• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

صورة تاريخ الخبر

إبراهيم السيد شحاتة عوض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/12/2010 ميلادي - 2/1/1432 هجري

الزيارات: 14383

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

1- صورة تاريخ الخبر عند روزنثال.

2- صورة تاريخ الخبر عند المؤرخين والباحثين (غير روزنثال).

 

المبحث الأول: صورة تاريخ الخبر عند روزنثال:

لقد قسَّمت موضوعَ صورة تاريخ الخبر عند روزنثال إلى ستِّ نقاط على النحو التالي:

 

النقطة الأولى: تعريف صورة تاريخ الخبر.

النقطة الثانية: المظاهر المميزة لصورة تاريخ الخبر.

 

النقطة الثالثة: أول كتاب من نوع الخبر في الكتابة التاريخية في الإسلام.

 

النقطة الرابعة: سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقدم وثائق الخبر.

 

النقطة الخامسة: ظهور بعض الرسائل التاريخية القصيرة، التي تبشر بتقدُّمٍ في العلوم الإسلامية في العصر العباسي.

 

النقطة السادسة: نهاية صورة تاريخ الخبر، وبداية صورة الترتيب على السنين "الحوليات الإسلامية".

 

أولاً: تعريف صورة تاريخ الخبر عند روزنثال:

إنَّ أقدمَ صور علم التأريخ الإسلامي - عند روزنثال - هو الوصف الشامل لحادثة واحدة، لا يزيد طولها عادةً على بضع صفحات، وهي استمرار مباشر لقصص الأيام.

 

وكثيرًا ما كانت كلمة خبر في سياق الكتب التاريخية الكثيرة تستعمل عنوانًا بجانب "ذكر"، أو أحيانًا بجانب "أمر" أو "حديث"، وكل هذه الكلمات تستعمل بالطريقة نفسها.

 

ويرى روزنثال أنَّه منذ بداية القرن العاشر الميلادي (4هـ) أصبح يُقدم لصورة تاريخ الخبر أحيانًا بعبارة "وكان السبب" بعد أن يذكر ملخصَ الخبر المعنِيّ.

 

وتدل سلسلة الرواة التي تسبق كل خبر، والتي لا تحذف إلاَّ للاختصار أو لإزالة مظاهر التقعر العلمي، على كون الخبر وحدة مُستقلة قائمة بذاتها.

 

ثانيًا: المظاهر المميزة لصورة تاريخ الخبر:

يرى روزنثال أنَّ للكتابة التاريخية المتسمة بصورة تاريخ الخبر ثلاثةَ مظاهر مميزة:

 

المظهر الأول: انفصال الأخبار فيما بينها:

حيث إنَّ صورة تاريخ الخبر بطبيعتها لا تُتيح تثبيتَ الصلة السببية بين حادثتين أو أكثر، فكلُّ خبر قائم بنفسه، مستقل بذاته، ولا يَحتمل إشارة إلى أيِّ نوع من المواد المكملة.

 

فإذا تكون الكتاب التاريخي من أكثرَ من خبر واحد، فإنَّ وضعَ الخبر الواحد بجانب الخبر الآخر - ما لم تكن هذه الأخبار روايات متباينة عن القصة نفسها - يدل أحيانًا على انتقال التركيز التاريخي من منطقة جغرافية إلى منطقة أخرى، ويدل عادة على تقدم في الزمن، وفي هذه الحالة تكون الفترات الزمنية غير محدودة في الطول، رغم أنه كثيرًا ما يراعى فيها استمرار الترتيب الزمني، ويترتب على ذلك أمران:

 

الأول: لا يُمكن بهذه الطريقة تحقيق أي نفاذ تاريخي عميق.

 

الثاني: إنَّ صورةَ تاريخ الخبر تصبح عند كتابة تاريخ مدة طويلة من الزمن صعبةَ الاستعمال؛ بسبب طول الخبر؛ لأَنَّ الخبر - إذا أريد الاحتفاظُ بخصائصه الحقيقِيَّة - لا يُمكن اختصاره إلاَّ إلى درجة مَحدودة مُعينة.

 

المظهر الثاني: الطابع القصصي الذي لا يخلو من الحوار:

حيث إنَّ صورةَ الخبر قد احتفظت - منذ عهد سلفها القديم "قصص الأيام" - بخصائصِ القصة القصيرة المروية بشكل حسي، وبتفضيل الوقائع المُثيرة الملونة على الحقائق الرزينة.

 

وكثيرًا ما تُعْرَضُ الواقعة بشكل حوار بين المشاركين البارزين فيها، وهذا - في رأي روزنثال - ما ينقذ المؤرخ من القيام بواجبه الحقيقي، الذي يتمثل في تحليل وتفسير ما يرويه؛ حيث يترك المؤرخ ذلك للقارئ.

 

وتكون مناظر القتال الكثيرة أمتعَ مادة للقراءة، غير أنَّ الحقائق الواقعية تبقى معماة.

 

وعلى كلٍّ فهذه الخاصية الأدبية لصورة الخبر كانت - من حيث العموم - الأداة الرئيسية لرفع علم التأريخ الإسلامي المتأخر من صنف الحوليَّات الجافة؛ حيث أثارت الاهتمام بالتاريخ عند الشبان والشيوخ ذوي الثقافة العامة.

 

وكذلك، فقد أتاحت هذه الصفة الأدبية العُليا بصورة الخبر فُرصة إدخال فصول من التاريخ في كتب الأدب، كالعقد الفريد لابن عبدربه مثلاً.

 

المظهر الثالث: الاستشهاد بالشعر:

يرى روزنثال أنَّ هذا المظهر نعمةٌ لا تَخلو من شوائب؛ حيث إنَّ تاريخَ الخبر باعتباره استمرارًا مباشرًا لقصص الأيام، وصورةً من صور التعبير الفني - احتاج إلى الاستشهاد بالشعر.

 

ويرى روزنثال أنَّه يندر أن نرى كتابًا تاريخيًّا خاليًا تمامًا من الاقتباسات الشعرية، فإذا كانت المادة المطلوب معالجتها واسعة جدًّا، وأراد المؤرخ أن يختصر في كتابتها، فقد يلجأ إلى حذف الأشعار، وقد صرح ذلك اليعقوبي في تاريخه؛ حيث وقف نفسه على عدد قليل من الأشعار.

 

ويذهب روزنثال إلى أن بعض الأشعار ما زالت موجودة حتى في المختصرات، التي اقتصرت على تَعداد الحقائق المجردة، ومن أمثلة ذلك كتاب "شذور العقود" لابن الجوزي، الذي هو ملخص لكتابه المنتظم.

 

ويرى روزنثال أنَّ لهذه الأشعار عادة صلةً ضعيفة بالأحداث التي تعود إليها؛ ولذلك يرى أنَّه بالإمكان حذفها كلها دون أن يؤثِّر ذلك الحذف في فهم حقائق السياق التاريخي؛ لأنه من الصعب أن يرى المؤلف المسلم أيَّةَ دلالة يُمكن أن يستنتجها الفرد من الشعر المقتبس.

 

وبذلك ينتهي روزنثال إلى أن تضمين الشعر أصبح فائدةً في الأسلوب، لم يفكر أحد في مناقشتها.

 

ثم ينتقل روزنثال إلى السِّيَر، ويرى أنَّه كان للشعر فيها مكان مكين؛ لأنَّ نظم الشعر كان جزءًا من التعبير الذَّاتي للشخص المثقف، ومظهرًا لذلك التعبير.

 

ولا حاجةَ للقول بأن عددًا من الأشعار الجيدة ذات المعلومات المفيدة، قد حفظت بهذه الوسيلة، ومع ذلك فإن عدد الأشعار الرديئة التي لا عَلاقة لها بالموضوع، والتي تملأ صفحات التراجم، وخاصة تراجم العلماء - أكثرُ من الأشعار الجيدة، على أنَّ رداءةَ هذا الشعر والتحقق من أنَّه لم يفد في زيادة المكانة الفكرية لناظميه، لم يَمنع المؤرخين عن إيراده في كتبِهم.

 

وبذلك يتحقق ما ذكره روزنثال في البداية من أنَّ الاستشهاد بالشعر يعد نعمة؛ حيث ساعد في حفظ بعض الأشعار القليلة الجيدة ذات المعلومات المفيدة، والتي لها علاقة بالموضوع الذي جاءت فيه، وكذلك يتحقق قوله: إنَّ هذه النعمة لا تَخلو من شوائب؛ حيث إنَّ عدد الأشعار الرديئة التي لا علاقة لها بالموضوع الذي جاءت فيه كانت أكثر من عدد الأشعار الجيدة.

ويرى روزنثال أنَّه بهذه الخصائص الثلاث لصورة الخبر قد ثبت الأصل الجاهلي لهذه الصورة، وأنَّ صورته الأدبية الشفوية (أو المكتوبة) قد نقلت إلى الإسلام دون انقطاع.

 

ثالثًا: أول كتاب من نوع الخبر في الكتابة التاريخية في الإسلام:

إذا أردنا - في رأي روزنثال - أنْ نعرف أين نجد أول كتاب من نوع الخبر في الكتابة التاريخية في الإسلام، فإنَّنا لا نَجد إجابة دقيقة عن هذا السؤال، ويرجع ذلك إلى الآتي:

أولاً: لم يبقَ أي مؤلَّف من المؤلَّفات الإسلامية الأولى.

 

ثانيًا: كتب الفهارس وإشارات المؤلفين لا تفيد في هذا المضمار.

 

ثالثًا: كان نشر أي كتاب في الإسلام يتطلب - كما هي الحال عند قدماء اليونانيِّين والرومان - أنْ يعطي المؤلف كتابه المنجز إلى أصدقائه أو تلاميذه لينسخوه، أو يعطيه إلى نَسَّاخين محترفين وبائعي كتب؛ لينسخوا عِدَّة نسخ منه للبيع، ومثل هذه الطريقة لم تكن مُمكنة في العقود الأولى للإسلام؛ وذلك للأسباب الآتية:

1- كان عدد مَن يعرفون الكتابة بالعربية قليلاً، فالعربية لم تدخل في إدارة الحكومة إلاَّ في خلافة عبدالملك بن مروان.

 

2- كانت الطبقةُ الحاكمة المتكلمة بالعربية في السنوات الأولى من الإسلام - أقلَّ اهتمامًا بالأدب العربي منها بتعريب الدَّواوين؛ ولذلك فإن القول بأنَّ بعضَ الأشخاص كبائعي الكتب كانوا أسرعَ في تأسيس تِجارة الكتب العربية من الحكومة في تعريب الدواوين قولٌ يعوزه الدليل والاحتمال.

 

3- لقد انقضى أكثرُ من نصف قرن على وفاة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - دون أن تبدأ عملية نشر للكتب العادية؛ لأنَّ الحكومة قد قصرت رعايتها على نسخ القرآن، وحتى ذلك الوقت كان أكثرُ من يَملكون المعلومات التي تَهم العلماء المسلمين الأُوَل أمِّيين لا يعرفون القراءة والكتابة، أو نصف أميين، وقلما كانوا يهتمون بالأمور الأدبية.

 

4- كانت مادة العلم تنقل شفهيًّا؛ مما ساعد على:

 

أولاً: إدخال التفاخر بالنقل الشفهي للموضوعات الدينيَّة والعلميَّة.

 

وكذلك فقد جعلت الرِّواية الشفهية في السنين الأولى حفظَ الكتب المدونة عملاً سطحيًّا زائدًا، وواجبًا غير مرغوب فيه، والإشارة إليها عملاً مشبوهًا؛ ولذلك فقد يبدو أنَّ الكتبَ الأولى التي دونت في تاريخ الخبر، وكذلك غيره من الأشكال الأخرى لعلم التأريخ الإسلامي، والتي زرعت بذورها في القرن الأول الهجري، كانت كتبًا خاصة دَوَّنَها العلماء، ولم يبقَ عنها معلومات واضحة أو دقيقة.

 

رابعًا:سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقدم وثائق الخبر:

إنَّ الذي بين أيدينا اليوم ليس - في رأي روزنثال - بداية تاريخ الخبر، ولكنَّه نتيجة أكثر من قرن من النمو السريع، وتقدم لنا سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - عناصرَ لأقدم وثائق الخبر الثابتة في الإسلام.

 

ويرى روزنثال أنه يتكرر ظهورُ صورة الخبر بشكلٍ ما في جميع الكتب التاريخية عدا التي اقتصرت على مُجرد تسجيل قوائم بالأحداث والأسماء دون أيَّة حكاية.

 

وكذلك يرى أنَّ صورة الخبر كبقية الصور الأساسية يندر أنْ تظهر فيما يُمكن أن يُدْعَى شكلها الخاص، فهي عادة مُمتزجة مع عناصرَ أخرى من صور الكتابة التاريخية، ففي سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - نجد الأخبارَ تكمل معلومات عن الأنساب وما يتعلق بها، كقوائم بأسماء أشخاص لهم مَيْزات أو صفات خاصَّة.

 

خامسًا: ظهور بعض الرسائل القصيرة عن أحداث تاريخية تبشر بتقدم في العلوم الإسلامية في العصر الإسلامي:

حيث نجد - بجانب الاتجاه نحو التخصيص والإحاطة بالتفاصيل التي تبشر بتقدم العلوم الإسلامية في العصر العباسي - إنتاجًا من الرسائل القصيرة عن أحداث تاريخية، فكأنَّ الصورة القديمة أخذت تدخل طورًا جديدًا من النفعية، وكأنَّها كانت تواجه مستقبلاً لامعًا.

 

وأشهر المصنفين في هذا النَّوع من التاريخ هو علي بن محمد المدائني، ففي العناوين الكثيرة لكتبه تجد رسائل يقتصر كلٌّ منها على معركة، أو على الفتوح الإسلامية، إلى جانب تراجم بعض الأفراد، أو على وصف عمل من الأعمال، وقد عرفنا كتبه مما نقلته عنها الكتب التاريخية الأخرى؛ إذ لم يبقَ أي شيء مما ألفه من الكتب، ولكن يتَّضح من قائمة عناوين كتبه أنَّ مُعظمها كان ذا طابع تركيبي رغم قصره.

 

وكان يعاصر المدائني مُؤرخون آخرون، كالهيثم بن عدي (ت 206 أو 207هـ)، وابن حبيب، وهو متأخر نوعًا ما، ولكن كتبه تكون مجموعة من الرسائل بصورة خبر أو نسب.

 

سادسًا: نهاية صورة تاريخ الخبر، وبداية صور الترتيب على السنين "الحوليات الإسلامية":

حيث يرى روزنثال أنَّ كتب هؤلاء - بالرغم من الآمال الظاهرية المنتظرة منها - إذا ما قورنت بالرسائل التاريخية من نوع البحث الخالص، الذي وصل أقصى مداه بين القرن الرابع عشر والخامس عشر، لم يقدر لها أن تكون بدايةً جديدة في تاريخ صور علم التأريخ الإسلامي، والواقع أنَّها مثلت نهاية صورة تاريخ الخبر، كصورة خالصة وشبه مستقلة من صور الكتابة التاريخيَّة.

 

وكان على مُؤرخي المسلمين - أمام تزايُد المعلومات السياسية والإدارية والثقافية - أنْ يبحثوا عن صورة أخرى، تكون من حيث التنظيم أكثر اقتصادًا من صورة تاريخ الخبر، وبالفعل فقد توصلوا إلى الصورة الحولية.

 

المبحث الثاني: تاريخ الخبر عند المؤرخين والباحثين غير روزنثال:

يتفق الدكتور السيد عبدالعزيز سالم مع روزنثال في أنَّ المؤرخ المسلم قد بدأ كتابتَه التاريخية مُعتمدًا على الرِّواية المسندة، التي تتَّسِم بثلاثة مظاهر[1]:

1- انفصال الأخبار فيما بينها واستقلالها.

2- الطابع القصصي الذي لا يخلو من الحوار.

3- الاستشهاد بالشعر.

وكذلك يتفق معه في أنه قد انقضى أكثر من نصف قرن على وفاة الرسول قبل أن يشرع المسلمون في التدوين[2].

 

أما الدكتور شاكر مصطفى، فيقسم عملية التدوين التاريخي إلى مراحلَ ثلاث على النحو الآتي:

المرحلة الأولى[3] ويطلق عليها مرحلة التدوين الأوَّلي، ويَتَّسم التدوين فيها بالطابع الشخصي بالنسبة للهدف من استخدام التدوين، وبطابع العفوية والفضول العلمي، والمنفعة الدينية، أو للحاجة الاجتماعية بالنسبة للدوافع العامة، ولم تتسع هذه المرحلة إلاَّ في العصر الأموي، وقد أخذت فيه عددًا من الاتِّجاهات، فبعضها للسيرة النبوية، وبعضها لتاريخ اليمن، وبعضها للأنساب، وبعضها لأخبار الفتوح، وكانت هذه المرحلة بمثابة الانتقال من التاريخ المروي إلى التاريخ المكتوب، ومن حالة المعرفة الشفهيَّة إلى المعرفة الكتابية، وهذه النقلة إنَّما كانت تتم كنوع من التنظيم والاعتراف العام بالأصول، والمسجلات الشخصية التي سَطَّرها لنفسه كلُّ واحد من هؤلاء الرُّواة.

 

• وقد امتدت هذه المرحلة الأولى حتى مَطالع القرن الثاني، وكان اهتمامُ التدوين فيها متوجهًا - بصورة خاصَّة، وتحت ضغطِ المتدينين والحاجة الدينية - إلى موضوعات مُحددة من السيرة النبوية.

 

وكانت كتابات هذه المرحلة تسجيلاً لأحداثٍ تاريخية مُتفرقة غير متصل بعضها ببعض، وتخضع لاهتمامات مَن يهتم بها، ولم تكن مُحاولة للإحاطة بكُلِّ الأخبار لجميع الموضوعات.

 

المرحلة الثانية[4]: وقد امتدت خلالَ القرن الثاني كله، واهتم الأخباريون خلالَها بجمع أخبار الأحداث المختلفة، والموضوعات المتنوعة كلها، ومن جميع الأفواه والرُّواة كل منها على حِدَة، وفي كتابٍ يَحمل عنوانه الخاص، ولم ينقطع الاهتمام بالسيرة في هذه المرحلة، بل اتَّسع وانتظم وأعطى السيرة شكلها النِّهائي المنتظم على يد ابن إسحاق (المتوفَّى سنة 151) صاحب أقدم وأكمل سيرة نعرفها حتى الآن، إلا أنَّ العناية بالأخبار التاريخية الأخرى أكثر وضوحًا، بل لقد واكبت وزاحمت أحيانًا كثيرة الاهتمام بالسيرة نفسها، ولعلَّ السبب في ذلك أنَّ السيرة كانت قد استكملت المعارف عنها، وانتظمت المعلومات المتعلقة بها كافةً في كتب معروفة، بينما وجد الأخباريون ميادين أخرى ما تزال بكرًا وموضوعات مما يهم الناس اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا لم تطرق، أو طرقت من وجهة نظر معينة، فلا بُدَّ من كشف الآراء الأخرى فيها، وهكذا اندفع رجالُ هذه الحِقْبة من الأخباريين في تأليف عشرات من الكتب - أو مئات - كان مُعظمها أشبهَ بالرسائل الصغيرة، والمقالات الموسعة، وكانت تُشكِّل في مَجموعها المادة التاريخية الأساسية لكتابة التاريخ.

 

ومن رجال هذه المرحلة:

• أبو مخنف (ت سنة 157) الأخباري، الذي كتب 32 كتابًا تحمل عناوين الرِّدَّة، الفتوح، الشورى، صِفِّين، الخوارج... إلخ.

 

• الهيثم بن عدي (ت سنة 208)، الذي يعدون له 50 كتابًا، وقد بلغت هذه المرحلة أوجها ونهايتها بأعمال المدائني (ت سنة 225)، الذي ترك مجموعةً ضخمة من الكتب، تكشف مجموعة عناوينها عن أنَّها تُغطي أخبارَ الجاهلية وأحداث الإسلام... إلخ.

 

• أمَّا المرحلة الثالثة، فهي مرحلة تدوين التاريخ على الأساس الزمني المتسلسل، وجمع الموضوعات المتعاقبة على التوالِي في كتابٍ واحد، وسوف نتحدث عن هذه المرحلة بالتفصيل فيما بعد عند حديثنا عن الصورة الحوليَّة.

 

• ومن هنا فإنَّ المرحلتين الأولى والثانية عند الدكتور شاكر مصطفى تُمثلان صورةَ تاريخ الخبر عند روزنثال.

 

• ويرى الدكتور شاكر مصطفى أنَّ هذه الأخبار التي تَم تسجيلُها إنَّما هي امتداد مباشر لقصص الأيام، وأنَّ هذه الأيام والقصص لَم تستطع أنْ تدل - حتى في العهد الإسلامي - على نُمُوٍّ في الشعور التاريخي لدى ناقليها، فهي لم تعاونْهم على التطور في المفهوم الزمني التسجيلي، ولا التسلسل في الأحداث، وقد أصابها اضطراب تاريخي قوامه الاختلاط الحادثي، فاختلط حادث بآخر، والانزلاق الزَّمني، فانتقل الحدثُ من زمن إلى زمن[5]... وهذا ما قال به روزنثال من أنَّ صورةَ الخبر استمرار مُباشر لقصص الأيام، وأيضًا فصورة تاريخ الخبر لا تُتيح فرصة تثبيت الصلة بين حادثتين أو أكثر.

 

وأيضًا يتَّفق الدكتور شاكر مصطفى مع روزنثال في أنَّ المدائني قد مثل نهاية صورة تاريخ الخبر؛ لتأتي بعد ذلك صورة جديدة تعتمد على الترتيب الزمني، وهي الصورة الحولية[6]، ويتحدث الدكتور عبدالعليم عبدالرحمن خضر عن الأخبار في الكتابة التاريخية عند علماء المسلمين حديثًا طويلاً في بضع صفحات[7] نلخصه في الآتي:

 

تُعَدُّ الأخبار أقدمَ صور علم التاريخ الإسلامي، وقد نَهج علماء المسلمين فيها طريقةَ الوصف الشامل لحادثة واحدة؛ بحيث لا يزيد طولُها عادةً على بضع صفحات، وكانت استمرارًا مباشرًا لقصص الأيام، وكانت روايتهم للأخبار تتضمن تَقديمًا بعبارة "وكان السبب" وكان المؤرخ حريصًا على سرد سلسلة الرُّواة قبل تضمين كل خبر جديد.

 

وقد اتَّخذت الأخبار من الكتابة التاريخية عند علماء المسلمين ثلاثةَ مظاهر معينة:

1- انتقال التركيز التاريخي في منطقة جغرافية إلى أخرى.

 

2- احتفاظ صورة الخبر بخصائص القصة القصيرة المروية بشكل حسي، مع إبراز الوقائع المثيرة، وعرضها أحيانًا في شكل حوار بين المشاركين البارزين في الحادثة، وكانت هذه الخاصية للخبر من حيث العموم - الأداةَ الرئيسيَّة لرفع علم التاريخ الإسلامي من نمط الحوليات الجافَّة إلى نمط التدوين المنهجي المعروف.

 

3- الاستشهاد بالشعر؛ حيث صرَّح اليعقوبي - على سبيل المثال - بأنَّه ضَمَّن تاريخَه عددًا من الأشعار، كما ورد في كتاب "شذور العقود" لابن الجوزي، وكان للشعر في السِّيَر مكان مكين؛ لأنَّ نظم الشعر كان جزءًا من التعبير الذَّاتي للشخص المثقف، ومظهرًا لذلك التعبير، كما أتاحت الصفة الأدبية العليا لعلم تاريخ الخبر إدخالَ فصول من التاريخ في كتب الأدب كالعقد الفريد لابن عبدربه.

 

ويذهب إلى أنَّه قد ضاع الكثير والمهم جدًّا من هذه الأخبار قبل أن يعرف المسلمون تدوين التاريخ؛ إذ كان معظمها ينقل بالرواية الشفهية.

 

وبعد أنْ دخل المسلمون مَرحلة التدوين في العصر العباسي، اتَّجه المسلمون نَحْوَ التخصيص والإحاطة بالتفاصيل، كالميل إلى تأليف بعضِ الرسائل القصيرة عن الأحداث التاريخية، وكان أشهرُ المصنفين في هذا النوع من التاريخ هو "علي بن محمد المدائني"، ففي العناوين الكثيرة لكتبه نجد رسائل يتعمَّق كل منها في تحليل معركة من المعارك، أو فتح من الفتوح الإسلامية.

 

ويرى أنه قد انتهى الأمر بالأخبار إلى منهج جديد في تدوين التاريخ عند علماء المسلمين، ضمن الاستمرارية من جانب، وتنسيق المواد التاريخية المتنوعة من جانب آخر، وهو منهج الترتيب على السنين "الحوليات".

 

وبعد هذا العرض السريع لما كتبه الدكتور عبدالعليم، نرى أنَّه في معظمه تلخيصٌ لما قاله روزنثال، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على أنَّ روزنثال ما يزال أساسًا في الموضوع، وللدكتور شوقي عطا الله الجمل حديث[8]، لا يبتعد فيه كثيرًا عن مضمون كلام روزنثال، فهو يرى أنَّ الكتابة التاريخية عند العرب بعد الإسلام قد مرت بأطوارٍ مُختلفة، أولها هو القصص والأساطير الشعبية، ويرى أن هذه المرحلة كانت امتدادًا لما كان سائدًا قبل الإسلام، وأنه من الطبيعي أن يستمر هذه اللون من الرواية التاريخية عن أيام العرب، فقد ظل القصاص والأخباريون يُردِّدون هذا النوع من القصص المبالغ فيها، وهي لا تعتمد كثيرًا على توقيت تاريخي لما ترويه من أحداث، ولكنَّها تتناول الحروب المهمة، والأحداث الفاصلة، دون اهتمام بالربط التاريخي، وهذا ما ذهب إليه روزنثال من أن صورة الخبر هي امتدادٌ مباشر لقصص الأيام، وكذلك فهي لا تتيح تثبيت الصلة السببية بين حادثتين أو أكثر.

 

ويرى أنَّ المؤرخين اهتموا أيضًا بالسيرة والمغازي، وأنَّ كتاباتِهم ظلت مُتأثرة بالتيار القصصي، ولعلَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يمثل في هذه السير - في نظرهم - دَوْرَ البطل في قصص الجاهلية.

 

وكذلك كانت الكتابة التاريخية في هذه المرحلة استمرارًا لما كان مَوجودًا في الجاهلية؛ ولذلك فإنَّها يظهر فيها الخصائص التي لمسناها في الجاهليَّة في افتقادها لعمليَّة الرَّبط بين الأحداث، ووجود الشعر في مُعظمها.

 

وينتهي الدكتور شوقي إلى أنَّه لم يكن مَعقولاً أنْ يستمر الحال على هذا المنوال، بعد أن تعدَّدت أحداثُ الجزيرة العربية، فأصبح الأمر يستلزم دقةً أكثر، وربطًا للأحداث، وهو بذلك يشير بطريقة غير مباشرة - كما ذهب روزنثال - إلى نهاية صورة تاريخ الخبر، وبداية صورة الترتيب على السنين.

 

وعندما يتحدث الدكتور حسين نصار عن نشأة التدوين التاريخي عند العرب[9]، فإنَّه يرى أنَّنا لا ندري بالتحقيق ما أول كتاب ظهر في التاريخ عند العرب؟ ولكن يتنازع الأسبقية زياد بن أبيه (ت. عام 53هـ)، وعبدالله بن عباس (ت. عام 68هـ)[10]، وعبيد بن شرية (ت. عام 70هـ).

 

ويرى أنَّ كتابات عُروة بن الزبير أقدمُ المدونات التي وصلت إلينا عن بعض الحوادث الخاصَّة في حياة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما أنَّها لا تهمل الإسناد إهمالاً كاملاً، وكذلك لا تُعْنى به عناية مُشددة، فهو أحيانًا يذكره، وأحيانًا لا يذكره.

 

ويقول عن وهب بن منبه وعبيد بن شرية: ونحن نعدهما امتدادًا للحركة القصصية التاريخية التي كانت موجودة في الجاهلية.

 

ويرى أنَّ كتاب "التيجان" لوهب بن منبه يكشف عن بعض خصائصه، فهو - مثل الجاهليين - مغرم بالشعر، مكثر من روايته، وأكثر هذا الشعر منحول سخيف ركيك.

 

وينتهي في آخر كتابه إلى أنَّ الكتابة التاريخية العربية قد نشأت في تيارين:

الأول: تيار قديم، يتألف من القصص الخيالية، والأساطير الشعبية المأثورة عن قدماء العرب، والتي تعتمد على الخيال، وتكثر من الأشعار، ويتمثل هذا التيار في الإسلام في عبيد بن شرية ووهب بن منبه.

 

الثاني: تيار جديد استحدثه الإسلام، وهو تيار السيرة، وقد لعب التيارُ الأول - وخاصة فرع الأيام منه - دَورًا في هذا التيار، وخاصة في الحِقْبَة المدنية من حياةِ الرسول، التي تَمتلئ بالغزوات، ويظهر هذا الدور في طريقة تناولهم لهذه الغزوات، فهي تُشبه طريقةَ تناول القصاص لأيام الجاهليين، بل لعلَّ الرسول كان يُمثل دورَ البطل في هذه السير على غرار دور البطل في قصص الأيام في الجاهلية.

 

وكذلك يقول: وآخر الأمر نجد التاريخ الإسلامي بجميع صُوره يسير على النمط المعروف عند الرواة الجاهليين من سَوْق القصة التاريخية وتقطيعها بالأشعار، التي قد تشرح شيئًا من الحوادث.

 

أمَّا الدكتور عبدالعزيز الدوري[11]، فإنَّه يرى أنَّ أهمية روايات الأيام الأساسية هي أنَّها استمرت في صدر الإسلام، وقد أثر أسلوبها على بداية علم التاريخ الإسلامي، فأسلوب قصص الأيام مباشر يفيض بالحيوية، ويَختلط فيه الشعر بالنثر، وقد صارت الأيام جزءًا من الأخبار التاريخية، كما أن وُرود الشعر فيها جعلها موضع اهتمام اللغويين والنسابين والمؤرخين أمثال أبي عبيدة، وابن قتيبة، والمدائني، وابن عبدربه... ويتفق الدكتور الدوري في ذلك مع روزنثال عندما قال: إنَّ الصفةَ الأدبية للخبر أتاحت إدخالَ فُصول عن التاريخ في كتب الأدب.

 

ولم يكن باستطاعة الأخباريين تَجاهل الإسناد؛ مما يؤكد أثَرَ الإطار الإسلامي، ومع أنهم استعملوا الإسناد بحرية وببعض التساهل، إلاَّ أنَّ ازدياد أهميته بالتدريج لدى الأخباريِّين تُظهر المراد من أثر الاتجاه الإسلامي في التاريخ.

 

ولم تصلنا مؤلفات الأخباريين الأولين؛ ولذا فإنَّ تقديرنا لعملهم مقيدٌ بالمقتطفات التي وصلتنا عن طريق المؤرخين فيما بعد مثل الطبري.

 

ويصف كتابة الأخباري "أبي مخنف" قائلاً: ويتخللها الشعر في بعض المناسبات، وهكذا نجده يعكس أثر مجالس السمر، وشيئًا من وجهة قصص الأيام في أسلوبه، وكذلك عوانة بن الحكم... كما أنَّ طريقةَ إيراده الشعر في أخباره تعكس أثَرَ أسلوب قصص الأيام.

 

أمَّا جان سوفاجيه كلودكاين[12]، فإنه يرى أيضًا أنَّ بداية تدوين التاريخ الإسلامي غير معروفة على وجه الدقة، ولئن كان ما وصلنا بطريق مُباشر قليلاً جدًّا، إلاَّ أنَّ الكُتَّاب المتأخرين حفظوا لنا مَجموعة من النصوص التاريخية تستحقُّ أن تجمع وتدرس، كما أنَّ ما بَقِيَ لنا من جذاذات البردي لا يخلو من فائدة.

 

ويرى أيضًا أنَّ كتب التاريخ الأولى كانت تسير على طريقة كتب الحديث، فكلُّ خبر يتقدمه الإسناد، وهو سلسلة الرُّواة الذين تناقلوه شفاهة، ثم ظهرت كتب أخرى منقحة تضم قراءات متنوعة، ونصوصًا متباينة، وأحيانًا متناقضة عن الحادث نفسه، ولكنَّها لا تَخرج عن النمط السابق.

 

ويرى أنه من الطبيعي ألا تخلو الكتب التي وضعت بهذه الطريقة (مجرد تسجيل الأخبار) من عيوب جسيمة، أظهرها تفكُّك القصة، وافتقارها للاستمرارية، ولقد تضافرت عواملُ عديدة لإحداث هذا التفكك، منها تَجاور حكايات قصيرة لا ترابط بينها ولا تسلسل، ومنها التَّكرار، واختلاف الروايات، ومنها تلك الملحوظات الاعتراضية التي يسجلها المؤلف من حين لآخر، ومنها الثَّغرات الكثيرة الناجمة عن افتقاد الترتيب المنطقي، ونتيجة لهذا كله تتمزق القصة، ولا يبقى منها سوى مجموعة من المعلومات مفككة، وغير مرتبة، ولا مصنفة، تترك في النفس انطباعًا مخيِّبًا للرجاء، ومع ذلك فمن هذه الحبات المتناثرة من الرمال يجب أن يكتب تاريخ القرون الأولى للإسلام.

 

المبحث الثالث: تعقيب:

من المعروف أنَّ مُعظم الكتب الأولى التي دونت في علم التاريخ الإسلامي - ما عدا سيرة ابن إسحاق التي اختصرها ابن هشام - مفقودة، ولم يتبَقَّ منها إلا مقتطفات موزعة في ثنايا الكتب الأخرى التي وصلت إلينا، ولذلك فإن الحكمَ عليها، واستخلاص مظاهرها، واستخراج الصورة التي دونت بها - أمرٌ يَحتاج إلى تتبع هذه المقتطفات المتفرقة في ثنايا الكتب، ومن هنا تأتي الصُّعوبة من جهة، ويتبين صعوبة وأهمية ما قام به روزنثال؛ حيث استطاع تقديم وصف دقيق للصورة الأولى في عملية التدوين التاريخي الإسلامي، إلى درجة أنَّ القارئ إذا قرأ ما كتب حول هذه الصورة عند المؤرخين الآخرين، ثم عاد إلى ما قاله روزنثال، فإنه يستطيع أن يجد ما قالوه مندرجًا تحت ما قاله روزنثال، وموجودًا في ثناياه، وأظن أنَّ هذا الأمر قد تبين من خلال المبحثين السابقين، وهذا إنْ دل على شيء، فإنَّما يدل على أن الرجل قد قرأ كثيرًا، وتتبع الموضوع في غير كتاب، إلى درجة أن القارئ يشعر بأنه لم يترك كتابًا يتعلق بالموضوع إلاَّ واطلع عليه، وهذا دليل كافٍ على أن كتاب روزنثال ما يزال أساسًا في الموضوع الذي يتحدث فيه.

 

ومن الطبيعي - ما دمنا نتحدث عن الصورة الأولى لعلم التاريخ الإسلامي - أن تأتي صورة تاريخ الخبر متأثِّرة بالصورة التي كانت موجودة في الجاهلية، وعلى رأسها قصص الأيام، فهي استمرار مباشر لها.

 

ولأنَّ سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقدم لنا عناصر لأقدم وثائق الخبر الثابتة المقررة؛ فقد رجعت إلى سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - "لابن هشام" متخذًا منها معيارًا عادلاً للحكم على كلام روزنثال، وما يندرج تحته من أقوال الآخرين.

 

فقد بدأ روزنثال كلامه بأن أقدم صور علم التاريخ الإسلامي هو الوصف الشامل لحادثة واحدة، لا يزيدُ طولها عادةً على بضع صفحات، وهي استمرار مباشر لقصص الأيام، وكثيرًا ما كانت تستعمل كلمة "خبر" عنوانًا في سياق الكتب التاريخية الكثيرة، بجانب "ذكر"، أو أحيانًا بجانب "أمر" أو "حديث"، وكل هذه الكلمات تستعمل بالطريقة نفسها.

 

وقد عرضت ما سبق على سيرة النبي لابن هشام، فوجدت:

1- أنَّ قول روزنثال بأن وصف الحادثة لا يزيد عادةً على بضع صفحات قول يعوزه الدِّقة؛ لأن بعض الحوادث لا يزيد طولها على بضعة أسطر، مثلما جاء في تاريخ القبلة، صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مَقْدِم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة[13].

 

2- أنه قد استعملت كلمة "خبر"، وكذلك كلمة "ذكر"، و"أمر"، و"حديث" - عنوانًا في سياق سيرة النبي "لابن هشام"، ويتضح ذلك من الآتي:

أ- خبر دار الندوة[14].

 

ب- ذكر نزول سورة الأنفال[15]، وذكر أسرى قريش يوم بدر[16]، وذكر من اعتلَّ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[17].

 

ج- أمر بني قينقاع[18].

 

د- حديث تزويج الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - خديجة - رضي الله عنها - [19] وحديث بنيان الكعبة، وحكم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بين قريش في وضع الحجر[20].

 

• أنَّ سلسلة الرواة - التي تسبق كل خبر - تُؤكِّد على كون الخبر وحدةً قائمة بذاتها، فمع كل خبر جديد سلسلة رواة جديدة، وهذا يدل على انفصالِ الأخبار عن بعضها، وأنَّ كل خبر قائم بذاته لا يحتمل أيَّ نوع من المواد المكملة، ومن ذلك ما جاء في سيرة النبي من ذكر نزول سورة الأنفال: حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال: حدثنا زياد بن عبدالله البكائي، عن محمد بن إسحاق المطلبي، قال: فلما انقضى أمر بدر أنزل الله - عزَّ وجلَّ - فيه من القرآن الأنفال بأسرها...[21].

 

أما ما ذكره المؤرخون من المظاهر المميزة للكتابة التاريخية المتَّسمة بصورة الخبر، والتي تتمثل في انفصال الأخبار عن بعضها، والاحتفاظ بخصائص القصة القصيرة المروية بشكل حسي، وكذلك الاستشهاد بالشعر، فهو أمر طبيعي ومتوقع ما دُمنا قد اتَّفقنا على أنَّ صورة تاريخ الخبر هي استمرار مباشر لقصص الأيام من جهة، ومن جهة أخرى كان ذلك متوقعًا؛ لأَنَّنا نتناول الصورة الأساسية الأولى لعلم التاريخ الإسلامي؛ حيث تمثل هذه الصورة مرحلة الانتقال بالمعلومات التاريخية من الحالة الشفهية إلى الحالة المدونة المكتوبة، وقد اكتفى الأخباريُّون في هذه المرحلة بمجرد جمع الأخبار - وهي مختلفة ومتنوعة، ووضعها مع بعضها، رغم اختلافها واستقلالها - في كتاب واحد، وهذا أيضًا ما حدث مع علم الحديث؛ حيث كانت كلُّ الأحاديث تجمع في كتابٍ واحد رغم اختلافها وتعدُّد موضوعاتها، ثم تطور الأمر بعد ذلك عندما قام المصنفون بتصنيف هذه الأحاديث، وترتيبها على حسب أبواب الفقه.

 

والمتتبع للمدارس التاريخيَّة التي ظهرت في الإسلام يَجد أنَّ صورة تاريخ الخبر كانت بارزة الظهور في الكتابات التي مثلت بداية هذه المدارس.

 

وكذلك، فعلى الرغم من أنَّ الصورة الحولية قد حلت محل صورة الخبر، إلاَّ أنَّها لم تستطِعْ أن تلغيها تَمامًا؛ حيث نجدها ظاهرة في تاريخ الطَّبري وابن الأثير، وغيرهما، وخاصَّة في القسم المخصص لما قبل الإسلام.



[1] د. السيد عبدالعزيز سالم: "التاريخ والمؤرخون العرب"، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، (1999م)، ص 75.

[2] المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.

[3] د. شاكر مصطفى، "التاريخ العربي والمؤرخون"، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، (1983م)، ج1، ص 93 - 96.

[4] د. شاكر مصطفى، "التاريخ العربي والمؤرخون"، ج1، ص 96 - 99.

[5] د. شاكر مصطفى: "التاريخ العربي والمؤرخون"، ج1، ص55.

[6] المصدر السابق نفسه، الجزء والصفحة نفسهما.

[7] د. عبدالعليم عبدالرحمن خضر: "المسلمون وكتابة التاريخ"، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الأردن، ط1، (1415هـ - 1995م) ص 177 - 179.

[8] د. شوقي عطا الله الجمل، "علم التاريخ ومناهج البحث فيه"، دار الزهراء، الرياض، ط2، (1422هـ - 2002م)، ص33 - 34.

[9] د. حسين نصار: "نشأة التدوين التاريخي عند العرب"، منشورات اقرأ، بيروت، ط2، (1400هـ - 1980م) ص: 43 - 54، ص 89: 95.

[10] ذكر ابن سعد في الطبقات أنَّه كان لدى كريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس حملُ بعير، أو عدل بعير من كتبه وأقواله المكتوبة، فكان علي بن عبدالله بن العباس إذا أراد الكتاب، كتب إليه ابعث إليَّ بصحيفة كذا وكذا، وهذا يعني أنَّ ابن عباس ترك صحفًا لورثته بعد وفاته؛ انظر: ابن سعد: "الطبقات" (ترجمة كريب) ج5، قسم1، ص 216 (طبعة سخاو).

[11] د. عبدالعزيز الدوري: "بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب"، دار المشرق، بيروت، (1983م) ص 34 - 37.

[12] جان سوفاجيه كلودكاين، "مصادر دراسة التاريخ الإسلامي"، ترجمة: د. عبدالستار الحلوجي، ود. عبدالوهاب علوب، المجلس الأعلى للثقافة، (1998م) ص: 54 - 56.

[13] ابن هشام: "سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم"، تحقيق: محمد محيي الدين، مكتبة دار التراث، القاهرة، مج1، ج2، - ص 243.

[14] ابن هشام: سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مج1، ج2، ص92.

[15] السابق نفسه، مج1، ج2، ص213.

[16] السابق نفسه، مج1، ج2، ص364.

[17] السابق نفسه، مج1، ج2، ص220.

[18] السابق نفسه، مج1، ج2، ص426

[19] السابق نفسه، مج1، ج1، ص202.

[20] السابق نفسه، مج1، ج1، ص 209.

[21] السابق نفسه، مج1، ج2، ص312.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مهمات يجدر بالباحثين في التاريخ معرفتها
  • دراسة التاريخ بمنهجية الإسلام حق.. فأين المطالب؟
  • كتابة التاريخ
  • محاضرات في تحقيق النص التاريخي
  • مصطلح التاريخ
  • الصورة الحولية

مختارات من الشبكة

  • كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة وأجمل هيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصورة الشعرية بين الثابت والمتحول في القصيدة العربية (صورة الليل والفرس نموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قراءة في كتاب "الإشهار والصورة، صورة الإشهار" لدافيد فيكتوروف(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هل الرياء يعد صورة من صور النفاق(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • حديث: من صور صورة في الدنيا...(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • صورة من صور الإيمان الحق في قبسات من كتاب الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حضور الجن في صورة الإنس والحيوانات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حياتنا ووسائل التواصل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من صور الشرك (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • همسة للذين يلمزون من يجيزون التصوير الفوتغرافي!(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب