• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / ثقافة عامة وأرشيف
علامة باركود

موقف الإسلام من العبث بالبيئة

موقف الإسلام من العبث بالبيئة
د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2011 ميلادي - 25/1/1433 هجري

الزيارات: 99223

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موقف الإسلام من العبث بالبيئة

محاربة "الفساد البيئي" على ضوء الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة

 

يَتَباهى الغَرْب - ومِن وَرَائِه المُنبَهِرونَ به من أبناء جِلْدَتِنا - بأنَّه هو مَن كان له قصب السَّبق في الاهتمام بقضايا البيئة؛ لكن مَن ينعم النَّظَر بِتَدَبُّرٍ وَتَأَمُّل دقيقٍ، في كتاب الله وسُنَّة الحبيب المُصطفى - صلى الله عليه وسلم - يجد أنَّ الإسلام بِتَشْرِيعاتِه هو أول مَنْ أَسَّسَ، وَوَضَعَ اللَّبِنات الدَّقيقة في كُلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ لِشُؤون البيئة، التي ما زالتِ المُنَظمات البِيئيَّة، والمُنَظَّمات الحكوميَّة الدوليَّة، ترفعُ لها شعاراتٍ صباحَ مساءَ، وتعقد لها المُؤْتَمرات تِلْو الأخرى، "مؤتمر تبليسي، ومؤتمر ريو دي جانيرو، ومؤتمر كيوطو، مؤتمر جوهانسبورغ"؛ ولكن دون جَدْوى، ورَحِمَ الله الشاعر إذْ يقول:

أَعْمَى يَقُودُ بَصِيرًا لاَ أَبَا لَكُمُ
قَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَتِ العُمْيَانُ تَهْدِيهِ

 

بل لا أُخْفي استغرابي، إنْ قُلتُ بأنَّ حتى أبناء المسلمينَ بِعِيدونَ كُلَّ البُعْد، عن ما يسمَّى بـ"التربية البيئيَّة"، التي سَنَّها الإسلامُ، وَوَضَع لَهَا حدودًا؛ لِئلاَّ نَتَجَاوَزها ونَتَخَطَّاها؛ إذ إنَّ "التَّربية البيئيَّة"، والوَعْيَ بِخُطُورة الإفساد في البيئة، لا يمكن لها أنْ تَتَحَقَّق - لا في المؤتمرات، واللقاءات، والقوانين الوضعيَّة، وحتى المدارس التَّعليميَّة - ما لَمْ نَسْتَحْضِر عَظَمة الله، والخوف منه، وهذا ينطبقُ على شَتَّى مناحي الحياة.

 

ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - في "صِفَة الصَّفوة" قِصَّةً عجيبةً – والله - تَنُمُّ عن عُمْق الخَوْف من الله - سبحانه - قال نافع: خرجتُ مع ابن عمر في بعضِ نواحي المدينة، ومعه أصحابٌ له، فوَضَعُوا سفرة، فمَرَّ بهم راع، فقال له عبدالله: هَلُمّ، يا راعي، فأصب من هذه السُّفرة، فقال: إنِّي صائِمٌ، فقال له عبدالله: في مثل هذا اليوم، الشديد حَرُّه، وأنتَ في هذه الشِّعاب، في آثار هذه الغنم، وبين الجبال ترعى هذه الغنم، وأنت صائم!

 

فقال الرَّاعي: أُبَادِر أيامي الخالية، فعجب ابن عمر، وقال: هل لكَ أن تبيعَنا شاةً من غَنمِكَ؛ نجتزرها، ونُطعمكَ مِن لَحْمِها ما تفطر عليه ونُعْطِيك ثمنها؟ قال: إنَّها لَيْست لِي، إنَّها لِمَوْلاي، قال: فما عَسَيْتَ أن يَقُولَ لكَ مولاكَ، إن قلتَ: أَكَلَها الذِّئب؟ فمَضَى الراعي وهو رافعٌ إِصْبَعه إلى السَّماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فَلَمْ يزل ابن عمر يقول: قال: الراعي، فأين الله؟


فما عدا أن قَدِم المدينة، فبعثَ إلى سَيِّده فاشترى منه الراعي والغنم، فأعتق الراعي، ووهب له الغنم - رحمه الله - "صفة الصفوة" (2/ 188)، والقصَّة بالفعل تُمَثِّل أرقى نماذج العبوديَّة لله - سبحانه.

 

إذًا؛ ما المقصود بالبيئة؟ وما المقصود بالإفساد، أوِ التَّلَوُّث البيئي، وما أشْكَاله؟ وما أهم الضَّوابط الشَّرعيَّة، التي سَنَّها الإسلام لِكَبح جِمَاحه، والحد مِن انْتِشَاره؟

 

تعريف البيئة:

أ- البيئة لُغةً: المكان والمنزل، والاسم البِيئة، والباءة، والمباءة، وتُطْلَق على منزل القوم، حيث يَتَبَوَّؤُونَ من قِبَل وادٍ، أو سَنَد الجبل، ومنه المباءة: مَعْطِن الإبل؛ حيث تُنَاخُ في الموارد أو المراح الذي تبيت فيه[1].

 

ب- البِيئة في الإسلام: كلمةٌ جامِعَةٌ تشمل جميع مناحِي الحياة، وقد تتَّسع البيئة لِتَشْملَ الأرض التي تقلُّنا، والسَّماء التي تظلُّنا، وقد تضيق لِتَخُص بيت الإنسان، وموقع عمله، وسُكناه، وهي باختصارٍ: "كلُّ شيءٍ يحيطُ بالإنسان، مِن مَوْجُودات، من ماء، وهواءٍ، وكائنات حَيَّةٍ، وجمادات، وهيَ المجالُ الطَّبيعي الذي يُمارِس فيه الإنسانُ حياته، ونشاطاته المختلفة؛ لِيُحَوِّلها إلى "بيئةٍ مشيدة"، التي في خانتها البِيئة الأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة، والتِّكنُولوجيَّة".

 

ولِلْبِيئة نظامٌ دقيقٌ مُتَوازنٌ، صَنَعَهُ خالقٌ عظيمٌ، ومُدَبِّرٌ حَكِيمٌ، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88]؛ ولكن جاءتْ يد الإنسان لِتَعْبَثَ بِكُلِّ جميل في البِيئة، وتُهَدِّد الأخضر واليابس، فكان ذلكَ الشَّبح المُدَمِّر، الذي يُسَمِّيه القرآن الكريم "الإفساد"، وتسمِّيه العُلُوم المعاصِرة بـ"التَّلَوُّث".

 

إنَّ مُعَالَجة كلِّ انحرافٍ يمس ويُخِلُّ بالمنظومة البِيئيَّة، ويجعل العَيْش فوق كوكبِ الأرض أمرًا مستحيلاً - أمرٌ وضع له الإسلامُ وسائل وآليات تربويَّة؛ بل سَنَّ لها تَشْرِيعات، قَلَّمَا نَجِدُها متكاملةً وشاملةً في أيِّ ميثاقٍ آخر، أو دينٍ آخر، أو مُؤَسَّسة أخرى.

 

التَّربية: وهي فطرةٌ إنسانيَّة، جُبِل عليها الإنسانُ منذ ولادته، ويتم تقويمها أكثر بِغَرْس القِيَم الإسلاميَّة الرَّفيعة، فمَتَى وُجِدَتْ بيئةٌ لا تراعي في ذلك إلاًّ ولا ذِمَّة، ولا تُعِيرُ أيَّ اهتمامٍ للوَازِع الدِّيني، تَتَلاشَى كلُّ مُقومات البيئة السَّليمَة، قال - تعالى -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].

 

التَّشريع الرَّبَّاني: وهيَ آلياتٌ عَمَليَّة، وتشريعاتٌ مُستَوحاة مِن كتاب الله، وسُنَّة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تحتاج إلى عبدٍ خاضعٍ لله - سبحانه وتعالى - لِتَنْزيلها على أرض الواقع، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الدُّنيا حُلْوة خَضِرة، وإنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُم فيها، فينظر كيف تعملون))؛ رواه مسلم.

 

فالشَّريعة الإسلاميَّة مَخْزونٌ ثَقافِيٌّ، وشِرْعَةٌ ومِنْهاجٌ للمسلمينَ في رعايةِ شؤون البيئة والحياة في الدِّين والدَّولة، وما إصدار تقارير، وأنْظِمَة، وتشريعات البيئة، والانضمام إلى الاتِّفاقيَّات الدَّوليَّة المُتَعَلِّقة بالبيئة، إلاَّ تطبيقًا للشَّريعة الإسلاميَّة، التي تحثُّ على المُحَافَظَة على البيئة ورعايتها بالحسنى، والمُحَافظة عليها، وإنمائها لِخَيْر الناس والحيوان.

 

عاطفة الود والحُب معَ البيئة: ومِن أجمل ما جاءَ به الإسلامُ، إنشاءُ عاطفة الودِّ والحبِّ لما حول الإنسان، مِن كائناتٍ جامِدةٍ، أو حَيَّةٍ؛ كما نَبَّه إلى ذلك القرآن الكريم، ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام: 38].

 

وقد عَبَّر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الودِّ والأُنْس بِهَذا النَّوع منَ المخلوقات، بهذا الحديث الرائع الذي قالَه، وهو عائدٌ إلى المدينة مِن غزوة تَبُوك، وقد أشرفَ على المدينة، ولاحَ له جبل أحد، فقال: ((هذه طابة، وهذا أُحُد، جَبَل يُحِبُّنا ونُحِبُّه))؛ متفق عليه.

"طَابة: اسمٌ مِن أسماء المدينة".

 

وكان الصَّحَابة - رضيَ الله عنهم - يَتَعامَلُونَ مع البيئة بالحنان والودِّ، كما نرى في حنين بلال - رضي الله عنه - إلى مَكَّة، وَأَوْديتها، ومياهها، وجبالها، ونباتاتها، وشوقه إليها، وإنشاده في ذلك:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ؟
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ
وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ؟[2]

 

بل إنَّ البيئة المَكَانيَّة؛ كما أخبرنا النَّبي الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - تحنو إلى العَبْد السَّاجِد لله - سبحانه - غير مُشْرِكٍ به بِمُفارَقِتِه لَهَا: ((إذا مات العبد الصالح بَكَى عليه موضعان؛ موضع سُجُوده، وموضع صعود صلاته ودَعَواته))؛ رواه أحمد.

 

القَوَاعد الفِقهيَّة: منَ القواعد التي اسْتَنْبَطَها العلماء والأُصُوليُّون للتَّعامُل مع القضايا، التي قد تبدو للناس مُستَجَدَّة؛ مثل: قضايا البيئة ما يلي: "ما لا يتم الواجِبُ إلاَّ به، فهو واجبٌ"، "وما أَدَّى إلى حرامٍ، فهو حرامٌ"، "الضَّررُ لا يُزال بِمِثْله، أو بِضَررٍ أكبر منه"، "ودَرْءُ المفاسِد مُقَدَّمٌ على جَلْب المَصَالح"[3]، وأكْبَر مَفْسَدةٍ رَوَّجَتْها وسائل الإعلام المكتوبة، ما قامتْ به دولة، بِتَطْبيعٍ مع دولة الكِيان الصِّهْيَوْنِي بِتَزْوِيدها بِمُساعدات؛ مُقابل دَفْن النِّفايات النَّوويَّة في أراضيها، أليس دَفْع هذه المَضَرَّة التي يُمْكِن أن تَتْلِفَ خصوبة الأرض، وتُسَبِّب في انتشار الأوبئة والقَتْلى، أَوْلَى منَ التَّسَوُّل لدَوْلَة العدو؟ "لا ضرر، ولا ضِرار"؛ وَلَعَلَّ أجمل ما وَرَد في تعريف الضَّرر والضِّرار، ما ذَكَره السيد: رشيد رضا - رحمةُ الله عليه - في تفسير سورة المائدة: "أي: رفع الضَّرر الفَرْدي والمُشْترك".

 

منَ القَوَاعد الجليلة في هذا الباب أيضًا: "يسقُط الواجب بِالعُذر عنه"، و"المَصْلَحة العامَّة قبل المصلحة الخاصَّة"، و"الأصل في المنافع الإِذْن، والأصل في المضارِّ المَنْع"، و"ما جازَ لِعُذْر بطل بِزَواله".

 

وقد تَحَوَّلَت بعضُ عُلُوم الأرض إلى عُلُوم شرٍّ وفساد، فالشَّر يُعرَف ليُتَّقَى، والخيرُ يُعرَف لِيُؤتَى، وَصَدَق الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ قال: "يجب أن يُعْرَف الشَّر، كما يعرف الخير؛ فالذي لا يعرف الشَّرَّ أَحْرى أن يقعَ فيه".

 

الفَسَاد البِيئي، ومُحَارَبة التَّبذير والإسراف منَ المُعجزات القُرآنيَّة المُسْتَمِرَّة:

عَقَد علماء البيئة اجتِماعًا في فرنسا "مؤتمر باريس، 2 فبراير 2007"، وخرجوا بثلاثِ نتائج، اتَّفَق عليها أكثر من 500 عالِمٍ، مِن مختلف دول العالم:

1- لَقَدْ بدأتْ نِسَبُ التَّلَوُّث تَتَجاوَزُ حُدودًا لَمْ يسبقْ لها مثيلٌ مِن قبلُ في تاريخ البَشَريَّة، وهذا يُؤَدِّي إلى إفساد البِيئة في البَرِّ والبَحْر، ففِي البَرِّ: هنالكَ فسادٌ في التُّرْبة، وفسادٌ في المياه الجَوْفيَّة وتَلَوُّثها، وفسادٌ في النَّباتات، حيث اخْتَلَّ التَّوَازُن النَّباتِي على اليابِسة.

 

وفي البحر: بدأتِ الكُتَل الجَلِيديَّة في الذَّوبان؛ بسببِ ارْتفاعِ حرارة الجوِّ، وبدأتِ الكائنات البَحَريَّة بِالتَّضَرُّر نتيجة ذلك، إذًا هنالكَ فسادٌ في البِيئة، وهذا ما عَبَّر عنه أحدُ العلماء، يقول الدكتور "جفري شانتون" - أحدُ علماءِ البيئة في جامعة فلوريدا -: "إنَّ غاز الكربون ازْدَاد في الغلاف الجَوِّي بِشَكْلٍ، أصْبحَ يُنْذِر بفسادِ أرضنا" - وانظرْ كيف يستخدم هذا العالِمُ فِعْل الإفسادِ للبيئة - "وإنَّ درجة الحرارة للأرض سَتَرْتَفِع ثلاث درجات خلال هذا القرن، إن لَمْ تُتَّخَذِ الإجراءات المُنَاسبة، وإنَّ مُعَدَّلَ درجة الحرارة ارْتَفَع درجةً خلال المائة سنة الماضية، وهذا الارتفاع سوف يُؤَدِّي إلى الكثير منَ الكَوَارث الطَّبيعيَّة، مثل: الأعاصير، وازدياد التَّصَحُّر، والأمطار الحامضيَّة، وغير ذلك.

 

2- اتَّفَق 500 عالِم على أنَّ الإنسان هو المسؤول عن هذا الإفساد للبيئة، ويقولون: إنَّ الناس بِسَببِ إِفْراطهم، وعدم مُرَاعَاتهم للتَّوَازُن البِيئي الطَّبِيعي - فالحُرُوب والتَّلَوُّث والإِفْراط في اسْتِخدام التكنولوجيا، دون مُرَاعَاة البيئة وقَوَانِينها - كلُّ ذلك أَدَّى إلى تَسَارُعٍ في زيادةِ نسبة الكربون في الجوِّ، ممَّا أَدَّى إلى حدوثِ ظاهرةِ الاحْتِباسِ الحَرَاري.

 

3- وجَّه العلماء في نهاية اجْتِماعهم نداءً عاجلاً، وإنْذَارًا لِجَميع دول العالم، أنْ يَتَّخِذُوا الإجراءات السَّريعة والمُناسِبة للحَدِّ منَ التَّلَوُّث،؛ لِتَلافِي الأخطار القادِمة النَّاتجة عنِ التَّلَوُّث الكبيرِ في الجوِّ، والبَحْر، واليابِسة[4].

 

فما مَعْنى الفَساد في البِيئة منَ النَّاحية الشَّرعيَّة؟ وما أنواعه؟ وكيف قَوَّمَ الإسلامُ سُلُوكَ الإنسانِ وَهَذَّبَه؟

الفَسَاد: اتَّفَقَ العلماء على أنَّ الفَسَاد في البيئة كلمةٌ تَشْمل التَّلَوُّث، والتَّغَيُّرات المناخيَّة، وكلَّ شَيءٍ جَاوَزَ الحَدَّ، ومِن معانِي الفساد: "الجدْب - أي: التَّصَحُّر - وهو ما يَحْدُث اليوم على الأرضِ، حيثُ يُؤَكِّد العلماء أنَّ المساحةَ الخَضْراء تَتَقَلَّص؛ بِفِعْل الاسْتِخْدامات غير السَّلِيمة للأرض مِن قِبَل البَشَر، وسَوْف تَزْدَاد الأراضي الجَافَّة والمُتَصَحِّرة في الأعوام القادمة؛ بسَببِ زيادةِ التَّلَوُّث.

 

حَرَّمَ الإسلام الإفساد في الأرض، ونَهَى عنِ التَّخريبِ الذي يَتَسَبَّب فيه الإنسان للبيئة السليمة كَكُل؛ سواء بَدْءًا بإِلْقاء النِّفايات إلى الحُرُوب، التي تُشَوِّه المَعَالِم الجماليَّة للأرض، التي يَقْطُن فيها الإنسان؛ لأنَّ تَدَهْورَ النِّظام البيئي تهديدٌ مُباشِر لِمُستقبل البَشَريَّة جَمْعاء؛ قال - تعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وبَيَّنَ مَوْقفه - تعالى - منَ المُفْسِدينَ بِقَوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205]، وقال الله - تعالى -: ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60]؛ بل منَ القَوَاعد الكُلِّيَّة في خُطُورة الإفساد في الأرض، وتَجَاوُز حُدُود الله الذي يُؤَدِّي إلى الخَرَاب والتَّلَف؛ بل يُهَدِّد وُجُودَ الإنسان أَصْلاً؛ إلاَّ أن يَتَغَمَّدَنا الله بِرَحْمَتِه - ما بَيَّنَه النَّبِي - صَلَّى الله عليه وسلم - فعَنِ النُّعمان بن بشير - رضيَ الله عنه - عنِ النَّبِي - صَلَّى الله عليه وسلم - قال: ((مَثَل القائمِ في حُدُود الله والواقع فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سفينةٍ، فصار بعضُهم أعلاها، وبَعْضُهم أسفلها، وكان مَن في أسفلها إذا اسْتَقَوا مَرُّوا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبنا خَرْقًا، ولَمْ نُؤْذِ مَن فوقنا، فإن تَرَكوهم وما أرادوا، هَلَكوا وهَلَكوا جميعًا، وَإِنْ أَخَذُوا على أيديهم، نَجَوا ونَجَوا جميعًا))؛ رواه البخاري، ح 2493‏.

 

الإسراف والتَّبذير: نَهَى الدِّين الإسلاميُّ الحَنِيف عنْ هاتَيْنِ الظَّاهِرَتَيْنِ القَبِيحَتَيْنِ، فَهُما جزءٌ أصيلٌ مِن ثقافة الإفساد والمُفسدينَ، قال - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلُوا، واشْرَبوا، والبسوا، وتَصَدَّقوا، في غير إسرافٍ ولا مَخِيلَة))؛ رواه البخاري في صَحِيحه، كتاب اللباس.

 

التَّلَوُّث في اللغة: جاء في مُعجَم "لسان العرب"، تحت كلمة "لوث": أنَّ التَّلَوُّثَ يعني: التَّلَطُّخ، يقال: تَلَوَّثَ الطِّين بالتِّبن، والجص بالرَّمل، ولَوَّثَ ثيابه بالطِّين؛ أي: لَطَّخَها، وَلَوَّثَ الماء: كَدَّره[5].

 

واصطلاحًا: هو إدخالُ الإنسان - مُبَاشَرة أو بِطَرِيقٍ غيرِ مباشِر - لِمَواد، أوْ لِطَاقة في البيئة، والذي يَسْتَتْبع نتائج ضارَّة، على نَحْوٍ يُعَرِّض الصِّحَّة الإنسانيَّة لِلْخَطَر، ويَضُر بالمَوَارد الحيويَّة، وبالنُّظُم البِيئيَّة، وينال مِن قِيَم التَّمَتُّع بالبِيئة، أو يَعُوق الاستِخْدامات الأُخرى المَشْروعة للوَسط[6].

 

ويعني أيضًا: "عمليَّة تَرَاكُمٍ لِبَعض العَنَاصر في البيئة، بِشَكْل يُؤَدِّي إلى الإضرار بهذه البِيئة والعناصر الحيَّة المختلفة المُرْتَبِطة بها؛ مثل: الإنسان، والحيوان، والنَّبات"[7].

 

بِصِفَة عامَّة: التَّلَوُّث هو: حُدُوث تَغْيير في جماليَّة الوَسَط البِيئي، بالإِفْساد، والإِسْرَاف، والتَّبْذِير، والتَّخْرِيب، والتَّشْوِيه.

 

أمَّا العَدَالة البِيئيَّة: هذا المصطلح، الذي يرى أغلب "الأيكولوجيين" أنَّه مَدْلُولٌ مُعَاصِر، ظَهَر معَ الحَرْبَيْنِ العَالَمِيَّتَيْنِ؛ لكن لِلأَسَف، لَمْ تَصِلْ تلك الدَّعوات إلى ما سَنَّته شريعتُنا السَّمْحة، من ذلك قوله - تعالى -: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، فانظُرُوا حاليًّا إلى بلدٍ يَدَّعِي أنَّه مِن أكبر الدِّيمُقراطيَّات في العالم - الولايات المتحدة - وممَّن يَسْعَون إلى نَشْرِها زُورًا وبُهْتَانًا، فهي تُعَدُّ الأولى في العالم، مِن حيثُ جرائمُ القَتْل، ثُمَّ أَلَمْ يكشف إعصار "كاترينا" عن سَوءَة أمريكا العُنصريَّة؟ إذ تَمَّ تجميع السود في الملعب الرياضي، في حين تَمَّ نَقْل السُّكَّان البِيض إلى الأماكن غير المُتَضَرِّرة.

 

صحيحٌ، شَتَّان بين الثَّرى والثُّرَيَّا، شَتَّان بين دِينِ السَّمَاء ودِين الطُّغاة، ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، ولله در الشَّاعر إذ يقول:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ
إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ العَصَا

 

ثم ماذا لو أنَّ الغرب والإرهاب الدولي المُنَظم، اطَّلَع على هذه الأحاديث النَّبَويَّة الرَّائقة، كيف سيكون رَدُّه: هل الإسلام دين إرهابٍ، أو دين سلامٍ؟ وحِفْظ الأَنْفس، ونَشْر دين النُّور والهِدَاية بين جميع البَشَر على وَجْه البَسِيطة، أو عمى البَصِيرة؟

 

روى رباح بن ربيعة أنَّه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غَزَاها، فمَرَّ رسول الله وأصحابُه على امرأةٍ مَقْتُولةٍ، فوَقَف أمامها، ثم قال: ((ما كانتْ هذه لِتُقاتِل))، ثم نَظَر في وجه أصحابه، وقال لأحدهم: ((الحق بِخَالد بن الوليد، فلا يَقْتُلنَّ ذريةً، ولا عَسِيفًا، ولا امرأة))؛ أخْرَجه مسلم في كتاب الجهاد (8)، باب تحريم قَتْل النِّساء والصبيان في الحرب 3/1364، ح (1744)، مرجع سابق، وَأَوْصى الرَّسول - صَلَّى الله عليه وسلم - جيشَه في غزوة مُؤْتة، وهو يَتَأَهَّب للرَّحيل: ((لا تقتلن امرأة، ولا صغيرًا ضرعًا - أي ضعيفًا - ولا كبيرًا فَانيًا، ولا تحرقن نَخْلاً، ولا تقلعن شجرًا، ولا تهدموا بيتًا))؛ أخْرَجَه مسلم بنحوه، ح (1731)، في الموضع السابق، وعنِ ابن عباس أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جُيُوشًا قال: ((لا تقتلوا أصحاب الصَّوَامع))؛ أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 6/484، باب: "مَن نَهَى عنْ قتله في دار الحرب"، كتاب الجهاد، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1409، تحقيق يوسف كمال الحوت.

 

وعلى نَفْس الهَدْي سار أبو بكر - رضي الله عنه - إذ قال في وَصِيَّته لأميرِ أولِ بعثةٍ حَرْبيَّة في عَهْده، وهو أسامة بن زيد، قال له: "لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا، ولا شَيْخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقطعوا نخلاً ولا تَحْرقوه، ولا تقطعوا شجرة مُثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلاَّ لِمَأْكلة، وسوف تَمُرُّون على قوم فرغوا أنفسهم في الصَّوامع، فَدَعُوهم وما فرغوا أنفسهم له"؛ تاريخ الطبري.

 

هذه الوصية تُعَدُّ دُسْتُورًا لآداب الجهاد في الإسلام، واشْتَمَلَتْ على تشريعاتٍ لِلْحِفاظ على البيئة، حتى في الأوقات الحَرِجَة، بالله عليكم: هل تستحضر دولة الكِيان الصِّهْيَوْنِي مثل هذه القَوَاعد والمَبَادئ في اغْتِصاب أرضِ المُسْلِمينَ، وانْتِهاك أَعْرَاضهم، أَلَمْ تقتل الأطفال الرُّضَّع، والشيوخ الرُّكَّع؟

 

فالرَّسول - صلى الله عليه وسلم - إذًا حَثَّ على حماية البِيئة ومُكَوناتها، هذا في الحرب، ومن باب أَوْلَى في السِّلم، حيث تَزْخَر السُّنَّة النَّبويَّة بالدَّعوات المُتَكَرِّرة للحِفَاظ على البِيئة.

 

وللإشارة؛ فالقُرآن الكريم ليس كتاب طبٍّ، أو صَيْدلة، أو هندسة، أو علوم؛ ولكن الإسلام قد جاء للدِّين والدُّنيا معًا، ﴿ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [النمل: 75]، وجاء لِبِناء مُجتمعٍ مِثَالِيٍّ على ظَهْر الأرض، حيث يكون هذا المجتمع مُتكامِلاً في جميع النَّواحي البِيئيَّة، والأخلاقيَّة، والسِّياسيَّة، والاقْتِصاديَّة، والاجْتِماعيَّة، والعَسْكريَّة، وأيضًا الصِّحيَّة:

التَّحذير منَ التَّلَوُّث الصِّحي المُفْضِي إلى انتشار الأمراض: في هذا الصَّدَد، هناكَ عددٌ لا حَصْر له منَ النُّصوص القرآنيَّة والنَّبويَّة، تدعو إلى الحِفاظ على الصِّحة، بدءًا منَ الدُّعاء بِطَلب العافية، ومُرورًا بِالوَسائل التي تجلب العافية، وتُحَافظ على سلامة البَدَن، وحتى التَّعامُل الإيجابي مع المَرَض في حالة وقوعه، والمُحَافظة على البيئة؛ حتى لا تنتقل عدوى المرض إلى الآخرين، فالإسلام يأمُر الفردَ بِالابْتِعاد عَن موطن الوَباء؛ ولكن وقاية المجتمع المسلم من انتشار الوَبَاء، تعلو على مَصْلَحة الفرد الواحد، وبذلكَ تَصير التَّضحية بالنَّفس في سبيل سلامة المجتمع شهادةً في سبيل الله.

 

إنَّ أول مَن وضع قواعد الحَجْر الصِّحي على أَتَمِّ أصولها، هو المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة - رضي الله عنها - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((ليس مِن أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلدِه صابرًا مُحتسبًا، يعلم أنَّه لن يصيبَه إلاَّ ما كتبَ الله له، إلاَّ كان له مِثْل أجر الشَّهيد))؛ رواه البخاري، وأبو داود، وعن أسامة بن زيد، عنِ النَّبي - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إذا سَمِعْتم بِالطَّاعون في أرضٍ، فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها، فلا تخرجوا منها))؛ صحيح البخاري في الطب 5728 - 5729، وأَوَّل مَن طَبَّق الحَجر الصِّحِّي على أرض الواقع، الخليفة الرَّاشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

 

كما أصبح حجم مشكلة انتشار السُّم الأبيض - المُخَدِّرات - والسُّم الأحمر - السيدا - كبيرًا على المستوى العالمي؛ إذْ يبلغ عددُ مُتعاطِي المُخَدِّرات بأنواعها نحو مليار نسمة؛ ممَّا يَتَسَبَّب في جرائم وسرقاتٍ بالجُمْلة، وهذا ما حَذَّرَ منه القرآن الكريم قبل وقوعه؛ ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، نَفْس الشَّيء ينطبق على المُعْضلة التي أَرَّقَتِ الرَّأي العام الدولي، ولا أَدَل على ذلك مِن قوله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، ومِن ذلك أيضًا الحديث التالي: ((لَمْ تظهرِ الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعْلِنوا بها؛ إلاَّ فَشَا فيهمُ الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مَضَتْ في أسلافهم الذين مضوا))؛ رواه ابن ماجَهْ، وأبو نُعَيْم في "الحلية"، عن عبدالله بن عمر.

 

وللحِفاظ على الصِّحة النَّفسيَّة والعقليَّة للإنسان، جاء الإسلام بِتَعاليم لِمَنْع أسباب التَّوتُّر العصبي، وذلك بالأمر بالإيمان بالله وقدره، والصَّبر على الشِّدَّة، والمِحْنة، والمُصيبة، والمَرَض، وتحريم اليَأْس والانْتِحار، والأمر بِتَعاون الناس وتَرَاحُمهم؛ لِتَخْفيف أعباء الحياة، ثم مَنْع كُلِّ بُؤَر التَّوَتُّر في المجتمع؛ كالمُقَامَرة، والرِّبا، والمُضَارَبة، واللَّهو غير البَريء، والضَّجَّة.

 

كما جاء الإسلام بِأَوامر صحَّة البِيئة الإسلاميَّة ونَظَافتها، ومن ذلك: نظافة البَدَن، والأيدي، والأسنان، والأظافِر، والشَّعر، ونظافة المَلْبس، ونظافة الطعام والشَّراب، ونظافة الشوارع والبُيُوت والمُدُن، ونظافة المياه كالأنهار، والآبار.

 

ويذكر "بِرْنَارَدْشُو" في كتابه "حيرة الطَّبيب": أنَّه عندما ابْتَدَأتْ بريطانيا في استعمار العالم الإسلامي، عملتْ على إجبار سُكَّان جُزُر "السندويتش" على تَرْك الإسلام، فما أن نجحتْ في ذلك، حتى ابْتَدأتِ الأَوْبِئة الفَتَّاكة تظهر بينهم، وتقضي عليهم؛ بِسَبب تَرْكهم لِتَعاليم النَّظَافة في هذا الدِّين.

 

عُمُومًا جاءتْ تعاليم الإسلام بما يُسَمَّى بـ"الطِّب الوقائي"، نعم وقاية مِنْ شَتَّى أنواع الأمراض، قبل الوُقُوع في بَرَاثِنها وتَعَفُّناتها.

 

التَّوجيهات الإسلاميَّة لِتَجَنُّب التَّلَوُّث الجوِّي: فقد خَصَّص ابن القَيِّم - رحمه الله - في كتابه "الطب النبوي"، فَصْلاً عنِ الأوبئة والأمراض، التي تنتشر بِسَبب التَّلَوُّث الهوائي، وهي إشكاليَّات استخْلَصَها مِن نُصُوص الوحي، وقعَّد لها قَبْل المُؤتمرات البِيئية بمئات السِّنين، يقول - رحمه الله -: "والمقصود: أنَّ فساد الهواء جزءٌ من أجزاء السَّبب التام، والعِلَّة الفاعلة للطاعون، وأنَّ فساد جَوْهر الهواء هو الموجب لِحُدوث الوباء، وفساده يكون لاستحالة جَوْهره إلى الرَّداءة؛ لِغَلَبة إحدى الكَيْفيَّات الرَّديئة عليها؛ كالعُفُونة، والنَّتَن، والسُّمِّيَّة، في أي وقت كان من أوقات السَّنَة، وإن كان أكثر حُدُوثه في أواخر فصل الصَّيف، وفي الخريف"[8]، مَنْ عَلَّمَه هذا؟ إنه الله، إنه الله الذي أعانَهُ على التَّبَحُّر في العُلُوم الشَّرعيَّة، واستخلاص القَوَاعد والأصول التي لا تَفْنَى، ويَفْنَى مَن في الأرض.

 

أمَّا ابن خلدون، فقد أرجع كثرة الموت أو الموتان، كما عَبَّرَ عنه في المُقَدِّمة إلى أسباب كثيرةٍ منها: المَجَاعات، ووُقُوع الأَوْبِئة، ويُبَيّن أنَّ سَبَب ذلك يعود في الغالب إلى فساد الهواء؛ لِكَثْرة العُمران؛ وَلِكَثْرة ما يُخَالطه منَ الرطوبة والعفونات، ولهذا يقول: فإنَّه منَ الحكمة أن يباعدَ الإنسان بين المساكن؛ حتى يَتَمَكَّنَ الهواء منَ التَّمَوُّج، ليذهب بما يحصل في الهواء منَ الفساد والعفن[9].

 

في الآوِنة الأخيرة، شدت أنفاس العالم ظاهرة ما يسمى بـ"الاحتِباس الحَرَاري"[10]، فالغازات النَّاتجة عنِ المَصَانع والسَّيارات، تُحبَس داخل الغلاف الجوي، وترفع درجة حرارته، وتلوث الجَوّ، والبَرّ، والبَحر، وتُؤَدي إلى ازدياد نسبة الكربون، وقد أَكَّدَ العلماء أنَّ الناس هم الذين سَبَّبوا هذا الإفساد في البيئة، وَأَخَلّوا بالتَّوازن الطَّبيعي لها.

 

ومنَ التَّلَوُّث الهوائي أيضًا ما نَهَى عنه النَّبي الكريم - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة استَعْطَرَتْ، فمَرَّت على قومٍ ليجدوا مِن ريحها، فهي زانِية))؛ صحيح النسائي 5141، قال الألباني: "حديث حسن"، نعم، تَلَوُّثٌ يُعَكِّر صَفْوَ إيمان المُتَّقين المُخلصينَ لله - سبحانه - ويجلب أنظار الذِّئاب البَشَريَّة.

 

ومما يُعَكِّر جَوَّ الحياة اليَوْميَّة أيضًا المادة التي أجمع العلماء على تَحْريمها "ظاهرة التَّدخين"، فترى الإنسان يَتَلَذَّذ بإشعال السَّجائر في الأماكن العامَّة - دون وَعْي بِأَخْطارها الصِّحيَّة - مِمَا يُؤَدِّي إلى تَضَرُّر الآخرين، صغارًا، أو كبارًا؛ إذِ التدخين السَّلبي أشدُّ فَتْكًا على الإنسان منَ التَّدخين العادي.

 

كما أنَّ الحرص على الرَّوائح الطَّيِّبة وإشاعتها بين الناس وتهاديها، تُساهِم في جماليَّة البِيئة، وتُرَبِّي حاسَّة الشَّمِّ عند المسلم على مَحَاسن الأمور ومَكَارمها، وفي الآن نفسِه مُحَاربة البيئة المُلوثة أيًّا كان مصدر تَلْوِيثها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن عُرِضَ عليه رَيْحَانٌ فَلاَ يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ المَحْملِ، طَيِّب الرِّيحِ))؛ رواه مسلم (5835).

 

التَّوجيهات النَّبَويَّة للحَدِّ منَ الإفساد في الطُّرُقات والمَجَالِس: والقاعدة الشَّرعيَّة التي وضع أُسسها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ((لا ضَرَر، ولا ضِرار))؛ كما جَعَل - صلى الله عليه وسلم - تنظيف الشَّوارع منَ القاذورات، والقمامة، وعوادم وسائل النَّقل الضَّارَّة، وإماطة الأذى عنها، مما يحصُل به الثَّواب، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الجُلُوس في الطَّريق، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّه))، قالوا: "وما حقُّ الطَّريق يا رسول الله؟"، قال: ((غَضُّ البَصَر، وردُّ السَّلام، وإماطة الأذى عنِ الطَّريق))، وإماطة الأذى كلمةٌ جامعةٌ لِكُلِّ ما فيه إيذاء الناس، ممن يستعملونَ الشَّوارع والطُّرقات، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان بِضْع وسبعون أو بضع وستون شُعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عنِ الطريق))؛ رواه مسلم في كتاب الإيمان، الحديث رقم: 35.

 

التَّحذير مِن إيذاءِ المسلمينَ بِالتَّلَوُّث الضوضائي: يقصد به: "صوت غير مرغوب فيه، يكون مصدر إزعاجٍ أوْ أَذِيَّة للناس، والأصوات تكون غير مرغوب فيها؛ نظرًا لِزِيادة حِدَّتِها وشِدَّتها؛ وخُرُوجها عنِ المألوف منَ الأصوات الطَّبيعيَّة، التي اعتاد الإنسان سَمَاعها"[11].

 

لا يَخْفى على أحدٍ أنَّ الضَّجيجَ والضَّوضاء سَبَبٌ في تَشْتيت الذِّهن، وغياب التَّركيز، وتَضْييع لِنِعْمة الهُدوء والطمأنينة، ولِحُسْن التَّفْكير، وتعويقٍ للإنتاج والعَطاء المُثْمِر في حياة الناس، فالحِرْص على الهُدُوء بِحَق قيمةٌ ساميةٌ، ومَظْهر للحضارة الإسلاميَّة، وقيمةٌ حَرَص ديننا الحَنِيف على تَأْكِيدها والدَّعوة إليها، في غير ما موضع مِن كتاب الله وسُنَّة نبيه الكريم - صَلَّى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]، كما لا يجوز للإنسانِ أن يعمرَ بيتَه بما يُؤَدِّي إلى تخريبِ بيوت الآخرين، ولا أن يَرْفعَ صوت جهاز التِّلفاز، أوِ الراديو، بما يُؤَدِّي إلى إقلاقِ راحة جِيرانِه وإزعاجهم، وانظروا إلى أعراسنا - بل طامَّة الطَّوام - مِمَّا عَمَّتْ به البَلْوى بِبِلاد المسلمين مهرجانات تافِهة وساقِطة، تُصْرَف فيها المِلْيارات، وتُقْلِق راحة المريض بل الإنسان العادي، وإلى الله المُشْتَكَى.

 

التَّحذير منَ التَّلَوُّث المائي: إنَّ الإسلام بِاعْتِباره الدِّين الخاتم لِكُل الأديان، جاء يحثُّ الناس - كل الناس - على المُحافَظة على البِيئة، ويَدْعوهم إلى عدم تَلْويثها، أو إفسادها، فَحَرَّمَ على المسلمين وغيرهم التَّبَوُّل، أوِ التَّبَرُّز، أو إلقاء القاذورات، أو جُثَث الحيوانات، أو مُخَلَّفات المصانع أو المُدُن في مجرى المياه؛ خشيةَ تَلْوِيثها، فيضر ذلك الإنسانَ والحيوانَ وغيرهما من مخلوقات الله؛ لِهَذا نهى النَّبي – صلى الله عليه وسلم - عنِ التَّغَوُّط في مَوَارد المياه والطَّريق، كما نهى أيضًا عنِ التَّبَوُّل في الماء الرَّاكد، راجع صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب: "النَّهي عنِ البول في الماء الرَّاكد"، ((لا يَبُولَنَّ أحدكم في الماء الدَّائم الذي لا يجري، ثم يغتسل منه))؛ صحيح البخاري مع "فتح الباري" 1/412، وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((اتَّقوا الملاعن الثلاث: البراز في المَوَارد، وقارِعة الطَّريق، وفي الظِّل))؛ رواه الطَّبَراني، "كنز العمال"، الجزء 9، رقم الحديث 365.

 

بل الغريب في الأمر أنَّ الطِّبَّ الحديث تَوَصَّلَ إلى أنَّ كثيرًا منَ الأمراض، التي تنتقل بالماء المُلَوَّث، ولا سيَّما تلك التي تُسَبِّبها بعضُ الجراثيم أوِ الطُّفَيْلِيات، التي يَحْتوي عليها براز الإنْسان المريض أو بَوْله، وفي مُقَدِّمتها الحُمَّى التَّيفُوديَّة "التيفود"، وداء البلهارسيا "المنشقات"، وداء الديدان الشصية "الملقوات أوِ الإنكيلوستوما"، وسائر الديدان، أما الحُمَّى التَّيفُوديَّة "التيفود"، فتكون جراثيمُها في أمعاء الإنسان، ودمه، وَبَوْله، فاتِّصال بَوْل المُصَاب بها أوِ اتِّصال بُرازه بالماء، يُمكن أن يُؤَدِّيَ إلى نَقْل جَرَاثيمِها إن كانتْ فيه، وهذا هو بالضَّبط ما ورد في الهَدْي النَّبَوي مِن ضوابط وقائيَّة قبل انتقال العدوى؛ بل مِن عجيبِ ما قَرَأْتُ حرص الإسلام في المحافظة على نقاء الماء؛ وقايةً للإنسان منَ الأمراض، التي يمكن أن تَنْتَقلَ بِغِياب النَّظافة، قال - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((إذا استيقظَ أحدكم مِن نَوْمه، فلا يَغْمِسْ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يَدْرِي أين بَاتَتْ يدُه))؛ رواه مسلم.

 

بل والعجيبُ في الأمر؛ وتحذيرًا ممَّا قد يلحق بصِحَّة الإنسان مِن أمراضٍ، مِن جَرَّاء التَّلَوُّث المائي والهوائي، قال - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((غَطُّوا الإناء، وَأَوْكُوا السِّقاء، فإنَّ في السَّنَة ليلةً يَنْزِل فيها وباءٌ، لا يَمُر بإناءٍ ليس عليه غطاء، أو سِقاء ليس عليه وِكَاءٌ، إِلاَّ نَزَل فيه مِن ذلك الوباء))؛ رواه مسلم.

 

وماذا بعد الحق إلاَّ الضَّلال؟! أيُّ إعجازٍ هذا؟ أيُّ حِرْص على قيمة الإنسان وصَونه أكثر من هذا؟ نعم، الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يجعل النَّظافة جُزءًا منَ العِبَادات؛ بل مِن أصول الدِّين نفسه، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنا بِمَا فَعَل السُّفهاء منَّا.

 

في المقابل غياب الضَّوَابط الشَّرعيَّة، وتَبَنِّي شِعار البَقاء للأقوى، دَفَع الإنسان إلى أن يُلْقِي بالمواد السَّامَّة، ومُخَلفات التَّصنيع، والنفايات الطِّبِّيَّة السَّامة في الأنهار أوِ البحار، أو على اليابسة، بما يُؤَدِّي إلى تَضَرُّر البَشَر؛ نتيجة تَلَوُّث مصادر المياه، بل أكبر جريمةٍ سَجَّلَها التاريخ ما قامتْ به الولايات المتحدة بإلقاء قُنبلتَيْنِ نَوَويتَيْنِ على "هيروشيما"، و"نكازاكي"؛ مِمَّا أَدَّى إلى تَسَمُّم الثَّروات البَحَريَّة، التي تُعَدُّ المادة الغِذائيَّة الأساسيَّة في اليابان، وما قامتْ به الولايات المُتحدة من تلويثِ نَهْرَي "دجلة، والفرات"، أين هؤلاءِ المُخَربِينَ مِن شريعة الرَّحمن؟

 

التَّحذير منَ التَّلَوُّث الأرضي: ويَتَجَلَّى التَّحذير الإلهيُّ مِن خلال النَّهي عن كلِّ ما يتلف خصوبة الأرض، ويعجزها عنِ العَطاء، ومنَ الأنشطة الإنسانيَّة التي شَجَّعَها دينُنا الحنيفُ لِتَقْوية التَّخصيب الأرضي - مُمَارسةُ الزِّراعة التي هي منَ الموارد الأساسيَّة التي تَحْمي بيئة الأرض، وقد أَوْلاَهَا الإسلامُ عنايةً مُتَميزةً، وجَعَل الاهتمام بها عبادة، وقد حَرَص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تشجيع الزِّراعة، بما يزيد الثَّروة النَّباتيَّة، ويُضيف إلى البيئة الصالحة، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((ما مِن مُسلمٍ يغرس غَرْسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ، أو إنسانٌ، أو بهيمةٌ، إلاَّ كان له به صدقة))؛ رواه البخاري في كتاب "الحرث والمزارعة"، باب: "فضل الزَّرع والغرس إذا أُكل منه"، حديث رقم 2320، كما أخرجه مسلم في كتاب "المُسَاقاة"، باب: "فضل الغَرْس والزَّرع"، الحديث رقم: 1552، وقال: ((مَن أحيا أرضًا مَيتة، فهي له))؛ رواه التِّرمذي عن جابر، وقال: حديث حسن صحيح.

 

ونهى في مقابل ذلك نهيًا شديدًا عن قَطْع الشَّجر، فقال: ((مَن قطع سدرة - يعني دون مُبَرر - صَوَّبَ الله رأسه في النار))؛ رواه أبو داود، عن عبدالله بن حبشي، إلاَّ أن تكونَ في غير موضعها، كما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ))؛ مسلم (6623).

 

ولِحِماية الزَّرع والثِّمار أيضًا، فقد نهى - عليه الصلاة والسلام - عن بَيْع الزَّرع قبل اشتِداده؛ مَخَافَة التَّلَف، وحدوث العاهة؛ فروى البخاري ومسلم، عنِ ابن عمر – رضي الله عنه -: ((أنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن بَيْع الثِّمار حتى يبدو صلاحها))، وعن مسلم أيضًا أنَّه: ((نَهَى عن بيع النخل؛ حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة))، وقد وضع الإسلام شُرُوطًا تَقْتَضِي ضمان ما أَتْلَفَتْه المَوَاشي منَ الزُّروع والثِّمار وغيرها[12].

 

مُحَارَبة التَّصَحُّر وتشجيع التَّشجير: إلى جانب الأحاديثِ التي ذَكَرْناها آنفًا، هناكَ آياتٌ، وأحاديث كثيرةٌ، تحض على الغَرْس والزَّرع، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من نصب شجرة، فصبر على حِفْظها، والقيام عليها حتى تثمِرَ، فإنَّ له في كلِّ شيءٍ يصاب مِن ثمرها صَدَقة عند الله - عَزَّ وَجَلَّ))؛ رواه أحمد.

 

النَّهي عنِ التَّلَوُّث الأخلاقي: فالإسلامُ يعمل على تهذيب النَّفس الإنسانيَّة، وطبعها بأخلاق القرآن، ونَهَى عنِ الفُحْش والبَذَاءة في الكلام.

 

حماية الثَّروة الحَيَوانيَّة منَ الإتلاف والرّفق بها: نَقَل إلينا الدكتور: مصطفى السباعي - رحمه الله - طرفًا ممَّا قَرَّره الفُقهاء المسلمونَ، مِن أحكام الرَّحمة بالحيوان ما لا يخطر بالبال، ومنها: "وجوب النَّفَقة على "مالك" الحيوان، فإنِ امْتَنَع أجبر على بيعه، أو الإنفاق عليه، أو تَسْيِيبه إلى مكانٍ، يجد فيه رزقه ومأمنه"[13]، ويعتمد الإسلام مبدأ الرِّفق بِصُورة عامَّةٍ في جميع شؤون الحياة، فيجعل منه سِمة تُمَيز المؤمن، وعنصرًا يُقَوِّي الإيمان، وفضيلة تُزَين العمل، وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة – رضي الله عنها - عنِ البخاري ومسلم: ((إنَّ الله رفيقٌ يحب الرِّفق في الأمر كله))، وفي رواية لمسلم: ((إنَّ الله رفيق يحبُّ الرفق، ويُعطِي على الرِّفق ما لا يُعْطي على العُنف، وما لا يعطي على سواه))، وروى مسلم بِسَنده عن عائشة – رضي الله عنها -: ((إنَّ الرِّفق لا يكون في شيءٍ إلاَّ زَانَه، ولا يُنْزَع مِن شيءٍ إلا شَانَه))، تَوَافَرَتِ النُّصوص على أنَّ الإحسان إلى الحيوان والرِّفق به عبادة منَ العبادات، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى أعلى درجات الأجر، وأقوى أسباب المغفرة، أخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، بِسَنده إلى أبي هريرة – رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ امرأةً بَغيًّا رأتْ كَلْبًا في يومٍ حارٍّ، يطيف بِبِئْر، قد أَدْلَعَ لِسَانه منَ العَطَش، فَنَزَعَتْ له بِمُوقها - أي: اسْتَقَتْ له بِخُفِّها - فغُفِر لها))، فَقَد غَفَر الله لهذه البَغِي ذُنُوبها؛ بِسَبب ما فَعَلَتْه من سقي هذا الكلب.

 

وَبِنَفس القدر الذي أوصلتْ به الشَّريعة الإسلاميَّة به الإحسان إلى الحيوان، والرفق به إلى أعلى درجات العِبادة، أَوْصَلَتِ الإساءة للحيوان وتعذيبه إلى أعمق دركات الإثم والمَعْصية، وفي ذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما أخرجه البخاري ومسلم: ((عُذِّبَتِ امرأةٌ في هِرَّة، لَمْ تُطْعِمْها، ولم تسقها، ولَمْ تَتْرُكها تأكل مِن خَشاش الأرض)).

 

ختامًا: إنَّنا - أيُّها المسلمون - بِهَذا لا نَتَخَلَّى عنِ الاسْتِخلاف، وعمارة الأرض، كما أَمَرَنا ربُّنا - سبحانه وتعالى -: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾[هود: 61]، أو نَهْجر المدنيَّة، والتَّطَوُّر العلمي والتكنولوجي والصناعي لِنَعِيشَ في الفَيَافي، والطَّبيعة المُتَوَحِّشة، كلا؛ بلْ علينا أن نكونَ حَرِيصينَ في التَّعَامُل مع روابط الطَّبيعة بِأَدب وحَنان - كما ذَكَرْنا آنفًا - فلا نَقْطعها أو نَتَلاعب بها، أو نُدَمِّرها بِشَكل يعجزها عن الإحياء مِن جديد "التَّنمية المُستَدَامَة"، ونهمل أحكامها، فلَقَدْ جاءَ كُلُّ شيءٍ فيها مُتَوازنًا بحسب ومِقدار، يقول - تعالى -: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8]، ويقول أيضًا: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].



الإحالات المرجعية:

[1] - "لسان العرب" لـ"ابن منظور"، الجزء الأول، ص: 382.

[2] - الدكتور يوسف القرضاوي: "رعاية البيئة في شريعة الإسلام"، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2001م، دار الشروق، ص: 30.

[3] - محمد مرسي محمد مرسي: "الإسلام والبيئة"، الطبعة الأولى، الرياض،1420هـ - 1999م ص: 62.

[4] - "الفساد البيئي: معجزة قرآنيَّة"، المصدر: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

[5] - ابن منظور: "لسان العرب"، ج 3، ص408 - 409.

[6] - محمد مرسي محمد مرسي، نفس المرجع، ص: 105.

[7] -د. محمد عبدالكريم علي عبدربه: "مقدمة في اقتصاديات البيئة، سلسلة عالم البيئة"، دبي، فبراير2003م، ص: 64.

[8] - ابن القيم: "الطب النبوي"، دار مكتبة الهلال، بيروت، بدون تاريخ النشر، ص: 108.

[9] -ابن خلدون: "المقدمة" 2/772،771.

[10] - وقد توسعت في البحث في هذه الظاهرة في مقالة، بعنوان: "ظاهرة الاحتباس الحراري بين حقيقة البيئة ووهم الساسة، مؤتمرات الاحترار الكوني والتقارير البيئية الدولية، جعجعة بلا طحين، مجلة فكر ونقد، السنة العاشرة، العدد 97 أبريل 2008م.

[11] - زين العابدين متولي: "التلوث الضوضائي"، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 450 صفر 1424هـ، ص: 42 - 45.

[12]-د/ مصطفى العلواني: "الإسلام والبيئة"، مجلة التراث العربي، مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتابالعرب، دمشق العدد 101 السنة السادسة والعشرون، كانون الثاني 2006 - المحرم 1427.

[13]- "من روائع حضارتنا" ص 113 د/ مصطفى السباعي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفهوم البيئة في الفكر الجغرافي
  • منهجية الحفاظ على البيئة في الثقافة العربية الإسلامية
  • مكونات البيئة
  • مقاصد الشريعة في المحافظة على البيئة
  • التهيئة الترابية والتعمير
  • اهتمام المملكة بالبيئة والشؤون البيئية
  • خلق المسلم نحو بيئته
  • على من تقع المسؤولية الحقيقية لحماية البيئة؟
  • العبث بالعقل

مختارات من الشبكة

  • مقاييس جمال النص في صدر الإسلام وموقف الإسلام من الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • ربط الترتيب الزمني بين موقف الحشر والشفاعة لأهل الموقف(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • المسلمون: موقف بعضهم من بعض، وموقفهم حيال الأجنبي!!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • بريطانيا: مواقف سلبية تجاه المسلمين باستبيان المواقف الاجتماعية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • موقف الشريعة من تنظيمات قضايا البيئة(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • ملخص كتاب: لماذا لم أتشيع - السابع: موقف الشيعة الإمامية من أهل الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: التنمر وموقف الإسلام منه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مناقب بني أمية في الإسلام ومواقف للخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مواقف من حياة عظماء الإسلام: دراسة تربوية تعليمية مع نماذج مختارة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب