• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

العلاقة بين المادية ووحدة الوجود عند المسيري

أ. د. إيمان بنت محمد العسيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/1/2011 ميلادي - 10/2/1432 هجري

الزيارات: 29587

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مقدمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين، نبيِّنا محمد صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحْبه أجمَعِين.

 

أمَّا بعد:

فإنَّ المتأمِّل لواقِع الماديَّة اليوم يُدرِك أنها دخَلتْ في كثيرٍ من المذاهب والفَلسَفات، وأصبَحتْ مُؤثِّرةً في بعض الأفكار والمفاهيم والاتِّجاهات الغربيَّة المعاصِرة، وأصبَحت المكوِّن الأساس والإطار العام للفكر الغربي عمومًا؛ فلسفاته ونظمه ومناهجه، وممارساته الدنيويَّة العلمانية، على اختلاف توجُّهاتها، ولم تكنْ محصورةً فقط في الغرب المادي، وإنما تسرَّبت إلى بلاد المسلمين.

 

وحين أقام الغرب ماديَّته وآمَن بها، جعَلَها رؤيةً شاملةً للكون والإنسان والحياة، واستَبعَد وجودَ الخالق، بل حتى مع الإيمان بوجوده استَبعَد تدبيرَه وحقَّه في أيِّ تشريع أو نِظام؛ لأنَّه يرى أنَّ الكون فيه من القوانين ما يجعَلُه لا يَحتاج لقوَّةٍ خارجيَّة تفسِّر أحداثه؛ لأنَّ القوانين الماديَّة عنده فاعلةٌ ومؤثِّرة ومتحكِّمة في الكون والحياة والإنسان، فلا حاجةَ لأيِّ مؤثِّر خارج المادة؛ لأنَّ الكون بآليَّاته الموجودة مُكتَفٍ بذاتِه!

 

ومؤدَّى هذا الاعتقاد افتِراضُ أنَّ الإله حَلَّ في الكون، وأنَّه من الكون وفيه، وأنَّ الوجود عبارة عن وحْدة واحدة قائمة بذاتها، والإله متَّصل بها، وهذا يعني الاعتقاد بمبدأ واحد هو وحده مصدر الكون ومرجع وحدته وتناسُقه والضابط لنظامه، وهو قوَّة ماديَّة خالِصَة موجودة في المادَّة وجودًا ضروريًّا عندهم.

 

وأهميَّة دراستي هذه، أنها تَسعَى للكشْف عن العلاقة بين الماديَّة ووحْدة الوجود، التي عَبَّرَ عنها المسيري بـ"الحلولية الواحدية"، والأَثَر المترتِّب عليها؛ ذلك لأنَّ المسيري من أكثر المفكِّرين المُعاصِرين اهتِمامًا بهذه القضيَّة وتناوُلاً لها؛ كما أنَّه من أعرَفِ الناس بالمذاهب الغربيَّة ومَضامِينها الكمونيَّة - كما يُعبِّر هو - إضافةً إلى أنَّه في مَسيرته الفكريَّة قد انتَمَى إلى بعض هذه المذاهب وعاش داخلها، وعاش في الغرب وخبر أحواله، وهو أيضًا يمتَلِك عقليَّةً تحليليَّةً متميِّزة ومركزة، ولديه قدرات بحثيَّة واستِقْصائيَّة عالية؛ ولذلك يُعتَبر قوله مهمًّا في مجال الدراسات الفكريَّة والفلسفيَّة.

 

وهذه الدراسة ستكون - بإذن الله تعالى - محاولةً للإجابة عن السؤال الافتراضي وهو: هل هناك علاقةٌ بين الماديَّة ووحْدة الوجود؟ وبمعنى آخَر: هل يُمكِن أنْ تُصبِح الماديَّة حلوليَّة في الوقت نفسه؟

 

وهو السؤال الذي طرَحَه المُفَكِّر كثيرًا في كتاباته المختلفة، وهذا الموضوع - برأيي - جديرٌ بالبحث والدِّراسة؛ لما يَحوِيه من أهميَّة فكريَّة، وما يتضمَّنه من مفاهيم ذات طابع شمولي، خاصَّة ونحن نُواجِه في هذا الزمن مَوْجةً عارِمةً من العَوْلَمة الغربيَّة والمستندة في أصْل فلسفتها على المفاهيم التي تحدَّث عنها المسيري باستِفاضةٍ في مجالاتها النظريَّة: كالماديَّة ووحدة الوجود، والتطبيقيَّة: كالاستهلاك، ونسبيَّة الأخلاق، وتحويل الإنسان إلى سلعة، والأخلاق إلى مَنفَعة، والسياسة إلى ذرائعية (براجماتية) [1] .

 

وقد كان منهجي في هذه الدِّراسة منهجًا وصفيًّا قائمًا على التحليل والمقارَنة، ومن خِلال ذلك قُمتُ بتلخيص أفكار المسيري وعَرضِها، ومقارنة بعضها ببعض، مع إبراز نِقاط التشابُه والافتِراق بين تعريف المسيري للمصطلحات التي كان أساس بناء أفكارِه عليها، وتعريف المعاجم الفلسفيَّة وبعض الكتب العقديَّة - في الجملة - التي تناوَلتْ تلك المصطلحات بالدراسة والنقد.

 

أمَّا خطَّة البحث فيُمكن عرضها من خلال ما يلي:

المدخل: السيرة الذاتية والفكرية:

أولاً: ترجمة موجزة للدكتور عبدالوهاب المسيري.

ثانيًا: نبذة عن التكوين الفكري لديه.

 

المبحث الأول: الماديَّة المعاصرة كما صورها المسيري:

أولاً: مفهوم الماديَّة المعاصرة.

ثانيًا: أسس الماديَّة المعاصرة.

ثالثًا: أقسام الماديَّة المعاصرة.

• الماديَّة القديمة (الصلبة).

• الماديَّة الجديدة (السائلة).

 

المبحث الثاني: وحدة الوجود كما صوَّرها المسيري:

أولاً: مفهوم وحدة الوجود.

ثانيًا: جذور وحدة الوجود في الحضارة الغربية الماديَّة.

ثالثًا: أقسام وحدة الوجود.

• وحدة الوُجُود الرُّوحيَّة.

• وحدة الوُجُود الماديَّة.

 

المبحث الثالث: موقف المسيري من الماديَّة (الواحدية الحلولية).

الخاتمة: وفيها أهم النتائج.

 

• • • •


المدخل: السيرة الذاتية والفكرية:

أولاً: ترجمة موجزة عن الدكتور عبدالوهاب المسيري:

مفكِّر مصري، وُلِد عام 1938م في مدينة دمنهور، عاصمة محافظة البحيرة شمال الدلتا، وهي تَبعُد عن مدينة الإسكندريَّة بنحو 60 ك م، وتُوفِّي في 2 - 7 - 2008م لمرضٍ لازمه طويلاً.

 

والِدُه من كِبار التجَّار، عمل في صِناعة النسيج، وأمُّه تنتَمِي لأسرةٍ سياسيَّة؛ حيث كان والدها محمود الحلبي رئيسًا للكتلة الوفديَّة بدمنهور وقتَها، وقد كان ابنًا بارًّا بوالدَيْه بمدينته دمنهور.

 

تخرَّج في كليَّة الآداب عام 1959م، وحصَل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارَن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1964م، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسي عام 1969م.

 

ومِنَ المهامِّ التي تقلَّدَها:

• رئيس وحدة الفكر الصِّهيَوْني وعضو مجلس الخُبَراء بمركز الدِّراسات السياسيَّة والإسْتراتيجيَّة بالأهرام (1970 - 1975).

• مستشار ثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربيَّة لدي هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 - 1979).

• أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارَن - جامعة عين شمس (1979 - 1983)، وجامعة الملك سعود (1983 - 1988)، وجامعة الكويت (1988 - 1989)، كما عمل أستاذًا غير متفرِّغ بجامعة عين شمس (1988 - 2008)، وأستاذًا زائرًا بجامعة ماليزيا الإسلامية في كوالا لامبور وبأكاديميَّة ناصر العسكريَّة.

• مستشار أكاديمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن (1992 - 2008).

• عضو مجلس الأُمَناء لجامعة العلوم الإسلاميَّة والاجتماعيَّة في ليسبرج في فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية (1993 - 2008).

• عضو مجلس الأُمَناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية - واشنطن - الولايات المتحدة الأمريكية (1997 - 2008).

• مستشار تحرير عدد من الحوليات التي تَصدُر في مصر وماليزيا وإيران وأمريكا وإنجلترا وفرنسا.

 

أمَّا كتاباته ففكرية وأدبية متنوعة ومن أبرزها:

• نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصِّهيَوْني.

• موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصِّهيَوْنية: رؤية نقدية.

• اليهودية والصِّهيَوْنية وإسرائيل: دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصِّهيَوْنية للواقع.

• الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية.

• إشكالية التحيُّز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد.

• الاستعمار الصِّهيَوْني وتطبيع الشخصيَّة اليهوديَّة.

• اليد الخفية: دراسة في الحركات اليهودية، الهدامة والسريَّة.

• موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية: نموذج تفسيري جديد.

• قضية المرأة بين التحَرُّر والتَّمَرْكُز حول الأنثى.

• الإنسان والحضارة والنماذج المرَكَّبة: دراسات نظريَّة وتطبيقيَّة.

 

وغيرها الكثير جدَّا، إلى جانب كتاباته الأدبيَّة واهتمامه بأدب الطفل خاصَّة، وقد ترجمت بعض كتبه ومقالاته إلى الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والبرتغاليَّة والفارسيَّة والتركية وغيرها.

 

وله مجموعةٌ من الجوائز التقديريَّة التي حصَل عليها ومنها:

• شهادة تقدير من اتِّحاد الطلبة الإندونيسيين (1999).

• شهادة تقدير من كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات عن موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنيَّة (1999).

• شهادة تقدير من "جريدة آفاق عربية" بالقاهرة (1999).

• جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل (2000).

• جائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب "رحلتي الفكرية" (2001).

• جائزة سلطان العويس بالإمارات العربيَّة المتَّحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002).

• شهادة تقدير مِن مؤتمر أدباء مصر السابع عشر في الإسكندرية (2002)[2].

 

ثانيًا: نبذة عن التكوين الفكري للمسيري:

منذ بِدايات الدكتور عبدالوهاب المسيري وهو يهتمُّ بالجانب النِّضالي فكرًا وتطبيقًا؛ فقد شارَك وهو صغير في المظاهرات التي قامَتْ ضد الاحتِلال الإنجليزي، وانضمَّ لحزب مصر الفتاة الذي كان يقودُه الزعيم أحمد حسين في أوائل الخمسينيَّات، ثم انتَقَل إلى جماعة الإخوان المسلمين لمدَّة عامين، ولكنَّه ترَكَها أيضًا مع بداية ثورة يوليو 1959 م، وفي عام 1955 انضمَّ للحزب الشيوعي المصري حتى ترَكَه كذلك عام 1959، وهو العام الذي حصَل فيه على درجة الليسانس في كلية الآداب بجامعة الإسكندريَّة قسم اللغة الإنجليزيَّة، وبعدَها انتَقَل إلى الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة لدراسة الماجستير والدكتوراه في الأدب الإنجليزي.

 

وفي المجتمع الأمريكي حصَلت له مواقف هزَّت كثيرًا من القناعات التي كانت لديه، حول المنهج المادي والمقولات الفكريَّة الحداثيَّة، ومن دولة الماديَّة عاد إلى مصر وهو يَحمِل معه قناعات جديدة تُخالِف ما كان سائدًا في تلك البلاد التي خرَج منها، ومِن ضِمْنها أنَّه قرَّر أنْ يربطَ النقد الأدبي بتاريخ الفكر، حتى يتمكَّن من خِلال هذا الرَّبْط أنْ يدرسَ النتاج الأدبي في إطاره الفكري، والتي يُمكِنه من خلالها دراسة النتاج الأدبي في إطارِه الفِكْري.

 

وبعد عودته بَدَأ يَتداعَى النموذج المادي في ذهنه، وبدلاً من فكرة الإنسان الإنسان، أو الإنسان الرباني، وأنَّ وجود الله - سبحانه - هو الضَّمان الوحيد لوجود الإنسان، وبغِياب الإيمان به يتحوَّل العالم إلى مادَّة طبيعيَّة صمَّاء، خاضِعة لقوانين الحركة والضرورة التي يُمكِن حصرُها ودِراستها والتحكُّم فيها.

 

لقد مَكَّنَتْه هذه الرُّؤية من كشْف عوار الماديَّة الغربيَّة ومَضامِينها الفلْسَفيَّة وجملةٍ من مآلاتها العمليَّة السلبيَّة، ولعلَّ مِن أهمِّ ما كشَفَه المسيري في تلك الماديَّة الغربيَّة هو ما سمَّاه بـ"الواحديَّة الماديَّة" التي نتَج عنها تصوُّرات ونظُم أنسَتْهُم أنفسَهم؛ لأنهم نسوا الله - سبحانه وتعالى[3].

 

ويُشِير المسيري إلى أنَّ بداية التحوُّل والالتِفات لهذه المدلولات العَمِيقة، كان مع ولادة أوَّل مولودةٍ له "ابنته نور"، التي ما أنْ رآها إلاَّ ورأى فيها تعارُض القوانين الماديَّة البحتة، والتي تُحوِّل العواطف والمشاعر إلى قوانين ماديَّة صمَّاء، ثم أيضًا مع ولادة ابنه ياسر وملاحظته الاختلاف في الحاجات بين الطفلَيْن، زادَتْ رؤيته للإنسان المتميِّز عن الكائنات الأخرى، كما أدرك أهميَّة الأسرة في عمليَّة التنشئة، وأصبَحَ الدين في تصوُّره جزءًا من الكيان الإنساني ليس مُنْفَصِلاً عنه، وبدأ يتعرَّف على التجرِبة الإسلاميَّة ليفهم منطقها الداخلي، كما كان لمقابلته للزعيم الأمريكي المسلم مالكوم إكس أو (الحاج مالك)[4] أعمق الأثر في نفسه، حين أدرَكَ مدى عمق أثَر الإسلام فيه، كحقيقةٍ مجاوزةٍ لعالم المادة.

 

ومن اللافت للنظر في مسيرته الفكريَّة إدراكُه لخطورة الاستغلال الغربي، ونهبه لثروات البلدان المستعمَرة، واستعماله للصِّهيَونيَّة كمجموعةٍ وظيفيَّة لتحقيق المطامِع الغربيَّة الاقتصاديَّة والسياسيَّة في المنطقة؛ ممَّا جعَلَه يَتَوجَّه لدراسة الصِّهيَوْنيَّة وكتابة مَوْسُوعته الضَّخْمة عنها.

 

ولعلَّ مِنْ أهمِّ ما يُمَيِّز فِكْر المسيري سعيَه الدائب إلى الفكاك مِنْ أسْر الرؤية الغربيَّة ومركزيَّتها المدَّعاة، والتزامه في القابل برؤيتنا الخاصَّة، والعودة إلى الذات من خِلال العودة إلى التراث: (العقيدة واللغة والأدب والفن والفكر).

 

ويُمكِن للقارئ المتأمِّل في كِتابات المسيري أنْ يَلحَظ استِقلاليَّته، فهو لا يُقلِّد أحدًا، بل يسعى للخلاص من نمط الأفكار الجاهز، والخروج من أسْر المصطلحات المستعارَة، وإنْ كان ولا بُدَّ من القول بها - ما دامت انتشرت كلَّ هذا الانتشار - فلا أقلَّ من أنْ ينحت منها مفاهيم ورؤى تخصُّه.

 

وفي هذا يقول: "... لقد حانَ الوقت لإعادة النظر في كلِّ مصطلحات العلوم الاجتماعيَّة (ذات الأصل الغربي)؛ لصياغة نماذِج ومصطلحات جديدة تتَّفِق وتجربتنا الوجوديَّة المتعينة بعد سقوط المنظومة الاشتراكيَّة، بعد علْمنةِ السلوك في العالم الغربي، وضُمُور رقْعة الحياة الخاصَّة، وتَهمِيش المسيحية تمامًا، وظهور أدبيَّات غربيَّة مراجعة تُساعِد في عمليَّة التعريف وإعادة التعريف.

 

ومُصطلح "علمانية" مبهمٌ ومختلط وخلافي، ولو كان الأمر بيدنا لاستغنَيْنا عنه تمامًا، واستخدمنا بعض المصطلحات الأخرى مثل: "الواحدية الماديَّة"، "نزع القداسة"؛ لأنَّها أكثر شُمُولاً وعُمقًا منها، وهي جديدة غير محمَّلة بأعباء أو خلافات إيديولوجية عقديَّة حادَّة"[5].

 

ولم يكتَفِ المسيري بالنِّضال الفكري والمعرفي، بل أسهَمَ في أعمالٍ سياسيَّة يرى أنَّ فيها مقاومةً للظلم والجهل والاستِبداد، كحزب الوسط ذي الصيغة الإسلاميَّة العامَّة، واختياره بعد ذلك منسقًا عامًّا لحركة كفاية، التي تُعارِض نظام الحكم، وترتَّب على ذلك حصول تهديدات له - رغم كبر سِنِّه ومرَضِه - وتنفيذ هذه التهديدات باختِطافه والتنكيل به، وتركه قرْب طريق القاهرة السويس الصحراوي، إلاَّ أنَّه ظلَّ على منْهجِه حتى النهاية[6].

 

وممَّا يجدر ذكرُه أنَّ المسيري يَعتَبِر نفسه مُفكِّرًا إسلاميًّا، وكذلك يعتَبِره مجموعةٌ من المفكِّرين العلمانيين والإسلاميين، وكتُبُه الأخيرة ومُقابَلاته فيها تصريحاتٌ عديدة تدلُّ على إيمانه بأنَّ الإسلام ليس مجرَّد دين عقدي أو أخلاقي، بل هو دينٌ شاملٌ، يَتجاوَز في شموليَّته العبارة المشهورة: "الإسلام دين ودولة"، فهو لا يحصره في هذا الاتِّجاه، بل يرى أنَّ "الإسلام دين ودنيا"، وقد يظنُّ البعض بأنَّ قول المسيري بالعلمانية الجزئيَّة يُفضِي حتمًا إلى اعتباره علمانيًّا؛ وسبب ذلك تصريح المسيري بالقبول بالعلمانيَّة الجزئيَّة؛ لأنَّه لا يراها معارضة للدين، وقبوله هذا أحدَثَ لبسًا حوْل فكرِه وتوجُّهه، وكان - رحمه الله - في غِنًى عن هذا لو طرَح مصطلح "العلمانيَّة الجزئيَّة" جملةً وتفصيلاً؛ لما في هذا المصطلح من حمولاتٌ فكريَّة وعقديَّة ثقيلة[7].

 

فعند فحْص أقوال المسيري يُلاحَظ أنَّ العلمانيَّة الجزئيَّة لديه ليست مُطلَقة القبول، بل مشروطةٌ مُقيَّدة بالإجراءات الإداريَّة وتوزيع الصلاحيَّات والقواعد المحدَّدة التي تضبط العلاقات الإجرائيَّة وتحدِّد المسؤوليَّات والقضايا الفنيَّة، وقد صرَّح بذلك في مقابلةٍ أخيرة معه قُبَيل وفاته - رحمه الله - حيث قال:

"وأنا بصفتي مفكرًا إسلاميًّا لا أرى غَضاضةً في قبول ما أسمِّيه بالعلمانيَّة "الجزئيَّة"، إنْ كان يعني بعض الإجراءات السياسيَّة والاقتصاديَّة ذات الطابع الفني، والتي لا تمسُّ من قريبٍ أو بعيدٍ المرجعيَّة النهائيَّة، وهو ما أفهَمُه من حديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أبِّروا أو لا تؤَبِّروا، أنتم أعلم بأمور دنياكم))[8]؛ أي: إنَّ الفصْل هنا بين الدين والدنيا ينصَرِف إلى تفصيلة مادية محدَّدة (تأبير النخل)، ولا يمسُّ المرجعيَّة الدينيَّة المتجاوِزة لسطْح المادَّة، كما أنِّي أرى أنَّ الإسلام ليس دينًا ودولة وإنما دين ودنيا، وأنْ نحصره في الدولة فيه ظلمٌ بيِّنٌ لرؤيةٍ تتَّسِم بالشمول"[9].

 

•  •  •  •


المبحث الأول: الماديَّة المعاصرة كما يَراها المسيري:

أولاً: مفهوم الماديَّة المعاصرة:

تُشِير المعاجم الفلسفيَّة إلى أنَّ الماديَّة تعني: كل اتِّجاه أو فكْر يُقرِّر أنَّه لا وجود لأيِّ جوهرٍ غير المادَّة، أو أنَّ هذا العالَم أبديٌّ وغير محدود، لا في الزمان ولا في المكان، وقد عُرِفت قديمًا، وبدَتْ آثارُها في نزعات فلسفيَّة وسياسيَّة مختلفة[10].

 

وهذا المفهوم مذكورٌ عند المسيري بصورةٍ أكثر توسُّعًا، وهو موجودٌ في مَواطِن كثيرةٍ من كلامه، ومجمل ذلك عنده: أنَّ الماديَّة ترى أسبقيَّة المادَّة على الإنسان في ذاته ونَشاطاته المختلفة: الفكريَّة والعقليَّة والنفسيَّة والأخلاقيَّة والشعوريَّة (الجماليَّة)، وكذلك أسبقيَّتها على الحياة تاريخًا وواقعًا[11].

 

حيث يقول: "الماديَّة هي المصدر الصناعي من كلمة "المادة"، وهي لا علاقة لها بجمْع المال أو بالإقبال على الدنيا كما قد يتوهَّم البعض، ويُمكِن للإنسان المادي المغالي في ماديَّته أنْ يكون زاهدًا تمامًا في النقود والدنيا (كما هو الحال مع إنجلز وإسبينوزا)، ويمكن القول بأنَّ كلَّ الفلسفات إمَّا ماديَّة أو غير ماديَّة، ولا يُمكِن تجزيء هاتَيْن المقولتَيْن إلى ما هو أصغر منهما، والفلسفة الماديَّة هي المذهب الفلسفي الذي لا يَقبَل سوى المادَّة؛ باعتبارها الشرط الوحيد للحياة (الطبيعية والبشرية)؛ ومن ثَمَّ فهي ترفُضُ الإله كشرطٍ من شروط الحياة، كما أنَّها تَرفُض الإنسان نفسَه، وأي منظومات فكريَّة أو قيميَّة مُتجاوزة للمادَّة؛ ولذا فإنَّ الفلسفة الماديَّة تردُّ كلَّ شيء في العالَم (الإنسان والطبيعة) إلى مبدأٍ ماديٍّ واحد هو القوَّة الدافعة للمادَّة والسارية في الأجسام والكامنة فيها، والتي تتخلَّل ثَناياها وتضبط وجودها، قوَّة لا تتجزَّأ ولا يَتَجاوَزُها شيءٌ ولا يعلو عليها أحدٌ، وهي النظام الضروري والكلي للأشياء؛ نظامٌ ليس فوق الطبيعة وحسب، ولكنَّه فوق الإنسان أيضًا، وإنْ دخَل عنصرٌ غير ماديٍّ على هذا المبدأ الواحد، فإنَّ الفلسفة تُصبِح غير ماديَّة.

 

وكلمة "مادة" قد تبدو لأوَّل وهلةٍ وكأنَّها كلمة واضحة، ولكنَّ الأمر أبعد ما يكون عن ذلك، ومع هذا يُمكِن تعريفُ الشيء المادي تعريفًا إجرائيًّا بأنَّه ذلك الشيء الذي تَكون سائر صفاته ماديَّة: حجمه - كثافته - كتلته - لونه - سرعته - صَلابته - كميَّة الشحنة الكهربائيَّة التي يحملها - سرعة دورانه - درجة حرارته - مكان الجسم في الزمان والمكان... إلخ.

 

والصفات الماديَّة هي الصِّفات التي يَتعامَل معها علم الطبيعة "الفيزياء"، فالمادة ليست لها أيَّة سمةٍ من سمات العقل؛ أي: إنَّ المادي ليس له أيَّة سمة من السمات التي تُميِّز الإنسان كإنسان"[12].

 

ثم يُوضِّح الأطروحات الأساسيَّة للفلسفة الماديَّة من خلال التقسيمات الآتية:

1- لا يوجد إلاَّ المادة، ولا توجد أيُّ صفاتٍ سوى الصفات الماديَّة، فالمادة أزليَّة، فهي لا تفنى ولا تُستَحدَث من العدم، وهي الأصل الراسخ لكلِّ الموجودات، وهي الجوهر الواحد، والمبدأ الوحيد الأول والأخير الذي تُرَدُّ إليه جميعُ ظواهر الحياة الماديَّة والإنسانيَّة والحوادث التاريخيَّة.

 

2- لا توجد أيَّة صفات سوى الصفات الماديَّة، وطبيعة كلِّ شيء وخصائصه إنما هي نتيجة تركيب لبعض ذرَّات هذه المادَّة تَمَّ بشكلٍ آلي ومِن تلقاء نفسه من خلال الحركة الأزليَّة للمادَّة، أمَّا أحوال الشعور والفكر والعقل، فهي ظاهرةٌ تابعة بالإنجليزية (epiphenomenon)، ناتجة عن ذلك الجوهر، ولا يوجد سوى الكم في العام، وأي كمٍّ يمكن أن يقارن مع غيره.

 

(أمَّا الكيف فهو مجرَّد شكل من أشكال الكم)؛ أي: إنَّه لا يوجد سوى الكمي، أمَّا الكيفي فهو ظاهري.

 

3- عادة ما تقرن المادة بالحركة، فالمادَّة والحركة لهما وحدهما وجودٌ وحقيقةٌ نهائيَّة، ولكنَّ الحركة كامنةٌ في المادة، ومن ثَمَّ فإنَّ المادَّة ليس لها سببٌ أو محرِّك أوَّل.

 

4- حركة المادة حركةٌ آليَّة مُحايِدة ليس لها قصدٌ أو غاية أو معنى، وهي خاضعةٌ لقوانين طبيعيَّة لا تختلف ولا تتغيَّر، خاضعة لقانون الصدفة.

 

5- كلُّ تغيُّر مهما اختلف مجالُه له أساسٌ ماديٌّ، وكلُّ الظواهر تتغيَّر وتختَفِي وتَذُوبُ في مادَّة كونيَّة أزليَّة والتطوُّر، بما في ذلك التطوُّر في المجتمعات الإنسانيَّة، هو نتيجة تطوُّر متَّصِل في القُوَى الماديَّة، ولا علاقة له بالقِيَم أو الغائية الإنسانيَّة[13].

 

ويُشير المسيري إلى أنَّ الماديِّين في الغرب قد استبدَلُوا لفظ "الطبيعة" بلفظ "المادة"؛ بغية التخفيف من حِدَّة اللفظ، ولكنَّ المحتوى بَقِيَ كما هو، فهو يرى أنَّ مفهوم الطبيعة مفهومٌ أساس في الفلسفات الماديَّة التي تَدُور في إطار المرجعيَّة الكامنة، وهو تعبيرٌ مُهذَّب يحلُّ محلَّ كلمة "المادَّة"، ولعلَّ كثيرًا من اللَّغَط ينكَشِف إنِ استَخدَمنا كلمة "مادي" بدلاً من كلمة "طبيعي"، فبدلاً من "المذهب الطبيعي" نقول: "المذهب المادي"، وبدلاً من "القانون الطبيعي" نقول: "القانون المادي"، وبدلاً من "الإنسان الطبيعي" نقول: "الإنسان المادي"[14].

 

ولذلك يقترح رفعًا للبسط والإيهام الموجود في لفظ الطبيعي أنْ يبقى لفظ المادي؛ لدلالته المباشِرة على المضمون، ومَن يقرأ له يجده لا يفصل هذين اللفظين عن بعضهما أبدًا، بل يقول دائمًا: (الطبيعية/ الماديَّة) أو (الطبيعة/ المادة)؛ ليوضح أنهما يُعبِّران عن المعنى ذاته.

 

ثانيًا: أسس الماديَّة المعاصرة:

من المهمِّ معرفةُ أسس الماديَّة ومُنطَلقاتها كما يَراها المسيري؛ لإدراك البناء العام لهذا المصطلح، ومكوِّناته الجوهريَّة ومنظومته المعرفيَّة التي تَمَّ تشكُّلُها داخل الماديَّة المعاصِرَة، وقد بذل المسيري جهدًا واضحًا في تتبُّع المفاهيم الكليَّة لهذا الاتِّجاه وما يُحِيط به من مَضامِين جليَّة أو كامِنة، ويُمكِن تلخيص تلك الأُسُس عنده على النحو الآتي:

1- الإيمان بوحدة الطبيعة، فالطبيعة شاملةٌ لا انقِطاعَ فيها ولا فَراغات، فهي الكلُّ المتَّصِل، وما عداها مجرَّد جزء ناقص، فهي لا تتحمَّل وجود أيِّ مَسافات أو ثَغرات أو ثُنائيَّات، وجماع الأشياء والإجراءات التي تُوجَد في الزمان والمكان هو الطبيعة، وهي مستوى الواقع الوحيد، ولا يُوجَد شيءٌ مُتجاوِزٌ لها أو دونها أو وراءَها، فالطبيعة نظامٌ واحدٌ صارمٌ.

 

2- الإيمان بقانونيَّة الطبيعة (لكلِّ علَّة سبب)، والطبيعة شيءٌ منتَظِم متَّسِقٌ مع نفسه، فكلُّ سببٍ يُؤدِّي إلى النتيجة نفسها في كلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ أي: إنَّ الطبيعة بأَسْرِها مُتَّسِقَة مع نفسها، فهي تتحرَّك تلقائيًّا بقوَّة دفْع نابعة منها، وهي خاضِعَة لقوانين واحدة ثابتة مُنتَظِمة صارِمة مطَّرِدة وآليَّة، قوانين رياضيَّة عامَّة واضحة حتميَّة لا يُمكِن تعديلها أو التدخُّل فيها، وهي قوانين كامنةٌ فيها.

 

3- الإيمان بأنَّ الطبيعة تتحرَّك بشكلٍ تلقائيٍّ، وبأنَّ الحركة أمرٌ مادي، ومن ثَمَّ لا تُوجَد غائيَّة في العالم المادي، حتى ولو كانت غائيَّة إنسانيَّة تسحب خصوصيَّات النشاط البشري على الطبيعة الماديَّة.

 

4- الطبيعة قوَّة متعينة لا تكتَرِث بالخصوصيَّة، ولا بالتفرُّد أو بالظاهرة الإنسانيَّة، ولا بالإنسان الفرد، أو باتِّجاهاته أو رَغباته؛ ذلك لأنَّ الإنسان لا مكانة خاصَّة له في الكون، فهو لا يختَلِف في تركيبه عن بقيَّة الكائنات، والإنسان الفرد أو الجزء يَذُوبُ في الكلِّ ذَوبان الذرَّات فيها؛ أي: إنَّ الطبيعة تَلغِي تمامًا الحيِّز الإنساني[15].

 

5- الإيمان بأنَّه لا تُوجَد غيبيَّات أو تجاوزٌ للنظام الطبيعي من أيِّ نوع؛ فالطبيعة تَحوِي داخِلَها كلَّ القوانين التي تتحكَّم فيها، وكلَّ ما نحتاج إليه لتفسيرها، فهي علَّة ذاتها، تُوجَد في ذاتها، مكتَفِية بذاتها، وتُدرِك بذاتها، وهي واجبةُ الوجود، والإيمان بالطبيعة (المادة)، كسقفٍ واحد للوجود هو الماديَّة[16].

 

ثالثًا: أقسام الماديَّة المُعاصِرة:

يقسِّم المسيري الماديَّة في مسيرتها التاريخيَّة المعاصِرة إلى قسمَيْن، لكلٍّ منهما مستندٌ يُبنَى عليه، هما:

الماديَّة القديمة (الصلبة):

وتستَنِد إلى العقلانيَّة الماديَّة، ومعناها: أنَّ العقل مستقلٌّ بذاته، قادرٌ على التفاعُل مع الطبيعة بشكلٍ فعَّال، والوصول للقوانين الكامِنَة في المادَّة، وتجريدها على هيئة قوانين عامَّة، يُمكِنه من خِلالها أنْ يُطوِّر منظومات معرفيَّة وأخلاقيَّة، ودلاليَّة وجماليَّة تَهدِيه في حياته، وعلى أساسها يفهم ماضيه وحاضره ومستقبله، دون حاجةٍ لوحيٍ أو غيبٍ خارجي، فالواقع كلٌّ متماسِكٌ مترابطةٌ أجزاؤه برباط السببيَّة الصلبة، والعقلُ يُدرِك هذا الكلَّ المتماسِك الثابت، ويُدرِك أنَّ حركة الأجزاء ليست إلاَّ تعبيرًا عن هذا الكلِّ الثابت الموجود في الواقع، فلا بُدَّ من وجود واقع كلي مُتماسِك مرتبطِ الأجزاء، ولا بُدَّ من وجود عقل يُدرِكه، ويُنشِئ من خِلاله منظوماته المعرفيَّة والأخلاقيَّة، فوجود الواقع الكلي الثابت دون العقل المدرك له لا يمكن أنْ تنشأ منه المنظومات المعرفيَّة والأخلاقيَّة، كما لا يُمكِن للعقل وحدَه أنْ يُصبِحَ قادرًا على الإدراك مِن غير أنْ يكون هناك كليَّات في الواقع، فالماديَّة القديمة على هذا الأساس تستَنِد إلى:

1- الواقع الثابت الكلي الصلب.

2- العقل المدرك للكليَّات في الواقع، الذي باستِطاعته التفاعُل مع الواقع وإدراك القوانين الكامنة في المادَّة، وإيجاد منظومات معرفيَّة انطلاقًا منها[17].

 

الماديَّة الجديدة (السائلة):

وتخضَع للصيرورة الدائمة، كما تلغي كلَّ الثنائيَّات والحدود والكليَّات والثوابت، وأي شكل من أشكال الصلابة، وهي تَرفُض فكرةَ الأساس؛ لأنَّ فكرةَ الأساس في ذاتها هي جوهر الميتافيزيقا، سواء كانت الميتافيزيقا الإيمانيَّة، أو الميتافيزيقا الماديَّة[18] التي تُؤمِن بالثبات والتجاوُز والإنسانيَّة، وتُؤمِن بقُدرة العقل على إدراك الواقع وتجريد قوانينه.

 

والماديَّة الجديدةُ جاءَتْ لتَثُور على العقلانيَّة الماديَّة التي قامَتْ عليها الماديَّة القديمة، وأكَّدت بمجيئها أنَّ العقل في حالة حركةٍ دائمةٍ وتغيُّر مُستمرٍّ، وهو غير قادِرٍ على الوصل للواقع والتفاعُل معه؛ لأنَّ العلاقة التفاعليَّة التبادليَّة بين العقل والطبيعة، والتي تُشكِّل جوهر الماديَّة القديمة علاقةٌ غير راسخة[19].

 

ولا يعني هذا أنَّ الغرب قد تخلَّى عمَّا يسمِّيه العقلانيَّة، وإنما تخلَّى عن مركزيَّتها[20]، وتحوَّل في الماديَّة الجديدة إلى اللامركزيَّة، وهذا ما أدرَكَه المسيري وسجَّلَه كعلامةٍ فارقة بين الماديَّتين المعاصرتَيْن، بل لفَت النظر إلى شيءٍ مهمٍّ جدًّا، هو أنَّ الماديَّة الجديدة لها أصولٌ في الفلسفة السفسطائيَّة اليونانيَّة - القائمة على التشكيك في البدهيَّات العقليَّة والأمور الحسيَّة - والتي أكَّدَتْ أنَّ العالم في حالة حركة دائمة، وأنَّ العقل غيرُ قادرٍ على الوصول إلى الواقع، وأنَّه لو وصل إليه فلن يُجدِي ذلك فتيلاً، فالواقع الموضوعي ذاته في حالة حركة دائمة ولا يَخضَع لأيِّ قانون[21].

 

بل إنَّ المسيري يرى أنَّه لا تُوجَد علاقة ضروريَّة بين العقلانيَّة والماديَّة؛ لأنَّ الحضارة الغربيَّة تدورُ أساسًا في إطار مرجعيَّة ماديَّة، ومع هذا تَسُودُ فيها فلسفات ماديَّة، ولكنَّها عبثيَّة عدميَّة (لا عقلانيَّة ماديَّة).

 

وهناك نظمٌ سياسيَّة ماديَّة عقلانيَّة - على الأقلِّ من ناحية الإجراءات - ولكنْ هناك أيضًا نظم ماديَّة شَرِسَة في ماديَّتها ولا عقلانيَّة تمامًا، سواء في رؤيتها للكون أو في الإجراءات اليوميَّة التي تترتَّب عليها[22].

 

يقول المسيري: "... نحن نذهَبُ إلى أنَّه لا توجد علاقةٌ ضروريَّة بين العقلانيَّة والماديَّة، فهناك نُظُمٌ سياسيَّة ماديَّة عقلانيَّة وأخرى ماديَّة لا عقلانيَّة، فالنظام السياسي الأمريكي مبنيٌّ على الفصل بين الدين والدولة فصلاً كاملاً، وقد نَجَحَ الأمريكيُّون - في بعْض مراحل تاريخهم على الأقلِّ - في تطوير نظامٍ عقلاني يُعبِّر عن مَطامِح الشعب الأمريكي بشكلٍ معقول، والنظام النازي هو الآخَر كان نظامًا ماديًّا شَرِسًا في ماديَّته، ولكنَّه كان لا عقلانيًّا بصورةٍ تامَّة، وكان يتحرَّك في إطار نظريَّته المعرفيَّة الشموليَّة التي شكَّلتْ مرجعيَّته الماديَّة الكامنة.

 

والنظام الستاليني كان هو الآخَر نظامًا ماديًّا بشكلٍ نموذجي، ولكن لا يُمكِن أنْ يَزعُم أحدٌ أنَّه كان نظامًا عقلانيًّا، وهناك نظمٌ عقلانيَّة تستند إلى عقائد دينيَّة يزخَرُ بها تاريخ الإنسان، بل إنَّنا نذهَبُ إلى أنَّ العقلانيَّة الماديَّة تؤدِّي في مَراحِلِها المتقدِّمة إلى اللاعقلانيَّة الماديَّة، وهذا ما سنتناوَلُه في بقيَّة هذا المدخل.

 

وقد أشَرْنا إلى أنَّ العقل المادي عقلٌ تفكيكي عدمي غيرُ قادرٍ على التركيب أو التجاوُز، ويتَّضِح هذا في أنَّه عقلٌ قادرٌ على إفراز قصص (نظريَّات) صُغرَى مرتبطة بفضائها الزماني والمكاني المباشر الضيِّق المحسوس، (فالعقل المادي يُدرِك الواقع بطريقةٍ حسيَّة مباشرة)؛ ومن ثَمَّ فهو عقلٌ عاجز عن إنتاج القصص الكُبرى أو النظريَّات الشاملة، عاجزٌ عن التوصُّل للحقيقة الكليَّة المجرَّدة التي تقع خارج نِطاق التجريب؛ ولذا فالعقل المادي لا يُنكِر الميتافيزيقا فحسب، وإنما يُنكِر الكليَّات تمامًا، وينتهي به الأمر بالهجوم على العقل الإنساني والعقل النقدي؛ لأنهما يتوهَّمان أنَّهما يتمتَّعان بقدرٍ من الاستِقلال عن حركة الطبيعة / المادة، وبذلك يختَفِي الإنسان كمرجعيَّة نهائيَّة، بل يختَفِي مفهوم الطبيعة البَشَريَّة نفسه، ثم تختَفِي سائر المرجعيَّات وتصبح الإجراءات الشيء الوحيد المتَّفَق عليه.

 

وهكذا لا يتحرَّر العقل المادي منَ الأخلاق وحسب، وإنما يتحرَّر من الكليَّات والهدف والغاية والعقل؛ ومن ثَمَّ تتحوَّل العقلانيَّة الماديَّة إلى لا عقلانيَّة ماديَّة[23].

 

• • • •


المبحث الثاني: وحدة الوجود كما صوَّرَها المسيري:

أولاً: مفهوم وحدة الوجود:

وحدة الوجود تَعنِي أنَّه ليس لهذا العالم ربٌّ مُبايِنٌ له منفصلٌ عنه[24]، وأنَّ الله - تعالى - ليس الواحد الذي يخلق الوجود من خارج، وإنما هو الوجود نفسه، وهو مذهبٌ غربيٌّ يَحمِل مضمونًا إلحاديًّا بحتًا، وقد جاءَ تفسيرُه في المعاجم الفلسفيَّة على أنَّه يَعنِي: "... تغليب فكرة العالم، فلا يُسلِّم إلاَّ بوجوده، ويرد كلَّ شيءٍ إلى المادَّة، فهي حيَّةٌ بذاتها، وعنها نشَأَت الكائنات جميعها..."[25].

 

فمذهب وحدة الوجود عبارةٌ عن مجموعةٍ من التعاليم الفلسفيَّة التي تَذهَب إلى أنَّ الله مبدأٌ لا شخصي، ليس خارج الطبيعة وإنما متوحِّد معها، وهو مذهب يبثُّ الله في الطبيعة ويَرفُض العنصر الخارق لها[26].

 

وعرَّفَها شيخ الإسلام بأنها: "الاتِّحاد المطلَق الذي هو قول أهل وحدة الوجود الذين يَزعُمون أنَّ وجود المخلوق هو عَيْن وجود الخالق"[27].

 

أمَّا المسيري فيُعبِّر عن وحدة الوجود بعباراتٍ مختلفة الألفاظ متقارِبة الدلالة؛ فتارةً يُسمِّيها "الواحديَّة الماديَّة"، وتارَةً "العالم الواحدي الأملس"، وتارَةً "الرؤية الماديَّة الواحديَّة"، وتارَةً "الواحديَّة الماديَّة الكونيَّة"، وتارَةً "الحلوليَّة"، وتارَةً "الحلوليَّة الكمونيَّة"... وهكذا[28].

 

ومن خِلال البحث اتَّضَح أنَّ المسيري يُطلِق كلَّ هذه الألفاظ والتعبيرات على شيءٍ واحدٍ هو: إرجاع الكون والإنسان إلى مبدأٍ واحدٍ كلي كامن في الكون، مُؤثِّر فيه وجودًا وتفاعُلاً واستمرارًا، وهذا المبدأ هو المادة أو الطبيعة، وهو المصدر الوحيد والأساس الذي تنتَهِي فيه الماهيَّات والثنائيَّات، فيُصبِح العالم عبارة عن مادَّة واحدة، صادر عنها كلُّ شيء، وخاضعٌ لقوانينها كلُّ شيء، وفي داخلها تفسيرٌ لكلِّ الظواهر والمعاني والجواهر.

 

ويمكن تلخيصُ إطلاقات المسيري المذكورة آنِفًا على وحدة الوجود في معنيَيْن أساسيَّيْن هما: (وحدة الوجود، والحلول)، فهما يَدلاَّن على معنى واحد عنده، فالحلوليَّة عنده هي مذهب الحلول أو الكمون، القائل بأنَّ مركز الكون أو القوَّة المنظِّمة له، سواء كانت قوَّة روحيَّة أو ماديَّة كليَّة حالَّة فيه بصورةٍ مستديمةٍ، وهذه الحلوليَّة تأخُذ مظهرَيْن مختلفَيْن في أوجُه تعبيرهما، ولكنَّهما مُتطابِقان مضمونًا وبنيَةً: الشكل الأوَّل يُسمِّيه المسيري بالكمونيَّة الروحيَّة، القائمة على مبدأ وحدة الوجود، على نحو ما يتجلَّى بصورةٍ بارزة في الإشراقات الصوفيَّة، فالمبدأ الأوَّل - أو العلة الأولى، والذي يُسمَّى إلهًا في المنظومات الحلوليَّة - يحلُّ في الكون، ويمتَزِج بالموجودات إلى الحدِّ الذي تغيب فيه المسافة الفاصلة بين الخالق والمخلوق والواحد والمتعدِّد، فهو يُسمَّى إلهًا أو خالقًا على سبيل المجاز، أمَّا واقعًا فهو الطبيعة أو المادة.

 

أمَّا الاتِّجاه الثاني: فهو الحلوليَّة الكمونيَّة الماديَّة، التي تتَّسِم بطابعها المادي الصارم، الذي يستَوعِب كلَّ عناصر الكون في إطارٍ من الحتميَّة الطبيعيَّة"[29].

 

وإذا ما قُورِن هذان الإطْلاقان عند المسيري بما هو موجودٌ في كُتُب أهل العلم، فإنَّنا نجد أنَّ هنالك فرقًا وتطابُقًا بين الحلول ووحدة الوجود، فالحلول الخاص - كقول النصارى في عيسى - ليس هو وحدة الوجود، أمَّا الحلول المطلَق فهو عين وحدة الوجود[30].

 

وكلام د/ المسيري عن الحلول إنما يتوجَّه إلى الحلول المطلق، وهو بهذا يصحُّ إطلاقه على وحدة الوجود؛ لأنَّه يتحدَّث عن الحلول المادي الكامل الذي أصبَحَ عند صاحبه كليًّا شموليًّا.

 

وهذا ما يُسمِّيه "وحدة الوجود الماديَّة" مقارنةً بما يُسمِّيه "وحدة الوجود الروحيَّة"؛ حيث يرى أنَّ بين الوحدتين تشابُهًا واختلافًا؛ فأمَّا التشابُه ففي كون بنيتهما واحدة، فهما يتَّسِمان بالواحديَّة، والتي تعني إعادة الكلِّ إلى مبدأٍ واحدٍ كامنٍ حالٍّ في العالَم، وبذلك تتمُّ التسوية بين الخالق والمخلوق (في وحدة الوجود الروحيَّة)، والتسوية بين المادة والموجودات (في وحدة الوجود الماديَّة)، وفي كلتيهما تُمحَى الثنائيَّات والمسافات والمقدرة على التجاوُز.

 

وأمَّا الاختلاف فوحدة الوجود الروحيَّة تقوم على مبدأ حلول الخالق في مخلوقاته، وتوحُّده معها، وذوبانه فيها بحيث لا يَصِير له وجودٌ دونها، ولا يَصِير لها وجودٌ دونه، ويصبح العالم جوهرًا واحدًا.

 

أمَّا وحدة الوجود الماديَّة فتستَغنِي تمامًا عن أيَّة لُغة روحيَّة، وتستَعِيض عن الإله أو الخالق بالمادَّة أو الطبيعة، وقد يُعبَّر عنها بألفاظٍ أخرى كـ"القوانين الطبيعيَّة"، و"القوانين العلميَّة"، و"القوانين الماديَّة"، و"قانون الحركة"[31].

 

فوحدة الوجود الروحيَّة عند فلاسفة المتصوِّفة في الإسلام تقوم على الإيمان بالخالق - سبحانه - لكنَّهم يُدمِجونه مع العالم، ويجعَلُونه حالاًّ فيه، بينما وحدة الوجود الماديَّة لا تؤمن بالخالق أو لا تُعِير هذه القضيَّة أيَّ اهتمام؛ لأنها مُرتكزةٌ على اعتبار أنَّ المادة أو القانون الطبيعي هو المتحكِّم في الكون.

 

وقد اكتشف إسبينوزا[32] هذا التوازي والترادف بين وحدة الوجود الروحيَّة ووحدة الوجود الماديَّة - كما بيَّنها المسيري في كتابه - وأنَّ عبارة: "لا موجود إلا هو" - أي: الإله - هي نفسها عبارة: "لا موجود إلا هي" - أي: الطبيعة - ومن ثَمَّ أمكَنَه من خِلال المنظومة الحلوليَّة الكمونيَّة أنْ يُعَلْمِن الفلسفة الغربيَّة، ويُشِيع الفكر الفلسفي الواحدي المادي بكلِّ وحشيَّته ولا إنسانيَّته يوجد خلف غنائيَّة الحلوليَّة الكمونيَّة الصوفيَّة، بل يُمكِن القول: إنَّه نَجَح في تَولِيد المنظومة العلمانيَّة الماديَّة من داخِل المنظومة الدينيَّة[33]، واستِخدام مُصطَلحاتها الغيبيَّة كما يفعَل كثيرٌ من العلمانيين العرب[34].

 

ويُمكِن تقسيمُها إلى وحدة وجود غربيَّة، ووحدة وجود تراثيَّة؛ غربية: باعتبار منشئها من الغرب وفلسفاته، وتراثيَّة باعتبار وجودها في كتب التراث الصوفي وكتب العقائد السنيَّة التي ردَّتْ على أصحابها وكشفَتْها، أو تقسيمها إلى وحدة وجود ماديَّة ووحدة وجود غير ماديَّة (ميتافيزيقيَّة)، باعتبار أنَّ وحدة الوجود الماديَّة وحدة وجود طبيعيَّة ماديَّة، وتقابلها وحدة الوجود غير الماديَّة (الميتافيزيقيَّة)، التي تعتَمِد على ما وَراء الطبيعة، وهذا التقسيم سيتَّضِح أكثر من خِلال المبحث اللاحق.

 

ثانيًا: جذور وحدة الوجود (الواحديَّة الماديَّة) في الحضارة الغربية:

يذكُر المسيري أنَّ ثمَّة سمات عامَّة للحضارة الغربيَّة أسهمَتْ في بَلوَرَة الرؤية الحلوليَّة الكمونيَّة الواحديَّة الماديَّة، ساعدت على هيمنتها بعضُ العوامل الاجتماعيَّة والثقافيَّة والتاريخيَّة، ويُمكِن إيجازها في نقاط:

1- في مراحل التكوين الأولى للحضارة الغربيَّة لم تكن هناك تشكيلات إمبراطوريَّة كبرى تضمُّ عدَّة شعوب وديانات ولغات غالبًا ما تتَّسِم بقدرٍ من غِياب التجانُس والإحساس بالآخَر، وهي عناصر تتحدَّى طرق التفكير العضويَّة الواحديَّة الملتفَّة حول نفسها، وهذا على عكس ما يكون في المدن الصغرى، التي لا تَعرِف سوى مُواطِنيها الذين يتحدَّثون لغةً واحدةً، وعادَةً ما يتَّجِهون نحو التفكير العضوي ونحو اثنينية "الأنا والآخر".

 

2- كانت آلهة الوثنيَّات الغربيَّة ماديَّة أو شبهَ ماديَّة ملتَصِقة بالإنسان والطبيعة على عكْس الوثنيَّات السامية البابليَّة والآشوريَّة؛ حيث الآلهة تتَّسِم بقدرٍ من التجاوُز والعالميَّة، خصوصًا حين تُضَمُّ إحدى البلاد لدولةٍ، فإنَّ آلهتها تُضَمُّ لمجمع الآلهة، ثم يصعد إلى درجةٍ من العالميَّة والتجاوُز، وكانت الوثنيَّة الغربيَّة اليونانيَّة والرومانيَّة تعبيرًا متطرفًا عن الواحديَّة الكونيَّة والتداخُل الكامل للطبيعي والإلهي.

 

ويُمكِن دراسة البِغاء المقدَّس في الدِّيانات الوثنيَّة القديمة؛ باعتِباره نقطةً تلتَقِي فيها الرؤية الحلوليَّة الكمونيَّة الكونيَّة والواحديَّة الوظيفيَّة (أو الحلوليَّة الكمونيَّة الوظيفيَّة)، فالبَغِيُّ لم تكن تقوم بوظيفة تدخل عليها المتعة، وإنما كانت مجرَّد أداة تُستَخدم ووظيفة تُؤدَّى ودورٌ يُلعَب؛ أي: إنها أداةٌ في يد المبدأ الواحد والقوَّة الفاعلة المقدَّسة الكامنة في جسدها، بل إنها كانت رمزَ الرَّحِم الكوني الأعظم الذي يُحاوِل الإنسان العودةَ إليه والالتحامَ به (الذي يُصبِح الأرض المقدَّسة في المنظومة الحلوليَّة الكمونيَّة الماديَّة).

 

ولذا فإنَّ أداءَها لوظيفتها كان تنفيذًا لواجبٍ مُقدَّس يُعطِي لصاحبتها مكانةً اجتماعيَّةً مرموقة، وتُحقِّق كينونتها من خِلال وظيفتها هذه (التمركز حول الذات)، ولكن هذه القداسة الكامنة في جسَدِها هي نفسها التي تجعَلُها مجرَّد أداة محايدة بالنسبة للعابِدين، فهم يَتواصَلون مع المبدأ الواحد (الإله والرحم الكوني الأعظم في حالتهم) من خلالها، ولا يكتَرِثون بها، ويدفعون لها ما تُرِيد من أموال؛ أي: إنهم يَتعاقَدون معها (تمركز حول الموضوع)؛ ومن ثَمَّ يُصبِح المقدس والمتحوسل شيئًا واحِدًا، بل إنَّ القداسة تغدو سبب الحوسلة وتغدو الحوسلة علامة القداسة[35].

 

3- التفسيرات الوثنيَّة البدائيَّة عادةً تفسيراتٌ ماديَّة ساذجة ذات طابع حلولي كموني، لكن يُلاحَظ أنَّ الوثنيَّة الغربيَّة أفرزَتْ فكرًا فلسفيًّا ماديًّا يتَّسِم بقدرٍ عالٍ من التبَلْوُر والصَّقل والتماسُك.

 

فأرسطو لاحَظَ أنَّ الفلاسفة الأيونيِّين الذين سبَقُوه كانوا ماديين مُتطرِّفين، حاوَلُوا تفسيرَ العالم من خِلال مقولةٍ واحدة، وقام دُعاة المبدأ الذري (ليوسيبوس وديمقريطس) ببلوَرَة الفكر المادي؛ فذهب ديمقريطس إلى أنَّه لا وجودَ لشيءٍ غير حركة الذرَّات في الفَراغ، والخلاف القائم بين مادةٍ وأخرى يُمكِن ردُّه لاختلاف الذرَّات المكونة منها، وحركة الذرَّات تحكُمُها قوانين ضروريَّة، بل الروح نفسها تتكوَّن من ذرَّاتٍ رقيقةٍ مَلساء ينتج من حركتها تلك الظاهرة المعروفة بالحياة.

 

وقد تجاوَزَت الفلسفة اليونانيَّة القديمة الواحديَّة الماديَّة الصارمة في بعض اللحظات في فلسفة أفلاطون وأرسطو مثلاً، ثم عادَت الرؤية الوثنيَّة الحلوليَّة الكمونيَّة من خلال الفلسفة الرواقيَّة والأبيقوريَّة التي هيمَنَتْ على العقل الغربي لعِدَّة قرون، والفلسفة التي تَنافَستْ معها على العقل الغربي لعدَّة قرون، والفلسفة التي تَنافَستْ معها على العقل الغربي الأفلاطونيَّة المحدَثة وهي فلسفة حلوليَّة كمونيَّة واحديَّة، وفي عصْر النهضة حلَّ إسبينوزا مشكلة التسمية حين قال: "الإله وبالأحرى الطبيعة"؛ أي: إنَّه ساوَى بين الروح والمادة.

 

4- الرُّؤَى الوثنيَّة البدائيَّة الحلوليَّة الكمونيَّة لم تختَفِ قطُّ في العُصُور الوسطى المسيحيَّة، بل استمرَّت على شكل عقائد غنوصيَّة وحركات هرطقة متطرِّفة كانتْ تتأرجَحُ بين تأليه الكون وإنكار الإنسان، وتأليه الإنسان وإنكار الكون.

 

5- العهد القديم يَحوِي رؤيةً حلوليَّةً واحديَّةً كمونيَّةً (شبه وثنيَّة) لإلهٍ مقصور على شعبِه، يحلُّ فيه وحده، ويدخُل معه في علاقةٍ تَكاد تكون جنسيَّة، لا تفصلهما مسافةٌ أو ثغرةٌ، وتتَّضِح الحلوليَّة الثنائيَّة الصلبة في العبادة اليسرائيلية في طقوسها وثنائيَّاتها، وجعل جماعة يسرائيل مركز الكون، وقامَتْ محاولة أولى لمحاصرة الحلول الإلهي على يد الأنبياء أمثال عاموس وأشعيا[36]، الذين بيَّنوا للشعب أنَّ الإله هو إله العالمين مُتجاوِزٌ للدنيا والتاريخ، لكن محاولتهم لم تُعَمِّر طويلاً، وسقَطت اليهوديَّة في الحلوليَّة... وعادَ المركز لداخل النسق.

 

6- مع انتِشار المسيحيَّة زادَ تركُّز الصورة المجازيَّة الحلوليَّة الكمونيَّة العضويَّة الواحديَّة، فالمسيحيَّة تَدُور حوْل فكرة الإله المتجسِّد، وحلول اللاهوت في الناسوت حين يَنزِل الإله إلى الأرض في هيئة ابن الإله (تجسد الإله في الأرض) ويتمُّ صلبُه، وهو بذلك يفقد تجاوُزه ومرجعيَّته، ويصبح إنسانًا عضويًّا.

 

وحاوَلَت المسيحيَّة الكاثوليكيَّة مُحاصَرة الحلول عن طريق الإصرار على أنَّ الحلول الإلهي أمرٌ شخصي (في شخص المسيح)، مُؤقَّت (مرَّة واحدة)، منتهٍ (بقيامه)؛ إذ يعود المركز ليُصبِح مرَّة أخرى خارج النسق، ثم تُصبِح الكنيسة بعدَ ذلك موضعَ الحلول الوحيد، ومن هنا تَكمُن عصمته، وبذلك تَظهَر ثنائيَّة الإلهي (المتمثِّل في الكنيسة) والإنساني، إلاَّ أنَّ تآكُل نفوذ الكنيسة سبَّب نفورًا شديدًا وانصرافًا عن الدين، وتحوُّلاً كاملاً للدنيا، وظهور الإصلاح الديني (الرأسماليَّة والفلسفة الإنسانيَّة والهيومانيَّة)، وكلُّها أنساقٌ تَذهَب إلى أنَّ العالم يَحوِي داخِلَه ما يَكفِي لتفسيره، وساعَدَتْ هذه الأنْساق على تَصاعُد معدَّلات الحلوليَّة الكمونيَّة الواحديَّة مرَّة أخرى في الحضارة الغربية[37].

 

7- في الفلسفة الغربية التي بدَأتْ في عصر النهضة بظُهور الفلسفة الإنسانيَّة الهيومانيَّة التي همَّشت الإله ووضَعَت الإنسان في مركز الكون، وجعلَتْه المعيار الأوحد، مقياس كل شيء، مرجعية ذاته، وفي المرحلة نفسها ظهر إسبينوزا الذي حوَّل العالم إلى منظومةٍ واحديَّة رياضيَّة مصمتة، الإله فيها هو الطبيعة، والإنسان في إطار هذه المنظومة لا يختَلِف في أساسيَّاته عن أيِّ شيءٍ آخَر في الكون، فمرجعيَّته النهائيَّة هي الطبيعة/ المادَّة، ووجَد إسبينوزا أنَّ هذه الحركة الرتيبة الآليَّة ذات المرجعيَّة الماديَّة ستُحَقِّق السعادة للبشر بشكلٍ ضمني عن طريق امتِزاج الجزء الإنساني بالكلِّ الآلي المادي، وذوبانه فيه، ثم جاء نيتشه[38] واكتَشَف أنَّ العالَم الذي يُصبِح الإله فيه قانونًا طبيعيًّا وتتحكَّم فيه حركة المادَّة هو عالم موْت الإله (شحوب الإله)؛ أي: إنَّه عالم مادي تمامًا، لا قداسة ولا ضمان فيه لأيِّ شيءٍ، خالٍ من المعاني، محايِد، لا قيمة فيه ولا غاية، ولا سبب ولا نتيجة، ولا كليَّات ولا مُطلَقات، ومن ثَمَّ لا يبقى سوى إرادة القوَّة وعالم دارون الذي يَتجاوَز الخير والشر، ثم ظهَر جاك دريدا[39] زعيم التفكيكيين[40] بوجهِه الكئيب، وأعلَنَ عالم ما بعد الحداثة[41]؛ حيث لا يُوجَد هدفٌ ولا مركزٌ ولا غاية ولا فرح ولا ندَم، ولا تفاؤل ولا تشاؤم، كلُّ شيءٍ قابِعٌ داخِل قصَّته الصُّغرى، دون مرجعيَّة نهائيَّة (قصَّته الكبرى)؛ حيث تخفق اللغة الإنسانيَّة في تحقيق التواصُل بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبإخفاق اللغة تختَفِي القِيَم والمعايير تمامًا ويتفكَّك الإنسان[42].

 

وبهذا يتَّضِح أنَّ الحلوليَّة مُسايرةٌ للفكر الغربي منذ نشأَتِه الإغريقيَّة حتى تحوُّلاته النصرانيَّة واليهوديَّة، فظلَّت الحلوليَّة مُلازِمة لذلك حتى وصَلت في الأخير إلى الحلوليَّة الماديَّة البحتة.

 

ثالثًا: أقسام وحدة الوجود كما صوَّرَها المسيري:

وحدة الوجود الروحيَّة:

وهي فكرةٌ قديمة جدًّا؛ فقد كانت قائمةً بشكلٍ جزئي عند اليونانيين القُدَماء، وهي كذلك في الهندوسيَّة الهنديَّة، وانتَقَلت الفكرة إلى بعض الغُلاَة من مُتَصوِّفة المسلِمين وغُلاَة الشِّيعة[43].

 

ووحدة الوجود ترى أنَّ الحقيقة الوجوديَّة واحدة، وأنَّ الكثْرة الظاهرة مظاهر وتعينات فيها؛ أي: إنَّ الخلق الظاهر هو الحق الباطن، ويُعرَف أهلُ هذه الفكرة بأصحاب وحدة الوجود، أو القائلين بالاتِّحاد.

 

وقيل: إنَّ الوحدة التي تجعَل الوجود كله واحدًا، يقول ابن عربي: "إنَّ وجود الواجب الذي هو عين ذات الله هو وجود المُمكِنات، ومَن عبَد شيئًا من المُمكِنات فقد عبَد الله"[44].

 

والصوفيَّة الحلوليَّة يعتَقِدون أنَّ الله هو الوجود المطلق الذي يظهَر بصُوَر الكائنات، ويدعون أنَّه - تعالى - والعالَم شيءٌ واحدٌ، فليس هناك - بزعْمهم - خالق ومخلوق، بل العالَم - عندهم - هو مخلوقٌ باعتبار ظاهره، وهو خالقٌ باعتبار باطنه، والظاهر والباطن - في الحقيقة - شيءٌ واحدٌ هو الله - تعالى - ومَن يبحث عن مَضامِين الفكر الفلسفي الصوفي يجده يعني الرياضات التي يقوم بها السالك ليستَشعِر من خلالها بوحدة الوجود، ويحس أنَّه والكون والله شيء واحد.

 

وأقوال أئمَّة التصوُّف الفلسفي يَدُور جُلُّها حول وحدة الوجود، وقد أكَّدوا أنها أهمُّ عقائدهم؛ ولذلك فإنهم يقولون في دراساتهم أنَّ مَن آمَن بوحدة الوجود، وسَعَى في الدعوة إليها - بالأسلوب المناسب - فهو الشيخ الكامل، والصوفي الواصل، والولي العارف بالله، ولو كان من أجهل الناس وأفسقهم، وهذا ما يُفسِّر تعظيمَهم لكثيرٍ من الجاهلين والمنحَرِفين، بل لكثيرٍ من الزنادقة الكافرين، لا لعلمٍ نافع نشَرُوه، ولا لعملٍ صالح عَمِلُوه، ولا لاعتقادٍ صحيح حقَّقُوه، بل لتحقيقهم وحدة الوجود وعمَلِهم في ترويجها[45].

 

يقول المسيري: "يَوَدُّ المتصوِّف الحلولي، الزاهد في الدنيا وعالم الجسد - أنْ يترك الدنيا تمامًا ليعود إلى الإله ويتَّحِد به، ويَفنَى فيه كي يَتَحقَّق جوهَرُه الرباني تمامًا، فإنْ تَمَّ الاتِّحاد الكامل وفَناء الإنسان في الإله، فإنَّ الفاصل بين الإله والإنسان يُمحَى وبدلاً من فَناء الإنسان في الإله يَفنَى الإله في الإنسان، وبدَلاً من إخضاع الذات للإله تتغوَّل الذات وتتوحَّش"[46].

 

فهو يرى أنَّ وحدة الوجود تعني القول بأنَّ مركز العالم (المبدأ الواحد) حالٌّ وكامِنٌ فيه، وهي تَبدُو في صيغتَيْن مختلفتَيْن ظاهرًا، بينما هما في واقِع الأمر صيغةٌ واحدة رغْم اختِلاف التسميات التي تُطلَق على كلٍّ منهما، ومُفاد وحدة الوجود الروحيَّة أنَّ الإله يحلُّ في مخلوقاته ويمتَزِج بها، ثم يتوحَّد معها ويذوب فيها تمامًا؛ بحيث لا يَصِير له وجودٌ دونها، ولا يصير لها وجودٌ دونه (حلوليَّة شحوب الإله)، فهو إلهٌ اسمًا، ولكنَّه هو الطبيعة/ المادة فعلاً، والذي طوَّر هذه الصياغة هو هيجل، الذي تحدَّث عن أمورٍ روحيَّة مثاليَّة، ولكنَّه في الواقع يتحدَّث عن عناصر ماديَّة محسوسة[47].

 

ولقد وُجِدت وحدة الوجود الروحيَّة في العقيدة اليهوديَّة القديمة، واستمرَّ هذا الفكر الحلولي عند اليهود حتى المعاصِرين منهم من العلمانيِّين، وقد فصَّل الحديثَ عنها المسيري في كتاباته، وتناوَلَها بإسهابٍ في موسوعته، وأكَّد من خِلالها أنَّ الفكر الحلولي يَدُور حول ثلاثة عناصر هي: الإله، والطبيعة، والإنسان، وفي الحلوليَّة اليهوديَّة يكون الإنسان هو الشعب اليهودي، والطبيعة هي أرض إسرائيل (أرض الميعاد)، أمَّا الإله فهو المبدأ الواحد الذي يحلُّ فيهما جميعًا، وهو عند المتديِّنين منهم: الإله (وحدة وجود روحيَّة)، وعند العلمانيين منهم: روح الشعب أو التراث اليهودي، أو العرق اليهودي، أو التوراة بوصفها تعبيرًا عن روح الشعب (وحدة وجود مادية)[48].

 

والفريقان - العلماني والديني - يختلفان في تحديد مصدر القَداسة، لكنَّهما لا يختَلِفان في أنَّ القداسة تَسرِي في الشعب والأرض (اليهوديَّيْن)! وعَلمَنَة الحلوليَّة اليهوديَّة على يد الصِّهيَوْنية ليس أمرًا فريدًا، بل يتَّسِق مع أهمِّ ما أنجَزَه الغرب فلسفيًّا في العصر الحديث؛ أي: اكتشاف أنَّ وحدة الوجود الروحيَّة ووحدة الوجود الماديَّة مُترادِفان، وقد وجَد الصَّهايِنَة أنَّ هذا الترادُف أنسب صِيغَةٍ يُخاطِبون بها الجماهِير اليهوديَّة في شرق أوربا، فهي جماهيرُ كانت لا تزال مُتديِّنة وأصبَحَت الحلوليَّة الأرضيَّة المشتركة بينها وبين العلمانيين في الحركة الصِّهيَوْنيَّة، ومن أهمِّ وسائل تضييق الفجوة بين الدينيِّين والعلمانيين في إطار الحلوليَّة الكمونيَّة أنْ يتبنَّى الدينيُّون تَفسِيرات العهْد القديم الحرفيَّة، فالأرض في المفهوم الحاخامي التقليدي (المجازي) كانت "صِهيَوْن الروحيَّة"، التي تُوجَد في قلب كلِّ مؤمن، والشعب ليس شعبًا عرقيًّا ماديًّا مثل كلِّ الشعوب، بل جماعة دينيَّة تَدِين بالولاء للإله من خِلال الإيمان بقِيَمٍ مُعَيَّنة، وعودة الشعب إلى أرضه لا يُمكِن أنْ تتمَّ إلاَّ بأمر الإله في نِهايَة التاريخ، وبدَلاً من هذه العقائد طرَح الصهاينة المتديِّنون تفسيرات حرفيَّة لا تختَلِف عن التفسيرات العلمانيَّة رغم احتِفاظها بالمصطلح الديني، فصِهيَوْن أصبحَت الأرض التي يُمكِنهم العودة إليها متى شاؤوا، ويُمكِنهم الاستيلاء عليها بقوَّة السلاح، والشعب أصبح مجموعةً من البشر لها حقوق مطلقة.

 

والعودة المقدَّسة التي تحوَّلت من عودةٍ مجازيَّة إلى عودةٍ حقيقيَّة تتطلَّب استخدام العنف ومُسانَدة الإمبرياليَّة العالميَّة وطرْد الشعب الفلسطيني، وهذا ما فعَلَه الصهايِنَة المتديِّنون وقاموا بتَبرِيره بتَبرِيراتٍ دينيَّة تخلع عليهم وعلى أفعالهم قَداسَةً، وتمَّت العودة دون تَفرِقةٍ بين الوَعْد الإلهي ووَعْد بلفور.

 

غير أنَّ المسيري يُوضِّح أنَّ هذا التقارُب لا يَعنِي أنَّ الفريقين لا خِلافَ بينهما، فحلوليَّة الملحِدين حلوليَّةٌ بدون إله، على عكْس حلوليَّة الدينيِّين، وتَظهَر نتيجةُ هذا الخِلاف من آنٍ لآخَر، وهو يَظهَر في شكل صراعٍ حقيقي في الحياة اليوميَّة في إسرائيل، فالأصوليُّون اليهود (الحلوليون المتديِّنون)، يُطالِبون بأداء الشعائر ومنْع مظاهر خرْق الشريعة وتعديل قانون العودة...[49].

 

يقول المسيري: "إنَّ أهمَّ الطبقات داخل التركيب الجيولوجي التراكمي اليهودي هي الطبقة الحلوليَّة التي ترى الإله حالاًّ في الكون (الإنسان والطبيعة)، كامنًا فيهما، وهو ما يُؤدِّي إلى الواحديَّة الماديَّة الكونيَّة التي تُنكِر التجاوُز على الإله، بحيث يصبح لا وجود له خارجها، وقد كانَتْ هذه الطبقة كامنةً في أسفار موسى الخمسة وخصوصًا المصدر اليهودي، وحارَب ضدَّها كتاب المصدر الألوهيمي والأنبياء، ولكنَّها عادَتْ لتزداد قوَّةً مع التلمود، ثم أصبحت النموذج الأساس والقيمة الحاكمة مع هيمنة القبالاه، ومع تَصاعُد العلمانيَّة ظهَرَت الحلولية بدون إله، التي تَزعُمُ أنها الطبقة الجيولوجيَّة الأساسيَّة في تَفكِير المثقَّفين اليهود المحدَثِين، وتاريخ اليهوديَّة الذي تَطرَحه هو في واقِع الأمر تاريخٌ تزايد درجات الحلولية إلى أنْ نَصِلَ إلى مرحلة الحلوليَّة بدون إله، وهي (وحدة الوجود الماديَّة) في عصر الحداثة وما بعد الحداثة"[50].

 

ورغم ما في هذا الكلام من استِطرادٍ إلاَّ أنَّه يُبيِّن مدى ارتِباط وحدة الوجود الماديَّة باليَهُود ابتداءً من إسبينوزا ووصولاً للصهاينة المعاصرين.

 

وحدة الوجود الماديَّة:

هي اعتقادٌ بأنَّه لا وجود لأيِّ جوهرٍ غير المادة، وأنَّ هذا العالم أبديٌّ، وأنَّه لا محدود في الزمان والمكان، وفي داخِلِه ما يُعلِّل وجودَ الأشياء والظواهر ويُفسِّرها من غير حاجةٍ إلى أيِّ مُؤثِّر خارجي[51].

 

يقول المسيري واصفًا إيَّاها: "... يبدأ الإنسان العلماني في عالم الطبيعة/ المادة، عالم الحواس الخمسة، يبحَث عن الإشباع الفوري والمباشِر لحواسِّه وغرائزه، وعن تحقيق الحدِّ الأقصى من الحريَّة الفرديَّة والمتعة الشخصيَّة، فلا إرجاء ولا تأجيل لإشْباع الغرائز والحاجات؛ إذ يجب أنْ تختَفِي كلُّ الحدود وأنْ تُزال كلُّ القُيود والسُّدود، وهكذا يُركِّز العقل العلماني على عالم الذات وعالم الحواس والمُعطَيات الماديَّة، مُستَبعِدًا أيَّ شيء يَتجاوَز ذلك، فالإله والقِيَم المُطلَقة أفكارٌ مجرَّدة تجاوز حدوده، ويَتزايَد التركيزُ على الشخصي والمُباشِر والمتعين؛ حتى يُصبِح جسَدُ الإنسان الحقيقةَ النهائيَّةَ والمطلقة الوحيدة...

 

ومع اختِفاء المسافة بين الإنسان والطبيعة/ المادة يَذُوب الإنسان فيها ويَفقِد ما يُميِّزه كإنسانٍ، ويجد نفسَه خاضعًا للحتميَّات الطبيعيَّة الموضوعيَّة الماديَّة، والطبيعة / المادة مجموعةٌ من القوانين المجرَّدة التي تكتَرِث بالإنسان لا بخصوصيَّته؛ ومن ثَمَّ تختَفِي تدريجيًّا كلُّ الأشكال الخاصَّة والمتعينة، وتحلُّ محلها القوانين الطبيعيَّة المجرَّدة والمُعادَلات والأرقام.

 

ويتميَّز التَّمركُز حول الذات وحول الموضع بالصلابة، ولكن في إطار العلمانية الشاملة لا يتوقَّف الأمر عند هذا الحدِّ إذ تنتَقِل المنظومة ككلٍّ من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة، فيحل المبدأ الواحد في كلِّ الأشياء، فتتعدَّد المراكز ويُصبِح العالم لا مركز له، وبدَلاً من الواحديَّة الموضوعيَّة تَظهَر الواحديَّة الذريَّة السائلة؛ حيث تُصبِح كلُّ ذرَّة مستقلَّة بذاتها، ومن ثَمَّ ننتَقِل إلى حالة السيولة"[52].

 

وقد نادَى بوحدة الوجود الماديَّة الفلاسفة الغربيُّون[53]، ومن أشهرهم إسبينوزا (1632 - 1677) م، الذي ذهَب إلى أنَّه ليس هناك انفِصالٌ حقيقي بين الإله والعالم، أو الروح والمادة، أو الرُّوح والجسد، فالكون عنده شيءٌ واحدٌ مُكوَّن من جانبين: جانب إلهي وجانب عالمي دنيوي، والإنسان عنده شيءٌ واحد مُكوَّن من جانبين: جانب إلهي وجانب عالمي دنيوي، والإنسان عنده شيءٌ واحدٌ مُكوَّن من جانبين: جانب روحي وجانب جسدي، بل إنَّه قد أخرج نتيجةً أخرى تقول بأنَّ الإله والعالم شيءٌ واحد، والرُّوح والجسم شيءٌ واحد، والرُّوح والمادَّة شيء واحد.

 

ففلسفته إذًا توحيدٌ بين الله وبين العالم الموجود في الخارج، نعم ليس الله عنده جزءًا من مادة العالم، بل هو روح العالم وقوانينه، فالحوادث هي مجرَّد أغراض حقيقيَّة على الجوهر الواحد الذي هو الموجود الوحيد، وفي كتاب "في الفكر الغربي المعاصر" تلخيصٌ لهذه الفكرة عند إسبينوزا، والتي تقول: "إنَّ الله هو الطبيعة الطابعة، والعالم هو الطبيعة المطبوعة"، و"إنَّ قدرة الطبيعة هي قدرة الله، وقدرة الله مُماثِلة لماهيَّته"[54].

 

وقد تحدَّث المسيري بإسهابٍ عن هذا المفكِّر وعدَّه فيلسوف العلمانيَّة الأكبر، وذكَر أنَّ منظومته الفلسفيَّة لا توجد فيها أيَّة فَراغات بين الإله والطبيعة والإنسان، فهي منظومةٌ مصمتة تمامًا، شكلٌ من أشكال الحلوليَّة الكمونيَّة الواحديَّة الماديَّة، وهي حلوليَّة كمونيَّة بمعنى: أنَّ الأسباب لا تَتجاوَز المادة، وأنَّ القوانين كامنةٌ في الأشياء لا تُفارِقها أبدًا، (إلاَّ من خِلال مقدرة العقل البشري على التجريد، وهي عمليَّة عقليَّة لا تُغيِّر من طبيعة الأشياء شيئًا)[55].

 

ويُصوِّر المسيري وحدةَ الوجود الماديَّة التي تبنَّاها فلاسفة الغرب، من خِلال مجموعةٍ من المفاهيم العامَّة الأساسيَّة التي يرتَكِز عليها المصطلح عنده، ويُمكِن تحديدُها في عدَّة نِقاط:

• توحُّد الإنسان بالطبيعة، بحيث يردُّ كله إلى مبدأٍ واحد كامن في الكون؛ بحيث لا يُشِير العالم المادي إلى أيِّ شيءٍ خارجه.

 

• إلغاء كلِّ الثنائيَّات داخل العالم (ثنائية الخالق والمخلوق، والإنسان والطبيعة، والخير والشر، والأعلى والأدنى).

 

• إلغاء كلِّ الثغرات والمساحات والغائيَّات الموجودة في العالم.

 

• اعتِبار العالم الطبيعي هو المصدر الوحيد والأساس للمعرفة والأخلاق، وفصل الحقائق الماديَّة فصلاً تامًّا عن القيمة.

 

• اعتبار الحقائق الماديَّة (الصلبة والسائلة) المتغيِّرة هي وحدها المرجعيَّة المعرفيَّة والأخلاقيَّة المقبولة.

 

• إنكار أيِّ ثَبات؛ وبناءً عليه إنكار وجود الماهيَّات والجوهر، بل والطبيعة البشريَّة نفسها، باعتبارِها جميعًا أشكالاً من الثَّبات والميتافيزيقا.

 

• نسبيَّة سائر الأمور (المعرفيَّة والأخلاقيَّة)، نسبيَّة[56] تامَّة دائمة.

 

• اعتبار التطوُّر حركة حتميَّة، وضرورة أنْ يكون من الأدنى إلى الأعلى وفْق الداروينيَّة[57].

 

• اعتبار الطبيعة مُحايِدة لا تَعرِف الخير والشر، من جهة أنها خاضعةٌ للقانون الطبيعي الذي لا وجودَ فيه لغيبٍ ولا لغايةٍ ولا أخلاق.

 

• إنْكار وجود إلهٍ خارج الكون، وهذا المفهوم كان نتيجة مؤدَّى لكلِّ ما سبَق من مفاهيم مفسَّرة لوحدة الوجود الماديَّة عند المسيري[58].

 

ويذكر المسيري أنَّ من الظواهر الجديرة بالملاحظة والتي تحتاج إلى مزيدٍ من الدراسة، أنَّ رؤية أعضاء الجماعات الوظيفيَّة للكون تنحو منحى حلوليًّا كمونيًّا (ثنائيًّا صلبًا) في رؤيتهم لذاتهم؛ حيث يتبنَّى أعضاء الجماعة الوظيفيَّة رؤية حلوليَّة كمونيَّة واحديَّة (ثنائيَّة صلبة) تردُّ العالم بأسرِه إلى مبدأٍ واحدٍ كامنٍ في العالم، وتختَزِل الواقع بكلِّ تعيينه وتركيبته إلى مستوى واحد، هذا المبدأ الواحد بالنسبة لأعضاء الجماعة الوظيفيَّة محل الأرض في الثالوث الحلولي، فبدلاً من الثالوث الحلولي التقليدي (الشعب - الإله - الأرض)، يكون الثالوث الوظيفي هو: (الجماعة الوظيفيَّة - الإله - الوظيفة).

 

فهناك أيضًا "الحلوليَّة الكمونيَّة الوظيفيَّة" و"الواحديَّة الوظيفيَّة"، فعلاقة عضو الجماعة الوظيفيَّة بجماعته وبوظيفته علاقةٌ حلوليَّة كمونيَّة عضويَّة (روحيَّة)، والوظيفيَّة هي المبدأ الواحد (الإله)، قوَّة شاملة بسيطة، لا انقِطاع فيها ولا فَراغات ولا ثنائيَّات، تُزوِّد عضو الجماعة الوظيفيَّة برؤيةٍ للكون وتوجه سلوكه، وعلاقة عضو الجماعة الوظيفيَّة بوظيفته لا تختَلِف كثيرًا عن علاقة عضو الشعب المختار بشعبه وبأرض الميعاد، وكما أنَّ أرض الميعاد تنتَظِر شعبَها المقدَّس المختار ولا يمكن أنْ تستردَّ حياتها إلا من خِلاله، ولا يُمكِنه هو أنْ يحيا حياته كاملةً إلاَّ فيها، فإنَّ أعضاء الجماعة الوظيفيَّة هم وحدَهم القادِرُون على الاضطلاع بوظيفتهم، وهم يستمدُّون كينونتهم منها، وحين يَتَوَحَّد عضو الجماعة الوظيفيَّة بالمبدأ الواحد - أي: الوظيفة - فإنَّه يَفنَى فيها ويُجسِّدها في الوقت نفسه، وفي كلتا الحالتين فإنَّه يتمُّ اختزالُه إلى مستوى واحد أو وظيفة "مقدسة" واحدة يكتَسِب منها هويَّته، فهو جزءٌ من كلٍّ، يَفقِد ذاته فيها، ويَخضَع للقوانين النابِعَة منه والكامنة فيه.

 

وحين تجسد الجماعة الوظيفية المبدأ الواحد تُصبِح مرجعيَّة ذاتها، علة ذاتها، مكتفية بذاتها، فيمكنها أنْ تلغي الآخَر وتراه غائبًا أو ترى حضوره بغير معنى، وبحلول القَداسَة الكاملة في الجماعة الوظيفيَّة يُصبِح أعضاؤها ذوي قيمةٍ نهائيَّة كامنة لا تَظهَر لأعضاء الأغلبيَّة الموجودين خارج دائرة القَدَاسة.

 

إنَّ الرؤية الحلوليَّة الكمونيَّة تحلُّ لأعضاء الجماعة الوظيفيَّة إشكاليَّات عاطفيَّة ومعرفيَّة عميقة وتُعَقلِن وضعَهم كعنصرٍ بشريٍّ منبوذٍ متحوسل، فهي رؤيةٌ تجعَلُهم أو تجعَلُ جماعتهم (الوظيفيَّة) أو وظيفتهم موضعَ قداسةٍ خاصَّة وكامنة فيهم، بل ركيزة نهائيَّة في الكون، كما أنَّها تُفسِّر لهم تحوسلهم وتحوُّلهم إلى أداةٍ، فقداستهم هي سبب تحوسلهم، وهي تُفَسِّر أيضًا وجودَهم في المجتمعات الإنسانيَّة (الماديَّة) وعدم انتمائهم لها، فهم ينتَمُون إلى الشعب الوظيفي المقدَّس وحسب، فأعضاء الجماعة الوظيفية يجعَلُون أنفسهم موضعَ قَداسَة خاصَّة، أمَّا أعضاء المجتمع المضيف فهم محرومون تمامًا من القداسة، فهم مادة صرف، يَعِيشون في وحدة وجود ماديَّة دون إله[59].

 

• • • •


المبحث الثالث: موقف المسيري من (الماديَّة الواحديَّة الحلوليَّة):

إنَّ العلاقة بين الماديَّة ووحدة الوجود في تصوُّر المسيري هي علاقة اندِماج وامتِزاج، وليست مبنيَّة على الانفِصال.

 

يقول المسيري في هذا: "... الإنسان هو أكرم المخلوقات في الكون، مختلفٌ بشكلٍ جوهري عن بقيَّة الكائنات، حتى وإنْ شارَكَها في بعض صفاتها، فهو يعيش في الطبيعة لكنَّه منفصلٌ عنها... وهناك مسافةٌ تفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الخالق والمخلوق، وبين الجسد والرُّوح، ممَّا يعني أنَّ هناك ثنائيَّة أساسيَّة في الكون، وأنَّ الكون متنوِّع متعدِّد غير مُتجانِس، فيه المطلق وفيه النسبي، فيه الثابت وفيه المتحوِّل، قد يَتصارَعان وقد يَتَقابَلان وقد يَتفاعَلان ولكنَّهما مختلفان، كلُّ هذا يقف على طرف النقيض من الواحديَّة الماديَّة التي تذهب إلى أنَّ العالم بأسْره (الإنسان والطبيعة) جوهرٌ واحدٌ، فالعالم (الإنسان والطبيعة) - بالنسبة لي - يتَّسِم بما أسمِّيه الثنائيَّة الفَضفاضة، و"الثنائيَّة الفضفاضة" مصطلح يُقابِل "الواحديَّة"، والثنائيَّة هي الإيمان بوجود أكثر من جوهرٍ في العالم، والثنائيَّة الأساسيَّة "في النظم التوحيديَّة" هي ثنائيَّة الخالق المنزَّه عن الإنسان والطبيعة والتاريخ والمخلوق.

 

وهي ثنائيَّة فضفاضة تكامليَّة؛ إذ إنَّ الإله مُفارِقٌ للعالم إلاَّ أنَّه لم يهجره ولم يترُكه وشأنه، وينتج عن هذه الثنائيَّة ظهورُ الحيِّز الإنساني الذي يتحرَّك فيه الإنسانُ بحريَّة ومسؤوليَّة، وينتج عن هذه الثنائيَّات الأوليَّة ثنائيَّات تكامليَّة عدَّة من أهمِّها ثنائيَّة الإنسان والطبيعة، والتي تفترض انفِصال الإنسان عن الطبيعة وأسبقيَّته عليها[60]، واستِحالة ردِّه إليها وتفسيره في إطارها؛ لأنَّ الإله خلَقَه وكرَّمَه واستَخلَفه في الأرض، ولكنَّها لا تعني أنَّ الإنسان هو مركز الكون؛ فقد وضع في مركز الكون، ولا تعني أنَّه مالك الطبيعة؛ فهو خليفةٌ فيها من قِبَل خالقها..."[61].

 

ويمكن الخروج من هذا الامتزاج الحاصل بينهما بعدَّة قضايا نظريَّة وتطبيقيَّة متعلِّقة بالعالم وبالإنسان، وتحديدها وحصرها يكمُن في فكرتَيْن رئيستَيْن:

1- أنَّ العالم أصبح منفصلاً عن الغيب والغائيَّات الإنسانيَّة والأخلاق، بِناءً على انفِصال الحقائق عن القِيَم، واستناد المعرفة إلى الحواس فقط؛ ممَّا يجعل إدارة العالم تكون من خِلال واقعٍ حسي مادي نسبي خاضِع للقوانين العامَّة للحركة.

 

2- أنَّ الإنسان تَساوَى مع الطبيعة، وتَمَّ اختِزالُه إلى مستوى واحد بعيدًا عن المطلقات والقِيَم، وهذا المستوى هو القانون الطبيعي، الذي تُصبِح فيه الأخلاق والغائيَّات مرهونَةً بالحواس، ومُنفَصِلة عن الأخلاق والغائيَّات الإنسانيَّة، وبذلك تَمَّ إقصاء الطبيعة البشريَّة باعتبارها شكلاً من أشكال الثَّبات وما وَراء الطبيعة، وأصبحَتْ مرجعيَّة الأخلاق والدين والعاطفة مرجعيَّة ماديَّة، والقوانين الحاكمة للأخلاق مجرَّد تطوُّر لأشكال السُّلوك الحيواني، فلا وجودَ للأخْلاق المُطلَقة؛ لأنَّها ضد التقدُّم، والإنسان عندهم لا يحمل أيَّ أعباء أخلاقيَّة؛ لأنَّه خاضعٌ للقوانين العامَّة للمادَّة، ويُمكِن ترشيدُه داخِل الإطار المادي، وإخضاعه للقياس والتنميط والتحكُّم الهندسي؛ ممَّا أدَّى إلى تحويل الإنسان إلى مادَّة استِعماليَّة يُمكِن توظيفُها أو تحويلُها إلى مجرَّد سلعة أو ما يُعرَف بـ(الحوسلة[62])[63].

 

والقارئ لكِتابات المسيري يجد أنَّ هذه الفكرة طُرِحَتْ باستفاضةٍ في كتبه كلِّها على كثرتها، وحاوَل من خلالها أنْ يَربط بين الماديَّة وبين وحدة الوجود، بل ويتَّخِذ لهما مسمَّى واحدًا أطلَقَ عليه "الماديَّة والواحديَّة الحلوليَّة"، وقد بانَ موقِفُه منها من خِلال كشْفه لتناقضاتها وفضْحه لمآلاتها، وبَيان خطرها على الإنسانيَّة - فقد بيَّن أنَّ "... النظُم الحلوليَّة (الروحيَّة والماديَّة) نظم مُغلَقة، تُفضِي إلى نهاية التاريخ؛ ففي وحدة الوجود الروحيَّة يحلُّ الإله في الطبيعة وفي الإنسان فيستَوعِبهما في ذاته ويُصبِح كلُّ شيءٍ تعبيرًا عن الإله وتجسيدًا له (ولا موجود إلا هو)، فينتَهِي التاريخ ويُلغَى الزمان ويتحوَّل إلى دورات متكرِّرة؛ بداياته تُشبِه نهاياته، وتُشبِه كلُّ دورة كونيَّة الدورات الأخرى (فهو عود أبدي رتيب).

 

أمَّا في إطار وحدة الوجود الماديَّة فإنَّ الإله يحلُّ في الإنسان والطبيعة ويُستَوعَب فيهما، ويُصبِح لا وجود له إلاَّ من خِلالهما، ثم تُعاد تسميته ليُصبِح "قانون الحركة"، أو "قانون الضرورة"، أو "قوانين الطبيعة/ المادة"، التي يردُّ لها كل شيء، ومن ذلك الظواهر الإنسانيَّة (ولا موجود إلا هي) ومَن يعرف هذه القوانين يصلُ إلى المعرفة التي تُمكِّنه من التحكُّم في العالم وفي إنهاء التاريخ الإنساني والزمان وفي بدء التاريخ الطبيعي وتأسيس الفردوس الأرضي.

 

فكأنَّ وحدة الوجود الروحيَّة تتحوَّل - من خلال إعادة التسمية - إلى وحدة وجود ماديَّة معادية للإنسان ولاستقلاله عن عالم الطبيعة/ المادة من حوله، ومعادية للتاريخ مجال حريَّة الإنسان وساحة نجاحه وفشله"[64].

 

وفي موضعٍ آخَر يقول: "استخدمت مصطلح "نهاية التاريخ" بشكلٍ أكثر شمولاً في كتابي "نهاية التاريخ" (عام 1972)، لوصْف النماذج الحلوليَّة الواحديَّة الماديَّة الشاملة التي تُتَرجِم نفسَها في عالم السياسة إلى نظم طوباوية[65] شموليَّة فاشية، وبيَّنتُ أنَّ مثل هذه النماذج تحوي داخلها دائمًا "قابليَّة لإعلان نهاية التاريخ"، فما هو مجهولٌ ليس بغيب وإنما هو أمرٌ غير معروف بشكلٍ مُؤقَّت؛ إذ من المتوقَّع أنْ يكتَشِف الإنسان بالتدريج قوانين الحركة خِلال عشرات السنين من المحاولة والخطأ، وستَنكَمِش رقعة المجهول تدريجيًّا وتتَّسِع رقعة المعلوم، وسينحَسِر الجهل بالتدريج مع تزايُد الترشيد والاستِنارة إلى أنْ نصل في التحليل الأخير وفي نهاية الأمر والتاريخ إلى نقطة التوهُّج الأخيرة والرشد الكامل؛ بحيث يُصبِح كلُّ شيءٍ واضحًا، وتُوضَع الحلول النهائيَّة لجميع المشاكل، ويتمُّ التحكم في كلِّ شيء، ويتمُّ تفسير كلِّ شيءٍ في ضوء القانون العام؛ فتُمحَى الثنائيَّات والمطلقات، ويختَفِي الإنسان، ومن ثَمَّ فإنَّ نقطة التوهُّج هي في الواقع نقطة الاحتِراق، وهي أيضًا نقطة نهاية التاريخ ونهاية الإنسان باعتِبارِه كائنًا مركَّبًا متعدِّد الأبعاد لا يُمكِن ردُّه إلى الطبيعة/ المادة، وهي أيضًا النقطة التي سيَظهَر فيها إنسانٌ جديد رشيد يَعِيش حسب قوانين الطبيعة الماديَّة العلمية، ومن ثَمَّ فهو خاضِعٌ للتحكُّم العلمي...

 

وقد تناوَلتُ الموضوعَ مرَّة أخرى في مقدمة كتاب "الفردوس الأرضي" (1979)، حيث تحدَّثتُ عن الإنسان الطبيعي والإنسان التاريخي، وبيَّنتُ أنَّ الإنسان الطبيعي إنسانٌ لا حدود له، يرفُض الحدود التاريخيَّة... وقد أشَرتُ إلى أنَّ الإنسان التاريخي يتَّسِم بالثنائيَّة، "فالإنسان يعيش في التاريخ، يَفصِل بين المطلق والنسبي، ويَبحَث عن المطلق خارج التاريخ؛ إذ إنَّ التاريخ لا نهايةَ له، ولن نصل بتاتًا إلى لحظة السُّكون التي يتحقَّق فيها الفردوس الأرضي، وينتَفِي فيها الجدل ويَتداخَل فيها المطلق والنسبي، ويصبح التاريخ دائريًّا مثل الطبيعة".

 

وقد ربَطَت هذه النزعة الفردوسيَّة اللاتاريخيَّة بما سمَّيتُه حينذاك "الغيبيَّة العلميَّة" التي تدَّعِي لنفسها احتكارَ الحقيقة المُطلَقة وتنسب لنفسها القدرَة على تَحقِيق الفردوس "الآن وهنا" بإشباع كلِّ رغبات البشر، ذلك إن استسلم الناس لها، وأسلموا لها القِياد، مُتَّبِعين آخِر الأساليب العلميَّة التي لا يعرفها بطبيعة الحال إلاَّ العلماء، وهذه الرؤية الفردوسية العلميَّة رؤية ميكانيكيَّة بسيطة تفترض أنَّ الإنسان كم محض لا يختَلِف عن الكائنات الطبيعيَّة الأخرى، يعكس بيئتَه بشكلٍ مباشر وبسيط.

 

وقد وجدتُ أنَّ هذا التيَّار ليس مقصورًا على العالَم الرأسمالي، بل يوجد أيضًا في العالم الاشتراكي؛ حيث عبرت كل هذه المفاهيم عن نفسها في فكرة "التقدم" السريع والدائم نحو الفردوس العلمي المنظم "اليوتوبيا التكنولوجية"[66] الذي يعيش فيه الإنسانُ كالأطفال في تناسُقٍ تامٍّ مع الطبيعة..."[67].

 

ويقول: "... تبدأ عمليَّة العَلمَنة الشاملة (بعد المرحلة الإنسانيَّة الهيومانيَّة الأولى) بإزاحة الإنسان عن المركز، ثم نزْع الجوانب الشخصيَّة عنه بحيث يُصبِح شيئًا ليست له خصوصيَّة أو تفرُّد، ثم "يُحرِّر" العالم من سِحرِه وجماله، فيُصبِح الإنسان والطبيعة مادة محضة، ثم تنزع عنه كل قَداسَة وتهتك كل أسراره، ويعرى من أيَّة مثاليَّات لنصل إلى نوعٍ من أنواع الإباحيَّة الأخلاقيَّة المعرفيَّة؛ إذ يُصبِح الإنسان لحمًا يوظف في مزارع البيض في الجنوب الأمريكي أو مصانع الرأسماليين في لندن أو يرسل إلى معسكرات السخرة والإبادة في ألمانيا، أو يصور في مجلات إباحيَّة في كلِّ أو أيِّ مكان، والمحصلة النهائيَّة لكلِّ هذا هي نزْع الصفة الإنسانيَّة عن الإنسان وتحويله إلى مادَّة محضة قابلة للحوسلة، وهذه هي قمة العلمنة الشاملة والتفكيك الكامل، ونحن نربط كلَّ هذه المصطلحات وغيرها بمصطلح "نهاية التاريخ" باعتبار أنَّ نهاية التاريخ هي النقطة التي يتمُّ التحكُّم فيها في كلِّ شيءٍ وينتهي الإنسان كما نعرفه؛ أي: الإنسان الذي يَشغَل مركز الكون متجاوزًا النظام الطبيعي... ومثْل هذه الرؤية تخلق التربة الخصبة لانتِشار الآراء النفعيَّة الدارونيَّة الماديَّة التي تترَعرَع فيها الاتِّجاهات والأفكار الإباديَّة والتفكيكيَّة وتتحقَّق"[68].

 

وبهذا يتبيَّن أنَّ المسيري كشَف مَدَى خطورة الفكر المادي، ومدى تأثيرِه على البشريَّة، والضرر المترتِّب على ذلك في التفكير والممارَسات السلوكيَّة، والسياسات القائمة، وهذا يُفسِّر لنا ما يُوجَد في الفكر الغربي اليوم من هيمنةٍ وإذلالٍ للشعوب، وما يَرُوج فيه من فسادٍ يُراد به تحويل الإنسان عمومًا والمرأة خصوصًا إلى سلعة، وما نتَج عنها من قَراراتٍ من بعض أفرُع هيئة الأمم المتحدة المتعلِّقة بالأسرة والأمومة والطفولة، وكذا المتعلِّقة بالخصوصيَّات الثقافيَّة للشعوب، وأيضًا الأساليب المستَخدَمة في الغرب ضد الشعوب الأخرى.

 

فكلمة "ماديَّة" قد يظنُّ البعض أنها تحمل معنى حياديًّا، لكنَّها تنطَوِي على معنى آخَر منحاز ومناقض للحياديَّة؛ فتحت معنى الماديَّة سياسات تُنتَهج وإجراءات تُتَّخَذ، وتقوم على الفرض والقسْر بمنْع فئاتٍ من الشُّعوب من مُمارَسة خِياراتها الثقافيَّة والسلوكيَّة والفرديَّة، وإجبارها على تمثُّل الشروط الماديَّة ومُنتَجاتها الفكريَّة والسياسيَّة.

 

وكان من نتاج الفكر المادي المُمارَسات السياسيَّة الماديَّة التي اتخذت حِيَلاً براجماتيَّة انتهازيَّة لا تُحصَى في لعبة المعايير المزدوجة والتأويل والتسويغ لمفاهيم من نِتاج هذه الماديَّة، مثل مفهوم العدو الداخلي والخارجي، والذي يعني كل مخالف أو مختلف، وهنا تصبح الماديَّة دكتاتوريَّة، وتفعل فعلتها في نتاج علمي متعالم ومتعالٍ، كما في أمريكا؛ حيث التحقُّق السياسي هو للطبقة الفُضلَى، وتُحرَم منه سائر الطبقات؛ وفي هذا دَلالةٌ على المضمون المادي لفكرة النُّشوء والارتِقاء عند دارون، وكذلك يظهر النفاق الكبير لما يعرف بالديمقراطيَّة؛ حيث يتمُّ تفعيل ازدِواج المعايير والتطفيف السياسي والاقتصادي، حين تكون الديمقراطيَّة خاصَّة بالداخِل الغربي في حين تتمُّ ممارسة عكسِه في السياسة الخارجيَّة لتُصبِح أكثر ديكتاتوريَّة، ولكن بطريق إخضاع الضحايا وإجبارهم على السَّيْر في الطريق الوَحِيد الذي رسَمُوه، بحيث يتمُّ تطبيق مُمارَسة مبدأ تَواطُؤ الضحيَّة مع جلاَّدها[69].

 

•  •  •  •


الخاتمة:

بعد هذه الدِّراسة أخرُجُ بمجموعةٍ من النتائج التي تُظهِر أهمَّ الجوانب في فكْر الكاتب عبدالوهاب المسيري عمومًا، وفي موقفه من الماديَّة المعاصرة وعلاقتها بوحدة الوجود خصوصًا، وذلك من خلال:

1- قدرة المسيري المتميِّزة على فهْم الفلسفة الغربيَّة، وتلخيصها في مفاهيم مجملة.

2- بُرُوز المنهج التحليلي التفسيري عندَه واستعماله لآليَّاته بشكلٍ شبه مطَّرد.

3- أنَّ المسيري يُعَدُّ من الخُبَراء في هذا الميدان؛ لسعة اطِّلاعه، وتنوُّع تجربته الفكريَّة.

4- أنَّ الماديَّة فكرةٌ شموليَّة ذات إطارٍ كليٍّ شامل، ومَضامِين كمونيَّة مُسَيطِرة على كثيرٍ من الدِّراسات الغربيَّة.

5- أنَّ الماديَّة الغربيَّة جعَلَت المادة في حالة حلول دائم، أو وحدة وجود دائمة، وكلُّ ما في الكون مُكَوَّن من جوهرٍ واحد مكتفٍ بذاته.

6- أنَّ الماديَّة الغربيَّة جعَلَت العالم والإنسان مستغنيًا عن أيَّة قوَّة خارجيَّة؛ ولذلك أصبح من حقِّ الإنسان أنْ يضع لنفسه من النظم والأخلاق ما يتَّسِق مع النظام المادي في تسويةٍ كاملةٍ بين الإنسان والكائنات الطبيعيَّة.

7- أنَّ مصطلح وحدة الوجود والحلول عند المسيري لها معنى واحدٌ، وهذا صحيحٌ من حيث الإطلاق العام.

8- أنَّ هناك أوجه تشابه وافتراق بين وحدة الوجود الماديَّة الغربيَّة المعاصرة ووحدة الوجود التراثيَّة.

9- أنَّ وحدة الوجود الماديَّة الغربيَّة ليستْ مجرَّد فلسفة نظريَّة، بل هي فلسفة مُوَجَّهة وحاكمة لكثيرٍ من المفاهيم والمناهج والممارسات المتعلِّقة بالإنسان والمجتمع والحياة البشريَّة عمومًا.

10- أنَّ وحدة الوجود الماديَّة تَحوِي مخاطر كبيرة، وفيها مضادَّة واضحة للقِيَم والمعتقدات وإنسانيَّة الإنسان ذات الأبعاد الروحيَّة والأخلاقيَّة... وغيرها.

 

•  •  •  •


ثبت المصادر والمراجع:

• الاستقامة؛ شيخ الإسلام ابن تيميَّة؛ تحقيق: محمد رشاد سالم، ط 1/ 1403 هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.

• بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية؛ تحقيق: محمد بن قاسم، ط 1/ 1392 هـ، مطبعة الحكومة، مكة.

• التحفة العراقية؛ ابن تيمية، ط 2/ 1399 هـ، المطبعة السلفية، القاهرة.

• حوارات مع الدكتور عبدالوهاب المسيري؛ تحرير: سوزان حرفي، ط1/ 1430 هـ، 2009م/ دار الفكر، دمشق.

• درء تعارض العقل والنقل؛ ابن تيمية؛ تحقيق: محمد رشاد سالم، دار الكنوز الأدبية، الرياض.

• دفاع عن الإنسان - دراسات نظرية وتطبيقية في النماذج المركبة؛ د/ عبدالوهاب المسيري، ط1/ 1424 هـ، دار الشروق، القاهرة.

• رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية وغير موضوعية؛ د/ عبدالوهاب المسيري، ط1/ 2006، دار الشروق، القاهرة.

• الصواعق المرسلة؛ ابن القيم؛ تحقيق: د/ علي دخيل الله، ط 3/ 1418 هـ، دار العاصمة، الرياض.

• العلمانية تحت المجهر؛ د/ عبدالوهاب المسيري، ط 1/ 2000 مـ، دار الفكر، دمشق.

• الفلسفة الماديَّة وتفكيك الإنسان؛ د/ عبدالوهاب المسيري، ط 1/ 1423 هـ، دار الفكر، دمشق.

• اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود؛ د/ عبدالوهاب المسيري، ط1/ 1422هـ، دار الشروق، القاهرة.

• المفاهيم والألفاظ في الفلسفة الحديثة؛ يوسف صديق، ط2/ 1980 م، الدار العربية للكتاب، تونس.

• المعجم الفلسفي؛ جميل صليبا، ط1/ 1994، الشركة العالمية للكتاب، بيروت.

• المعجم الفلسفي؛ (مجمع اللغة العربية)، ط1/ 1399 هـ، عالم الكتب، بيروت.

• معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية؛ جلال الدين سعيد، دار الجنوب للنشر، تونس.

• موسوعة المورد؛ منير البعلبكي، ط 1999، دار العلم للملايين، بيروت.

• موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية؛ د/ عبدالوهاب المسيري، نسخة إلكترونية.

• موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية الموجزة، ط1/ 2004م/ دار الشروق، القاهرة.

• موقع الدكتور عبدالوهاب المسيري info@elmessiri.com



[1] مذهب فلسفي يَقِيسُ صدْق الفضيلة بنتائجها العمليَّة، فليس هناك معرفة أوليَّة في العقل تستنبط منها نتائج صحيحة، بغَضِّ النظر عن جانبها التطبيقي، بل الأمر كله مرهونٌ بنتائج التجرِبة الفعليَّة العلميَّة التي تحلُّ للإنسان مشكلاته، ولَمَّا كان تقدُّم العلم يغيِّر - عندهم - من صدْق القَضايا، فالصالح في ظروف سابقة يُصبِح غير صالح في الظروف الراهنة، كان "الحقُّ" أمرًا نسبيًّا يُقاس إلى زمن معين ومكان معين ومرحلة من التقدُّم العلمي معيَّنة، وأشهر أعلام البراجماتيَّة تشاركس بيرس، ووليام جيمس وجون ديوي وفرديناند شيلر، ينظر: "الموسوعة الفلسفية"؛ للحفني 93، و"مدخل الفلسفة المعاصرة" 85 - 130.

[2] "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنيَّة"، م1 ج1 صـ10 - 11، وموقع الدكتور عبدالوهاب المسيري info@elmessiri

[3] ينظر هذا المعنى واستدلاله بقوله - تعالى -: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19] في كتابه: "رحلتي الفكرية" 299.

[4] مالكوم إكس (19 مايو 1925 - 21 فبراير 1965)، المتحدِّث الرسمي لمنظمة أمَّة الإسلام، ومُؤسِّس كلٍّ من: مؤسسة المسجد الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية، يُعَدُّ من أشهر المُناضِلين السُّود في الولايات المتَّحدة، وهو من الشخصيَّات الأمريكية المسلمة البارزة في منتصف القرن الماضي، أثارَتْ حياتُه القصيرة جدلاً لم ينتهِ حوْل الدين والعنصريَّة حتى اعتنق أخيرًا الإسلام، بعد أنْ مرَّ بتحوُّلات من قعر الجريمة والانحِدار إلى تطرُّف الأفكار العنصريَّة، ثم إلى الاعتدال والإسلام، وبات من أهم شخصيَّات حركة أمَّة الإسلام قبل أنْ يتركها ويتحوَّل إلى الإسلام السُّنِّي، وعندها اغتِيل بست رصاصات - رحمه الله؛ ينظر: "الموسوعة الإلكترونية الحرة - ويكيبيديا".

[5] "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" 1/48 - 49)، وينظر: "حوارات"؛ تحرير: سوزان حرفي (2/107 - 108)، وأيضًا: مقدمة "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنيَّة"، وفيها ذكرٌ لأهداف الموسوعة، ومن ضمْنها إسقاط المصطلحات المحايِدة، وإحلال أخرى أكثر حيادًا وتفسيريَّة محلَّها.

[6] هذه الترجمة مقتبسةٌ باختصار شديد من كتابه: "رحلتي الفكرية" الواقع في 726 صفحة، وموقع المسيري الإلكتروني: info@elmssiri.com

[7] إنْ كنتُ أستَنكِر نسبة المسيري للعلمانيَّة الجزئية بالمعنى المشهور المتعارَف عليه، إلاَّ أنِّي أستنكر أيضًا هذا الاصطلاح الموهم؛ لأنَّ العلمانيَّة أصبحت مشهورة مرفوضة بين المجتمع المسلم سواء سميت جزئيَّة أو شاملة.

[8] لفظ الحديث كما في "صحيح مسلم" من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرَّ بقومٍ يلقحون، فقال: ((لو لم تفعَلُوا لصلح))، قال: فخرج شيصًا، فمرَّ بهم فقال: ((ما لنخلكم؟))، قالوا: قلت كذا وكذا، قال: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم))؛ "صحيح مسلم" حديث رقم 2363.

[9] "حوارات مع الدكتور عبدالوهاب المسيري"؛ تحرير: سوزان حرفي، (2/ 109)، ويحسُن مراجعة هذا الكتاب، ففيه خلاصَةُ ما انتَهَى إليه من أفكار.

[10] ينظر: "المفاهيم والألفاظ في الفلسفة الحديثة"؛ يوسف صديق 137، و"معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية"؛ جلال الدين سعيد 405، و"المعجم الفلسفي"؛ لمجمع اللغة العربية بمصر 164 - 165، و"المعجم الفلسفي"؛ جميل صليبا 2/ 309 - 310، وغيرها.

[11] ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1 ج1 صـ41 - 44.

[12] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 ص 41.

[13] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 ص 41، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 16 - 17.

[14] ينظر: المرجع السابق 15، و"حوارات" (2/ 24).

[15] وجود الحدود بين الخالق والمخلوق يعني: أنَّ المخلوق له حدودٌ لا يَتَجاوَزُها، ولكنَّها تعني أيضًا أنَّ له حيِّزَه الإنساني المستقل؛ ولذا يظلُّ الإنسان صاحب هويَّة محدَّدة وجوهر مستقل؛ ومن ثَمَّ فهو كائنٌ حرٌّ مسؤول، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنيَّة" م1 ج1 صـ31.

[16] ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1/ جـ1، صـ40، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 15 - 16.

[17] ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 صـ44 - 47، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 29 - 30، و"العلمانية تحت المجهر" 318 - 319.

[18] وهي ما أشار إليها في المادية القديمة الصلبة والمستندة إلى العقل باعتباره أساسًا.

[19] ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1 ج1 صـ44 - 47، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 31 - 33.

[20] من الفعل: ركَّز، يُقال: "ركَّز السهم في الأرض" بمعنى: غرزه، و"ركز الله المعادن في الأرض أو الجبال"، بمعنى: أوجَدَها في باطنها، والمركز هو: المقرُّ الثابت الذي تتشعَّب منه الفروع، ومركز الدائرة: نقطة داخل الدائرة تَتساوى الشعاعات الخارجة منها إلى المحيط، ويستخدم المسيري كلمة "المركز" في "موسوعته" ويعني بها: المطلق المكتفي بذاته الذي لا ينسب لغيره، الواجب الوجود، الذي لا يمكن أنْ تقوم رؤية للعالم بدونه، وفي إطار المرجعيَّة المتجاوزة فإنَّ مركز الكون متجاوز للكون مُنزَّه عنه، أمَّا في إطار المرجعيَّة الماديَّة الكامنة فمركز الكون كامنٌ فيه، والمركز عادةً موضع الكمون والحلول، أو النقطة التي تتحقَّق فيها أعلى درجاته، ومن ثَمَّ فإنَّ العنصر المادي الذي يشغل المركز في المنظمات الكمونيَّة تكون له أسبقيَّة على بقيَّة العناصر، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1 صـ32.

[21] ينظر: المرجع السابق 33.

[22] "العلمانية الجزئية والعلمانية السائلة" (2/ 462 - 463).

[23] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 صـ45.

[24] ينظر: "الصواعق المرسلة"؛ ابن القيِّم 1/ 294.

[25] ينظر: "المعجم الفلسفي"؛ من إصدار مجمع اللغة العربية بمصر 212.

[26] ينظر: "الموسوعة الفلسفية"؛ لأكاديميين سوفييت 580.

[27] "التحفة العراقية"؛ لابن تيميَّة 64، وينظر أيضًا: "درء التعارض" 7/ 125، و"مجموع الفتاوى" 2/ 154 - 231، 18/ 222.

[28] ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 صـ32، وج3 صـ108، و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 39 - 40 وما بعدها، و"العلمانية تحت المجهر" 318 319، و"دفاع عن الإنسان" 273 357، و"اللغة والمجاز" 47 48، 224 - 225.

[29] "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1 ج3 صـ108، و"في عالم عبدالوهاب المسيري، حوار نقدي حضاري"، تقديم: محمد حسنين هيكل، تحرير: د. أحمد عبدالحليم عطية (1/ 306).

[30] ينظر مثلاً: "درء التعارض"؛ لابن تيميَّة 1/ 318، 5/ 17، 6/ 156، و"مجموع الفتاوى"؛ له 10/ 9، و"الاستقامة"؛ له 1/ 425، و"بيان تلبيس الجهمية"؛ لابن القيِّم 2/ 522 - 542.

[31] ينظر: "اللغة والمجاز بين المادية ووحدة الوجود" 225، و"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج2 صـ87، وج3 صـ 114 - 116 - 117.

[32] فيلسوف من أسرةٍ يهوديَّة من يهود البرتغال، مولده ووفاته (1632 - 1677)، كان له تأثيرٌ قوي على مادية القرنين السابع عشر والثامن عشر، من كتبه "الرسالة اللاهوتية السياسية"؛ ترجمها حسن حنفي، وفيه وضَع أسس المنهج التاريخي لدراسة محتوى النص الذي يرى أنَّه يتراوَح بين التاريخية والأسطورية للتحرُّر من سلطة الأسطورة والقضاء على أسبقيَّة المعنى، وحتميَّة الحقيقة في الوحي، وأنَّه يجب البحث في تاريخية النص لا البحث عن المعنى والحقيقة فيه، وقد أثَّر بأقواله تلك على مَن جاء بعده، وهزَّ المكانة المتبقِّية للعهد القديم والجديد، إلى جانب إيمانه بوحدة الوجود، وهي ما سيفصل موقفه منها في موضعه، ينظر: "الموسوعة الفلسفية"؛ عبدالمنعم الحفني 237 - 241، و"الموسوعة الفلسفية"؛ لأكاديميين سوفييت 242 - 243.

[33] إسبينوزا: يهودي الديانة، عاش في بلاد الغرب النصرانيَّة، وهذه هي الخلفيَّة الدينيَّة له، حيث يوجد في الديانتين المحرَّفتين مفاهيم حلوليَّة واضحة، كقول اليهود: عزيرٌ ابن الله، وقول النصارى: المسيح ابن الله.

[34] "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" (1/ 344 - 346).

[35] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج5 صـ229.

[36] كما يَزعُمون في كتبهم.

[37] ينظر: "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" 1/ 197 - 201)، و"الموسوعة الموجزة" (2/ 139 - 140).

[38] (1260 - 1317 هـ، 1844 - 1900م)، فيلسوفٌ ألماني مُلحِد، قال بإدارة القوَّة وجعلها الفضيلة العُظمَى والوحيدة في العالم، وأخَذ بنظريَّة التطوُّر، وزعَم أنَّ كلَّ صنفٍ يخلق صِنْفًا أرقى منه، فالحيوان خلَق الإنسان، وعلى الإنسان أنْ يخلق الصنف الأعلى منه وهو السوبر مان، من أشهر كتبه "هكذا تكلم زرادشت"، صاغَ فلسفته فيها بالألمانية بعد كانت وهيجل، ينظر: "الموسوعة الفلسفيَّة"؛ للحفني، 489 - 491، و"موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيَوْنية" م1 ج3 صـ121 - 124.

[39] فيلسوف فرنسي وُلِد في الجزائر (1348 - 1930م)، درس الفلسفة ثم عهد إليه وناقوس الحزن وغيرها، ينظر: "موسوعة أعلام الفلسفة"؛ زوني إيلي ألفا 1/425.

[40] التفكيك: أداةٌ تحليليَّة تُستَخدَم في اكتِشاف البنية الكامنة لأيِّ نظام فكري أو فلسفي، ولا تحمل أيَّ مضمون أيديولوجي، وعادة ما تَتلاءَم مع عمليَّة التفكيك عمليَّةُ إعادة تركيب، ولكن يمكن أنْ يتمَّ التفكيك في إطار نموذج الطبيعة/ المادة، بحيث يردُّ كل شيء إلى ما هو دونه حتى يصل إلى الأساس المادي، فيتَّضِح أنَّه ليس أساسًا على الإطلاق، بل المادة في حالة حركة وتغيُّر فلا يُمكِن أنْ تكون هناك حقيقة، فالفلسفة التفكيكيَّة (ما بعد الحداثة) تُهاجِم فِكرة الأساس ويُطلَق عليها بالإنجليزية (ante fondeshenalezm)؛ أي: رفض المرجعيَّة، ينظر: "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" (1/162 - 175).

[41] مصطلح نفي سلبي، وهو ترجمة لمصطلح "post-modernism"، أو "post-modernism" وقد تُستَخدَم كلمة post modernity للدلالة على الشيء نفسه، وأحيانًا يُطلَق على مصطلح ما بعد الحداثة تعبير "ما بعد البنيويَّة" post-stucturalism باعتبار أنَّ فلسفات ما بعد الحداثة قد ظهَرَتْ بعد ظهور وسُقُوط الفلسفة البنيويَّة، ويَكاد مصطلح "ما بعد الحداثة" يَترادَف مع مصطلح "التفكيكيَّة"، وللتمييز بينهما يمكن القول بأنَّ "ما بعد الحداثة" هي الرؤية الفلسفيَّة العامَّة، أمَّا "التفكيكيَّة" فهي بالمعنى العام أحد ملامح وأهداف هذه الفلسفة، فهي تقوم بتفكيك الإنسان، كما أنها منهجٌ لقراءة النصوص يستَنِد إلى هذه الفلسفة، ويجب ملاحظة أنَّ اصطِلاح "ما بعد الحداثة" يكتَسِب أبعادًا مختلفة بانتقاله من مجالٍ إلى مجال آخَر، فمعنى "ما بعد الحداثة" في عالم الهندسة المعماريَّة يختلف - من بعض الوجوه - عن معناه في مجال النقد الأدبي أو العلوم الاجتماعيَّة، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج4 صـ174.

[42] "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" (1/ 48 - 49).

[43] من أبرزهم الحلاَّج وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني، وكانوا مُتأثِّرين بالفلسفة الأفلاطونيَّة المُحدَثة، وبالعناصر التي أدخَلَها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل، ومنها المذهب المانوي والمذهب الزرادشتي وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين، وقد فصل المسيري القول عن الحلوليَّة عند الصوفيَّة وغُلاة الشيعة، ثم امتِدادها إلى هذا العصر في كتاب "حوارات" (2/ 71 - 83).

[44] ينظر: "الموسوعة الصوفية"؛ الدكتور عبدالحليم الحفني 998 - 999، و"معجم المصطلحات الصوفية"؛ الدكتور جورج متري عبدالمسيح 181، و"موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي"؛ الدكتور رفيق العجم 1034.

[45] ينظر: "وحدة الوجود عند الصوفية: حقيقتها وآثارها"؛ أحمد القصير 115، رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود.

[46] "موسوعة اليهود اليهودية والصهيونية" م1 صـ87.

[47] ينظر: "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" (2/ 468).

[48] "الموسوعة الموجزة" (2/ 22 - 23)، و"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" الأصل م5 ج1 صـ7 وما بعدها.

[49] "الموسوعة الموجزة" (2/ 22 - 23)، و"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية الأصل"، م5 ج1 صـ7 وما بعدها.

[50] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م5 جـ1 صـ3.

[51] ينظر: "معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية"؛ لجلال الدين سعيد 405، و"الموسوعة الفلسفية"؛ لأكاديميين سوفيت 429 - 431.

[52] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 صـ87.

[53] كـ"لا متري وديدرو وهو لباخ وماركس وإنجلز وهيجل وديكارت وفولتير".

[54] "في الفكر الغربي المعاصر"؛ حسن حنفي 96.

[55] ينظر: "العلمانية الجزئية والشاملة" (1/ 344 - 346)، و"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م2 ج1 صـ22، وم4 ج1 صـ26.

[56] النسبي: ما يُنسَب إلى غيره ويتوقَّف وجوده عليه ولا يتعيَّن إلا مقرونًا به، وهو عكس المطلق، وهو مقيَّد وناقص ومحدود ومرتبط بالزمان والمكان، يتلوَّن بهما ويتغيَّر بتغيُّرهما؛ ولذا فالنسبي ليس بعالمي، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 صـ33.

[57] كلمة منسوبة إلى اسم تشارلز داروين (1731 - 1820)، وهي فلسفة علمانية من المنظومة المعرفية والأخلاقية، وتردُّ العالم بأسره إلى مبدأ مادي واحد كامن في المادة، وتدور في نِطاق الصورة المجازيَّة العضويَّة والآليَّة للكون، والآليَّة الكبرى للحركة في الداروينيَّة هي الصِّراع والتقدُّم اللانهائي، وهو صفةٌ من صِفات الوجود الإنساني، وقد حقَّقت الداروينيَّة الاجتماعيَّة ذيوعًا في أواخر القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي تعثر فيها الحديث في شرق أوربا، وبدأ فيها بعضُ يهود اليديشيَّة في تبنِّي الحل الصهيوني للمسألة اليهوديَّة، كما بدأ التشكيل الإمبريالي الغربي يتَّسِع ليقتسم العالم بأسره، ويمكن القول بأنَّ الداروينيَّة هي النموذج المعرفي الكامِن وراء مُعظَم الفلسفات العلمانيَّة الشاملة، إنْ لم يكن كلها، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1/ 155، و"الموسوعة الفلسفية"؛ لأكاديمين سوفييت 365 - 366، و"الموسوعة الفلسفية"؛ للحفني 350 - 351.

[58] ينظر: "الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 39 - 40 - 97 - 101 - 102 - 103 - 104، و"اللغة والمجاز بين المادية ووحدة الوجود" 224 - 225 بتصرف.

[59] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج5 صـ229، وم6 ج1 صـ52، وم7 ج1 صـ13 و35 وغيرها.

[60] لا يسلم له بأنَّ الإنسان مخلوق قبل الطبيعة؛ فالسموات والأرض خلقتا قبل الإنسان كما تدلُّ النصوص بالصريحة: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]

[61] "رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمار"؛ عبدالوهاب المسيري 177 - 178، و"موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج1 صـ36.

[62] كلمة مختصرة لعبارة تحويل الشيء إلى وسيلة؛ إذ يذهب المسيري إلى أنَّ الإنسان الحديث تَمَّ تدجينُه وتحويلُه إلى "سبمان" مُتكيِّف مع المجرَّدات المطلَقة اللاإنسانيَّة (مصلحة الدولة - قانون الحركة... إلخ) من خِلال شعارات مثل "العودة للطبيعة"، فمثل هذا الشعار هو في واقع الأمر دعوةٌ للإنسان لأنْ يعود لحركة المادَّة ويقبَلها ويُذعِن لها، تجاوزًا بذلك وجوده المتعين وحسه الخلقي، وخصوصيَّته وفرديَّته وفطرته الإنسانية؛ أي: إنَّ عمليَّة تَنمِيط الإنسان وبرمجته وتنشئته تتمُّ خلال تدريب وجدانه على قبول الطبيعة/ المادة، هذا الكيان غير الإنساني المُتجاوِز للإنسان باعتِبارها المرجعيَّة النهائيَّة، ينظر: "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1/ 163، و"العلمانية الجزئية والشاملة" (1/ 131 - 132).

[63] ينظر: "الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" 39 - 40 - 57 - 101 إلى 104 بتصرف، والفكرة مبثوثة في كثيرٍ من صفحات كتبه.

[64] "موسوعة اليهود واليهودية والصِّهيونيَّة" م1 ج4 صـ198.

[65] لفظٌ معرَّب من (أو طوبيا)، أو (يو طوبيا)، وهو مُؤلَّف من لفظين يونانيين طوبوس: ومعناه المكان، واو: معناه ليس، فمعنى اليوطوبيا إذًا ما ليس في مكان وهو الخيالي أو المثالي أو المدينة الفاضلة، والدنيا المثالية خاصة من حيث قوانينها وحكومتها وأحوالها الاجتماعية، والطوبى مكان خيالي قصي جدًّا، ويطلق اللفظ أيضًا على المُثُل العُليَا السياسية والاجتماعية التي يتعذَّر تحقيقُها؛ لعدم بنائها على الواقع، أو لبعدها عن طبيعة الإنسان وشروط حياته؛ كفكرة السلام، وفكرة التقدم المستمر، وفكرة المساواة وغيرها، ينظر: "موسوعة المورد"؛ منير البعلبكي صـ1020، و"المعجم الفلسفي"؛ د/ جميل صليبا (2/ 24).

[66] هي الطوباوية، وقد سبَق تعريفها في الهامش السابق.

[67] "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية" م1 ج4 صـ200.

[68] المرجع السابق، م2 ج4 صـ303.

[69] كلية الدعوة أصول الدين - الدراسات العليا - قسم العقيدة - جامعة أم القرى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في موسوعة "اليهود واليهودية" (1)
  • قراءة في موسوعة "اليهود واليهودية" (2)
  • الدكتور المسيري: مع اليهود أم ضد اليهود؟
  • عبد الوهاب المسيري والقضية الفلسطينية

مختارات من الشبكة

  • انعكاس العلاقة مع الله على العلاقة مع الناس(استشارة - الاستشارات)
  • مسائل عقدية في الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • العلاقة متوترة بيني وبين أمي(استشارة - الاستشارات)
  • توتر العلاقة بيني وبين صديقاتي(استشارة - الاستشارات)
  • العلاقة بين الشريعة والتربية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • ندوة في مدينة صوفيا تناقش العلاقة بين الدين والشخصية والمجتمع(مقالة - المسلمون في العالم)
  • العلاقة العلمية بين البحرين وعلماء السعودية(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • معرفة العلاقة بين مصطلحات الظواهر النحوية ومفاهيمها مفتاح تحصيلها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • العلاقة بين البدائل وشكلية العقود(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 


تعليقات الزوار
1- شکرا لهذه المقاله
م ـ نصیری 26-04-2013 09:41 PM

هذه مقالة علمية جدا واستفدت منها کثيرا
وحدة الوجود عقيدة مادية ومع الأسف الشديد انتشرت بين بعض السنة والشيعة
من إيران مدينه قم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب