• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

التفكير الإبداعي.. أتحسبه بعيدًا وهو قريب؟!

د. مولاي المصطفى البرجاوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/10/2010 ميلادي - 12/11/1431 هجري

الزيارات: 46785

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التفكير الإبداعي.. أتحسبه بعيدًا وهو قريب؟!

التفكير.. متغير بلا نهاية، وعين على المستقبل!


إنَّ معظم الإنجازات العلميَّة والتكنولوجيَّة والعسكريَّة التيحققتها البشريَّة في القرن العشرين هي نتاجات أفكار المبدعين، ولكن العلم في الماضيكان يُصمم لعالم مستقر، أما الآن فإن مجتمعنا يعيش في عالم سريع التغيُّر والتلجلُج والاضطراب، ومليء بأصناف الأمراض، والحروب، وتحيط به تحدِّياتوطموحاتمحليَّة وعالميَّة، لعلَّ من أهمها الانفجارَ المعرفي والتطور التكنولوجي، والانفتاح علىالعالم نتيجة سرعة الاتصالات والمواصلات، حتى أصبح العالم قريةً صغيرة، على حدِّ تعبير "ماكلوهان"، كل ذلكيحتاج منا السرعة في تنمية عقليات مُفكِّرة قادرة على حلِّ المشكلات، وبطُرق نقديَّة إبداعيَّة، وتعتبر تنمية هذهالعقليَّات المفكرة مسؤولية كل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسات التعليميَّة، قطب رحى لمجالات الحياة كلها، وإن لم يتمَّ تضافر الدولة مع هذه الأخيرة، فإننا سنظلُّ نراوح مكاننا.


مدخل مهم للولوج:

بادئ ذي بَدء، أسوق مجموعة من الشواهد والأمثلة والآراء الدافعة إلى تطوير الطاقة الكامنة نحو الإبداع والابتكار، في وقت كَثُر فيه الإرجاف والانتقاص من قيمة الإنسان وفعاليته، وأصبحنا نبحث عن العالِم والمبدع والأديب والمثقف، مثلما نبحث عن الإبرة في كومة من القش!

 

من هنا تأتي أهميَّة ممارسة النقد الذاتي من دون توقُّف، وبإصرار من دون مللٍ ولا رحمة؛ لأن قوانين الكون أعوص وأعقد مما نتصوَّر، وكل ما نحصله من الكون هو في الواقع صورٌ ذهنيَّة فكريَّة لا أكثر، كما حصل مع جيل ما قبل "كوبيرنيكوس"، الذين استرخوا على ظهورهم في كرة أرضيَّة ثابتة هي مركز الكون، وكلُّ الكون يدور حول كوكب تافه؛ عفوًا حول هذا العملاق، إنه الإنسان الذي يختزن كلَّ مبتكراته في حيِّزٍ ضيِّق، لكن عوائق عِدة تحول دون إبرازها.

 

لكن كما قال القائل:

لاَ تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ
لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا

 

• ليس العيب أن تسقط ولكن العيب أن تبقى حيث تسقط، واعلم أن البحر الهادئ لا ينشئ بحَّارًا ماهرًا،الحياة تحمل العديد من المتناقضات والأضداد: الضياء مع الظلام، العدل مع الظلم، المشكلات مع الحلول، وجود المشكلات أمرٌ طبيعي، ويدل على وجود عمل له خاصية التفاعل والاستمراريَّة والتجديد والنهوض، الحياة مليئة بالحجارة، فلا نجعلها تعثر مسيرتنا، بل الواجب جمعها لبناء مدرج وسُلَّم نحو النجاح!

 

• لا تخشَ الفشل، واعلم أن الإنسان مهما طالت شهرته الآفاق في الإبداع والمعرفة العلميَّة والأدبيَّة والإنسانيَّة عامة، لا بد وأن تنغصه فترات حالكة، وهذا من طبيعة النقص التي تعتريه، وقديمًا قال العماد الأصفهاني: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد لكان يستحسن، ولو قدَّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العِبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".


والمثال المتميِّز في هذا السياق: "أديسون"، جرَّب 1800 تجربة قبل أن يخترعَ المصباح الكهربائي، ويضيف "بيل غيتس": ما أن تحتوي الأخبار غير السارة، لا بصورتها السلبيَّة، بل كدليل على الحاجة إلى التغيير؛ فإنها لن تهزمك؛ إنك تتعلم منها، تفاءلوا بالخير تجدوه.

 

• لا خوف من التغيير والطريق نحو الجودة، والجودة ليست نتاج الصدفة - على حدِّ تعبير "John Ruskin"- بل تأتي دائمًا نتيجة الجهد الذكي، هي الإرادة لإنتاج شيءٍ متفوق.

 

• الحياة حُبْلى وستلد العجائب، إذا كنا نعتقد أن جودة التعليم وميزانيَّة البحث العلمي مكلفة، فدعونا نفكِّر بتكلفة الجهل والتخلُّف عن مستجدات العصر!

 

• يقول ابن قتيبة: "من أراد أن يكون عالمًا، فليطلب فنًّا واحدًا"؛ أي: تخصُّصًا واحدًا، لكن لو فتحت خيالك العلمي الخصب على توجُّهات علميَّة عِدة، لكان أفضل، والنموذج البارع والشاهد التاريخي في هذا الباب ابن خلدون، وابن رشد، وقِسْ على هذه المرحلة لو حركت بُوصْلتك إلى توجُّه علميٍّ غير تخصُّصك، لكنت عُرْضة للفناء: كالسمكة التي يتم انتشالها من البحر إلى البر؛ ولكن الحيطةَ الحيطة، حذاري من التطاول على تخصُّصٍ غير تخصصك؛ الأيام دول!

 

• يقول الكواكبي: "الحكيم من يبتهج بالمصائب ليقطف منها الفوائد".

 

الحكيم أمير نفسه، لا تكن حاطبَ ليلٍ، إياك والعملَ في جُزر منعزلة، بل أَخْذ وعطاء.

 

• التعليم هو صُلب عمليَّة تنمية الإنسان، والمعرفة هي أداة التعليم المأمول، وكلاهما - التعليم والمعرفة - ليسا سلعًا تُستورد وتستخدم شأنها شأن السيارات أو الملابس أو الأطعمة، بل هما مرتبطان عضويًّا بثقافة و بِنَى مؤسسيَّة وأنشطة لا بد أن تغرسَ في واقعٍ مجتمعيٍّ بَشَريٍّ مُحدد، وتُرْوى وتُرعى؛ حتى تنمو متلائمة مع هذا الواقع وتصير قابلة للعطاء المقبول والمرحَّب به من أبناء هذا الواقع، وهذا لا يعني أن يبقوا قابعين في شرانق مغلقة عليهم، بل أخْذ وعطاء، وأن تطغى الثانية على الأولى[1]؛

 

فرداءة التعليم هو سرُّ التخلُّف التنموي والاقتصادي والعسكري الذي لا يُرقِّع فَتْقه بناءُ المطارات الضخمة، وطُرق السيارات السريعة، أو أسواق ممتازة أو بيوت فاخرة!

لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ
بَلِ الْيَتِيمُ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ

 

مِن هنا لا يصح في المقابل إطلاق العنان لكلِّ ما هو وارد بعُجَره وبُجَره، يقول أحمد فراج الإعلامي اللبناني : "إسرائيل أخذت من روسيا العلماء، وأخذنا نحن العربَ منها الراقصات"! شتان بين الثرى والثريَّا! شتان بين شمس الضحى ونور السُّهى! شتان بين الدافع للإبداع والمفرمل له! وما أروع قول أحد الشعراء:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ
إِذَا قُلْتَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ العَصَا

 

• المقاصد لها أحكام الوسائل، وليس شعار الميكافيلليَّة "الغاية تبرِّر الوسيلة"، الذي تبنَّته الصِّهْيَونيَّة النصرانيَّة الأمريكيَّة؛ لقمع كلِّ إبداعٍ مماثل لها، والعراق المثال الصارخ في هذا الباب، الذي تقدَّم بخطًى حثيثة في مجال صنع نخبة من العلماء، فدمَّرتها الآلة الحربيَّة لدول الحلفاء؛ بدعوى وجود أسلحة الدمار الشامل!

 

ولكن إذا تهيَّجت العواطف أصبحت مساحة العقل ضيِّقة، وبالتالي يضيق التفكير، ومِن ثَمَّ الإبداع!

 

يقول "برتراند راسل" : "كانت اليابان دولة متخلفة اقتصاديًّا، ولم تكن تشعر أبدًا أنها مُتخلفة ثقافيًّا"، ويقول "مهاتير محمد" - رئيس ماليزيا السابق الذي حقَّقت بلاده أرقامًا مذهلة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع - في الجلسة الافتتاحيَّة لمؤتمر منظمة العالم الإسلامي الذي عُقِد في "كوالالمبور" عاصمة ماليزيا: "إنه ينبغي علينا - نحن المسلمين - أن نوازن بين دراستنا للعلوم الدينيَّة والعلوم الحديثة والرياضيَّات؛ إذ لن يكون مقبولاً دينيًّا على أيِّ نحوٍ أن يظلَّ المسلمون هم الأكثرَ تخلفًا وفقرًا بين شعوب الأرض، بينما صحيح الدِّين والإسلام تحديدًا هو حافز أكيد، وداع إلى اكتساب المعرفة والترقِّي في الحياة، وهذا لن يتأتَّى للمسلمين إلاَّ بإزالة كلِّ ما عَلق بالإسلام والمسلمين من جهل وخرافات وخُزَعْبلات".

 

من هنا؛ فالمشكل يكمن في  فقدان الثقة، والعزم على الركون والثبات على ما هو مألوف، والخوف من التغيير، والاستشهاد بما كان متداولاً عند الأقدمين: "فالذي تعرفه خير من الذي تتعرف عليه"، ولله در  الشافعي إذ يقول:

نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا
وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ
وَيَأْكُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا عَيَانَا

 

إن نظرةً سريعة إلى الواقع القائم في العالم العربي والإسلامي كفيلة بأن تجعل الدم يجفُّ في العروق، حيث التسلُّط، ومنع أيِّ شكلٍ من أشكال الابتكار، رغم أن بعضها يتمسَّح بمسوح الحريَّة، يقول جبرا إبراهيم جبرا: "الإبداع لا يأتلف مع الخوف؛ إذ كلما كتبت عبارة، خِفت وفكَّرتُ في شطبها؛ فإن كتابتك لا تستحق أن تقرأ، يجب على العربي أن يهيئ لنفسه ذلك المناخ الذي يمنع عنه الخوف، فيستطيع أن يقول ما يراه بحريَّة، وإلا فإن تفكيرنا سيظلُّ من الدرجة الثانية[2].

 

حذارِ من الانخداع بالغرب واتخاذه قدوةً في هذا المجال، خاصة في هذا العصر الذي يلفظ آخر أنفاسه كوهجة الشمس قبل الغروب؛ لقد ضاعت فيه الحريَّة بمفهومها الصحيح؛ فسياسة الكيل بمكيالين وازدواجيَّة المعايير والمصالح فوق كلِّ اعتبار أقصت كلَّ مبادئ الحريَّة والديمقراطيَّة التي يتبجَّحون بها؛ يقول "ونستون تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية: "الديمقراطية هي أسوأ نظام ما لم يطبَّق على الجميع".

 

ممنوع حتى التشكيك في الْمَحْرَقة، وإلا شتى صنوف العذاب، فأين حريَّة التعبير، والإبداع، والابتكار؟! أم الأمر حلال لهم حرام علينا؟!


واعلم أخي القارئ الكريم أن البحر يسع الجميع أن يسبح فيه، والسوق واسع، أي بضاعةٍ تدخلها فيه ستجد زبائن يشترونها، فلا تتردد في الإبداع والابتكار والتجديد، ولا تلتفت إلى الانهزاميين أصحاب الرُّؤى المثبِّطة، وضَعْ نصب عينيك شعارًا: "لا شيء مستحيل، فقط المطلوب تحديد الهدف والمسار والإصرار على الوصول، ومن سار على الدرب وصل"، ولا تكن إمَّعة؛ فكثيرًا ما نسمع: لدي رغبة في النجاح والإبداع، لكن سَرعان ما يصطدم ذلك كله بصخرة الواقع اصطدامًا قد لا تجتمع أشلاؤه، أو تلتئم أطرافه، رحم الله الشاعر إذ يقول:

أَعْمَى يَقُودُ بَصِيرًا لاَ أَبَا لَكُمُ
قَدْ ضَلَّ مَنْ كَانَتِ الْعُمْيَانُ تَهْدِيهِ

 

صحيح أن الواقع مُرٌّ ومليء بالأشواك، لكن لا بد من التثبُّت، ولا تنخدع بما يقرأ ويسمع، يقول الشاعر:

وَلاَ تَحْكُمْ بَأَوَّلِ مَا تَرَاهُ
فَأَوَّلُ طَالِعِ فَجْرٍ كَذَوْبُ

 

نعم، لا بد من التثبُّت وعدم التسرُّع والاستسلام؛ لأن الناس في هذا الزمان لهم أغراض وأهداف براغماتية وآنيَّة وأنانية، خاصة بعدما ماج العالم بعضه فوق بعض، واضطرب والتبس الحق بالباطل؛ فاليقظةَ اليقظةَ، والتبصُّرَ التبصُّر!

 

إن الأفكار الانهزاميَّة تجعل الميدان - عفوًا الحقل - مهددًا بأن يتحوَّل إلى أرض يَبَاب لا تعطي زرعًا ولا عُشْبًا، وتصير عبئًا على مَن يعيشون على ظهرها، هذا ما سطرته أنامل الغدر الأمريكي في العراق: مِن قتل العلماء وتصفيتهم، وما تسعى إليه الدول العظمى جاهدة؛ لتبقى الدول المتخلفة عَالةً عليها، وكلُّنا يتذكَّر مقولة "روديار كيبلينغ": "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا".

 

يقول "أمبرطو إيكو" الروائي والباحث الإيطالي: "الحضارة الغربيَّة لم تعد لحظة تاريخيَّة ولا منطقة جغرافيَّة، إنما آلة تدور لكي تصرع الجميع، حتى القائمين عليها".

 

لكن لو استحضرنا فكرة العقل الجمعي والإرادة، لن نلتفت إلى هراء هؤلاء، ورحم الله ابن القَيِّم إذ يقول: "الظبي أشد سعيًا من الكلب، لكنه إذا أحس به التفت، فيضعف سعيه فيدركه الكلب ويأخذه".

 

إياكم، إياكم أن تلتفتوا لصيحة ناعق أو حديث شامت أو هذيان مخذل؛ فهو هباء لا يملك مقاومة الرياح، فالأرض فاسحةٌ وواسعة، إنما تضيق على أصحاب الهِمم الدنيئة!

 

عنيت- كما قال أحمد أمين- أن أصف ما حولي مؤثرًا في نفسي، ونفسي متأثرة ومؤثرة بمَن حولي بكل شموخ المعزة، بكل صفات المحبَّة، بكل أوسمة التقدير، بكل سمات الاحترام، أنقل لكم بعض الأفكار عن التفكير الإبداعي، وأؤكِّد أنه ما لم يتمَّ التصويب وإعادة التصويب، وإعادة التشكيل والتنهيج للذهنيَّة المهزومة والفاقدة للأمل في النهوض، فسنبقى نراوح مكاننا ونقطع أحذيتنا ونستبدلها، ونظن أننا نقطع المسافات صوب أهدافنا؛ لذلك فالمشكلة كل المشكلة في ذهنيّتنا، في الوسائل التي تبني شبكة علاقاتنا الاجتماعيَّة ونسيجنا الثقافي، أو في أفكارنا التي تنتج عالم أشيائنا؛ أي: تنتج وتكرِّس واقعنا الذي نحن فيه.

 

فمن الضروري أن نعرف ما هو الفكر والتفكير؟ ما هي الموهبة؟ وما هو الإبداع؟ ومن هوالشخص الموهوب؟ فإن معرفتنا لذلك هي الخطوة الأولى في عملية البحثعن الموهبة والإبداع، ثم إن المواهب والإبداع صفات لا تقوم بذاتها، ولا بد من وجودشخص تقوم به، وهذا يستدعي معرفة ما هو التفكير الإبداعي أو الابتكاري؟ من هو الشخص المبدع؟ وما هي جوانب الإبداع فيه؟وكيف نبحث عنها؟ وما الوقت المناسب لاستكشافها؟ هل هي المرحلة الابتدائيَّة، أم مرحلةالروضة، أم غيرها من المراحل؟ ثم ما هي الأدوات المناسبة التي تساعدنا في عمليةالبحث والاستكشاف؟ ما هي النظريات المكتشفة للإبداع ومعيقاته؟ ما هي آليات طُرق بعث الإبداع في النفس البشرية؟ كلها فعلاً إشكالات تستدعي نقاشات ضخمة، وحلقات دراسيَّة مهمة.

 

تعريف الفكر:

مَن يرجع إلى قواميس اللغة والدراسات المنطقيَّة والعلميَّة التي عرَّفت الفكر وتحدَّثت عنه، يجد أن للفكر تحديدًا واضحًا وتعريفًا دقيقًا في هذه الدراسات والعلوم، ومن المفيد هنا أن نعرض عدَّة تعاريف للفكر كما وردت لبعض أعلام الفكر والعلم واللغة، قال الراغب الأصفهاني: "الفكرة قوَّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكُّر جولان تلك القوَّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يُقال إلاَّ فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب".

 

قال - تعالي -: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].

 

قال بعض الأدباء: "الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها؛ طلبًا للوصول إلى حقيقتها"؛ الراغب الأصفهاني؛ "معجم مفردات ألفاظ القرآن"، مادة فكر، وقال ابن منظور: "الفكر: إعمال الخاطر في شيء"؛ ابن منظور؛ "لسان العرب"، مادة فكر.

 

التفكير: مميزاته وأنواعه:

تتعدد التعاريف إلى حدِّ التخمة، لكن نعرض لبعضها للوقوف عند قسمات التفكير وملامحه:

يعرف "جروان" التفكير بأنه: "سلسلة من النشاطات العقليَّة غير المرئيَّة التي يقوم بها الدِّماغ عندما يتعرَّض لمثير يتمُّ استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس؛ بحثًا عن معنى في الموقف أو الخبرة، وهو سلوك هادف وتطوري يتشكَّل من داخل القابليَّات والعوامل الشخصيَّة، والعمليَّات المعرفية وفوق المعرفيَّة، والمعرفة الخاصة بالموضوع الذي يجري حوله التفكير"[3].

 

ويقف "سعادة جودت" عند جملة من التعريفات المتعددة للتفكير، ويخلص إلى أن التفكير "عبارة عن مفهوم معقَّد يتألف من ثلاثة عناصر تتمثَّل في العمليَّات المعرفيَّة المعقَّدة، وعلى رأسها حل المشكلات، والأقل تعقيدًا: كالفهم والتطبيق، بالإضافة إلى معرفة خاصة بمحتوى المادة أو الموضوع، مع توفُّر الاستعدادات والعوامل الشخصيَّة المختلفة، ولا سيِّما الاتجاهات والميول"[4].

 

أما مهارات التفكير، فهي عمليات محددة تستخدمها عن قصد لمعالجة المعلومات، مثل: تحديد المشكلة، وجمع المعلومات وتنظيمها، ومعالجة المعلومات وتحليلها، ثم اتخاذ القرار، عمومًا عمليَّة التفكير تتخذ الأبعاد التالية:

 

يمكن التمييز بين الأنواع التالية من التفكير:

أنواع التفكير: وقفت عند أنواع عديدة، من أهمها:

1- التفكير التوليدي "الفكر الاجتهادي": وهو الفكر الذي يبدع ويضيف للحياة جديدًا؛ أي: الذي يولد المشاريع الناجحة.

 

2- التفكير النقدي: وهو القادر على رؤية النقص والأخطاء والعيوب في أيِّ عملٍ قائم، وإن لم يكن قادرًا على إيجاد البدائل المناسبة لما ينقده.

 

3- التفكير الاستيعابي "الفكر المقلد": وهو الفكر القادر على استيعاب ما يبدعه الآخرون، وإن لم يكن قادرًا على الإبداع والتجديد والإضافة والعطاء.

 

4- التفكير الغامض: وهو التفكير المشوَّش العاجز عن إدراك العلاقات بين الأشياء وحجم كل شيء في الموضوع الذي يفكر فيه، ويعجز أيضًا عن التعبير عما يدور في نفسه من أفكار بصورة واضحة.

 

5- التفكير المتشكك: وهو تفكير المؤامرة الذي يتشكك في كلِّ عملٍ وفي كل شخص، ويعتقد أن وراء كل شيء مؤامرةً، وأنه المقصود من وراء كل مؤامرة، وأنه لا جدوى من أيِّ عملٍ ولا فائدة من أيِّ محاولة.

 

6- التفكير المبالغ: وهو التفكير الذي يُعطي كلَّ شيءٍ أضعاف حجمه الحقيقي؛ سواء كان سارًّا أم ضارًّا.

 

7- التفكير السطحي: وهو التفكير الذي يكتفي بظواهر الأشياء، ولا ينفذ إلى معرفة حقائقها وكنهها.

 

8- التفكير التحليلي السببي: وهو التفكير المتمعِّن الذي يميل صاحبه إلى البحث عن أسباب كل حادثٍ ومقدماته، ونتائجه ومقاصد القائمين عليه، وما هو الموقف المناسب حيال هذا الحادث، وما دوره هو فيه.

 

9- التفكير التبريري القدري: وهو التفكير الذي يبادر صاحبه إلى إخلاء نفسه من أيِّ مسؤولية حيال أي أمرٍ يقع ويلقي بتبعة ذلك على الأقدار، ويبرِّر كلَّ تصرُّفٍ منه مهما كانت نتائجه.

 

10- التفكير الجزئي: وهو التفكير الذي ينظر صاحبه إلى الحدث مبتورًا من سياقه ومنفصلاً عن قاعدته الكلية العامة، الذي هو في الحقيقة جزء منها.

 

11- التفكير الكلي التجميعي: وهو التفكير الذي يهتمُّ بالنظر في الأمور الكليَّة العامة.

 

الإبداع: التوجُّهات العلميَّة ومعايير المبدع.

الإبداع في اللغة: هو الاختراع والابتكار على غير مثالسابق، وبصورة أوضح: هو إنتاج شيءٍ جديدٍ لم يكن موجودًا من قبل على هذه الصورة.

وقد عرَّفت الموسوعة البريطانيَّة الإبداع على أنه القدرة على إيجاد حلول لمشكلة، أوأداة جديدة، أو أثر فنيٍّ، أو أسلوب جديد.


وحسب تعريف العالم جوان :(gowan)الإبداع مزيج من القدراتوالاستعدادات والخصائص الشخصيَّة التي إذا وَجَدت بيئة مناسبة، يمكن أن ترقى بالعمليَّاتالعقليَّة؛ لتؤدي إلى نتائج أصليَّة ومفيدة للفرد أو الشركة أو المجتمع أو العامل.


كما أن العالم تورانس (torance) قد عرَّف الإبداع، فقال: الإبداع هو عمليَّة وعي بمواطنالضَّعف وعدم الانسجام، والنقص بالمعلومات والتنبُّؤ بالمشكلات، والبحث عن حلول، وإضافةفرضيَّات واختبارها، وصياغتها وتعديلها باستخدام المعطيات الجديدة؛ للوصول إلى نتائججيِّدة لتقدَّم للآخرين.


وعلى رغم الاختلافات الموجودة بالنسبة للتعاريف السائدة والمهيكلة لمصطلح الإبداع، نخلص إلى الخصائص التالية:

أ- الإبداع باعتباره عمليَّة سيكولوجيَّة: هو النظر بطريقة غير مألوفة للأشياء أو الأمور، وأن ترى ما لا يراهالآخرون،أو كل جديد جيِّد ذي جَذوة،كما يدل على القدرة الخارقة على التخيُّل والتأمُّل تمرُّ بخطوات ومراحل محددة: مرحلة الإعداد Preparation، حيث يقوم المبدع بجمع المعلومات التي يحتاجها لحل تلك المشكلة، ثم تأتي مرحلة الكُمُون أو الاحتضان Incubati ، حيث يشرع المبدع في التفكير في هذه المشكلة وتحليل المعلومات التي لديه بشكل مستمر ولا شعوري، حتى تأتي مرحلة الإشراق Illumination: وهي الخلاصة والحل التي يصل إليها فجأة، وفي أيِّ موقفٍ كان كحلٍّ لتلك المشكلة، بعدها تبدأ مرحلة التحقق Verification من ذلك الحلِّ وَفْق المعايير الموضوعة.


ب- الإبداع باعتباره قدرةً عقليَّة: إذ يرى عددٌ من المختصين أن التفكير الابتكاري عبارة عن مجموعة من القدرات العقليَّة التي يمكن التعرُّف عليها وقياسها بواسطة اختبارات معدة لذلك، ويركز العلماء في قياس التفكير الإبداعي على أربع قدرات، هي:

الطلاقة: وهي قدرة المرء على الإتيان بأكبر عدد ممكن من الفِكر مهما كان نوعها.

المرونة: وهي قدرة المرء على الانتقال من فكرة إلى أخرى مهما كانت مستوياتها. الأصالة: هي قدرة المرء على الإتيان بفكرة جديدة لم تخطر على فكر أحدٍ في مجموعته.

التفصيلات: هي قدرة المرء على الإضافة إلى الفكرة الأصيلة لجعلها أكثر رونقًا وجمالاً وملاءمةً لمواجهة مشكلته وإقناع مَن حوله .

 

ج- الإبداع في ضوء المناخ البيئي المشجِّع على الابتكار؛ حيث حدَّد بعضُ الباحثين هذه البيئة التي يتوافر بها العوامل الميسرة للتفكير الابتكاري، بَدءًا من الأسرة والمدرسة وحتى المجتمع؛ حيث النُّظم والقوانين المشجعة، والاهتمام وتشجيع جميع أنواع الابتكارات والمواهب، فاليونان المعروفة تاريخيًّا بإرثها الفلسفي من تطوير الحرية الشخصيَّة والفرديَّة والفكر الموضوعي[5].

 

• الإبداع على ضوء الفكر الفلسفي: الإبداع هو كشف الغطاء عن شيء موجود، وهو قوة لتحويل العالم، الإبداع يجعل العقل كجهاز الرادار ليلتقط كلَّفكرةٍ إبداعيَّة، الإبداع يجعل مشهد غروب الشمس يوحي لك بفكرجديدة،
لكن التعريف الذي أثار انتباهي هو التعريف الجامع البسيط "لجون هارتلي": "امتلاك فكرة جديدة"؛ وحدَّد أربعة معايير للفكرة الجديدة يجب أن تكون شخصيَّة وأصيلة، وذات معنًى ونافعة[6].

 

خلاصة: الإبداع علم نظري تجريبي ليس نهائيًّا، فبعض ما هو صحيح اليوم قد يلغى غدًا و العكس صحيح.

 

ماذا عن التفكير الإبداعي:

يرى بعض العلماء أن ثمَّة فَرْقًا بين الإبداع والابتكار؛ حيث إن الإبداع يتناول الجانب النظري، والابتكار هو الجانب التطبيقي، وبمعنى آخر: إن أية فكرة أصيلة جديدة هي فكرة مبدعة، ولكن إذا تحولت هذه الفكرة إلى واقع حقيقي ملموس، فإنها تتحول إلى ابتكار، ولكن في النهاية يدخل في خانة الصراع المصطلحي، ليس إلاَّ!

 

والمهم أن التفكير الإبداعي يرتبط- على حدِّ تعبير"دي بونو" - ارتباطًا وثيقًا بالإبداع، ولكن الإبداع يصف الناتج، أما التفكيرالإبداعي فيصف العمليَّات نفسها.


وعلى ذلك يعرِّف "منير كامل" 1996 التفكير الإبداعي بأنه: "الأسلوب الذييستخدمه الفرد في إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار حول المشكلة التي يتعرَّض لها"الطلاقة الفكريَّة"، وتتصف هذه الأفكار بالتنوُّع والاختلاف (المرونة)، وعدم التكرار أوالشيوع (الأصالة)".


ويعرف "فتحي جروان" 1999 التفكير الإبداعي بأنه: "نشاط عقلي مركب وهادف، توجهه رغبة قويَّة في البحث عن حلول أوالتوصُّل إلي نتائج أصيلة لم تكن معروفة سابقًا، ويتميَّز التفكير الإبداعي بالشموليَّةوالتعقيد؛ فهو من المستوى الأعلى المعقَّد من التفكير؛ لأنه ينطوي على عناصر معرفيَّةوانفعاليَّة وأخلاقيَّة متداخلة تشكِّل حالةً ذهنيَّة فريدة:

المكونات العامة للإبداع: البيئة الإبداعيَّة  +  العمليَّة الإبداعيَّة  + الشخص المبدع +  المنتج الإبداعي.

 

مكونات التفكير الإبداعي: المعرفة (النظري) + الرغبة (الدافع والحافز النفسي) + المهارة (القدرة والتمكُّن).

 

 

هل هناك علاقة بين مهارات التفكير الإبداعي والتفكير الناقد؟

أ- التفكير الناقد: يصنف الباحثان"أودل، دانيالز" مهارات التفكير الناقد في ثلاث فئات، هي:

1- مهارات التفكيرالاستقرائي؛ أي: التوصُّل إلى تعميمات وقواعد وقوانين من خلال جزئيَّات صغيرة.

2- مهارات التفكير الاستنباطي: وهو عملية قياس منطقي، ويتمُّ فيه التوصُّل إلى نتائج منمقدمات.

3- مهارات التفكير التقييمي: ويعني إصدار حكم حول قيمة بعض الأموروالأفكار .


•
معايير التفكير الناقد: حدَّد الباحثان "إيلدر، بول" تلكالمعايير في الآتي: "الوضوح، الصحة، الدقة، الرَّبط، العُمْق، الاتِّساع، المنطق" .

 

ب- التفكير الإبداعي " الابتكاري":

1-مهارات التفكيرالإبداعي: "الطلاقة، المرونة، الأصالة، الحساسية للمشكلات، الاحتفاظ بالاتجاه".

2- عقبات التفكير الابتكاري: "شخصية، بيئيَّة".

أ- شخصيَّة: "انعدامالثقة، الميل للمجاراة، الحماس المفرط، التسرُّع، التفكير النمطي، عدم الحساسية".

ب- بيئيَّة: "مقاومة التغيُّر، انعدام التوازن بين التعاون والتنافس، انعدام التوازن بينالجدِّ والفكاهة".


• الفرق بين التفكير الناقد، والتفكير الابتكاري:

1- التفكير الناقد: "متقارب، يقيم أمورًا موجودة، لا يغيِّر شيئًا، منطقي".
2-التفكيرالإبداعي: "متشعب أو متباعد، ينتهك أمورًا موجودة أو منطقيَّة، لا يمكن التنبؤبنتائجه".


هل هناك علاقة بين التفكير الإبداعي والذكاء؟

أ- الأصول التاريخيَّة: يرجع الاهتمام بالذكاء والقدرات العقليَّة إلى تاريخ موغل في القِدَم، ويعود أول قياس للذكاء والقدرات إلى القرن الثاني قبل الميلاد على أيدي الصينيين، وبعد ذلك قدَّم "أفلاطون" على لسان أستاذه "سقراط"، في محاورة الجمهورية نظريةً حول القدرات العقليَّة، وتفترض هذه النظرية أنه يمكن تقسيم البشر إلى ثلاث فئات غير قابلة للتغيُّر، كالمعادن:

الحُكَّام - الفلاسفة: "الذهب"، وهم في أعلى سُلَّم القدرات العقليَّة.

يليهم القادة العسكريون: "الفضة".

ويأتي العمَّال الفلاحون والعُمَّال في ذيل السُّلَّم: "الحديد".


أما "أرسطو"، فربط بين الوظائف العقليَّة والمخ، وقدَّم تصورًا للذكاء على افتراض أنه يتكون من ثلاثة جوانب: الأول نظري "مجرد"، والثاني عملي يتصل بالمهارة، والثالث إنتاجي يتعلَّق بالقدرة على الإبداع والابتكار.


أما في الحضارة العربيَّة والإسلاميَّة، فربما كانت أكثر محاولات دراسة الذكاء مباشرة وعموميَّة هي دراسة ابن الجوزي (510هـ - 597هـ/1110م -1197م) عن الذكاء في كتابه عن "الأذكياء"، وقد ناقش في كتابه هذا قضايا البيئة والوراثة والعلاقة بين التكوين الجسمي والذكاء وأثر المناخ في الذكاء، إلا أن جانبين رئيسين استأثرا باهتمام "ابن الجوزي" عند دراسته للذكاء: الأول هو الذكاء اللفظي، أما الجانب الثاني، فهو الذكاء العملي، أو القدرة على حل المشكلات، والتي تعتمد على إدراك المشكلة وسرعة الاستجابة لها.


أما في الغرب، فلم تبدأ إرهاصاته إلا على يد اثنين من الأطباء النفسيين الفرنسيين في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر،  وهما Jean Etiene Esquirel: الذي ميَّز بين المرض النفسي والتخلُّف العقلي، وJean Mark Etard: من الآباء المؤسسين لمجال التربية الخاصة؛ فخبرته مع أحد الأطفال الذي يفتقر إلى اللغة وإلى أبسط مهارات الحياة كانت بمثابة جهد منظم لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة[7].


ب- التفكير الإبداعي والذكاء: جدليَّة الثابت والمتحوِّل:

لا شك أن العلاقة بينهما عميقة، وتكاد أن تكون ملتحمة؛ فالمبدع مفكِّر وذكي، إلا أن "الإبداع يتصف كذلك بالمثابرة والعمل الجاد لشخص نشيط ومَرِن وذي فعالية عالية"[8].


ولا بدَّ من وجود دافعيَّة كشرط أساسي للقيام بأيِّ نشاطٍ عقلي مُبدع، كالحماس والحساسية والانجذاب لما هو غامض، وحُب السؤال، والرغبة في التميُّز والخلق[9].


وإنَّ أيَّ عملٍ إبداعي ما هو إلا "عمليَّة خلق شاقَّة يقوم بها المبدع؛ لكي يحتفظ بتكامله الشخصي أو بتكامل مجتمعه"[10].


وإذا كان التفكير الإبداعي يتصف بقيمته العالية ونتائجه المفيدة للفرد والمجتمع، فهو إذًا يقتصر على استخدام الذكاء بطرقٍ إيجابيَّة تخدم الشخص نفسه من جهة، والآخرين المحيطين به والذين يشاركونه العيش على هذا الكوكب من جهة أخرى، بينما يمكن استخدام الذكاء بطرق سلبيَّة.


فالذي يفكِّر في صنع الأسلحة المدمرة هو شخص ذكي، ولكنه بدلاً من توظيف ذكائه في إبداع صناعات لفائدة البشريَّة ورفاهيتها، نراه قد صنع أدواتٍ لتدميرها.


لذا؛ فالذي يميِّز بين التفكير الإبداعي والذكاء أنَّ الأوَّل يقترن بالقِيَم الإنسانيَّة والْمُثُل والأخلاق، أما الثاني فقد ينحرف عنها أحيانًا.


هل يقتصر الذكاء "التفكير" على شعبٍ دون آخر، أو فردٍ دون آخر؟

يوجد بلدان متقدمة وأخرى متخلفة.

بالعودة إلى المقولة السابقة لـ "روديار كيبلينغ": "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"، يبدو للوهلة الأولى أن التخلُّف صفة أزليَّة من الصعب الخروج من أتُّونها ومن زلاَّتها، هذا التصور دفع في المقابل "ريتشارد نيسبت" إلى القيام ببعض الأبحاث التجريبيَّة على بعض الأطفال في الغرب والشرق، فرأى أن الأول يتعلم الأسماء أسرع من الأفعال، والثاني يتعلم الأفعال قبل الأسماء، وفسَّر ذلك بأن الغربيون ينزعون إلى تطبيق المنطق الصوري عند الاستدلال، وقد يوقعهم هذا في أخطاء، بينما ينزع أبناء الشرق إلى النظر في القضايا في إطار تناقضاتها، مما يعني اجتماع النقيضين وصولاً للفهم، وبالتالي وصول إلى حقائق[11].


لكن المفكِّر "لويس البرتو ماتشادو" أوَّل وزير للذكاء في العالم، يقول: "ليس هناك شعبٌ أذكى من شعبٍ آخر، كما زعم دُعاة العنصريَّة والفوقيَّة على الدوام، وبنوا أمجادهم على ظلم باقي الشعوب"، واستطرد قائلاً: "يمكن لكلِّ فردٍ أن يكون ذكيًّا؛ فالذكاء مهارة قابلة للتعلُّم، وهو حقٌّ طبيعي لكلِّ فردٍ.


ويؤكِّد "ماتشادو" على ثلاثة أمور أساسيَّة، يراها مرتبطة معًا وفي غاية الأهميَّة: هي الحريَّة، والعدالة، والذكاء، كما يُصر على الدور التربوي في بناء مجتمع حرٍّ وعادلٍ وذكي، ويؤكِّد كذلك "أن العبقريَّ ليس رجلاً خارقًا؛ إذ يمكن لكلِّ رجلٍ عادي أن يكون ذلك الرجل الخارق"[12].


أهم معوِّقات التفكير الإبداعي: تتعدد المعوِّقات والمثبطات لكل أشكال الإبداع، لكن يظل أهمها ما يلي:

1- المعوِّق النفسي: يتجلَّى إما في العيش في الخيالات والأوهام والأحلام الفارغة والتعامي عن حقائق الواقع، والخيال مفيد إذا كان بقدر ما يسعى الإنسان إليه من تطوير للواقع وإبداع وتجديد في حدود الممكن، أما إذا حلَّق بصاحبه في أجواء المستحيلات وعاش في ظلاله فقط معرضًا عن العمل، فهو الداء القاتل للفكر، والمرض الفاتك بالعقل، أو الخضوع للطُّرق المألوفة في الحل ومقاومتنا للتغيُّر، معنقص الثِّقة بالنفس وبأفكارنا و تصوراتنا، والخوف من الظهور بمظهر الأغبياء.


2- معوِّق ذهني موروث: يظهر في تقبُّل الأحكام المسبقة دون تمحيصها وفحصها وابتلاعها على عواهنها.


3- المعوِّق البيئي: التربية الأُسريَّة التقليديَّة التي تقتل الإبداع في الطفل فتجعله انطوائيًّا، رحم الله علي بن أبي طالب إذ يقول: أدِّبوا أبناءكم لزمانهم؛ فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، ثم المدرسة التي تعتمد التفكير التسلُّطي والطريقة الإلقائيَّة في التدريس، دون أن ننسى دور المجتمع "السلطة" التي تقمع كل جديد، ويعمل على استئصاله والسخرية منه مع تراكم التخلُّف الحضاري ردحًا من الزمن، لكن الأخطر من هذا كله هو الجو السياسي المتبَع: "قَمْع الحريَّات، عدم الاهتمام بالبحث العلمي".


4- التواكل الطفيلي: بمعنى أن يعوِّد الإنسان نفسه على أن يفكر الآخرون نيابةً عنه، حتى في أخص أموره، فيصاب بالترهُّل الفكري والجمود العقلي، ويصبح كالنبات الطفيلي الذي يعيش على أغصان شجرة أخرى، وبمجرد أن يذبل ذلك الغصن أو يقطع تنتهي حياة ذلك النبات الطفيلي، وهذا شيء والمشاورة والاستفادة الإيجابيَّة من الآخرين شيءٌ آخر.

 

• أهم النظريات الغربيَّة المنبثقة عن التفكير الإبداعي: كل نظرية من هذه النظريَّات تحتاج إلى دراسة معمَّقة، لكن تكفي الإشارة عن العبارة، بل الأكثر من هذا أن الإنسان في حياته اليوميَّة وتفاعلاته المجتمعيَّة أقدر على صُنع نظريَّات أخرى أكثر فاعليَّة ونجاعة، ومنسجمة مع البيئة المحليَّة، لكن لا بأس من استعراضها للاستفادة من إيجابياتها وسلبياتها:

1- نظريَّة القُبَّعات الست:وهو أسلوب إبداع البريطاني ذي الأصل المالطي "إدوارد دي بونو"، والذي نقل تخصصه من طبيب جراح للمخ إلى الفلسفة، والذي أصبح فيما بعد أشهر اسم في العالم في مجال التفكير وتحليله وأنماطه، وكان من أهم إبداعاته نظرية "القبعات الست" و"التفكير الجانبي".


أ- ماهية القبعات الست: هو تصنيف التفكير إلى ستة أنواع، واعتبار كلِّ نوعٍ  قبعةً يلبسها الإنسان أو يخلعها حسب طريقة تفكيره في تلك اللحظة، ولتسهيل الأمر فقد أعطى "إدوارد" لونًا مميزًا لكلِّ قبعة، وتستخدم في طريقة تحليل تفكير المتحدثين أمامك بناءً على نوع القبعة التي يرتدونها.


ب- آليات عمل القبعات: وهي الفرصة لتوجيه الشخص إلى أن يفكر بطريقة معينة، ثم تطلب منه التحوُّل إلى طريقة أخرى؛ مما يجعل الشخص يفكر دون حواجز، ومن ثَمَّ يتمُّ التغلُّب على الأفكار الانهزاميَّة، وتتكون القبعات من الألوان الفكريَّة التالية:

• القبعة البيضاء وترمز إلى التفكير الحيادي:تجميع أو إعطاء المعلومات دون نقدها،الإنصات والاستماع الجيد.


• القبعة الحمراء وترمز إلى التفكير العاطفي: يغلب المشاعر والعواطف بعيدًا عن منطق العقل.


• القبعة السوداء وترمز إلى التفكير السلبي:إنه دائمًا في خطٍّ سلبي، ينظر باستمرار إلى النصف الفارغ من الكأس ورغم أنه يبدو منطقيًّا فهو ليس عادلاً باستمرار.


• القبعة الصفراء وترمز إلى التفكير الإيجابي: يعتمد على التقييم الإيجابي، ويركِّز على احتمالات النجاح، ويقلل من احتمالات الفشل، عمومًا يتمُّ تغييب الجانب السلبي فيه.


• القبعة الخضراء وترمز إلى التفكير الإبداعي:يرمز إلى التغيير والخروج من الأفكار القديمة والمألوفة، وله أهميَّة كُبْرى عن باقي أنواع التفكير، وأُعطي اللون الأخضر تشبيهًا للون النَّبْتَة التي تبدأ صغيرة ثم تنمو وتكبر، وذلك باستعمال طُرق الإبداع ووسائله، مثل: "ماذا لو...؟!" أو "التفكير الجانبي".


• القبعة الزرقاء وترمز إلى التفكير الموجَّه:لون السماء هو الأزرق وهو شامل يغطي كلَّ الأرض، وهذا هو التفكير الموجه أو التفكير الشمولي، وكذلك هو لون البحر الذي يرمز للإحاطة والقوة، والذي يميز هذا النوع من التفكير أيضًا[13].


2- نظريةتريز TRIZ: ولدت نظرية "تريز" في الاتحاد السوفييتي سابقًا على يد العالم "هنري التشلر" Henry Altchuller الذي تنسب له هذه النظرية، تعرف باسم  "نظرية الحل الابتكاري للمشكلات".


Teoria Resheiqy Izobreatatelskikh Zadatch، و"هنري التشلر" عالم روسي من أذربيجان، ولد عام 1926م، وتوفي عام 1998م في "طشقند"، أول اختراعاته وهو في (14) من عمره، ماجستير في الهندسة الميكانيكيَّة، كان يعشق السباحة فتمكَّن من تطوير جهاز يساعد على البقاء تحت الماء أطول وقت ممكن.


أ- ماهية نظريَّة TRIZ: هي منهجيَّة منتظمة ذات توجه إنساني تستند إلى قاعدة معرفيَّة تهدف إلى حل المشكلات بطريقة إبداعيَّة.


ب-المفاهيم الأساسيَّة في نظرية تريز وأدواتها: الإستراتيجيَّات الإبداعيَّة، التناقضات، النتاج المثالي النهائي، مصفوفة التناقضات.


ج- مرتكزات ومضامين نظرية تريز:

• كلُّ شيءٍ يتكون من مجموعة من الأجزاء التي تعمل بعضها مع بعض يسمَّى نظامًا.

• تسعى النظم والأشياء في تطورها نحو الكمال أو المثاليَّة.

• عملية التطور نحو المثاليَّة منتظمة وليست عشوائيَّة.

• التطور تحكمه قواعد وقوانين.

• كشف القواعد والقوانين يسهل تطور الأشياء.


3- نظرية تقنية العصف الذهني: في عام 1941 ابتكر العالم ALEX OSBORN طريقة لتوليد الأفكار الجديدة أطلق عليها اسم"العصف الذهني"،  ووضع شروطًا وقواعد لضمان نجاحها:

• لا تنتقد الأفكار.

• الكميَّة تولد النوعيَّة.

• ابنِ على أفكار الآخرين.

• شجِّع الأفكار الكبيرة والمبالغ فيها.

• الأفكار البسيطة قد تولد أفكارًا جيِّدة؛ لأنها تقوم بتوجيه مسار التفكير.


لماذا العصف الذهني؟ لأن العقل يعصف بالمشكلة ويفحصها ويمحصها بهدف التوصُّل إلى الحلول الابتكاريَّة المناسبة لهذه المشكلة.


4- نظرية أسلوب حل المشكلات: فالمشكلة تعني التباين بين الواقع الحالي والحالة المرغوبة.


أما أسلوب حل المشكلات، فيدلُّ علىعمليَّة عقليَّة يستخدمالإنسان فيها ما لديه من معارف وخبرات سابقة ومهارات مكتسبة؛ من أجل الاستجابةلمتطلبات موقفٍ غير مألوف، بمعنى آخر: المجهودات لبلوغ هدف ليس لديهم حلٌّ جاهز له، أما إستراتيجيَّات حل المشكلة: "الإحساس بوجود المشكلة، تحديد طبيعةالمشكلة بدقة، التعرُّف على أسباب وعوامل المشكلة، تحديد متطلبات حلِّ المشكلة من مالووقت وإمكانيَّات، وضع خطة لحلِّ المشكلة، بَدء تنفيذ الخطة، متابعة عمليَّة التنفيذ،مراجعة الخطة وتعديلها، تقييم حل المشكلة، التطبيق، التعميم".


• الخصائص الواجب توافرها في الشخص المتميِّز في حلِّ المشكلات:
الاتجاه الإيجابي نحوالمشكلات، الحرص على الدقة، تجزئة المشكلة، التأمل والتخمين، الصبر والمثابرة،الحيويَّة والنشاط، المعرفة والاطلاع .


والجدير بالذكر أن هذه النظريات ليست حلولاً سِحْريَّة ويعتريها نقص وثغرات، وها هنا ليس مجال نقدها، نتركها لموضوع لاحق إن شاء الله.


• التفكير بين النمط السائد المثبط، وآليَّات السياق التفكيري المستقبلي.


ولنكن صُرحاء مع ذواتنا وأنفسنا، فالتفكير سلاح ذو حدين؛ من جهة قد يكون معرقلاً لكلِّ مسيرة تنمويَّة تقدميَّة، ولكن من جهة أخرى قد يدفع دفعًا إلى الأمام، حتى لا أوصف بالدوغمائيَّة والوثوقيَّة؛ لا بأس مِن عَرْض ما توصَّل إليه "هوارد جاردنر".


أ- التفكير بين النمطيَّة والطغيان: حتى لا نغرق في الخيال؛ سأعرض لبعض المنغصِّات الأساسيَّة، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعُنُق:

• التفكير من خلال البطل: ويظهر هذا الاتجاه في عَرْض التصوُّر الرسمي، وكأن الأمر بديهي ودون نقاش، مُقدَّس، معصوم لا يخطئ أبدًا؛ مما دفع بالمتثاقفين إلى سدة الفكر والثقافة؛ ليقوموا بدورهم كأبواق تسبِّح بحمد أسيادهم، موهمةً الناسَ بأنها أبواق ذات أبعاد وثِقَل، والعمليَّة التعليميَّة التعلمية التي يقوم فيها الأستاذ بدور الفارس الوحيد في حلبة السباق، دون الأخذ بوجهة نظر التلميذ وقد يفوق أستاذه.


• التفكير الديكتاتوري المتسلِّط: المتمثل في النظام الشمولي النازي الفاشي، ولا أدلَّ على ما صرَّح به توفيق الحكيم إذ يقول: "إن وعيه كان مفقودًا في عهد الحكم الناصري؛ لأن وعيه كان مغيَّبًا ومكبوتًا، والإفراج عنه سيؤهله لضيافة المعتقلات أو محاربته في لقمة عيشه" والنظم البيروقراطية.


• التفكير الخوارقي غير العلمي: المتمثل في حل المشكلات الشخصيَّة والمجتمعيَّة من خلال وساطة وكرامات الأولياء "موسم سيدي علي بن حمدوش.." أو الذي يبني مشاريعه المستقبليَّة على الرُّؤى والمنامات.


• التفكير الهارب والتفكير بالتسويف: وذلك بتبرير كلِّ آفةٍ أو مشكلة أو أزمة بعوامل خارجيَّة، وإحالتها إلى لجان ثم لجان؛ إذ إن المشكلة ستحل نفسها مع مرور الوقت في انتظار حلٍّ قد يأتي أو لا يأتي!


ب- التفكير في السياق المستقبلي، طموح وتفاؤل: يطرح "هوارد جاردنر" الأنواع الخمسة من التفكير "العقل"؛ لمواجهة تحدِّيات الحاضر والمستقبل، بحيث لا تتيح- سواء من الدول أو الأفراد- أن تنعم القلة بالرفاهية والبذخ، والبقية الباقية في البؤس والفقر:

1- العقل المعرفي المنظَّم: هو الذي يملك معرفة متميزة؛ سواء في مجال العلوم أو المهن أو الأدب أو الصناعة، في إطار ما يُسمَّى بالذكاءات المتعدِّدة.


2- التجميع والتربيط: القدرة على تناول معلومات من مصادر معرفيَّة متنوعة؛ ليقوم بإيجاد روابط بينها في وحدة بينيَّة، ولعلَّ أهم إشارة في هذا الباب الاتجاه نحو ما يُسمَّى العمل المتنوع، ولا عجب من مثبط عندما يسعى أحد الطلاب في الحصول على شهادة عُلْيا في تخصص آخر تتعدد العراقيل من هنا وهنالك!


3- العقل الخلاَّق: وهذا العقل لا يمكن أن تبرز معالمه إلاَّ بتجاوز العناصر السابقة الآنفة الذكر، باقتحام آفاق معرفيَّة جديدة، وبِطَرْح أسئلة غير مألوفة؛ بغية الوصول إلى إجابات غير متوقعة.


4- عقلية الاحترام: التي تحترم الاختلافات بين الأفراد والجماعات، ومن جهة أخرى تجاوز الفكر النفعي التسلُّطي الذي يمثله الاتجاه "الكوسمولوجي الدركي" العالمي، كالولايات المتحدة التي تسعى جاهدة إلى قمع كلِّ نتوء فكري وعلمي في بلد من بلدان العالم المتخلف؛ "توجيه التعليم ليخدم أغراضها"، فعلاً تجاوزها في هذه المرحلة صعب للغاية، ولكن حسب الدراسات التفاؤليَّة من الغرب، فهي آيلة في الأقل إلى الذوبان بين أقطاب متعددة.


5- التقييم الذاتي: يعني أن مقاصد العمل ينبغي أن تتجاوز المصالح الخاصة والحسابات التصفويَّة الاستئصاليَّة  الضيِّقة، والسعي بتجرُّدٍ تام إلى إفادة الجميع دون تحيُّز[14].


إن تنمية مهارات التفكير الإبداعي، التفكير المستقل: هو سبيل الإنسان لتطوير قدراته على تنقية تصفية المعلومات الواردة إليه؛ للتخلص من المعلومات المغلوطة والملوثة وغير الضروريَّة، والفهم التركيبي للمعلومات الصحيحة هو ما أطلق عليه بعض الباحثين "الصحة المعلوماتية" nformation Hygiène إن هذه الصحة المعلوماتيَّة هي سبيل التحرُّر من عبوديَّة المعلومات والانبهار الساذج بها، وصولاً إلى القدرة على التفكير النقدي فيها، هو طريق المشاركة في إعلام يستشرف آفاقه بعض الباحثين، باعتباره يمثل انتقالاً من عصر المعلومات إلى عصر مفهومي (age conceptuel )، حيث ينتقل الاهتمام من المعلومات كغاية إلى المعلومات كمادة خام تؤسس لإطار مفهومي، ورؤية حول مستقبل الإنسان[15].


الآن أما آن الوقت للانطلاق؟!

وخلاصة القول أختم بكلام نفيس للدكتورة "زينب حبش": "كل فرد مِنَّا يولد مزوَّدًا بدماغ إلكتروني حي ذي إمكانات لا حدود لها، وكل اختراع أو اكتشاف ما هو إلا نتيجة لدراسة تأمليَّة من أحد الأفراد، أو مجموعة من الأفراد الذين لهم القدرة على الإبداع، أما السِّر الحقيقي فإنه يكمن في التربية، فالذين أبدعوا تعلَّموا مُسبقًا كيف يُفكرون، وهذا مكمن الإبداع".


ثم إن تربية النفس على التفاؤل في أعظم الظروف وأقسى الأحوال منهج لا يستطيعه إلا أفذاذ الرجال، والمتفائلون وحدَهم هم الذين يصنعون التاريخ ويسودون الأمم، ويقودون الأجيال، أما اليائسون والمتشائمون فلم يستطيعوا أن يبنوا الحياة السويَّة، والسعادة الحقيقيَّة في داخل ذواتهم، فكيف يصنعونها لغيرهم؟! أو يبشِّرون بها سواهم؟ وفاقد الشيء لا يعطيه!


وَمُكَلِّفُ الأَشْيَاءِ ضِدَّ طِبَاعِهَا
مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ

[1] -"حلم مجتمع المعرفة العربي إما التحقُّق أو الهاوية"؛ د.سليمان إبراهيم العسكري، مجلة العربي، العدد (542)، يناير2004، ص (13).

[2] - جهاد فاضل؛ "قضايا الشعر الحديث"، الطبعة 1984.

[3]- جروان، فتحي (1999)؛ "تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات"، الإمارات: دار الكتاب الجامعي، ص (424).

[4] - سعادة جودت، (2003)؛  "تدريس مهارات التفكير"،  الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع، ص (40).

[5] - ريتشارد إي.نيسبت؛ "جغرافية الفكر": كيف يفكِّر الغربيون والآسيويُّون على نحو مختلف، ولماذا؟؛ ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة، العدد (312)، فبراير 2005، ص (48).

[6] - جون هارتلي؛ "الصناعات الإبداعيَّة": كيف تنتج الثقافة في عالم التكنولوجيا والعولمة؟ ترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي، سلسلة عالم المعرفة، العدد (338)، أبريل 2007، ص (158).

[7] - د.محمد طه؛ "الذكاء الإنساني": اتجاهات معاصرة وقضايا نقديَّة، سلسلة عالم المعرفة، العدد (330)، أغسطس 2006، ص (17-18)، بتصرُّف يسير.

[8] - روشكا الكسندرو؛ "الإبداع العام والخاص"؛ ترجمة: د. غسان عبد الحي أبو فخر، الكويت: عالم المعرفة، 1989م ، ص (72).

[9] - د. إبراهيم  عبد الستار؛ "آفاق جديدة في دراسة الإبداع"، الكويت: وكالة المطبوعات، 1978، ص (95).

[10] - د.إبراهيم، نفس المرجع، 1978، ص (107).

[11] - ريتشارد إي.نيسبت؛ "جغرافية الفكر"، ص (12).

[12]- ماتشادو، لويس البرتو؛ ترجمة : د. عادل عبد الكريم ياسين؛ "الذكاء حق طبيعي لكل فرد"، قبرص: دار الشباب للنشر والترجمة والتوزيع، 1989م ، ص (32).

[13] - للتوسع للدراسة المشتركة لكلِّ مِن: الدكتور طارق محمد السويدان، والدكتور:محمد أكرم العدلوني في كتابهما "مبادئ الإبداع"، قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، 2004م، إدوارد دي بونو؛ "تحسين التفكير بطريقة القبعات الست"، دار البشائر الإسلاميَّة، بيروت 1993.

[14] - د.حامد عمار؛ "توجهات التفكير لعالم المستقبل"، مجلة العربي، العدد (592)، مارس 2008، ص (136- 137).

[15] - الدكتور محمد طه؛ "عبودية المعلومات"، هل المعرفة دائمًا قوة؟، مجلة العربي، العدد (592)، مارس 2008، ص ( 153).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الطريق إلى الإبداع
  • الإبداع.. ما هو؟ ما ضوابطه؟
  • الخصائص العقلية للإبداع
  • الأدب الإسلامي والإبداع الفني
  • لا تحقرن إبداعك
  • نعمة الإبداع
  • مؤهلات الإبداع الدعوي ومقوماته
  • الإسلام والقدرة الإبداعية
  • هل فاتنا قطار الإبداع؟
  • الإبداع في التفكير داخل الصندوق
  • الإسلاميون والإبداع.. مرارة بطعم العلقم
  • التدين والإبداع: التقاء لا افتراق
  • هل التأثر بإبداع الآخرين يعد عيبًا؟
  • مفهوم التفكير عند المفسرين المسلمين
  • مفهوم التفكير الناقد
  • الإبداع يقود التغيير الاجتماعي والاقتصادي

مختارات من الشبكة

  • تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن: التفكير الكلي والتفكير الجزئي(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • التفكير الإبداعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فهم واقع الحياة في قصة صاحب الجنتين: تفكير المؤمن وتفكير غير المؤمن في قصة صاحب الجنتين(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • من مهارات التفكير(مقالة - موقع د. أحمد البراء الأميري)
  • معايير التفكير الناقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مهارات التفكير الاستنباطي والتقييمي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مهارات التفكير الناقد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • التفكير هو أن يهتدي المرء إلى ما سيفعله(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تدني مستوى الطالبات في مهارات التفكير الإبداعي في مادة الرياضيات للمرحلتين المتوسطة والثانوية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • رؤية في كتاب "خطوة نحو التفكير القويم" للدكتور عبدالكريم بكار(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
3- مات الإبداع
clown white 13-11-2015 02:35 PM

أظن أن المبدعين غير موجودين في عالمنا اليوم فكل الاختراعات والاكتشافات إما حدثت عن طريق الصدفة أو تطوير شيء تم اختراعه مسبقا وأظن أن سبب ذلك هو التكنولوجيا لأن الناس أصبحوا يعتمدون عليها لا على عقولهم وبهذا فقدت البشرية إبداعاتها وبالتاكيد لا أقصد كل الناس لكن أغلبهم وهذا هو الواقع المر.

2- القمع والخوف والاستبداد!!!
الصمعاني - مملكه غرناطه 18-01-2013 08:02 PM

العدالة والحرية وتوزيع الثروه بشكل الصحيح والدعم هو الوقود المفقود بعالمنا العربي.

1- ستجدهم!!!
الطيماوي - فلسطين 23-10-2010 11:07 AM

ستجدهم في السجون وفي القبور
فكلاهما ممتلئة بالمبدعين

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب