• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

وقف المد البشري في العالم الإسلامي

أ. د. سعد الدين السيد صالح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/2/2012 ميلادي - 21/3/1433 هجري

الزيارات: 13143

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تمهيد:

تعتبر القوى البشرية من أهم عوامل التقدم، والازدهار، والسيطرة، ولذا فإن كل حضارة أرادت لنفسها العزة والقوة، اهتمت - أول ما اهتمت - بزيادة نسلها وتنميته، واستغلاله أفضل استغلال، من هنا يرى المؤرخ العالمي (توينبي) أن القوى البشرية من أهم التحديات التي يتوقف عليها تقدم أي حضارة إنسانية، كما يقول (أورجانسكي): «أحسن أقطار العالم وأكثرها رفاهية، هو القطر الذي فيه زيادة السكان، وأنه أرفه ما يكون أيام يتجه عدد سكانه إلى الزيادة المضطردة»[1].. والإسلام يهدف – أول ما يهدف – إلى بناء حضارة عالمية لتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية معاً لذا كان من أول مقاصده وأهدافه زيادة النسل وتنميته واستغلاله أحسن استغلال، من هنا كانت أوامر الإسلام بالنكاح من أجل النسل، حتى أنه جعل مباشرة الرجل لامرأته معللة بقصد الإنجاب إذ هو أثرها اللازم في الغالب. يقول الله تعالى:﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾[2] والحرث هو موضع البذر والإنبات.

 

وقد نظر الإسلام إلى النسل على أنه نعمة وهبة من الله تستحق شكر الله بالحفاظ عليها وأداء حق الله فيها، يقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾[3].

 

وقال على لسان زكريا: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾[4].

 

﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[5] ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾[6] ﴿وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا﴾[7] ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾[8].

 

فكل هذه الآيات تشير إلى أن النسل هبة ونعمة من نعم الله، وخير محض يستحق الشكر ومن هنا كان نعي القرآن وتهديده لهؤلاء الذين يكفرون بنعمة النسل حين قال ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا﴾[9].

 

كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بزيادة النسل وتكثيره فقال:«تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة »[10].

 

وقال صلى الله عليه وسلم «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» [11].

 

وما دام النسل هدفاً أصيلاً من أهداف الإسلام فلا بد من المحافظة عليه وصيانته.

 

ولذا - أمر القرآن برعاية الأبناء وتربيتهم والإنفاق عليهم وتعليمهم وتهيئتهم لخدمة مجتمعاتهم، وجعل ذلك حقاً لهم على آبائهم، وأولياء أمورهم وعلى مجتمعهم قال صلى الله عليه وسلم:«من حق الوالد على ولده أن يحسن اسمه، ويحسن موضعه ويحسن أدبه» وقال صلى الله عليه وسلم «من عال ثلاث بنات فأدبهن وأحسن إليهن وزجهن فله الجنة»، وقال عليه السلام أيضاً في ضرورة تأديب الولد وتهذيبه» «رحم الله والداً أعان ولده على بره».

 

إذاً فتعليم الأبناء وتربيتهم والإنفاق عليهم من أول حقوق الأبناء على آبائهم ثم فرض الإسلام لهم حقاً آخر وهو حق المحافظة على حياتهم كما حذر من قتلهم كما كان يفعل عرب الجاهلية الأولى خوف الفقر والحاجة، قال تعالى:«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ» وقال:«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» والإملاق هو الفقر والحاجة وضيق الأحوال الاقتصادية.

 

والفرق بين الآيتين: أن الآية الأولى حرمت القتل لفقر حاصل بالفعل «من إملاق» أما الثانية فقد حرمته لفقر متوقع «خشية إملاق».

• ونلاحظ في هذه الآية أمرين:

الأمر الأول: هو النهي عن القتل وهذه جريمة في حد ذاتها.

الأمر الثاني: هو خشية الفقر واعتقادهم أن أولادهم سبب فقرهم وبؤسهم بسبب ضيق الأرض ونفاد موارد الرزق.

 

وهذا الأمر الثاني كفر لأنه إنكار لقدرة الله وإظهاره جل شأنه بمظهر العاجز عن كفاية خلقه ورزقهم مع أنه هو المتكفل بأرزاق عباده والمقدر لها، قال تعالى:﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾[12] ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾[13] ﴿إِنَّ اللَّهَ هُو الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ [14]﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنـزلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ هكذا يبين الله لعباده أنه المتكفل بأرزاقهم والمقدر لها مهما تكن أعدادهم ولكن بشرط أساسي وهو سعيهم وطلبهم لهذا الرزق، وضربهم في الأرض بحثاً وتنقيباً عنه.

 

يقول الله تعالى:﴿هُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[15] ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾[16] ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾[17].

 

وقرن القرآن الكريم بين السعي في طلب الرزق وبين الجهاد في سبيل الله فقال ﴿وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[18] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يزرع أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة»[19].

 

وإذا كان الله قد تكفل بأرزاق العباد، وأمرهم بالسعي في طلبها، فإن قتل الأولاد خشية الفقر والظروف الاقتصادية يكون إنكاراً لقدرة الله وعلمه الشامل بما كان وبما يكون مع أن الله تعالى يقول:﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾[20] فهو وحده الذي يتولى زيادة النسل ونقصانه تبعاً لحاجة الكون إليه ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾[21] ومن هنا كان تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل الأولاد خشية الفقر فقد سئل أي الذنب أعظم فقال:«أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال ثم أي؟ قال:«أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك».

 

هذا فيما يتعلق بحق الحياة وحق التربية والتعليم، وحين ينفصل الزوج عن زوجته بالطلاق يفرض لهم حق آخر وهو حق الحضانة.

 

هذه هي تعاليم الإسلام فيما يتعلق بالنسل، ومن أجل إيمان المسلمين، والتزامهم بها زاد عددهم وتضاعف عشرات المرات حتى وصلوا أخيراً إلى ما يزيد عن ألف مليون مسلم.

 

وهذا ما أقلق أعداء الإسلام، خصوصاً وإن أعدادهم أصبحت في تناقص مستمر بسبب إيمانهم بتحديد النسل، وبسبب الحروب التي قتلت عشرات الملايين منهم.

 

وسوف نوضح فيما يأتي، خوفهم من زيادة نسل المسلمين وخطتهم في القضاء عليه.

 

فزع أعداء الإسلام من زيادة نسل المسلمين:

أصيب العالم الغربي بفزع شديد من الاضطراد المستمر في زيادة أعداء المسلمين خصوصاً والمواجهة على أشدها بين المسلمين واليهود «حلفائهم الأعزاء» وزاد من خوف الغرب النصراني ما يملكه العالم الإسلامي من المواد الخام وما تحتويه أرضه من الثروات مما يساعد على تحويله إلى قوة عالمية في فترة وجيزة.

 

وقد عبر المفكر الألماني (باول شمتز) عن هذا الفزع فقال:«يوجد لدى المسلمين عنصران يؤثران تأثيراً كبيراً في سياسة التعاون بين الأقطار الإسلامية الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح غداً قوة عالمية: الزيادة المطردة في عدد سكانه، وما توصلت إليه الأبحاث من أن في باطن الأرض ثروة من المواد الخام تكفي – كما يقول الخبراء – لقيام صناعة تضارع مثيلاتها في أوربا، بل سيكون لدى الشرق فائضٌ من المواد الخام يجعله من أول المناطق المصدرة في  العالم، وهذا - أي الزيادة المطردة في السكان، والمواد الخام – هما مصدر القوة النامية في العالم الإسلامي».

 

ثم يقول:

«تشير ظاهرة نمو السكان في أقطار الشرق الإسلامي إلى احتمال وقوع هزة في ميزان القوى بين الشرق والغرب، فقد دلت الدراسات على أن لدى سكان هذه المنطقة خصوبة بشرية تفوق نسبتها ما لدى الشعوب الأوربية، وسوف تمكن الزيادة في الإنتاج البشري الشرق على نقل السلطة في مدة لا تتجاوز بضعة عقود»[22].

 

ثم يشير شمتز إلى خطورة القوى البشرية الإسلامية على المواجهة بين المسلمين واليهود، حيث يقارن بين عدد المسلمين وعدد اليهود في فلسطين ثم ينتهي من هذه المقارنة إلى أن الخصوبة البشرية لدى المسلمين أكبر منها لدى اليهود مرتين ونصف وهذا ما يجعل آمال الصهيونية في فلسطين تتحطم[23].

 

ولقد دفع الصراع بين أوربا والعالم الإسلامي إلى قيام الأوربيين بدراسات مقارنة في مجال السكان للوقوف على اتجاه ميزان القوى البشرية بين الطرفين، وتوصل الباحثون إلى نتيجة أصابت الأوربيين بالذعر والقلق، فقد اكتشفوا أن بين كل 13ر3 من البالغين في أوربا يوجد شاب واحد تحت الخامسة عشرة أما في مصر وتركيا وإيران فقد أثبت الإحصاء أن فيها شاباً تحت الخامسة عشرة بين كل 38ر1 من البالغين معنى هذا أن العالم الإسلامي يملك حوالي 75 % من القوى النامية «الأطفال» بينما الغرب يملك حوالي 35 % فقط، إذاً بعد عشرات السنين سوف تكبر القوى النامية الإسلامية مما يؤثر على العلاقة بين الشرق والغرب [24].

 

ومن هنا وضع أعداء الإسلام خطتهم لوقف المد البشري الإسلامي.

 

خطة أعداء الإسلام:

كانت خطة الغرب النصراني في وقف المد  البشري  الإسلامي، أن يقوم بالدعوة إلى تحديد النسل في العالم الإسلامي بأية صورة من الصور، حتى ولو كانت هي أن يرصد مئات الملايين من الدولارات ويرسلها إلى الدول الإسلامية في صورة تبرعات خاصة بجهاز تنظيم الأسرة الذي أنشئ بواسطة الدسائس النصرانية لخدمة مخططات أعداء الإسلام.

 

وبدأت بالفعل دول أوربا في إرسال  هذه الأموال في صورة هبات ومنح بشرط ألا تصرف إلا في الدعوة إلى تحديد النسل وسلطوا على المسلمين أجهزة أعلامهم التي تحدثت كثيراً عما يسمى بالانفجار السكاني، وادعوا أن الأرض محدودة، وأن وسائل المعيشة ومواردها محدودة، لكن القوى البشرية في زيادة مستمرة مما يؤكد حدوث مجاعات في المستقبل إن لم تقم الدول بتحديد النسل.

 

وقد انخدع بهذه الدعوات المضللة بعض حكام المسلمين فدعوا إلى (تحديد النسل) ولكن الحس الإسلامي رفض هذه الدعوة لأنها تتعارض مع صميم العقيدة الإسلامية فعدلوا اسم الدعوة إلى: تنظيم الأسرة أو تنظيم النسل وكلها أسماء لمسمى واحد، وبدأت الحكومات الغربية تعطي خبرتها في هذا الميدان لهذه الحكومات الإسلامية المخدوعة، وتمدها بالأجهزة والمال الذي يساعدها على تحقيق ذلك بحجة الخوف على مصالح المسلمين، وخداعهم والخوف من قوتهم البشرية النامية، أو كما قال شمتز، الخوف من اختلال ميزان القوى وانتقال السلطة من الغرب إلى المسلمين.

 

وهذا ما يشير إليه المفكر الهندي محمد إقبال حين يقول: هناك سيل عرمرم من الكتب والرسائل التي تحاول أن تجرف بلادنا إلى اتباع خطة منع الحمل، على حين أن أهل الغرب في بلادهم أنفسهم يتابعون الجهود الفنية لرفع نسبة المواليد وزيادة السكان، ومن أهم أسباب هذه لحركة عندي أن عدد السكان في أوربا في تدهور شديد بينما عدد السكان في الشرق في زيادة مطردة، وهذا ما ترى فيه أوربا خطراً مخيفاً على كيانها السياسي [25].

 

إذاً لم تكن الدعوة إلى تحديد النسل في العالم الإسلامي بهدف الخوف من الانفجار السكاني كما ادعوا، وإنما كانت بهدف وقف المد البشري الإسلامي بدليل أنهم صدروا هذه الدعوة إلى دول إسلامية تعاني من قلة النسل مثل سوريا التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين تقريباً وبها نحو اثني عشر مليوناً من الأفدنة الصالحة للزراعة والتي تستوعب أكثر من خمسين مليوناً من الرجال.

 

ومثل العراق: الذي يبلغ سكانه تسعة ملايين تقريباً يملك نحو عشرين مليوناً من الأفدنة الخصبة التي تستوعب أكثر من ثمانين مليوناً من البشر.

 

ومثل السودان: الذي يملك نحو70 مليوناً من الأفدنة ولا يجد من السكان من يزرع عشر هذه الأرض.

 

إذاً لو كانت الدعوة المصلحة المسلمين حقاً لتركزت في المجتمعات الإسلامية ذات الكثافة السكانية العالية، ولكنها كانت دعوة محمومة استهدفت وقف المد البشري الإسلامي أياً كان مكانه.

 

وهذا ما يؤكد لنا أن الدعوة لتحديد النسل لها علاقة وثيقة بالصراع الدائر بين المسلمين واليهود فقد تركزت هذه الدعوة بصفة خاصة في الدول المحيطة بإسرائيل مثل سوريا والأردن والعراق ولبنان ومصر.

 

وسوف نفصل قصة تحديد النسل في مصر كنموذج لما حدث في إنحاء العالم الإسلامي.

 

الدعوة لتحديد النسل في مصر:

اهتم أعداء الإسلام بمصر بصفة خاصة، حيث أشار شمتز إلى أن مصر لديها أعلى نسبة مواليد بين كل شعوب الإسلامي وأنها سوف تنمو بشرياً إلى درجة قد تمكنها من استعمار الكرة الأرضية[26].

 

ومن هنا كان اهتمامهم بمصر حيث خصوها بالدعاية المركزة، لأنها هي التي تقف بالمرصاد لإسرائيل، ولأن جيشها المظفر هو بعون الله قوة للمسلمين أجمعين وكان أول من نادى بفكرة تحديد النسل في مصر هو العميل المأجور والنصراني الحاقد «سلامه موسى» الذي دفعه أعداء الإسلام إلى ترجمة عدد من الكتب التي تشرح الفكرة وتروج لها بين المسلمين – مع أنه هو لم يكن يؤمن بها طبقاً لخطة الكنيسة، فقد أنجبت زوجته ثمانية [27].

 

وبعد تهيئة الجو الفكري للدعوة عن طريق وسائل الإعلام، بدأت دول أوربا في إرسال ملايين الدولارات إلى مصر من أجل الدعوة لتحديد النسل وتنظيم الأسرة.

 

وقد نشرت صحف القاهرة خبراً مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية قد رفعت المعونة المقدمة منها إلى جمهورية مصر العربية والخاصة بتنظيم الأسرة من 36 مليون دولار إلى 45 مليون دولار!!؟

 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما سر الاهتمام الزائد من الأمريكان بموضوع تحديد نسل المصريين؟

 

وهل يعطوننا هذه الأموال حباً في سواد عيوننا؟ أم أن لهم أهدافاً أخرى يحاولون تحقيقها من وراء هذه المنح؟ ونترك الإجابة على هذا السؤال لرجل من رجال المخابرات الأمريكية هو (مايلز كوبلاند) الذي يعبر عن وجهة نظر الحكومة الأمريكية في المساعدات بصفة عامة فيقول:«فالحقيقة الكامنة وراء كل هذه المساعدات هي تحقيق مصالحنا بالدرجة الأولى، هذا ما نأخذه دوماً بعين الاعتبار عند تخطيط استراتيجيتنا في أبراج وزارة الخارجية في واشنطن، عن أية مغانم يحققها الطرف الآخر، سواء كانت خيالاً أم واقعاً لن تكون مقصودة أبداً، كما أنه لا يستبعد أبداً أن تكون طعماً في يد صياد يغري بها فريسته حتى تقع في شباكه» [28].

 

إذاً فالمسألة ليست مصلحة المصريين وإنما مصلحة أعدائهم الذين يستفيدون من تحديد نسلهم وإضعاف قوتهم.

 

ثم نطرح سؤلاً آخر: هل مصر في حاجة فعلاً إلى تنظيم النسل؟ وهل تنظيم النسل يفيدها اقتصادياً أم يضرها؟ الذين يروجون للدعوة يقولون إن تحديد النسل سوف يؤدي إلى رواج اقتصادي، وارتفاع بمستوى الخدمات والإنتاج، ولكنهم يتناسون مقررات علم الاقتصاد التي تقول: إن عوامل الإنتاج ثلاثة هي:

• الأرض - رأس المال - والإنسان - وهو أهم العوامل على الإطلاق، لأنه ما قيمة الأرض والثروات والمال إذا لم تكن هناك قوة بشرية تستطيع استغلالها.

 

إذاً فالنسل عامل إنتاج وثروة بشرية يمكن أن يدر على مصر الأرباح الوفيرة سواء من عمله داخل مصر أو من خارجها.

 

أما في داخل البلاد: فهناك من الموارد والأرض ما يكفي لإعاشة أضعاف سكانها كما يقول الخبراء.

 

وأمامنا مثل واحد في سيناء، فهي كافية لإعاشة الملايين لو وجدت من يعمرها ويرد لها الحياة.

 

ونأسف غاية الأسف حين نقول «لنا في إسرائيل الأسوة الحسنة» فما إن استولت عليها بعد الحرب حتى حولت أجزاء كبيرة منها إلى مدن متكاملة ومزارع أمدت إسرائيل بالخضر والفواكه.

 

وهناك غير سيناء الصحراء الممتدة من مصر إلى بور سعيد ومن مصر إلى الإسكندرية، ومن الإسكندرية إلى السلوم هذا المنطقة التي أثبتت الأبحاث صلاحيتها للزراعة وقد أعلن وزير الحربية أخيراً أن الصحراء الممتدة من الإسكندرية إلى السلوم بها ما يقرب من ستة ملايين فدان صالحة للزراعة وبها آبار ومياه جوفية، وقد قامت القوات المسلحة بالفعل باستصلاح ألفي فدان في هذه المناطق.

 

وإننا لنتساءل كم تحتاج هذه الملايين الستة من الأيدي العاملة؟

والإجابة على هذا السؤال تأتينا حين نعلم أن مساحة الأراضي المزروعة في مصر حالياً حوالي ملايين فدان ومعنى ذلك أن الأرض الجديدة تحتاج إلى أضعاف العاملين في الأرض الزراعية حالياً.

 

إذاً فنحن في حاجة إلى زيادة النسل لكي يعود الخير على مصر.

 

وهل يليق أن ندعو إلى تنظيم النسل وفي الريف يستأجر أصحاب الأرض من يزرعها لهم؟

 

وكل هذا يؤكد أن الدعوة إلى تحديد النسل في مصر أو تنظيمه فاشلة اقتصادياً وسياسياً ودينياً واجتماعياً وبكل المقاييس الممكنة.

 

• وأما في خارج مصر: فقد جربنا هجرات الشباب إلى الدول العربية للعمل هناك وقد عادت التجربة على كثير من المصريين بالخير العميم.

 

إذاً فالنسل في حد ذاته ثروة، بل هو أثمن لثروات وأغلاها إلا أن أعداء الإسلام يريدون حرماننا من هذه الثروة التي حبانا الله بها.

 

وحين تستمع إلى دعوتهم ونسير على خطتهم نكون كمثل إنسان يملك كنـزاً من الذهب ولكنه لا يستطيع أن يستفيد منه بصنعه حلياً أو نقداً أو ما ينفع الناس في الأرض فيلقيه في البحر ليتخلص من أعباء صناعته أو الانتفاع به.

 

وهكذا فلدينا كنز، علينا أن نحسن توجيهه والاستفادة به وتوزيعه، حتى يعود علينا بالخير العميم وأما أن نقتله في أصلابنا فهذا هو الكفر بنعمة الله، وإلى هؤلاء الذين يخوفوننا من كثرة النسل وقلة الموارد نهدي تجربة ألمانيا وفرنسا وإنجلترا.

 

• كان عدد السكان في ألمانيا عام 1880م 45 مليوناً وكانوا يعانون حينذاك من ضنك المعيشة والفقر حتى كانوا يهاجرون بحثاً عن الرزق ولكن لما بلغ عددهم 68 مليوناً خلال أربعة وثلاثين عاماً ارتفعت عنهم ضائقة العيش وتضاعفت مواردهم حتى اضطروا إلى استجلاب العمال من الخارج.

 

• أما إنجلترا فقد زاد عددها بصورة مدهشة من (12) مليوناً فقط سنة 1779م إلى 38 مليوناً سنة 1890م ولكن مع تزايدهم على هذا الوجه تزايدت وسائلهم المعاشية بسرعة مدهشة حتى أصبحت محتكرة للصناعة والتجارة العالمية.

 

• وأما فرنسا فقد سارت على خطة تحديد النسل حتى تناقص عددها تناقصاً ملحوظاً مما دفع بها إلى هزيمتها المنكرة في الحروب، بل إنها الآن تعوض زيادة النسل عن طريق الدعارة والطرق غير المشروعة[29].

 

إذاً فلا ينبغي أن نخشى زيادة لأنها ثروة قومية سوف تعود علينا بالخير إن شاء الله.

 

مناقشة فكرة تحديد النسل

سوف نناقش هذه الفكرة من جميع جوانبها الدينية والاقتصادية، والاجتماعية والصحية.

 

موقف الإسلام من تحديد النسل:

قبل أن أدخل في مناقشة هذه الفكرة من الناحية الإسلامية أعرض على القارئ الكريم قراراً لمؤتمرين إسلاميين جمعا بين خيرة علماء المسلمين في الأرض.

 

أولهما: هو قرار مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد سنة 1965م بمصر والذي جمع أكثر من مائتي عالم من مختلف الدول الإسلامية، وقد قرر المؤتمر فيما يتعلق بموضوع تحديد النسل ما يلي:

1- أن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثيره، لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعياً، واقتصادياً، وتزيدها عزة ومنعة.

 

2- إذا كانت هناك ضرورة شخصية تحتم تنظيم النسل، فللزوجين أن يتصرفا طبقاً لما تقضيه الضرورة، وتقدير هذه الضرورة متروك لضمير الفرد ودينه.

 

3- لا يصح شرعاً وضع قوانين تجبر الناس على تحديد النسل بأي وجه من الوجوه.

 

4- أن الإجهاض بقصد تحديد النسل، أو استعمال الوسائل التي تؤدي إلى العقم لهذا الغرض أمر لا تجوز ممارسته شرعاً للزوجين أو لغيرهما.

 

ويوصى المؤتمر بتوعية المواطنين[30].

 

وثانيهما: هو قرار المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة المنعقد بمكة سنة 1977م وقد قرر ما يلي: تحذير المسلمين من الدعوة المشبوهة التي روجها أعداء الإسلام لتحديد النسل، واستنكار ما تقوم به بعض الحكومات من أجبار المسلمين على تحديد نسلهم بطريق التعقيم الإجباري[31].

 

هذه قرارات خيرة علماء المسلمين في الأرض كلها، لأنهم يقولون كلمة الحق دون خوف من حاكم أو سلطان ولا يقولونها إلا خالصة لله سبحانه وتعالى، وهذا ما يدفع المسلم إلى أن يأخذ بكلامهم مأخذ التسليم ومع ذلك فسوف نناقش هذه الفكرة بمنهجنا الخاص:

والذي نراه أن فكرة تحديد النسل معارضة لأساس العقيدة الإسلامية من جهة كما أنها معارضة لمقاصد الإسلام وأهدافه من جهة ثانية.

 

• أما عن معارضة الفكرة لأساس العقيدة الإسلامية، فلأن فلسفة هذه الفكرة هي أن الأرض محدودة، وموارد المعيشة محدودة، بينما الزيادة البشرية غير محدودة مما يؤدي إلى الانفجار السكاني واستحالة الحياة على هذه الأرض.

 

وهذا معناه انتقاد لذات الله سبحانه وتعالى، وكأنهم يعلمون عن هذا الكون أكثر مما يعلمه الله سبحانه وتعالى ومن هنا يدبرون الأمر لإنقاذه من الهلاك.

 

إن هذا الكلام معناه ببساطة أنهم يقولون للإله: لقد أخطأت التقدير وأسأت التدبير، فلم تعد الأقوات التي خلقتها كافية للناس[32] ولا الأرض بمتسعة لهم.

 

وهذا معارض لنصوص القرآن الكريم التي أكدت علم الله الشامل وتدبيره المحكم وتقديره لأقوات العباد، وأرزاقهم ومعرفته بالأرحام وما حملت إنه إنكار لقول الله تعالى ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾[33] ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[34] ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[35] ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾[36].

 

نعم فقد صدر هذا الكلام عن أناس ملحدين لا يؤمنون بالله أصلاً فضلاً عن أن يؤمنوا بأنه هو الرازق أو المقدر للأقوات، إذاً فتعاليم الإسلام ترفض هذه الفكرة من أساسها لأنها صدرت من منطلقات مادية ملحدة، ومن أناس وضعوا أنفسهم مكان الإله هم الذين يدبرون وهم الذين يخططون للكون بعيداً عن تخطيط الله له، وما كان ينبغي أن يردد هذا الكلام في وسط المجتمعات الإسلامية ذات المنطلقات الإيمانية.

 

• وأما عن معارضة فكرة تحديد النسل لمقاصد الإسلام وأهدافه، فقد بينا فيما سبق أن زيادة النسل من أهم مقاصد الإسلام التي أمر بها القرآن وحث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

ومعنى هذا أن تحديد النسل معارض لأغراض الإسلام، ومع ذلك فقد وردت بعض أحاديث يفهم منها أباحة العزل.

 

مثل حديث جابر «كنا نعزل على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن ينـزل، فبلغه ذلك فلم ينهنا».

 

ورواية أبي سعيد الخدري التي قال فيها «أصبنا سبياً فكنا نعزل فسألنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أو إنكم لتفعلون؟ قالها ثلاثاً، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة»[37].

 

وفي رواية أخرى أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال اعزل عنها إن شئت، فـإنها سيأتيها ما قدر لها[38].

 

ووردت بعض روايات تنفر من العزل وتقول إنه (الوأد الخفي) وقد ضعفها بعضهم.

 

وعلى أية حال فإننا لم نأخذ بالاعتبار إلا قولة النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على إباحة العزل، فإنه يمكن الاستدلال بها على إباحة العزل للأفراد بصفتهم الفردية وفي ظروفهم الشخصية، ولا يمكن أن يستدل بها على إباحة القيام بحركة شعبية عامة لمنع الحمل فقد رأينا أن معظم الظروف الشخصية في هذه الأحاديث كانت تدور حول الإماء، والخوف من حملهن الذي يترتب عليه أن تستحق الأمة الحرية إذا صارت أم ولد، فرخص الرسول لهم أحياناً وإن كانت الرخصة بصورة التنفير من هذا الأمر.

 

من هنا قال العلماء المخلصون: إن تحديد النسل رخصة رخصها الشارع للزوجين إذا دعت الضرورة - وهي محصورة في الخوف على حياة الأم من الهلاك إذا حملت، أو تخاف على ولدها الرضيع ضرراً غير عادي إذا وقع الحمل - ففي هذه الظروف إذا استخدمت الأم طريقة من طرق منع الحمل فلا بأس ولكن بعد مشورة الطبيب المسلم.

 

إلا أن هذه الرخصة لا تجوز شرعاً أن تأخذ شكل العموم وإلا خرجت من حكم الإباحة إلى حكم المنكر، لأن ما يجوز للفرد لا يجوز للجماعة حرصاً على المصلحة العامة. وعلى هذا فإذا ما عمد الحاكم فوجه الناس توجيهاً عاماً إلى تحديد النسل فإن ذلك يكون عدواناً على حق طبيعي من حقوق المجتمع ولذلك يكون توجيهه توجيهاً محرماً، ولا ينبغي أن يلقي أية استجابة من الناس له.

 

وعلى هذا فالدعوة العامة إلى تحديد النسل دعوة آثمة لا تقوم على أساس شرعي ولا على أي مصلحة اجتماعية[39].

 

مناقشة الفكرة اقتصادياً:

لا شك أن المناقشة الدينية هي الفيصل والأساس فالمسلم حين يسمع هذه الحقائق لا يملك إلا الإيمان والتسليم بخطأ هذه الفكرة. ومع ذلك فسوف نفصل المناقشة الاقتصادية لكي نقنع هؤلاء الذين جعلوا المادة كل شيء في حياتهم.

 

فهل لفكرة تحديد النسل جدوى من الناحية الاقتصادية؟

الواقع أن هذه الفكرة باطلة اقتصادياً سواء على المستوى العالمي أو على مستوى العالم الإسلامي.

 

• أما بالنسبة للمستوى العالمي: فلأن الأرض الموجودة بالفعل أوسع بكثير من عدد السكان الموجودين «ومالنوس» مخترع هذه الفكرة حين ادعى ضيق مساحة الأرض بالنسبة للسكان لم يكن على صواب، فقد حسب حسابه على أساس مساحة إنجلترا فقط وأنى له أن يحيط بكل الكرة الأرضية.


إن الكرة الأرضية تبلغ مساحتها 50 مليون و7168 ألف ميل مربع، ويبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 1959 م (2850) مليون نسمة، ومعنى هذا أن كل ميل مربع لا يسكنه إلا 54 شخص إذاً فالأرض في حاجة إلى أعداد وفيرة من السكان لاستصلاحها، ولا أدل على ذلك من أن 90 % من أراضي الصين لم تستغل بعد رغم الأعداد الوفيرة للسكان هناك و62 % من الأراضي الصالحة للسكنى والزراعة في غرب أفريقيا لم تستغل بعد. كما أن البرازيل لا يزرع من أرضه إلا 5ر2 % وكندا 8 %.

 

وإجمالاً فالإنسان لم يستخدم من مساحة الكرة الأرضية إلا10 % فقط مع أن هناك 70 % صالحة للزراعة و20% غابات ومراعي يمكن أن تستغل أيضاً.

 

ومعنى هذا أن تحديد النسل خسارة اقتصادية على العالم، لأنه لو زاد النسل لأمكن استصلاح كل هذه الأرضي الخالية. يقول أبو الأعلى المودودي:

«ليس ضيق الأرض على سكانها بمشكلة واقعية ولا من المشاكل المتوقعة، وإنما تكاسل الإنسان وتخاذل عزيمته هو الذي يدعوه إلى أن يقتل أولاده ويحدد نسله بدلاً من أن يبذل  جهوده، لاكتشاف الإمكانات الجديدة لنموه وتقدمه».

• أما عن ضيق الموارد البشرية، فهو مجرد ضيق في أفق مخترعي فكرة تحديد النسل، فهل استطاع هؤلاء المضللون أن يطلعوا على الثروات الطبيعية الموجودة في باطن الأرض، وفي قلب البحار حتى يقولوا بأن الثروات البشرية محدودة!

 

إذاً فأحكامهم غير واقعية، وهذا ما أثبته البحث العلمي، فقد أثبت العلم الحديث أن الإنسان لم يستطع حتى الآن أن يستغل إلا جانباً قليلاً جداً من الموارد البشرية الموجودة تحت سطح الأرض، وفي قاع البحار.

 

ومن هنا يقول (بول برليس) إن العالم يواجه كارثة إذا تقلص نموه السكاني ويقول «ويلفردنيكرمان» إن العالم الآن لا يستخدم من المواد البروتينية الموجودة في البحار إلا 5ر7 % من الموجودة على سطحها، والزيادة السنوية في المادة البروتينية تقدر بحوالي 30 مليار طن بينما يستعمل الإنسان حوالي 6 مليون طن فقط.

 

وهكذا يثبت العلم أن العالم يعاني من نقص في النمو السكاني، وليس من انفجار سكاني، بدليل أنه لم يستغل إلا جانب قليل من الثروات والموارد التي أودعها الخالق في باطن الأرض والمحيطات.

 

بل إن المشكلة التي تعاني منها بعض دول أوربا اليوم هي زيادة الإنتاج والموارد ومحاولة إيجاد الطرق للاستهلاك، فأمريكا تنفق في كل عام حوالي 400 مليون دولار لمجرد إضاعة الكمية الفائضة من البطاطة، أو بيعها بسعر منخفض، وإن كميات كبيرة من الزبيب تبلغ أثمانها مئات الملايين من الدولارات تقدم لأكل الخنازير، وفي أمريكا فائض من السلع يساوي مليون دولار، من القطن والقمح والذرة والبيض والزبدة والحليب[40].

 

إذاً ليست هناك مشكلة في الموارد، وإنما المشكلة هي مشكلة عدالة توزيع الثروة، والأنانية التي يتحلى بها الإنسان الغربي حتى إنه يتخلص أحياناً من مخزونها برميها في البحار أو تخزينها لأجل غير مسمى، ولا يفكر في  الشعوب التي تموت جوعاً.

 

كما أن المشكلة أيضاً في الاستخدام السيئ لموارد الكون فدول أمريكا وروسيا يبددان موارد العالم في سباق رهيب للتسليح فحسب ما نشرت وكالات الأنباء العالمية تجاوز الإنفاق العسكري في العالم خلال عام 1977م مبلغ 350 مليار دولار، وقد بلغت ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية وحدها لعام 1978م (120) مليار دولار منها 2 مليار دولار لإنتاج حاملة الطائرات النووية، في الوقت الذي تعاني فيه دولة من الدول الغربية مثل (هاييتي) من حالة من الفقر لا مثيل لها ومن المعروف أن لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي من الترسانات النووية ومخزون السلاح الذري ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية أكثر من عشرين مرة، ويذكر بعض الخبراء أنه لو اكتفت إحدى الدولتين العظميين بمخزون يكفي لتدمير العالم مرة واحدة بدلاً من عشرين مرة لفاض من ميزانيتها ما يغطي مشروعات الإنتاج والخدمات، ليس لهذه الدول فحسب، بل في العالم أجمع[41]، ومع ذلك يتبجحون وينحون باللائمة في المشكلة الاقتصادية على الله سبحانه وتعالى، وهم الذين صنعوها بأيديهم، واكتووا بنارها.

 

ومن هنا نفهم أن فكرة تحديد النسل، ليس لها أية قيمة من الناحية الاقتصادية بل على العكس، حيث يشير علماء الاقتصاد إلى أنها أدت إلى كثير من الخسائر الاقتصادية، حيث فقدت الإنسانية عنصراً أساسياً من عناصر الاقتصاد وهو الإنسان المبدع الخلاق الذي يستطيع أن يتعامل مع موارده حتى ولو كانت محدودة ويزيد منها ويتفاعل معها.

 

كما أن هذه الفكرة كانت سبباً في الكساد الاقتصادي الذي أصاب بعض البلدان ذلك أنه بانخفاض نسبة المواليد يقل عدد السكان المستهلكين عن عدد السكان المنتجين، وهذا ما يؤدي إلى البطالة بسبب قلة الطلب على المنتجات[42].

 

أضف إلى هذا أن فكرة تحديد النسل فكرة سلبية فهي تقلل من عدد الناس ولكنها لا تساعد على زيادة الموارد والإنتاج وبالتالي فضررها أكثر من نفعها.

 

• أما بالنسبة إلى العالم الإسلامي فالفكرة خسارة اقتصادية لا حد لها على المسلمين، فالعالم الإسلامي يملك مساحات شاسعة من الأراضي لم تستغل بعد، ويملك موارد بشرية  وثروات في باطن الأرض، ويملك قوة بشرية لا يستهان بها، وحين تتفاعل هذه العوامل الثلاثة، ويحسن المسلمون استغلال ثرواتهم سوف يتحولون إلى قوة عالمية تنفض عن نفسها غبار استعباد الغرب لها، واستغلاله لمواردها وتحكمه في مقدراتها.

 

ولذلك يركز الغرب النصراني في دعايته على العالم الإسلامي عامة وفي العالم العربي بصفة خاصة.

 

مع أن المساحة في العالم العربي وحده تبلغ 76ر12 مليون متر مربع ولا يزيد عدد سكانه عن 125 مليون نسمة، والكثافة السكانية في هذه المنطقة لا تزيد عن 9 أشخاص في الكيلو متر المربع في حين تبلغ الكثافة السكانية في بعض دول أوربا 87 في الكيلو متر، بل في دولة  السعودية وعمان لا تزيد الكثافة في الكيلو متر مربع عن خمسة أفراد وفي دولة الأمارات العربية تبلغ الكثافة ستة عشر فرداً في الكيلو متر المربع.

 

وفي العالم العربي عشرات الملايين من الأفدنة في حاجة إلى من يستفيد منها.

 

أما عن الموقع الجغرافي للعالم العربي فهو موقع عالمي ومتميز ويعتبر من أهم موارد الثروات، إن مفاتيح البحار والمحيطات تقع كلها تحت يده، إذ يشرف على مضيق جبل طارق، حيث نقطة الاتصال بين أوربا وحوض البحر المتوسط، وعلى قناة السويس حيث نقطة الالتقاء بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كما يطل على مضيق باب المندب حيث نقطة الاتصال بين المحيط الهندي والبحر الأحمر أي أن حركة الصادر والوارد في هذه المنافذ كلها تقع تحت عينه[43].

 

ومن هنا نعلم أن دعوة تحديد النسل في العالم الإسلامي، دعوة باطلة مضرة باقتصاديات العالم الإسلامي، لأنها تهدف إلى عدم استغلال المسلمين لمواردهم استغلالاً كاملاً، حتى لا ينهضوا، ولا تقوم لهم قائمة.

 

خطورة تحديد النسل من الناحية الصحية:

إذا كانت هذه الفكرة فاشلة اقتصادياً، فهي أيضاً لها كثير من الإضرار الصحية، على الرجال والنساء، فقد أثبت العلم وشهد الأطباء الأمناء بأن كل وسائل تحديد النسل من الحبوب واللولب، والعازل والتعقيم للرجال، تؤدي إلى إلحاق الضرر بالرجل والمرأة معاً.

 

أما بالنسبة للرجال، فيقول تقرير نسبة الولادة القومية في بريطانيا -إن هذه الوسائل تصيب الرجل بالاختلال في نظامه الجسماني، والضعف في قوته التناسلية، كما يصاب بالقلق.

 

• أما المرأة فتصاب بالانهيار العصبي، والقلق، والأرق، والتوتر والصداع، وشلل اليدين والرجلين، وسقوط الرحم، وفساد الذاكرة وأحياناً بالجنون[44] كما أثبت المركز العلمي للبحوث الجنائية بمصر أن هذه الوسائل تصيب المرأة بأخبث الأمراض ومنها السرطان[45] وأضف إلى ذلك ما تصاب به المرأة من التضخم وامتلاء جسمها بالماء، والضعف العام وغير ذلك من الظواهر الملموسة  للعيان.

 

وإننا لنتساءل كم تدفع الدولة من إمكانياتها الاقتصادية لعلاج آثار وسائل منع الحمل؟ وإذاً فهي خسارة اقتصادية جديدة؟! لأن الدولة لو وجهت ما تنفقه من ملايين الدولارات على إعلانات ووسائل منع الحمل، وعلاج الآثار الضارة التي تنتج عن استخدام وسائل منع الحمل. لو وجهت كل هذا إلى مشاريع التنمية لكانت الفائدة أعم؟  لكن هل يسمح الذين يرسلون إلينا هذه الدولارات بذلك؟!

 

نتائج حركة تحديد النسل:

أثمرت هذه الحركة كثيراً من النتائج السيئة ومنها:

1- كثرة الفواحش والأمراض الخبيثة:

فقد ساعدت وسائل منع الحمل على شيوع الزنا، وضياع الأعراض فقد كانت البنت تخشى أن يظهر حملها، أما اليوم فلم تعد تخشى ذلك، لأن وسائل منع الحمل أعطتها الأمان، خصوصاً وهي في متناول الجميع وتوزع بدون أدنى رقابة ولا شك أن شيوع الزنا إنما يؤدي إلى كثير من الأمراض الفتاكة ومنها: الزهري والسيلان وغيرها.

 

خصوصاً وأن ظروف المجتمعات الحديثة تدفع إلى ذلك من حيث العري والتبرج والاختلاط، وانعدام الحياء، كل هذه أسباب تفاعلت مع وسائل منع الحمل وأدت إلى شيوع الفاحشة.

 

2- ضياع نظام الأسرة وكثرة حالات الطلاق:

ما دام الشاب يجد حاجته من الفتاة وتسترهم وسائل منع الحمل، فما الداعي إلى الزواج؟ ومن هنا أضرب الشاب عن الزواج وتزعزعت أركان الأسرة، ولم يعد الشاب في أوربا ينظر إلى الزواج على أنه ضرورة اجتماعية. وكذلك المتزوجون، ما الذي يربطهم ببعض وما الذي يجعل كل واحد منهم يتحمل أخطاء الآخر؟ إنهم الأولاد فهم السبب الأول في استمرار الحياة الزوجية رغم الأعاصير التي قد تتعرض لها، ولكن حبوب منع الحمل جعلت الأزواج يؤجلون الإنجاب عشرات السنين حتى يصلوا إلى المستوى الذي يحلمون به لتربية أبنائهم، ولذلك كان من السهل على كل واحد منهما أن يفارق الآخر عند حدوث أي مشاكل بينهما.

 

يقول الأستاذ «يارنس»: «إن الأزواج والزوجات الذين يطالبون بالطلاق ثلثاهم ممن لم يرزقوا طفلاً، وخمسهم ممن لم يرزقوا أكثر من طفل واحد، والحقيقة أن هناك علاقة واضحة بين الطلاق والحياة بدون  ذرية»[46] ويقول ول ديورانت: «إن اختراع موانع الحمل هو السبب في تغيير أخلاقنا، فقد انحلت الرابطة بين لأزواج والزوجات، وتغيرت العلاقات بين الرجال والنساء»[47].

 

3- قلة المواليد، لدرجه أنها أصبحت مشكلة يبحثون لها عن حل في أوربا، حتى أنهم أنشأوا أجهزة لزيادة النسل.

هذه هي نتائج حركة تحديد النسل في أوربا، وهي لا شك سوف تحدث لكل مجتمع إسلامي يأخذ بهذه الحركة.

 

الغرب يغير موقفه من حركة تحديد النسل:

اليوم يعترف الغرب النصراني بخطئه بعد أن ذاق الأمرين من نتائج حركة تحديد النسل، وفاق من غفلته لكي يجد نفسه يعاني من قلة النسل، ومن هنا تعمل الحكومات الغربية جاهدة على زيادة النسل بأي طريق.

ففي فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد واليونان وإنجلترا، حدث الآتي:

1- قاموا بإنشاء جمعيات تقوم بالتحقيق في مشكلة قلة السكان وتعلم الناس كيف يتناسون فكرة تحديد النسل.

 

2- منحوا الأسرة مكافآت مالية كبرى على قدر ما يكون لديهم من الأطفال، ففي فرنسا دعا الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان الشعب الفرنسي إلى العمل على كثرة النسل وقرر راتباً شهرياً قدره ما قيمته 830 دولار لكل طفل. وفي ألمانيا الغربية يدفعون 108 دولار للطفل الثالث و540 للطفل الرابع وفي أسبانيا أهدى الجنرال فرانكو جائزة الأب المثالي إلى فلاح أسباني أنجب (21) طفلاً[48].

 

وفي روسيا أصدر مجلس السوفيت الأعلى قراراً بإهداء ميدالية فخر الأموية إلى الأمهات اللاتي أنجبن أكبر عدد ممكن من الأطفال[49] كما أنهم في روسيا منعوا تداول الحبوب المانعة للحمل وأعطوا للحوامل إجازات طويلة وقال لهم خروتشوف «إذا أضيف مائة مليون آخرين إلى المائتين الموجودين لدينا الآن، فلن يصبح العدد كافياً بعد»[50] وقررت حكومة اليونان صرف مكافئات مالية مجزية لكل أبوين عن الطفل الثالث ومن بعده.

 

ويقول وزير داخلية بريطانيا 1943م:«إن بريطانيا إذا كانت تحب المحافظة على مستواها في الوقت الحاضر، والتقدم في سبيل الرقي والازدهار في المستقبل، فمن اللازم أن يتزايد فيها أفراد كل أسرة بنسبة 25% على الأقل»[51].

 

3- أصدروا قوانين تمنع تعليم منع الحمل وترويج طرقه.

4- فرغوا النساء للبيوت واستغنوا عن عملهم من أجل التفرغ للنسل، وفي الوقت ذاته يعطون الشباب مبالغ ضخمة باسم (دين الزواج).

5- رفعوا الضرائب على غير المتزوجين، أو المتزوجين بدون إنجاب، وخفضوها عن الذين ينجبون ذرية كبيرة.

6- أصدروا قوانين جنائية تعاقب كل من يدعو إلى تحديد النسل بالعقوبة سنة وبغرامة مالية.

7- عدلوا في نظامهم  المعماري فلم يعودوا يبنون الشقة حجرة وصالة بل عدلوها إلى ثلاث حجرات على الأقل[52].

 

فهل يعدل حكام المسلمين عن خطتهم في تحديد النسل؟ أم أنهم يصرون على السير في طريق الخطأ؟

 

ولو فرض أن هناك مشكلة حقيقية لزيادة السكان، فإن علاجها لا يكون بهذا الأسلوب الذي ثبت فشله وإنما هناك الكثير من الحلول النافعة وهذا ما سوف نوضحه في الأسطر التالية:

الحل الصحيح لزيادة السكان في العالم الإسلامي:

إن مشاكل التنمية في العالم الإسلامي لا يمكن أن تحل بتحديد النسل فهو ليس حلاً، وإنما هو تعقيد لمشاكل العالم الإسلامي، فهو في أشد الحاجة إلى المحافظة على نسله، لأنه يعيش صراعاً مع قوى عالمية، فالاستعمار الصهيوني في قلب العالم الإسلامي والاستعمار الشيوعي على أطرافه، ويحاول أن يزحف على القلب، وقد انقض على أفغانستان بالفعل وهو الآن يناوش باكستان، وتقوم إسرائيل بزيادة نسلها بكل الطرق، كما تفعل روسيا أيضاً. فعلينا أن نحافظ على نسلنا وتقويته وإعداده والنهوض به حتى نستطيع أن نصمد أمام هذه القوى الطاغية، وأما حلول المشكلات السكانية فهي كثيرة نذكر منها:

1- زيادة وسائل المعيشة وتنمية الموارد:

فلا بد من بذل الجهود الفعالة لزيادة وسائل المعيشة، واستغلال الموارد الحالية استغلالاً كاملاً، والبحث عن موارد جديدة للرزق، فظاهر الأرض – الإسلامية غني وخصب وباطنها غني بالمواد الخام التي لم تستغل بعد بل لم يبحث عنها بعد ولا بد من الأخذ بالوسائل العلمية الحديثة لزيادة الإنتاج في المجالين الصناعي والزراعي وتوسيع الرقعة الزراعية أما تحديد النسل فهو هروب من مواجهة الواقع.

 

2- الهجرات:

إن تنظيم الهجرات داخل العالم الإسلامي عامل هام من عوامل علاج الكثافة السكانية في بعض أقطاره.

 

ولا بد أولاً من إزالة ما بين دول العالم الإسلامي من الشقاق والخلافات الأيديولوجية، كما أنه لا بد من أن تعود العلاقة بين هذه الدول على أساس الأخوة الإسلامية، فإذا ما تحقق شعار (المسلم أخو المسلم) في السياسة الخارجية للمجتمعات الإسلامية، انتهت كل مشاكلهم السكانية والاقتصادية[53].

 

• أن السودان وحده يملك 70 مليوناً من الأفدنة الصالحة للزراعة وهو مهجر طبيعي لصعيد مصر، وهذه المساحة تسع العرب جميعاً، فهل نترك هذه الأرض شبه موات ونحدد نسلنا.

 

• وفي ليبيا مساحات شاسعة من الأرض تحتاج إلى الأيدي العاملة الإسلامية، وللأسف أن ليبيا تستورد الأيدي العاملة من كل أنحاء العالم، فأولى بشباب مصر أن يعمرها، لولا السياسة الخاطئة لرئيسها معنا.

 

• والجزائر بها ثلاثون مليوناً من الأفدنة تحتاج إلى الشباب، وفي سوريا اثنا عشر مليوناً، وفي العراق عشرون مليوناً، إذ فلو كانت هناك حركة منظمة لهجرة الشباب من البلاد التي عندها فائض إلى البلاد التي تعاني نقصاً، لحدث تكامل اقتصادي يعود بالخير العميم على العالم الإسلامي كله.

 

3- عدالة التوزيع:

معظم مشكلات المجتمعات الإسلامية المكتظة بالسكان ليست مشكلة فقر، وإنما هي مشكلة عدالة توزيع الثروة، إنها مشكلة اعتداء الأغنياء على حقوق الفقراء، فهناك أقلية مترفة ومتخمة لا تجد مجالاً لتصريف ما معها من الملايين اللهم إلا اللهو والعبث، وهناك أكثرية معدمة كادحة، من هنا وجب على حكام المسلمين أن يأخذوا حق الفقراء من الأغنياء، فلو أن حكام المسلمين نفذوا نظام الزكاة في المجتمعات الإسلامية لما وجد في العالم الإسلامي جائع ولا محروم.

 

ولكن المشكلة أن حكام المسلمين تركوا الأغنياء، ولم يأخذوا منهم حق الفقراء فبدلاً من أن نقول للفقير اقتل أسباب النسل في صلبك وفي رحم امرأتك، نقول للدولة خذي من ذوي الفضل من المال وأعطي من يحتاج، والجميع بكثرتهم قوة للأمة[54].

 

4- عدم تبديد طاقات الناس فيما لا ينفع:

إن طبيعة النظام الإسلامي توجب زيادة الإنتاج، والموارد البشرية وصيانة ثرواتها من التبديد والضياع فيما لا ينفع.

 

فالإسلام يحفظ طاقات الناس من أن تستهلك في شرب الخمر، والمسكرات واللهو، والمجون والسهر العابث أمام وسائل اللهو من التليفزيون والفيديو والمسارح والسينمات.

 

إن الشعب الذي يستقبل يومه من الصباح الباكر متوضئاً مصلياً طيب النفس مستريح الجسم، سيفوق إنتاجه – لا محالة - إنتاج الشعب الذي يقضي نصف ليله في الخلاعة والعبث والمجون، فإذا أدركه الصباح لم يقم من نومه إلا مكرهاً، وإذا توجه إلى عمله، كان خبيث النفس كسلان مهدد القوى[55].

 

إذاً فلو طبق النظام الإسلامي تطبيقاً صحيحاً لما كانت مشكلة قلة الإنتاج أو قلة الموارد، ولما كانت هناك حاجة للدعوة إلى تحديد النسل الذي يخلق للمسلمين مشكلات كبرى، ويهدد طاقاتهم البشرية الهائلة.

 

المصدر

(من كتاب "التيارات المعادية للإسلام"؛ للأستاذ الدكتور سعد الدين السيد صالح)



[1] أبو الأعلى المودودي- حركة تحديد النسل ص179.

[2] البقرة [223]

[3] النحل [72]

[4] مريم [65]

[5] الشورى [49، 50]

[6] إبراهيم [39].

[7] مريم [50].

[8] آل عمران [38].

[9] المدثر [11، 13].

[10] رواه الحاكم.

[11] رواه أحمد عن أنس.

[12] العنكبوت [60].

[13] الذاريات [58].

[14] الملك [15].

[15] العنكبوت [17].

[16] الجمعة [10].

[17] المزمل [20].

[18] رواه البخاري.

[19] الرعد [8].

[20] فاطر [11].

[22] الإسلام قوة الغد العالمية ص201.

[23] السابق ص206.

[24] السابق ص207.

[25] انظر مقال استعراض علمي لحركة النسل للأستاذ خورشيد أحمد ص185 من كتاب حركة تحديد النسل.

[26] الإسلام قوة الغد ص203.

[27] محمد جلال كشك – الغزو الفكري ص134.

[28] لعبة الأمم ص55.

[29] راجع حركة تحديد النسل ص6، 163.

[30] راجع ص69 من حقائق ثابتة لابن الخطيب.

[31] قارن ص217 من دعاة لا بغاة للمستشار علي جريشة.

[32] ابن الخطيب  ص59.

[33] المؤمنون [17].

[34] القمر [49، 50].

[35] الفرقان [2].

[36] السجدة [9- 10].

[37] رواه مسلم.

[38] رواه البخاري ومسلم.

[39] د. محمد سعيد رمضان البوطي– مسالة تحديد النسل وقاية وعلاجها ص36.

[40] حركة تحديد النسل ص156.

[41] قارن ص13من كتاب الإسلام والمشكلة الاقتصادية.

[42] السابق ص10.

[43] د. محمد سعيد رمضان ص50.

[44] حركة تحديد النسل ص82 وما بعدها.

[45] أبو زهرة ص105.

[46] حركة تحديد النسل ص35.

[47] مفاهيم العلوم الاجتماعية ص118.

[48] جريدة الجمهورية 2 / 5 / 1973م.

[49] جريدة الأهرام 16 / 3 / 1972م.

[50] حركة تحديد النسل.

[51] د. محمد سعيد رمضان ص42.

[52] حركة تحديد النسل ص56 وما بعدها.

[53] د. محمد البهي – الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية ص227.

[54] أبو زهرة ص96.

[55] د. يوسف القرضاوي – الحلول المستوردة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام بين أعدائه وأبنائه

مختارات من الشبكة

  • توحيد الأوقاف المتعددة في وقف واحد ذي ريع أكبر(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • وقف الأسرى في التاريخ الإسلامي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بريطانيا: الخارجية تطالب بالتركيز على وقف انتشار الحكم الإسلامي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • في وقف النقود(مقالة - موقع الشيخ دبيان محمد الدبيان)
  • كتب وقف العلماء عليها ناقصة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عناية العلامة السيوطي بخطوط العلماء، والكتب التي وقف عليها بخطوط مصنفيها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الجمع بين وقفي هلال والخصّاف لعبدالله بن الحسين الناصحي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حكم وقف المنافع (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • من بلاغة الوقف في القرآن الكريم: دراسة تحليلية لبعض وقوف التعانق في آي الذكر الحكيم (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل من وقف بعرفة حاجا(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- شكرا
mymh1404 - الهند 25-03-2012 10:48 PM

جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب