات الحضارة الإسلامية (3)
  • بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
  • فضل الإسلام وحضارة المسلمين (1)
  • وقفات مع الرؤية الحضارية في تاريخ الحياة الإسلامية
  • عصور الحضارة فى القرآن
  • خصائص الحضارة الإسلامية
  • من مآثر الحضارة الإسلامية
  • حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات (1)
  • الالتقاء الحضاري للأمة الإسلامية (1)
  • الإعلام والحضارة الإسلامية
  • خصائص الحضارة الإسلامية
  • التوحيد والحضارة الإسلامية

مختارات من الشبكة

  • مقومات إنسان الحضارة في نظرية التربية الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مقومات بناء الحضارة وأسباب انحطاطها في القرآن الكريم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تطور منهج التوثيق في الحضارة الإسلامية وواقع التوثيق في الحضارة الحديثة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الحضارة الإسلامية ظلت الحضارة الأولى عالميًا لأكثر من عشرة قرون(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • تأملات في مركب "حوار الحضارات": أي حوار وأية مقومات؟(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • حول مفهوم الحضارة(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الحضارة الإسلامية حضارة سلام لا إرهاب (PDF)(كتاب - موقع أ. د. مصطفى حلمي)
  • الانبهار بالحضارة الغربية المادية (4)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تاريخ النظم العلمي في الحضارة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عشرة من مقومات الشخصية الإسلامية (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/11/1446هـ - الساعة: 18:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب