• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق البيئة
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الأرض: رؤية من الخارج
    سمر سمير
  •  
    من أعلام الأدب الرشيد (عماد الدين خليل أنموذجا)
    د. منير لطفي
  •  
    شرح منهاج البيضاوي لعز الدين الحلوائي التبريزي ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    إشكالية اختيار الثغر: كيف يجد الشاب المسلم دوره ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    أسباب فيروس كورونا
    د. صباح علي السليمان
  •  
    قراءات اقتصادية (68) الانهيار الكبير
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    أسباب الطاعون والوقاية منه
    د. صباح علي السليمان
  •  
    التغيير
    أ. محاسن إدريس الهادي
  •  
    نماذج لفقهاء التابعين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
  •  
    الإدارة بين الإتقان الشرعي والنجاح الدنيوي
    د. أحمد نجيب كشك
  •  
    القسط الهندي من دلائل النبوة وأفضل ما يتداوى به
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    زجاجة المصابيح في الفقه الحنفي لعبد الله بن مظفر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    الإدمان الرقمي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    صحابة منسيون (6) الصحابي الجليل: خريم بن فاتك ...
    د. أحمد سيد محمد عمار
  •  
    نماذج لفقهاء التابعين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / ثقافة عامة وأرشيف
علامة باركود

حقوق البيئة

حقوق البيئة
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2025 ميلادي - 7/5/1447 هجري

الزيارات: 72

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق البيئة


الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفّع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر. وبعد.

حديثنا في هذه الدقائق مع حقوق البيئة، والبداية مع كلمة " بيئة " وهي كلمة قديمة وحديثة، أما كونها قديمة؛ فلأن العرب عرَّفوها واستعملوها في ألفاظهم بمعنى: الموضع الذي ينزل فيه الإنسان، سواء كان داراً، أو ساحة، أو شاطئ نهر، أو شاطئ بحر، في المدن، أو في الأرياف، أو في البراري... وأما كونها حديثة؛ فلأنها نالت من اهتمام الدول والهيئات حظاً كبيراً، وما من وقت يمرّ إلا ونسمع أحاديث وأخباراً عن البيئة وأهميتها، ووجوب العمل على سلامتها، وحفظ نظافتها، ومنع تشويهها وتلويثها.

 

عناية إسلامية مبكِّرة بالبيئة:

حرّم الإسلام كل أسباب الفساد الحسي، ومنه تلويث البيئة، حماية لها وصيانة لحق الإنسان من الضرر الذي يلحق عناصرها التي تقوم حياته عليها.

 

كما حرّم الإسلام الإسراف بكل أنواعه، ومنه الإسراف في كيفية التعامل مع البيئة حتى فيما يتصل بالعبادة، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: «ما هذا السرف؟»، فقال أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نَعَمْ، وإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ"[1].

 

كما تجلى ذلك واضحا في وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين لأمراء الجيوش في المحافظة على البيئات التي ينتشر الإسلام فيها خاصة، وأن البعض منها تختلف كليا عن البيئة الصحراوية أو البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم. وأكد الإسلام على الإنسان لأنه هو المفسد ببيئته من خلال استغلاله لها استغلالا جائرا وغير عقلاني.

 

وإن من يتتبع آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم-، يجد مقدار ما حظيت به البيئة من اهتمام الإسلام، بل إنه ليطيب نفساً فرَحاً بغزارة النصوص الداعية إلى رعاية البيئة والاهتمام بسلامتها ونظافتها، وكذلك النصوص المحذِّرة من الإساءة إلى البيئة، أو التسبب في إفسادها وتلويثها... وإن من أول ما قرره الإسلام: أن الله -تعالى-خلق البيئة نقية، سليمة، نافعة، جميلة، تسرّ الناظرين. قال الله -تعالى-: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 6-7]. والبهيج: الشيء الجميل الذي يُدخل البهجة والسعادة والسرور إلى من نظر إليه... ثم تأتي بعدها آية أخرى فتقول: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9-11]. ويقول الله -تعالى-: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].

 

وقال -تعالى-: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 10-11].

 

ثم يقول: ﴿ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 13-14].

 

وهكذا تشير هذه الآيات ونحوها إلى أن الله -تعالى- خلق الفضاء، والأرض، والبحار، والأشجار، ومصادر المياه، وغيرها من مظاهر البيئة وعناصرها، خلقها سليمة نقية طيبة نافعة للإنسان، بل إن هذه الآيات أضفت على هذه المذكورات بعداً جمالياً وذوقياً لتنبِّه الإنسان على ضرورة مراعاة هذا الخلق النقي الجميل، والحرص على استمراره، والمحافظة عليه...

 

منهج الإسلام في حماية ورعاية البيئة

حرص الإسلام على أن تكون البيئة جميلة حسنة خالية من كل شيء يؤثر في جمالها ورونقها، وحتى تظل البيئة جميلة شرع الإسلام بعض التشريعات التي تسهم في ذلك، ومنها:

• حارب التصحر، وذلك بالحث على تعمير الأرض وإحيائها واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء قاحلة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقّ»[2]، وحث على المزارعة حتى لا تظل الأرض بورا لا ينتفع بها أحد.

 

• نهى عن قطع الشجر، لأن قطعه يؤثر في جمال البيئة من جهة، ويحرم الناس والحيوان من الاستفادة منه، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ"[3].

 

• أمر عليه الصلاة والسلام بإماطة الأذى، كالأوساخ والقاذورات وكل ما فيه أذى عن الطريق حتى تظل الأرض نظيفة جميلة تسر الناظرين إليها.

 

• حث على النظافة في الساحات والبيوت والمنازل والطرقات وسائر الأماكن، فقد ذكر أهل العلم أن المروءة في النظافة وطيب الرائحة.

 

• أمر بالمحافظة على المياه، فحرّم هدرها أو الإسراف فيها لغير حاجة؛ لأن شُحها يؤثر في حياة الإنسان والنبات والحيوان، وهذا من شأنه أن يؤثر في البيئة بشكل عام، حيث ينشر الجفاف فيه أو تقل الخضرة.

 

• تحريم الصيد في أزمة معينة وفي أماكن محددة، وهذا من شأنه أن يتيح الفرصة للحيوانات والطيور للتكاثر والتناسل.

 

سلامة البيئة فريضة وعبادة:

إن في المحافظة على سلامة البيئة ونظافتها طاعةً لله -تعالى-والتزاماً بتوجيهاته، وفي ذلك كله الخير والثواب، كما أن في العدول عن ذلك ـ بالإساءة إلى البيئة وتلويثها وتشويه جمالها ـ مسؤوليةً دينية، لما يترتب عليها من ضرر وأذى. وكثيرة هي النصوص المرغِّبة بالثواب الجزيل لمن أحسن إلى البيئة، وكذا النصوص المرهِّبة والمحذِّرة من الإساءة إلى البيئة، وما يترتب على ذلك من مسؤولية وعقاب... وجاء في حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ "[4].

 

ولا شك أن من الجمال الحرص على مظاهر البيئة التي خلقها الله -تعالى- زاهية بهيجة.

 

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ. ووَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ»[5]، وفي الحديث إشارة وتنبيه للأفراد وبخاصة المرضى أن يجتنبوا البصق ونحوه في الأماكن العامة وطرقات الناس ومرافقهم.

 

وورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " وتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»[6].

 

وهذا يشمل أن يكف الإنسان أذاه عن الطريق برمي الفضلات من سيارته، أو نافذة بيته، أو متجره، أو مصنعه.

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ. كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ »[7].

 

. وفي حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" قَالُوا: ومَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: " الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»[8].

 

أي: اجتنبوا الأفعالَ التي تُسبِّب لعنَ الناس لفاعلها وسبِّهم له.

 

وعن جابر - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ»[9].

 

وذلك لما يسبِّبه من تلوث للبيئة، وعدوى للناس، ونشر للأمراض والأوبئة... وإذا كان أكثر الآيات والأحاديث السابقة توجب المحافظة على البيئة حفاظاً على الصحة العامة، وتحقيقاً للسعادة النفسية من حيث المناظر الجميلة التي خلقها الله -تعالى-، فهناك نصوص أخرى تنبِّه على أن للسمع والشمِّ والذوق نصيباً من حقوق البيئة العامة في الإسلام: قال الله -تعالى- منفّراً من رفع الإنسـان صوته، دون حاجة ولا سبب: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]. ولا يخفى ما للضجيج والضوضاء من أثر سييِّء على البيئة، وتلويثٍ لسمع الإنسان، وتشويشٍ لصفائه، وتضييعٍ لنعمة الهدوء والطمأنينة، ولحسن التفكير، وتعويقٍ للإنتاج والعطاء المثمر في حياة الناس. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ، فَلاَ يَرُدُّهُ. فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ طَيِّب الرِّيحِ» [10].

 

وفي هذا إرشادٌ إلى الحرص على الروائح الطيِّبة وإشاعتها بين الناس، وتهاديها، وتجميل البيئة بها، لتربي حاسة الشمّ عند المسلم على محاسن الأمور ومكارمها، فيسعى في محاربة البيئة الملوثة أياً كان مصدر تلويثها.

 

من استعراض الأحاديث الشريفة التالية: نتبين ما يلي:

(أ‌) النهي عن النفخ في ماء الشرب: بلغت عناية السنة المطهرة بحماية الماء حد النهي وتحريم مجرد التنفس في إناء المياه بالنفخ فيه وهو ما يلوث الماء الصالح للشرب، يقول صلى الله عليه وسلم:"-إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء»[11].

 

عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ نهى عن النفْخِ في الشرابِ، فقال لَهُ رجل: يا رسُولَ الله إنِّي لا أرْوَيْ من نَفَس واحد واحد، فقال لَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فأبِنِ القدح عن فِيكَ و (10) تنفَّسْ »قال: فإنِّي أَرى القَذَاةَ فِيهِ قال: "فاهْرِقْهَا»[12].

 

(ب) النهي التبول في الماء الراكد: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» [13]، وفي رواية أخرى -لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب»[14].

 

(ج) النهي عن التبرز في مورد المياه والطرق: يذكر الحديث -"اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل» [15]، ومقصود الحديث النهي عن تلويث مصادر المياه بالتبرز في مصدرها سواء أكان نهراً أم عين ماء أم بئر، ويرجع ذلك إلى سببين:

أولهما: أن الناس جميعاً شركاء في أحقية استخدام المياه، وتلويثه يمنعهم من الاستفادة به، أو يضرهم في حالة استخدامه وذلك تطبيقاً للحديث الشريف الذي يقرر أن -الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار[16].

 

ثانيهما: أن تلويث المياه يمنع الأجيال القادمة من الاستفادة من هذه المياه، وهو ما يخالف مبدأ تواصل الأجيال الذي جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

فإذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن التنفس في الماء ونهى عن إلقاء المخلفات البشرية فيه، فما بالنا بإلقاء المواد الضارة الخطيرة فيه؟ إن ذلك يعتبر ضمن الفساد في الأرض المنهي عنه.

 

صورٌ من حسن التعامل مع البيئة:

وهكذا نجد أن للبيئة مكانة مرموقة في تعاليم الإسلام وتوجيهاته، وذلك من خلال نهيه عن تلويثها وتشويهها والإساءة إليها، بأي سبب من أسباب التلويث، ولو من مخلفات ونفايات الأفراد، أو الهيئات، أو المصانع، أو السيارات، أو المتاجر، أو الأسواق... بل إن الإسلام سبق الاهتمام الإنساني المعاصر في الدعوة إلى الارتقاء بالبيئة، من خلال ترغيبه في تجميلها وتحسين مظاهرها وعناصرها، والمحافظة عليها نظيفة نقية، كما أوجدها الخالق العظيم، وبهذا يتضح أيضاً أن كلمة " البيئة " كلمة خفيفة على لسان الإنسان، ثقيلة في ميزانه، إن هو اتقى الله فيها، فأحسن التعامل معها، ووفّاها حقها الديني والصحي والاجتماعي، وابتعد عن تلويثها، وعمل على الارتقاء بها، وإضفاء مزيد من مظاهر الجمال فيها، ليَسْعد هو أولاً بآثارها، وتفيض هي عليه وعلى من حوله بمزيد من أسباب السلامة والأمن والرفاهية والازدهار.

 

قواعد الحفاظ على البيئة في الإسلام:

استنبط علماء المسلمين قواعد فقهية عامة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لحل المشاكل البيئية التي تواجهها البشرية حاليا، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي، وهذه القواعد هي:

الضرر يُزال:

وتستند هذه القاعدة إلى حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ ولاَ ضِرَارَ»[17].وتعني هذه القاعدة أن لكل فرد مطلق الحرية في أن يتصرف فيما يملك إذا انعدم الضرر، فإذا حدث ضرر للغير فلولي الأمر الحق في التدخل واتخاذ كل ما من شأنه أن يحول دون وقوع الضرر الذي قد يلحق ببعض مكونات البيئة.

 

وهذه القاعدة تنطبق على كل تلويث يشمل جانباً من جوانب البيئة، حيث يسبب التلوث ضرراً مباشرا أو غير مباشر، وقد يصيب الإنسان أو الحيوان أو النبات، وقد يصيب الأجيال الحالية أو القادمة.

 

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح:

فإذا كان استغلال موارد البيئة لتحقيق منفعة ذاتية ومؤقتة سوف يتسبب في الإضرار بهذه الموارد وإفسادها، ويتسبب في استنزافها، فلا يسمح به.

 

الضرر يزال بقدر الإمكان:

ولولاة الأمور الحق في إجبار من يحدث ضررا في البيوت أو الشوارع أو الأسواق أو في عناصر البيئة بإزالة الأضرار الناتجة عن أعمالهم وتصرفاتهم، والتي قد يترتب عليها الإضرار بالناس أو بالحيوانات أو بجودة البيئة.

 

الضرر لا يزال بضرر مثله:

فإذا تساوى الضرر الذي يلحق بالبيئة بالضرر الذي ينتج منه حرمان صاحب حق الملكية لمشروع ما من استعمال حقه، فإنه لا يجوز لإزالة الضرر الذي يلحق بالبيئة حرمان صاحب الحق من استعمال حقه، وإذا كان هناك مصدر لتلويث الهواء في منطقة معينة -مصنع مثلا- فلا يُزال المصنع لتنشأ مكانه محرقة قمامة.

 

الضرر الأشد يزال بالأخف:

حينما تتعارض المصالح المتعلقة بالبيئة مع مصالح الفرد تطبق هذه القاعدة، بمعنى أنه إذا كان إزالة كوبري – يحتاجه الناس للتنقل ونقل أمتعتهم – يسبب لهم حرجاً ومشقة، ولكنه آيل للسقوط، فيجب إزالته حتى لا يسبب حوادث قد تودي بحياة الأفراد، وبذلك يتم اختيار أخف الضررين وهو تأكيد لنفس القاعدة. ويتفرع من هذه القاعدة قاعدتان أخريان هما:

تحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام:

مثل تقييد استعمال حق المالك في إقامة فرن خبز في سوق البزازين حتى لا يتسبب الشرر الناتج من الفرن في احتراق المنتجات الحريرية المعروضة في السوق، ومنها مثلاً الأمر بإعدام الطيور التي يتم تربيتها منزلياً خوفاً من انتشار عدوى مرض أنفلونزا الطيور.. وغيرها.

 

يختار أهون الشرين أو أخف الضررين:

فمثلا إذا تعذر نقل النفايات المنزلية إلى مناطق غير مأهولة بالسكان، وأريد حرقها للتخلص منها، يمكن أن يجرى ذلك قرب المناطق البعيدة نسبيا ذات التعدد السكاني الأقل، بدلا من حرقها في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.

 

الموازنة بين المصالح:

وتعني هذه القاعدة أن المصالح إذا تعددت وتعارضت فإنه يعمل بالترجيح بينها، وتغليب الأهم منها على ما دونها، مثل أن يقدم المرء شراء المنتجات الصديقة للبيئة على المواد الضارة بها أو المستنزفة لطبقة الأوزون مثلا.

 

إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما:

ومعنى القاعدة تطبيق -نسبية الضرر- فيقدم الفعل الذي يحقق ضرراً أقل على الفعل الذي يحقق ضرراً أكبر، وهو ترتيب لأولويات احتياجات المجتمع التي حددها العلماء بسلم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات.


ما جاز بعذر بطل بزواله:

من حق ولي الأمر وقف بعض الأعمال إذا كان ضررها على بيئة الإنسان أكثر من نفعها، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أي أن وقف نشاط يؤدي إلى حدوث أضرار لحياة الناس مقدم على جلب مصلحة بإنتاج هذا النشاط، والأمثلة كثيرة على ذلك في حياتنا، مثل صناعة الإسمنت، فإذا ثبت أنها تجلب التلوث الذي يودي بصحة ومستقبل أبناء الوطن بات وجودها تهديداً للأمن الصحي والحياتي وهو المصلحة الأهم التي تقتضي وقف هذا النشاط طبقاً للقواعد الشرعية.

 

ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام:

يقع تحت طائلة الحرام هنا كل ما يضر الناس، ومن ثم فإن أي مصدر يضر الناس في صحتهم أو راحتهم، مثل ابتعاث غازات تؤذيهم، أو إحداث ضوضاء تقلق راحتهم، يُعد أمرا غير مقبول.

 

ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب:

فإذا كان من مقتضيات الحد من تلوث البيئة في بلد ما ضرورة استصدار مرسوم أو وضع معايير تحدد مواصفات الملوثات التي تقذف بها عوادم المصانع والسيارات في بيئة هذا البلد، فإن استصدار مثل هذا المرسوم يصبح واجبا، لأن الواجب الأصلي، حماية الناس من أضرار التلوث والذي لا يتم إلا بموجبه.

 

الضرر يُدفع بقدر الإمكان:

وتعني دفع الضرر بقدر ما يمكن تحمله، فقد يرى الإمام دفع الضرر فوراً إذا أمكن ذلك، وقد يرى دفعه تدريجياً إذا لم يتمكن من دفعه حالاً.. وهكذا تطبق قاعدة النسبية المشتقة من الآية الكريمة: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].

 

الإنسان والبيئة

وعلى هذا نشأتْ عَلاقة حُبٍّ ووُدٍّ بين الإنسان المسلم والبيئة المحيطة به من جماد وأحياء، وأدرك أن المحافظةَ على البيئة نفعٌ له في دنياه؛ لأنه سيَحْيَا حياة هانئة، وفي آخرته حيث ثواب الله الجزيل.

 

وقد جاءت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للبيئة تأكيدًا لتلك النظرة القرآنيَّة الشاملة للكون، التي تقوم على أن هناك صلةً أساسيَّة وارتباطًا متبادَلاً بين الإنسان وعناصر الطبيعة، ونقطة انطلاقها هي الإيمان بأنه إذا أساء الإنسان استخدام عنصر من عناصر الطبيعة أو استنزفه استنزافًا فإن العالم برُمَّته سوف يُضَارُّ أضرارًا مباشرة.

 

هذا ما تيسر جمعه حول حقوق البيئة في الإسلام، نسأل الله أن ينفع بما نقول نسمع، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


[1] أخرجه ابن ماجة "1/ 147" كتاب الطهارة: باب ما جاء في القصد في الوضوء حديث "425"وحسنه الألباني، انظر: "السلسلة الصحيحة" رقم: 3292.
[2] أخرجه أحمد (6/ 120 رقم 24927)، والبخاري (2/ 823، رقم 2210). وأخرجه أيضًا: ابن الجارود (ص 253، رقم 1014)، والبيهقي (6/ 141، رقم 11551).
[3] مصنف عبد الرزاق:ج5/ ص146 ح9209.
[4] مسلم (91) في الإيمان.
[5] مسلم (1185).
[6] مسلم (2288).
[7] مسلم (6623).
[8] مسلم (571)
[9] مسلم (607)
[10] مسلم (5835).
[11] رواه البخاري (152)، ومسلم (267)، وأبو داود (31)، والنسائي (47)، والترمذي (15)، وابن ماجه (310).
[12] الموطأ: (2/  925) (49) كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (7) باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب - رقم (12).
[13] مسلم: (1/  235) (2) كتاب الطهارة (28) باب النهى عن البول في الماء الراكد - رقم (95).
[14] مسلم. (1/  236) (2) كتاب الطهارة (21) باب النهي عن الإغتسال في الماء الراكد - رقم (97).
[15] رواه أبو داود (26)، ورواه الحاكم في «المستدرك» 1/  167، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[16] أخرجه ابن ماجة 2/ 826، كتاب الرهون: باب المسلمون شركاء في ثلاث حديث 2472، من طريق عبد الله بن خراش بن حوشب الشيباني عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس.
[17] أخرجه ابن ماجه، حديث رقم (784).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حقوق الصحابة (2)
  • حقوق الوطن (1)
  • حقوق العمال
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
  • حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (2)

مختارات من الشبكة

  • خطبة المسجد الحرام 23 / 10 / 1434 هـ - حقوق الجار في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الطريق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من حقوق الوالدين(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • حقوق غير المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق الجار وأنواعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق كبار السن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق كبار السن في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/5/1447هـ - الساعة: 12:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب