• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الإسلام والعروبة.. علاقة تلازم

محمد وفيق زين العابدين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/3/2011 ميلادي - 11/4/1432 هجري

الزيارات: 25415

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، الحمد لله الذي رفَع لنا في كل ثَغر عَلَمًا، وأجْرَى لنا في جوار كلِّ بحر ما يُضاهيه كَرَمًا، وجعَل في هذه الأمة من المسلمين إلى اليوم مَن يزيد الناس عِلمًا، ويَمحو من الظلمات ظلمًا.

 

أما بعدُ:

فتباينت الآراء حول علاقة الإسلام بالعروبة، ولَم يعرف حتى أكثر العرب والمسلمين أنفسهم ماهيَّة ثقافتهم، ومدَى علاقة الإسلام بالعروبة والصِّلة بينهما، على الرغم من اقترانهما طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان.

 

لقد قامت الحضارة الإسلامية طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان على دِعامتين: هما الإسلام والعروبة، بحيث كانت اللغة هي الأداةَ التي عبَّرت هذه الحضارة بها عن نفسها، في حين كان الإسلام مضمون هذه الحضارة وشخصيَّتها، فكانت العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة تكامُليَّة بلا تناقُض، كعلاقة الجسد بالرُّوح، وليس كما يدَّعي البعض ممن يَضيق بالإسلام صدْرُه، وكما يدَّعي دُعاة القوميَّة العربيَّة، فالثقافة الإسلاميَّة تشمل شِقَّين ينبغي الجمْع بينهما، وتدعيم كلٍّ منهما:

 

الأول: يتمثل في الإسلام، وفى ذلك يقول قتادة - رحمه الله -: "كان العرب أذلَّ الناس ذُلاًّ، وأشقاهم عيشًا، وأبينهم ضلالاً، وأعراهم جلودًا، وأجوعهم بطونًا على رأْس حجر بين الأسدين: فارس والروم، حتى جاء الله - عزَّ وجلَّ - بالإسلام، فوسَّع به لهم الرزق، وجعَلهم ملوكًا على رقاب الناس"، ويقول المستشرق الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" (417: 418): "تأثير دين محمد في النفوس أعظمُ من تأثير أيِّ دين آخر، ولا تزال العروق المختلفة التي اتَّخذت القرآن مُرشدًا لها تعمل بأحكامه، كما كانتْ تفعل منذ ثلاثة عشر قرنًا، أجَل قد تجد بين المسلمين عددًا قليلاً من الزنادقة والأخلياء، ولكنَّك لن ترى مَن يجرؤ منهم على انتهاك حُرمة الإسلام في عدم الامتثال لتعاليمه الأساسيَّة، كالصلاة في المساجد، وصوم رمضان، الذي يُراعي جميع المسلمين أحكامه بدقَّة، مع ما في هذه الأحكام من صرامة، وعلى مَن يرغب في فَهْم حقيقة أُمم الشرق - التي لَم يُدرك الأوروبيون أمرَها إلاَّ قليلاً - أن يتمثَّل سلطان الدين الكبير على نفوس أبنائها، فعلى الراصد المؤمن أو الملحد أن يحترمَ هذا الإيمان العميق، الذي استطاع العرب أن يفتحوا العالَم به فيما مضَى، وهم اليوم يصبرون به على قسوة المصير".

 

ثانيًا: يشمل اللغة العربية كأداة للتعبير، اصطفاها الله - تعالى - لينزل بها كتابه - عزَّ وجلَّ - واختارها لغة الإسلام، ولسان نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فثبتتْ بها الشريعة، واستقرَّت بها الأحكام؛ قال - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾ [الرعد: 37]، وقال: ﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 103]، وقال: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28]، وقال: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ﴾ [الشورى: 7]، وقال: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأحقاف: 12].

 

قال بعض المفسرين: "إنَّ القرآن كلام عربي، فكانتْ قواعد العربية طريقًا لفَهم معانيه، ودون ذلك يقع الغَلط وسوء الفَهم، ونعني بقواعد العربية مجموع علوم اللسان العربي، وهي: متن اللغة والتصريف والنحو، والمعاني والبيان، ومن وراء ذلك استعمال العرب المتَّبَع من أساليبهم في خُطَبهم وأشعارهم، وتراكيب بُلغائهم".

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - في "اقتضاء الصراط المستقيم" (162): "فإن الله لَمَّا أنزَل كتابه باللسان العربي، وجعَل رسوله مُبلغًا عنه الكتاب والحِكمة بلسانه العربي، وجعَل السابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به، لَم يكنْ سبيلٌ إلى ضبْط الدين ومعرفته، إلاَّ بضبْط هذا اللسان، وصارتْ معرفته من الدين، وصار اعتياد التكلُّم به أسهلَ على أهل الدين في معرفة دين الله، وأقربَ إلى إقامة شعائر الدين، وأقربَ إلى مُشابهتهم للسابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم".

 

إن المباعدة بين اللغة العربية وبين ألْسِنة المسلمين وعقولهم، يؤدي حتمًا ولا بد إلى استعجام فَهْم كتاب الله - تعالى - عليهم، وانغلاق أبوابه دونهم، فيكون فَهْمُ أسراره التشريعيَّة والأخلاقية مقصورًا على المختصِّين، وهذه طامَّة كُبرى، وحسبنا أن نعلمَ أنَّ قواعد العربية لَم تُدوَّن إلا صَوْنًا للقرآن الكريم من اللحن، بل إن العلماء قد جعلوا العلم بالعربية وقواعدها من شرائط ومُتطلبات المفسِّر لكتاب الله – تعالى - يقول الزركشي - رحمه الله - في "البرهان" (2 / 165): "فأمَّا اللغة، فعلى المفسِّر معرفة معانيها ومسمَّيات أسمائها، ولا يلزم ذلك القارئ"، ويقول في "البرهان" (1 / 295): "واعلمْ أنَّه ليس لغير العالِم بحقائق اللغة وموضوعاتها تفسيرُ شيءٍ من كلام الله، ولا يكفي في حقِّه تعلُّمُ اليسير منها؛ فقد يكون اللفظ مشتركًا وهو يعلم أحد المعنيين، والمراد المعنى الآخر".

 

ولقد دأَبَ الفقهاء منذ القِدَم على أن يصلوا بين العربية والحديث، والفقه وأصوله بأوثق الصِّلات، ولَم تكن العناية باللغة عندهم بأقل من العناية بأيِّ شأْن من شؤون الدين، حتى إنهم ليشترطون في المجتهد بصفة عامة، والفقيه والأصولي بصفة خاصة أن يكون عالِمًا بالعربية وقواعدها؛ ليُمكنه استنباط الأحكام من الأدلة، وإحسان تأويلها، ومَن نظَر للفقهاء المتقدِّمين والمتأخِّرين، وجدهم علماء في اللغة كحالهم في الفقه والأصول، فهاكم من الأئمة في فنونهم الفقه أو الحديث، وهم أئمة في اللغة من المتقدِّمين: مالكًا والشافعي، وأحمد بن صالح، وداود الطائي، وابن المبارك، وأبا عبيد القاضي، ومن المتأخِّرين: السيوطي والسخاوي، وسمكة البلبيسي، وابن الزملكاني وابن تيميَّة، ومن المعاصرين: آل الزرقاء، والشنقيطي، وابن عثيمين، وغيرهم كثيرون لا حِيلة في حصْرهم - رحمهم الله.

 

وقد صحَّ عن عمر - رضي الله عنه - فيما أخرَجه ابن أبي شيبة وعبدالرزاق في مصنفيهما بإسنادٍ حسن: أنه كتَب إلى أبي موسى - رضي الله عنهما -: "فتفقَّهوا في السُّنة، وتفقَّهوا في العربية"، ورَوى ابن أبي شيبة في مصنَّفه عن يحيى بن يعمر عن أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - أنه قال: "تعلَّموا العربية كما تعلَّمون حِفْظ القرآن".

 

رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي
وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي
عَقِمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالاً وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ الْيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ
أَنَا الْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الْغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِنِي
وَمِنْكُمْ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتِي
فَلاَ تَكِلُونِي لِلزَّمَانِ فَإِنَّنَي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِينَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الْغَرْبِ عِزًّا وَمَنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوْا أَهْلَهُمْ بِالْمُعْجِِزَاتِ تَفَنُّنًا
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بِالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ نَاعِبٌ
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
وَلَوْ تَزْجُرُونَ الطَّيْرَ يَوْمًا عَلِمْتُمُ
بِمَا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةٍ وَشَتَاتِ
سَقَى اللهُ فِي بَطْنِ الْجَزِيرَةِ أَعْظُمًا
يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتِي
حَفِظْنَ وِدَادِي فِي الْبِلَى وَحَفِظْتُهُ
لَهُنَّ بِقَلْبٍ دَائِمِ الْحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الْغَرْبِ وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ
حَيَاءً بِتِلْكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بِالْجَرَائِدِ مَزْلَقًا
مِنَ الْقَبْرِ يُدْنِينِي بِغَيْرِ أَنَاةِ
أَيَهْجُرُنِي قَوْمِي عَفَا اللهُ عَنهُمُ
إِلَى لُغَةٍ لَمْ تَتَّصِلْ بِرُوَاةِ
سَرَتْ لُوثَةُ الإِِفْرِنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى
لُعَابُ الأَفَاعِي فِي مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً
مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
فَإِمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ الْمَيْتَ فِي الْبِلَى
وَتُنْبِتُ فِي تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتِي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لاَ قِيَامَةَ بَعْدَهُ
مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بِمَمَاتِ

 

وهي الأداة التي اختارَها - تعالى - لينطق بها خاتَمُ رُسله، وأفضْل خَلْقه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهى وسيلة التعبير التي اختارها - عزَّ وجلَّ - ليُعْبَد بها في مشارق الأرض ومغاربها، وأوْجَب وفرَض على كل مَن اعتَنق الإسلام تعلُّمَها وممارسة شعائره بها، وصدق القائل: "لا سبيل لتمييز أمة عن غيرها، إلاَّ بلُغتها".

 

إن اقتران الإسلام بالعروبة على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان، وبين تلك البقاع من الأرض الممتدة من الفرات في الشرق، إلى المحيط في الغرب، حتى اعتبرتْ عاصمة دولة المسلمين، ومَهجر الْمُبْعَدين والخائفين الفارِّين بدينهم، وعلى الرغم من أنَّ الإسلام دينٌ عالَمي، والرسول - عليه الصلاة والسلام - بُعِث للناس كافة، فإن العربية كانت لغة نبيِّه، ولسان كتابه، وأثر هذا التلازُم بين الإسلام والعروبة، فإنه عندما دخَل الإسلام بلاد العَجم، جاء محمَّلاً بالعروبة، ففرَضَت اللغة العربية نفسها على تلك المجتمعات، ونتيجة هذا التلازم، فإن الأغلبية الساحقة من علماء المسلمين من غير العرب، كتبوا مؤلَّفاتهم بالعربية، حتى تفوَّق بعضُهم في العربية على أبنائها، وصاروا من فقهاء اللغة، مثل: سيبويه وابن الرومي، بل إنَّ هذا الالتصاق بلغ حدًّا أصبحتْ معه كلمة الإسلام تعني العروبة، والعروبة تعني الإسلام، ليس عندنا فقط، بل عند كِبار الباحثين والمستشرقين في الغرب.

 

يقول الدكتور يوسف في كتابه "الثقافة العربية الإسلامية" (13: 16): "الحق أن الثقافة أو الحضارة التي نعتزُّ بها وننتمي إليها، ثقافة عربيَّة إسلامية معًا؛ هي ثقافة عربية بحكم اللغة الأساسيَّة التي كُتِبت بها وعبَّرت عنها، بحُكم رُوح القرآن العربي السارية في جَنَباتها، المؤثرة في أعماقها، بحكم تأثير البيان النبوي العربي والأُسوة المحمديَّة في مسيرتها، بحُكم أنَّ العنصر العربي كان هو العنصر الأوَّل في تكوينها، بحُكم أنَّ جزيرة العرب كانتْ مَهبط وحْيها، ومُنطلق دعوتها، فالعربيَّة هي لسان الإسلام، ووعاء ثقافته، ولغة كتابه وسُنته، والعرب هم عصبة الإسلام، وحَمَلة رسالته الأوَّلون.

 

هي ثقافة إسلاميَّة بحُكم الأهداف التي تتوخَّاها والحوافز التي تدفعُها، بحكم الفلسفة والتصوُّرات التي تحرِّكها وتفجِّر طاقتها، بحُكم الأشخاص والعناصر الإسلامية المختلفة التي شارَكتْ فيها عربًا وعجمًا، بحكم الرقعة الواسعة التي كانت مجالاً لها من الهند شرقًا إلى الأطلنطي غربًا، فالإسلام هو الذي خلَّد العربية حينما نزَل بها كتابُه العظيم، وحدَّث بها رسوله الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي أخرَجها من شبه الجزيرة العربية ونشَرها في الآفاق، وهو الذي علَّم العرب بعد جَهالة، ووحَّدهم بعد فرقة، وألَّف بين قلوبهم وهداهم بعد ضلالة؛ ﴿ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وجعَل لهم رسالة يعيشون من أجلها ويموتون عليها.

 

ولا مِراء في أنَّ ارتباط الثقافة العربية بالإسلامية، لا يُخِلُّ بقاعدة: "المساواة بين العربي المسلم والأعجمي المسلم" التي أتَى بها القرآن الكريم؛ قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]".

 

فالعروبة انتماء إلى اللغة، والإسلام انتماء إلى الدين، والأوَّل أداة التعبير عن الثاني، والقومية الإسلامية هي التي تحقِّق للعربي قوميَّته كاملة؛ حيث تذوب عروبته فيها بالضرورة، بحيث لا يمكن الفصل بينهما؛ يقول الشيخ العلامة محب الدين الخطيب - رحمه الله -: (1303: 1389هـ): "إن العروبة ظِئْر الإسلام، وإن العروبة والإسلام كلاهما من كنوز الإنسانية، وينابيع سعادتها، إذا عرَف أهلها قيمتها، وإذا أُتيحت لهما أسبابُ الظهور للناس على حقيقتهما، وإذا ذلَّت العرب، ذلَّ الإسلام".

 

فنهضة العرب، والْتِحَاقهم بركْب الحضارة، وعودتهم إلى مكانتهم المعهودة بهم في القرون الوسطى - مرهون بإحياء الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة، التي تقوم على الشريعة الإسلامية واللغة العربية، ونبْذ الثقافات الغربية والأفكار الهدَّامة، التي أُريد بها تمزيقُ روابط العالَم الإسلامي، وعلى رأسها الدعوة للقوميَّة العربيَّة، وأي مشروع يتغيَّاه المسلمون لا يقوم على هاتين الدعامتين، محكوم عليه مقدَّمًا بالانهيار والفشل، وستظل حَيْرتنا قائمة، وسيظل تمزُّقنا مستمرًّا، طالَما ظللْنا نتسوَّق هُويَّة من الغرب الكافر، وهذا المشروع الإسلامي العربي يحتاج إلى قلوب صادقة مؤمنة، وعقول حاذقة خبيرة، وأيدٍ قويَّة تعمل بجدٍّ ومُثابرة، وإلى نضـال مستمرٍّ؛ حتى يخرج المشـروع على غرار تلك المشاريع التي صنَعها وقدَّمها أجدادنا الأوَّلون، وحتى يخرج معبِّرًا عن طموحات أبنائنا، وحُلمنا في التقدُّم والانتصار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مكة.. حاضرة العروبة والإسلام
  • حمى العروبة (قصيدة)
  • حينما تغدو العروبة وزرا

مختارات من الشبكة

  • الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غير الإسلام فهو كافر من أهل النار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة المرأة في الإسلام: ستون صورة لإكرام المرأة في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحرب في الإسلام لحماية النفوس وفي غير الإسلام لقطع الرؤوس: غزوة تبوك نموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختيار الإسلام دينا؟ الاختيار بين الإسلام والمعتقدات الأخرى (كالنصرانية واليهودية والهندوسية والبوذية..) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لو فهموا الإسلام لما قالوا نسوية (منهج الإسلام في التعامل مع مظالم المرأة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • كلمات حول الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليابان وتعاليم الإسلام وكيفية حل الإسلام للمشاكل القديمة والمعاصرة (باللغة اليابانية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقاييس جمال النص في صدر الإسلام وموقف الإسلام من الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإسلام (بني الإسلام على خمس)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح لامية شيخ الإسلام من كلام شيخ الإسلام (WORD)(كتاب - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 


تعليقات الزوار
1- عبقريون للعروبة دانوا
مروان العزي - العراق 02-05-2012 02:28 PM

يتابع العلامة محمد بهجة الأثري "رحمه الله" جهود العلماء المنحدرين من أصول غير عربية لكنهم مسلمون كسيبويه والجرجاني والزمخشري لهم فضلٌ على لغة القرآن ففي قصيدة سماها (لغة مدت الظلال على الأرض) يقول:
قد جلوها عرائسًا فاتنات يتخايلن في الحبيرِ اليماني
أين منّي عدّ النجوم؟وأنّى يدرك اللمح كلَّ قاصٍ وداني؟
عبقريون (للعروبة)دانُوا وتساموا بدينها والبيانُ

فهم عرب اللغة مسلموا الدين وهذا هو التلازم الحقيقي بين العروبة والإسلام كما يذكر الكاتب محمد وفيق زين العابدين جزاه الله خيرًا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب