• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الثقافة العربية ووحدتها (3/4)

الثقافة العربية ووحدتها (3/4)
د. محمود الجوهري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/12/2011 ميلادي - 22/1/1433 هجري

الزيارات: 7751

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثالثًا: وحدة الثقافة العربية:

ترجع وحدة "الثقافة العربية الإسلامية" إلى الدين الإسلامي، فكلُّ عنصر من العناصر المكونة لنسيج "الثقافة العربية الإسلامية" يَحمل مفاهيمَ ومعطيات الدين الإسلامي، فالمعرفة أو الاعتقاد أو الفنون أو القانون أو التعاليم الأخلاقيَّة أو العادات، وأي مقدرات مكتسبة بواسطة الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع الإسلامي، كلُّ عنصر من هذه العناصر المكونة للنسيج الكلي المركب والمعقد "للثقافة العربية الإسلامية" يَحمل مفاهيم الدين الإسلامي التي تسود "الثقافة العربية الإسلامية".

 

أ- فالدين الإسلامي كان هو الأساس الذي قامت عليه وحدة "الثقافة العربية الإسلامية".

 

ب- القيم الأخلاقية في "الثقافة العربية الإسلامية" مصدرها الدين الإسلامي، وكان ذلك عاملاً من عوامل وحدة "الثقافة العربية الإسلامية".

 

ج- والقوانين التي هي عنصر من عناصر "الثقافة العربية الإسلامية" ما هي إلا قوانين أحكام الشَّريعة الإسلامية، التي طبقت على الأفراد والمجتمعات والدُّول الإسلامية طوال التاريخ الإسلامي.

 

د- العادات التي هي عنصر من عناصر "الثقافة العربية الإسلامية" هي العادات الإسلامية التي اكتسبها الأفراد والمجتمعات من مفاهيم الإسلام ومعطياته، فكان ذلك عاملاً مُهمًّا من عوامل وحدة الثقافة العربية الإسلامية.

 

هـ- وكذلك المجتمعات الإسلامية وما اكتسبته من قواعد ونظم إسلامية، وأثر ذلك على الأفراد وعاداتهم ومقدراتهم المكتسبة ومعارفهم؛ مما كان له أثره على وحدة الثقافة العربية الإسلامية.

 

و- والفنون كانت تحمل المفاهيم الإسلامية.

 

وسوف نُلقي الضوء على كل عنصر من هذه العناصر.

 

(أ) الدين الإسلامي أساس وحدة (الثقافة العربية):

الدِّين الإسلامي ليس مُجرد عقيدة وشعائر يُؤديها الفرد، بل هو نظام كامل لحياة الفرد والجماعة، ولما كان الدين الإسلاميُّ هو الرِّسالة الخاتمة التي أنزلت على نبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو خاتم الرسل أجمعين، فقد جاء للناس كافَّة، صالحًا لكل زمان ومكان؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ: 28]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1].

 

لذلك جاءت رسالةُ الإسلام جامعةً شاملة، وجاء ما لا يختلف باختلاف الزَّمان والمكان بها، مثل: العقائد، والعبادات، والأحكام القطعيَّة، مفصلاً تفصيلاً تامًّا بالآيات العديدة الشَّارحة له، والمبينة له، وبالسنة النبوية الصَّحيحة، وليس فيه اجتهاد ولا تغيير، أمَّا ما يختلف باختلاف الزمان والمكان، فقد جاء مجملاً يَحتاج لاجتهاد العلماء حَسَبَ كل عصر، والأمَّة الإسلامية كما جاء في القرآن الكريم أمَّة واحدة، حتَّى وإن تعددت الأقطار؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [النبياء: 92]، ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]، وثقافتها ثقافة واحدة ومفاهيمها الاجتماعيَّة والسياسية والاقتصاديَّة وغيرها مفاهيم واحدة، وقد اشتملَ الإسلامُ على كثير من الأصول والتشريعات والأحكام التي تناولت شتَّى نواحي الحياة، وسنوجزها فيما يلي:

1 - العقائد:

وتتمثل في الإيمان بالله، وملائكته، وكُتُبه، ورُسُله، واليوم الآخر، والقضاء خيره وشره، فالإيمان بالله - سبحانه وتعالى - في العقيدة الإسلاميَّة يستوجب الإيمان بالله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي ليس له شريك ولا شبيه في ذاته وصفته وأفعاله؛ يقول تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1-4].

 

ويقول تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163]، والشَّهادتان اللتان يقولهما الإنسان المسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله" - تعني إثبات ذات الله - تعالى - وإثبات صفاته، وإثبات أفعاله - جلَّ في علاه - وإثبات صدق الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما تعني بناء الإيمان على هذه الأركان الأربعة[1].

 

والإيمان بالملائكة التي من خلق الله - سبحانه وتعالى - وهي تسبحه دائمًا: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32].

 

ويدعون الله دائمًا: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7]، والإيمان بالرسل أجمعين وأولهم سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - والإيمان بالكتب التي أنزلها الله - سبحانه وتعالى - على رسله؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: 4]، والإيمان باليوم الآخر والقدر خيره وشره.

 

2- العبادات:

يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، فالشهادتان، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج هي أركان الإسلام، وهي وسائل لدوام الذِّكر، والارتباط بالله - سبحانه وتعالى - وتزكية النفس وتصفيتها من الأدران، كما أنَّها رسائل بناء النفس القوية والإيمان الصادق والبناء الاجتماعي المتين.

 

3- الأخلاق:

الأخلاق الإسلامية عميقة الأثر في بناء الفرد والأسرة والمجتمع، ومِن ثَمَّ كانت انعكاساتها في مجالات الحياة المختلفة، كالمجال الثقافي والسياسي والاقتصادي؛ يقول الله - سبحانه وتعالى - في وصف الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

 

يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

 

وقد دعا الإسلامُ إلى كل خلق طيب، ونهى عن كل خلق مذموم، والأخلاق الحسنة التي يحض عليها الإسلام، ويدعو الناس للتمسُّك بها، مثل: الصدق، والأمانة، والإخلاص، والحلم، والتعاون، والشكر، والرحمة، والإيثار، والكرم، والعطف على الفقراء والضُّعفاء، والحب في الله والعدل... والأخلاق السيئة التي ينهى الإسلام عنها، مثل: الكذب، والغش، والخداع، والنفاق، والخيانة، والرياء، والحسد، والغضب، والبخل، والشح، والظلم.

 

والأخلاق الإسلامية تتميز بميزة عظيمة؛ لأنَّ مرجعيتها وينبوعها هو الإسلام، وهو ينبوع ثرّ لا ينضب ولا يغيض، نقي، مسترسل لا يتوقف، مبرأ من العيوب بعكس الينابيع الأخرى، التي لا تخلو من انقطاع، وغيض وضيق، مثل: الينابيع اليونانية والرومانية وغيرها[2].

 

والإسلام الذي أضفى على الأخلاق هذه الميزة العظيمة، كما جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة - جَعَلَ الأخلاق الحسنة والفضائل مأمورًا بها في شريعة الإسلام، فهي واجبة، وجعل الأخلاق السيئة والرذائل منهيًّا عنها في الإسلام فهي محرمة، واتباع الأخلاق الحسنة والفضائل في الإسلام فيه معنى خلقي ومعنى تعبُّدي؛ أي: إنَّ التمسك بالأخلاق الحسنة والفضائل معناه أنني تَمسكت بالأخلاق الخلقية المحمودة والمقبولة والمفضلة، ومعناه أنني تقربت لله - سبحانه وتعالى - بالتمسك بهذه الأخلاق الحميدة، وسوف يثيبني - سبحانه - عليها في الآخرة، وبالمثل تجنب الأخلاق السيئة والرذائل فيه المعنى الخلقي والتعبدي نفسه[3].

 

وأمُّ الفضائل والأخلاق الحسنة في الإسلام "فضيلة التقوى"، ويقول الدكتور أحمد محمد الحوفي في بَحثه الأساس الإسلامي للأخلاق: "كما أنَّ الإسلام جعل من فضيلة "التقوى" أهمَّ الفضائل وأعظمها، و"للتقوى" دلالة دينية تشمل طاعة الله - تعالى - والرَّغبة في ثوابه، وتشمل خشيته - سبحانه وتعالى - والخوف من عقابه، والتقوى بهذه الدلالة الشَّاملة تُعَدُّ المحور الذي تدور حوله الأخلاق الإسلاميَّة، وهي الأساس الوطيد الذي لا يتبدَّل، ولا يخضع للأهواء أو المقاييس الفردية، أو المقاييس العامَّة التي تتحول وتتغير، فالتقوى هي المركز الذي تلتفُّ الفضائل من حوله، ويرنو إليه كلُّ فرد برغبة ورهبة، ويدور في مُحيطه، سواء حقَّق له نفعًا عاجلاً أم لم يحقق، بل إنَّه يدور من حوله منجذبًا إليه، وإن كان في دورانه ضررٌ مُحقق يَمسه في نفسه أو في ماله أو في رغبة من رغباته.

 

وما من شك أنَّ الذي يتقي ربَّه يُحبه ويطيعه، ويعمل ما يستحق عليه ثوابه، ويكف عمَّا ينزل به عقابه، فيحيا في طهارة نفس وصلاح عمل، وبراءة تدبير، وثراء من الخير والحق، وينفر من كل شرٍّ، ويتحاشى كلَّ رذيلة ونقيصة.

 

ولن يكون التقيُّ - وهو يعلم أن الإسلام ينبوع الأخلاق وأن التقوى محورها - إلا كريمًا، شجاعًا، عادلاً، أمينًا، عفيفًا، صادقًا، مبرأ من الجبن والبخل والفجور، والغدر والكذب والغرور، ومن كل رذيلة.

 

ويقول د. الحوفي: "وقد تردَّدت مادة التَّقوى في القرآن الكريم بهذا المعنى تسعًا وثلاثين ومائتي مرَّة، منها أمرٌ صريح بالتقوى ثلاثًا وثمانين، ومنها كلمة تقوى تسع عشرة، وكلمة تقي ثلاث مرات، وكلمة الأتقى مرَّتين"، ويضيف: "ونستطيع أنْ نستنبط للتقوى - مع هذه الدلالة العامَّة التي تجمع كل فضيلة، وتنفي كل رذيلة - معاني جزئية تتصل بكل فضيلة معينة، كما نجدها تسبق بعضَ الفضائل أو تتلوها معقبة عليها:

أ- فالكرم مُتَّصل بها في قوله - تعالى -: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: 5-7]، وفي قوله - تعالى -: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: 17-20].

 

ب- والشجاعة متصلة بها في قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123]".

 

وهكذا يَمضي د. الحوفي مبينًا اتِّصال "التقوى" بالصدق، والعدل، والعِفَّة، والوفاء، والرحمة، والعفو، والصبر، والأمانة، وقوة العزيمة، والتسامُح، وأداء الدين، والوفاء به، وإصلاح ذات البين، والكسب الحلال، مستدلاًّ ومستشهدًا بالآيات القرآنية الكريمة، وهكذا تتأكد أهمية فضيلة التقوى وأنَّها المحور الذي تدور حوله الأخلاق الإسلامية الكريمة.

 

4- المعاملات:

وهي الأحكام التي تنظم علاقات الناس ببعضهم، وتقيم الرَّوابط بينهم على العدل والرحمة والمحبة والتعاوُن ورفع أسباب الضر والعدوان.

 

واجتلاب الخير والمنفعة للناس جميعًا، ويدخل في ذلك نوعان:

• المعاملات المدنية: مثل معاملات البيع والشراء، والرهن والإجارة والشركة.

• الأحوال الشخصية: مثل الزواج والطلاق والنفقة والعدة.

 

5- العقوبات:

لم يقع الإسلام على العقوبات، بل قام على تهذيب النفس وتطهير القلب، ولم تأتِ العقوبات إلاَّ في المقام الأخير؛ لتردع هؤلاء الذين لم تردعهم الموعظة الحسنة، وتشمل الحدود حدَّ الزِّنا والقتل، وقطع الطريق، والسرقة والقذف، وبجانب هذه الحدود القليلة القاطعة التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة هناك باب واسع لنظام العقوبات في الإسلام هو "التعزير"[4].

 

6- العلاقات:

حدد الإسلام وأوضح العلاقة التي تربط الإنسان بربه وبالحياة والأحياء، وهناك أحكام نظَّمت علاقات المسلمين بعضهم مع بعض، مثل علاقة الرَّجل بالمرأة، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الولد بوالده، وعلاقة المسلم بالجار، وعلاقة المسلم بذوي القُربى وبالأصدقاء وبإخوانه المسلمين، وهناك أحكام نظمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبيَّنت حقوق ولي الأمر على الرعية، وحقوق الرعية على ولي الأمر، وهناك أحكام نظمت علاقات المسلمين بغير المسلمين، وهي الأحكام التي تناولت احترام الأديان الأخرى، وحرية أهلها في عقائدهم، وعصمة أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إلاَّ بالحق.

 

وهناك أحكام شرعت للحرب والقتال وما يترتب على ذلك من الغنائم ومعاملة الأسرى[5].

 

(ب) القيم الأخلاقية الإسلامية من عوامل وحدة (الثقافة العربية):

القيم الأخلاقيَّة في الثقافة العربية الإسلامية مصدرها الإسلام، فقد جاء الإسلام، وقيم العرب الجاهليَّة تسود الجزيرة العربية، فأقر الإسلام القيم الخيِّرة، مثل: الكرم، والشهامة، والنجدة، وأخلاق الفروسيَّة العربية، أمَّا قيم الجاهلية التي سادت قبل الإسلام، مثل: البغي، والظلم، والتفاخر بهما، مثل قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:

وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا الْمَاءَ صَفْوًا
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدَرًا وَطِينًا
بُغَاةً ظَالِمِينَ وَمَا ظُلِمْنَا
وَلَكِنَّا سَنَبْدَأُ ظَالِمِينَا
وَأَحْيَانًا عَلَى بَكْرٍ أَخِينَا
إِذَا مَا لَمْ نَجِدْ إِلاَّ أَخَانَا

فقد حَرَّمها الإسلام.

 

وحلف الفضول الذي أشار إليه الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديثه يدُلُّ على ذلك، وقصة حلف الفضول كما روتها كتب السيرة تتلخص في أنَّ بعض القبائل من قريش وهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب، وزهرة بن كلاب، وأسد بن عبدالعزي، وتيم بن مرة، تداعت إلى حلف، فاجتمعوا له في دار عبدالله بن جدعان لشرفه وسنه فصنع لهم طعامًا، وتعاقدوا وتعاهدوا على ألاّ يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دَخَلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظَلَمه حتى تردّ عليه مظلمته، وسمّت ذلك "حلف الفضول".

 

وسبب عقد حلف الفضول أنَّ العاص بن وائل اشترى بضاعة من "زبيدي"، وماطله في ثمنها، وامتنع عن الدفع، فاستدعى عليه بعض الناس، فلم ينصروه؛ لشرف العاص ومكانته فيهم، فوقف الرجل على جبل أبي قبيس مطلع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، وأنشد شعرًا يعرض فيه أمرَه ومظلَمَتَه، ويدعو الناس لنُصرته، فهب الزبير بن عبدالمطلب، وقال: ما لهذا متروك؟ وقد سَمَّت قريش هذا الحلف حلف الفضول؛ لأنَّهم قالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر، وقد شهد سيدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الحلف في شبابه؛ فعن طلحة بن عبدالله بن عوف الزهري قال: سمعت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا ما أحب أنَّ لي به حمر النعم، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت))[6].

 

وقد أتى الإسلام بالقيم الإسلامية الجديدة التي تناسب الفطرة الإنسانية، مثل: العدل، والإحسان، والرحمة بالفقراء والمساكين، والمحبة، والألفة، والعطف على الصَّغير، وبر الوالدين، والدَّعوة إلى التوبة من الذُّنوب بدون وسائط بين العبد وربِّه، ونهي عن البغض والظلم والتجبر والإفساد في الأرض؛ يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: 90]، كما نَهَى الإسلام عن الغدر، والكذب، والنفاق، والسرقة، والزِّنا، وشرب الخمر وحرمها، وقد بيَّن الإسلام كيفية معاملة غير المسلمين: ((لهم ما لنا، وعليهم ما علينا))، ومعاملة الأسرى في الحرب، وغيرها من القيم، وقد كرَّم الإسلام المرأة، وحفظ لها كرامتها وحريتها، فألغى وحرم كثيرًا من العادات التي كانت موجودة في الجاهليَّة، مثل: وأْد البنات، وكثير من عادات وأنواع الزَّواج التي كانت تحطُّ من قدر المرأة وإنسانيَّتها والتي سنوردها فيما يلي:

1- نكاح الاستبضاع:

قد أشارت السيدة عائشة - رضي الله عنها - إلى هذا النَّوع من النكاح الذي كان سائدًا قبل الإسلام بقولها: "كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمسها: أرسلي إلى فلان فاستنبضعي منه، ويعتزلها زوجُها ولا يَمَسُّها أبدًا حتى يتبيَّن حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبيَّن حملها، أصابها زوجها إذا أحب"[7]، ونكاح الاستبضاع أجازه مشرع "إسبرطة" الشهير "ليكورغوس"، فأباح للأزواج أنْ يرسلوا زوجاتِهم لعظماء الرِّجال؛ لإنجاب طفل يتميَّز بالنبوغ والتفوق، وحث "ليكورغوس" الشيوخ من الأزواج للبحث لزوجته الشابَّة على فتى جميل كريم الخلق؛ لتستمتع به، وعد هذا العمل من أعمال الفضيلة الجليلة، ومن الأعمال الوطنية العظيمة؛ إذ تُسلِّل للبلاد نسلاً قويًّا.[8]

 

وقد أعار سقراط نفسه زوجته جزانتيب xantipp إلى "أوليسياب" oliciabe.

 

2- نكاح عدة أزواج (أقل من عشرة) بامرأة واحدة:

قالت السيدة عائشة أم المؤمنين في حديثها عن النِّكاح في الجاهليَّة الذي سبق ذكره: كان يجتمع الرَّهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة فيصيبونها، فإذا حملت ووضعت تُرسل إليهم، فلا يستطيع واحد منهم أن يَمتنع، فإذا اجتمعوا عندها تقول لهم: قد عَرَفْتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تُسمي من أحبَّت باسمه، فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع عنه الرَّجل، ويظهر من هذا أنَّ عدد الرجال الذين يباح لهم الزَّواج بامرأة، ومن هذا النِّظام ما كان يصحُّ أن يزيد عن تسعة، وأنَّ معاشراتهم للزوجة لم تكن بصورة دائمة، ولم تكن لها صفات الحياة العائليَّة، وإذا زاد عدد الرجال عن تسعة، اعتبرت المرأة بَغِيًّا، وطبق عليها نظام البغاء الذي أشارت إليه السيدة عائشة - رضي الله عنها - في قسم من حديثها.

 

3- نكاح البغاء: وقد أشارت السيدة عائشة إليه بقولها:

"ونكاح رابع: يَجتمع الناس الكثير[9]، فيدخلون على المرأة لا تَمتنع ممن جاءها، وهن البغايا، كن ينصبن على بُيُوتهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن، دَخَل عليهن، فإذا حملت إحداهن، ووضعت حملها، جمعوا ودعوا لها القافة[10]، ثم ألحقوا وَلَدَها بالذي يرون فالتاط به[11]، ودعي ابنه لا يَمتنع عنه"، وختمت عائشة بقولها - رضي الله عنها -: "فلما بعث محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالحق، هَدَمَ نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم"[12]، على أن العرب في الجاهلية كان يحتقرون البغايا ومن أقوالهم: "تموت الحُرَّة ولا تأكل بثدييها"، وكان البغاء مقصورًا على الإماء.

 

4- الزواج بالبنات والأخوات:

كان يباح عند بعض عشائر العرب في الجاهليَّة، وخاصَّة عند القبائل التي كانت على دين المجوس إلى جوار فارس، ومنهم: لقيط بن زرارة الذي تزوج بنته، وسمَّاها بالاسم الفارسي "دختنوس"، وقد حرم الإسلام زواج البنت أو الأخت؛ قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23].

 

5- نكاح السفاح:

كان بعض عشائر العرب يبيح لخطيب البنت أنْ يَختلط بها ويعاشرها، فإذا قبل كل منهما الآخر تَم الزواج، وإلا فسخت الخطبة، وقد حرم الإسلام ذلك.

 

6- نكاح السبي:

كان بعض قبائل العرب يبيح الاستيلاء على المرأة بالقُوَّة، فإذا انتصر على مَن يُقاومه، عاشرها معاشرة الأزواج.

وفي ذلك يقول حاتم الطائي:

فَمَا أَنْكَحُونَا طَائِعِينَ بَنَاتِهِمْ
وَلَكِنْ خَطَبْنَاهَا بِأَسْيَافِنَا قَسْرًا

 

7- نكاح الشغار:

هذا النوع من النِّكاح كان مباحًا لدى كثير من قبائل العرب، فيتزوج الرجل من ابنة رجل على أن يزوجه ابنته، من دون دفع مهر، وسمي الشغار، ومعناه خلا من دفع المهر، وقد حرَّم الرسول هذا النَّوع من الزَّواج؛ فعن نافع عن ابن عمر: "نهى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الشغار، والشغار أنْ يزوج الرجل بنته على أن يزوجه الحرُّ ابنته، ليس بينهما صداق"[13].

 

8- التعدد من دون تقيد بعدد:

وكان هذا مباحًا، بل كانت القاعدة عند جميع القبائل العربيَّة قبل الإسلام، وقد أباح الإسلام التعدُّد في حدود خاصَّة، وبقيود معينة.

 

9- الجمع بين الأختين:

وقد حرَّمه الإسلام تحريمًا بائنًا؛ قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 23]، والجمع بين الأختين يؤدي إلى العداوة في الأسرة الواحدة.

 

10- زواج المقت:

وهو الزواج بزوجة الأب، وكانت تبيحه بعض القبائل العربية في الجاهلية، وقد حرمه الإسلام؛ قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 22].

 

11- زواج المتعة:

وهو زواج مؤقَّت ينصُّ العقد على أن ينتهي هذا الزواج في تاريخ مُحدد تنتهي بحلوله رابطة الزوجيَّة من تلقاء نفسها، وقد أحلَّها الإسلام في بادئ الأمر، ثُمَّ حرمها بعد ذلك تحريمًا باتًّا.

 

12- وراثة الأخ لزوجة أخيه والقريب لزوجة قريبه:

أخذ بهذا النظام كثير من عشائر العرب في الجاهليَّة، فكان إذا مات الرجل وله عَصَبة - ربَّما كان أخاه أو ابن عمه - ألقى هذا القريب ثوبه على زوجة المتوفَّى، وقال: أنا أحق بها، ثُمَّ إن شاء استبقاها لنفسه، وإن شاء زوجها لغيره، وأخذ صداقها، رضيت بذلك أم كرهت، وإن شاء عضلها عن الزواج؛ لتفتدي بما وَرِثَت عن زوجها[14]، وشريعة اليهود تأخذ كذلك بهذا النظام، وقد حرم الإسلام هذا النظام تحريمًا باتًّا؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: 19].

 

13- عضل المرأة عن الزواج وتزويجها من دون رضاها أو من دون أخذ رأيها:

كان بعض الآباء أو أولياء الأمور قبل الإسلام يتحكمون في بناتهم، فيعضلونهن عضلاً تمامًا عن الزواج أحيانًا، ويزوجونهن أحيانًا من دون أخذ رأيهن، وقد حرَّم الإسلام ذلك.

 

(ج) القانون المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية وأثره في وحدة (الثقافة العربية):

القانون في الثقافة العربية الإسلامية مصدره أحكام الشَّريعة الإسلامية، والقوانين التي سادت المجتمعات الإسلامية على مدى التَّاريخ، كانت كلها مُستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، فالقانون الذي كان يطبق في بغداد كان هو نفسه الذي يطبق في الهند وفارس ومصر وبلاد المغرب العربي وغيرها من البلاد الإسلاميَّة، وكان كل إقليم له قاضٍ يَجتهد في استخراج الأحكام من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، حتَّى قام الإمام مالك بوضع "الموطأ"، وقام بقية الأئمة الأربعة في وضع مذاهبهم الفقهيَّة التي كانت مرجعًا للقُضاة في أحكامهم في شتَّى الأمصار الإسلامية.

 

هذه الوحدة القانونية التي ربطت الشعوب الإسلامية على مدار التَّاريخ، وانعكست على جميع الأفراد ومُساواتِهم في الحقوق والواجبات منذ فجر الإسلام - كان لها أثر كبير في وحدة الثقافة العربية الإسلامية وتَميُّزها عن الثقافات الأخرى، وكانت النُّظم القضائية تكفُل العدالة المطلقة لكل الناس، وكانت لها مبادئ لم يكُن الجنس البشري يَحلُم بها قبل الإسلام، مثل المساواة المطلقة بين المتخاصمين في مجلس القضاء، والعلانية في القضاء والشُّروط التي يَجب أن يختار القاضي على أساسها.

 

وقد حَفَلَ تاريخ القضاء الإسلامي بصُور من العدل يَنْدُرُ أنْ توجد في أيِّ ثقافة أو حضارة أخرى حتى الآن، وقد ظل القانون الإسلامي سائدًا ومسيطرًا في شتَّى المجتمعات الإسلامية حتَّى أواخر القرن الماضي، حتى وقع الاحتلال على البلاد الإسلاميَّة؛ حيث انسلخت بعض الأقطار من تطبيق القانون الإسلامي، واتَّبعت القوانين التي وضعها المحتل، والمستمدة من الثقافات الأخرى، مثل القانون الفرنسي.

 

(د) العادات الإسلامية وآثارها في وحدة الثقافة العربية:

فالعادات في الثَّقافة العربية الإسلامية مُرتبطة بمفاهيم الإسلام وتعاليمه؛ فالدَّم، ولحم الخنزير، والمسكرات، وكذلك الطعام الذي اكتسب من حرام، وما أُهِلَّ لغير الله[15]، والمنخنقة (أي: التي تخنق فتموت)، والموقوذة (أي: التي ضربت بعصا، فقتلت)، والمتردية (أي: التي تسقط من مكان عالٍ فتموت)، والنطيحة (أي: التي نطحها حيوان آخر فأماتها)، وما أكل السبُع إلاَّ ما ذكيتم (أي: ما جرحه الحيوان المفترس إلا إذا أدركمتوه وفيه حياة، فذبحتموه، فهو يحل لكم)، وما ذبح على النُّصُب[16].

 

كل ذلك وغيره من الطعام الذي حرمه الإسلام، وقد بيَّنتِ الشريعة الإسلامية طريقة ذبح الحيوان، كما بينت آداب الطَّعام، مثل غسل الأيدي قبل أكل الطعام وبعده، والبسملة عند بدء الأكل، وحمد الله وشكره عند الانتهاء من الأكل والشرب والأكل باليد اليمنى، وعدم الأكل في آنية من الذَّهب والفضة، والنهي عن امتلاء المعدة في الأكل والشرب، أمَّا من ناحية الملبس، فالأصل هو الإباحة لجميع الملابس ما دامت تستر العورات، وتلتزم بعدم التبرُّج، والزي الإسلامي يمتاز بالاعتدال وعدم التبرج والنظافة وستر العورات، والإسلام لا يَمنع الطيبات من الرزق والتزيُّن في الملبس؛ قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32].

 

وقد حرم الإسلام لُبس الحرير والذَّهب للرجال، وأباحها للنساء، ومن ناحية العادات السلوكية: فالإسلامُ أمر بإفشاء السلام وإطعام الطَّعام، والصلاة بالليل والناس نيام، كما أمر بالاستئذان عند دخول البيوت والتحيَّة والمصافحة عند الالتقاء وعند الانصراف، كما أمر الإسلام بالمعروف، ونهى عن المنكر وتوقير الكبير، والعطف على الصغير وآداب الحديث؛ يقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى رجلان دون الآخر، حتَّى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن يُحزنه))[17].

 

والعادات في الاحتفالات ومواعيدها، ومناسبتها في الثَّقافة العربية؛ مثل الاحتفال بالعيدين والاحتفالات في شهر رمضان، كلها عادات إسلامية يحتفل بها المسلمون في شتَّى أقطار الأرض، وغير ذلك من العادات الإسلامية التي كانت من أسباب "وحدة الثقافة العربية الإسلامية".

 

(هـ) الإسلام والمعرفة:

جاء الإسلام ليخاطب في الإنسان كلَّ وسائل المعرفة والحسِّ، من عقل وجسد وإحساس وغرائز، وقد خصَّ الله - سبحانه وتعالى - إحدى هذه الوسائل - وهي العقل - بأكبر قَدْرٍ من العناية والاهتمام، وقد تكرَّر قوله - تعالى -: ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ في آيات عديدة من القرآن، والإسلام يَحُثُّ المسلمين على اكتساب كل أنواع المعارف، فالحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنَّى وجدها.

 

(و) أثر الإسلام في عادات الأفراد ومقدراتهم الاجتماعية المكتسبة:

كان للإسلام آثاره العميقة على المجتمعات الإسلاميَّة في شتَّى النَّواحي السياسية والاقتصادية، ونظام الأسرة، ونظام التعليم، ونظام التقاضي، وغيرها، وبناء النظم والقواعد الاجتماعية المختلفة في المجتمعات الإسلامية قام على مفاهيم الإسلام ومعطياته؛ مما أكسب المجتمعات الإسلامية أنماطًا ومقاييسَ اجتماعيَّة إسلامية للحكم على تعريفات الأفراد وسلوكياتهم وعاداتهم ومقدراتهم المكتسبة.

 

(ز) اللغة العربية:

كما ذكرنا، فإنَّ اللغة ليست عنصرًا من العناصر المكونة للنَّسيج الكلي للثقافة، ولكنَّها وعاء للثقافة.

 

إلاَّ أنَّ "الثقافة العربية الإسلامية" استثناء في هذا، فاللغة العربية تُعَدُّ عنصرًا من العناصر المكونة للنسيج الكلي "للثقافة العربية الإسلامية" لماذا؟

 

كما أوضحنا أنَّ جميع العناصر المكونة للنسيج الكلي للثقافة العربية الإسلامية تَحمل مفاهيم الإسلام ومعطياته، ولَمَّا كانت اللغة العربية هي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فإنَّها بذلك تُعَدُّ من العناصر المكونة للنسيج الكلي للثقافة العربية الإسلامية.

 

وقد حافظ المسلمون على اللغة العربية وعلومها طوال التاريخ الإسلامي، وكانت هي لغة التخاطب والكتابة والثقافة في بُلدان العالم الإسلامي، وفي القَرنين الأخيرين انسلخت بعضُ الأقطار الإسلاميَّة من لغتها العربية، واتَّخذت لغات مغايرة مثل التركية والفارسيَّة والإنجليزية والفرنسية وغيرها، هذا ومع انسلاخ هذه الأقطار الإسلامية عن اللغة العربية، فإنَّها لم تتخلَّ عن ثقافتها الإسلامية، وإن كانت تستعمل لغة أخرى غير العربية.

 

بعد استعراضنا لأثر الإسلام على العناصر المكونة لنسيج "الثقافة العربية الإسلامية"، واكتساب هذه العناصر للمفاهيم الإسلامية؛ مما أدَّى لوحدة "الثقافة العربية الإسلامية" نستخلص ما يلي:

1 - أن الإسلام كان له الأثر العظيم على وحدة "الثقافة العربية الإسلامية".

 

2 - أن "الثقافة العربية الإسلامية" ليست بدعًا في ذلك، فجميع الثقافات الأخرى القديمة والحديثة، والموجودة والمنقرضة، كان لعنصر الاعتقاد الأثر الكبير في وحدتها.

 

3 - يَجب أن نزيل اللبس عن عنصر الاعتقاد في الثقافة الغربية المعاصرة، فالثقافة الغربية المعاصرة تكونت وتوحدت مع نشأة الفكر الليبرالي الحديث ونموه، منذ القرن السابع عشر الميلادي، وذلك بعد فترة تَمزُّق ثقافي صَاحَبَ التمزُّق الديني والاجتماعي الذي امتدَّ من القرن الثاني عشر إلى القرن السابع عشر الميلادي، وساد أنحاء أوربا، وقد تغير عنصر الاعتقاد في الثقافة الغربية منذ القرن السابع عشر الميلادي، وحلت "المادية الجديدة" مَحَلَّ "الأفكار الكهنوتية المسيحية"، وسوف نناقش ذلكم في المجال السياسي.



[1] "إحياء علوم الدين"، للإمام الغزالي، الباب الثالث: جوامع الأدلة للعقيدة.

[2] د. أحمد محمد الحوفي عضو مجمع اللغة العربية وأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، "الأساس الإسلامي للأخلاق"، كتاب "دراسات في الحضارة الإسلامية"، المجلد الثالث.

[3] الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الجامع الأزهر، "بحث في الفقه الإسلامي"، كتاب "دراسات في الحضارة الإسلامية"، المجلد الثالث.

[4] د. محمد محمد عبدالقادر الخطيب، "دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية".

[5] نقلاً عن المصدر السابق.

[6] ابن هشام، 1/ 138، انظر: الجزء 19 من الأغاني، (6597 - 6616)؛ حيث ذكر روايات مُتعددة ومختلفة عن الحلف، والمشتركين فيه، وآثاره، وذكر أنَّ سن النبي - صلى الله عليه وسلم - آنذاك كانت 25 سنة.

[7] رواه البخاري في باب مَن قال: ((لا نكاح إلا بولي)).

[8] د. علي عبد الواحد وافي: "بحوث في الإسلام والاجتماع".

[9] أكثر من عشرة.

[10] القافة: هم الخبراء في فن القيافة، وهو فن كان منتشرًا عند العرب يستطيع الراسخون فيه أنْ يعرفوا الأصل الذي انحدر الولد من مَائِه عن طريق الشَّكل الخارجي لتكوين أعضائه وحجمها ولون بشرته، والقافة أيضًا قصاصو الأثر.

[11] ادعاه ولدًا.

[12] رواه البخاري في باب من قال: ((لا نكاح إلا بولي)).

[13] أخرجه البخاري في باب: "نكاح الشغار".

[14] تفسير البيضاوي لقوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [النساء: 19].

[15] ما قصد به غير الله، أما التسمية عند الذبح فموضوع آخر وفيه خلاف.

[16] أي: ما ذبح وقصد به ما يعبد من دون الله.

[17] "صحيح البخاري"، (7/142).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثقافة العربية ووحدتها (1/4)
  • الثقافة العربية ووحدتها (2/4)
  • الثقافة العربية ووحدتها (4/4)
  • فضل العرب عامة
  • مقدمة كتاب فصول في ثقافة العرب قبل الإسلام
  • أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (1)

مختارات من الشبكة

  • تطور الكتابة التاريخية بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المسلم بين الثقافة الإسلامية والثقافة المزيفة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القضايا التاريخية بين ميزاني الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عن ثقافة الأزمة وأزمة الثقافة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاقة بين التربية والثقافة: إشكالية الممارسة والتطبيق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تعريف الثقافة الإسلامية والفرق بينها وبين العلم والمدنية والحضارة(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • ثقافة التخلف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • جمعية الصداقة الكاريلية - العربية تنعى رئيس مركز الثقافة العربية "البيت العربي"(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (3)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (2)(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر وتقدير
توفيق الحوفي - مصر 21-05-2019 11:50 PM

رحم الله الدكتور أحمد الحوفي وأسكنه فسيح جناته

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب