• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عثمان بن عفان ذو النورين
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه
    عبدالستار المرسومي
  •  
    العلاقات الجنسية غير الشرعية وعقوبتها في الشريعة ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    من مائدة الصحابة: سعيد بن زيد رضي الله عنه
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    الذكاء الاصطناعي والتعليم
    حسن مدان
  •  
    القاضي عياض (ت 544 هـ) وجهوده من خلال كتابيه: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    الإمام أبو بكر الصديق ثاني اثنين في الحياة وبعد ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدبابة بين اللغة والتاريخ (WORD)
    د. أحمد محمود الخضري
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (11) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدعوة الاسلامية في كوريا الجنوبية لوون سوكيم
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المرأة والاستهلاك: رؤية اقتصادية
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    البشرة الجافة والتشققات الجلدية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    منشأ المنظومة الأخلاقية عند البشر معرفيا
    غازي أحمد محمد
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: منهج السماحة
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / سير وتراجم
علامة باركود

قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه

قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه
عبدالستار المرسومي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2025 ميلادي - 10/2/1447 هجري

الزيارات: 84

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه

 

سلمان الفارسي رضي الله عنه صحابي معروف، هو من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن فقهائهم، بدأت قصته وهو شاب من بلاد فارس، أصله من عائلة من الأكابر والأمراء في بلاد فارس، فهو رضي الله عنه يعرِّف بأصله ليقول رضي الله عنه: " أنا من رام هرمز[1]"[2].


فتح سلمان الخير رضي الله عنه الفارسي عينيه على الحياة وهو من أبناء الأساورة، وقد توفر له كل شيء من أمور الحياة لا ينقصه شيء، ومع هذا لم يكن ذلك ليريحه، لقد كان هناك شعور غريب يلازمه ويقلقه، أو يبعث في نفسه الارتياب وعدم الراحة، فقرر أن يسير في رحلة للبحث عن الإيمان، ولم يكن يعلم طولها ومشقتها وإلى أين ستذهب به، ولكنه برغم ذلك قرر الشـروع بالرحلة.


تحوَّل رضي الله عنه في بداية أمره من المجوسية إلى النصرانية، فكان في دير مع قسٍّ من القساوسة، حتى مات ذلك القس، كشف سلمان رضي الله عنه زيف ذلك القس بعد أن اكتشف سرقته لأموال الناس، استمر سلمان رضي الله عنه بالبحث، وصار يسأل الناس عن أين يجد من يبعث في نفسه الراحة، فهو رضي الله عنه يحدِّث صاحبه عبدالله بن عباس رضي الله عنه بقصته:

قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه[3]، قال:

- كنت رجلًا فارسيًّا من أهل أصبهان، من أهل قرية منها يُقال لها: جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحبَّ خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته، أي ملازم النار كما تحبس الجارية، وأجهدت في المجوسية، حتى كنت قطنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعةً، وكانت لأبي ضَيعة عظيمة، فشُغل في بنيان له يومًا، فقال لي:

- يا بني إني قد شُغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطَّلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررتُ بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت:

- هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي، ولم آتِها فقلت لهم:

- أين أصل هذا الدين؟ قالوا:

- بالشام.

ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال:

- أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت:

- يا أبتِ، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال:

- أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت:

- كلا، والله إنه خير من ديننا، قال سلمان:

- فخافني، فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، وبعثَت إليَّ النصارى فقلت لهم:

- إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم.


فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم، فقلت لهم:

- إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم، فآذنوني بهم.


فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيتُ الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت:

- من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا:

- الأسقف[4] في الكنيسة، فجئته، فقلت:

- إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك، قال الأسقف:

- فادخل، فدخلت معه، قال:

- فكان رجل سوءٍ يأمرهم بالصدقة ويرغِّبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه، ولم يعطِه المساكين، حتى جمع سبع قِلال من ذهب وورِق[5]، وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم:

- إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعطِ المساكين منها شيئًا، قالوا:

- وما علمك بذلك؟ قلت:

- أنا أدلكم على كنزه، قالوا:

- فدُلَّنا عليه، فأريتهم موضعه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءةً ذهبًا وورقًا، فلما رأوها قالوا:

- والله لا ندفنه أبدًا، فصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه.


يقول سلمان:

- فما رأيت رجلًا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلًا ونهارًا منه، فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله، وأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة، فقلت له:

- يا فلانُ، إني كنت معك وأحببتك حبًّا لم أحبه مَن قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال:

- أي بني، والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلًا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه فالحق به، فلما مات وغيِّب، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له:

- يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، فقال لي:

- أقِم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خيرَ رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة قلت له:

- يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال:

- أي بني، والله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه إلا بنصيبين[6]، وهو فلان، فالحق به، فلما مات وغيِّب، لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال:

- فأقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له:

- يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال:

- أي بني، والله ما نعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية[7]، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأتِه، فإنه على أمرنا، قال سلمان:

- فلما مات وغيِّب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، فقال:

- أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال:

- واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله جل جلاله، فلما حضر قلت له:

- يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال:

- أي بني، والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبيٍّ هو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حَرَّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى؛ يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، ثم مات وغيِّب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجارًا، فقلت لهم:

- تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه، قالوا:

- نعم، فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى[8]، ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدًا، فكنت عنده، ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي[9]، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها، وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرِّقِّ، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال:

- فلان، قاتل الله بني قيلة[10]، اللهِ إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدِم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، فلما سمعتها أخذتني العرواء[11]، حتى ظننت سأسقط على سيدي، ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك:

- ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضِب سيدي، فلكمني لكمةً شديدةً، ثم قال:

- ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك، قلت:

- لا شيء، إنما أردت أن أستثبت عما قال.


وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت له:

- إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

- ((كلوا)) وأمسك يده فلم يأكل، فقلت في نفسي:

- هذه واحدة، ثم انصرفت عنه.


فجمعت شيئًا، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به، فقلت:

- إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي:

- هاتان اثنتان.


ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد[12]، وقد تبع جنازةً من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته، عرف أني أستثبت في شيء وُصف لي، فألقى صلى الله عليه وسلم رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ((تحول))، فتحولت[13]، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه.


ثم شغل سلمان الرقُّ حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرٌ وأحدٌ.


قال سلمان:

- ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ((كاتِب يا سلمان))[14]، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير، وبأربعين أوقيةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:

- ((أعينوا أخاكم))، فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين وديةً[15]، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر، يعني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية.


فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ((اذهب يا سلمان ففقِّر[16] لها، فإذا فرغت فأتني أكون أنا أضعها بيدي)).

- ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي عليَّ المال.


فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال:

- ((ما فعل الفارسي المكاتب؟)) فدُعيت له، فقال صلى الله عليه وسلم:

- ((فأدِّ بها ما عليك يا سلمان))، فقلت:

- وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ؟ قال صلى الله عليه وسلم:

- ((خذها، فإن الله جل جلاله سيؤدي بها عنك))، قال:

فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقيةً[17]، فأوفيتهم حقهم وعُتقت، فشهِدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفُتني معه مشهد"[18].


المسائل المستنبطة

من قصة سلمان الفارسي

المسألة الأولى: لا بد لكل صاحب قضية من رحلة، يبحث فيها عن ذاته، وعن طموحاته، كما ولا بد له من رسالة يحقق من خلالها هدفه الذي يحدده لنفسه، وفي الإسلام يجب أن تكون الأهداف سامية والوسائل هي الأخرى يجب أن تكون سامية، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة، وتتباين الرحلات بين الأفراد؛ فهناك رحلة زمانية فقط، وهناك رحلة زمانية ومكانية، وهناك رحلة روحية وعقلية، المهم أن يتحول بعدها من حال سيئ إلى حال أفضل، يجد المرء فيه ذاته، ويصل إلى أهدافه.


المسألة الثانية: على الرغم من أن سلمان رضي الله عنه من طبقة اجتماعية رفيعة ومُترفة، وقد كان رضي الله عنه الولد المدلَّل الذي لم يكن لينقصه شيء، إلا إن ذلك لم يَثنه من المباشرة برحلته، لأنه رضي الله عنه اقتنع تمام الاقتناع أن ما فيه من راحة مادية نسبية إنما هي راحة مزيفة وزائلة، وأنها لا تعدو من أنها لعب ولهو؛ كما وصفها القرآن العزيز في قوله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32]، وسبحان الله! فإن سلمان قد وعى ذلك وعقله قبل أن يسمع القرآن، فصار لا بد له رضي الله عنه من البحث عن الراحة الحقيقية، وعن كل ما يتعلق بها؛ لأنها الوسيلة الوحيدة التي ستلبي الحاجات الروحية التي بداخله، وتجيبه عن كل التساؤلات التي تدور في خلَده، ولنا أن نتخيل حجم الجهد والمعاناة التي مر بها الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه خلال رحلته، فأول الأشياء وأهمها فقدانه لحريته، وهو ليس بالإنسان الاعتيادي، فهو من عائلة نبيلة العروق عند الفُرس، تحول خلال رحلته في البحث عن الحقيقة والراحة من إنسان حر إلى عبد مملوك فاقد للإرادة، لقد ضحى سلمان رضي الله عنه بالجاه والمال، والعز والرفاهية، وحتى بحريته وكل ذلك من أجل الراحة الروحية.


المسألة الثالثة: في رحلة الإيمان وحين نضع أيدينا على ما نؤمن أنه الحق، نباشـره في الحال ولا نؤجل أو نؤخر العمل فيه، ولا نترك الأمور لما قد يحصل في المستقبل، وهذا ما فعله سلمان رضي الله عنه حين وجد الكنيسة في طريقه أول مرة بقيَ فيها إلى نهاية ذلك اليوم، واتخذ قرارات حاسمة في الموضوع.


المسألة الرابعة: حين يظهر في مسيرة الرحلة الإيمانية شخص مسيء، يستغل وجوده تحت عنوان معين من أجل مصالحه الشخصية، فإن هذا يسيء للقضية برمتها، وربما ينحرف بها إلى طريق خاطئ، أو يجنح بها إلى الهاوية، عند ذاك ينبغي عدم السكوت، بل ويجب التعريف بهذا الشخص المسيء وإخبار الآخرين بما يفعل؛ لأن ذلك في مصلحة الجميع.


المسألة الخامسة: إن استغلال الدين للمصالح الشخصية أمر قديم، يمارسه أصحاب النفوس الضعيفة والقلوب المريضة من أجل لُعاعة من الدنيا، وهو باقٍ إلى يوم القيامة؛ ولقد وصف القرآن الكريم هذا الصنف من الناس بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]، يحذرنا منهم.


المسألة السادسة: تُؤخذ الاستشارة في أي أمر ذي بال من أهل الفضل والصلاح والفضيلة، والعلم والحكمة؛ من أجل معرفة الطريق المؤدي للحق والوصول إليه، وإن كان ثمن ذلك غاليًا، وينبغي لمن يُستشار أن يعطي المشورة بأمانة وصدق؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المستشار مؤتمن))[19].


المسألة الثامنة: عندما يكون الهدف في الحياة ساميًا وعظيمًا، ستهون أمامه المغريات كلها وترخص الممتلكات مهما كانت عظيمة، عندها سيُبذل كل غالٍ من أجل الوصول إلى الهدف المرسوم.


المسألة التاسعة: في مسيرة الحياة نحو الهدف ربما تطول وتتواصل أيام الصبر والمشقة وما فيها من ألم ومعاناة، فرحلة الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه بدأت من بلاد فارس من منطقة أصفهان إلى بلاد الشام، ثم الرجوع إلى الموصل (العراق) ومنه إلى نصيبين (بلدة على جادة القوافل بين الموصل والشام في وقتها)، وبعدها إلى عمورية (بلدة في بلاد الروم في وقتها وهي اليوم في تركيا)، وبعدها إلى وادي القرى (وهي بين المدينة المنورة والشام) وأخيرًا وصل مبتغاه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها رحلة شاقة بل مضنية ولا شكَّ، كما وأنها طويلة، ربما قطع سلمان رضي الله عنه خلالها آلاف الكيلومترات، وبذل خلالها الجهد والمال، وضحى بهما من أجل هدفه الذي يسعى إليه؛ يقول الشاعر:

تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهرُ

المسألة التاسعة: القدوة الحسنة هو من يرسم الطريق للآخرين، ويدلهم على الحق بصدق وأمانة وإخلاص، لذلك لا بد من البحث عنه ومعرفته ومراجعته بشكل دائم.


المسألة العاشرة: البركة سر من أسرار هذا الكون يجعلها الله جل جلاله لمن يشاء وعلى يد من يشاء من عباده، فيصبح القليل كثيرًا، والصغير كبيرًا، والعقيم ولودًا، والبعيد قريبًا بإذن الله جل جلاله، وجعل الله البركة من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دعوته أو لمسته أو نفخته، وقد حصل أن الذهب الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه والذي كان مثل بيضة الدجاجة، وكان سلمان رضي الله عنه يراه قليلًا ولا يقع شيئًا بما عليه من الدَّين، فقد بارك الله في هذا الذهب القليل، وجعله يعدل أربعين أوقية من الذهب؛ أي: ما يعادل كيلوغرامًا واحدًا وربع الكيلو غرام من الذهب تقريبًا.


المسألة الحادية عشرة: من جمال الإسلام وواقعيته أنه يراعي الأعراف والقوانين التي يتعايش بها الناس، وذلك من أجل أن يسود النظام والسلام بين الناس، فعلى الرغم من أن عبودية سلمان الفارسي رضي الله عنه بُنيت على باطل، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالتمرد أو الهروب من سيده الذي يملكه، بل إن الإسلام يعد العبد الهارب من سيده مقترفًا لجريمة، وجعل تبعيتها أنه لا تُقبل له صلاة حتى يرجع ذلك العبد لسيده بصرف النظر عن أسباب ذلك الرِّقِّ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم؛ العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون))[20].


ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شجع سلمان رضي الله عنه أن يحرر نفسه بنفسه، وفق الأعراف السائدة والأنظمة المعمول بها، فشجَّعه على عتق نفسه بنفسه، وأعانه صلى الله عليه وسلم بنفسه، وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يعينوا أخاهم، وفي إعانة الأخ في الإسلام ترغيب كبير؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة))[21].


المسألة الثانية عشرة: حين تكون الرحلة في الله جل جلاله ومن أجله، فإنه جل جلاله يغدق على العبد من الخير، فكل ما يخسره العبد سيعوضه الله جل جلاله عنه، فسلمان الفارسي رضي الله عنه بعد فقدان الأب الحنون، عوَّضه الله جل جلاله بأفضل وخير منه؛ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؛ حيث كانوا كالأهل لسلمان رضي الله عنه، وقفوا معه وساندوه، وردوا اعتباره رضي الله عنه وأصبح من كبار القوم ولكنه كبير حقيقي هذه المرة، لأنه كبير في الله جل جلاله؛ فقد قال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- يا رسول الله، مَن هؤلاء الذين ذكر الله إن تولينا استُبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا[22]، قال وكان سلمان بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخِذ سلمان، وقال:


- هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطًا بالثريا، لَتناوله رجال من فارس))[23].

 

ومن عجيب ما حدث أن سلمان الفارسي رضي الله عنه لما ترك فارس وما كان لأبيه وله من الإمارة والجاه والمال في سبيل الله، ودارت الأيام عليه، وبعدما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عيَّن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلمان الفارسي رضي الله عنه أميرًا على المدائن بعد فتحها، التي كانت في وقتها عاصمة الدولة الفارسية، سبحان الله! وصدق القائل: إن الجزاء من جنس العمل.



[1] جاء في إرشاد الساري شـرح صحيح البخاري للقسطلاني، عن ابن عباس رضي الله عنه: "أنه من أهل أصبهان، وكان أبوه دهقانًا"، ورام هرمز: بلدة بخوزستان، من بلاد فارس، قريبة من عراق العرب.

[2] صحيح البخاري برقم: 3731.

[3] الحديث رواه ابن عباس عن سلمان الفارسي، فكان في متن الحديث يقول: قال: ويقصد قال سلمان، وقد رفعت كلمة قال: لتكون الرواية عن سلمان الفارسي مباشرة من أجل أن يكتمل السياق القصصي، ولا يحدث التباس لدى القارئ، وقول ابن عباس رضي الله عنه: "من فيه"؛ أي: من فمه.

[4] الأسقف: هو الأب المسؤول عن عدد من الكنائس داخل إقليم معين، وأصل الكلمة (إپيسكوپوس) يونانية نقلت إلى السريانية: أفيسقوفو، ثم إلى العربية أسقف.

[5] الورق هو الفضة.

[6] تقع نصيبين في أقصى شمال الجزيرة الفراتية في العراق، على الحدود بين تركية وسورية، وتعود اليوم إلى تركية.

[7] عمورية كانت أهم مدن الإمبراطورية البيزنطية وهي في غرب آسيا الصغرى (الأناضول حديثًا).

[8] وادي القرى وادٍ من أودية شبه الجزيرة العربية التاريخية، يقع في محافظة العلا، بين تيماء وخيبر.

[9] أي: لم أتأكد وتطمئن نفسي أنه المكان الذي وصفه لي الراهب.

[10] قَيلة: بفتح القاف وسكون الياء، وهي الجدة الكبرى من الأنصار والدة الأوس والخزرج، جاء في تحفة الأحوذي 10/ 273: "والأوس ينتسبون إلى الأوس بن حارثة والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة، وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة، وقيل: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن".

[11] العرواء: الرعشة الشديدة.

[12] بقيع الغرقد هو مدفن أهل المدينة، سُمِّي كذلك لأن نباتًا يسمى الغرقد كان ينبت فيه.

[13] أي: تحول من النصرانية إلى الإسلام.

[14] كاتب: أي أبرم عقدًا بينك وبين مالكك على العتق مقابل المال.

[15] الودية: الفسيلة الصغيرة، وجمعها ودي.

[16] جاء في العين للفراهيدي: الفقرة: حفرة يفقرها الإنسان تفقيرًا لغرس فسيل.

[17] أوقية الذهب تساوي: 29.75 غم.

[18] مسند أحمد بن حنبل، برقم: 23737.

[19] الأدب المفرد، البخاري، 256.

[20] سنن الترمذي: 360.

[21] سنن أبي داود: 4895.

[22] يقصد الصحابة قول الله جل جلاله: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

[23] سنن الترمذي: 3261.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من هو سلمان الفارسي؟
  • ولكم في سلمان الفارسي عبرة
  • سيرة سلمان الفارسي رضي الله عنه
  • خطبة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه
  • سلمان الفارسي
  • قصة سلمان الفارسي - رضي الله عنه -وما فيه من العظة والبشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم
  • الباحثون عن الحق (3) سلمان الفارسي رضي الله عنه
  • سلمان الفارسي (قصيدة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: هدايات من قصة جوع أبي هريرة رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة فيها عبرة (الأصمعي والبقال)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في عيادة الطبيب ( قصه قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصه حدثت للدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفحات مضيئة من حياة الفاروق رضي الله عنه: وداعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (10)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه في القضاء (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختار أبو بكر الصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميرا للمؤمنين؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير قول الله تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/2/1447هـ - الساعة: 14:56
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب