• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    المجموع في شعر علماء هجر من القرن الثاني عشر إلى ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المصحف المرتل بروايات أخر غير رواية حفص عن عاصم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    موقف أبي موسى الأشعري مع جندي من جنوده
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    النقد العلمي
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    المصحف المرتل وفق رواية حفص عن عاصم الكوفي بصوت ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات تاريخية
علامة باركود

خالد بن يزيد بين العلم والسياسة

د. عبدالباري محمد الطاهر

المصدر: الدرعية: السنة الخامسة،العدد العشرون،ذو الحجة 1423هـ/ مارس 2003م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/12/2010 ميلادي - 7/1/1432 هجري

الزيارات: 71765

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المقدمة

الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، والصلاة والسلام على مُعلِّم الناس الخير محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

وبعد:

فقد اشتهر في أوساط المثقفين والباحثين أن خالد بن يزيد من العلماء التجريبيين، وأنه ترك الخلافة وساحة السياسة، وتفرَّغ لطلب العلم وتحصيله، ولا تكاد تخلو دراسةٌ عن العصر الأموي، أو عن علوم الطب والكيمياء والتنجيم من ذكرٍ لخالد بن يزيد ومآثره في مجال العلم التجريبي، ولم نسمع عن مآثره في مجال الأدب، أو رواياته في الحديث النبوي.

 

أما السياسة وما يتعلَّق بها من مواقفَ عمليَّة أو قوليَّة، فتكاد تنعدم الإشارة إلى شخصية خالد؛ بل لا تكاد تذكر في خلافة عبدالملك بن مروان، على الرغم من بصمات خالد السياسيَّة ذات الأثر البالغ في العلاقات الخارجيَّة والداخليَّة للدولة الأموية في ذلك العصر، الذي يُعد من أبهى عصور بني أُميَّة.

 

ولم يجد الباحث من بين الدراسات - قديمها وحديثها - مَن تصدَّى لهذا الموضوع بطريقةٍ تجمع شتاتَه، وترسم صورةً متكاملة عن هذه الشخصيَّة الأُمويَّة التي عرفت بلقب (حكيم بني أمية)، فكان ذلك من دوافع هذه الدِّراسة، التي يتوخَّى أن تُلقي الضوءَ على شخصية أُمويَّة: هي شخصية خالد بن يزيد بن معاوية؛ للتأكيد من خلال هذه الدراسة على أنَّ الفكر السياسي الإسلامي كان واضحًا في أذهان الرعيل الأول ومَن تبعهم، وأنَّ العطاء في مجال العِلم لا يتنافى مع دخول غمار السياسة - لمن قدر على الجمع بينهما - وأنَّ العلماء ليسوا بمعزلٍ عن الحياة السياسيَّة، وإن رفضوا المشاركة الفعليَّة فيها، أو حالتِ الظروف دون دخولها.

 

وتتحدد هذه الدراسة في المباحث التالية:

المبحث الأول: خالد بن يزيد ونشأته الأولى: (اسمه ونسبه - لقبه وكنيته - مولده - نشأته: (النشأة في البادية - الإقامة في دمشق - السفر إلى مصر - خالد في بيت المقدس) - سمات خالد الشخصيَّة - زوجاته - أبناؤه - مواليه - مسكنه).

 

المبحث الثاني: خالد بن يزيد والعلم: (اهتمامه بالعلم - شيوخه - تلاميذه - صلته برواية الحديث النبوي - مناظراته العلميَّة - صلته بالعلوم التجريبيَّة - أقواله - شعره).

 

المبحث الثالث: خالد بن يزيد ومنصب الخلافة: (خلافة معاوية بن يزيد وولاية العهد - التنازع على منصب الخلافة - ولاية العهد لخالد - إمارته على حمص - زواج مرْوان من أمِّ خالد - مروان بن الحكم ينزع خالدًا من ولاية العهد - خالد يتسبَّب في مقتل مرْوان بن الحكم).

 

المبحث الرابع: مواقف خالد بن يزيد السياسيَّة: (تخوُّف عبدالملك من خالد - مواجهة بين خالد وعبدالملك - خالد يشجع عمرو بن سعيد على الخروج على عبدالملك - شفاعة لخالد عند عبدالملك - نتيجة قطع العطايا عن آل أبي سفيان - خالد قبل مقتل ابن الزبير - حلمه ومكانته من عبدالملك - أفكار سياسيَّة لخالد في مواجهة العَلويِّين - رأي في معالجة التطرُّف - رأي خالد في مواجهة الروم وتعريب الدينار).

 

وفاة خالد بن يزيد.

 

هل بقي أثر للخلافة في بيت خالد بعد وفاته؟


الخاتمة: (التوصيات والمقترحات).


المبحث الأول - خالد بن يزيد ونشأته الأولى:

اسمه ونسبه:

هو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان[1] صخر بن حرْب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف[2]، ويلتقي نسبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في (عبد مناف).

 

وأبوه يزيد بن معاوية، تولَّى الخلافة بعد أبيه، واختلف المؤرخون فيه بين قادحٍ ومادح ومقتصد[3].

 

وجده: معاوية بن أبي سفيان، صحابي جليل، أعلن إسلامه يوم الفتح، وكان من كُتَّاب الوحي[4].

 

وأمه: أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس[5]، وكانت تكنى به، فقد أنشدها أبوه يزيد بن معاوية شعرًا، قال فيه:

وَمَا نَحْنُ يَوْمَ اسْتَعْبَرَتْ أُمُّ خَالِدٍ
بِمَرْضَى ذَوِي دَاءٍ وَلاَ بِصِحَاحِ[6]


 

لقبه وكنيته:

لُقِّب خالد بن يزيد بالأموي[7]، القرشي[8]، حكيم آل مروان[9]، الأمير[10]، وكُني بأبي هاشم[11] وأبي يزيد[12]، والكنية الأولى أشهر.

 

أما لقب (حكيم آل مروان)، فقد ورد عند ابن النديم، وتبعه كثير من المؤرخين، وربما كان الأنسب أن يُقال (حكيم بني أميَّة)، أو (حكيم بني سفيان)؛ لاتصاله المباشر بأحد هذين الفرعين، وربما هذا ما جعل الدكتور (علي عبدالله الدفاع) يكتب مقالاً بعنوان: "حكيم بني مروان"، غير أنَّه من الممكن أن يُقال: إن هذا اللقب (حكيم بني مروان) ربما كان مقصودًا لذاته؛ باعتبار أن الفرع المرواني قد استفاد من خالد أكثر من الفرع السُّفياني، وربما أطلق المروانيُّون أنفسهم هذا اللقب؛ ليجعلوا لخالد مكانةً تمنعه من التطلُّع لمنصب الخِلافة.

 

 

مولده:

لم تحدد المصادر مولد خالد بن يزيد، غير أنه يُمكن القول: إنَّ خالدًا ولد بعد سنة 44هـ، والدليل على ذلك ما يلي:

أولاً: كانت وفاة معاوية بن يزيد، الابن الأكبر ليزيد بن معاوية الذي تولَّى منصب الخلافة بعهْد من أبيه سنة 64هـ، ومات عن بضع وعشرين سنة، مما يؤكِّد أنَّ خالدًا كان وقتها في العشرين أو تجاوزها بقليل.

 

ثانيًا: صرَّح ابن عساكر بأن: "معاوية بن يزيد ولد سنة ثلاث وأربعين"[13]، وهذا يَعني أن خالدًا ولد بعد سنة 43هـ.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك: أن يزيد بن معاوية كان قد تزوَّج بأمِّ حبيب بنت أبي هاشم بن عُتبة، فولدت له معاوية وعبدالله، ثم خلف على أختها أمِّ خالد بنت أبي هاشم، فولدت له خالد بن يزيد بن معاوية[14]، تبيَّن أنَّ خالدًا ولد سنة 44 هـ أو 45هـ تقريبًا[15].

 

نشأته:

نشأ خالد بن يزيد في بيت الخِلافة، وعاصر في صباه جَدَّه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وما من شكٍّ في أنَّ حياة خالد الأولى كانت حياةَ ترفٍ وعِزٍّ، مع اهتمام بحفظ القرآن الكريم، وتعلُّم القراءة والكتابة، والعلوم الأخرى، والتأديب الذي يتناسب مع أبناء بيت الخلافة.

 

وإذا لم تكن المصادر قد نقلت حياةَ أبناء الخلفاء الأمويين بشيءٍ من التفصيل؛ اكتفاءً بحياة الخلفاء أنفسهم؛ لأنَّ هذه المصادر كُتبت في مراحل متأخرة، إلا أنه يمكن رسم صورة عامة أقرب إلى الواقع من خلال التعرُّف إلى مجالس الخلفاء، وما كان يدور فيها.

 

ومن أمثلة ذلك ما رواه الطبري في أحداث سنة 61هـ، حيث: "دعا يزيد بن معاوية أشراف الشام فأجلسهم، ودعا علي بن الحسين - رضي الله عنهما - وصبيان الحسين ونساءَه، فأدخلوا عليه، والناس ينظرون، فقال يزيد لعلي: يا علي، أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقِّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت!

 

فقال علي: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22]، فقال يزيد لابنه خالد: ارْدُدْ عليه!

 

قال - يعني أبا عمارة العبسي راوي الرواية عن أبي مِخنف[16] -: فما درى خالد ما يَرد عليه، فقال له يزيد: قل: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، ثم سكت عنه"[17].

 

والذي يهمنا من هذه الرواية أنَّ خالدًا في سنة 61هـ - أي: وعمره نحو الخامسة عشرة - كان في مجلس الخلافة مع أبيه، وأنَّ أباه سأله أن يردَّ بالقرآن على علي بن الحسين، وهذا يشير إلى أنَّ الخليفة يعرف أنَّ ولده خالدًا لديه قدرة ذهنية تجعله يفتش عن آية قرآنيَّة تناسب الموقِف، فلمَّا سكت، بادره يزيد بالآية، فالقرآن إذًا هو محور اللقاء، ويدلُّ هذا على أنَّ خالدًا كان قد حَفِظ القرآن قبل هذه السِّنِّ.

 

ونقل الطبري في أحداث سنة 61هـ - أيضًا - روايةً أُخرى، فقال: "جلس علي بن الحسين عند يزيد بن معاوية ثلاثة أيَّام؛ حتى يتمَّ تجهيزه هو ومَن معه مِن آل البيت للرحيل إلى المدينة، وكان يزيد لا يتغدَّى ولا يتعشَّى إلا دعا علي بن الحسين إليه، فدعاه ذات يوم، ودعا عمرو بن الحسن بن علي - وهو غلام صغير - فقال لعمرو بن الحسن: أتقاتل هذا الفتى؟! - يعني خالدًا - قال: لا، ولكن أعطني سكينًا، وأعطه سكينًا، ثم أقاتله..."[18].

 

ويعنينا في هذه الرواية - أيضًا - أن خالد بن يزيد كان فتًى، وأن أباه كان يقرِّبه إليه، ويُستنتج من الرواية أن خالدًا كان رزينًا، حيث لم يثره كلام عمرو بن الحسن، فيواجهه، ويتضح مما سبق - أيضًا - أن يزيد بن معاوية كان يتعهَّد خالدًا، وربما كان معجبًا بفروسيته؛ مما دفعه إلى اختياره ليكون مبارزًا لعمرو بن الحسن.

 

"ويبدو أن خالدًا قد اهتدى بهدي جدِّه معاوية بن أبي سفيان، الذي فتح بابه على مصراعيه للعلماء؛ ليتدارسوا المشكلات العلميَّة "[19]، "وكان الخلفاء يعدون أنفسهم حُماةً للعلم، ويرون أن قصورهم يجب أن تكون مركزًا تشع منه الثقافة والعرفان، بدأت بعصر معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي الأول"[20].

 

التنشئة في البادية:

أين نشأ خالدُ بن يزيد؟ أكان مع جَدِّه معاوية - أمير المؤمنين - في دمشق آنذاك؟ أم مع أبيه في البادية، حيث كان يقطن يزيد في حُوارين؟[21]

 

من المرجَّح أنَّ خالد بن يزيد عاش في كَنَف والده الذي انتقل إلى حُوارين في حياة والده معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - حيث بنى يزيدُ في هذه البلدة قَصْرًا، وعمَّرها بعد أن كانت خرابًا، وبقي فيها حتى وفاة والده معاوية[22].ويبدو أنَّ خالدًا قد تفتقتْ قريحته الشعريَّة منذ صِباه، فإذا كنا قد سلَّمنا بارتياده مجلس أبيه، فمن المؤكَّد أنه سمع من كِبار الشعراء والأدباء الذين صاحبوا أباه من قبل أن يتولَّى الخلافة، مثل: الشاعر الكبير (الأخطل)، والمتوكِّل الليثي، وجرير، والراعي النميري، وعبد الله بن همام السلولي، وعبد الرحمن بن حسان، وابن مفرغ الحميري[23].كما ازدانت مجالس يزيد في أيام خلافته بالعلماء، مثل علاقة بن كرشم الكلابي، الذي اشتهر بعلمه بأيَّام العرب وأحاديثها، وبرُواة الحديث مثل: العباس بن سهل، وعبد الله بن جعفر، وعلماء اللغة مثل: عطاء بن أبي صيفي الثقفي، وأبي زبيد الطائي، وجميل بن معمر، وغيرهم[24].

 

وفي هذا الجو العلمي والأدبي الذي كانت تزدان به مجالس الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، نشأ خالد ابنه، وكان الاهتمامُ به واضحًا، فماذا عساه أن يكون في مستقبل الأيام؟!

 

هذا ما تجيب عنه الصفحات التالية.

 

السفر إلى دمشق والإقامة فيها:

يبدو أن خالدًا لم يرحلْ إلى دمشق إلا بعد وفاة أخيه معاوية، وبداية الصِّراع على منصب الخلافة، ويمكن القول: إنَّ زواج مروان بن الحكم من أمِّ خالد قد دفع به إلى البقاء بجوارها في دمشق، خاصة أنَّ مروان بن الحكم كان قد لوَّح بولاية العهد لخالد - كما سيأتي - ومن هنا كانتْ إقامته في دمشق، وزاد من تأكيد إقامته فيها حِرص عبد الملك بن مروان - الذي تولَّى القيادة بعد أبيه مروان - على أن يبقى خالد بن يزيد تحت ناظريه؛ لئلاَّ يطمع في الخروج عليه، وسنرى بعد قليل أنَّ لخالد عِدَّةَ مساكن في دمشق وحدها.

 

السفر إلى مصر:

أما سفر خالد إلى مصر، فكان مع مروان بن الحكم[25]، ومن المرجَّح أنه كان سنة 65هـ.

 

ولعل سبب اصطحاب مروان لخالد هو تخوُّف مروان من أن ينتقض خالد عليه، وربما لكونه جعله وليًّا لعهده، ويبدو أن هذا السفر إلى مصر كان فاتحة باب العلم على خالد؛ حيث كانت مدرسة الإسكندرية تعجُّ بالعلماء والأطبَّاء، وبها من الكتب اليونانيَّة وغيرها؛ ممَّا دفع خالدًا إلى ترجمتها، واستقدام بعض العلماء والمترجمين من الإسكندرية إلى دمشق فيما بعد.

 

خالد في بيت المقدس:

سافر خالد بن يزيد إلى بيت المقدس في صحبة عبد الملك بن مروان، الذي كان دائمًا يضع خالدًا تحت ناظريه، وكان خالد يدرك ذلك، فيتقمَّش بزيٍّ من الحرير؛ إظهارًا للفخامة أمام عبد الملك، فقد "رأى ابن محيريز على خالد بن يزيد بن معاوية جُبَّة خز وهو في بيت المقدس، فقال له: أتلبس الخز؟! فقال: إنما ألبسها لهؤلاء، وأشار إلى عبد الملك، فغضب ابن محيريز وقال له: ما ينبغي أن يعدل خوفك من الله، خوفك من أحد من الناس"[26].

 

وثَمَّة رواية أخرى تشير إلى وجود خالد في بيت المقدس، وتُبيِّن مدى فراسته، وصِدق حدسه، يرويها أبو نعيم في "الحلية": "عن أبي الأعين، قال: كنت في صَحن بيت المقدس مع خالد بن يزيد بن معاوية، إذ أقبل فتًى شاب، فسلَّم على خالد، فأقبل عليه خالد، فقال الفتى لخالد: هل علينا من عين؟ قال: فبدرت، فقلت: نعم، عليكما من الله عين سميعة بصيرة! فترورقت عينا الفتى، ونزع يده من خالد، ثم ولَّى، فقلت لخالد: من هذا؟! قال: أما تعرف هذا؟! هذا عمر بن عبد العزيز، أخو أمير المؤمنين - يعني عبد العزيز بن مروان - ولئن طال بك وبه حياة، لتراه إمامَ هدى"[27].

 

 

سمات خالد الشخصية:

كان خالد بن يزيد يوصف بالعلم[28]، وكان فصيحًا بليغًا [29]، يقول الشعرَ[30]، وكان من نُبَلاء الرجال[31]، ذا فضل[32]، وكان يُعرف بحكيم آل مروان[33]، وكان صوَّامًا[34]، فقد كان يصوم ثلاثة أيامٍ في الأسبوع، هي: الجمعة، والسبت، والأحد[35]، وقيل: كان هو وأخوه معاوية وأخوه عبد الرحمن ثلاثتهم من صالحي القوم[36]، وكان ذا سؤدد[37]، وعزة نفس وأنفة، فضلاً عن حُسن هندام، وكثرة التعطُّر بالبخور. وعن محمد بن سلام قال: "قال بعض العلماء: ثلاثة أبيات من قريش توالت خمسة خمسة في الشرف، كل رجل منهم من أشرف أهل زمانه: خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أميَّة بن خالد"[38].

 

وكان خالد متواضعًا، فقد قال عن نفسه: "كنت مَعنيًّا بالكتب، وما أنا من العلماء، ولا من الجُهَّال"[39]، كما كان ذا فراسة وفطنة، ومعرفة بالرجال[40]، وقد سبق الحديث عن فراسته في عمر بن عبدالعزيز، أثناءَ الكلام عن سفر خالد إلى بيت المقدس. وفيما يلي بعض الروايات والأحداث التي تشير إلى جانب من هذه الصفات:

حلمه:

 "وقف علي بن عبد الله بن العباس بباب عبد الملك بن مروان ينتظر الإذن، فجاء خالد بن يزيد بن معاوية، فوقف إلى جانبه، فجرَى بينهما كلام في بني هاشم وبني أميَّة، فقال خالد لعلي: ألا تعجب؟! فقال علي: أعلم؛ فلا أعجب! ولو كنت لا أعلم، لعجبت! فأغلظ له خالد في الجواب، فقال له علي: أما والله، ما النهار على الليل بنائم، ولا السيف عن الظالم بصائم، وليعضنَّ كريم على ناجذه، حتى يقيمه الذي أقعده، وخرج الإذن إلى خالد، فلمَّا أراد الدخول، قال له علي: السر ما بيني وبينك يا أبا هاشم! فلما دخل على عبد الملك، قال له: ما لي أراك مغضبًا يا أبا هاشم؟! قال: أو محجوجًا يا أمير المؤمنين! قال: ومن هذا الذي يغلبنك بالحُجة؛ فو الله ما لسانك إلا شفرة تطبق على مفاصل الكلم، قال: وقفت بباب أمير المؤمنين، مع علي بن عبد الله آنفًا، فمتَّ برحم أعرفها، وذكر دينًا لا أنكره، وما مثله ضاع ببابك يا أمير المؤمنين! قال: فإنا قد أمرنا له بمائة ألف درهم صلة، فخرج خالد إلى علي بن عبد الله وقال: يا أبا محمد، قد تخطينا ما تكره إلى ما تحب، وقد أمر لك أمير المؤمنين بمائة ألف درهم صلة! فقال له علي: وصلتك رحم، إذا ذهب آل حرب ذهب الحلم"[41].

 

 

سخاؤه:

أنشد محمد بن فضالة النحْوي لرجل في خالد بن يزيد، وذكر أنه أتاه، فقال: إني قد قلت فيك بيتين، ولست أنشدهما إلا بحكمي، قال: قل، فقال:

 

سَأَلْتُ النَّدَى وَالجُودَ: حُرَّانِ أَنْتُمَا؟
فَقَالاَ جَمِيعًا: إِنَّنَا لَعَبِيدْ
فَقُلْتُ: وَمَنْ مَوْلاَكُمَا؟ فَتَطَاوَلاَ
عَلَيَّ وَقَالاَ: خَالِدُ بْنُ يَزِيدْ

فقال له: سَلْ، قال: مائة ألف درهم، فأمر له بها[42].

 

حكمته وعزلته:

لزم خالد بن يزيد بيته، فقيل له: كيف تركتَ مجالسة الناس، وقد عرفت فضلها، ولزمت بيتك؟ فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت بنكبة؟[43]

 

كثرة تعطرُّه بالبخور:

دخل خالد على عبد الملك بن مروان، فقال: يا خالد، كأنك قد عضضتَ على صوفه، فقال خالد: إن النساء يلثمن فاي، ولا يشممن قفاي، يعرض له بالبخر، وكان عبد الملك يُكنى أبا الذبان؛ من شدة بخره[44].

 

أَنَفَته وحُسن هندامه:

دخل خالد على عبد الملك بن مروان، فتلقاه عبد الرحمن بن الضحَّاك بن قيس الفهري؛ إعظامًا له، وكان خالد يسحب ثيابه، فقال له عبد الرحمن: بأبي وأمي أنت، لِمَ تطعمِ الأرض فضول ثيابك؟ فقال: أكره أن أكون كما قال الشاعر - وعرض به -:

قَصِيرُ القَمِيصِ فَاحِشٌ عِنْدَ بَيْتِهِ
وَشَرُّ قُرَيْشٍ فِي قُرَيْشٍ مُرَكَّبَا

والشعر لعدي بن الغدير الغنوي في الضحَّاك بن قيس الفهري[45].

 

زوجاته:

تزوَّج خالد بعِدَّة نساء، يجمعنَ بين آل الزبير، وآل جعفر بن أبي طالب، والمروانيِّين، والكلبيِّين، وغيرهم، وهذا يدفعنا إلى القول بأن بعض هذه الزِّيجات كان سياسيًّا[46]، وربما كان بعضها الآخر إعجابًا، ولم تحدد المصادر مَن تزوَّجها خالد أولاً، غير أنه يمكن ترتيبهن على النحو التالي:

 

الأولى: عاتكة بنت عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان: ذكر ابن عساكر: أنه "كانت عاتكة بنت عبد الله بن معاوية تحت خالد بن يزيد بن معاوية، فرآها لبست لبسة رجلٍ، فطلَّقها"[47].

 

 

الثانية: زينب بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم الهاشميَّة:

تزوَّجها خالد بن يزيد، وقَدِم بها دمشق[48]، وقال فيها شعرًا:

وَجَاءَتْ بِهَا دُهْمُ الْبِغَالِ وَشُهْبُهَا
مُقَنَّعَةً فِي جَوْفِ قَرٍّ مُخَدَّرِ
مُقَابِلَةً بَيْنَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
وَبَيْنَ عَلِيٍّ وَالحَوَارِيِّ جَعْفَرِ
مَنَافِيَّةً جَادَتْ بِخَالِصِ وُدِّهَا
لِعَبْدٍ مَنَافِيٍّ أَغَرَّ مُشَهَّرِ

وهناك مَن ينكر أن يكون تزوجها، وينكر الشعر[49].

 

الثالثة: عائشة بنت عبد الملك بن مروان:

تزوَّج خالد من عائشة بنت عبد الملك، ولعلَّ الذي زوَّجه هو عبد الملك بن مروان نفسه؛ ليأمنَ جانبه، ويكون متابعًا له؛ حتى لا يفكر في الخروج عليه[50].

 

الرابعة: شاعرة من كلب:

تزوَّجها خالد وحَمَلَها إلى دمشق، وكان خالد قد خرج حاجًّا، فلما رجع انتهى إلى ماء لكلب، فإذا هو بشيخ قد أورد إبلاً له ومعه ابنة له كأنها ظبية عيطاء، تُعِينه على سقي الإبل، من أتم النساء ما بين قرن إلى قدم، وهي في بردتين لها، قد اتَّزرت بواحدة، وتدرَّعت الأخرى، فرأى شيئًا لم يرَ مثله، فقال لمولى له: انطلق إلى هذا الأعرابي، فاخطب عليَّ ابنته، وأعطِهِ ما سأل، فزوَّجها إياه على مائة من الإبل، وأهديت إليه في البردتين - كما رآها - فلم يزدَدْ إلا سرورًا، فكانت تسامره، وتنشده أشعارَ قومها، وتفتخر، فلمَّا أغاظته قال: أنسيت البُردتين؟! فأعرضتْ عنه طويلاً، ثم أنشأت تقول:

أخَالِدُ مَهْلاً لاَ يُعَيَّرُ بِالفَقْرِ
فَكَمْ مِنْ فَتًى نَذْلِ الخَلِيقَةِ ذِي وَفْر

ِوَآخَرُ مَحْمُودُ الْخَلِيقَةِ مُعْوِزٌ
مِنَ المَالِ لاَ يُزْرِي بِهِ لاَزِمُ الفَقْرِ
وَمِنْ ذَاتِ بَعْلٍ فِي حُلِيِّ مَظَاهِرٍ
وَتَرْفُلُ فِي بَزِّ العِرَاقِ وَفِي العِطْرِ
مُذَمَّمَةُ الأَخْلاَقِ وَالغَدْرُ هِمَّةٌ
وَإِنْ مُزِجَتْ مِنْهَا البَشَاشَةُ بِالبِشْرِ
حَصَانٌ لَهَا خَلْقٌ وَدَلٌّ مُبَتَّلٌ
هَضِيمُ الْحَشَا حَوْرَاءُ آلِفَةُ الخِدْرِ

 

فلمَّا قدم الشام تلقَّاه عبد الملك بن مروان، فسأله عن سفره، فأخبره وحدَّثه بحديث الأعرابيَّة وبردتيها، فانصرف عبد الملك إلى نسائه فحدَّثهن بذلك، فقلن: يا أمير المؤمنين، أن لو بعثت إلى بردتيها حتى ننظر إليهما، فسرح رسولاً، فلما أتى خالدًا الرسول أخبرها، فقالت: ما كنت لأفعل حتى أوجِّه إليه بأبيات، فإن استحسن أن ينظر إليهما فهو أعلم، فسرحت إليه:

يَا ابْنَ الذَّوَائِبِ مِنْ أُمَيَّةَ وَالَّذِي
أَفْضَتْ إِلَيْهِ خِلاَفَةُ الجَبَّارِ
فِيمَ اسْتَفَزَّكَ خَالِدٌ بِحَدِيثِهِ
حَتَّى هَمَمْتَ بِأَنْ تَرَى أَطْمَارِي
مَهْلاً أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَمَا الَّذِي
أَحْبَبْتَ مِنْ ذَاكُمْ عَلَيَّ بِعَارِ
فَلَئِنْ رَأَيْتَ سَحِيقَ شَمْلِيَ بَالِيًا
إِنَّي لَمِنْ قَوْمٍ ذَوِي أَخْطَارِ
صُبُرٌ عَلَى رِيَبِ الزَّمَانِ أَعِزَّةٌ
لاَ يَخْفِرُونَ بِذِمَّةٍ وَجِوَارِ
غُلُبٌ إِذَا حَمِيَ الْوَطِيسُ وَجَدْتَهُمْ
صُبُرًا لَدَى الهَيْجَا بَنِي أَحْرَارِ
فَاتْرُكْ مَقَالَةَ خَالِدٍ وَحَدِيثَهُ
وَاحْفَظْ مَقَالَةَ مَعْشَرٍ أَخْيَارِ

 

فوجَّه إليها عبد الملك ألف دينار، وقال: إنَّما أردْنا استخراج هذا الشِّعر منك[51].الخامسة: رملة بنت الزبير:

تزوَّجت رمْلة بنت الزبير عثمانَ بنَ عبد الله بن حكيم بن حزام، فولدتْ له عبد الله وسعيدًا ابني عثمان، ثم خلف عليها خالد بن يزيد، فولدتْ له غلامين انقرضَا صغيرين لا عقب لهما[52].

 

وقصة زواج يزيد منها هي أنه "حجَّ عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيمَ القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت، إذ بَصر برملة بنت الزبير بن العوام، فعشقها عشقًا شديدًا، ووقعت بقلبه وقوعًا متمكنًا، فلما أراد عبد الملك القفول، همَّ خالد بالتخلُّف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فبعث إليه، فسأله عن أمره! فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير، رأيتها تطوف بالبيت، قد أذهلت عقلي! والله ما أبديت إليك ما بي حتى عِيل صبري، ولقد عرضتُ على عيني النوم، فلم تقبلْه، والسلوَ على قلبي فامتنع منه، فأطال عبد الملك التعجُّب من ذلك! وقال: ما كنت أقول: إن الهوى يستأسر مثلك! فقال: وإني لأشدُّ تعجُّبًا من تعجبك مني! ولقد كنتُ أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صِنفين من الناس: من الشعراء، والأعراب، فأما الشعراء، فإنهم ألزموا قلوبهم التفكُّر في النساء والغزل، فمال طبعُهم إلى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفْع الهوى، فأسلموا إليه منقادين، وأما الأعراب، فإنَّ أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنه، فضعفوا عن دفْع الهوى، فتمكَّن منهم، وجملة أمري فيما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحزم، وحسنت عندي ركوب الإثم، مثل نظرتي هذه! فتبسَّم عبد الملك، وقال: أوَكُل هذا قد بلغ بك؟! فقال: واللهِ ما عرقتني هذه البلية قبل وقتي هذا! فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك، فقالت: لا والله أو يطلق نساءَه، فطلق امرأتين كانتَا عنده، إحداهما من قريش والأخرى من الأزد[53]، وظعن بها إلى الشام، وفيها يقول:

أَلَيْسَ يَزِيدُ الشَّوْقُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ حَبِيبَتِنَا قُرْبَا
خَلِيلَيَّ مَا مِنْ سَاعَةٍ تَذْكُرَانِهَا
مِنَ الدَّهْرِ إلاَّ فَرَّجَتْ عَنِّيَ الكَرْبَا
أُحِبُّ بَنِي العَوَّامِ طُرًّا لِحُبِّهَا
وَمِنْ أَجْلِهَا أَحْبَبْتُ أَخْوَالَهَا كَلْبَا
تَجُولُ خَلاَخِيلُ النِّسَاءِ وَلاَ أَرَى
لِرَمْلَةَ خَلْخَالاً يَجُوْلُ وَلاَ قَلْبَا [54]

 

وكان زواجها سنة قتل الحجَّاج عبدالله بن الزبير، وهي السنة التي حجَّ فيها خالد بن يزيد فخَطَبها، فبلغ ذلك الحجاج فأرسل إليه حاجبه، وقال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكْفَاء، وقد قارعوا أباك على الخلافة، ورموه بكل قبيح، فأبلغه الرسالة فنظر إليه خالد طويلاً، ثم قال: لو كانت الرسل تعاقَب لقطَّعتُك آرابًا، ثم طرحتُك على باب صاحبك، قل له: ما كنت أظن أن الأمور بلغتْ بك أن أشاورك في مناكحة قريش، وأما قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك الله يا حجاج، يكون العوَّام كفؤًا لعبدالمطلب بزوجه صفيَّة، ويتزوَّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد، ولا تراهم أكْفاء لآل أبي سفيان؟! وأما قولك: قارعوا أباك على الخلافة، ورموه بكل قبيح، فهي قريش يُقارع بعضها بعضًا، حتى إذا أقرَّ الله الحق مقرَّه، عادتْ إلى أحلامها وفضلها، فرجع إليه فأعلمه ذلك، وتزوج خالد رملةَ بنت الزبير أخت مصعب لأمه، أمهما الرَّباب الكلبيَّة. وفي رملة يقول خالد:

تَخَيَّرْتُهَا مِنْ سِرِّ نَبْعٍ كَرِيمَةً
مُوَسَّطَةً فِيهِمْ زُبَيْرِيَّةً قَلْبَا [55]

 

وقال فيه:


نَظَرْتُ إِلَيْهَا فَاسْتَحَلَّتْ بِهَا دَمِي
وَكَانَ دَمِي غَالٍ فَأَرْخَصَهُ الْحُبُّ

وَغَالَيْتُ فِي حُبِّي لَهَا فَرَأَتْ دَمِي
حَلاَلاً فَمِنْ هَاذَاكَ دَاخَلَهَا العُجْبُ

 

وقِيل: إن خالدًا تزوَّج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة، وكتب إليها فوافتْه بمكةَ، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحلَّ، فأبَتْ عليه، فألحَّ عليها فرحلت في جوف الليل متوجِّهة إلى المدينة، فبلغ ذلك خالدًا فطلبها ومعه عبيد الراعي النميري، فأدركها في المنصف بعدَ يوم وليلة، فحلف لها ألا يقربها حتى تحل، وقال في ذلك:

أَحِنُّ إِلَى بَيْتِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ عَلَتْ
بِيَ العَيْشُ خَرْقًا مِنْ تِهَامَةَ أَوْ نَقْبَا
إِذَا نَزَلَتْ مَاءً تَحَبَّبَ أَهْلُهُ
إِلَيْنَا وَإِنْ كَانَتْ مُسَابَقَةً حَرْبَا
وَإِنْ نَزَلَتْ مَاءً وَكَانَ قَلِيبُهَا
مَلِيحًا وَجَدْنَا شِرْبَهُ بَارِدًا عَذْبَا
فَإِنْ تُسْلِمِي أُسْلِمْ وَإِنْ تَتَنَصَّرِي
تَخُطُّ رِجَالٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ صُلْبَا

 

قيل: إن عبدالملك ذَكَرَ له هذا البيت، فقال خالد: على قائله لعنةُ الله يا أمير المؤمنين؛ يعني: "إن تسلمي أسلم وإن تتنصري"[56]، وهذا مما يشكك في نسبته إليه، وليس مثل خالد مَن يجترئ إلى مثل هذا الحدِّ، وقد سبق موقفه حين نظر إلى بنت الزبير، الذي يدلُّ على مدى انضباطه بمبادئ الإسلام، وعدم تعدِّيه على حدود الله.

 

قال شديد بن شدَّاد بن عامر في تزوُّج خالد بن يزيد بن معاوية رملةَ بنت الزبير بن العوام، وابنة عبدالله بن جعفر بن أبي طالب:

ولاَ يَسْتَوِي الحَبْلاَنِ حَبْلٌ تَلَبَّسَتْ
قُوَاهُ وَحَبْلٌ قَدْ أُمِرَّ شَدِيدُ
عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِخَالِدٍ
فَفِي خَالِدٍ عَمَّا تُرِيدُ صُدُودُ
إِذَا مَا نَظَرْنَا فِي مَنَاكِحِ خَالِدٍ
عَرَفْنَا الَّذِي يَهْوَى وَحَيْثُ يُرِيدُ

 

قال الزبير أنشدنيها عمِّي مصعب بالتشديد، وغيره هكذا كان مقيدًا بالتشديد[57].السادسة: آمنة، ويقال: أمة بنت سعيد بن العاص:

ذكر ابن عساكر أن آمنة بنت سعيد بن العاص كانت زوجَ خالد بن يزيد بن معاوية، فطلَّقها، فتزوَّجها الوليد بن عبدالملك[58]، وفيها يقول خالد بن يزيد:

كَعَابٌ أَبُوْهَا ذُو الْعِصَابَةِ وَابْنُهُ
وَعُثْمَانُ مَا أَكْفَاؤُهَا بِكَثِيرِ
د
فِإنْ تَفْتَلِتْهَا وَالْخِلاَفَةَ تَنْقَلِبْ
بِأَكْرَمِ عِلْقَيْ مِنْبَرٍ وَسَرِيرِ

 

وفيها يقول وقد طلقها:

أَعْطَيْتُ آمِنَةَ الطَّلاَقَ كَرِيمَةً
عِنْدِي وَلَمْ يَكْبُرْ عَلَيَّ طَلاَقُهَا
وَلأَضْرِبَنَّ بِحَبْلِ أُخْرَى فَوْقَهَا
يَوْمًا إِذَا لَمْ تَسْتَقِمْ أَخْلاَقُهَا [59]

 

ثم قال ابن عساكر في موضع آخر: "تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ثم هلك عنها، فخلف عليها الوليد بن عبدالملك بن مروان"[60]، وأرجِّح أن يكون خالد قد طلقها؛ لظاهر كلامه السابق الوارد في شعره، والذي يؤكِّد سوء أخلاقها، وربما تكون هي القرشيَّة التي طلقها؛ ليتزوَّج رملة بنت الزبير.

 

أما أمهات الولد، فلم تُحدِّد المصادر عددهنَّ، ولا أسماءهنَّ، غير أنه كان له من بعضهن أولاد، سيرد الكلام عنهم بعد قليل.

 

أبناؤه: أنجب يزيد تسعةً من الأولاد، غير اثنين سبقتِ الإشارة إليهما من رمْلة بنت الزبير تُوفِّيَا صغيرين، وسأعرض أسماء التسعة حسبَ الترتيب الأبجدي؛ لعدم معرفة ترتيب مواليدهم، غير أنَّه من الملاحظ أن بعضهم كان من أمهات ولد:

الأول: أبو سفيان، وأمه أم ولد[61].

الثاني: حارث[62].

الثالث: حرب، كان جوادًا ممدحًا، ذا قدر ونبل، وأمه أم ولد[63].

الرابع: سعيد، وأمه آمنة بنت سعيد بن العاص[64].

الخامس: عبدالرحمن[65].

السادس: عبدالله[66].السابع: عتبة[67].

الثامن: معاوية، وقيل إنه معاوية بن أبي سفيان بن يزيد بن خالد[68]، ولعله تصحيف.التاسع: يزيد[69].

 

مواليه:

الأول: أبو الأخضر[70].

 

الثاني: نضير، ويقال: نصير، ويقال: بصير، مولى خالد بن يزيد بن معاوية، وقيل: مولى معاوية، وهو أظهر، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً وعن أبي ذر[71].

 

الثالث: سيار مولى بني أمية الشامي[72].

 

الرابع: عكرمة مولى عبدالله بن عباس:قدم عكرمة - مولى ابن عباس - للشام، فلما مات عبدالله بن عباس مولى عكرمة باعه ابنُه علي بن عبدالله بن عباس بدمشق مِن خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: بعت علم أبيك بأربعة آلاف درهم! فاستقاله، فأقاله البيع، ثم أعتقه[73].

 

مسكنه:

تعدَّدتْ مساكن خالد في دمشق، فتارة سكن في دار كانت تُعرف بدار الحجارة شرقي الجامع[74]، وتارة في قرحتاء[75]، وأخرى في الصفوانيَّة، من نواحي دمشق خارج باب توما من إقليم خولان[76]، فضلاً عن دار أمه (أم خالد) التي كان جدُّه معاوية قد وهبها لابنه يزيد، وكانت من صَداق أم خالد، فاستصفيت وقت انتقال الدولة عن بني أمية[77]. ودار أم خالد هي دارُ الإمارة، وقد اشتراها عبدالملك بن مروان بعد تولِّيه الخلافة، وكانت هذه الدار تُسمَّى (الخضراء)، اشتراها عبدالملك بأربعين ألف دينار، وأربع ضياع اختارها خالد: واحدة في عمواس بفلسطين، وقصر خالد بالأردن، وأندر بدمشق، ودير زكي بحمص[78].

 

ولعلَّ تعدُّد المساكن في دمشق بسبب تعدُّد زوجات خالد، فإنه كلما تزوَّج بواحدة، استأجر لها دارًا، وأسكنها فيها.

 

المبحث الثاني - خالد بن يزيد والعلم:

اهتمامه بالعلم:

كان خالد بن يزيد يوصَف بالعلم[79]، حتى إنه سُمِّي حكيم آل مروان[80]، وكان بصيرًا بالطب والكيمياء[81]، وكان يقول عن نفسه: "كنت معنيًّا بالكتب، وما أنا من العلماء، ولا من الجهَّال"[82]، وهذا من شدة تواضعه.

 

وكان ممَّن يحدِّث من بني أُميَّة[83]، وهو عند المحدثين: من الطبقة الثالثة[84]، وقيل: من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام[85]، "أنه كان إذا لم يجد أحدًا يحدثه حدَّث جواريه، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لستنَّ له بأهل، يريد بذاك الحفظ"[86]، وكان فصيحًا بليغًا[87]، يقول الشعر [88]، وله نظم رائق[89].

 

شيوخه: روى عن أبيه الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان[90].

ودحية بن خليفة الكلبي[91]. وسمع خالد بن يزيد أبا أمامة الباهلي الصحابي الجليل[92].

 

تلاميذه: من تلاميذ خالد بن يزيد الذين رووا عنه ما يلي:

1- الزُّهري (محمد بن شهاب)[93]

2- رجاء بن حيوة[94]

3- العباس بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب[95]

4- إبراهيم بن أبي حرة الحراني[96]

5- علي بن رباح اللخمي المصري[97]

6 - خالد بن عامر الزيادي المصري[98]

7- أبو الأخضر مولاه[99]

8- عبدالله بن عدي[100]

9- يزيد بن أبي حبيب[101]

10- خالد بن يزيد الجمحي[102]

11- عبدالرحمن بن سلمان، ويُقال له: عبيد أبو الأعيس الخولاني، من أهل دمشق[103]

12- عمرو بن عثمان[104]

13- عروة بن رويم أبو القاسم اللخمي، من أهل الأردن[105]

14- أبو وزيرة العنسي[106].

15- خالد بن عامر الزبادي[107].

16- مسلمة بن عبدالملك، يقال: إنه أخذ علم الحدثان عن خالد[108]. صلته برواية الحديث النبوي:على الرغم مِن أنَّ علماء الجرح والتعديل قد وضعوا خالدَ بن يزيد من الطبقة الثانية من تابعي الشام، أو مِن الطبقة الثالثة من الرواة، إلا أن رواياته قليلة، ويمكن تقديم طرف منها هنا بعد ذكر أقوال علماء الجرح والتعديل فيه:قال في "تقريب التهذيب": "خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، أبو هاشم الدمشقي، صدوق، مذكور بالعلم، من الثالثة، مات سنة تسعين، د"[109]؛ (أي روى عنه أبو داود في سننه).

 

وقال في "الكاشف": "خالد بن يزيد بن معاوية الأموي عن أبيه ودحية الكلبي، وعنه الزهري ورجاء بن حيوة، يوصف بالعلم وبالشعر لم يلقَ دحية، توفي سنة تسعين، د"[110]، ورواية أبي داود: "عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة الكلبي: أنَّه قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباطي، فأعطاني منها قبطيةً، فقال: ((اصدعها صدعين، فاقطع أحدهما قميصًا، وأعط الآخر امرأتَك تختمر به))، فلما أدبر قال: ((وأمُر امرأتك أن تجعل تحته ثوبًا لا يصفها))"[111].

 

وعن خالد بن يزيد، عن دحية بن خليفة الكلبي، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه أتي بقباطي، فأعطاني منه ثوبًا، وقال: ((اصدعه صدعين، صدعًا تجعله قميصًا، وصدعًا تختمر به امرأتك))، فلما وليت قال: ((قل لها تجعل تحته شيئًا لا يصفها))[112].

 

وعن سعيد بن أبي هلال، عن علي بن خالد: أنَّ أبا أمامة الباهلي مَرَّ على خالد بن يزيد بن معاوية، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ألا كلكم يدخل الجنة، إلا من شرد على الله - عزَّ وجلَّ - شراد البعير على أهله))[113]. وعاد أبو أمامة  خالدَ بن يزيد بن معاوية وهو أمير على حمص، فلمَّا بصر به خالد ألقى له مرفعته - كان عليها مُتَّكئًا - من حرير، فلمَّا رآها، تنحَّى عنها ثم جلس، فقال: "هل سمعت فيها شيئًا يا أبا أمامة؟ قال: نعم، سمعت أنه: ((لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خَلاقَ له في الآخرة))، فقال له: أمِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمعتَه؟ فسكت، ثم قال: أَمِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمعته؟ فسكت، ثم قال: أَمِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمعته؟ فسكت ثلاثًا، ثم قال: اللهم غفرًا كنا في قوم يحدثون ولا يكذبون، ولا نكذبهم"[114].

 

وقال في "الإصابة": "خالد بن يزيد بن معاوية، ذكره عبدان، وأخرج من طريق سعيد بن أبي هلال، عن علي بن خالد: أنَّ أبا أمامة مرَّ على خالد بن يزيد بن معاوية، فسأله عن كلمة سمعها من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكر الحديث: ((ألا كلكم يدخل الجنة، إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله))، قلت: ظن أنَّ الضمير يعود على خالد، وليس كذلك، بل إنما يعود على المشار إليه، وهو أبو أمامة، والحديث حديثه، وليستْ لخالد؛ بل ولا لأبيه صُحبةٌ"[115].

 

وعن خالد بن يزيد عن أبيه: "أنَّ أبا الدرداء كان يقضي على أهل دمشق، وأنه لما احتضر، أتاه معاوية عائدًا له، فقال: مَن ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: فضالة بن أبي عبيد، فلما توفي أبو الدرداء، قال معاوية لفضالة بن أبي عبيد: قد وليتك القضاء، قال: فاستعفى منه، قال: فقال له معاوية: والله ما حابيتك بها، ولكني استترتُ بك من النار، فاستتر منها ما استطعت"[116].

 

وعن عباس بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، عن خالد بن يزيد بن معاوية، عن دِحية بن خليفة، قال: "بعث رسول الله إلى هرقل"[117].

 

وعن موسى بن جبير: أنَّ عباس بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب، حدَّثه عن خالد بن يزيد بن معاوية، عن دِحْية بن خليفة الكلبي حين بعثَه الرسولُ إلى هرقل، فلما رجع أعطاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبطيةً، قال: ((اجعل صدعيها - وفي حديث زاهر: صديعها - قميصًا، وأعط صاحبتك صديعًا تختمر به))، فلما ولى دعاه وقال: ((مُرْها تجعل تحته شيئًا؛ لئلا يصف))[118].

 

وعن يزيد بن أبي حبيب، عن خالد بن يزيد بن معاوية: أنه كان يقول: "إذا كان الرجل مماريًا، لجوجًا، معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته"[119].

 

وعن خالد بن يزيد الجمحي، عن خالد بن يزيد بن معاوية، قال: "إذا رأيتَ الرجل لجوجًا مماريًا، فقد تمت خسارته"[120].

وعن أبي الأعيس قال: "كنت مع خالد بن يزيد بن معاوية في صحن بيت المقدس، فاستقبله رجل فأخذ بيد خالد، فقال: يا خالد هل علينا من عين؟ قال: فاستنكرتُ من قوله: يا خالد، فقلت: نعم، عليكما من الله أذن سميعة، وعين بصيرة، قال: فاستلَّ يده من يد خالد، وأرعد، فقلت: يا خالد، من هذا؟ فقال: هذا عمر بن عبدالعزيز، يوشك إن طال بك عُمْرٌ أن تراه إمامًا عدلاً، أو إمامًا مهديًّا"[121]، وفي نسخة: "إمامًا عادلاً".

 

وعن عمرو بن عثمان قال: "ثنا خالد بن يزيد بن معاوية، قال: دخل عبدالملك على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تقول لربك إذا أتيتَه وقد تركتَ حقًّا لم تُحيه، وباطلاً لم تُمتْه؟! قال: اقعد يا بني، إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس عن الحق، فانتهت الأمور إليَّ، وقد أقبل شرُّها وأدبر خيرها، ولكن أليس حسبي جميلاً ألا تطلع الشمس عليَّ في يوم إلا أحييت فيه حقًّا، وأَمَتُّ فيه باطلاً، حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك؟!"[122].ويبدو أنَّ المقصود من هذه الرواية دخول عبدالملك على عمر بن عبدالعزيز، فقال له عمر: "يا أمير المؤمنين..."، بدليل أنَّ خالدًا لم يكن قد وُلد حين توفي أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - كما أنَّ عبدالملك بن مروان كان يحب عمر بن عبدالعزيز، ويقرِّبه من مجلسه، ويستمع لنصحه؛ فالأقرب أن يكون هو المقصود بالكلام، وخالد بن يزيد كان يدرك مكانةَ عمر بن عبدالعزيز، ويعرف أنه من الشخصيات التي لها مستقبلٌ زاهر في قابل الأيام، وقد سبقت الإشارة لذلك حين لقي خالدٌ عمرَ في بيت المقدس.وتجدر الإشارة هنا إلى قول ابن تغري بردي عن خالد: "قيل: إنَّه هو الذي وضع حديث السُّفياني إنه يأتي في آخر الزمان، لما سمع بحديث المهدي"[123].

 

مناظراته العلميَّة:

دارت مناظرة بين خالد بن يزيد وراهب، فيما يلي نصها:

"عن عروة بن رويم اللخمي، عن خالد بن يزيد القرشي، قال: كانت لي حاجة بالجزيرة فاتخذتها طريقًا مستخفيًا، قال: فبينا أنا أسير بين أظهرهم، فإذا أنا بشمامسة ورهبان، وكان رجلاً لبيبًا لسنًا ذا رأي، فقلت له: ما جمعكم ها هنا؟ قالوا: إن شيخًا سياحًا نلقاه في كل يوم مرةً في مكانك هذا، فنعرض عليه ديننا، وننتهي فيه إلى رأيه، قال: وكنت رجلاً معنيًّا بالحديث، فقلت: لو دنوت من هذا؛ فلعلي أسمع منه شيئًا أنتفع به، قال: فدنوت منه، فلما نظر إليَّ، قال لي: ما أنت مِن هؤلاء، قلت: أَجَلْ، قال: من أمَّة محمد أنت؟ قلت: نعم، قال: من علمائهم أو من جُهَّالهم؟ قال: قلت: لست من علمائهم، ولا من جُهَّالهم، قال: ألستم تزعمون في كتابكم أنَّ أهل الجنة يأكلون ويشربون، ولا يبولون؟ قال: قلت: نعم، نقول ذلك، وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاً في الدنيا، فما هو؟ قال: قلت، مثل هذا الصبي في بطن أمه: يأتيه رزق الرحمن بكرةً وعشيًّا، لا يبول ولا يتغوَّط، قال: فتربد وجهه، وقال لي: ألم تزعم أنك لست من علمائهم؟ قال: قلت: بلى، ما أنا من علمائهم ولا من جُهَّالهم، قال لي: ألستم تزعمون أنَّ أهل الجنة يأكلون ويشربون، ولا ينتقص مما في الجنة شيء؟ قال: نقول ذلك، وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاً في الدنيا، فما هو؟ قال: فقلت: مثل هذا مثل رجل آتاه الله علمًا وحكمةً وعلَّمه كتابه، فلو اجتمع جميع مَن خَلَق الله، فتعلَّموا منه ما نقص من علمه شيء، قال: فتربد وجهه، فقال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم؟ قال: قلت: أَجَلْ، ما أنا من علمائهم ولا من جُهَّالهم، فقال لي: ألستم تقولون في صلاتكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قال: قلت: بَلى، قال: فلهي عني، ثم أقبل على أصحابه، فقال: ما بُسِط لأحد من الأمم ما بسط لهؤلاء من الخير، إن أحد هؤلاء إذا قال في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لم يبقَ عبدٌ لله صالح في السموات والأرض، إلا كتب له بها عشر حسنات، ثم قال لي: ألستم تستغفرون للمؤمنين والمؤمنات؟ قلت: بلى، فقال لأصحابه: إن أحد هؤلاء إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، لم يبقَ عبدٌ لله مؤمن في السموات من الملائكة، ولا في الأرض من المؤمنين، ولا من كان على عهد آدم، أو من هو كائن إلى يوم القيامة، إلا كتب الله له به عشر حسنات.

 

قال: ثم أقبل عليَّ، فقال: إن لهذا مثلاً في الدنيا، فما هو؟ قلت: كمثل رجل مرَّ بملأ - كثيرًا كانوا أو قليلاً - فسلَّم عليهم فردُّوا عليه، أو دعا لهم فدعوا له، قال: فتربد وجهه، قال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم؟ قال: قلت: أَجَلْ، ما أنا من علمائهم ولا من جُهَّالهم.

 

فقال لي: ما رأيت من أمة محمد من هو أعلم منك، فسلني عما بدا لك، قال: فقلت: كيف أسأل من تزعم أن له ولدًا؟ قال: فشقَّ مدرعته حتى أبدى عن بطنه، ثم رفع يديه، فقال: لا غفر الله لمن قالها، منها فررْنا واتخذنا الصوامع، فقال لي: إني سائلك عن شيء، فهل أنت مخبري؟ قال: قلت: نعم، قال: أخبرني هل بلغ ابن القرن فيكم أن يقوم إليه الناشئ أو الطفل فيشتمه، أو يتعرَّض لضربه، فلا يغير ذلك عليه، قال: قلت: نعم، قال: ذلك حين رقَّ دينكم، واستحسنتم دنياكم، وآثرها من آثرها منكم، فقال رجل من القوم: وابن كم القرن؟ قال: أما أنا قلت: ابن ستين، وأما هو فقال: ابن سبعين سنةً، فقال رجل من جلسائه: يا أبا هاشم، ما كان سرَّنا أن يكون أحدٌ لقيه من هذه الأمة غيرك!"؛ ورويت هذه القصة بألفاظ مختلفة، مع بقاء فحواها إجمالاً.

 

عن رجاء بن حيوة، عن خالد بن يزيد، قال: "بينا أنا أسير في أرض الجزيرة، إذ مررتُ برهبان وقسيسين وأساقفة، فسلمت فردُّوا السلام، فقلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد راهبًا في هذا الدير نأتيه في كل عامٍ، فيخبرنا بما يكون في ذلك العام حتى لمثله من قابل، فقلت: لآتينَّ هذا الراهب، فلأنظرنَّ ما عنده، وكنت معنيًّا بالكتب، فأتيته وهو على باب ديره، فسلَّمت فردَّ السلام، ثم قال: ممن أنت؟ فقلت: من المسلمين، فقال: أمن أمة أحمد؟ فقلت: نعم..."[124].وهذه القصة تشير إلى عدة أمور، منها: أن خالدًا كان يخرج في رحلات خلويَّة وحدَه، ومنها: أنه كان حاضر البديهة، سريع اللحظ، قوي الحُجة، عالِمًا بالمنطق، موهوبًا في الردِّ، مُحِبًّا لطلب العلم، شغوفًا به، قادرًا على مواجهة خصومه بالحُجة والدليل، مقدِّرًا للعلم وأهله مكانتهم.

 

صلته بالعلوم التجريبيَّة:

سبق في بداية الحديث عن اهتمام خالد بن يزيد بالعلم، أنه كان بصيرًا بالطب والكيمياء وفنون من العلم[125]، ونزيد هنا أن: "له رسائل حسنة، أخذ الصنعة عن راهب رومي"[126].

 

وقال صاحب "التراتيب الإداريَّة": "المقدمة التاسعة: الحِرَف والصناعات التي عرَفها أهل الإسلام واستعملوها: ألَّف فيها جماعة، ففي أواخر عصر الصحابة ترجم بعضَ الكتب المصنفة فيها باللسان القديم خالدُ بن يزيد بن معاوية الأموي"[127]، ثم جمع آراء المؤرخين في صلة خالد بالعلوم التجريبيَّة، ورجح بينها، فقال: "باب في أن ترجمة الكتب القديمة للعلوم العمرانيَّة، من طب، وكيمياء، وصناعات، ونحوها وقع الاعتناءُ به أواخر أيام الصحابة، قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ - المتوفى سنة 255 - في كتابه "البيان والتبيين": وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبًا شاعرًا، وفصيحًا جامعًا، وكان أول من ترجم كتب النجوم، والطب، والكيمياء" منه ص(126)، من ج (1)، ط مصر سنة 1313هـ.

 

وذكر ابن أبي الحديد المدائني في "شرح نهج البلاغة"، ص (476)، من ج (3)، طبعة مصر: "أنَّ خالد بن يزيد بن معاوية كان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة، وقرَّب أهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء، والحروب والآداب والصناعات، ولا شكَّ أنَّ خالدًا المذكور مات سنة 85 من القرن الأول، وقد عاش بعد هذا التاريخ كثير من الصحابة".

 

وفي شرح الشمس محمد السفاريني على عقيدته، نقلاً عن الصلاح الصفدي: لم يبتكر المأمون العباسي النقل والتعريب؛ بل فعَل ذلك قبله كثير؛ فإن يحيى بن خالد عرَّب من كُتُب الفرس "كليلة ودمنة"، وعرب لأجله كتاب "المجسطي" من كُتُب اليونان، والمشهور أنَّ أول من عرَّب كُتُب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية؛ لما ولع بكتب الكيمياء.

 

ثم قال السفارينى بعد ص (10): "أما خالد بن يزيد، فعُرِّبت له كُتُب الطب، والنجوم، وقيل: الذي عُرِّبت له كُتُب الطب والنجوم المنصور، وأما خالد، فإنما ولهه في صنعة الكيمياء، وله في ذلك رسائل، وكان قد أخذ ذلك عن رجل من الرُّهبان يُقال له: (مرياس الروضي)".

 

وفي "كشف الظنون" المطبوع: كان خالد بن يزيد بن معاوية يُسمَّى حكيم آل مروان، خطر بباله الصنعة، فأحضر جماعةً من الفلاسفة، فأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اليوناني إلى العربي، وهذا أول نقل كان في الإسلام، ص (447)، من ج (1).

 

وفي أوائل السيوطي: أول من ترجمت له كتب الطب والنجوم خالد بن يزيد بن معاوية، وقيل: المنصور، وذكر ابن النديم في "فهرسته": أنَّ صناعة الكيمياء كانت رائجةً في أيام خالد بن يزيد بن معاوية في مدرسة الإسكندرية، فاستقدم جماعةً، منهم راهب رومي اسمه إسطفار القديم؛ انظر: ص (242)، وص (244) منها.

 

وبكلام ابن أبي الحديد السابق، تعلم ما في قول جرجي زيدان في "تاريخ آداب اللغة العربية": لعلهم ترجموا لخالد بن يزيد شيئًا في علم النجوم لم يصلْنا خبره، وفي "أخبار الحكماء"، لابن القفطي، ص (286) في ترجمة ابن السندي: أنه شاهَدَ في خزائن الكتب بالقاهرة كرةً نحاسًا، وعليها مكتوب: حملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية.

 

قلت: وبكل ما سبق عن الجاحظ، وابن النديم، وابن خلكان، وابن القفطي، وابن أبي الحديد، والصفدي، والسيوطي، وغيرهم تعلم ما في تعقُّل ابن خلدون البارد، وذلك في قوله: من المعلوم البيِّن أنَّ خالدًا من الجيل العربي، والبداوة إليه أقرب؛ فهو بعيدٌ عن العلوم والصنائع بالجملة، فكيف له بصناعة غريبة المنحى، مبنيَّة على طبائع المركبات وأمزجتها؟! وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تُترجم بعد.

 

ويكفي في ردِّ تهجمه قولُ ابن النديم - وهو مَن هو من القرب إلى ذلك الزمن، والاطلاع العظيم -: "إن صناعة الكيمياء كانت رائجة في زمن خالد"، وبذلك يهوي تعقُّل ابن خلدون في الدرك الأسفل من الفساد، والله أعلم.

 

وفي "تاريخ آداب اللغة العربية" المذكور: أن طبيبًا كان معاصرًا لمروان بن الحكم، اسمه ماسرجويه سرياني الجنس، يهودي المذهب، كان يقيم في البصرة، وظهر في أيامه كتاب في الطب هو كناش حاوٍ من أفضل الكنانيش، ألَّفه القس أمرون بن أعين في اللغة السريانيَّة، فنقله ماسرجويه إلى العربيَّة، فلما تولَّى عمر بن عبدالعزيز، وجد هذا الكتاب في خزائن الكتب في الشام، فحرضه بعضهم على إخراجه إلى المسلمين؛ للانتفاع به، فاستخار الله في ذلك أربعين يومًا، ثم أخرجه إلى الناس وبثه في أيديهم؛ انظر: ص (233)، من ج (1).

 

وفي "شفاء الغليل": "الكُنَاش - بضم الكاف العربيَّة، وتخفيف النون، وآخره شين معجمه، بوزن غُراب - لفظ سرياني: المجموعة، والتذكرة، وقد وقع هذا اللفظ كثيرًا في كلام الحكماء، وسموا به بعض كتبهم كما يعرفه مَن طالع كتب الحِكمة"[128].

 

وزيادة على ما تقدَّم أقول: قال في "أبجد العلوم": "أول من تكلَّم في علم الكيمياء، ووضع فيها الكُتب، وبيَّن صنعة الإكسير والميزان، ونظر في كُتب الفلاسفة من أهل الإسلام، خالدُ بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وأوَّل مَن أشهر هذا العلم عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد، كما قيل:

حِكْمَةٌ أَوْرَثَنَاهَا جَابِرٌ
عَنْ إِمَامٍ صَادِقِ الْقَوْلِ وَفِي
لِوَصِيٍّ طَابَ فِي تُرْبَتِهِ
فَهْوَ كَالْمِسْكِ تُرَابُ النَّجَفِ

وذلك لأنه وفى لعليٍّ، واعترف بالخلافة، وترك الإمارة.

 

واعلم أنه فرَّقها في كُتب كثيرة، لكنه أوصل الحق إلى أهله، ووضع كل شيء في محله، وأوصله من جعله الله - سبحانه وتعالى - سببًا له في الإيصال، ولكن أشغلهم بأنواع التدهيش والمحال؛ لحكمة ارتضاها عقله ورأيه بحسب الزمان، ومع ذلك فلا يخلو كتاب من كتبه من فوائدَ عديدة"[129].

 

وقال ابن النديم - في النسخة التي اطلعت عليها -: "كان خالد بن يزيد بن معاوية يسمَّى حكيم آل مروان، وكان فاضلاً في نفسه، وله هِمَّة ومحبة للعلوم، خطر بباله الصنعة، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيِّين ممن كان ينزل مدينة مصر، وقد تفصَّح بالعربيَّة، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وهذا أول نَقْل كان في الإسلام من لغة إلى لغة"[130].

 

وعندما ذكر أسماء الفلاسفة الذين تكلَّموا في الصنعة، ذكر منهم خالد بن يزيد[131]، ثم انتهى إلى القول: "إن هؤلاء المذكورين بعمل الرأس والإكسير التام، وبعد هؤلاء ممن طلب هذا الأمر فقصر به العجز، فحصل على الأعمال البرانية، وهو كثير، ونحن نذكر بعضهم في موضعه - إن شاء الله تعالى"[132].

 

وترجم لخالد، فقال: هو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، إسلامي محدث، قال محمد بن إسحاق: الذي عُنِي بإخراج كُتُب القدماء في الصنعة خالد بن يزيد بن معاوية، وكان خطيبًا شاعرًا، فصيحًا حازمًا، ذا رأي، وهو أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء، وكان جوادًا، يقال: إنه قيل له: لقد فعلت أكثر شغلك في طلب الصنعة، فقال خالد: ما أطلب بذاك إلا أن أغني أصحابي وإخواني، إني طمعتُ في الخلافة، فاختزلت دوني، فلم أجد منها عوضًا إلا أن أبلغ آخرَ هذه الصناعة، فلا أحوج أحدًا عرفني يومًا أو عرفته إلى أن يقف بباب سلطان رغبةً أو رهبةً، ويقال - والله أعلم -: إنه صح له عمل الصناعة، وله في ذلك عدة كتب ورسائل، وله شعر كثير في هذا المعنى، رأيت منه نحو خمسمائة ورقة، ورأيت من كُتبه: "كتاب الحرارات"، "كتاب الصحيفة الكبير"، "كتاب الصحيفة الصغير"، "كتاب وصيته إلى ابنه في الصنعة"[133].

 

وقال ابن خلكان: "كان من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صناعة الكيمياء والطب، وكان بصيرًا بهذين العلمين متقنًا لهما، وله رسائل دالَّة على معرفته وبراعته، وأخذ الصناعة عن رجل من الرهبان، يُقال له: مريانس الراهب الرومي، وله فيها ثلاث رسائل، تضمَّنت إحداهن ما جرى له مع مريانس الراهب المذكور، وصورة تعلمه منه، والرموز التي أشار إليها، وله فيها أشعار كثيرة مطولات ومقاطيع دالة على حسن تصرفه، وسعة علمه"[134].

 

وقال ابن تغري بردي: "كان خالد المذكور موصوفًا بالعلم والعقل والشجاعة، وكان مولعًا بالكيمياء"[135].

 

ومما يؤكِّد صلة خالد بالعلوم التجريبيَّة رأيُه في تحلية ماءِ البحر، فقد كان خالد عند عبدالملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه ماء يستقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق، فأما ما يكون ماء البحر، فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من ماء السماء، وقال: إن شئت أعذبت ماء البحر، قال: فأمر بقلال من ماء، ثم وصف كيف يصنع به حتى يعذب[136].

 

من أقوال خالد:

قيل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقرب شيء؟ قال: الأَجَل، قال: فما أبعد شيء؟ قال: الأَمَل، قال: فما أرجى شيء؟ قال: العمل، قال: فما أوحش شيء؟ قال: الميت، قيل: فما آنس شيء؟ قال: الصاحب الموالي[137].

 

وعن علي بن عبدالله، قال: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: قيل لخالد بن يزيد: ما أقرب شيء، وأبعد شيء، وآنس شيء، وأوحش شيء؟ فقال: أقرب شيء الأجل، وأبعد شيء الأمل، وآنس شيء الصاحب، وأوحش شيء الموت[138].

 

وقال عبدالملك لخالد بن يزيد: ما أقبح شيء رأيت قط؟ قال: الميت[139]. وسأل الحجَّاج بن يوسف خالد بن يزيد عن الدنيا؟ فقال: ميراث، فقال: فالأيام؟ قال: دُوَل، قال: فالدهر؟ قال: أطباق، والموت بكلِّ سبيل، فليحذرْ كلُّ عزيز الذلَّ، وكل غني الفقرَ؛ فكم من عزيزِ قومٍ قد ذَل، وكم من غني افتقر![140]

 

وعن سعيد بن عبدالله أن الحجاج بن يوسف سأل خالد بن يزيد عن الدنيا، فقال: ميراث، قال: فالأيام؟ قال: دول، قال: فالدهر؟ قال: أطباق، والموت بكل سبيله، فليحذر العزيز الذلَّ، والغنيُّ الفقرَ؛ فكم من عزيز قوم قد ذل، وكم من غني قد افتقر![141]

 

روى الواقدي، عن أبي بكر بن أبي سبرة، قال: باع علي بن عبدالله بن عباس عكرمة من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فقال له عكرمة: ما خير لك؛ بعتَ علم أبيك بأربعة آلاف دينار، فاستقاله فأقاله وأعتقه[142].

 

وقيل لخالد بن يزيد: ما أقرب شيء، وأبعد شيء، وآنس شيء، وأوحش شيء؟ قال: أقرب شيء الأجل، وأبعد شيء الأمل، وآنس شيء الصاحب، وأوحش شيء الموت[143].

 

وعن خالد بن يزيد الجمحي، عن خالد بن يزيد بن معاوية، قال: إذا رأيتَ الرجل لجوجًا مماريًا، فقد تمَّت خسارته[144].

 

لزم خالد بن يزيد بيته، فقيل له: كيف تركتَ مجالسة الناس وقد عرَفتَ فضلها، ولزمت بيتك؟ فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت بنكبة[145].

 

شعر خالد بن يزيد:

سبق أن عرضْنا جانبًا من شعر خالد في رملة بنت الزبير[146]، ونُورِد هنا جانبًا من شعره الذي يؤكِّد قدرته اللغويَّة الفائقة، وتمكُّنه من وصف ما يَجيش بصدره بدقَّة بالغة، قال عنه ابن كثير: "كان خالد فصيحًا بليغًا، شاعرًا منطقيًّا كأبيه"[147].

 

قال خالد بن يزيد بن معاوية يرثي جدَّه وأباه:

تَجَلَّدْ لِلْعُدَاةِ الشَّامِتِينَا
وَلاَ تُرَ لِلْحَوَادِثِ مُسْتَكِينَا
وَعَزِّ النَّفْسَ إِنْ سَخِطَتْ بِصَبْرٍ
يُنَسِّيهَا التَّشَكِّيَ وَالأَنِينَا
فَقَدْ صَكَّتْ قَنَاتَكَ بِالْمَرَادِي
شُعُوْبٌ صَدَّعَتْ مِنْهَا مُتُوْنَا
وَغَالَتْ مِنْ بَنِي حَرْبٍ رِجَالاً
فَهُمْ كَانُوا الرِّجَالَ الْكَامِلِينَا
وَهُمْ كَانُوا الْحُمَاةَ مِنَ الْمَخَازِي
وَهُمْ كَانُوا السُّقَاةَ الْمُطْعِمِينَا
بِإِذْنِ اللهِ وَالسَّاعِينَ فِيمَا
يُشَرِّفُ أَمْرَ دِينِ الْمُؤْمِنِينَا
فَغَالَتْهُمْ شُعُوبٌ غَيَّبَتْهُمْ
وَهَمْ عُمُدٌ لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَا
فَلَو بَقِيَتْ نُفُوسُهُمُ عَلَيْهِمْ
وَلَمْ تَجْرُزْهُمُ الدُّنْيَا الْمَنُونَا
لَأَصْبَحَ مَاءُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَذْبًا
وَأَصْبَحَ لَحْمُ دُنْيَاهُمْ سَمِينَا
رَأَيْتُ النَّاسَ لاَقَوْا بَعْدَ جَدِّي
مُعَاوِيَةَ الَّذِي أَبْكَى الْعُيُونَا
وَبَعْدَ أَخِي مُعَاوِيَةَ ابْنِ أُمِّي
وَبَعْدَ أَبِي يَزِيدَ الأَقْوَرِينَا [148]

 

ولخالد:

أَتَعْجَبُ أَنْ كُنْتَ ذَا نِعْمَةٍ
وَأَنَّكَ فِيهَا شَرِيفٌ مَهِيبُ
فَكَمْ وَرَدَ الْمَوْتَ مِنْ نَاعِمٍ
وَحُبُّ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ عَجِيبُ
أَجَابَ الْمَنِيَّةَ لَمَّا دَعَتْ
وَكَرْهًا يُجِيبُ لَهَا مَنْ يُجِيبُ
سَقَتْهُ ذَنُوبًا مِنَ انْفَاسِهَا
وَيَذْخَرُ لِلْحَيِّ مِنْهَا ذَنُوبُ

[149]

ولخالد:

إِنْ سَرَّكَ الشَّرَفُ الْعَظِيمُ مَعَ الْغِنَى
وَتَكُوْنُ يَوْمَ أَشَدِّ خَوْفٍ وَائِلاَ
يَوْمَ الْحِسَابِ إِذَا النُّفُوسُ تَفَاضَلَتْ
فِي الْوَزْنِ إِذْ غَبَطَ الأَخَفُّ الثَّاقِلاَ
فَاعْمَلْ لِمَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَلاَ تَكُنْ
عَنْ حَظِّ نَفْسِكِ فِي حَيَاتِكِ غَافِلاَ [150]

 

آثار خالد العلميَّة:

خلّف خالد بن يزيد عِدَّة كُتُب ورسائل، ذكَرَها ابن النديم، وابن خلكان، وياقوت الحموي، وحاجي خليفة، وهي:

1- كتاب "وصيته إلى ابنه في الصنعة".

 

2 - "كتاب الحرارات".

 

3 - "كتاب الصحيفة الكبير".

 

4 - "كتاب الصحيفة الصغير".

 

5 - ثلاث رسائل في الصنعة، احتوتْ إحداها على ما جرى بينه، وبين مريانوس.6 - "السر البديع في فك الرمز المنيع".

 

7 - "منظومة فردوس الحكمة في علم الكيمياء"، ويذكر صاحب "كشف الظنون" أنَّ هذه المنظومة تحتوي على ثلاثمائة وخمسة عشر بيتًا، مطلعها:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْفَرْدِ
الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ رَبِّ الْحَمْدِ
يَا طَالِبًا صِنَاعَةَ الْحُكْمَاءِ
خُذْ مَنْطِقًا حَقًّا بِغَيْرِ خْفَاءِ

 

8 - "كتاب الرحمة في الكيمياء"[151].ويبدو أن هذه الكتب قد فُقِدت، فلا نكاد نجد لها أثرًا في فهارس المخطوطات؛ ولعلَّ هذا هو ما دفع باحثين إلى إنكار أنَّ لخالدٍ تراثًا.

 

المبحث الثالث - خالد بن يزيد ومنصب الخلافة

خلافة معاوية بن يزيد وولاية العهد:

توفي يزيد بن معاوية سنة 64هـ، وكان قد جعل ولايةَ العهد لابنه معاوية، الذي أمِّر بعد ولايته، فنودي بالشام: الصلاة جامعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني قد نظرت في أمركم، فضعفت عنه، فابتغيت لكم رجلاً مثل عمر بن الخطاب، ورحمة الله عليه حين فزع إليه أبو بكر، فلم أجده! فابتغيت لكم ستة في الشورى مثل ستة عمر، فلم أجِدْها! فأنتم أولى بأمركم، فاختاروا له من أحببتم، ثم دخل منزله، ولم يخرج إلى الناس، وتغيب حتى مات، فقال بعض الناس: دُس إليه فسُقي سمًّا، وقال بعضهم: طعن[152].

 

ويُقال: "إنه لما حضرت معاويةَ بن يزيد أبا ليلى الوفاةُ، أبى أن يستخلف أحدًا، وكان حسان بن مالك بن بحدل يريد أن يجعلَ الأمر بعد معاوية بن يزيد لأخيه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان صغيرًا، وهو خال أبيه يزيد بن معاوية، فبايع لمروان بن الحكم[153]، وهو يُريد أن يجعل الأمر بعده لخالد بن يزيد"[154].

 

ويعنينا من روايتَي الطبري السابقتين: أنَّ معاوية بن يزيد لم يعهد بولاية العهد لخالد أخيه، أو لغيره، وهذا ما أكَّده البلاذري أيضًا[155].

 

كما أنَّ هاتين الروايتين عن الطبري تضع أمام الباحث مجموعةً من علامات الاستفهام:إذا كان معاوية بن يزيد قد تنازل عن منصب الخلافة، وتركه شاغرًا، فلماذا قيل: إنه مات مسمومًا؟! ومن الذي فعل به هذا؟ وما مصلحته في ذلك؟

 

لا تستطيع المصادر المتاحة أن تقدِّم إجابة شافية عن هذه التساؤلات، وأصابعُ الاتهام قد تتجه نحو مرْوان بن الحكم؛ طمعًا منه في منصب الخِلافة، وقد تتجه نحو عبدالله بن الزبير، وإن كان الباحث يستبعد هذا الاحتمال؛ لِمَا عُرف عن ابن الزبير من الورع والتقوى، وقد تتجه أصابع الاتهام إلى الضحَّاك بن قيس الذي دعا سرًّا لابن الزبير، هذا إذا سلمنا بصحة الرواية القائلة بأنَّ معاوية بن يزيد مات مسمومًا أو مطعونًا[156].

 

ويروي ابن عساكر أنه "كانت خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية أربعين ليلةً، سلام عليك إنك لمن الصالحين، قال ابن لهيعة: وسألته أمه بثدييها أن يستخلفَ أخاه خالد بن يزيد بن معاوية، فأبى وقال: لا أتحملها حيًّا وميتًا"[157].

 

وخلاصة القول: إنَّ معاوية بن يزيد مات ولم يعهد بالخلافة لأحد، وأنَّ محاولات أمه (أم هاشم) من أَجْل إلزامه بتولية العهد لخالد، لم تُثمرْ عن نتيجة واضحة، فإلى أيِّ طريقٍ اتجهت الأحداث بعد موت معاوية، وترك منصب الخلافة شاغرًا؟

 

هذا ما تهتم به السطور التالية:

التنازع على منصب الخلافة:

ما أن مات معاوية بن يزيد حتى علتْ أصواتٌ تنادي بخلافة عبدالله بن الزبير[158]، وباتت أصوات أُخرى تَشعر بخيبة أمل، وترى ضرورةَ بقاء بني أمية في سدة الحكم، وفيما يلي ننقل صورةً واحدةً مما كان يجري من أحداث:

"قَدِم عبيدالله بن زياد دمشق، وعليها الضحاك بن قيس الفهري، فثار زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين، يبايع لعبدالله بن الزبير، وبايع النعمان بن بشير الأنصاري بحمص لابن الزبير، وكان حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بفلسطين عاملاً لمعاوية بن أبي سفيان، ثم ليزيد بن معاوية بعده، وكان يهوى بني أمية، وكان سيد أهل فلسطين، فدعا حسان بن مالك بن بحدل الكلبي رَوْحَ بن زنباع الجذامي، فقال: إني مستخلفك على فلسطين، وأدخل هذا الحي من لخم وجذام، ولست بدون رجل إذ كنت عينهم، قاتلت بمن معك من قومك، وخرج حسان بن مالك إلى الأردن، واستخلف روح بن زنباع على فلسطين، فثار ناتل بن قيس برَوْح بن زنباع، فأخرجه فاستولى على فلسطين، وبايع لابن الزبير، وقد كان عبدالله بن الزبير كتب إلى عامله بالمدينة أن ينفي بني أمية من المدينة، فنفوا بعائلاتهم ونسائهم إلى الشام، فقدمت بنو أمية دمشق، وفيها مروان بن الحكم، فكان الناس فريقين: حسان بن مالك بالأردن، يهوى هوى بني أمية ويدعو إليهم، والضحاك بن قيس الفهري بدمشق، يهوى هوى عبدالله بن الزبير ويدعو إليه"[159].

 

ومن هنا بدأت الفتنة تطلُّ برأسها، وقد قام حسان بن مالك بالأردن يحرِّض الناس ضد ابن الزبير، فقالوا له: قد صدقتَ، نحن نبايعك على أن نقاتل مَن خالفك من الناس وأطاع ابن الزبير، على أن تجنبنا هذين الغلامين؛ فإنَّا نكره ذلك - يعنون: ابني يزيد بن معاوية: عبدالله وخالدًا - فإنهما حديثة أسنانهما، ونحن نكره أن يأتينا الناس بشيخ ونأتيهم بصبي[160].

 

ونلحظ هنا لأول مرَّة ظهور اسم خالد بن يزيد، كأحد المرشَّحين لمنصب الخلافة، لولا صغر سنه، كما نلحظ الاختلافَ الواقع بين الذين يرون بقاء الخلافة في بني أمية، ومقبل الإجماع على عبدالله بن الزبير.

 

وقد كان الضحاك بن قيس بدمشق يهوى هوى ابن الزبير، وكان يمنعه من إظهار ذلك أن بني أمية كانوا بحضرته، وكان يعمل في ذلك سرًّا، فبلغ ذلك حسانَ بن مالك بن بحدل، فكتب إلى الضحاك كتابًا يعظم فيه حقَّ بني أمية، ويذكِّره بالطاعة والجماعة، وحسن بلاء بني أمية عنده وصنيعهم إليه، ويدْعوه إلى طاعتهم، ويذكر ابن الزبير ويقع فيه ويشتمه، ويذكر أنه منافق قد خلع خليفتين، وأمره أن يقرأ كتابه على الناس، ودعا رجلاً من كلب يدعى ناغضة، فسرح بالكتاب، وإلا فقم فاقرأ هذا الكتاب على الناس، وكتب حسان إلى بني أمية يأمرهم أن يحضروا ذلك، فقدم ناغضة بالكتاب على الضحَّاك، فدفعه إليه ودفع كتاب بني أمية إليهم، فلما كان يومُ الجمعة صعد الضحاك المنبر، فقام إليه ناغضة فقال: أصلح الله الأمير، ادع بكتاب حسان، فاقرأه على الناس، فقال له الضحاك: اجلس، فجلس، ثم قام إليه الثانية، فقال له: اجلس، ثم قام إليه الثالثة، فقال له: اجلس، فلما رآه ناغضة لا يفعل، أخرج الكتاب الذي معه فقرأه على الناس، فكثر الهرج والمرج، وقام الناس بين مصدِّق كلام حسان ومكذِّب ابن الزبير وشاتمه، وبين مكذب حسان ومادح ابن الزبير، واضطرب الناس، وجال بعضهم في بعض، ووثبت كلْب على عمرو بن يزيد الحكمي، فضربوه وحرقوه بالنار، وخرقوا ثيابه، وقام خالد بن يزيد بن معاوية، فصعد مرقاتين من المنبر وهو يومئذٍ غلام، والضحاك بن قيس على المنبر، فتكلَّم خالد بن يزيد بكلامٍ أوجز فيه لم يسمع مثله، وسكن الناس، ونزل الضحاك فصلى بالناس الجمعة[161]، غير أن الصراع استمر بين الكلبيين والقيسيين، وانتهى بحسم الموقف لصالح مروان بن الحكم.وهنا نلحظ من جديد موقفًا مُهمًّا لخالد بن يزيد، تجدر الإشارة إليه، وهو أنه - وهو في هذه السن الصغيرة - كان حسن المنطق، قادرًا على تسكين الناس، وهذا يجعل مكانته بينهم كبيرة، ولعلَّ هذا كان من أسباب التفكير في مبايعته بالخِلافة بعد أبيه، على الرغم من صِغَر سِنِّه، فبويع بالجابية يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين.

 

وقال صاحب "النجوم الزاهرة": قيل: "إنَّ خالدًا هذا بويع بالخِلافة بعد أخيه معاوية بن يزيد بن معاوية، فلم يتم أمرُه، ووثب مروان بن الحكم على الأمر، وخلع خالدًا هذا، وتزوج بأمِّه"[162].

 

ولاية العهد لخالد:

اجتمع رأي الناس في الجابية على البيعة لمروان، ثم لخالد بن يزيد من بعده، ثم لعمرو بن سعيد بن العاص من بعد خالد، على أنَّ إمارة دمشق لعمرو بن سعيد بن العاص، وإمارة حمص لخالد بن يزيد بن معاوية[163].

 

إمارته على حمص:

سبق القول: إنَّ مبايعة مروان بن الحكم ارتبطتْ بولاية العهد لخالد بن يزيد مع جعله أميرًا على حمص، ويبدو أنَّ خالدًا ذهب إليها، وقد اعتلَّ، فعاده الصحابيُّ الجليل أبو أمامة، فلمَّا بصر به خالد، ألقى له مرفعته - كان عليها مُتَّكئًا - من حرير، فلمَّا رآها، تنحَّى عنها ثم جلس، فقال: هل سمعت فيها شيئًا يا أبا أمامة؟ قال: نعم، سمعت أنه ((لا يلبس الحرير في الدنيا إلا مَن لا خلاق له في الآخرة))، وقال له: أمِن رسول الله سمعتَه؟ فسكت، ثم قال: أَمِن رسول الله سمعته؟ فسكت، ثم قال: أَمِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سمعته؟ فسكت ثلاثًا، ثم قال: اللهم غُفرًا! كنا في قوم يحدثون ولا يكذبون ولا نكذبهم[164].

 

وكان خالد بن يزيد إذا غاب أو مرض، أمر غضيف بن الحارث أبا أسماء الثمالي أن يصلِّي بالناس، فإذا سمع به الجند حضروا، فهي جمعة ليست بخرساء، يسمع أقصى أهل المسجد موعظتَه[165].

 

زواج مروان من أمِّ خالد:

تزوَّج مروان بن الحكم - بعد مبايعته بالخلافة - من أمِّ خالد بن يزيد، وهي فاختة ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس، ثم جمع بني أمية، وكان ذلك بمشورة من عبيدالله بن زياد[166]، وقيل لمروان: "إنما ينظر الناس إلى هذا الغلام - خالد بن يزيد بن معاوية - فتزوَّجْ أمَّه؛ فيكون في حجرك، فتزوجها ثم جمع بني أمية"[167].

 

مروان بن الحكم ينزع خالدًا من ولاية العهد:

في سنة 65هـ - وهي السنة نفسها التي بويع فيها مروان بن الحكم - أمر أهل الشام بالبيعة من بعده لابنيه: عبدالملك، وعبدالعزيز، وجعلهما وليي العهد، وكان سبب ذلك أنه لما هزم عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مصعبَ بن الزبير حين وجَّهه أخوه عبدالله إلى فلسطين، وانصرف راجعًا إلى مروان، ومروان يومئذٍ بدمشق قد غلب على الشام كلها ومصر، وبلغ مروانَ أنَّ عمرًا يقول: إنَّ هذا الأمر لي من بعد مروان، ويدَّعي أنه قد كان وعده وعدًا، فدعا مروان حسانَ بن مالك بن بحدل، فأخبره أنه يريد أن يبايع لعبدالملك وعبدالعزيز ابنيه من بعده، وأخبره ما بلغه عن عمرو بن سعيد، فقال: أنا أكفيك عمرًا، فلما اجتمع الناس عند مروان عشيًّا قام ابن بحدل، فقال: إنه قد بلغنا أنَّ رجالاً يتمنَّوْن أمانيَّ، قوموا فبايعوا لعبدالملك ولعبدالعزيز من بعده، فقام الناس فبايعوا من عند آخرهم[168].

 

ويُقال: لما انصرف مروان، تزوَّج أم خالد بن يزيد أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن أبي ربيعة، ولما استقر بمروان الدار، قال لحسان بن مالك بن بحدل: يزعمون أنك اشترطت عليَّ لخالد بن يزيد بن معاوية شروطًا، ولعمرو بن سعيد، فرأيت أني إن تزوجت أمه، ثم لم يستطع منعها، علم الناس أنَّه على الخلافة أعجز، وأما ذاك الأشدق سؤر الشياطين، فوالله ما له وفاء، فإن أردتَ إتمام هذا الأمر، فادفع الناس إلى خير منهما: عبدالملك وعبدالعزيز، وحسانُ خالُ خالدِ بن يزيد، فقام حسان فهجن أمر خالد بن يزيد، وحثَّ الناس على بيعة عبدالملك من بعد مروان، فأسرع الناس إلى قبول ذلك، وقالوا: هو أعلم بابن أخته، وما دعا إلى بيعة عبدالملك إلا لما يعرف من ابن أخته.

 

خالد يتسبب في مقتل مروان بن الحكم:

دخل خالد يومًا على مروان وعنده جماعة كثيرة، وهو يمشي بين الصفين، فقال: إنه والله ما علمت لأحمقُ، تعالَ يا ابن الرطبة الاسْتِ - يقصر به؛ ليسقطه من أعين أهل الشام - فرجع إلى أمه فأخبرها، فقالتْ له أمُّه: لا يعرفنَّ ذلك منك واسكت؛ فإني أكفيكه، فدخل عليها مروان، فقال لها: هل قال لك خالد فيَّ شيئًا؟ فقالت: وخالد يقول فيك شيئًا؟! خالد أشد لك إعظامًا من أن يقول فيك شيئًا، فصدَّقها، ثم مكثت أيامًا، ثم إن مروان نام عندها فغطتْه بالوسادة حتى قتلتْه[169].

 

وقيل: لما فعل ابن بحدل ما فعل حين نال من خالد، دعا مروان إلى خلْعه، والبيعة لابنه بولاية العهد، دخل خالد بن يزيد على مروان فقال: بلغني أنك هممت أن تبايع لعبدالملك من بعدك، وما على هذا دعوت الأجناد إلى نفسك، إنما بايعوك على أني وليُّ عهدك، قال: وإنك ليهناك يا ابن الرطبة، فدخل علي في رأيي، فبعث خالد إلى أمِّه بالذي كان، وكان مروان قد نيف على الثمانين، دخلته الضربة التي ضرب يوم الدار على رأسه ووهسته، فسقته أم هاشم سمًّا، فلمَّا حسَّ بذلك أرسل إلى ابن أم الحكم فدعاه، فكتب ابن أم الحكم بطاقةً على لسان مروان إلى زمل بن عبدالله السكسكي، وهو ببيت لَهْيَا أن يركب إليه في الخيل، فركبا الخيل[170].

 

وقيل: كان مروان قد أطمع خالد بن يزيد بن معاوية في بعض الأمر، ثم بدا له، فعقد لابنيه عبدالملك وعبدالعزيز ابني مروان بالخلافة بعده، فأراد أن يضع من خالد بن يزيد، ويقصر به، ويزهِّد الناسَ فيه، وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره، فدخل عليه يومًا فذهب ليجلس مجلسه الذي كان يجلسه، فزبره مروان، وقال له: تنحَّ يا ابن رطبة الاست، والله ما وجدت لك عقلاً، فانصرف خالد وقتئذٍ مغضبًا، حتى دخل على أمِّه فقال: فضحتِني، وقصرتِ بي، ونكستِ برأسي، ووضعتِ أمري! قالت: وما ذاك؟! قال: تزوجتِ هذا الرجلَ، فصنع بي كذا وكذا، ثم أخبرها بما قال له، فقالت: لا يستمع هذا منك أحد، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك، وادخل عليه كما كنت تدخل، واطوِ هذا الأمر حتى ترى عاقبته، فإني سأكفيكه وأنتصر لك منه، فسكت خالد، وخرج إلى منزله، وأقبل مروان حتى دخل على أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، وهي امرأته، فقال لها: ما قال لكِ خالد ما قلتُ اليوم وما حدَّثكِ عني به؟ فقالت: ما حدثني بشيء، ولا قال لي، فقال: ألم يشكني إليك، ويذكر تقصيري به، وما كلمته به؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أجلُّ في عين خالد، وهو أشد لك تعظيمًا من أن يحكي عنك شيئًا، أو يجد من شيء تقوله لي، وإنما أنت بمنزلة الوالد له، فانكسر مروان، وظن أن الأمر على ما حكتْ له، وأنها قد صدَقتْ، ومكث حتى إذا كان بعد ذلك وجاءت القائلة، فنام عندها، فوثبتْ هي وجواريها، فغلقوا الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتْها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها يغمونه حتى مات، ثم قامتْ فشقتْ جيبها عليه، وأمرتْ جواريها وخدمها فشققن وصِحْن عليه، وقلن: مات أمير المؤمنين فجأةً، وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يَعْدُ ذلك ثمانية أشهر، ويُقال: ستة أشهر[171].

 

وقال في "المنتظم": "كان قد تزوَّج أم خالد بن يزيد بن معاوية، وكان مروان يُطمعه في بعض الأمر، ثم بدا له لابنيه عبدالملك وعبدالعزيز، فأراد أن يضع من خالد، ويزهِّد الناس فيه، وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره، فدخل عليه يومًا، فذهب ليجلس مجلسه فزبره، وقال: تنحَّ يا ابن رطبة الاست، والله ما وجدت لك عقلاً، فانصرف خالد وقتئذٍ مغضبًا، حتى دخل على أمه، فقال: قد فضحتِني، وقصرت بي، ونكست برأسي! قالت: وما ذاك؟! قال: تزوجتِ هذا الرجل فصنع كذا، وأخبرها بما قال له، فقالت: لا يسمع هذا منك أحد، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني من ذلك، وادخل عليه كما كنت تدخل، واطوِ هذا الأمر، فإني سأكفيك وأنتصر لك منه، فسكت خالد، ودخل مروان على أم خالد، فقال: ما قال لك خالد ما قلتُ له اليوم؟ فقالت: ما بشيء ولا قال لي، فقال: ألم يشكني إليك، ويذكر تقصيري به؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أجل في عين خالد، وهو أشد لك تعظيمًا من أن يحكي عنك أو يجد من شيء تقوله، وإنما أنت له بمنزلة الوالد، فانكسر مروان، وظن أن الأمر ما حكت فسكت، حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة، فنام عندها، فوثبت هي وجواريها، فغلقوا الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها حتى مات، ثم قامت فشقتْ جيبها، وأمرت جواريها وخدمها فشققن، وصِحْنَ، وقُلْنَ: مات أمير المؤمنين فجأةً، وذلك في هلال رمضان سنة خمس وستين، ومروان ابن أربع وستين، وكانت ولايته على الشام لم تَعْد ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقد قال له علي بن أبي طالب: ليحملن راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة أنفه"[172].

 

المبحث الرابع: مواقف خالد بن يزيد السياسيَّة

تخوُّف عبدالملك من خالد:

"تهيأ مصعب بن الزبير للخروج إلى عبدالملك، وسار حتى أتى باجميرا - قرية على شط الفرات دون الأنبار بثلاثة فراسخ - فنزلها، وبلغ عبدالملك فجمع جنوده، ثم سار فيهم يؤم العراق لقتال مصعب، وقال لرَوْح بن زنباع وهو يتجهَّز: والله إنَّ في أمر هذه الدنيا لعجبًا، لقد رأيتني ومصعب بن الزبير أفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه، فكأني واله، ويفقدني فيفعل مثل ذلك، ولقد كنت أوتى باللطف، فما أراه يجوز لي أكله حتى أبعث به إلى مصعب أو ببعضه، ثم صرنا إلى السيف؛ ولكن هذا الملك عقيم، ليس أحد يريده من ولد ولا والد إلا كان السيف، وإنما يقول هذا القول عبدالملك؛ لأنَّ خالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد بن العاص جالسان معه، فأرادهما به، وهو يومئذٍ يخافهما، قد عرف أنَّ عمرو بن سعيد أطوع الناس عند أهل الشام، وخالد بن يزيد بن معاوية قد كان مروان أطمعه في العقد له بعده، فعقد مرْوان لعبدالملك ولعبدالعزيز بعد عبدالملك، فأيس خالد وهو مع عبدالملك على الطمع والخوف"[173].

 

مواجهة بين خالد وعبدالملك بن مروان:

كان بيْن خالد بن يزيد بن معاوية وبيْن عبدالملك بن مروان كلامٌ، فجعل عبدالملك يتهدَّده بالحرمان والسطو، فقال له خالد: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وتمنعني وعطاء الله دونك مبذول؟![174].

 

وجرى بينه وبين عبدالملك شيء، فقال له عبدالملك: ما أنت في العير ولا في النفير، فقال خالد: ويحك من العير والنفير غيري، وجدي أبو سفيان صاحب العير، وجدي عتبة صاحب النفير، ولكن لو قلت: غنيمات الطائف، يرحم الله عثمان لصدقتَ، وأشار بذلك إلى جده الحكم نفاه النبي إلى الطائف، فردَّه عثمان[175].

 

وأجرى عبدالله بن يزيد بن معاوية الخيل مع الوليد بن عبدالملك، فسبقه عبدالله، فدخل الوليد على خيل عبدالله فعقرها، فجاء عبدالله خالدًا أخاه، فقال: ألم ترَ أني سابقت الوليد فسبقته، فعقر خيلي، والله لهممتُ أن أقتله، قال: فدخل خالد على عبدالملك، فقال: يا أمير المؤمنين، أتاني عبدالله فحلف لهمَّ بقتل الوليد، فقال عبدالملك: ولِمَ يقتله؟ قال: سابقه فسبقه، فدخل على خيله فعقرها، فقال عبدالملك: ﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 34]، فقال خالد: يا أمير المؤمنين، اقرأ الآية الأخرى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، فقال عبدالملك: أما والله لنعم المرء عبدالله على لحنٍ فيه، قال: أفعلى لحن ابنك تعول، قال: إن أخا الوليد سليمان، قال: وأخو عبدالله خالد، قال: مدحت والله نفسك يا خالد، قال: وقبلي والله مدحتَ نفسك يا أمير المؤمنين، قال: ومتى؟ قال: حين قلت: أنا قاتل عمرو بن سعيد، قال: حق والله لمن قتل عَمْرًا أن يفخر بقتْله، قال: أما والله لمروان كان أطولهما باعًا، قال: أما إني أرى ثأري في مروان صباح مساء، ولو أشاء أن أزيله لأزلته، وعنى بقوله أنَّ أم خالد قتلت مروان، قال: إذا شئت أن نطفئ نورك فافعل، قال: ما جرأك عليَّ يا خالد، خلني عنك، قال: لا والله، ما قال الشاعر:

وَيَجُرُّ الِّلِسَانُ مِنْ أَسَلاَتِ الْ
حَرْبِ مَا لاَ يَجُرُّ مِنْهَا الْبَنَانُ

 

قال: فاستحيا عبدالملك، وقال: يا وليد، أكرم أخاك وابن عمك، فقد رأيتُ أباه يكرم أباك، وجده يكرم جدَّك[176].

 

وذكرت القصة بسياق قريبٍ من هذا[177]، وعلق ابن خلكان عليها بقوله: "فإنه أشار إلى أنَّ رسول الله لما نفى الحكم بن أبي العاص - وكان جد عبدالملك المذكور - إلى الطائف كان يرعى الغنم، ويأوي إلى حبيلة، وهي الكرمة، ولم يزل كذلك حتى ولي عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الخلافة فردَّه، وكان الحكم عمه، ويُقال: إن عثمان - رضي الله عنه - كان قد أذن له رسولُ الله في ردِّه متى أفضى الأمر إليه"[178].

 

خالد يشجع عمرو بن سعيد على الخروج على عبدالملك:

"لما سار عبدالملك من دمشق يؤم العراق إلى مصعب لقتاله، فكان دون بطنان حبيب بليلة، جلس خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد، فتذاكرا أمر عبدالملك ومسيرهما معه على خديعة منه لهما، ومواعيد باطلة، قال عمرو: فإني راجع، فشجَّعه خالد على ذلك، فرجع عمرو إلى دمشق، فدخلها والسور يومئذٍ عليها وثيق، فدعا أهل الشام فأسرعوا إليه، وفقده عبدالملك وقال: أين أبو أمية؟ فقيل له: رجع، فرجع عبدالملك بالناس إلى دمشق، فنزل على مدينة دمشق، فأقام عليها ست عشرة ليلة حين فتحها عمرو له وبايعه، فصفح عنه عبدالملك، ثم أجمع على قتله، فأرسل إليه يومًا يدْعوه، فوقع في نفسه أنها رسالة شرٍّ، فركب إليه فيمن معه، ولبس درعًا مكفرًا بها، ودخل على عبدالملك، فتحدث ساعةً، وقد كان عهد إلى يحيى بن الحكم إذا خرج إلى الصلاة أن يضرب عنقه، ثم أقبل عليه فقال: أبا أمية، ما هذه الغوائل والزبى التي تحفر لنا، ثم ذكَّره ما كان منه، وخرج إلى الصلاة ورجع، ولم يقدم عليه يحيى، فشتمه عبدالملك، ثم أقدم هو ومن معه على عمرو بن سعيد فقتله"[179].

 

شفاعة لخالد عند عبدالملك:

وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه بعد قتل مصعب بن الزبير، أرسل مسلم بن عمرو الباهلي - وكان على ميسرة إبراهيم بن الأشتر - إلى خالد بن يزيد بن معاوية أن يطلب له الأمان من عبدالملك، فأرسل إليه: ما تصنع بالأمان وأنت بالموت؟ قال: ليسلم لي مالي، ويأمن ولدي، قال فحمل على سرير، فأدخل على عبدالملك، فقال عبدالملك: لأهل الشام هذا أكفر الناس لمعروف، ويحك، أكفرت معروف يزيد بن معاوية عندك؟! فقال له خالد: تؤمنه يا أمير المؤمنين، فأمنه ثم حمل، فلم يبرح الصحن حتى مات، فقال الشاعر:

نَحْنُ قَتَلْنَا ابْنَ الْحَوَارِيِّ مُصْعَبًا
أَخَا أَسَدٍ وَالنَّخَعِيَّ الْيَمَانِيَا

 

وذلك سنة اثنتين وسبعين"[180].

 

نتيجة قطع العطايا عن آل أبي سفيان:

"قطع عبدالملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم لما غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقك علينا حق عليك؛ بإكرام سلفنا إياك، فضعنا منك حيث وضعنا الرحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا، فقال عبدالملك: أما من استعطى عطيتنا، فسنعطيه، وأما من ظن شأنه مستغنٍ عنا، فسندعه في نفسه، وردَّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يُجريه عليهم، وأقطعه قطيعةً، فبلغ ذلك خالدًا، فقال: أبِالحرمانِ يهددني عبدالملك؟! يد الله فوقه مانعة، وعطاؤه دونه مبذول، فأما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثرَ مما أخذ لها"[181].

 

خالد قبل مقتل ابن الزبير:

"خرج خالد مع عبدالملك بن مروان من دمشق، حين خرج لقتال مصعب بن الزبير، فلما كان دون بطنان حبيب بليلة، جلس خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد، فتذاكرَا أمرَ عبدالملك ومسيرهما معه، فرجع عمرو بن سعيد إلى دمشق، وشجعه خالد بن يزيد، وقد ذكر ذلك في ترجمة عمرو بن سعيد الأشدق"[182].

 

حلمه ومكانته من عبدالملك:

"وقف علي بن عبدالله بن العباس بباب عبدالملك بن مروان ينتظر الإذن، فجاء خالد بن يزيد بن معاوية فوقف إلى جانبه، قال: فجرى بينهما كلام في بني هاشم وبني أمية، فقال خالد لعلي: ألا تعجب؟ فقال علي: أعلم فلا أعجب، ولو كنتُ لا أعلم لعجبت، فأغلظ له خالد في الجواب، فقال له علي: أما والله ما النهار على الليل بنائم، ولا السيف عن الظالم بصائم، وليعضن كريم على ناجذه، حتى يقيمه الذي أقعده، قال: وخرج الإذن إلى خالد، فلما أراد الدخول، قال له علي: السر ما بيني وبينك يا أبا هاشم، فلما دخل على عبدالملك، قال له: ما لي أراك مغضبًا يا أبا هاشم؟ قال: أو محجوجًا يا أمير المؤمنين! قال: ومن هذا الذي يغلبنك بالحجة؟! فوالله ما لسانك إلا شفرة تطبق على مفاصل الكلم، قال: وقفت بباب أمير المؤمنين مع علي بن عبدالله آنفًا، فمت برحم أعرفها، وذكر دَيْنًا لا أنكره، وما مثله ضاع ببابك يا أمير المؤمنين، قال: فإنا قد أمرنا له بمائة ألف درهم صلة، قال: فخرج خالد إلى علي بن عبدالله، وقال يا أبا محمد، قد تخطَّينا ما تكره إلى ما تحب، وقد أمر لك أمير المؤمنين بمائة ألف درهم صلة، فقال له علي: وصلتك رحم، إذا ذهب آل حرب ذهب الحلم"[183].

 

أفكار سياسيَّة لخالد في مواجهة العلويين:

"لما تزوَّج الحَجَّاج بن يوسف ابنة عبدالله بن جعفر، قال: خالد بن يزيد بن معاوية لعبدالملك بن مروان: أتركتَ الحجاج يتزوَّج ابنة عبدالله بن جعفر؟ قال: نعم، وما بأس بذلك؟ قال: أشد البأس والله، قال: وكيف؟ قال: والله - يا أمير المؤمنين - لقد ذهب ما في صدري على آل الزبير منذ تزوَّجت رملة بنت الزبير، قال: فكأنه كان نائمًا فأيقظه، قال: فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها، فطلَّقها"[184].

 

وقال خالد بن يزيد لعبدالملك: "إنك تكتب إلى حجاج وعند أهل العراق، فابعث إليه رسولاً يسأله عن أمس واليوم وغد، فكتب إليه يسأله عن ذلك، فقال للرسول: لعله خويلد كان عنده، اكتب إليه: أمس أجل، واليوم عمل، وغد أمل"[185].

 

"أجرى عبدالملك الخيل، فسبق عباد بن زياد، فقال عبدالملك:

سَبَقَ عَبَّادٌ وَصَلَّتْ لِحْيَتُهْ
وَكَانَ خَرَّازًا تَجُودُ قرْبَتُهْ

 

فشكى عَبَّاد ذلك إلى خالد بن يزيد بن معاوية، فقال له خالد: أما لأضعنك منه بموضع الشجا، فزوَّجه أخته، فكتب الحجاج إلى عبدالملك: إن مناكح آل أبي سفيان قد ضاعتْ، وإن أمير المؤمنين أحق من نظر في ذلك؛ فإن لهم قرابتَهم وحقَّهم، فأقرأ عبدالملك خالدًا كتاب الحجَّاج بن يوسف، فقال خالد: يا أمير المؤمنين، ما أعلم امرأةً منا ضاعتْ ولا اغتربتْ غير عاتكة بنت يزيد، فإنها عندك، وما أظن الحجاج عنى غيرَك، فإنك قد جرأت هذا العبدَ حتى تعدَّى قدره، قال: فغضب عبدالملك، وقال: بل عنى الدعي ابن الدعي عَبَّاد بن زياد، قال: يا أمير المؤمنين، إنما كنتَ ملومًا لو زوجت دعيك، فأما دعيي فلم أكن لأدعي رجلاً ثم لا أزوجه"[186].

 

رأي في معالجة التطرُّف:

دخل خالد بن يزيد بن معاوية على عبدالملك بعد قتله للحارث بن سعيد الكذاب الذي ادعى النبوَّة، واحتال عليه عبدالملك حتى أحضرَه وامتحنه، وقتله لظهور كذبه، فقال خالد لعبدالملك: لو حضرتُك ما أمرتُك بقتله، قال: ولِمَ؟ قال: إنما كان به المذهب، فلو جوَّعته ذهب ذلك عنه"[187]، "والمذهب الوسوسة، ومنه المذهب وهو: وسوسة الوضوء ونحوه"[188].

 

رأي خالد في مواجهة الروم وتعريب الدينار:

"كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر، ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير، فكان عبدالملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذي يكتب في رؤوس الطوامير من: قل هو الله أحد، وغيرها من ذكر الله، فكتب إليه ملك الروم: إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابًا نكرهه، فإن تركتموه، وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيِّكم ما تكرهونه، قال: فكبُر ذلك في صدر عبدالملك، فكره أن يدع سُنَّةً حسنةً سَنَّها، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له: يا أبا هاشم، إحدى بنات طبق، وأخبره الخبر، فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين، حرم دنانيرهم، فلا يتعامل بها، واضرب للناس سككًا، ولا تعف هؤلاء الكفرةَ مما كرهوا في الطوامير، فقال عبدالملك: فرجتها عني فرَّج الله عنك، وضرب الدنانير، قال عوانة بن الحكم: وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير، وتنسبه إلى الربوبيَّة - تعالى الله علوًّا كبيرًا - وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم، فلذلك كره ملك الروم ما كره، واشتدَّ عليه تغيير عبدالملك ما غيَّره، وقال المدائني: قال مسلمة بن محارب: أشار خالد بن يزيد على عبدالملك بتحريم دنانيرهم، ومنع من التعامل بها، وأن يدخل بلاد الروم شيئًا من القراطيس، فمكث حينًا لا يحمل إليهم"[189].

 

أول من ضرب الدنانير في الإسلام عبدالملك بن مروان، وإنما كانت الدنانير تأتي من بلد الروم، ويطلق لهم القراطيس، وكان يكتب في رؤوس الطوامير ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ... ﴾ إلى آخر الآية [النساء: 172]، فلما نظر ملك الروم إلى الكتاب، قال: ما هذا؟ فَقُرِئ له: شتموا إلهك الذي تعبد - يعنون: عيسى - فغضب وكتب إلى عبدالملك يقول: والله لئن كتبت بعد هذا في الطوامير، لأنقشنَّ في الدنانير شتم نبيك، فاغتمَّ عبدالملك، فدخل عليه خالد بن يزيد بن معاوية - وكان داهية - فأخبره، فقال له خالد: لا تغتم، اجعل عندك دارًا للضرب، واضرب فيها وامنعه القراطيس، فإنه سيحتاج إليها فيأخذها على ما تشاء، وأبى ففعل فكان أول من ضربها في الإسلام[190].

 

وذكر صاحب "تاريخ دمشق" في ترجمة داود بن يزيد بن معاوية، رواية مفادها: أنَّ داود هو الذي أشار على عبد الملك بضرب الدينار الإسلامي، ثم انتهى إلى القول: "لم أَجِدْ ذكر داود هذا في كتاب النسب، وهو تصحيف، والصواب: خالد بن يزيد"[191].وعلَّق ابن تغري بردي على قصة تعريب الدنانير بقوله: "قلت: وعبدالعزيز بن مروان هو الذي أشار على أخيه عبدالملك بضرب الدراهم والدنانير، فضربها في سنة ست وسبعين، وعبدالملك أول من أحدث ضربها في الإسلام، فانتفع الناس بذلك، وكان سبب ضربها أنه كتب في صدر كتاب إلى ملك الروم: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾، وذكر النبي مع التاريخ، فكتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم كذا وكذا، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا من ذكر نبيِّكم ما تكرهون، فعظم ذلك عليه، فأحضر خالد بن يزيد بن معاوية فاستشاره فيه، فقال: حرِّم دنانيرهم، واضربْ للناس سكة، وفيها ذكر الله - تعالى - ثم استشار أخاه عبدالعزيز، فأشار عليه - أيضًا - بذلك، فضرب الدنانير والدراهم، ثم إنَّ الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ﴾، فكره الناس ذلك لمكان القرآن؛ فإن الجنب والحائض يمسها، ونهى أن يضرب أحد غيره، فضرب سمير اليهودي فأخذه الحجَّاج ليقتله، فقال له: عيار دراهمي أجود من عيار دراهمك، فلِمَ تقتلني؟ فلم يتركه، فوضع للناس سنج الأوزان؛ ليتركه، فلم يفعل، وكان الناس لا يعرفون الوزن؛ بل يزنون بعضها ببعض، فلما وضع لهم سمير السنج، كفَّ بعضهم عن غبن بعض"[192].

 

رأي خالد في فتنة ابن الأشعث ومعرفته بطبائع الشعوب:

لما أرسل الحجاج إلى عبدالملك بن مروان يخبره بخروج محمد بن الأشعث عليه، وقد كان مرسلاً لتأديب بعض الخارجين على عبدالملك، فخرج هو عليه في سجستان وخلعه ونادى بنفسه خليفة، أرسل عبدالملك إلى خالد بن يزيد يستشيره في أمر ابن الأشعث، فقال خالد: "أما إذا كان الفتق من سجستان، فليس عليك بأس، إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان"[193].وهذا الكلام من خالد يدل على بُعد نظر، وحس سياسي عالٍ، ومعرفة بطبائع الشعوب، ويُثبت التاريخ صحة نظرة خالد، فإن الفتق عندما جاء من خراسان سنة 132هـ أطاح بالدولة الأموية، فأصبحت أثرًا بعد عين.

 

وفاة خالد بن يزيد:

اضطربت الأقوال في تاريخ وفاة خالد بن يزيد، فقد أشار بعض المؤرخين إلى أن وفاته كانت سنة 84هـ، قال ابن عساكر: "بلغني أن خالد بن يزيد وأمية بن خالد بن عبدالله بن أسيد، وروح بن زنباع ماتوا بالصِّنَّبْرة في عام واحد، وبلغني من وجه آخر أن روح بن زنباع مات في سنة أربع وثمانين في خلافة عبدالملك بن مروان، قرأت بخط عبدالوهاب بن عيسى بن عبدالرحمن بن ماهان: أنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري، نا محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري، أخبرني أحمد بن محمد بن القاسم، حدثني أبي عفير، حدثني أبي، حدثني يزيد الرقي، قال: توفي خالد بن يزيد بن معاوية سنة تسعين، فشهده الوليد بن عبدالملك وهو يومئذٍ خليفة، فصلى عليه، وقال: لتلق بنو أمية الأردية على خالد، فلن يتحسَّروا على مثله"[194].

 

"وقال خليفة بن خيَّاط: وفي ولاية عبدالملك مات أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد، بلغني أن أمية بن خالد، وخالد بن يزيد بن معاوية، ورَوْح بن زنباع ماتوا بالصنبرة في عام واحد، بلغني من وجه آخر أن روحًا مات في سنة أربع وثمانين"[195].

 

ويؤكد هذا التاريخ (سنة 84هـ) رثاء عبدالملك بن مروان لخالد، فقد "دعا عبدالملك بغدائه، فقال: ادع خالد بن يزيد بن معاوية، قال: مات يا أمير المؤمنين! قال: ادع ابن أسيد، قال: مات يا أمير المؤمنين! قال: ادع روح بن زنباع، قال: مات يا أمير المؤمنين! قال: ارفع ارفع، قال أبو مسهر: فحدثني رجل، قال: فلما ركب تمثل بهذين البيتين:

ذَهَبَتْ لِمَا بِي وَانْقَضَتْ آجَالُهُمْ
وَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ وَلَسْتُ بِغَابِرِ
وَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ فَأَسْكُنُ مَرَّةً
بَطْنَ الْعَقِيقِ وَمَرَّةً بِالظَّاهِرِ

 

وقال ابن العماد: "توفي خالد بن يزيد سنة 85هـ"، ثم ذكر أنه توفي على الأصح سنة 90هـ، ويؤكِّد ذلك ما ورد عند الذهبي، وابن تغري بردي.

 

وقد حدَّد ياقوت مكان وفاة خالد، فقال: "يُقال: إن خالد بن الوليد مات بقرية على نحو ميل من حمص، وإن هذا الذي يُزار بحمص، إنما هو قبر خالد بن يزيد بن معاوية، وهو الذي بنى القصر بحمص، وآثار هذا القصر في غربي الطريق باقية".

 

هل بقي أثر للخلافة في بيت خالد بعد وفاته؟

"أرسل عبدالملك بن مروان عند احتضاره إلى عبدالله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وخالد بن أسيد، فقال: هل تدريان لِمَ بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لترينا أثر عافية الله إياك، قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء، فقالا: لا والله، ما نرى أحدًا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين، قال: أولى لكما، أما والله لو غير ذلك قلتما، لضربت الذي فيه أعينكما، فرفع فراشه فإذا السيف مشهور".

 

ومع ذلك فقد ظهرتِ الخلافة في عقب خالد، ففي ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومائة - في ولاية الأمين - بويع لعلي بن عبدالله بن خالد بن يزيد بن معاوية بالخلافة بدمشق، وكان علي هذا يلقب بالسفياني، المعروف بأبي العميطر"، وقيل: إن خالدًا قد وضع حديث السفياني، وكان ذلك من أسباب سخط مروان بن الحكم عليه.

 

الخاتمة:

بعد هذه الرحلة مع خالد بن يزيد حكيم بني مروان - كما تذكره المصادر - بين العلم والسياسة، يمكن القول: إن هذه الدراسة حاولت أن تضع شخصية خالد بن يزيد في موضعها الذي ينبغي أن يكون، وإن لم تفِ بالغرض كاملاً، حيث إن علماء الإسلام وأفذاذ الحضارة يحتاجون إلى مطولات للكتابة عنهم، وأخْذ العِبَر والعِظات من سِيَرهم، والإفادة من أفكارهم وآرائهم، وقد أغفل التاريخ رجالات كان حقهم عليه أن يسجل تاريخهم للأجيال اللاحقة؛ لعلهم يسترجعون الثقة في أنفسهم من جديد، ويدركون أنهم أصحاب مجد تليد.

 

وتحاول هذه الدراسة عرض شخصية خالد أولاً؛ للتأكيد من خلال ذلك على أنَّ الفكر السياسي الإسلامي والعلم صنوانِ لا يتنافران - لمن قدر على الجمع بينهما - وأن العلماء ليسوا بمعزل عن الحياة السياسية، وإن رفضوا المشاركة الفعليَّة فيها، أو حالتِ الظروف دون دخولها.

 

وتتحدد هذه الدراسة في أربعة مباحث:

ركز المبحث الأول – وعنوانه: "خالد بن يزيد ونشأته الأولى" - على عدَّة أمور، هي: (اسمه ونسبه - لقبه وكنيته - مولده - نشأته: النشأة في البادية - الإقامة في دمشق - السفر إلى مصر - خالد في بيت المقدس - سمات خالد الشخصية - زوجاته - أبناؤه - مواليه - مسكنه).

 

وكان من أهم نتائج الدراسة في هذا المبحث: قضية مولده التي اختلف المؤرخون فيها، وخلص الباحث إلى رأي محدد فيها: هو أن مولد خالد كان بين عامي 44، و45هـ، ولعل أهم ما مَيَّز هذه الشخصية هو تدينه وتواضعه، مع حفظه للعلم، وقوة تحمُّله، وفراسته.

 

أما المبحث الثاني (خالد بن يزيد والعلم)، فقد عالج الجوانب التالية: (اهتمامه بالعلم - شيوخه - تلاميذه - صلته برواية الحديث النبوي - مناظراته العلمية - صلته بالعلوم التجريبية - أقواله - شعره)، وقد كانت مناظرته العلمية مثالاً للعقلية العربية الإسلامية الناضجة، القادرة على التحليل والاستنباط، والحوار العلمي المثمر الجاد.

 

وناقش المبحث الثالث (خالد بن يزيد ومنصب الخلافة) عدة أمور، هي: (خلافة معاوية بن يزيد وولاية العهد - التنازع على منصب الخلافة - ولاية العهد لخالد - إمارته على حمص - زواج مروان من أم خالد - مروان بن الحكم ينزع خالدًا من ولاية العهد - خالد يتسبب في مقتل مروان بن الحكم)، وكان أبرز ما ظهر في هذا المبحث هو أنَّ خالدًا لم يكن بمعزل عن السياسة؛ بل هو كان له أثر فاعل فيها.

 

ثم جاء المبحث الرابع (مواقف خالد بن يزيد السياسية) ليركز على موضوعات أخرى، هي: (تخوف عبدالملك من خالد - مواجهة بين خالد وعبدالملك - خالد يشجع عمرو بن سعيد على الخروج على عبدالملك - شفاعة لخالد عند عبدالملك - نتيجة قطع العطايا عن آل أبي سفيان - خالد قبل مقتل ابن الزبير - حلمه ومكانته من عبدالملك - أفكار سياسية لخالد في مواجهة العلويين - رأي في معالجة التطرف - رأي خالد في مواجهة الروم وتعريب الدينار).

 

وقد تأكد من خلال هذا المبحث عدة أمور، منها: القدرة على التحليل السياسي، وأخذ القرار المناسب الذي يضع مصلحة الأمَّة في المقام الأول، كما أظهرت الدراسة عِفَّة خالد، وأنفته من أن يستذله الخليفة.

 

وانتهتِ الدراسة بمناقشة موضوع وفاة خالد بن يزيد، التي اختلف فيها المؤرخون - أيضًا - وردت كذلك على سؤال مفاده: هل بقي أثر للخلافة في بيت خالد بعد وفاته؟

 

ويمكن من خلال هذه الدراسة التوصُّل إلى التوصيات والمقترحات التالية:

التوصيات والمقترحات:

بعد هذه الدراسة الموجزة عن خالد بن يزيد، يوصي الباحث بضرورة التنقيب عن تراث أمتنا؛ لبيان كنوزه ودرره، والإفادة منه في حاضر الأمة ومستقبلها، بعد أن أصبح شاهدًا للعيان مدى الهجمة الشرسة على تراثنا وحضارتنا وقِيَمنا الإسلامية، وبعد أن تميعتْ ثوابتنا في عقول أبنائنا، واختلط الفكر، وبدا تأثير الثقافات الواردة يطغى على ثقافة أمَّتنا.

 

وأقترح أن تشكل في كل هيئة علمية متخصصة، لجنة تعرف بلجنة التراث، مهمتها الأساسية التنقيب عن هذا العطاء، وعرضه في ثوب قشيب، مع بيان العبرة المتوخَّاة منه، وتقديم الحلول العملية التي تفيد شبابَ أمتنا، وتحميهم من الزلل الفكري، والزيغ الأخلاقي.

 

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

 

المصادر والمراجع

1 - أبو داود: سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، (275هـ)؛ "سُنن أبي داود"، دار الفكر؛ تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد.

2 - الأصبهاني: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (430هـ)؛ "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"، ط4، بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 1405هـ.

3 - ابن أبي جرادة: كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة؛ "بغية الطلب في تاريخ حلب"؛ تحقيق د. سهيل زكار، ط1، بيروت: دار الفكر، سنة 1988م.

4 - ابن الأثير: محمد بن محمد بن عبدالواحد الشيباني، (630هـ)؛ "الكامل في التاريخ"؛ تحقيق: أبي الفداء عبدالله القاضي، ط2، بيروت: دار الكتب العلميَّة، سنة 1415هـ - 1995م.

5 - ابن تغري بردي: جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، (874هـ)؛ "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، مصر: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

6 - ابن الجوزي: عبدالرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج، (597هـ)؛ "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"؛ تحقيق محمد ومصطفى عبد القادر عطا، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1412هـ - 1992م.

7 - ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، (852هـ)؛ "الإصابة في تمييز الصحابة"؛ تحقيق علي محمد البجاوي، ط1، بيروت: دار الجيل، سنة 1412هـ - 1992م.

8 - "تقريب التهذيب"؛ تحقيق: محمد عوامة، ط1، سوريا: دار الرشيد، سنة 1406هـ - 1986م.

9 - ابن حنبل: أحمد بن محمد، (241هـ)؛ "مسند أحمد"، ط، المكتب الإسلامي، ودار صادر بيروت.

10- ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد، (681هـ)؛ "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان"؛ تحقيق د. إحسان عباس، ط، دار صادر 1978م.

11- ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع الهاشمي أبو عبدالله، (230هـ)؛ "الطبقات الكُبْرَى"، (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم)؛ تحقيق: زياد محمد منصور، ط2، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحِكَم، سنة 1408هـ.

12- ابن عساكر: علي بن الحسن الشافعي، (571هـ)؛ "تاريخ دمشق"؛ تحقيق عمرو غرامة العمروي، ط1، بيروت: دار الفكر، 1415هـ.

13- ابن العماد: عبدالحي بن أحمد العكري الدمشقي (1089هـ)؛ "شذرات الذهب في أخبار من ذهب"، بيروت: دار الكتب العلميَّة.

14- ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، (774هـ)؛ "تفسير القرآن العظيم"، بيروت: دار الفكر، سنة 1401هـ.

15- "البداية والنهاية"، بيروت: مكتبة المعارف.

16- ابن النديم: محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم، (385هـ)؛ "الفهرست"، بيروت: دار المعرفة، سنة 1398هـ - 1978م.

17- البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبدالله البخاري الجعفي (256هـ)؛ "التاريخ الكبير"؛ تحقيق السيد هاشم الندوي، دار الفكر.

18- "صحيح البخاري"، ط: العثمانية بمصر، سنة 1932م.

19- البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، (279هـ)؛ "فتوح البلدان"؛ تحقيق رضوان محمد رضوان، بيروت: دار الكتب العلميَّة، سنة 1403هـ.

20- "أنساب الأشراف"؛ تحقيق محمد حميدالله، ط: دار المعارف بالقاهرة 1959م، والقدس 1938م.

21- الدفاع: د. علي عبدالله الدفاع في مقال منشور بمجلة الدارة، بعنوان: "حكيم بني أمية"، العدد الرابع، السنة التاسعة، رجب 1404هـ - أبريل 1984م.

22- الذهبي: محمد بن أحمد أبو عبدالله الذهبي الدمشقي (748هـ)؛ "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة"؛ تحقيق: محمد عوامة، ط1، جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو، سنة 1413هـ - 1992م.23- "العبر في خبر من غبر"؛ تحقيق: د. صلاح الدين المنجد، ط2، الكويت: مطبعة حكومة الكويت، سنة 1948م.

24- "سِيَر أعلام النبلاء"؛ تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وآخرين، ط1، بيروت: مؤسسة الرسالة.

25- الطبري: محمد بن جرير الطبري أبو جعفر، (310هـ)؛ "تاريخ الطبري - الأمم والملوك"، ط1، بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1407هـ.

26- القنوجي: صديق بن حسن القنوجي، (1307هـ)؛ "أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم"؛ تحقيق: عبدالجبار زكار، بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1978م.

27- الكتاني: عبدالحي الكتاني الإدريسي الحسني الفاسي؛ "نظام الحكومة النبوية المسمَّى التراتيب الإدارية"، بيروت: دار الكتاب العربي.

28- شاكر: محمود شاكر؛ "معاوية بن أبي سفيان"، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1415هـ.

29- المزي: يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، (742هـ)؛ "تهذيب الكمال"؛ تحقيق: د. بشار عواد معروف، ط1، بيروت: مؤسسة الرسالة، سنة 1400هـ - 1980م.

30- مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج، (261هـ)؛ "صحيح مسلم"؛ تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ط/ إستانبول: المكتبة الإسلاميَّة، 1955م.

31- مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرومي الحنفي، (1067هـ)؛ "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون"، بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1413هـ - 1992م.

32- المقدسي: مطهر بن طاهر المقدسي، (507هـ)؛ "البدء والتاريخ"، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية.

33- المقري: أحمد بن محمد المقري، (1041هـ)؛ "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"؛ تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد، طبعة السعادة بمصر، 1949م.

34- نبيه: د. نبيه عاقل؛ "تاريخ خلافة بني أميَّة"، بدون تاريخ.

35- الهديب: فريال الهديب؛ "صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبيَّة دراسة نقدية"، ط1، دار أجا، 1416هـ -1995م.

36- ياقوت بن عبدالله الحموي أبو عبدالله، (626هـ)؛ "معجم البلدان"، بيروت: دار الفكر.

37- اليعقوبي: أحمد بن يعقوب بن جعفر؛ "الأخبار الطوال"، المعروف "بتاريخ اليعقوبي"، ط/ بيروت، سنة 1379هـ.



[1] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411).

[2] - "أنساب الأشراف"، البلاذري، و"تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[3] - فريال الهديب، "صورة يزيد بن معاوية في الروايات الأدبيَّة"، دراسة نقديَّة، ط1، 1416هـ، 1995م، دار أجا، ص (60).

[4] - محمود شاكر، "معاوية بن أبي سفيان"، ص (75).

[5] - الطبري، "تاريخ الطبري"، (3 / 252).

[6] - ابن عساكر، "تاريخ دمشق"، (16/ 303).

[7] - "المصدر السابق"، (16/ 301 - 305)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[8] - ابن عساكر، "تاريخ دمشق"، (16/ 305)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3186).

[9] - "أبجد العلوم"، ج (2)، ص (252).

[10] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411).

[11] - ابن عساكر، "تاريخ دمشق"، (16/ 301 - 304) ، (66/ 273)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[12] - ابن عبد ربه، "كتاب طبائع النساء"، ص (186).

[13] - ابن عساكر، "تاريخ دمشق"، (59/ 299)، وذكر ابن عساكر في موضع آخر، "تاريخ دمشق"، (59/ 305) أن معاوية بن يزيد "مات وهو ابن خمس عشرة سنة، وصلى عليه أخوه خالد بن يزيد"، وهذا الكلام يتناقض مع ما سبق القول به من أن معاوية ولد سنة 43هـ، كما أنه يَعني أن خالدًا كان عمره سنة 46 هـ لا يتجاوز ثلاثة عشر عامًا، وهو ما لا يتفق مع المصادر الأخرى من جانب؛ بل يخالف ما أقرَّه ابن عساكر أيضًا، فضلاً عن أن هذا الكلام كان سيجعل العلماء يتكلمون في أهلية معاوية بن يزيد للخلافة أصلاً.

[14] - ابن عساكر، "تاريخ دمشق"، (59/ 299)، وذكر ابن عساكر في موضع آخر، (16/ 303) أنه "ولد يزيد بن معاوية خالدًا وأبا سفيان، وأمهم أُمُّ هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة"، وهو خطأ ذكره صاحبُ "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184) بالنص نفسه أيضًا، والصحيح أنَّ خالدًا هو أول أبناء أُمِّ هاشم، وأنها كُنيت به، وربما قيل: إنَّ أم معاوية وأبي سفيان أخوي خالد هي أم هاشم؛ لأنَّها خالتهما، وقد تزوَّجها يزيد بعد أم حبيب، وربما باعتبار شهرة أُم خالد.

[15]- يرى د. علي عبدالله الدفاع في مقال منشور بمجلة الدارة، العدد الرابع، السنة التاسعة، رجب 1404هـ / أبريل 1984م، ص (152) "أن خالدًا عاش فيما بين عامي 13 و85 هـ، 635 و704م، وهذا لا يتفق مع الواقع التاريخي، ولا مع ما قدَّمْناه من أدلة، فضلاً عن عدم تقديم دليل من عنده بذلك.

[16] - توضِّح هذه الرواية مكانة العَلويِّين عندَ بني أُميَّة، على الرغم من أنَّ راويها هو أبو مخنف، زعيم المدرسة العِراقيَّة في التاريخ، وراوي أحداث الدولة الأُمويَّة عند الطبري، والمعروف بتشيُّعه.

[17] - "تاريخ الطبري"، (3/ 233).

[18] - "المصدر السابق"، (3/ 233).

[19] - الدفاع، "الدارة"، مقال بعنوان: "حكيم بني أميَّة"، العدد 4، السنة 9، رجب 1404هـ، ص (152).

[20] - الدفاع، "الدارة"، مقال بعنوان: "حكيم بني أميَّة"، العدد 4، السنة 9، رجب 1404هـ، ص (153).

[21] - حُوارين بضم الحاء، بلدة تبعد عن دمشق 120 كم، وعن حمص 70 كم، وتقع بينهما، راجع محمود شاكر، "معاوية وأسرته"، ص (336 - 337).

[22] - يبدو أن يزيد بن معاوية كان يحب العيش في حوارين حتى بعد توليه الخلافة، فقد توفي فيها سنة 64هـ، وهذا يرجح أن البداية الأولى لخالد بن يزيد كانت في حوارين، وأنه انتقل إلى دمشق بعد وفاة أبيه، وتغير الأحوال بعد وفاة أخيه معاوية الذي تنحَّى عن منصب الخلافة، راجع "تاريخ الطبري"، (5 / 499).

[23] - فريال الهديب، "صورة يزيد"، ص (62 - 67).

[24] - فريال الهديب، "صورة يزيد"، ص (62 - 67).

[25] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3185)، و"تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 305).

[26] - "تاريخ دمشق"، (33 / 17)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (4)، ص (496).

[27] - "حلية الأولياء"، ج (5)، ص (256).

[28] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 303)، و"سير أعلام النبلاء"، (9/ 412)، قال ابن خلكان في ترجمته: كان من أعلم قريش بفنون العلم، قال: وكان بصيرًا بهذين العلمين؛ الطب والكيمياء، "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (412).

[29] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[30] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 303)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[31] - "سير أعلام النبلاء"، (9/ 412).

[32] - "المصدر السابق"، (9/ 412).

[33] - "الفهرست"، ج (1)، ص (338)، و"كشف الظنون"، ج (1)، ص (681)، و"أبجد العلوم"، ج (2)، ص (252).

[34] - "سير أعلام النبلاء"، (9/ 412).

[35] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 306)، قال "كان يصوم الأعياد، والسبت، والأحد، والجمعة"، ولا أدري على أيِّ فقه استندَ في هذا السلوك العبادي، علمًا بأن المشهور الوارد في السُّنة هو صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع؛ راجع صيام التطوُّع في كتب الفقه.

[36] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 306).

[37] - "سير أعلام النبلاء"، (9/ 412).

[38] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3187)، و"تاريخ دمشق"، (16/ 309 - 310).

[39] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 305)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3187).

[40] - "حلية الأولياء"، ج (5)، ص (256).

[41] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3188 - 3189).

[42] - "تاريخ دمشق"، (16/ 310).

[43] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3193).

[44] - "المصدر السابق"، ج (7)، ص (3191).

[45] - "المصدر السابق"، ج (7)، ص (3191 - 3192).

[46] - لعلَّ هذا يُفسِّر لنا قول الشاعر:

إِذَا مَا نَظَرْنَا فِي مَنَاكِحِ خَالِدٍ = عَرَفْنَا الَّذِي يَهْوَى وَحَيْثُ يُرِيدُ

"تاريخ دمشق"، (69/ 129 - 130).

[47] - "تاريخ دمشق"، (69/ 243)، ذكرها ابن عساكر بهذا الاسم، وباسم آخر هو عاتكة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية، وهو بلا شك خطأ؛ لأنها في هذه الحال تصبح ابنة أخيه، ومن الملحوظ هنا أن مجرد تشبُّه هذه المرأة في زيِّها بزي الرجال، كان سببًا في طلاقها، فما بالنا بما نراه اليوم؟!

[48] - "المصدر السابق"، (69/ 171).

[49] - "المصدر السابق"، (69/ 172).

[50] - "المصدر السابق"، (63/ 165)، (69/ 260).

[51] - "تاريخ دمشق"، (70/ 292 - 294).

[52] - "المصدر السابق"، (29/ 375)، (58/ 212).

[53] - لعل القرشيَّة هي زينب بنت عبدالله بن جعفر، وربما كانت الأزديَّة هي الشاعرة.

[54] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3194 - 3195)، و"المنتظم"، (حتى 257هـ)، ج (6)، ص (237 - 238)، و"شذرات الذهب"، ج (1)، ص (96).

[55] - "تاريخ دمشق"، (69/ 127 - 128).

[56] - "تاريخ دمشق"، (69/ 129 - 130).

[57] - "المصدر السابق"، (22/ 434).

[58] - "المصدر السابق"، (69/ 38).

[59] - "تاريخ دمشق"، (69/ 38).

[60] - "المصدر السابق"، (69/ 39).

[61] - "المصدر السابق"، (66/ 272).

[62] - "المصدر السابق"، (40/ 412).

[63] - "المصدر السابق"، (12/ 310)، (40/ 29).

[64] - "تاريخ دمشق"، (21/ 57)، (37/ 465).

[65] - "المصدر السابق"، (49/ 105).

[66] - "المصدر السابق"، (16/ 128)، (65/ 364).

[67] - "المصدر السابق"، (38/ 238).

[68] - "المصدر السابق"، (59/ 29).

[69] - "المصدر السابق"، (12/ 315)، (57/ 330).

[70] - "المصدر السابق"، (66/11)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3187).

[71] - "المصدر السابق"، (62/ 106).

[72] - "التاريخ الكبير"، ج (4)، ص (160).

[73] - "تاريخ دمشق"، (41/ 73 - 84)، و"شذرات الذهب"، ج (1)، ص (130).

[74] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411 - 412)، "وتاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 304)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3185).

[75] - "تاريخ دمشق"، (35/ 5).

[76] - "المصدر السابق"، (21/ 97)، و"معجم البلدان" (2/ 414).

[77] - "المصدر السابق"، (33/ 4).

[78] - "المصدر السابق"، (2/ 359)، و"أخبار وحكايات"، ج (1)، ص (26).

[79] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 303)، و"سير أعلام النبلاء"، (9/ 412)، قال ابن خلكان في ترجمته: "كان من أعلم قريش بفنون العلم"، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (412)، و"أبجد العلوم"، ج (2)، ص (252).

[80] - "الفهرست"، ج (1)، ص (338)، و"كشف الظنون"، ج (1)، ص (681)، و"أبجد العلوم"، ج (2)، ص (252).

[81] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (412).

[82] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 305)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3187).

[83] - "المصدر السابق"، (16/ 303)، (36/ 70).

[84] - "المصدر السابق"، (16/ 304)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3185).

[85] - "المصدر السابق"، (16/ 304).

[86] - "المصدر السابق"، (16/ 305 - 306)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3186).

[87] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[88] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (61/ 303)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[89] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (412).

[90] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، (65/ 394)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186)، وقد سبقت ترجمة موجزة عنه.

[91] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186)، وهو "دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن بكر بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي، له صحبة وهو الذي كان جبريل - عليه السلام - يأتي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صورته، وبعثه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بكتابه إلى قيصر، فأوصله إلى عظيم بصرى، روى عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيئًا يسيرًا، وروى عنه خالد بن يزيد بن معاوية، وعبدالله بن شداد بن الهاد، وعامر الشعبي، ومنصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبي، ومحمد بن كعب القرظي، وشَهِد اليرموك، وكان أميرًا على كردوس، ثم سكن دمشق بعد ذلك، وكان منزله بقرية المزة"، "تاريخ دمشق"، (17/ 201).

[92] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[93] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"،ج (7)، ص (3184 - 3186).

[94] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، و"سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (411)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186).

[95] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 -3186).

[96] - "المصدر السابق"، (16/ 301)، "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186).

[97] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 301)، "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186).

[98] - "المصدر السابق"، (16/ 301 - 305)، "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186).

[99] - "المصدر السابق"، (16/ 301)، "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184 - 3186).

عن أبي عبد رب الزاهد، قال "لقيت أبا الأخضر مولى خالد بن يزيد بن معاوية، فقلت له: خالد قد علم العرب والعجم في أي ذلك وجد بناء هذه الدار - يعني: دار الحجارة -؟ فقال: والله ما سمعته يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما وضعت فيها حجرًا على حجر"، "تاريخ دمشق"، (66/11).

[100] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 302).

[101] - "المصدر السابق"، (16/ 312).

[102] - "المصدر السابق"، (16 / 312)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3189).

[103] - "المصدر السابق"، (34/ 391 - 392).

[104] - "تاريخ دمشق"، (37/ 45).

[105] - قدم الجابية، وسمع بها أنسَ بن مالك يحدِّث الخليفة، وكانتْ له بدمشق دار بناحية قنطرة سنان، روى عن خالد بن يزيد بن معاوية، "تاريخ دمشق"، (40/ 228).

[106] - "تاريخ دمشق"، (67/ 283).

[107] - ذكر ابن ماكولا في باب الزبادي "خالد بن عامر الزبادي إفريقي، حدَّث عنه عياش بن عباس، روى عن خالد بن يزيد بن معاوية، قاله ابن يونس"؛ "معجم البلدان"، ج (3)، ص (129)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3185).

[108] - "نفح الطيب"، ج (2)، ص (1138).

[109] - "تقريب التهذيب"، ج (1)، ص (191).

[110] - "الكاشف"، ج (1)، ص (370).

[111] - "سنن أبي داود"، كتاب اللباس، حديث رقم (3589).

[112] - رُوي هذا الحديث عن عباس بن عبدالله بن عباس، ويقال: ابن عبيدالله، وقيل: عبدالله بن عباس، كما روي عن عبيدالله بن عدي، راجع "تاريخ دمشق"، (71 / 203 - 205).

[113] - "تاريخ دمشق"، لابن عساكر، (16/ 303)، وأورد الرواية ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: ﴿ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ﴾ [الغاشية: 24]، ج (4)، ص (505)، و"مسند أحمد"، ج (5)، ص (258).

[114] - "المصدر السابق"، (24/ 71).

[115] - "الإصابة"، ج (2)، ص (376)، ترجمة رقم (2364).

[116] - "تاريخ دمشق"، (11/ 160).

[117] - "المصدر السابق"، (16/ 302).

[118] - "المصدر السابق"، (16/ 302 - 303)، (17 / 304 - 306).

[119] - "تاريخ دمشق"، (16 / 312).

[120] - "المصدر السابق"، (16/ 312)، "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3189).

[121] - "المصدر السابق"، (34 / 392 - 393)، وفي رواية (45/ 157): "إمام هدى".

[122] - "المصدر السابق"، (37/ 45).

[123] - "النجوم الزاهرة"، ج (1)، ص (221)، ج (2)، ص (159)، وقال: حديث السفياني موضوع، وضعه خالد بن يزيد بن معاوية.

[124] - "تاريخ دمشق"، (16/ 307 - 903)، "تهذيب الكمال"، ج (8)، ص (204 - 602).

[125] - "سير أعلام النبلاء"، ج (9)، ص (412).

[126] - "شذرات الذهب"، (1/ 96).

[127] - "التراتيب الإدارية"، ج (2)، ص (15).

[128] - "التراتيب الإدارية"، ج (2)، ص (267 - 270).

[129] - "كشف الظنون"، ج (2)، ص (1531)، و"أبجد العلوم"، ج (2)، ص (462).

[130] - "الفهرست"، ج (1)، ص (338).

[131] - "المصدر السابق"، ج (1)، ص (497).

[132] - "المصدر السابق"، ج (1)، ص (338).

[133] - "المصدر السابق"، ج (1)، ص (498).

[134] - "وفيات الأعيان"، ج (2)، ص (224).

[135] - "النجوم الزاهرة"، ج (1)، ص (221).

[136] - "تاريخ دمشق"، (61/ 313).

[137] - "المصدر السابق"، (16/ 311 - 312).

[138] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3189).

[139] - "المصدر السابق"، ج (7)، ص (3189).

[140] - "المصدر السابق"، ج (7)، ص (3190).

[141] - "تاريخ دمشق"، (16/ 312 - 313).

[142] - "سير أعلام النبلاء"، ج (5)، ص (16).

[143] - "تاريخ دمشق"، (16/ 312).

[144] - "المصدر السابق"، (16/ 312).

[145] - "تاريخ دمشق"، (16/ 313).

[146] - راجع المبحث الأول، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3194 - 3195)، و"المنتظم"، حتى 257هـ، ج (6)، ص (237 - 238)، و"شذرات الذهب"، ج (1)، ص (96).

[147] - "البداية والنهاية"، ج (9)، ص (60).

[148] - "تاريخ دمشق"، (16/ 313 - 314)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3196).

[149]- "المصدر السابق"، (16/ 314 - 315)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب" ج (7)، ص (3196)، و"وفيات الأعيان"، ج (2)، ص (224)، و"تهذيب الكمال"، ج (8) ص (207).

[150] - "المصدر السابق"، (16/ 315)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3197)، و"تهذيب الكمال"، ج (8)، ص (206).

[151] - "الفهرست"، ج (1)، ص (338)، و"وفيات الأعيان"، ج (2)، ص (224)، و"كشف الظنون"، ج (2)، ص (1531).

[152] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (379).

[153] - هو أبو الحكم، وقيل: أبو عبدالملك مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس، ويُقال: إنه كان يلقب المؤتمن بالله، وأمه أمية بنت علقمة بن صفوان، كان قصيرًا دقيقًا، بويع له بالخلافة بالجابية من الشام في رجب سنة أربع وستين، ثم جُددت له البيعة في ذي القعدة من هذه السنة، قال ابن حزم في "نقط العروس": وكان سنُّه يوم ولي الخلافة إحدى وستين سنة، وكان نقش خاتمه: "الله ثقتي ورجائي"، وبقي حتى توفي بالطاعون لثلاثٍ خلون من رمضان سنة خمس وستين، وعمره ثلاث وستون سنة، ويُقال: إن زوجته أم خالد بن يزيد بن معاوية خنقته، ثم صاحت، وقالت: مات فجأةً، ودُفن بمقبرة دمشق، وكانت مدة خلافته سبعة أشهر وثمانية عشر يومًا، وكان له من الأولاد: عبدالملك، ومعاوية، وعبيدالله، وعبدالله، وأبان، وداود، وعبدالعزيز، وعبدالرحمن، وبشر، ومحمد، وبنات.

الحوادث والمجريات في خلافته: كان سلطانه بالشام خاصة، وباقي الأمصار في طاعة عبدالله بن الزبير، "مآثر الإنافة"، ج (1)، ص (124 - 126).

[154] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (423).

[155] - البلاذري، "فتوح البلدان"، (3/ 321).

[156] - راجع نبيه عاقل، "خلافة بني أمية".

[157] - "تاريخ دمشق"، (59/ 303).

[158] - "كان عبدالله بن الزبير بن العوام - وأمه أسماء بنت أبي بكر - قد تغلَّب على مكة وتَسمَّى بأمير المؤمنين، ومال إليه أكثر النواحي، وكان ابتداء أمره في أيام يزيد بن معاوية"، "تاريخ اليعقوبي"، ج (2)، ص (255).

[159] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (379)، وما بعدها.

[160] - "المصدر السابق"، ج (3)، ص (380).

[161] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (382).

[162] - "النجوم الزاهرة"، ج (1)، ص (221).

[163] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (386)، و"تاريخ دمشق"، (21/ 291 - 292).

[164] -"تاريخ دمشق"، (24/ 71).

[165] - "تاريخ دمشق"، (48/ 81).

[166] - "تاريخ الطبري"، ج (3)، ص (389).

[167] - "المنتظم"، حتى 257هـ، ج (6)، ص (28).

[168] - "تاريخ الطبري"، ج (3) ص (423).

[169] - "المصدر السابق"، ج (3) ص (423.

[170] - "تاريخ دمشق"، (57/ 256 - 257).

[171] - "تاريخ دمشق"، (57/ 256 - 257)، و"الطبقات الكبرى"، ج (5)، ص (42)، و"البدء والتاريخ"، ج (6)، ص (18 - 20).

[172] - "المنتظم"، حتى 257هـ، ج (6)، ص (49 - 50).

[173] - "الطبقات الكبرى"، ج (5)، ص (226 - 227).

[174] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3190)، و"تاريخ دمشق"، (16/ 310).

[175] - "شذرات الذهب"، ج (1)، ص (96).

[176] - "تاريخ دمشق"، (16/ 311)، و"بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3190 - 3191).

[177] - "المصدر السابق"، (33/ 388 - 389).

[178] - "وفيات الأعيان"، ج (2)، ص (226).

[179] - "تاريخ دمشق"، (46/ 42).

[180] - "المصدر السابق"، (58/ 115).

[181] - "تاريخ دمشق"، (46/ 272 - 273).

[182] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3184).

[183] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3188 - 3189).

[184] - "تاريخ دمشق"، (12/ 125).

[185] - "المصدر السابق"، (12/ 153).

[186] - "تاريخ دمشق"، (26/ 232 - 233).

[187] - "المصدر السابق"، (11/ 427 - 431)، و"فتوح البلدان"، ج (1)، ص (241).

[188] - "معجم البلدان"، ج (2)، ص (324).

[189] - "فتوح البلدان"، ج (1)، ص (242).

[190] - "بغية الطلب في تاريخ حلب"، ج (7)، ص (3491)، و"الكامل"، ج (4)، ص (167).

[191] - "تاريخ دمشق"، (17/ 195).

[192] - "النجوم الزاهرة"، ج (1)، ص (176 - 178).

[193] - "تاريخ الطبري"، ج (4)، ص (344).

[194] - "تاريخ الطبري"، ج (4)، ص (344).

[195] - "تاريخ الطبري"، ج (4)، ص (344).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كثر اللغط على بني أمية

مختارات من الشبكة

  • خالد الحمياني (المدير التنفيذي لمشروع "مرحبا" بمطار الملك خالد الدولي)(مقالة - موقع ثلاثية الأمير أحمد بن بندر السديري)
  • غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • إسلام خالد بن سعيد بن العاص(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حدث في 18 رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة كتاب خالد بن يزيد في الكيمياء(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إصدارات دار الألوكة للنشر (التاريخية)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • الشيخ المحدِّث خالد بن عبدالعزيز الهويسين في محاضرة بعنوان (مكانة العلم والعلماء وأهمية الرجوع إليهم)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وشعراؤه وخطباؤه(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب