• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (3/ 3)

الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (3/ 3)
محمد عبدالله عنان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2012 ميلادي - 10/4/1433 هجري

الزيارات: 8096

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سلسلة مقالات أعجبتني من مجلة (الرسالة) [*]

عبدالعال بن سعد الرشيدي


خاتمة المأساة الأندلسية

الصراع الأخير (3 - 3)

بين الموريسكيين وإسبانيا

للأستاذ محمد عبدالله عنان - رحمه الله -

مجلة الرسالة العدد 205ص927 القاهرة

يوم الإثنين 27 ربيع الأول 1356هـ

الموافق 7 يونية 1937م السنة الخامسة

 

بينَما كانت هذه الحوادثُ والمعاركُ الدمويَّة تضطرمُ في هِضاب الأندلس وسُهولها، وتحملُ إليها أعلام الخَراب والموت - إذ وقَع في المعسكِر الموريسكي حادثٌ خطير هو مصرع محمد بن أميَّة، وكان مصرعُه نتيجة المؤامرة والخيانة، وكانت عوامل الخلاف والحسَد تحيطُ هذا العرش بسِياجٍ من الأهواء الخطرة، وكان محمد بن أميَّة يثيرُ بين مُواطنيه بظُرفِه وفروسيَّته ورقيق شمائله كثيرًا من العطف، ولكنَّه كان يثيرُ بصَرامته وبطشِه الحقدَ في نُفوس نفرٍ من ضبَّاطه، وتقصُّ علينا الرواية القشتاليَّة سيرةَ مقتلِه، فتقول: إنَّه كان ثمة ضابط من هؤلاء يُدعى ديجو الجوازيل له عشيقةٌ حسناء تُسمَّى (زهرة) فانتَزَعها محمد منه قسرًا، فحقد عليه، وسعى لإهلاكه بمعاونة خليلتِه، فزوَّر على لسانه خِطابًا إلى القائد العام (ابن عبو) يُحرِّضُه على التخلُّص من المرتزقة التُّرك، وكان ثمة فرقةٌ منهم في المعسكر الموريسكي، فعَلِمَ التُّرك بأمرِ الخِطاب، واقتحَمُوا المعسكَر إلى مقرِّ محمد بن أميَّة، وقتَلُوه بالرغم من احتجاجه وتوكيد بَراءته، واستقبَلَ الجندُ الحادث بالسكون، وفي الحال اختارَ الزعماءُ ملكًا جديدًا هو (ابن عبو) فتسمَّى بمولاي عبدالله محمد، وأعلَنَ ملكًا على الأندلس بنفس الاحتفال المؤثر الذي وصَفْناه، وكان مولاي عبدالله أكثر فطنةً ورويَّةً وتدبُّرًا، فحمل الجميع على احترامه، واشتغلَ مُدَّةً بتنظيم الجيش واستَقدَم السلاحَ والذَّخيرة من ثُغور المغرب، واستطاعَ أنْ يجمَعَ حولَه جيشًا مُدرَّبًا قوامه زُهاء عشرة آلاف بين مجاهدٍ ومرتزق ومغامِر.

 

وفي أواخِر أكتوبر سنة 1569 سار مولاي عبدالله بجيشِه صوب (أورجبة) وهي مفتاح غَرناطة، واستَوْلَى عليها بعدَ حِصارٍ قصير، فذاعَتْ شُهرتُه، وهُرِعَ الموريسكيون في شرق البشرات إلى إعلان طاعته، وامتدَّت سُلطته جنوبًا حتى بسائط رندة ومالقة، وكثُرت غارات الموريسكيين على فحص غَرناطة (لافيجا)، وقد كان قبلَ سُقوطها ميدان المعارك الفاصلة بين المسلمين والنصارى.

 

وكان فيليب الثاني حينما رأى استفحالَ الثورةِ الموريسكيَّة وعجزَ القادة المحليِّين عن قمعها، قد عيَّن أخاه الدون جون (خوان) قائدًا عامًّا لولاية غَرناطة، ولمَّا رأى الدون جون اشتِداد ساعد الموريسكيين، اعتزم أنْ يسيرَ لمحاربتهم بنفسه، فخرَج في أواخِر ديسمبر على رأس جيشِه، وسار صوب (وادي آش)، وحاصَر بلدة (جاليرا) وهي من أمنع مواقع الموريسكيين، وكان يُدافع عنها زُهَاءُ ثلاثة آلاف موريسكي، منهم فرقةٌ تركيَّة، فهاجمها الإسبان عدَّة مرَّات، وصوَّبوا عليها نارَ المدافع بشدَّةٍ، فسقطت في أيديهم بعدَ مواقعَ هائلةٍ أبدَى فيها الموريسكيون والنساء الموريسكيات أعظمَ ضُروب البسالة، وقُتِلَ فيها عِدَّةٌ من أكابر الإسبان وضبَّاطهم، ودخَلَها الإسبان دُخولَ الضَّواري المفترسة، وقتلوا كلَّ مَن فيها، ولم يوفروا النساء والأطفال، وكانت مذبحةً رائعةً، (فبراير سنة 1570) وتوغَّل الدون جون بعدَ ذلك في شُعَبِ الجبال حتى سيدون الواقعة على مقربة من بسطة، وكانت هنالك قوَّةٌ أخرى من الموريسكيين بقيادة زعيمٍ يُدعى (الحبقي) تبلُغ بضعة آلاف، ففاجَأتِ الإسبان في سيدون، ومزَّقتْ بعض سَراياهم، وأوقَعَت الرُّعب والخللَ في صُفوفهم، وقُتِل منهم عِدَّةٌ كبيرةٌ، ولم يستطعِ الدون جون أنْ يُعِيد النظام إلا بصعوبةٍ، فجمَع شَتات جيشِه، وطارَد الموريسكيين، واستمرَّ في سيرِه حتى وصَل إلى إندرش في مايو سنة 1570.

 

وهنا رأتِ الحكومة الإسبانيَّة أنْ تجنحَ إلى شيءٍ من اللين؛ خشيةً من عواقب هذا النِّضال الرائع، فبعَث الدون جون رسلَه إلى الزعيم الحبقي يُفاتحه في أمر الصُّلح، وصدَر أمرٌ ملكي بالوعد بالعفوِ التامِّ عن جميع الموريسكيين الذين يُقدِّمون خُضوعَهم في ظرف عِشرين يومًا من إعلانه، ولهم أنْ يقدموا ظُلاماتهم فتُبحَثَ بعنايةٍ، وكلُّ مَن رفَض الخضوع ما عدا النساء والأطفال دون الرابعة عشرة قُضِي عليه بالموت؛ فلم يُصغِ إلى النداء أحدٌ؛ ذلك أنَّ الموريسكيين أيقنوا نهائيًّا بأنَّ إسبانيا النصرانيَّة لا عهدَ لها ولا ذِمام، وأنها غيرُ أهلٍ للوفاء، فعادَ الدون جون إلى استِئناف القتال والمطاردة، وانقضَّ الإسبان على الموريسكيين محاربين ومسالمين يُمعِنون فيهم قتلاً وأسرًا، وسارت قوَّةٌ بقيادة دوق سيزا إلى شمال البشرات واشتبكَتْ مع قوات مولاي عبدالله في عِدَّةِ معارك غير حاسمة، وسارت مُفاوَضات الصُّلح في نفس الوقت عن طريق الحبقي، وكان مولاي عبدالله قد رأى تجهُّم الموقف ورأى أتباعَه ومُواطنيه يسقُطون من حوله تباعًا، والقوَّة الغاشمة تجتاحُ في طريقِها كلَّ شيءٍ، فمالَ إلى الصُّلح والمسالمة، واستِخلاص ما يمكنُ استخلاصُه من بَراثِن القوَّة القاهرة، واتَّفق المفاوضون على أنْ يتقدَّم الحبقي إلى الدون جون بإعلان خُضوعِه وطلب العفو لِمُواطِنيه، فيصدر العفو العام عن الموريسكيين، وتكفل الحكومة الإسبانيَّة حمايتها لهم أينما ارتأتْ إقامتهم، وفي ذات مساءٍ سارَ الحبقي في سريَّةٍ من فُرسانه إلى معسكر الدون في إندرش، وقدَّم له الخضوعَ وحصَل على العفوِ المنشود.

 

ولكنَّ هذا الصُّلح لم يُرْضِ الموريسكيين، ولم يُرْضِ بالأخصِّ مولاي عبدالله وباقي الزُّعَماء؛ ذلك لأنَّهم لمحوا فيه نيَّةَ إسبانيا النصرانيَّة في نفيهم ونزعِهم عن أوطانهم، ففيمَ كانت الثورة إذًا؟ وفيمَ كان النضال؟ لقد ثارَ الموريسكيون لأنَّ إسبانيا أرادت أنْ تنزعَهم لغتَهم وتقاليدَهم، فكيف بها إذ تعتزم أنْ تنزعهم ذلك الوطنَ العزيز الذي نشؤوا في ظِلاله الفيحاء، والذي يضمُّ تاريخهم وكلَّ مجدهم وذكرياتهم؟ أنكَر الموريسكيون ذلك الصُّلح المجحِف، وارتابَ مولاي عبدالله في موقف الحبقي؛ إذ رآه يروجُ لهذا الصُّلح بكلِّ قواه، ويدعو إلى الخضوع والطاعة للعدوِّ، فاستَقدَمه إلى معسكرِه بالحيلةٍ، وهنالك أُعدِمَ سرًّا، ووقف الدون جون على ذلك بعد أسابيع من الانتظار والتريُّث، وبعَث رسولَه إلى مولاي عبدالله، فأعلَنَ إليه أنَّه يترُك الموريسكيين أحرارًا في تصرُّفهم، بَيْدَ أنَّه يأبى الخضوع ما بَقِيَ فيه رمق ينبضُ، وأنَّه يؤثرُ أنْ يموتَ مسلمًا مخلصًا لدِينه ووطنه على أنْ يحصل على ملك إسبانيا بأسْره، والظاهر أنَّ مولاي عبدالله كانت قد وصلَتْه يومئذٍ أمدادٌ من المغرب شدَّت أزرَه وقوَّت أمَلَه، وعادت الثورةُ إلى اضطرامها حول رندة، وأرسلَ مولاي عبدالله أخاه الغالب ليقود الثوَّار في تلك الأنحاء، وثارت الحكومة الإسبانيَّة لهذا التحدِّي، واعتزمت سحقَ الثوَّار بما ملكت؛ فسار الدون جون في قوَّاته إلى وادي آش، وسارَ جيشٌ آخَر من غَرناطة بقِيادة دوق ركيصانص إلى شمال البشرات، وسارَ جيشٌ ثالث إلى بَسائط رندة، واجتاحَ الإسبانُ في طريقِهم كلَّ شيءٍ، وأمعَنتْ في التَّقتيلِ والتَّخريبِ، وعَبَثًا حاوَلَتِ السَّرايا الموريسكيَّة أنْ تقفَ في وجْه هذا السيل؛ فمُزِّقَتْ تِباعًا، وهدَم الإسبانُ الضياعَ والقُرى والمعاقل، وأُتلِفت الأحراشُ والحقولُ حتى لا يبقَى للثائرين مثوًى أو مصدرٌ للقُوت، وأخذت دعائم الثورة تنهارُ بسرعةٍ، وفرَّ كثيرٌ من الموريسكيِّين إلى إخوانهم في إفريقيَّة، ولم يبقَ أمامَ الإسبان سِوى مولاي عبدالله وجيشِه الصغير، بَيْدَ أنَّ مولاي عبدالله لبثَ معتصمًا بأعماقِ الجبال يُحاذرُ الظُّهور أمامَ هذا السَّيل الجارفِ.

 

وفي 28 أكتوبر سنة 1570 أصدَرَ فيليب الثاني قَرارًا بنفْي الموريسكيين من مملكة غَرناطة إلى داخِل البلادِ، ومُصادَرة أملاكِهم العقاريَّة، وترْك أملاكهم المنقولة يتصرَّفون فيها، ونفذ القَرار الجديد بِمُنتَهى الصَّرامة والتحوُّط، وجُمِعَ الموريسكيُّون في الكنائس أكداسًا، يحيطُ بهم الجندُ في كلِّ مكانٍ، ونزعوا من أوطانهم ورُبوعهم العَزيزة، وشُتِّتُوا داخلَ الأقاليم الإسبانيَّة، وانهارَ بذلك المجتمعُ الموريسكي في مملكة غَرناطة، ولم يبقَ إلا أنْ يسحق مولاي عبدالله وجيشه الصَّغير، وكان هذا الأميرُ المنكود يرَى قوَّادَه ومَواردَه تذوبُ بسرعةٍ، وقد انهارَ كلُّ أملٍ في النصر أو السِّلم الشريف، بَيْدَ أنَّه لبث مختفيًا في أغوارِ الجبال مع شِرذمةٍ من جُنده المُخلِصين، وفي مارس سنة 1571 كشَف بعضُ الأسرى سرَّ مخبئه للإسبان؛ فأوفدوا رُسلَهم إلى مُعَسكرِه في بعض المغائر، وهناك استَطاعُوا إغراءَ ضابطٍ مغربي من خاصَّته يُدعى (الزنيش)، أغدَقُوا له المِنَحَ والوعود إذا استَطاعَ أنْ يُسلِّمَهم مولاي عبدالله حيًّا أو ميتًا، وزوَّدوه بالعفو الشامل؛ فدبَّر الضابط الخائن خطَّةً لاغتيال سيِّده، وفي ذات يومٍ فاجَأَه مع شِرذمةٍ من أصحابِه، فقاوَمَ مولاي عبدالله ما استطاعَ، ولكنَّه سقط أخيرًا مُثخنًا بجراحِه؛ فحمل الخونةُ جثَّته إلى غَرناطة، وهناك رتَّب الإسبان موكبًا أُركِبت فيه الجثة مسندةً إلى بغلٍ كأنما هي إنسانٌ حي، ثم حُمِلت إلى النِّطع، وأُجرِي فيها حكمُ الإعدامِ، فقطع رأسها، ثم جُرَّتْ في شوارع غَرناطة مُبالغةً في التمثيل والنَّكال، وبعد ذلك أُحرِقت في الميدان الكبير.

 

- 5 -

وهكذا انهارَتِ الثورةُ الموريسكيَّة وسُحِقت، وخَبَتْ آخِرُ جَذوةٍ من العزم والنِّضال في صُدور هذا المجتمعِ الأبيِّ المجاهد، وقضَتِ المشانقُ والمحارق والمِحَنُ المروِّعة على كلِّ نزعةٍ إلى الخروج والنِّضال، وهبَّت ريحٌ من الرهبة والاستكانة المطلقة على ذلك المجتمع المهيض المُعذَّب، وعاشَ الموريسكيون لا يُسمَع لهم صوتٌ، ولا تقومُ لهم قائمةٌ، في ظلِّ العبوديَّة الشاملة والإرهاق المطبق حقبةً أخرى.

 

على أنَّ إسبانيا النصرانيَّة لم تطمئنَّ مع ذلك إلى وُجود هذا الشعب المستكين الأعزل، الذي ما زالَ رغم ضَعفِه وذلَّته يملأ جَنباتها بفُنونِه ونشاطِه المُنتِج، وكانت الكنيسة ما زالت تنفثُ إلى الدولة تحريضَها البَغِيض على مجتمعٍ لم تطمئنَّ إلى صِحَّةِ إيمانِه، وكانت الدولةُ ذاتها تلتمسُ المعاذير لاضطهاد هذا المجتمع ومُطاردته، فهي تخشَى من أنْ يعودَ إلى الثَّورة، وهي تخشَى من صِلاتِه المستمرَّة مع مسلمي إفريقيَّة، وكان التنصُّر المطبِق قد عَمَّ الموريسكيين وغَدا أبناءُ قريش ومضر بِحُكم القُوَّة والتطوُّر نَصارى وقشتاليين، يشهَدون القدَّاس، ويتكلَّمون القشتاليَّة، غير أنهم لبثوا مع ذلك في معزلٍ تَلفِظُهم إسبانيا النصرانيَّة، وتحيطُهم بريبها وبُغضِها؛ وكانت ثمَّة جموعٌ كبيرةٌ منهم في بلنسية ومرسية؛ ففي عهد فيليب الثالث اتَّخذت إسبانيا النصرانيَّة خُطوتها الحاسمة، وأصدَرتْ قَرارَها الشهير في صحف الاضطِهاد، بنفْي الموريسكيين أو العرب المتنصِّرين من إسبانيا، وإخراجهم نهائيًّا من جميع الأراضي الإسبانيَّة (سنة 1609م - 1017هـ)، وحشدت السُّفن لنقْل مَن كان منهم في الثُّغور إلى إفريقيَّة، ونزَح سُكَّانُ الشمال منهم إلى فرنسا، حيث استقرُّوا في لانجدوك وجويان.

 

وبذلك انتَهَى الفصلُ الأخيرُ من مَأساة الموريسكيين، وطُوِيت صفحةُ شعبٍ من أمجد عُصور التاريخ، وحضارةٍ من أعرق حَضاراته.

 

ولكنَّ فلكَ التاريخ يسيرُ بلا هوادة؛ فقد كانت مَأساة الموريسكيِّين ضربةً لإسبانيا النصرانيَّة ذاتها، وكانت بدء عُصور التدهور والانحِلال التي ما زالت تتخبَّط إسبانيا في ظُلماتها.

 

وهل يكونُ من عَدالةِ الله في أرضه وبين شُعوبه أنْ تجتاحَ إسبانيا النصرانيَّةَ اليومَ موجةٌ مُدمِّرةٌ من الحديد والنار تحصدُ أبناءها وحَضاراتها حصدًا؟ وهل تكونُ الحربُ الأهليَّة الإسبانيَّة نقمةَ الموريسكيين تلحقُ إسبانيا بعدَ أربعمائة عام؟


(تم البحث)


[*] ننشر هذه المقالات لتميزها من الناحية التاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إعادة إظهارها على شبكة الإنترنت، مع التنبيه على أن كاتبها المؤرخ (محمد عبدالله عنان) هو أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري، فليتنبه القارئ إذا رأى له ما يخالف منهج المسلم الصحيح.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (1/3)
  • الصراع الأخير بين الموريسكيين وإسبانيا (2/ 3)
  • الإسلام والمسلمون في إسبانيا
  • الموريسكولوجيا والامتحان الصعب
  • الفارس الأخير

مختارات من الشبكة

  • تفسير سورة القصص: قصة الصراع بين الخير والشر أو الصراع بين الحق والباطل (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العام الهجري الجديد عام تجديد أم تبديد؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • إسبانيا: استمرار الصراع بين المسلمين والنصارى على مسجد قرطبة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • عجائب القدر في الصراع بين البشر(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الصراع بين الحق والباطل: سنة حاصلة وماضية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخلاصة والنتيجة من كتاب صدام الثنائيات افتعال الصراع بين الملتقيات(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • فن إدارة الصراع بين الزوجين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إلى من يتوهم الصراع بين العقل والنقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • القرصنة البحرية كظاهرة بين الصراع والتقارب العربي الأوروبي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • صدام الثنائيات: افتعال الصراع بين الملتقيات (PDF)(كتاب - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب